الفصل الرابع

اليسر بعد العسر

وانتقل نابوليون من العسر إلى اليسر بعد انتقاله إلى المعسكر العام، وأصبح الباريسيون يُشيرون إليه بالبنان، ولم يعد الجنرال بونابارت يحتذي ذاك الحذاء الملطخ بالوحل ويلبس الملابس العتيقة ويسكن في منزل عليه مسحة المسكنة، بل صار يُعنى بنفسه ولا يخرج إلا في مركبة فخمة.

ولعلَّ القارئ يسأل هنا: كيف كان تأثير النعمة التي جاءته بتلك السرعة وليس له من العمر أكثر من ست وعشرين سنة؟ هل تغيرت عواطفه وتبدلت أخلاقه أو بقي كما رأيناه في سنواته المنصرمة؟ إنَّ الأعمال التي قام بها والكتب التي أرسلها تتضمن خير جواب على هذا السؤال؛ فقد كان في مقدمة أعماله بعد وصوله إلى شرفة المجد أنَّه توسط للجنرال مينو «سلفه في المنصب» فبرَّأه مما أتهمته به حكومة الكونفاسيون، وفي ١٣-١٤ فندميير «الموافق ٥-٦ أكتوبر» كتب إلى أخيه جوزيف يقول:

انتهى كل شيء، وكان أول ما فكرت فيه إرسال أخباري إليك، وقد أمرت حكومة الكونفاسيون بنزع السلاح من قسم لابيلسييه، وعُيِّن باراس قائدًا عامًّا وعيَّنني قائدًا ثانيًا، فأعددنا جنودنا ثم قهرنا الأعداء الذين هاجمونا عند التويلري ونزعنا السلاح من جميع الأيدي ووطَّدنا الراحة، ثم رجعت كما تعودت؛ أي دون أن أصاب بأقل جرح … الطالع السعيد لي والسلام الجزيل لأوجيني وجولي.

ثم كتب إليه في ٢٦ أكتوبر: «عرفتَ من الجرائد كل ما يتعلق بي، فقد عُيِّنت قائدًا ثانيًا لجيش الداخلية وعُيِّن باراس قائدًا أول، ثُمَّ تغلبنا على الخصوم وبات كل شيء نسيًا منسيًّا … أودعك وأنا لا أنسى شيئًا مما ينفعك ويساعدك على نيل السعادة.»

وكتب إليه في ١٨ أكتوبر: «إنَّ أحد مواطنينا المدعو بيلون — وأنت تعرفه كما يؤكدون لي — طلب بوليت، ولكنه لا يملك ثروة، وقد كتبتُ إلى أمي ورغبت إليها أن لا تفكر في أمره، وأنا أستزيد اليوم من الاستفهام والاستعلام.»

وكتب إليه في أول نوفمبر: «صار لوسيين قومسيرًا في جيش الرين … قبِّل عنِّي امرأتك ودزيريه.»

وكتب إليه في ٩ منه: «إنَّ العيلة لا تحتاج إلى شيء؛ فقد أرسلت إليها نقودًا وأرواقًا مالية … إلخ.»

وكتب إليه في ١٧ منه: «يُحتمل أن أطلب العيلة إلى هنا … زدني من أخبارك وأخبار قرينتك وأوجيني … وإني لا أشعر بوحشة إلا من بُعدك، فإذا لم تكن امرأتك حُبلى فتعال بلا إبطاء إلى باريس لتقضي فيها حينًا من الزمن.»

وكتب إليه في ٣١ ديسمبر: «لا يأخذنَّك شيءٌ من القلق على العيلة فإنها حاصلة على كل شيء … وصل جيروم إلى باريس، وسأُدخله في إحدى المدارس الموافقة له، وأنت ستصير قُنصلًا في وقت قريب فلا يحق لك أن تقلق، وإذا تولَّاك الملل في جنوى فتعالَ إلى باريس حيث تجد مائدة ومركبة رهن إشارتك، وإذا كنت لا تودُّ أن تكون قنصلًا أمكنك أن تختار هنا الوظيفة التي توافقك.»

وكتب إليه في ١١ يناير: «إنَّ كثرة أشغالي وأهمية الأمور التي تشغلني تمنعني من مُواصلة الكتابة إليك، أنا سعيد ومسرور، وأما العيلة فقد أرسلت إليها ما قيمته ٥٠ إلى ٦٠ ألف فرنك من نقود وأوراق وغيرها، فلا يشغل أمرها فكرك، وأما أخونا لويس فهو ياور لي وأنا مسرور جدًّا منه، ومارمون وجونو ياوران أيضًا، وجيروم يتعلم في المدرسة اللغة اللاتينية والحساب والرسم والموسيقى … إلخ، وأنا لا أرى أقل مانع لزواج الشقيقة إذا كان الطالب غنيًّا.»

فأنت ترى أنَّ نابوليون هو هو مع أهله، لم يغير اليسر ما ظهر من أخلاقه وعواطفه أيام العسر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤