خاتمة

تسير الصين على الطريق للحاق بركب الغرب، لكن ماذا عن أفريقيا وأمريكا اللاتينية وباقي دول آسيا؟ يزداد الدخل لكل فرد في الدول الغنية بنسبة ٢٪ سنويًّا تقريبًا؛ لذا يجب على هذه الدول أن تنمو بمعدل أسرع لسد هذه الفجوة، فيتعين على الكثير من الدول الفقيرة في آسيا وأمريكا اللاتينية تحقيق نمو بمعدل ٤٫٣٪ لكل نسمة سنويًّا لتلحق بالدول الغنية في غضون ٦٠ عامًا، وحتى يتحقق ذلك، يجب أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٦٪ على الأقل سنويًّا لمدة ٦٠ عامًا. من ناحية أخرى، يجب أن تحقق معظم الدول الأكثر فقرًا — مثل العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء — نموًّا بمعدلات أكبر، وإلا فإنها ستستغرق وقتًا أطول للَّحاق بالغرب.

لم تحقق هذا النمو السريع لفترات طويلة سوى حفنة قليلة من الدول. بين عامَيْ ١٩٥٥ و٢٠٠٥، نجحت عشر دول فقط في تحقيق ذلك، وتُعتبَر عُمان وبوتسوانا وغينيا الاستوائية حالات خاصة؛ حيث جرى اكتشاف احتياطات هائلة من النفط أو الماس بها خلال هذه الفترة. أما سنغافورة وهونج كونج فتنتميان لنموذج المدن الدويلات، وهو ما يجعلهما حالةً خاصةً؛ حيث لم يوجد بهما قطاع زراعي فلاحي يغمر المدينة بالمهاجرين عند زيادة الاستثمارات، ومن ثَمَّ ترتفع الأجور مع ارتفاع الطلب على العمالة، ويعم الازدهار. أما الحالات المثيرة للاهتمام حقًّا فهي حالات الدول الكبيرة ذات القطاعات الزراعية الكبيرة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند والصين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إضافة الاتحاد السوفييتي إلى القائمة السابقة؛ حيث إن الدخل لكل فرد ارتفع بمعدل ٤٫٥٪ سنويًّا من عام ١٩٢٨ إلى عام ١٩٧٠، إذا استبعدنا العقد الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الثانية.

تعيَّن على هذه الدول سد ثلاث فجوات مع الغرب: التعليم ورأس المال والإنتاجية. أدى التعليم العام إلى سد فجوة التعليم، كما أدى شكل أو آخَر من أشكال التصنيع الذي تقوده الدولة إلى ردم فجوتي رأس المال والإنتاجية. وجرى تبنِّي التكنولوجيا واسعة النطاق وكثيفة رأس المال، حتى وإن لم تكن اقتصادية التكلفة على الفور. لقد استطاعت هذه الدول تجنُّب العيوب التي واجهتها أمريكا اللاتينية التي حاولت الزجَّ بتكنولوجيا حديثة في اقتصادات صغيرة الحجم؛ وذلك لأن تلك الدول كانت إما كبيرة الحجم بما يكفي لاستيعاب إنتاج المصانع عالية الإنتاجية، أو لأنها مُنِحت جواز مرور إلى السوق الأمريكية على حساب الإنتاج الأمريكي.

ولكن يبقى السؤال بشأن أي من مسارات التنمية المتعددة التي اتبعتها هذه الدول كان الأكثر فعالية مثار جدلٍ إلى حد بعيد. بالإضافة إلى ذلك، ليس من الواضح تمامًا ما إذا كان يمكن نقل السياسات الناجحة إلى دول أخرى، ومن ثَمَّ تبقى قضية أفضل سياسة لتحقيق التنمية الاقتصادية مسألة محل خلاف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤