الفصل الخامس

بعد انتهاء الحفل

في عصر اليوم التالي لحفل السفينة «كونسترنيشن» جلسَت فتاتانا إحداهما في مقابل الأخرى تحت العوارض الخشبية لسقف غرفة الحياكة، وكانتا تجلسان في فتورٍ ودونما هدفٍ كأولئك الذين لم يعودوا إلى منازلهم حتى الصباح، بل حتى أسفر ضوءُ النهار بالفعل. إنَّ السمة المميزة السائدة في أيِّ منتجعٍ صيفيٍّ هي الكرسي الهزاز، وكان هناك في غرفة الحياكة منه اثنان، حيث جلست كاثرين ودورثي تتأرجَحان برفقٍ إلى الخلف والأمام وهما تتحدثان. كانتا تجلسان قريبًا من النافذة العريضة المنخفضة التي توفِّر إطلالة جميلةٍ جدًّا على الخليج الأزرق والسفن البيضاء. كانت السفينة الضخمة «كونسترنيشن» راسيةً بحائطها في مواجهة المدينة، وقد أُزيلَت كلُّ مظاهر الاحتفال من على هيكل السفينة وحِبالِ أشرعتِها وصوارِيها؛ رأت عيون الفتاتَين تلك التي لم تأخذ كفايتها من النوم، شيئًا نابعًا من حزن الرحيل بدا مُعلَّقًا كضبابٍ رقيقٍ حول السفينة الضخمة. لم تكن الفتاتان تناقشان الماضي، بل كانتا تستشرفان المستقبل، وتتنبآن به بينما تتخلَّل حديثهما فتراتُ صمتٍ طويلةٍ.

كانت كاثرين تقول: «إنكِ لن تبقَي معنا إذن، أليس كذلك؟ هل أنتِ عازمةٌ بعد أن اغتنيتِ على التخلِّي عن عائلة كِمْت الفقيرة؟»

«لكنني سأعودُ إلى عائلة كِمْت بين الحين والآخر، إذا سمحوا لي بهذا. يجب أن أبتعد فترةً من الزمن وأُفكِّر. لقد أصبحَت حياتي فجأةً في غاية الفوضى والاضطراب، وأنا أريد أن أتبيَّن موقعي، مثلما تفعل سفينةٌ خاضَت إحدى العواصف ولم تَعُد تعرف موقعها.»

««لا تدري أين تكون.» كما تقول الأغنية.»

«بالضبط؛ هذه هي حقيقة الأمر.»

«أرى يا دورثي أن عدم سماحكِ لنا بالإعلان عن ثروتكِ الطائلة كان أمرًا في غاية السوء. تخيَّلي فقط مقدار الحفاوة التي كنتِ ستَحظين بها على متن الطرَّادة ليلة أمس لو عرفَ الحشدُ أنَّ أغنى امرأةٍ بينهم ليست سوى فتاةٍ جميلةٍ خجولةٍ تجلس بمفردها تمامًا ولا تشترك ولو حتى في رقصةٍ واحدةٍ.»

«أنا ألا أهتم ألبتَّة بهذا النوع من الحفاوة يا كيت، ولو أنَّ جميع الحاضرين شعروا بمثل ما شعرتُ به أنا من سعادةٍ غامرةٍ بالاحتفال، فلا بد إذن أنهم استمتعوا بوقتهم للغاية. أعتقدُ أن صديقتي كيت استمتعَت بنصيبها من الرقص ونابَت عنِّي في الاستمتاع بنصيبي منه.»

««لقد رقصَت، ورقصَت، ثم رقصَت معهم حتى أنهكتهم». أعتقدُ أن تلك هي كلمات الأغنية الاسكتلندية التي اقتبسها الأمير. يبدو أنه حَسنُ الاطلاع على الشعر الاسكتلندي، وهو لا يستاء حتى من تسميته بالاسكتلندي. يبدو، بحسب ما فهمتُ منه، أن هذه الفتاة النشيطة التي تتحدَّث عنها الأغنيةُ قد رقصَت معهم حتى لم يعودوا قادرين على مراوحة أماكنهم؛ لأنَّ هذا ما شرحه لي، لكنني قلتُ له إنني أُفضِّل أن أتعلم الروسية على أن أتعلم الاسكتلندية؛ لأن الروسية أسهل بكثير، وكان سُمُوُّه من اللطف بمكانٍ بحيث ضحكَ لدُعابتي هذه. أمَا طلبَ منكِ المُلازمُ أن تشاركيه في الرقص؟»

«بلى، طلبَ.»

«ورفضتِ؟»

«نعم، رفضتُ.»

«ما كنتُ أظنه يتمتَّع بالقدر الكافي من حُسن التمييز الذي يجعله يطلب من فتاةٍ أن تشاركه في الرقص.»

«إنكِ ناكرةٌ للفضل يا كاثرين. لا تنسَي أنه عرَّفكِ إلى الأمير.»

«نعم، هذا حقيقي. لقد نسيت. لن أُخطئ في حقه بعد ذلك أبدًا.»

«أنتِ معجبةٌ بالأمير إذن، أليس كذلك؟»

«من بين جميع أصحاب التيجان، والأباطرة، والملوك، والسلاطين، والعواهل من جميع الأنواع، وكل دوق أو كونت أو إيرل أو مَركيز، من أولئك الذين قابلتُهم، والذين ألحوا عليَّ في أن أشاركهم امتيازاتهم المَلكية، أعتقد أنني ربما أقول بصدقٍ بالغٍ إنني أُفضِّل جاك لامونت هذا عليهم جميعًا.»

«لا شك أن الأمير جاك لم يَعرض عليكِ بعدُ أن تشاركيه في إمارته، أليس كذلك؟»

«بلى، لم يفعل بعد، لكنَّني أقنعتُه حرصًا منِّي على المستقبل، بالتوقُّف عن قراءة أدب تولستوي والبدء في قراءة كتابات مارك توين الذي لا يُضاهي الكاتِب الروسي في حس الدعابة فحسب، وإنما يتفوَّق عليه كثيرًا في جانب الحكمة. يجب ألَّا يُسمح لجاك بمنْح ممتلكاته للفلاحين كما فعلَت أختُه الساذَجة. ربما أَحتاجُ إلى تلك الممتلكات فيما بعد.»

«يا إلهي، هل تماديتِ إلى هذا الحد؟»

«لقد تماديتُ إلى هذا الحد؛ لكنه لم يفعل. إنه لا يعلم أيَّ شيءٍ عن الأمر، لكنَّني سأُنبِّهه عندما يأتي الوقت المناسب. إنه يتسم بالكثير من جوانب التعقُّل. لقد أخبرني أنه كان ينوي التنازل عن ممتلكاته، لكنه أولًا كان مشغولًا جدًّا، وثانيًا كان محتاجًا للمال. غير أنَّ تفكيره في حاجة إلى شيءٍ من الصقل كي يتخلَّص مما به من الشوائب. إنني لا ألقي باللوم عليه، بل ألوم تولستوي. عندما سألتُه مثلًا إن كان نالَ براءة اختراعٍ بشأن فكرته عن المدينة السائلة أم لا، قال إنه لا يرغب في التربُّح من اكتشافه، وإنما يريد منه نفع البشرية عمومًا. تخيَّلي مدى حماقة الفكرة!»

نبَّهتها دورثي قائلةً: «أعتقد أنه يستحق مُطلَق الثناء على مثل هذه الآراء.»

«يا إلهي، بالتأكيد، لكن الخطة غير قابلة للتنفيذ. لو أنه سمحَ لمثل هذا الاختراع بالإفلات من يده فمن المحتمَل أن يَستحوِذ عليه أصحاب شركة «ستاندارد أويل» ويحتكروه، فما سيكون موقف البشرية بأكملها حينئذٍ؟ لقد أخبرتُه أن الصواب هو الحصول على براءة اختراعٍ لفكرته، وجنْي كلِّ ما يستطيع جنيَهُ من المال، وتسخير المال في نفع البشرية تحت إشراف شخصٍ مُحسنٍ مثلي.»

«هل اقترحتِ عليه هذا؟»

«أنا لم أُصرِّح مَنْ هو الشخص الحكيم، لكنني شرحتُ المبدأ فقط.»

«نعم، وماذا قال هو؟»

«قال الكثير يا دورثي، قال الكثير. لقد أفضى إليَّ في مرةٍ واحدة بأسرار ممتلكاته في الأراضي الأجنبية. يبدو أنه يملك عدة قلاع، وعندما يزور أيًّا منها لا يستطيع أن يمنع «الموجيكس»، إذا كانت هذه هي التسمية الصحيحة للفلاحين هناك، من السجود على الأرض عندما يمر بهم، ووضْعِ جباهِهم على التراب، والتغني، بالروسية، بعبارة: «أذعِنوا، أذعِنوا، ها قد جاء الجلَّاد الأعظم»، أو بكلماتٍ بهذا المعنى. قلت له إنني لا أفهم ما قد يدفعه إلى منع عادة جذابة كتلك، وقال إنني لو زرتُ إحدى قلاعه فسيصنع هؤلاء الناس الجديرون بالاحترام، بكلمة منه، طريقًا مضلَّعةً في الطين بأجسادهم، لكي أخطو من العربة إلى أبواب القلعة دون أن يتسخ حذائي، واشترطتُ أنه ينبغي له على الأقل أن يبسط على أجساد البؤساء المساكين سجادةً مدرجةً قبل أن أسير عبر الفناء الأمامي لقلعته.»

«حسنٌ، لقد صار أحدكما موضعَ ثقة الآخر إذا كنتما قد تحدثتما عن زيارةٍ إلى روسيا.»

«نعم، أليس كذلك؟ أظن أنكِ لا تقرِّين سلوكي الوقح، أليس كذلك؟»

«لا شك لدي أنكِ تصرفتِ بأقصى درجات التعقُّل يا كيت.»

«لكنني لم أنتظر الوقت الكافي، أليس كذلك؟»

«لا أعرف كم يَلزم من الوقت للوصول إلى مستوى الصداقة الذي وصلتِ إليه؛ فأنا عديمة الخبرة. صحيحٌ أنني قرأتُ عن الحب من أول نظرة، وأنا أنتظر وحسب لكي تخبريني إن كان ما حدث بينكما من هذا القبيل.»

«يا إلهي، إنكِ تَشعُرين بخجل كبير، وتجلسين هناك بكل هذا الحياء!»

«قد أبدو خجولة أو أشعر بالحياء، لكنه أثرُ النعاس وحسب.»

«يا لكِ من محتالة صغيرة يا دورثي.»

«لماذا؟»

«لا أدري لماذا، لكنكِ مُحتالة. لا، لم يكن ما بيننا من قبيل الحب من أول نظرة؛ وإنما كان مثالًا على انتقام المرأة. نعم، قد تبدو عليكِ علامات الدهشة، لكنَّني أقول الحقيقة. بعد أن انصرفتُ بمنتهى الزهو مع جلالته، رقصنا معًا رقصةً لطيفةً للغاية؛ ثم اقترحتُ عليه العودة إليكِ، لكن الفتى لم يَرغب في هذا، وللحظةٍ شعرتُ بالإطراء. غير أنني فهمتُ فيما بعد أنه لم يتجنَّب قُربَكِ طمعًا في صحبتي، وإنما كان يُضحِّي بنفسه من أجل صديقه.»

«أيُّ صديقٍ هذا؟»

«المُلازم دروموند بالطبع.»

«كيف كان يُضحِّي بنفسه من أجل المُلازم دروموند؟»

«أظنُّ أن المُلازمَ الطويل القامة لم يقع في حبائل إغوائي كما كنتُ أعتقد في البداية، لكنه، وعلى نحوٍ لا يُمكن تفسيره؛ إذ لا يدري المرء أبدًا كيفية حدوث هذه الأشياء، كان دروموند حريصًا جدًّا على أن يُترَك بمفرده مع الآنسة الخجولة دورثي إمهيرست، التي لا تَعرف كم يلزم من الوقت للوقوع في الحب من أول نظرة، رغم أنها قد قرأَت عن هذه الأشياء، يا لها من فتاةٍ طيبةٍ بريئة. قال سببُ المصائبِ الأولُ لسبب المصائب الثاني: «ثمة فتاةٌ جالسةٌ على مقعدنا؛ سوف أُعرِّفك إليها. فلتُغرِها أنتَ بالاندماج في الرقص الأهوج، وأبقِها بعيدًا بقدرِ ما تستطيع، وسأردُّ لكَ الجميل يومًا ما.»

«وربما يكون جاك لامونت قد سبَّ ولعن حينذاك، أعرف أنَّ البذاءة أحيانًا ما تكون متفشيةً بصورةٍ موجعةٍ على متن السفن، لكنه برغم ذلك سمحَ للملازم باقتياده مثلما يُقتاد الحَمَل إلى المذبحة. ولمَّا لم أكن قويةً بما يكفي لإلقائه من على ظهر السفينة عندما أدركتُ حقيقة الأمر، فعلتُ أفضل ما يُمكن فعلُه بعد ذلك؛ بالغتُ في معاملته بلطفٍ إلى حدٍّ يبعث على الغثيان. لقد ابتسمتُ في وجهه، واستمعتُ إلى الهراء الذي راح يقوله عن المكوِّنات الكيميائية لاختراعاته البارزة المختلفة، وكأن الفتيات يحضرن الحفلات الراقصة ليَدرُسن الكيمياء! قبل أن تنقضي نصفُ ساعةٍ استنتجَ ذلك القاصرُ أنه كان برفقة أول امرأةٍ عاقلةٍ حقًّا قابَلَها في حياته. وبعد قليلٍ بدأ يسقيني من كأس الغَزَل والهوى، مثلما تقول العبارةُ المقيتة، وكأنَّ الهوى مزيجٌ يُركَّب من هذا المُكوِّن وذاك المكوِّن، ثم يُرَجُّ قبل أن يُشرَب. يسرني أن أُضيف، دلالةً على مهاراتي في إثارة الإعجاب، أنَّ جاك نسيَ سريعًا أنه كان أُضحيةً، والحق أنه بعد قليلٍ من التوجيه، أصبح مُغازِلًا ممتازًا جدًّا. إنه قادمٌ لزيارتي بعد ظهر اليوم، وعندها سيُدرك الحقيقة. سوف أطأ عليه وكأنه واحدٌ من رعاياه من الموجيكس.»

«ما أروع مخيلتكِ يا كيت! كلُّ ما قلتِه إنما هو محض خيال. لقد رأيتُ أنه انجذبَ إليكِ من البداية. إنه حتى لم ينظر إليَّ ولو نظرةً عجلى.»

«بالطبع لم يفعل؛ لم يُسمَح له بذلك.»

«هذا هراء يا كيت. لو اعتقدتُ للحظةٍ أنكِ جادةً في كلامك لقلتُ إنكِ تستخفين بمفاتنك.»

«حسنٌ، ربما لا بأس بهذا كله أيتها الآنسة دورثي ذات الغمازة؛ إنكِ تُحاولين تشتيتي بمسائلَ جانبية؛ لأنكِ تَعلمين أن ما أريد معرفته هو السبب في لهفة المُلازم دروموند على إبعادي إلى مكانٍ آخر. ما الذي استفادَه من الفرصةِ التي قدمتُها إليه أنا بسذاجتي وقدَّمها إليه الأميرُ بدماثة أخلاقه؟»

«إنه لم يَقُل إلا كلامًا عاديًّا.»

«حدِّثيني عن التفاصيل يا دورثي، ودعيني أحكم بنفسي. إنكِ عديمة الخبرة للغاية، كما تعرفين ويجدر بكِ أن تَستشيري صديقة أكثر حُنكة.»

«أنا لا أتذكَّر فحسب …»

«أجل، كنتُ أتوقَّع هذا. هل تكلَّم عن نفسه أم عنكِ؟»

«عن نفسه بالطبع. لقد حدَّثني عن سبب نيته في السفر إلى روسيا، وتكلَّم عن بعض القيود التي واجهها في عمله.»

«حقًّا! وهل فكَّ تلك القيود؟»

«أقصدُ عقبات؛ مَصاعب تعترض طريقه، ويأمُل أن يتخطاها.»

«يا إلهي، فهمت. وهل أظهرتِ له ذلك التعاطفَ الذي …»

طرقَ شخصٌ ما على الباب، ودخلت الخادمة وفي يدها بطاقة تعريف.

أسرعَت كاثرين بالوقوف، وصاحت قائلةً: «يا إلهي! لقد جاءَ الأمير. يا لها من حماقةٍ ألا يكون لدينا مرآةٌ في هذه الغرفة، وهي غرفة للحياكة والجلوس أيضًا. هل أبدو على ما يرام يا دورثي؟»

«أنا أراكِ مثالًا للكمال.»

«يا إلهي، حسنٌ، يُمكنني النظر سريعًا في أيِّ مرآةٍ في الطابق القادم. ألن تنزلي لترَيه وأنا أطؤه بقدمي؟»

«لن أنزل، شكرًا لكِ. إنني على الأرجح سأغفو، وسأستمتع بقيلولةٍ على هذا الكرسي الوثير للغاية. لا تقسي كثيرًا على الفتى يا كيت. إنَّ ظنونكِ عنه مخطئةٌ تمامًا. إن المُلازم لم يُخطِّط ألبتَّة لأي شيءٍ مما تظنِّينه؛ لأنه لم يتكلَّم عن أيِّ شيءٍ غير المواضيع العادية جدًّا طَوال فترةِ بقائي معه، كما كنتُ على وشك أن أُخبركِ، لولا أنكِ تبدين متلهِّفة للغاية على الذهاب.»

«يا للعجب، لن تخدعيني بكلامكِ هذا أبدًا. سأعود قريبًا وقد أجهزتُ على الفتى تمامًا. والآن أنا ذاهبةٌ ولن أتأخر.» بعد هذه الكلمات نزلت كاثرين تتواثب على الدَّرج.

أخذت دورثي مجلةً كانت على المنضدة، وظلَّت بضع دقائق تقلِّب صفحاتها متنقلةً من خبرٍ إلى آخر، في محاولةٍ منها للبحث عن شيءٍ يثير انتباهها، لكنها فشلت في هذا. بعد ذلك تناولَت الجريدة التي كانت ملقاةً عند قدميها، لكنها سرعان ما ألقتها جانبًا هي الأخرى، واتكأَت في كرسيها بعينَين شبه مغلقتَين، وراحت تنظر إلى الطرَّادة الراسية في الخليج. أخذ ضبابٌ رقيقٌ يتصاعد بينها وبين السفينة، ثم بدأ يَغلظ شيئًا فشيئًا حتى انتهى به الأمر إلى أن حجبَ السفينة تمامًا.

كانت دورثي مهمومةً لشعورها بأنها نسيَت شيئًا ما، وقد حاولت جادة أن تتذكَّره لكن دون جدوى. لقد كان شيئًا بالغ الأهمية، كانت متأكدةً من ذلك، وهذا التأكُّد زاد من قلقها.

وأخيرًا رأَت سابينا قادمةً من الظلمة وهي ترتدي أسمالًا باليةً، وفي تلك اللحظةِ مكَّنتها ومضةٌ من الحَدْس من حل اللغز. لم يكن فستان الحفل الراقص قد اكتمل نتيجة لتوانيها؛ فأسرعت الفتاةُ بالنهوض، وبدافعٍ من إحساسها، لا من عقلها، جلسَت إلى ماكينة الحياكة، وحينها بدَّدَتِ الضبابَ ضحكةٌ مدويةٌ من كاثرين.

«يا إلهي، أنتِ أيتها الفتاة المسكينة، ماذا أصابك؟ هل عُدتِ إلى الكدح مرةً أخرى؟ يبدو أنكِ نسيتِ الثروة!»

صاحت دورثي في شيءٍ من الشرود: «هل … هل عُدتِ بالفعل؟»

«نعم بالفعل! يا إلهي، يا للعجب، لقد بقيتُ هناك مدةَ ساعةٍ وربع. أيتها الفتاة الحبيبة، لقد كنتِ نائمةً وعُدتِ إلى العبودية من جديد!»

قالت دورثي متنهدةً: «أظن ذلك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤