الباب السابع عشر

في الكلام على مملكة البابا

لا يخفى أن البابا هو رئيس المذهب الكاثوليكي وبخطته هذه تكون له السلطة على كل متمسك بذلك المذهب؛ بمعنى أن له النظر في إجراء الأحكام الدينية، كما أنه ملك سياسي في الأرض التي تحت رعايته، ومبدأ سلطته سنة ست وعشرين وسبعمائة مسيحية حين طردت أهالي رومة الدوك الإغريقي. ثم إن بابن لبراف ملك فرنسا في سنة خمس وخمسين وسبعمائة وشارلمان ملكها أيضًا في سنة خمس وسبعين وسبعمائة لما أسقطا ملوك اللومبارديا أعطيا البابا قطعة من الممالك التي فتحاها، كما أن هنري الثالث إمبراطور ألمانيا أعطاه أيضًا في سنة ثلاث وخمسين وألف الدوكاتو من بنفانتو، ثم في سنة سبع وسبعين وألف أعطته الكونتيسة حاكمة طوسكانة عدة آراض.

ثم إن البابا غريغوريوس العاشر أخذ في سنة أربع وسبعين ومائتين وألف من ملك فرنسا الكونتي من فناسان بفرنسا، كما أن البابا كليمان السادس أضاف لذلك بلدة أفينيون أيضًا. وقد مكثت هاته البلدة محل كرسي للبابا مدة سبعين سنة ثم خرجت من يده مع الكونتي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وألف، ومن ذلك الوقت ثارت مملكة رومية على حاكمها أربع مرات سنة خمس عشرة وإحدى وثلاثين وثمانٍ وأربعين وتسع وخمسين وثمانمائة وألف. وقد تقدم في الكلام على مملكة إيطاليا بيان كيفية خروج غالب مملكة البابا من يده في الثورة الأخيرة ودخولها في يد الملك فيكتور إمانويل.

وأما وصف هاته المملكة فمن سنة ستين وثمانمائة وألف لم يبقَ منها للبابا إلَّا ما يبلغ سطحه أحد عشر ألفًا وسبعمائة وسبعين كيلومترًا مربعًا، عدد سكانه تقريبًا سبعمائة ألف، وتخت المملكة مدينة رومية، وبها من الأهالي في سنة ست وستين وثمانمائة وألف مائتان وعشرة آلاف وسبعمائة وواحد، ويقطع هاته المملكة الباقية الآن وادي تيبر وما ينصبُّ فيه، وفي بعضها جبال أبنين. وأرضها التي بشاطئ بحر الروم منخفضة ندية ذات مستنقعات وبحيرات خصوصًا في الناحية الشرقية، لكن بقية المملكة خصبة جدًّا يُزرع بها القمح والشعير والأرز والقطنية البيضاء، ويكثر بها العنب والزيتون والرمان والفستق والتين ونحوها، وغياضها كثيرة ترعى بها الخيل والبقر والغنم والجاموس الكبير. وأما الصناعات والتجارة بها فليست آخذه في النمو بل في ضده، وبها بعض طرق حديدية.

وأما الإدارة الحكمية فإن الدولة مستبدة والبابا الذي هو رئيس المملكة ينتخبه الكردينالات من بينهم لمدة حياته، وله عند الدول الأجانب رُسل على نوعين أحدهما يلقب بالليغا، وهو الذي يقوم مقامه في الأمر الروحي، والثاني يلقب بالنونس وهو الذي ينوب عنه في الأمور السياسية. وغالب متوظفي الإدارة بتلك المملكة من أهل الكنيسة، ومبلغ مصاريف الدولة ثمانية وستون مليونًا ومائة وواحد وسبعون ألفًا وثمانمائة وتسعة عشر فرنكًا إذا طرح منه الدخل، وهو أربعة وثلاثون مليونًا وتسعمائة وخمسة وتسعون فرنكًا يبقى ثلاثة وثلاثون مليونًا ومائتان وخمسة وخمسون ألفًا وثمانمائة وأربعة وعشرون فرنكًا.

وقدر الدَّين الذي على العامة بمقتضى ما تحرر سنة ست وستين وثمانمائة وألف ثلاثمائة وسبعة وخمسون مليونًا وستمائة وخمسة عشر ألفًا وأربعمائة وأربعة وخمسون فرنكًا، وعدد جيشها على ما تحرر في السنة المذكورة أحد عشر ألفًا وثلاثمائة واثنا عشر نفسًا ما عدا الذي في حراسة البابا، وما عدا الحراسة من أهل سويسرة وحراسة القصر وأربعة طوابير يداك.

وأما أحوال المتجر فقيمة ما يدخل المملكة من خارجها أحد وعشرون مليونًا وخمسمائة وعشرون ألف فرنك، وقيمة ما يخرج منها ستة عشر مليونًا ومائة وأربعون ألف فرنك. وفي سنة أربع وستين وثمانمائة وألف حرر عدد السفن الداخلة والخارجة من مراسيها بين ما هو للأجانب وما هو للأهالي فوُجد خمسة آلاف وتسعمائة وستة عشر مركبًا تحمل جملتها ثمانمائة وواحدًا وتسعين ألفًا وسبعمائة وثلاثًا وعشرين طونلاتة، وبمرساها ألف وثلاث سفن أرست للاحتماء بها من عواصف الرياح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤