عَوْدَةٌ إِلَى الْبِئْرِ

ثُمَّ سَكَتَتْ «لُؤْلُؤَةُ» قَلِيلًا، وَاسْتَأْنَفَتْ حَدِيثَهَا قَائِلَةً: «إِنِّي لَيُسْعِدُنِي أَنْ أَضَعَ حَدًّا لِشَقَائِكُمَا، أَيُّهَا الْعَزِيزَانِ.»

ثُمَّ اتَّجَهَتْ «لُؤْلُؤَةُ» إِلَى «فَائِقٍ» وَرَبَّتَتْ كَتِفَهُ، وَقَالَتْ لَهُ مُبْتَسِمَةً: «وَإِنَّهُ لَيَطِيبُ لِي أَنْ أُخْبِرَكَ أَنَّ فِي غَوْرِ الْبِئْرِ — الَّتِي نَقَلْتُكَ إِلَيْهَا لِأُنْقِذَكَ مِنْ خَطَرِ الْحَرِيقِ — كَنْزًا نَفِيسًا مِنَ الْعِطْرِ لَا يُقَوَّمُ بِمَالٍ، وَسَيَجْلُبُ لَكَ وَﻟ «نَرْجِسَ» كُلَّ مَا تَحْلُمَانِ بِهِ مِنْ سَعَادَةٍ وَرَاحَةِ بَالٍ.

فَأَسْرِعْ — يَا «فَائِقُ» — إِلَى الْبِئْرِ، وَلَا تَتَوَانَ١ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ، ثُمَّ أَحْضِرْهُ إِلَيَّ بَعْدَ أَنْ تَحْصُلَ عَلَيْهِ. وَسَأُطْلِعُكَ عَلَى فَائِدَتِهِ مَتَى جِئْتَنِي بِهِ.»

فَبَادَرَ الْأَمِيرُ إِلَى الْبِئْرِ — وَكَانَ السُّلَّمُ لَا يَزَالُ فِيهَا — ثُمَّ هَبَطَ دَرَكَاتِ السُّلَّمِ، فَبَلَغَ قَرَارَهَا فِي رَشَاقَةٍ وَخِفَّةٍ؛ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ السَّجَّادَةِ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُغَادِرَهَا فِي الْمَرَّةِ السَّابِقَةِ؛ فَأَقْبَلَ عَلَى جُدْرَانِ الْبِئْرِ؛ يَفْحَصُ عَنْهَا بِعِنَايَةٍ وَانْتِبَاهٍ وَيَقَظَةٍ، فَلَمْ يَجِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ كَنْزٍ.

وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِدْقِ «لُؤْلُؤَةَ»؛ فَلَمْ يَدِبَّ إِلَى قَلْبِهِ الْيَأْسُ مِنْ إِدْرَاكِ طِلْبَتِهِ. وَعَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ السَّجَّادَةَ، لَعَلَّ الْكَنْزَ مَخْبُوءٌ تَحْتَهَا.

وَلَمْ يَكَدْ يَفْعَلُ حَتَّى لاحَ لَهُ حَجَرٌ أَسْوَدُ فِي وَسَطِهِ حَلْقَةٌ صَغِيرَةٌ. فَأَمْسَكَ بِالْحَلْقَةِ وَجَذَبَهَا إِلَيْهِ، فَارْتَفَعَ الْحَجَرُ، وَظَهَرَ تَحْتَهُ صُنْدُوقٌ صَغِيرٌ، يَتَلَأْلَأُ كَمَا تَتَلَأْلَأُ النُّجُومُ.

فَقَالَ «فَائِقٌ» فِي نَفْسِهِ: «لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْكَنْزَ الَّذِي حَدَّثَتْنِي عَنْهُ الْجِنِّيَّةُ «لُؤْلُؤَةُ».»

ثُمَّ حَمَلَ الصُّنْدُوقَ فَلَمْ يَشْعُرْ لَهُ بِثِقْلٍ، وَخُيِّلَ إِلَيْهِ لِخِفَّةِ وَزْنِهِ أَنَّهُ يَحْمِلُ قِشْرَةَ جَوْزَةٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ … فَصَعِدَ السُّلَّمَ — وَهُوَ يَحْمِلُهُ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ بِعِنَايَةٍ وَاهْتِمَامٍ — فَوَجَدَ الْجَمْعَ فِي انْتِظَارِ عَوْدَتِهِ … وَوَضَعَ الصُّنْدُوقَ أَمَامَ الْجِنِّيَّةِ.

فَصَاحَتْ «زُبَيْدَةُ» تَقُولُ لِأَمِيرَةِ التَّوَابِعِ «لُؤْلُؤَةَ»: «يا للهِ! أَلَيْسَ هَذَا الصُّنْدُوقُ هُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي أَوْدَعْتِنِي إِيَّاهُ٢ يَا سَيِّدَتِي؟ فَكَيْفَ سَلِمَ مِنَ النَّارِ؟»

فَقَالَتِ الْجِنِّيَّةُ «لُؤْلُؤَةَ»: «هُوَ بِعَيْنِهِ، وَهَا هُوَ ذَا مِفْتَاحُهُ، أُقَدِّمُهُ لِلْمَلِكِ «فَائِقٍ» هَدِيَّةَ الْعُرْسِ. إِنَّهُ مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ! هَلُمَّ يَا «فَائِقُ»، فَافْتَحْ بِهِ الصُّنْدُوقَ.»

فَأَسْرَعَ «فَائِقٌ» إِلَى فَتْحِهِ. وَلا تَسَلْ عَمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْبَةِ وَالْحُزْنِ حِينَ فَتَّشَ عَنِ الْكَنْزِ الْمَنْشُودِ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ أَثَرًا فِي الصُّنْدُوقِ.

وَكَانَ كُلُّ مَا عَثَرَ عَلَيْهِ سِوَارَ «نَرْجِسَ» الَّذِي كَانَتْ تَتَحَلَّى بِهِ عِنْدَمَا لَقِيَهَا وَهِيَ رَاقِدَةٌ فِي الْغَابَةِ، وَإِلَى جَانِبِ السِّوَارِ زُجَاجَةُ عِطْرٍ زَكِيِّ الرَّائِحَةِ.

فَنَظَرَتِ الْجِنِّيَّةُ إِلَيْهِمْ — وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ — ثُمَّ ضَحِكَتْ لِمَا رَأَتْهُ عَلَى أَسَارِيرِهِمْ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ، وَتَنَاوَلَتِ السِّوَارَ، فَقَدَّمَتْهُ إِلَى «نَرْجِسَ» قَائِلَةً: «إِلَيْكِ — أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ الْكَرِيمَةُ — هَدِيَّةَ الزَّوَاجِ، وَهِيَ مِنْحَةٌ مِنِّي لَكِ يَا ابْنَتِي الْعَزِيزَةَ.

وَاعْلَمِي أَنَّ كُلَّ لُؤْلُؤَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّآلِئِ الْكَرِيمَةِ كَفِيلَةٌ بِأَنْ تَعْصِمَ٣ حَامِلَهَا مِنَ السِّحْرِ، وَتُجَنِّبَهُ اْلْأَذَى وَالشَّرَّ، وَتَمْنَحَهُ أَسْمَى الْفَضَائِلِ، وَتُهَيِّئَ لَهُ كُلَّ أَنْواعِ الْغِنَى وَالرَّخاءِ، وَتُضْفِيَ عَلَيْهِ آياتِ الرَّوْعَةِ وَالْجَمَالِ، وَالْمَهَابَةِ وَالْجَلالِ، وَتُعِينَهُ بِالْعَقْلِ الرَّاجِحِ وَالسَّعَادَةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا.

فَادَّخِرِيهَا لِأَبْنَائِكِ الَّذِينَ سَتُرْزَقِينَ بِهِمْ مِنَ الْأَمِيرِ فَائقٍ.»

ثُمَّ تَنَاوَلَتِ الزُّجَاجَةَ، وَقَالَتْ: «وَأَمَّا هَذِهِ الزُّجَاجَةُ الْعِطْرِيَّةُ، فَهِيَ هَدِيَّةُ ابْنِ عَمِّكِ لِزَوَاجِكِ. وَقَدْ آثَرْتُكِ٤ بِهَا لِأَنَّكِ تُحِبِّينَ الْعُطُورَ. وَسَتَتَكَشَّفُ لَكِ مَزَايَاهَا الْجَلِيلَةُ بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ؛ فَانْتَفِعِي بِهَا مُنْذُ هَذِهِ اللَّحْظَةِ.

وَسَأَمُرُّ غَدًا عَلَيْكُمَا، لِأَحْمِلَكُمَا إِلَى مَمْلَكَتِكُمَا.»

فَقَالَ لَهَا «فَائِقٌ»: «لَقَدْ نَزَلْتُ عَنِ الْمُلْكِ يَا سَيِّدَتِي، وَحَسْبِي أَنْ أَعِيشَ هُنَا مَعَ «نَرْجِسَ» الْعَزِيزَةِ الْمُخْلِصَةِ.»

فَقَاطَعَتْهُ الْمَلِكَةُ «زُبَيْدَةَ»، مُسَائِلَةً: «وَلِمَنْ تَتْرُكُ عَرْشَ مَمْلَكَتِكَ يَا وَلَدِي؟»

فَأَجَابَهَا «فَائِقٌ»: «أَنْتِ بِالْمُلْكِ أَجْدَرُ يَا أُمَّاهُ.

وَإِنِّي لَيُسْعِدُنِي أَنْ تَتَوَلَّيْهِ، وَأَنْ تَقْبَلِي رَجَائِي وَلَا تَرْفُضِيهِ.

أَمَّا أَنَا، فَهَيْهَاتَ أَنْ أَرْضَاهُ، وَأَقُومَ بِأَعْبَائِهِ وَأَتَوَلَّاهُ!»

•••

وَهَمَّتِ الْمَلِكَةُ أَنْ تُعْلِنَ رَفْضَهَا تَاجَ ابْنِهَا، وَلَكِنَّ الْجِنِّيَّةَ حَذَّرَتْهَا أَنْ تَنْطِقَ بِشَيْءٍ، وَانْبَرَتْ لَهَا قَائِلَةً: «حَذَارِ أَنْ تَتَعَجَّلِي بِالْكَلَامِ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ فَإِنَّ أَوَانَهُ لَمْ يَحِنْ بَعْدُ. وَنَصِيحَتِي إِلَيْكِ أَنْ تُرْجِئِيهِ٥ إِلَى الْغَدِ. أَلَيْسَ الْغَدُ بِقَرِيبٍ؟»

ثُمَّ قَالَتْ «لُؤْلُؤَةُ» لِلْأَمِيرِ بِصَوْتٍ عَذْبٍ، نَاظِرَةً إِلَيْهِ فِي حُنُوٍّ وَعَطْفٍ: «لَقَدْ مَنَعْتُ أُمَّكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الصَّدَدِ. وَلَنْ آذَنَ لَكَ — أَيُّهَا الْأَمِيرُ الْمَحْبُوبُ — فِي تَرْكِ الْمُلْكِ عَلَى أَيِّ حَالٍ؛ فَحَذَارِ أَنْ تَتَسَرَّعَ فِي رَفْضِهِ! وَعَلَيْكَ بِالتَّرَوِّي وَالصَّبْرِ؛ فَلَا تُبْرِمْ رَأْيًا وَلَا تَنْقُضْهُ قَبْلَ أَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ؛ فَوَدَاعًا.

وَسَأَلْقَاكَ غَدًا لِأُضْفِيَ عَلَيْكَ وَعَلَى «نَرْجِسَ» كُلَّ مَا تَحْلُمَانِ بِهِ مِنْ سَعَادَةٍ.

فَإِذَا تَمَّ لَكُمَا هَذَا — وَهُوَ مِنْكُمَا قَرِيبٌ — فَلَا تَنْسَيَا «لُؤْلُؤَةَ» صَدِيقَتَكُمَا الْوَفِيَّةَ، وَلَا تَشْغَلْكُمَا السَّعَادَةُ الشَّامِلَةُ عَنِ التَّفْكِيرِ فِيهَا بَيْنَ حِينٍ وَحِينٍ.»

•••

ثُمَّ صَعِدَتْ «لُؤْلُؤَةُ» إِلَى مَرْكَبَتِهَا، وَطَارَتْ — وَمَعَهَا قَنَابِرُهَا — مُسْرِعَةً.

وَلَمْ تَنْقَضِ عَلَى طَيَرَانِهَا لَحْظَةٌ وَاحِدَةٌ، حَتَّى غَابَتْ عَنِ الْأَنْظَارِ، بَعْدَ أَنْ خَلَّفَتْ وَرَاءَهَا رَائِحَةً عَبِقَةً.٦

فَنَظَرَ الْأَمِيرُ «فَائِقٌ» إِلَى صَاحِبَتِهِ «نَرْجِسَ» الْوَفِيَّةِ، وَقَلْبُهُ يَفِيضُ حُزْنًا وَأَلَمًا.

وَلَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ يُذْرِفَ مِنْ عَيْنَيْهِ عَبْرَةً٧ تَنُمُّ عَمَّا يُسَاوِرُ نَفْسَهُ مِنْ لَوْعَةٍ، ثُمَّ يُتْبِعُهَا زَفْرَةً، تَحْمِلُ كُلَّ مَا يُعَانِيهِ مِنْ مَعَانِي التَّفَجُّعِ وَالْحَسْرَةِ.

وَلَمْ يَخْفَ عَلَى «نَرْجِسَ» مَا يُكَابِدُهُ الْأَمِيرُ «فَائِقٌ» مِنْ آلَامٍ.

فَقَالَتْ لَهُ مُبْتَسِمَةً: «شَدَّ مَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا ابْنَ عَمِّ! شَدَّ مَا أَنَا سَعِيدَةٌ بِانْقِضَاءِ عَهْدِ النَّحْسِ وَالشَّقَاءِ، وَحُلُولِ عَهْدِ السُّرُورِ وَالْهَنَاءِ؛ بَعْدَ أَنْ سَلِمْتَ مِنَ الشَّرِّ، وَنَجَوْتَ مِنَ السِّحْرِ، وَاسْتَرْجَعْتَ جَمَالَكَ، وَبَلَغْتَ آمَالَكَ.

وَمَا أَدْرِي أَيَّةُ رَائِحَةٍ زَكِيَّةٍ تَعْبَقُ فِي هَذَا الْمَكَانِ!

أَلَيْسَتْ هِيَ رَائِحَةَ الْعِطْرِ الْبَدِيعِ الَّذِي قَدَّمَتْهُ لَنَا «لُؤْلُؤَةُ» الْكَرِيمَةُ؟

يا لَهُ مِنْ عِطْرٍ زَكِيٍّ، لَمْ أَرَ لِرَائِحَتِهِ مَثِيلًا!

وَإِنِّي لَيَبْهَجُنِي أَنْ أَصُبَّ قَطَرَاتٍ مِنْهُ عَلَى يَدِي، لَعَلِّي أُعَوِّضَ بِطِيبِهَا مَا لَحِقَ وَجْهِي مِنْ تَشْوِيهٍ.»

•••

ثُمَّ أَمْسَكَتْ بِيَدِهَا زُجَاجَةَ الْعِطْرِ، ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، لِتَصُبَّ عَلَى جَبِينِهَا شَيْئًا مِمَّا تَحْوِيهِ.

وَحَاوَلَتْ أَنْ تَفْتَحَ سِدَادَهَا، فَاسْتَعْصَى عَلَيْهَا.

فَأَمْسَكَ الْأَمِيرُ بِالزُّجَاجَةِ، وَقَلْبُهُ يَخْفِقُ خَفْقًا شَدِيدًا مُتَوَاصِلًا، وَيَدَاهُ تَرْتَعِشَانِ مِنْ فَرْطِ التَّأَثُّرِ، دُونَ أَنْ يَدْرِيَ لِذَلِكَ سَبَبًا.

وَمَا إِنْ فَتَحَ سِدَادَ الْقَارُورَةِ٨ حَتَّى صَبَّ عَلَى «نَرْجِسَ» قَطَرَاتٍ مِمَّا تَحْوِيهِ مِنْ عِطْرٍ.

وَلَمْ تَكَدْ هَذِهِ الْقَطَرَاتُ الْمُعَطَّرَةُ تَمَسُّ جَبِينَهَا حَتَّى وَقَعَتِ الْمُفَاجَأَةُ الَّتِي بَهَرَتْهُمَا، وَغَمَرَتْ بِالْبَهْجَةِ قَلْبَيْهِمَا، وَكَادَا — لِفَرْطِ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِمَا مِنَ الْحَيْرَةِ — لَا يُصَدِّقَانِ أَعْيُنَهُمَا.

•••

وَلَعَلَّكَ — أَيُّهَا الْقَارِئُ الْعَزِيزُ — سَتَشْرَكُهُمَا فِي الدَّهَشِ وَالْفَرَحِ، حِينَ تَعْلَمُ أَنَّ قَطَرَاتِ الْعِطْرِ لَمْ تَكَدْ تَمَسُّ وَجْهَ «نَرْجِسَ» حَتَّى زَالَ كُلُّ أَثَرٍ لِلْفَرْوِ الْبَغِيضِ، الَّذِي كَانَ يُغَطِّي وَجْهَهَا الْبَضَّ، وَيُشَوِّهُ جَمَالَهَا الْغَضَّ!

وَسُرْعَانَ مَا عَادَ إِلَيْهَا صَفَاؤُهَا، وَإِشْرَاقُهَا وَبَهَاؤُهَا.

وَمَا كَادَا يُبْصِرَانِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ الْعِطْرُ السِّحْرِيُّ الْعَجِيبُ مِنْ مِيزَةٍ صَادِقَةٍ، وَيَتَحَقَّقَانِ مَا رَأَيَاهُ مِنْ عَجِيبَةٍ خَارِقَةٍ، حَتَّى تَعَالَتْ صَيْحَاتُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ … وَانْطَلَقَا مُسْرِعَيْنِ إِلَى الزَّرِيبَةِ، حَيْثُ تَجْلِسُ الْمَلِكَةُ «زُبَيْدَةُ» وَوَصِيفَتُهَا «حَلِيمَةُ»، وَذَكَرَا لَهُمَا مَا كَانَ مِنْ أَثَرِ الْعِطْرِ الَّذِي تَفَضَّلَتْ بِهِ الْجِنِّيَّةُ عَلَى «نَرْجِسَ».

•••

فَاسْتَوْلَى عَلَى «زُبَيْدَةَ» وَ«حَلِيمَةَ» مِنَ السَّعَادَةِ مَا يَفُوقُ الْوَصْفَ، وَلَمْ تَدْرِيَا كَيْفَ تُعَبِّرَانِ عَنْ شُكْرِهِمَا لِلْجِنِّيَّةِ وَتَقْدِيرِهِمَا!

•••

وَرَأَى الْأَمِيرُ «فَائِقٌ» أَنَّ مَا كَانَ يَحُولُ دُونَ اقْتِرَانِهِمَا مِنْ عَائِقٍ، قَدْ مَحَاهُ الْعِطْرُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ.

وَهَكَذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَخْشَاهُ الْأَمِيرُ «فَائِقٌ»، وَزَالَ عَنْ قَلْبِهِ ذَلِكَ الْكَابُوسُ الثَّقِيلُ الَّذِي كَانَ يُنَغِّصُ سَعَادَتَهُ، كُلَّمَا شَعَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِدَّ جَمَالَهُ وَبَهَاءَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ خَلَعَ عَلَى غَيْرِهِ نَحْسَهُ وَشَقَاءَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ بِأُمْنِيَّتِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَشْقَى بِنْتَ عَمِّهِ، الَّتِي أَرْسَلَهَا اللهُ لَهُ لِتُسْعِدَهُ وَتَمْلَأَ حَيَاتَهُ بَهْجَةً وَانْشِرَاحًا، فَكَيْفَ يَرْضَى لَهُ الْوَفَاءُ أَنْ يَجْلُبَ عَلَيْهَا كُلَّ هَذَا الشَّقَاءِ؟

١  لا تتوانَ: لا تقصر ولا تتأخر.
٢  أودعتني إياه: تركته عندي وديعة.
٣  تعصم: تحفظ.
٤  آثرتك: خصصتك.
٥  ترجئيه: تؤخريه.
٦  رائحة عبقة: عطرة الشذى.
٧  عبرة: دمعة.
٨  القارورة: الزجاجة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤