تمهيد

أعرف سارة ماكسويل منذ سنين طوال، قبل نيلها درجة الدكتوراه، وكانت معروفة آنذاك بتفكيرها المبتكِر في التسويق والدعاية، والآن توجِّه سارة الإبداع نفسه إلى مجال التسعير العادل، وهو مجال لعبت دورًا مؤثِّرًا في ريادته.

بصفتها أحد أهم الخبراء على مستوى العالم، فقد كتبت باستفاضة حول موضوع التسعير العادل، وقدَّمت عددًا لا حصر له من العروض التقديمية في المؤتمرات، وعقدت عديدًا من الندوات المتخصصة. وفي النهاية، جلست إلى مقعدها ساعات طوالًا لتشاركنا أفكارها العميقة وثقافتها الواسعة حول العوامل التي تجعل السعر يبدو عادلًا.

تقدِّم لنا سارة كتابًا حافلًا بالأمثلة عن التسعير الصحيح والخاطئ، وبيانات مستقاة من أبحاثها المجراة حول التسعير العادل، إضافة إلى مساهمات من مختلف المجالات ذات الصلة بالموضوع. ورغم أن الكاتبة أشارت إلى مراجعها بعناية، فإن الكتاب لا يستهدف الأكاديميين وحدهم، بل هو كتاب للعامة. إنه كتاب سريع الاستيعاب يحض على التفكير.

تطرح سارة أسئلة عدة لم تُطرح من قبل: لِمَ من المنصف لمحطات الوقود أن تفرض زيادة تبلغ تسعة أعشارٍ من السنت للجالون من الوقود؟ لِمَ من المنصف أن تدفع مقابل الدم ولا تدفع مقابل أعضاء الجسم؟ لِمَ من المنصف أن تدفع بقشيشًا للساقي ولا تدفع لحماتك مقابل إعدادها الطعام لك؟

كما تشرح السبب وراء اعتراض الناس عندما تفرض شركة أمازون رسومًا على العملاء الجدد أقل من تلك التي تفرضها على العملاء القدامى، وعندما تطرح شركة كوكاكولا ماكينات جديدة لمشروب الصودا من شأنها أن ترفع من الأسعار في فصل الصيف، وعندما تمنح شركة هوم ديبوت رئيسها التنفيذي المنتهية ولايته مكافأة قدرها ٢١٠ ملايين دولار.

تبيِّن سارة أن السعر العادل مسألة مهمة؛ لأن العدالة هي الجزء العاطفي من صنع القرار الاقتصادي. دون قاعدة عاطفية، لا يمكننا اتخاذ القرارات. لن يسعنا تحديد الطيب من الخبيث، ما هو صحيح وما هو خاطئ. إننا نُصدر هذه الأحكام بناءً على توقعاتنا الشخصية إضافةً إلى القواعد التي تحكم المجتمع؛ القواعد التي نعرفها جميعًا بداهةً.

والتسعير مثله مثل مباراة لكرة القدم، من الجائر أن تخالف القواعد. إننا نبغض الأشخاص الذين لا يلعبون بنزاهة، ولا نحب البائعين الذين يفرضون أسعارًا جائرة؛ فالأسعار الجائرة تثير غضب العملاء، فيردُّون الصاع. ما عليك سوى تفقُّد المدونات العديدة لترى التعليقات الفظيعة حول الأسعار الجائرة.

توضح سارة كذلك أن فكرة السعر العادل تنطوي على أكثر بكثير من مجرد سعر رخيص، بل تنطوي على حصولك على قدر ما تدفع؛ تنطوي على معاملة العملاء بالاحترام الجديرين به. تنطوي على أن تكون صادقًا وأمينًا في معاملاتك، وتنطوي على زرع الثقة وعدم استغلال السلطة.

وهذا بالتأكيد ما نحاول تطبيقه في دانكن دونتس وباسكن روبنز وتوجوز. إنه ما يتوجب علينا فعله كي ننجح. فإذا لم نحدد الأسعار بنزاهة، فلن تكون المنافسة في صالحنا وسرعان ما ستغلق شركاتنا أبوابها.

كي نعامل عملاءنا بعدالة، علينا أن نفهم ما يريدون، وما بمقدورهم دفعه، وكيف يمكننا منحهم قيمة مقابل ما يدفعون. في دانكن دونتس استحدثنا مشروبات لاتيه وإسبريسو ميسورة التكلفة؛ لأن هذا ما يريده عملاؤنا، هذا هو ما يرون أنه عادل.

نحن لا نستثمر في المقاعد الوثيرة لأنها ليست ما يريده عميلنا، وهي ليست ما يريد عميلنا أن يدفع مبلغًا إضافيًّا مقابله. بالتأكيد لمطاعمنا قاعدة من العملاء المخلصين الذين يلتقون بها كل يوم ويطيلون المقام بها ويتجاذبون أطراف الحديث وهم يحتسون قهوتهم. لكن أغلب عملائنا وقتهم ضيق واحتياجاتهم كثيرة، إنهم يريدون مصدرًا سريعًا وممتعًا للطاقة، وينبغي أن يعكس السعر القيمة التي يحصلون عليها؛ هذا هو ما يَعتبرونه عادلًا.

ومسألة عدالة السعر تمسُّنا جميعًا، سواء أكنا مستهلكين أو تجارًا. سيستفيد المستهلك بلا شك من الأفكار المستنيرة الواردة في هذا الكتاب والحجج التي يسوقها، فمثلًا: سيتمكن بشكل أفضل من المساومة وصولًا لسعر عادل، وتجنب ممارسات التسعير الجائر التي يستخدمها البائعون معدومو الضمير.

كما ستستفيد الشركات من استيعاب الجانب العاطفي من التسعير، وكذا سينتفع الطلاب من إدراك أسس العدالة التي تشكِّل أساس نظامنا الاقتصادي.

بصفتي رجل أعمال، كان أكثر ما أثار إعجابي وأنا أنهم صفحات هذا الكتاب هو مدى استخفافنا بالجانب العاطفي من الأسعار. إننا نُعنى بالجاذبية العاطفية لمتاجرنا ودعايتنا، ونُجري الأبحاث لتحديد الجاذبية العاطفية لمنتجاتنا، لكننا لا نفكر أبدًا في الجاذبية العاطفية لأسعارنا. يوضح هذا الكتاب أنه ينبغي لنا أن نفعل.

وبصفتي مستهلكًا، لفت انتباهي أننا لا نفكر في المعايير الاجتماعية للتسعير، فمثلًا: نحن نسلِّم بأن سعر السيارة يشمل إطاراتها، ونسلِّم بأننا لا نستطيع تغيير ما يُعتبر معدات «قياسية». لكن من قال إن هذا هو النحو الذي ينبغي أن تكون عليه الأمور؟

يقدِّم صانعو السيارات خيارات متعددة، لكن ربما يحققون ميزة تنافسية بتقديم خيارات في الإطارات. ربما ينبغي لهم توفير خيارات في نظم المكابح، أو أنظمة نقل السرعة. لا تخرج مجموعات الأبحاث النوعية بمثل هذه الإمكانيات لأن المعدات القياسية مقبولة بوصفها عُرفًا.

نسلِّم كذلك بأن من المتعارف عليه أنه لا ينبغي لك أن تدفع لحماتك مقابل تحضيرها الغداء لك. وأنت تعرف تمام المعرفة أنه لا ينبغي لك الدفع مقابل ذلك. أتذكَّر مشاهدتي لفيلم رسوم متحركة يدفع فيه الضيوف المغادرون ٥٠ دولارًا لمضيِّفيهم مقابل الغداء «اللذيذ». كان الأمر مضحكًا لأنك تعلم أن مثل هذا لا يحدث فعليًّا.

تعرض سارة أمثلةً عديدةً كهذه تجعل القارئ يتساءل لِمَ الأمور على النحو الذي هي عليه، وتبيِّن أنه يمكن تغييرها إن أردنا تغييرها؛ فنحن كمجتمع من نحدد المعايير الاجتماعية للتسعير، ونحن من بإمكانه تغييرها.

ربما ينبغي أن ندفع مقابل أعضاء الجسم بحيث يُتاح مخزون كافٍ منها، ربما ينبغي تضمين البقشيش في فاتورة الحساب، ربما ينبغي حصول الفقراء على خصومات على تذاكر السينما، أو كما هو الحال مع التذاكر المفصَّلة التي تطرحها شركات الطيران، ينبغي لنا الدفع مقابل كل بند نستخدمه على حدة؛ فينبغي أن ندفع مقابل المراحيض التي نستخدمها على الطائرات، وينبغي أن ندفع مقابل البهارات التي نستخدمها في المطاعم، وينبغي أن ندفع مقابل استخدام المصاعد في المباني.

كما توضح لنا سارة، نحن نفضِّل في أغلب الحالات ما هو مقبول الآن كعرفٍ اجتماعي، وأي تغيير له يُعد انتهاكًا. لكن لا يعني ذلك أنه علينا قبول الأعراف دون تفكير وأنه ليس باستطاعتنا تغييرها. إن الأعراف الاجتماعية للتسعير لا تُملي علينا ما نفعله، بل نحن من نمنحها معناها. نحن من نحدد ما هو العادل. نحن من نقرر إذا كان السعر صحيحًا، ومتى يوجد خطأ في السعر.

جون لوثر
رئيس مجلس الإدارة والمسئول التنفيذي
دانكن براندز إنك

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤