الْفَصْلُ الْخَامِسُ

(١) قِصَّةُ «مُقْبِلٍ»

فَقَالَ الشَّقِيُّ: «هَيْهَاتَ أَنْ أُخْفِيَ عَنْكَ شَيْئًا يَا مَوْلَايَ، بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَتْ رُوحِي فِي قَبْضَتِكَ. أَمَّا هَذَا الْخَاتَمُ الَّذِي تَرَى فَهُوَ وَحْدَهُ الَّذِي مَكَّنَنِي مِنَ الِانْتِقَالِ مِنْ صُورَتِي الْقَبِيحَةِ.» ثُمَّ خَلَعَ الْخَاتَمَ مِنْ إِصْبَعِهِ؛ فَعَادَ إِلَى صُورَتِهِ الْأُولَى: مِسْخًا مُشَوَّهَ الْسَّحْنَةِ، طَاعِنًا فِي السِّنِّ. فَامْتَزَجَتْ دَهْشَةُ الْمَلِكِ بِتَقَزُّزِهِ وَاشْمِئْزَازِهِ. وَأطْرَقَ الشَّقِيُّ إِلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ حَدِيثَهُ قَائِلًا: «هَا أَنْتَ ذَا يَا مَوْلَاي تَرَانِي فِي شَكْلِيَ الطَّبِيعِيِّ كَمَا خَلَقَنِيَ اللهُ. أَمَّا اسْمِي فَهُوَ «مُقْبِلٌ». وَكَانَ أَبِي نَسَّاجًا مَوْفُورَ الثَّرْوَةِ، وَكَانَ — عَلَى فَرْطِ غِنَاهُ — مُقَتِّرًا عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِهِ فِي الرِّزْقِ. وَقَدْ خَلَّفَ لِي بَعْدَ مَوْتِهِ ثَرْوَةً طَائِلَةً لَمْ أَتْعَبْ فِي اقْتِنَائِهَا، وَلَمْ أَكْدَحْ فِي جَمْعِهَا.

فَمَا إِنْ وَصَلَتْ إِلَى يَدِي حَتَّى رُحْتُ أُنْفِقُ الْمَالَ فِي سَفَهٍ وَإِسْرَافٍ، فَتَبَدَّدَتْ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ. وَاشْتَدَّتِ الْفَاقَةُ بِي فَعَجَزْتُ عَنْ تَحْصِيلِ الْقُوتِ، وَاضْطُرِرْتُ أَنَا وَزَوْجَتِي إِلَى التَّكَفُّفِ (الِاسْتِجْدَاءِ) حَتَّى لَا نَهْلِكَ جُوعًا.

(٢) الْخَاتَمَانِ الْمَسْحُورَانِ

وَتَعَاقَبَتِ السِّنُونَ وَكَادَ الْفَقْرُ وَالْهَمُّ يُسْلِمَانِنَا إِلَى الْقَبْرِ، لَوْ لَمْ تَتَدَارَكْنَا عِنَايَةُ السَّاحِرَةِ «بَدْرَةَ»، وَكَانَتْ تَسْكُنُ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنَّا، وَتَبْدُو لِمَنْ يَرَاهَا فَتَاةً فِي مُقْتَبَلِ شَبَابِهَا، وَإِنْ جَاوَزَتِ الْمِائَةَ مِنَ الْأَعْوَامِ. فَذَهَبْنَا إِلَيْهَا نَلْتَمِسُ مَعُونَتَهَا، فَرَحَّبَتْ بِنَا وَآوَتْنَا فِي بَيْتِهَا. وَظَلِلْنَا فِي خِدْمَتِهَا، حَتَّى إِذَا أْشَرَفَتْ حَيَاتُهَا عَلَى الزَّوَالِ، نَادَتْنِي وَزَوْجَتِي — وَهِيَ تُحْتَضَرُ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ — وَقَالَتْ: «كَمْ تُقَدِّرَانِ سِنِّي أَيُّهَا الْعَزِيزَانِ؟» فَقُلْنَا لَهَا مُتَعَجِّبَيْنِ: «لَقَدْ وُلِدْنَا — مُنْذُ سِتِّينَ عَامًا — وَرَأَيْنَا صُورَتَكِ كَمَا نَرَاهَا الْآنَ، لَا تَكَادِينَ تَتَجَاوَزِينَ الْعِشْرِينَ مِنَ السِّنِينَ!» فَقَالَتِ الْعَجُوزُ الشَّابَّةُ: «لَمْ يَبْقَ عَلَى حَيَاتِيَ إِلَّا دَقَائِقُ مَعْدُودَاتٌ؛ فَلَا تُقَاطِعَانِي حَتَّى لَا تُفْلِتَ مِنْكُمَا الْفُرْصَةُ. لَقَدْ ذَرَّفْتُ (زِدْتُ) عَلَى الْمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ مَظْهَرِي يُوهِمُ مَنْ يَرَانِي أَنَّنِي لَمْ أَتَجَاوَزِ الْعِشْرِينَ. وَالسِّرُّ فِي شَبَابِيَ الدَّائِمِ عَائِدٌ إِلَى هَذَا الْخَاتَمِ.» ثُمَّ وَصَفَتْ لِي دُرْجًا خَفِيًّا فِي صِوَانِهَا، فَأَحْضَرْتُ مِنْهُ صُنْدُوقًا صَغِيرًا فِيهِ خَاتَمٌ مِثْلُهُ. وَخَلَعَتِ السَّاحِرَةُ خَاتَمَهَا فَوَضَعَتْهُ فِي إِصْبَعِي، ثُمَّ قَالَتْ لَنَا فِي أَلْفَاظٍ مُتَقَطِّعَةٍ: «مَا دُمْتُمَا تَتَخَتَّمَانِ بِهَذَيْنِ الْخَاتَمَيْنِ الْمَسْحُورَيْنِ: خَاتَمِي وَخَاتَمِ الْمَرْحُومِ زَوْجِي، فَأَنْتُمَا قَادِرَانِ عَلَى التَّشَبُّهِ بِشَكْلِ مَنْ تُرِيدَانِ. وَلَيْسَ عَلَيْكُمَا إِلَّا أَنْ تَتَمَنَّيَا الِانْتِقَالَ إِلَى أَيِّ صُورَةٍ تَشَاءَانِ؛ فَيَتِمُّ لَكُمَا لِلْحَالِ مَا تَتَمَنَّيَانِ.» ثُمَّ لَفَظَتْ — مَعَ كَلِمَاتِهَا — آخِرَ أَنْفَاسِهَا. وَكَانَ أَوَّلُ هَمِّنَا أَنْ نُجَرِّبَ الْخَاتَمَيْنِ. فَتَمَنَّيْنَا أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى صُورَتَيْ شَخْصَيْنِ نَعْرِفُهُمَا؛ فَإِذَا بِنَا نُطَابِقُهُمَا أَتَمَّ مُطَابَقَةٍ. وَلَمْ تَشَأْ زَوْجَتِي أَنْ تُضِيعَ وَقْتَهَا سُدًى فَتَمَنَّتْ أَنْ تَكُونَ فِي شَكْلِ إِحْدَى الْمُثْرِيَاتِ (الْغَنِيَّاتِ) فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ عَلَى سَفَرٍ، فَانْتَهَزَتْ زَوْجَتِي الْفُرْصَةَ لِلِانْتِقَالِ إِلَى صُورَتِهَا وَسَرِقَةِ مَا أَوْدَعَتْهُ دَارَهَا مِنْ نَفَائِسِهَا وَحُلِيِّهَا. وَاقْتَدَيْتُ بِمَا فَعَلَتْ زَوْجَتِي. فَرُحْتُ أَتَزَيَّا بِزِيِّ مَنْ أَعْرِفُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ. مُنْتَهِزًا فُرْصَةَ خُرُوجِهِمْ أَوْ سَفَرِهِمْ لِسَرِقَةِ نَفَائِسِهِمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ دُونَ أَنْ يَرْتَابَ أَحَدٌ فِي أَمْرِي. وَمَا زِلْنَا نَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى بَلَغْنَا حَاضِرَةَ بِلَادِ النُّورِ، وَعَلِمْنَا قِصَّةَ مَلِكَتِهَا «عَجِيبَةَ»، وَوَصِيِّهَا الْوَزِيرِ «عَلِيٍّ» الَّذِي يَحْكُمُ الْبِلَادَ بِاسْمِهَا. وَعَرَفْنَا أَنَّ بَعْضَ الْكُبَرَاءِ يَحْسُدُونَهُ عَلَى مَكَانَتِهِ، وَيَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِلِانْتِقَاضِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَجْرُءُونَ عَلَى إِعْلَانِ سُخْطِهِمْ، لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِمْ.

وَكَانَ زُعَمَاؤُهُمْ يَتَهَامَسُونَ بِاسْمِ الْأَمِيرِ «مُوَفَّقٍ» وَيَتَمَنَّوْنَ لَوْ بَقِيَ سَالِمًا لِيُخَلِّصَهُمْ مِنْ حُكْمِ الْوَزِيرِ «عَلِيٍّ»: أَمَانِيٌّ يُرَدِّدُونَهَا سِرًّا وَهُمْ عَلَى يَأْسٍ مِنْ تَحْقِيقِهَا، لِعلْمِهِمْ أَنَّ الْأَمِيرَ «مُوَفَّقًا» قُتِلَ فِي آخِرِ مَعَارِكِهِ، وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ عَنْ أَخِيهِ وَرَعِيَّتِهِ. وَقَدْ أَرْهَفَتْ زَوْجَتِي سَمْعَهَا لِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَسَبَحَ بِهَا خَيَالُهَا الْخِصْبُ لِرَسْمِ خُطَّةٍ جَرِيئَةٍ لِبَعْثِ «مُوَفَّقٍ» مِنْ قَبْرِهِ.

فَقَالَتْ لِي مُتَحَمِّسَةً: «يَا لَهَا مِنْ فُرْصَةٍ فَرِيدَةٍ تُتِيحُ لَنَا الظَّفَرَ بِتَاجِ مَمْلَكَةٍ، وَتُهَيِّئُ لَنَا الْوُثُوبَ إِلَى عَرْشِهَا بِلَا عَنَاءٍ!» فَسَأَلْتُهَا مُتَعَجِّبًا: «أَيُّ حُلْمٍ أَغْرَاكِ بِهَذَا الْكَلَامِ؟» فَأَجَابَتْ فِي لَهْجَةٍ وَاثِقَةٍ: «مَا أَيْسَرَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَمَثَّلَ فِي صُورَةِ «مُوَفَّقٍ»، وَمَا أَهْوَنَ الْبَاقِي عَلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ!» فَأُعْجِبْتُ بِرَأْيِهَا، وَصَحَّتْ عَزِيمَتِي عَلَى تَنْفِيذِ اقْتِرَاحِهَا؛ فَدَرَسْتُ حَيَاةَ الْأَمِيرِ وَأَنْبَاءَ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا، وَأَسْمَاءَ قُوَّادِهَا وَغَيْرَهُمْ مِنْ خُلَصَائِهِ. وَلَمَّا أَحْكَمْتُ خُطَّتِي تَمَنَّيْتُ أَنْ أَنْتَقِلَ إِلَى صُورَتِهِ فَتَمَّ لِي ذَلِكَ. وَكَانَتِ الْخُطْوَةُ التَّالِيَةُ أَنْ أَتَّصِلَ بِأَصْفِيَائِهِ وَخُلَصَائِهِ، فَكَانَتْ فَرْحَتُهُمْ بِلِقَائِي لَا تُوصَفُ. وَلَمْ أَكَدْ أُكَاشِفُهُمْ بِمَا اعْتَزَمْتُهُ حَتَّى تَحَمَّسُوا لِمُنَاصَرَتِي. وَسُرْعَانَ مَا نَجَحَتْ دَعْوَتُهُمْ فِي إِلْهَابِ نَارِ الثَّوْرَةِ وَاجْتِذَابِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لِمُشَايَعَتِي وَشَدِّ أَزْرِي. وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ حُسَّادُ الْوَزِيرِ «عَلِيٍّ» وَشَانِئُوهُ (مُبْغِضُوهُ). وَلَمْ تَمْضِ أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ دُخُولَ الظَّافِرِ، وَنُودِيَ بِي مَلِكًا عَلَيْهَا. وَكَانَ أَوَّلُ هَمِّيَ أَنْ أُهْلِكَ الْمَلِكَةَ «عَجِيبَةَ»؛ لِأَخْلُصَ مِنْ مُنَافَسَتِهَا، وَيَسْتَتِبَّ لِيَ الْأَمْرُ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَلَكِنَّ الْوَزِيرَ «عَلِيًّا» فَوَّتَ عَلَيَّ هَذَا الْغَرَضَ. ثُمَّ صَفَا لِيَ الْجَوُّ؛ فَلَمْ يَعُدْ لِي مُنَافِسٌ فِي الْمُلْكِ، وَظَفِرْتُ مِنَ التَّوْفِيقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَظْفَرُ بِهِ الْأَمِيرُ «مُوَفَّقٌ» لَوْ أَنَّهُ عَادَ إِلَى الْحَيَاةِ. وَلَمْ أُقَصِّرْ فِي مُكَافَأَةِ أَنْصَارِي؛ فَعَهِدْتُ إِلَيْهِمْ بِأَكْبَرِ الْمَنَاصِبِ. وَعِشْتُ آمِنًا مَعَ زَوْجَتِي الَّتِي اخْتَارَتْ لِنَفْسِهَا صُورَةَ حَسْنَاءَ فِي نَضْرَةِ الشَّبَابِ. وَمَا زِلْنَا وَادِعَيْنِ حَتَّى وَفَدَ عَلَيَّ سَفِيرُ مَوْلَايَ يُخَيِّرُنِي بَيْنَ الْحَرْبِ وَتَرْكِ الْمُلْكِ؛ وَهُمَا أَمْرَانِ أَحْلَاهُمَا مُرٌّ. فَكَانَ نَبَأً هَائِلًا انْخَلَعَ لَهُ قَلْبِي وَارْتَعَدَتْ أَوْصَالِي، وَلَكِنَّنِي كَتَمْتُ خَوْفِي، وَأَظْهَرْتُ لِلسَّفِيرِ قِلَّةَ اكْتِرَاثِي. وَرُحْتُ أُفَكِّرُ مَعَ زَوْجَتِي فِي رَسْمِ خُطَّةٍ لِلنَّجَاةِ مِنْ هَذَا الْمَأْزِقِ. فَقَدْ كُنَّا مِنَ الضَّعْفِ وَالِاسْتِخْذَاءِ وَالْجَهْلِ بِفُنُونِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَثْبُتَ لَحْظَةً أَمَامَ جَيْشِكَ الْمُدَرَّبِ الْقَوِيِّ. وَلَمْ نَجِدْ مَنْدُوحَةً لِلتَّخَلِّي عَنْ تَاجِ مَمْلَكَةٍ لَا قِبَلَ لَنَا بِصَوْنِهِ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِالدِّفَاعِ عَنْهُ. وَلَيْتَنَا اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ؛ فَقَدْ أَبَى عَلَيْنَا سُوءُ حَظِّنَا إِلَّا أَنْ نُفَكِّرَ فِي الِانْتِقَامِ مِنْكَ وَمِنَ الْمَلِكَةِ «عَجِيبَةَ». هَكَذَا وَسْوَسَ لَنَا الشَّيْطَانُ، كَأَنَّمَا أَسْلَفْتُمَا إِلَيْنَا ذَنْبًا أَوِ اغْتَصَبْتُمَا مِنَّا حَقًّا. وَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ أَعْدَدْنَا لِلِانْتِقَامِ خُطَّتَنَا؛ فَلَجَأْتُ إِلَى خَاتَمِي لِيُظْهِرَنِي بِمَظْهَرِ الْمَرِيضِ الشَّاحِبِ الْمُشْرِفِ عَلَى التَّلَفِ. وَلَمْ تَنْقَضِ أَيَّامٌ قَلِيلَةٌ حَتَّى نَقَلْتُ نَفْسِي إِلَى هَيْئَةِ مَيِّتٍ فَارَقَتْهُ الرُّوحُ. وَاشْتَرَكَ الشَّعْبُ فِي تَشْيِيعِ جُثْمَانِي. وَجَاءَتْنِي زَوْجَتِي بَعْدَ أَنْ عَادَتْ وَعُدْتُ إِلَى صُورَتِنَا الْأُولَى.

(٣) فِي قَصْرِ «بِسْطَامٍ»

فَخَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ. وَمَا زِلْنَا نُوَاصِلُ السَّيْرَ حَتَّى بَلَغْنَا حَاضِرَةَ مُلْكِكَ. فَرَأَيْنَا الْوُفُودَ الَّتِي أَرْسَلَهَا الشَّعْبُ لِيُبْلِّغُوا الْمَلِكَةَ «عَجِيبَةَ» نَبَأَ وَفَاةِ عَمِّهَا وَاعْتِرَافَهَمْ بِهَا مَلِكَةً عَلَيْهِمْ. وَشَهِدْنَا تَسْرِيحَ جَيْشِكَ اللَّجِبِ (الْعَظِيمِ) الَّذِي أَعْدَدْتَهُ لِغَزْوِنَا. وَسَنَحَتْ لَنَا الْفُرْصَةُ فِي إِحْدَى اللَّيَالِي؛ فَدَخَلْنَا قَصْرَكَ، وَقَدْ تَمَثَّلَتِ امْرَأَتِي فِي صُورَةِ إِحْدَى وَصَائِفِ الْمَلِكَةِ، وَتَمَثَّلْتُ أَنَا فِي صُورَةِ كَبِيرِ الْخَدَمِ، بَعْدَ أَنْ تَخَلَّصْنَا مِنْهُمَا.

وَدَخَلْنَا حُجْرَتَكَ، وَلَمْ يَكُنْ دُخُولُنَا إِلَيْهَا عَسِيرًا، فَقَدْ دَبَّرْنَا خُطَّتَنَا وَأَنْتَ مُسْتَغْرِقٌ فِي نَوْمِكَ، وَكَانَتِ الْمَلِكَةُ «عَجِيبَةُ» تَقْرَأُ فِي حُجْرَةٍ أُخْرَى، فَاتَّخَذَتْ زَوْجَتِي لِنَفْسِهَا صُورَتَهَا، وَرَقَدَتْ فِي سَرِيرِهَا إِلَى جِوَارِ سَرِيرِكَ.

أَمَّا بَقِيَّةُ الْقِصَّةِ فَمَوْلَايَ أَعْرَفُ بِهَا وَأَخْبَرُ.

•••

لَيْتَنَا وَقَفْنَا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ؛ وَلَكِنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَسَ لِزَوْجَتِي بَعْد خُرُوجِكَ مِنَ الْقَصْرِ فَزَيَّنَتْ لِي أَنْ أَنْتَقِلَ مِنْ صُورَةِ كَبِيرِ الْخَدَمِ إِلَى صُورَتِكَ. وَمَا كِدْتُ أَنْزِعُ ثِيَابِي حَتَّى فَاجَأْتَنِي فِي الْحُجْرَةِ. وَكَانَتِ الْخُطَّةُ أَنْ نَحْتَالَ لِاغْتِيَالِكَ لِيَخْلُصَ لَنَا الْمُلْكُ دُونَ أَنْ يَرْتَابَ فِي أَمْرِنَا أَحَدٌ. كَذَلِكَ قَدَّرْنَا. وَلَكِنَّ إِرَادَةَ اللهِ غَالِبَةٌ؛ فَقَدْ أَبَتْ عَدَالَتُهُ إِلَّا أَنْ تَقْتَصَّ مِنِّي وَتُعَاقِبَنِي عَلَى مَا أَسْلَفْتُ مِنْ إِسَاءَاتٍ.

إِنَّ ذَنْبِي عَظِيمٌ؛ وَلَكِنَّ عَفْوَ مَوْلَايَ أَعْظَمُ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤