كلمة للمؤلف

على البؤساء في كل المواطن
سلام الله ما خفَقت سواكن
وألف تحية في كل وقت
لهم تُهدى وإن بعدت مساكن
فكم لاقوا من الدهر الرزايا
وبلوى نبَّهت منهم بواطن
إليكم معشر القراء أُهدي
عظات بيَّنت كنه المعادن
كرام حالهم في الدهر بؤس
وهم أصل السعادة إن تقارن

إليكم معشر القرَّاء أُقدِّم كتابي هذا «البؤساء في عصور الإسلام»، وهو غاية ما عثرت عليه من تراجمهم؛ وما ذاك إلا لأنِّي أعتبر نفسي كفرد منهم، ولم أكن مبالغًا إذا قلت إنه من الكتب القيِّمة التي يميل إليها الأديب، ويُعجَب بها كل قارئ.

ولقد أخذت في تحريره وسرد مدهشات أبطاله، ونفسي نازعة إلى فطاحل العلم والأدب البؤساء، وكأني بهم، وقد شتتهم الدهر ومزقهم كل ممزَّق فأصبحوا لصروفه هدفًا، وباتوا لا يعرفون للحياة طعمًا ولا للوجود قيمة، وصرت من جرَّاء ذلك أحن إليهم حنينًا متواصلًا لصلة النسب بيني وبينهم. ومهما أجدت في سرد أخبارهم، وأتيت بالمنقول من رسومهم التي صوروها في بعض مؤرخاتهم؛ فالقريحة جامدة ليس في استطاعتها وصف بلوائهم بالمعنى الحقيقي؛ وكيف أصف مصائب حاقت بهم، لو نزلت برضوى لزلزلته! وليتها مصيبة تزول، ولكنها اقترنت بسوء الطالع، وناهِيَك بمحن الوجد الذي باتوا فيه، والفقر المدقع الذي عانوه، وشواغل البال التي شغلتهم عن واجباتهم.

أسأل الله أن يجعله خير معين لكل مبتئس، ويهدي تلك الطائفة التعسة سواء السبيل، يرقق عليهم قلوب عباده القاسية.

محمود كامل فريد
مصر، تحريرًا في يونيو سنة ١٩٢٥م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤