مقدمة

دعاني إلى تأليف هذا الكتاب ما وجدت من قلة عدد الذين بحثوا وكتبوا عن تاريخ دراسة اللغة العربية في أوروبا، وندرة الذين شرحوا أعمال المستشرقين الذين بسببهم تنورت العقول، وعمت الفائدة من تعلم اللغة العربية، وآدابها الجميلة، وعلومها الجمة.

وقلما يجد من يريد الاطلاع على حياة هؤلاء المستشرقين، وأبحاثهم إلا شذرات لا تفي بالغرض في بعض كتب علمية مُبعثَرة هنا وهناك، إلا إذا استثنينا الكتاب الذي جمعه العلامة ديجات الفرنسوي، وهذا الكتاب بالرغم من أنه يخبرنا بكلمات موجزة عن تأريخ بعض المستشرقين إلا أنه مُقتضَب، ولم يسهب في الكلام عن مستشرق شهير مثل «يوسف هامر بورغشتل» أو من تبعه، وليست بالكتاب صورة واحدة لأحد المستشرقين، أو رسم واحد لأشكال الحروف العربية التي كان يستعملها المستشرقون ليزيدنا ذلك إيضاحًا عن حالة الطباعة في تلك العصور، أما الكتب العربية التي تفيدنا عن المستشرقين، فليس يوجد منها على علمنا غير كتاب «آداب اللغة العربية» لجرجي زيدان، وفيه كتابة مقتضبة عن الموضوع.

ولذا قد بذلنا كل الجهد لإتمام هذا النقص، وتحملنا متاعب كثيرة في استحضار صور أشهر المستشرقين، واستخرجناها من جهات عديدة، ومتاحف مختلفة، وتحملنا في ذلك أتعابًا زائدة، ونفقات كثيرة، حتى تمكنا من إخراج هذا الكتاب جامعًا لكل ما يطفئ ظمأ الراغب في استطلاع أخبار هؤلاء الأساتذة المستشرقين وتراجمهم، ونعتقد أننا بعملنا هذا قد ملأنا فراغًا كبيرًا في تأريخ الاستعراب.

ونحن نرجو أن يقع مؤلفنا هذا لدى القراء موقع الاستحسان، ونرجوهم أن يغضُّوا الطرف عما قد يكون فيه من هفوات غير مقصودة.

وقد ألَّفناه باللغة العربية خدمة للناطقين بالضاد، ولنكون واسطة تعارف بينهم وبين من نشروا لغتهم في الغرب، وسننقله بعد ذلك إلى إحدى اللغات الأوروبية. ونسأل الله أن يوفقنا لخدمة الشرقيين، عسى أن تتوثق أواصر الصلة بين الشرق والغرب، فلا يكون ثمة محلٌّ للكلمة التي يتمشدق بها الجهلة، ويتغنى بها ذوو الأغراض، وهي التي يقولون فيها «الشرق شرق، والغرب غرب».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤