الفصل السادس عشر

العرق والتفاوت في الأوضاع الصحية

تناولنا في الفصول السابقة التي تتطرَّق إلى تجربة العِرق المعيشة الطُّرق المتنوعة التي يَرتبط بها العرق بجمع الثروة وتوزيعها، وكيف يؤثِّر العرق وتفاوُت الطبقة الاجتماعية على التعليم. وفي هذا الفصل نُركِّز على مجالٍ أخير يَبرُز فيه العرق على نحوٍ خاص، ألا وهو: المرض والموت.

كما ناقشنا، فالعرق ليس هو التنوُّع البيولوجي البشري وليس مسبِّبًا له. وفي هذا الإطار تكون مقولة إن العرق مثل البيولوجيا مجرد خرافة. غير أن العرق والعنصرية، كما نوضح في هذا الفصل، لهما طابعٌ بيولوجي من حيث ما لهما من عواقبَ بيولوجيةٍ. والعرقنة والعنصرية لهما عواقبُ بيولوجية تبدأ من قبل الولادة، بل إن الأبحاث الحديثة تشير إلى أنها حتى قد تمتد إلى ما قبل ذلك أو للأجيال السابقة من خلال عملية تسمى التخلُّق المتعاقب. وهذه العواقب المُترتِّبة على العيش في مجتمعٍ عنصري، أو حتى التعايش اليومي مع العواقب اليومية غير الملحوظة للعرقنة، تتراكَم وتُؤدِّي إلى إنهاك العقل والجسد وارتفاع معدَّلات المرض، والتوعُّك، والوفاة المبكِّرة. فالعرق والعنصرية لا يوجدان خارجيًّا فقط على المستوى الثقافي، بل يَتغلغلان تحت الجلد. وفي هذا الفصل نَستكشِف بعضًا من الآليات التي يَتغلغل بها العرق أسفل الجلد ويؤدِّي إلى تفاوتٍ عرقي على مستوى الصحة.

مقال الضيف في هذا الفصل بقلم د. سوزان إم ريفرباي، أستاذ التاريخ بكلية ويلسلي وخبيرة في استخدام العرق في الأبحاث الطبية. يُسلِّط مقال ريفرباي الضوء على البُعد العرقي لواحد من أكثر التجارب الطبية المُخيفة التي أجريَت باسم نشر العلم، ألا وهي تجربة توسكيجي. في هذه «التجربة» التي استمرَّت لمدةٍ طويلة، خضع مواطنون أمريكيون فقراء من أصلٍ أفريقي مُصابون بمرض الزُّهري على مدى أربعة عقود للمتابعة دون علاج لتسجيل عواقب الزُّهري غير المُعالج. الأمر المهم بشأن مقال ريفرباي هو الأسلوب الذي تُبين به كيف أن تجربة توسكيجي ليست واقعةً منفصلة، بل إنها في قلب ممارسات علاج الأفراد على نحوٍ مُختلِف بناءً على عرقهم المُفترض، وهذه الممارسات، مع الأسف، ما زالت قائمة ومُنتشرة إلى اليوم. ولعلَّ من الطُّرق السريعة التي يؤدِّي بها العرق إلى عواقبَ بيولوجية الفروق في الرعاية الصحية.

يُقدِّم مجال الرعاية الصحية مجموعة من الروابط الواضحة بين العرق والنتائج الصحية؛ فما إن يتعامل الأفراد مع منظومة الرعاية الصحية، حتى يَجدوا اختلافًا في أسلوب التعامل معهم، ولا يدخلون المنظومة على نحوٍ مُتساوٍ، وهذا هو السبب الأساسي وراء الاختلاف التام في الإجراءات الصحية وفقًا للعرق.

لا شك في وجود علاقةٍ سبَبية بين العرق والصحة، وهذه العلاقة، كما سوف نوضح، تتجاوَز بكثيرٍ التفاوت بين الطبقات الاجتماعية الاقتصادية. بل إن المثير بشأن العرق أنه يُجسِّد تفاوتًا اقتصاديًّا وتفاوتًا اجتماعيًّا؛ فالصحة يتحدَّد نمطها وفقًا للعرق «و» الطبقة الاجتماعية. مبدئيًّا، إذا كنتَ فقيرًا وتعيش في مجتمعٍ فقير، تكون احتمالات الحصول على خدمات الأطباء، والمستشفيات، والعيادات الطبية أقلَّ؛ لذلك يقوم الفقراء بفحوصاتٍ طبية أقل؛ ومن ثم يكونون أكثر عُرضةً للمُعاناة من أمراضٍ مزمنة، وغالبًا ما تكون قابلة للعلاج، مثل البدانة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وحقيقة أن ظهور هذه الأمراض بسهولةٍ أكبر في المجتمعات الفقيرة العرقية مقارَنة بالمجتمعات البيضاء؛ لها تاريخٌ طويل، ويبدو أنها من أكثر الجوانب الثابتة والمُستعصية على الحل للعرق. وحقيقة وجود فجوات في التشخيص، والرعاية، والعلاج بالنسبة إلى الفقراء الملوَّنين إنما تدلُّ على وجود تفاوُتٍ طبَقي مثلما تدلُّ على وجود تفاوتٍ عرقيٍّ أيضًا.

في هذا الفصل، نُتابع معرض «العرق» من خلال تقديم عدد من الأماكن يتدخل فيها العرق في الصحة والرعاية الصحية والآليات المختلفة التي تؤدِّي بها الحياة في مجتمعٍ مُعرقَن، وليس الوراثة، إلى تفاوتٍ عرقي في الصحة. ولنستهلَّ بدراسة عن العواقب الصحية للتمييز، ثم نبحث الاختلافات في مستويات ضغط الدم التي يبدو أنها تُعزى إلى الكيفية التي يُحدَّد بها عرق الأشخاص؛ ثم نقوم بدراسة الحالة المثيرة لعقار «بي ديل»، وهو عقارٌ للقلب طُوِّر خصوصًا للأمريكيين الأفارقة، ونختم بتحليلٍ لما يُطلق عليه الآن العنصرية البيئية.

(١) العرق والتمييز والضغط

بينما توجد صعوبة في قياس التمييز على أساس العرق، إلا أنه قد وُثِّق من قِبَل الباحثة نانسي كريجر، الحاصلة على الدكتوراه، وستيفن سيدني الحاصل على درجة الماجستير من مدرسة هارفرد للصحة العامة. ففي عام ١٩٩٦ نشَرا مقالًا في دورية أمريكان جورنال أوف بابليك هيلث بعنوان «التمييز العرقي وضغط الدم: دراسة خطورة الإصابة بأمراض الشريان التاجي (كارديا) لدى الشباب من السود في مقابل الكبار من البيض.» وقاما بتطوير استبيانٍ لقياس حجم التمييز الذي يتعرَّض له الناس. وأظهرت النتائج التي توصَّلا إليها أنه «في المجمل، أقرَّ ٧٧٪ من النساء السوداوات و٨٤٪ من الرجال السود بتعرُّضهم لتمييزٍ عرقيٍّ فيما لا يقل عن واحد من المواقف السبعة المُحدَّدة. وأقرَّ أكثر من نصف السود من النساء والرجال معًا بأنهم قد تعرَّضوا لتمييزٍ عرقي في ثلاثة مواقع أو أكثر» (كريجر وسيدني ١٩٩٦: ١٣٧٤).

وكشف الباحثان عن وجود أثرٍ سلبي مزدوَج حين يجتمع كلٌّ من العرق/الإثنية والطبقة الاجتماعية معًا. وعند إضافة دينامية النوع الاجتماعي أيضًا، تُظهر النتائج أن المرض المزمن يُصبح بمنزلة صراعٍ مُتواصِل. ويوضِّح آمي جيه شولتز وليث مولينجز في كتابهما الرائد المحرَّر «النوع الاجتماعي للناجين وأُسرهم عن ممتلكاتهم والعرق والطبقة والصحة»، أن «التفاوت في الأوضاع الصحية القائم على العرق/العنصرية، والطبقة، والنوع الاجتماعي/الجنسانية هو مسألة حياة وموت.» ومضَيا يقولان إن قيمة هذا العمل المُتعدِّد التخصُّصات لا يزال من النادر تقديرها. «في هذا الكتاب جمعنا مجموعة من الباحثين من تخصصاتٍ متعدِّدة من العلوم الاجتماعية ومن الصحة العامة لدراسة الطرق التي يتشكَّل بها النوع الاجتماعي، والطبقة، والعرق ويترابَطون معًا على نحوٍ تبادُلي» (شولتز ومولينجز ٢٠٠٦: ٣). ومن المجال الأكاديمي إلى الصحافة الشعبية، تحظى مشكلات التفاوت في الأوضاع الصحية بين النساء باهتمام الجميع. على سبيل المثال، في مقال «النساء يُقرِّرن وجود فجوات في الرعاية الصحية»، تتحدَّث مولي هينسي-فيسك عن نتائج دراسة بعنوان «المؤشِّرات الصحية للنساء في لوس أنجلوس»، وهي دراسة أجرَتْها إدارة الصحة العامة بلوس أنجلوس. كذلك أوضحت هذه الدراسة، التي وردت في جريدة لوس أنجلوس تايمز (هينسي-فيسك ٢٠١٠). مثالَين على الأقل من الأمثلة الأساسية للتأثير السلبي المزدوَج للعرق والنوع في مقاطعة لوس أنجلوس، بكاليفورنيا:

  • كانت النساء الأمريكيات من أصلٍ أفريقي أكثر عُرضة للمعاناة من الأمراض التي تنتقل جنسيًّا، من بينها الإيدز، والوفاة جراء الأمراض المُزمنة. على سبيل المثال، بينما كان معدَّل الإصابة بسرطان الثدي أعلى بين النساء البيضاوات، كانت النساء الأمريكيات الأفريقيات أكثر عرضة للوفاة جراء الإصابة به.

  • سجَّلت اللاتينيات أردأ وضعٍ صحي بين نساء جميع الفئات العرقية. على سبيل المثال، ارتفع معدل البدانة لديهنَّ من ٢٧ بالمائة في عام ٢٠٠٥ إلى ٣١ بالمائة في ٢٠٠٧.

يَكمن جزء من المُشكلة التي تقف خلف هذه البيانات المُزعِجة في أن عددًا كبيرًا من هؤلاء النساء الفقيرات في كتاب شولتز ومولينجز، وفي تقرير التفاوُت في الأوضاع الصحية الصادر من مقاطَعة لوس أنجلوس، يَفتقِرن ببساطة إلى التأمين الصحي والحق في الحصول على الرعاية الصحية. ولكن مع وضع ذلك في الاعتبار، تعتقد د. ريتا شنغهاي، أحد المشاركين في كتابة تقرير إدارة الصحة العامة، أن العنصرية أيضًا من العوامل المُساهمة في ارتفاع معدَّلات الوفيات بين النساء الأمريكيات الأفريقيات، على سبيل المثال. وقالت شنغهاي إن الباحثين يتشكَّكون في أن النساء الأمريكيات الأفريقيات واللاتينيات قد يُعانين من عدم المساواة العرقية، والتمييز، والضغط في محاولاتهنَّ للحفاظ على أنظمةٍ غذائيةٍ صحية، والحصول على رعايةٍ صحيةٍ مميزة (اقتُبست كلمات شنغهاي في دراسة هينسي-فيسك ٢٠١٠: أ٣٧). لذلك، وبينما نحن بصدد التفكير في قضية العرق والتفاوت الصحي، نحتاج إلى إدراك أن الحصول على الرعاية الصحية هو مزيج من القضايا البيئية، وكذا نقص الخدمات المتاحة (مثل نقص أشعة فحص الثدي المجانية والعيادات المجانية في الأحياء التي يقطنَّها).

يواجه اللاتينيون، بوجهٍ عام، عقباتٍ أخرى في سبيل الحصول على الرعاية المُتميِّزة. فثمة فرصةٌ أكثر من وفيرة للتحفُّظ في الكلام من جانب الشخص الذي لا يتحدَّث الإنجليزية؛ فإذا توجه الشخص إلى الطبيب أو المُمرِّضة، تزايَدت فرصة سوء التواصُل وربما خطأ التشخيص. وإضافة حاجز اللغة إلى قائمة العراقيل الضخمة في الأساس للحصول على الرعاية الصحية (مثل الصعوبة في الحصول على إجازة من العمل، وصعوبة العثور على مكان لرعاية الأطفال من أجل الذهاب إلى المواعيد الطبية، وصعوبة العثور على وسيلة نقل للذهاب إلى المواعيد الطبية … إلخ) من شأنها خلق سلسلةٍ قوية من العوائق.

الرعاية الصحية للَّاتينيين

«ثمة حواجز يُمكن أن تجعل من الصعب على كثير من اللاتينيِّين الحصول على الرعاية الصحية.»

اللغة حاجز بالنسبة إلى كثيرين

وفقًا لتقرير صدر عام ٢٠٠٠ عن مركز جامعة لوس أنجلوس بكاليفورنيا لأبحاث السياسة الصحية ومؤسسة عائلة هنري جيه كايزر، «يقول حوالي ثلاثة من بين عشرة لاتينيِّين (بنسبة ٢٩٪) إنهم واجَهوا مشكلة في التواصُل مع مقدمي الرعاية الصحية على مدار العام الماضي، من ضمنهم ١٢٪ يقولون إن هذه المشكلة كانت كبيرة، مقابل ١٧٪ يقولون إنها كانت مشكلةً بسيطة.»

في المناطق المأهولة بأعدادٍ كبيرة من السكان اللاتينيِّين، قد يتوافر مقدمو خدماتٍ صحية يتحدثون بالإسبانية. غير أن اللاتينيِّين الذين يتحدثون الإسبانية فقط غالبًا ما يُضطرون إلى الاعتماد على مترجمين أو أفراد العائلة الذين يُجيدون لغتَين. وقد يُساهم المترجمون ممن ليست لهم دراية بالمصطلحات الطبية، عن غير قصد، في سوء التواصُل بين المرضى والأطباء. علاوة على ذلك، قد يجد المرضى غضاضةً في مناقشة التفاصيل الشخصية الحيوية حين يَضطلِع أفراد الأسرة أو الأصدقاء بدَور المترجمين.

•••

«يواجه العمال الفُقراء حواجز إضافية تحول دون الحصول على الرعاية الصحية.»

تعاني الأقليات العرقية والإثنية، بمَن فيهم اللاتينيُّون، من الفقر على نحوٍ غير مُتكافئ؛ ومن ثم فهم أكثر عرضة للعرقلة بفعل:

  • الصعوبة في الحصول على إجازة من العمل من أجل المواعيد الطبية.

  • صعوبة العثور على مكانٍ لرعاية الأطفال من أجل المواعيد الطبية.

  • صعوبة العثور على وسيلة نقل للذَّهاب إلى المواعيد الطبية.

«غالبًا ما تَزداد العراقيل المادية لاستخدام الخدمات الصحية تعقيدًا بفعل عواملَ أخرى، مثل قلة عدد مُقدِّمي الخدمات الصحية في مجتمعٍ ما على نحوٍ بالغ، وطول فترات الرحلة إلى أقرب مقدم خدمة، والمُمارسين الذين لا يتحدثون لغة مرضاهم ولا يفهمون ثقافتهم» (براون وآخرون: ٢٠٠٠).

شكل ١٦-١: لوحة الصحة، ٢٠٠٣ (لوحة بالأكريليك على الكنفا) لخافير كورتادا (فنان معاصر) المجموعة الخاصة، مكتبة بريدجمان للفنون.

تحتاج الأبحاث المستقبَليَّة عن تفاوت الأوضاع الصحية والنوع الاجتماعي إلى الابتعاد عن الأبحاث الحالية التي، وفقًا ﻟ «روث زامبرانا وبوني ديل»: «تُساهم فيها الحجج الفارغة التي [تتجاهل] أوجه الظلم المؤسَّسي النوعية المعرقنة داخل منظومات الصحة العامة في ظهور مقارباتٍ نظريةٍ جامدة تعجز عن زيادة معرفتنا بالجماعات» (٢٠٠٦: ٢١٧). ويؤيد زامبرانا وديل الأبحاث التي تضع في الاعتبار «الواقع الهيكلي والسياسي للمؤسَّسات ذات الموارد الهزيلة، لا سيما المدارس ومُنشآت الرعاية الصحية، في المجتمعات الحضرية والريفية، ومجتمعات المهاجرين حيث تعيش اللاتينيات» (٢٠٠٦: ٢١٧).

(٢) العرق وارتفاع ضغط الدم: المدلول الثقافي لِلوْن البشرة

إنها لحقيقة طبية أن مُجتمعات الشتات الأفريقي والأمريكيِّين الأصليين يميلون إلى ارتفاع معدَّلات ضغط الدم لديهم، في المتوسط، عن البيض أو سكان جزر المحيط الهادئ الآسيويِّين. هل هذا أمر بيولوجي (عرقي) أم بيئي، أم مزيج من الاثنين؟ في الواقع، تبيَّن من خلال دراسة نشرها روبرت كوبر، وتشارلز إم روتيمي، وريك وارد، أن الأمريكيين الأفارقة، على مستوًى عالمي أو عابر للأطلسي، لديهم واحد من أعلى معدَّلات ضغط الدم في العالم. غير أن في غرب أفريقيا، حيث يَنحدر الكثير من الأسلاف المعاصرين للأمريكيين الأفارقة، يوجد بعضٌ من أقل معدلات ضغط الدم في العالم. إذن، فهل يُعزى الأمر إلى الجانب البيولوجي أم إلى العرق؟ الإجابة الواضحة هي أن نمط ارتفاع ضغط الدم في جماعات الأفارقة، من الارتفاع في الأمريكتَين والانخفاض في أفريقيا، يُشير إلى أن شيئًا أكبر بكثير من العرق والوراثيات، له دورٌ نشط ومؤثِّر في هذا الصدد.

أدلى علماء الأنثروبولوجيا بدَلوهم حول جميع جوانب الجدال. فعلى سبيل مثالٍ آخر، ترى فرضية «الاستعباد» أن الأمريكيين الأفارقة لديهم ميل جيني لارتفاع ضغط الدم بناءً على عواقب الانتقاء الحادِّ خلال فترة «المَمر الأوسط» وطول حقبة العبودية هنا في الولايات المتحدة. و«الممر الأوسط» هو الرحلة العصيبة التي قام بها العبيد الأفارقة على متن سفنِ تجار الرقيق عابرينَ الأطلنطيَّ قادمين من القارة الأفريقية. ويمضي الجدال إلى أن هذه الظروف العصيبة الصادمة قد تسبَّبت في «عنق زجاجة» بيولوجي أو جيني أسفر عن الاحتفاظ بالملح داخل أجسام هؤلاء الأشخاص الذين نجوا من الممر الأوسط إلى جانب أمراضٍ مُعدية مثل الإسهال والقيء. وعلى الرغم مما اكتسبته النظرية من شهرة واهتمام في العديد من الدوائر، بما فيها الإعلام، ثمة نُقاد مثل جورج أرميلاجوس، أحد علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية، يقولون إنه «لا وجود» لأي دليل «على عدم وجود دلالة على عنق زجاجة جيني أو دليل على اختلافات «عرقية» محددة جينيًّا.» وبحسب أرميلاجوس، لقد «حان الوقت لنبذ خرافة فرضية ارتفاع ضغط الدم الناتج عن العبودية، والبدء في دراسة القضية من منظورٍ بيولوجي واجتماعي يعكس مقاربةً أكثر واقعية للتفاوت القائم في انتشار وتفشي ارتفاع ضغط الدم» (أرميلاجوس ٢٠٠٥: ١١٩).

على الطرف الآخر من الجدال يَقف أولئك القائلون بأنه عند استكشاف دور التاريخ، فإن الضغط، والجينات، والخُطورة، والبيئة، وغير ذلك من العوامل قد تفسر أو لا تفسر الفرضية. تقول عالمة الأنثروبولوجيا البيولوجية فاتيما جاكسون: «الحقيقة هي أن ثمَّة العديد من الأنواع المختلفة من ارتفاع ضغط الدم؛ ومِن بين هذه الأنواع ارتفاع ضغط الدم نتيجة الحساسية للملح، ويبدو أن أفرادًا بعينهم من الأمريكيين الأفارقة مُعرَّضون للإصابة بباثولوجيات فسيولوجية أكبر من غيرهم استجابة للتعرض لمعدَّلات مُرتفعة من الملح في النظام الغذائي» (٢٠٠٥: ١٢٥). وتمضي لتتحدث عن علاقة تحمل الأملاح لدى البشر بتحمُّله لدى الثدييات الأخرى. فتقول إن معظم الثدييات البرية سوف تُصاب باضطرابات القلب والأوعية الدموية، والاضطرابات العصبية والكُلوية في وجود تعرضٍ ممتد لمعدلاتٍ مرتفعة من الملح في الغذاء. ومن ثم يكون السؤال الأساسي لها هو «لماذا يَتميَّز بعض البشر بقدرةٍ أفضل على تحمُّل التعرض إلى هذا السم (الملح) دون الإصابة بهذه الاختلالات الفسيولوجية؟» (جاكسون ٢٠٠٥: ١٢٥) لعل من تحدياتها لعلماء الأنثروبولوجيا البيولوجية الذين لا يعتقدون في فرضية ارتفاع ضغط الدم نتيجة التعرض للملح هو اختبارها فعليًّا؛ وهذا يعني (بالنسبة إليها) الأخذ في الاعتبار تاريخ الأمريكيين الأفارقة، لا سيما الممر الأوسط وتقلبات حقبة العبودية.

هل ترَك الممر الأوسط إرثًا من حساسية الملح لدى الأمريكيين الأفارقة؟ شيءٌ وارد، ولكن ما هو بصدد أن يتبيَّن أيضًا من الأبحاث أن الأفريقيِّين ممن ليس لهم صلة بسكان الممر الأوسط يتعرَّضون أيضًا لضغط وتوعكٍ متزايد حين يعيشون في الولايات المتحدة. كذلك يعاني الأمريكيون الأفارقة من معدلاتٍ مرتفعة من أمراض أخرى ليس لها أدنى صلة بحساسية الملح. بل إنهم يُعانون من معدَّلاتٍ مرتفعة من كل مرض تقريبًا. ورأيُنا هو أن أسباب هذا التفاوت الواسع واسعة أيضًا، ألا وهي الحياة في مجتمعٍ عرقي.

ثمَّة مثالٌ مذهل يوضِّح كيف أن التصنيفات العرقية الدقيقة قد تؤدِّي إلى ارتفاع ضغط الدم، ويأتي هذا المثال من بحثٍ حديث لعالم الأنثروبولوجيا الطبية كلارينس جرافلي. يهتم جرافلي بفهم كيفية فصل تأثير لون البشرة كسِمَةٍ بيولوجية عن كيفية «عرقنتِنا» للأفراد بناءً على لون بشرتهم والسمات الجسدية الأخرى. ويُقيم بحثه، الذي نتناوله هنا بالمناقشة، على وجه التحديد كيف يؤثِّر التصنيف الثقافي «للون» المُجمع عليه، أو ما قد نُشير إليه بالعرق الاجتماعي، على ضغط الدم في جواياما، ببورتريكو. تعدُّ جواياما موقعًا منطقيًّا لأن نَسْب «اللون» يتشكَّل على أساس الملامح الجسدية، مثل شكل الشَّعر، إضافة إلى لون البشرة، وأيضًا على أساس مؤشِّرات المكانة الاجتماعية مثل الثروة. وجواياما هي مدينة يبلغ عدد سكانها ٤٥ ألف نسمة، وكانت ثالث أعلى بلدية في إنتاج السكَّر في الجزيرة في القرن التاسع عشر. ويعد «المشهد العرقي» الموضَّح في هذه الخريطة لبيانات التعداد الحديثة من الإرث الذي خلَّفته العبودية وتجارة السكر.

يَرتبط لون البشرة الداكنة، خاصة في البر الرئيسي للولايات المتحدة وكذا في بورتريكو، بارتفاع ضغط الدم لدى جماعات الشتات الأفريقي. ويُشير جرافلي إلى تقديم آليتَين مختلفتين تمامًا لتفسير تلك العلاقة؛ بناءً على مدلولَين مختلفَين تمامًا للون البشرة. التفسير الواقعي الأول هو أن لون البشرة الداكن يُستخدم كرمزٍ جيني للمزيج الأفريقي. وهكذا يكون الارتباط هو نتاج «الوراثيات الأفريقية». التفسير الثاني الأقل شيوعًا هو أن لون البشرة الداكن «يدل» على تدني المكانة الاجتماعية وزيادة التعرض للعنصرية، وهذه الأمور تُسبِّب ارتفاع ضغط الدم. النقطة الأساسية هنا هي أن لون البشرة، أو الصباغ، في الحالة الأولى قد يَرتبط بالتفسير الثاني ألا وهو «اللون كتصنيفٍ اجتماعي».

ارتفاع ضغط الدم: عرق أم عرقية؟

«تُشير الدراسات إلى أن ضغط العرقية يُساهم في ارتفاع معدلات ضغط الدم بين الأمريكيين الأفارقة عنه بين الأمريكيين الأوروبيين.»

الأمر ليس جينيًّا

فيما بين عامي ١٩٩١ و١٩٩٥، قام الباحثون بمقارنة مستويات ضغط الدم لدى أفارقة من نيجيريا والكاميرون بمستويات ضغط الدم لدى أشخاص مُنحدِرين من أصلٍ أفريقي في جزر الكاريبي والولايات المتحدة. وعلى الرغم من التشابُهات الجينية، فقد اختلفت معدلات ضغط الدم المرتفع بين الجماعات اختلافًا تامًّا. ومن المحتمل أن تُعزى تلك الاختلافات إلى البيئة الاجتماعية، والنظام الغذائي، وأسلوب الحياة.

عرف العلماء لفترة أن معدَّل ارتفاع ضغط الدم في المناطق الريفية من غرب أفريقيا أقل منه في أي مكان في العالم، فيما عدا بعض أجزاء منطقة حوض الأمازون وجنوب المحيط الهادئ. أما الأشخاص المُنحدِرون من أصولٍ أفريقية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على الجانب الآخر، فكانوا من بين أعلى معدَّلات ارتفاع ضغط الدم في العالم. وهذا التحول إنما يشير إلى أن شيئًا ما يتعلق بالبيئة المحيطة أو أسلوب الحياة لدى الأوروبيين والسود الأمريكيين — وليس عاملًا وراثيًّا — كان السبب الأساسي في تغيُّر قابليتهم للتعرض إلى ارتفاع ضغط الدم.

كوبر وآخرون ١٩٩٩

العنصرية تلعب دورًا

تدعم أبحاثٌ عديدة ادعاءَ أن ضغط العنصرية على الأمريكيين الأفارقة يرتبط بارتفاع ضغط الدم بينهم.

العرق فئةٌ اجتماعية مؤثِّرة إلى أقصى مدًى في الولايات المتحدة؛ فهو يؤثر على الأماكن التي نقطنها، ونوعية المدارس التي نَلتحِق بها، والوظائف التي نتقلَّدها، ونوعيات الضغوط التي نتعرض لها، وما إذا كان لنا حق الحصول على الرعاية الصحية، والعديد من جوانب حياتنا الأخرى. ولما كان العرق فئةً اجتماعية مؤثرة إلى هذا الحد، فيُمكنها أن تؤثر على بيولوجيتنا وصحتنا (بيلار أوسوريو، أستاذ أخلاقيات الطب، مدرسة الحقوق بجامعة ويسكونسن، على موقع http://www.pbs.org/race/000_About/002_04-experts-01-12.htm).
شكل ١٦-٢: رسم توضيحي من متحف مينيسوتا للعلوم بعد الرسم البياني «إصابات ارتفاع ضغط الدم» من كوبر، وروتيمي، ووارد (١٩٩٩). حقوق الطبع ١٩٩٩ من شركة ساينتيفيك أمريكان. جميع الحقوق محفوظة.

التمييز غير المُدرَك مباشَرة قد يؤدي أيضًا إلى تغييرات في الحالة الصحية. على سبيل المثال، قد يتعرَّض الأفراد إلى الحرمان الاقتصادي الذي يكون نتاجًا للعنصرية، ولكنهم قد لا يَعتبرون أن ظروفهم الاقتصادية تتحدَّد على أساس تحيُّزٍ مُرتبط بالعرق (بروندولو وآخرون ٢٠٠٣).

شكل ١٦-٣: مديرة المشاركة المجتمعية بمتحف مينيسوتا للعلوم جوان جونز-ريتسي تقيس ضغط الدم (بتصريح من متحف مينيسوتا للعلوم، روبرت جارفينكل).

قام جرافلي بقياس كلٍّ من تصبُّغ الجلد — عن طريق قياس الطيف الضوئي لانعكاس الضوء القياسي — وكذلك تصنيف الأفراد في فئاتٍ للعرق/اللون. وباشر جرافلي سلسلة من الحوارات الإثنولوجية، محتذيًا في ذلك حذو عمل مارفن هاريس في البرازيل، واستطاع التوصُّل إلى تصنيفٍ متوافَق عليه للعرق، مُنتقلٍ من الفئة الأفتح، أي من البيض إلى ذوي اللون القمحي، ثم الهنود، إلى الفئات الأكثر دكنة التي تَشمل مُختلطي الأعراق وأخيرًا الزنوج (جرافلي ٢٠٠٥).

وجد جرافلي وزملاء له أن «اللون المنسوب» (في ظلِّ تحييد صبغة الجلد) وليس صبغة الجلد، يَرتبط بضغط الدم المرتفع. وهذا التفاعل القوي بين «اللون» المنسوب والمكانة الاجتماعية الاقتصادية كاشف على نحوٍ خاص. فمع ارتفاع المكانة الاجتماعية الاقتصادية يرتفع ضغط الدم؛ إذ ترتفع متوسطات ضغط الدم لدى أولئك المصنفين كزنوج، بينما يقل ضغط الدم لدى البيض أو ذوي البشرة القمحية (جرافلي وآخرون ٢٠٠٥). وتأتي هذه النتائج متَّسقة مع السجل الإثنوجرافي في بورتريكو، الذي يُشير إلى أن «اللون» لا قيمة له نسبيًّا في سياقات المكانة الاجتماعية الاقتصادية المُنخفِضة، وأن وبال العنصرية يَصل إلى أقصى مداه في الطبقات المتوسطة والعليا. والمُستطلَعون المصنَّفون ﮐ «زنوج» في سياقات المكانة الاجتماعية الاقتصادية المرتفعة هم «زنوجٌ» يعيشون في عالم من «البِيض». ونتيجة لذلك قد يتعرَّضون لعنصريةٍ مؤسسية وشخصية تتغلغل تحت الجلد. وقد يكون من نتائج ذلك ارتفاعٌ مستديمٌ في ضغط الدم.

إيجازًا، توضِّح دراسة جرافلي أن العرق ليس شيئًا بيولوجيًّا بمعنى أنه يختلف عن التباين الجيني البشري. غير أن العرق تصنيفٌ ثقافي مؤثِّر ذو عواقب بيولوجية.

(٣) العنصرية البيئية

ثمَّة آليةٌ أخرى تؤدي بوضوحٍ إلى تدني الأوضاع الصحية في المجتمعات الفقيرة، هي التعرُّض لمجموعةٍ كبيرة من الملوثات والمهيجات. وحين تكون المجتمعات الفقيرة مجتمعاتٍ ملوَّنة أيضًا، يُطلق على هذا «العنصرية البيئية».

أشارت الأبحاث على نحوٍ مُتزايد على مدى العقود القليلة الماضية إلى وجود علاقة بين وجود الأمراض المزمنة بعضها ببعض، مثل الربو لدى الأطفال ولدى البالغين، في المواقف المُجتمعية العالية السُّمِّية. وتشمل أمثلة التباينات في السموم والمُلوثات، حسب المكان، جودةَ الهواء (المركَّبات الكبريتية، والمواد الجسيمية، والمركبات العضوية المسبِّبة للسرطان)، والتخلص من النفايات، وتلوث المياه الجوفية. وهذه المواقع السامة غالبًا ما تكون غير ظاهرة للعين، ولكنها تكون في أغلب الأحيان بالقرب من أحياء الملوَّنين الفقيرة. وتُعيد لوحةُ المعرض التي تَحمل عنوان «التلوث وصحة الأعراق» التأكيد على هذا الزعم بتصريحٍ صادر من الوكالة الأمريكية لحماية البيئة يرجع إلى عام ١٩٩٢. كذلك تُصرِّح لوحة المعرض بأن الملوَّنين أكثر عرضة للعيش في مناطق لا تتطابق فيها جودة الهواء مع المعايير التي وضعَتها الوكالة. وتشمَل المشكلات الصحية التي يُسبِّبها هذا النوع من التلوث عدوى الجهاز التنفُّسي العلوي، والربو، ونوبات الصداع، والقيء، وسرطان الرئة، وأمراض القلب.

في عام ٢٠٠٧، طلبت أبرشيات العدالة وشهود المسيح التابعة لكنيسة المسيح المتَّحدة إعداد تقرير كمُلحَق لتقريرٍ سابق كانت قد أعدته في عام ١٩٨٧ لتقييم التقدم المُحرَز في تحديد مواقع النفايات السامة والتخلُّص منها في الأحياء الفقيرة في أنحاء الولايات المتحدة، وكان بعنوان «النفايات السامة والعرق في الولايات المتحدة». كان للتقرير قيمته آنذاك؛ لأنه وجد أن العرق هو المُتغيِّر الأهم في التنبُّؤ بمواقع المنشآت التجارية المتخصِّصة في إدارة النفايات في الولايات المتحدة. فقد كان العرق مؤشِّرًا أقوى من دخل الأسرة، وقيمة المنازل، والكم المقدَّر من النفايات الخطرة التي تخلفها الصناعة (بولارد وآخرون ٢٠٠٧: ١٠).

طُلب التقرير الجديد كجزءٍ من الاحتفال بمرور ٢٠ عامًا على التقرير الأول. وكان من ضمن الأمور الأخرى التي تناولها التقرير أيضًا تداعيات العدالة البيئية في نيو أورليانز بعد إعصار كاترينا. لقد تمَّت كتابة تقرير «النفايات السامة والعرق في ذكراه العشرين» وتم تصميمه من أجل «تسهيل حركة التنظيم الشعبي المجدَّدة وتوفير عامل تحفيزي للمُنتديات العامة، ومجموعات النقاش، والتغييرات السياسية الخاصة بالعدالة البيئية على المستوى المحلي، والإقليمي، والقومي في عام ٢٠٠٧ وفيما بعد» (بولارد وآخرون ٢٠٠٧: ١٠). كان النهج الذي اتخذه التقرير الثاني مختلفًا عن نهج تقرير ١٩٨٧، من حيث توظيفه لاستخدام بيانات التعداد السكاني لعام ٢٠٠٠ (فيما يعدُّ مثالًا آخر على كيفية الاستخدام الإيجابي لبيانات التعداد)، والأساليب القائمة على استقاء البيانات عن بُعد، وقامت بتطبيقه على قاعدة بيانات حالية للمُنشآت التجارية المتخصِّصة في التخلص من النفايات الخطرة من أجل تقييم نطاق التفاوت العرقي والتجاري الاقتصادي في مواقع هذه المُنشآت في الولايات المتحدة. كان هذا التفاوت يُبحث حسب المنطقة والولاية، وكانت المناطق الحضرية تُختصُّ بتحليلٍ مُستقل لها؛ حيث كانت توجد معظم منشآت النفايات الخطرة.

وأظهر التقرير أن التفاوُتَ العرقي في توزيع النفايات الخطرة أكبر مما كان موثَّقًا في السابق. بل إن البيانات تُبيِّن أن الملوَّنين يُشكلون الأغلبية بين القاطنين في «الأحياء المؤوية للنفايات» في نطاق ١٫٨ ميل من منشآت إدارة النفايات الخطرة في البلاد. ووجَدوا أن التفاوت العرقي والإثني لا يزال منتشرًا عبر أنحاء البلاد (بولارد وآخرون ٢٠٠٧: ١٠). وفيما يلي النتائج على المستوى القومي وعلى مستوى الأحياء:
  • «التفاوت القومي»: يُقدَّر عدد القاطنين في الأحياء المؤوية للنفايات في نطاق ١٫٨ ميل من المنشآت التجارية لإدارة النفايات الخطرة في البلاد، البالغ عددها ٤١٣ منشأة، بأكثر من ٩ ملايين شخص. ويَعيش أكثر من ٥٫١ ملايين شخص من الملوَّنين في الأحياء التي تحوي واحدة أو أكثر من المنشآت التجارية لإدارة النفايات الخطرة (يُذكر أن معدَّلات الفقر في الأحياء المؤوية للنفايات أكبر من المناطق غير المؤوية للنفايات بمعدَّل ١٫٥ مرة (١٨٪ في مقابل ١٢٪)).

  • «الأحياء ذات المنشآت المجمَّعة»: تضم الأحياء ذات المنشآت المجمعة معًا نسبًا أعلى من الملوَّنين مقارنة بالأحياء التي لا تضمُّ منشآتٍ مجمَّعة (٦٩٪ في مقابل ٥١٪). وترتفع معدلات الفقر في هذه الأحياء. ونظرًا لتركز الملونين والفقراء على نحوٍ كبير في الأحياء التي تضمُّ مُنشآتٍ متعددة، فإن هذه الجماعات معرَّضة لمزيد من الخطورة والتأثير السلبي على صحتهم.

ويُختتم التقرير بملاحظات عن أنه على مدى عشرين عامًا منذ صدور التقرير الأول فصاعدًا، لا يزال هناك تفاوتٌ عرقي واجتماعي اقتصاديٌّ كبير في توزيع المنشآت التجارية للنفايات الخَطِرة في البلاد. حتى في وجود تكنولوجيا وتقنيات أفضل لأخذ العينات، وجد الباحثون أن النتائج، للأسف، جاءت مُشابهة لما كانت عليه في عام ١٩٨٧ (بولارد ٢٠٠٧: ١١). يُقدم التقرير أيضًا مجموعةً قوية من التوصيات تبدأ من المستوى الفيدرالي وتتدرَّج تنازليًّا إلى مستوى المجتمع المحلي. وقد أُلقي الضوء على نسخةٍ كاملة من التقرير في قسم القراءات الأخرى في نهاية الفصل.

العرق والتلوث والصحة

«الملوَّنون أكثر عرضة للتعرض إلى التلوث والمعاناة من آثاره.»

التلوث الصناعي

توجد منشآت تخزين ومعالجة النفايات الخَطِرة في أغلب الأحيان في الأماكن التي يقطنها الفقراء أو الأقليات وحولها، أكثر من مجتمعات الطبقة المتوسطة أو البيض.

تتبايَن الآثار الصحية للتعرُّض إلى المخلفات والصناعات السامة اعتمادًا على الملوِّثات ذات الصلة ومستويات التعرض.

تلوث الهواء

يُعدُّ الملوَّنون أكثر عُرضة للعيش في المناطق التي لا تتطابَق فيها جودة الهواء مع المعايير المحدَّدة من قِبَل وكالة حماية البيئة. وتشمَل المُشكلات الصحية التي يُسبِّبها تلوث الهواء:

  • عدوى الجهاز التنفسي العلوي.

  • الربو.

  • نوبات الصداع والقيء.

  • سرطان الرئة.

  • أمراض القلب.

يتعرَّض سكان الأقليات العرقية ومحدودو الدخل بمعدلاتٍ أعلى من المتوسط لملوِّثات هواء معيَّنة، ومنشآت النفايات الخطرة، والأسماك الملوَّثة، والمبيدات الزراعية في مكان العمل (الوكالة الأمريكية لحماية البيئة ١٩٩٢، استشهد به في معرض العرق، متحف مينيسوتا للعلوم).

شكل ١٦-٤: الملوِّثات الصناعية لها تأثيرٌ كبير على نحوٍ غير مُتكافئ على الأقليات العرقية وأفراد المجتمع الأكثر فقرًا © iStockphoto.com/AVTG.

(٤) عقار بيديل والعرق في الطب

في ٢٣ يونيو، من عام ٢٠٠٥، أعادت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إدراج «العرق» كبديل للتبايُن الجيني. واعتمدت إدارة الغذاء والدواء عقارَ بيديل «لعلاج قصور القلب كدواءٍ مُساعِد للعلاج النمطي لدى المرضى الذين يُصنِّفون أنفسهم من السود.» وعقار بيديل هو عقار مركَّب بتوليفةٍ ثابتة من عقارَين مكافئين هما، أيزوسوربيد ثنائي النترات (الذي يعمل على «منح» أكسيد النيتريك) وهيدرالازين هيدروكلوريد (وهو موسِّع للأوعية ومضاد للأكسدة). تَعتقد شركة نيتروميد للأدوية، الكائنة في ليكسينجتون، بولاية ماساتشوستس، والتي حصلت على براءة الاختراع للعقار أن عقار بيديل المركَّب ذا التوليفة الثابتة الجرعة سوف يُعزِّز مستويات أكسيد النيتريك؛ ومن ثَمَّ يُحسِّن تمدُّد الأوعية الكبيرة وتدفُّق الدم (الجزء الخاص بعقار بيديل مقتبس من جونز وجودمان (٢٠٠٥)).

شكل ١٦-٥: عقار بيديل (بتصريحٍ من شركة نيتروميد).

عقدت اللجنة الاستشارية لعقاقير الكُلى والقلب والأوعية الدموية التابعة لإدارة الغذاء والدواء اجتماعًا استمرَّ يومًا كاملًا في الأسبوع الذي سبَق اعتمادَها لعقار بيديل. وقد حضر هذا الاجتماع اثنان من المشاركين في تأليف هذا الكتاب، وهما جونز وجودمان، والذي عُقد في جايثرزبيرج، بولاية ميريلاند، في قاعة الاحتفالات بفندق هوليداي إن، واستمعا إلى العرض التقديمي الصباحي لشركة نيتروميد عن تجربتهما على مرضى قصور القلب من الأمريكيين الأفارقة. وبحسب ما أورده تايلور وزملاؤه (٢٠٠٤) في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن، فإن من بين مرضى قصور القلب المتقدِّم من السود الذين شاركوا في التجربة، والبالغ عددهم ١٠٥٠ شخصًا، عانت المجموعة التي تلقَّت عقار بيديل من حالات وفيات أقل من المجموعة التي تلقَّت الدواء الوهمي بنسبة ٤٣ بالمائة. وخلال الساعة التالية المخصَّصة للتعليقات العامة، أشار مؤيدو البيديل إلى الحاجة إلى عقاقير أفضل للقلب للأمريكيين الأفارقة، فيما تساءل الأكاديميون، مثل الطبيب وعالم الأنثروبولوجيا شوماركا كييتا، عن المنطق وراء اعتماد عقار لمثل هذا الفصيل الاجتماعي المتنوِّع جينيًّا. حينئذٍ تعمَّدت اللجنة، في الأغلب، كما بدا، مناقشة المستوى الملائم للدلالة الإحصائية لنتائج التجربة، قبل الموافَقة بالإجماع على استعمال بيديل. وصوَّت اثنان من أعضاء اللجنة بالموافقة على الاستخدام العام غير المُقتصِر على عرقٍ بعينه للعقار.

في الواقع، لقد جاء قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باعتماد عقار بيديل كعلاجٍ مُساعد «للمرضى الذين يُصنِّفون أنفسهم كسود» ليجعله أول عقار يحصل على براءة اختراع مصدَّق عليه فيدراليًّا يُخصَّص لعرق بعينه. ويتبع ذلك تاريخٌ طويل ومؤلم من العلاج الطبي المُنفصل والمُفتقِد إلى المساواة على أساس العِرق. ومن المؤكَّد أنه لن يكون آخر تطبيق لبراءة اختراع مُعتمَدة من إدارة الغذاء والدواء يقتصر على عرق بعينه.

(٤-١) شكٌّ صحي؟

يبدو أن اعتماد عقار بيديل يَدين إلى السياسة أكثر مما يدين إلى العلم؛ فقد لعبت شركة نيترو ميد على وتر السياسة بحذق وبراعة من خلال تغليف عقارِ بيديل بغلاف من الرطانة حول التفاوت في الأوضاع الصحية وتسجيل مجموعاتٍ أمريكية أفريقية في تجربتها عن قصور القلب وعملية اعتماد إدارة الغذاء والدواء للعقار؛ فقد قامت جمعية أطباء القلب السود، بصفتها أحد رعاتها، بتسهيل تسجيل المرضى في تجربة قصور القلب. وفي جلسة الاستماع التي عقَدَتها إدارة الغذاء والدواء في جايثرزبيرج، أبدت جمعية أطباء القلب السود، وهيئة خبراء الصحة بكتلة السود بالكونجرس الأمريكي، والجمعية الوطنية للنهوض بالملوَّنين، ومؤسسة شهر صحة الأقليات القومية، تأييدها لاستعمال عقار بيديل. وأبدى مندوبو جمعية أطباء القلب السود والجمعية الوطنية للنهوض بالملوَّنين أمانيهم أن يُتيح بيديل للأطفال معرفة أجدادهم. وأدلى الأمريكيون الأفارقة ممَّن شاركوا في تجربة قصور القلب، مثل ديبرا لي البالغة من العمر ٤٨ عامًا، بشهادة تأييد مشابهة؛ إذ قالت: «إنني أتناول ٢٣ حبة في اليوم، ولكن مبعث سروري هو معرفتي أن دوائي يعمل حقًّا بأقصى ما لديه لتصحيح شيء لا يُمكن إصلاحه، وهو قلبي … بمَ ساهمتُ بصفتي السبب في هذا التحول؟ بإيماني القوي بالله وحبةٍ صغيرة تُسمى بيديل.»

وتماشيًا مع الأجواء الانفعالية للمناقشات الدائرة حول التفاوت الصحي، أطرى ستيفن نيسن، الذي ترأس اجتماع اللجنة، على تركيز العرض كليًّا على ارتفاع معدَّل قيد الأمريكيين الأفارقة في التجربة: «ثمَّة شكٌّ من قِبل الأمريكيين الأفارقة تجاه مجتمع مورِّدي الخدمات الصحية، البعض منه له ما يُبرِّره؛ لذا علينا تقديم تعويضاتٍ إضافية لكي نجعل الأفراد في جماعات الأقلية يَشعُرون بالارتياح في الاشتراك في التجارب الإكلينيكية … لقد استطاع هؤلاء الناس إحراز النجاح، وسوف أمنحهم بعض النقاط مقابل ذلك. لنمضِ قدمًا.»

وبالفعل مضت جلسة الاستماع «قدمًا»، وتواصَلت فعالياتها دون نقاشٍ جادٍّ للقضايا والمخاطر التي ينطوي عليها اعتماد عقار لعرقٍ واحد. بل إن اللجنة الاستشارية واصلَت اعتماد منطق العرق كعلامةٍ غير دقيقة ولكنها ضرورية على الاختلاف الجيني على الطريق نحو عصر من الطب الشخصي. وأوجز نيسن الأمر بقول:

رأيي … أن العقاقير ليست عرقية؛ الأشخاص هم العرقيون … نحن ماضون في الطب نحو عصر الطب القائم على أساسٍ جينومي. ولا جدال في أن هذا سوف يَحدث في غضون ١٠ أو ١٥ عامًا. أعلم أنه كانت ثمة تنبؤات لزمنٍ طويل بهذا ولم يَحدث بعدُ، ولكنه سيحدث … ثقوا بي؛ لذا فما نفعله هو أننا نَستخدِم العرق الذاتيَّ التصنيف كبديل للطب القائم على الجينوم … أتمنَّى لو كانت لدينا الرقاقة الجينية.

إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ٢٠٠٥

وفي رأينا أن بيديل هو خطوة في الاتجاه الصحيح إذا أوفى بجزءٍ ضئيل مما يَعد به من زيادة معدلات النجاة للأمريكيين الأفارقة (وآخرين) المصابين بقصور القلب. ولكن حسبما أشار أوباسوجي (٢٠٠٥) في دورية سان فرانسيسكو كرونيكال، قد يُمثِّل بيديل خطوةً واحدة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء. فمن المزعج على نحوٍ خاص ألَّا يكون لدينا إدراكٌ علمي لما إذا كان عقار بيديل يؤتي بالفعل نتائج أفضل لدى الأمريكيِّين الأفارقة منه لدى الآخرين؛ والمُثير في الأمر أن الباحثين في تجربة قصور القلب لدى الأمريكيِّين الأفارقة مُعترفون بأن تجربتهم لم تتناول هذا السؤال. وإذا كان بيديل يؤتي مفعولًا أفضل، كما يُعتقد، فما زلنا لا نعرف السبب. وفي ظل ترك هذه الأسئلة بلا إجابات، تكون قاعة هوليداي إن قد اجتيحَت بقفزتَين مزعجتَين من قفزات الإيمان العلمي هما: أن الاستجابات لعقار بيديل جينية، وأن الاختلافات الجينية تندرج تحت التقسيم العرقي.

(٤-٢) عرقنة المستقبل

في الواقع، ربما كان في عدم تناول المزايا العلمية لتصنيف بيديل كعقار لعرقٍ واحد أداة مُساعدة لتطبيق اختراع نيترو ميد. ويُشير جوناثان كان (٢٠٠٤)، في بيان مفصَّل لتاريخ كيفية إنشاء سوقٍ لسلعةٍ ما، إلى أن بيديل قد «صار إثنيًّا» من أجل ضمان اعتماد إدارة الغذاء والدواء له كعقارٍ «جديد» مع ضمان حماية ممتدَّة لبراءة الاختراع. وكانت محاولةً سابقة لضمان موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على قصر استخدام بيديل على عرقٍ واحد، من قِبل شركة ميدكو، المالك السابق لبراءة اختراع العقار، قد باءت بالفشل. وقد انتهت صلاحية براءة اختراع نيترو ميد لعقار بيديل التي خلَت من الإشارة إلى العرق في عام ٢٠٠٧، بينما تمتد براءة الاختراع للعقار الذي يحمل ملصق «للسود فقط» حتى عام ٢٠٢٠.

يُحلِّل فرانتز فانون بأسلوبٍ كلاسيكي، في كتابه الصادر عام ١٩٥٢ «بشرة سوداء، أقنعة بيضاء»، ما يعنيه التصنيف كعرقٍ آخر، أو كشخصٍ معيب دائمًا بالفطرة. ومثل هذا التحليل يُقدِّم تقييمًا أكثر كآبة لاعتماد إدارة الغذاء والدواء لعقار بيديل للسود «للمُصنَّفين ذاتيًّا» كسود. وكما كتب فانون (١٩٦٧)، «ليس لزامًا فقط أن يكون الشخص الأسود أسود؛ بل لا بد أن يكون أسود فيما يتعلَّق بالشخص الأبيض.» يمكن أن تُعالج «حقائق» السواد الجينية التي تتبيَّن داخل التفاوت في الأوضاع الصحية بالدواء، ومادام القيام بهذا تجارةً مربحة، فسوف تنتشر الإهانة الاجتماعية الكامنة وراء الاختلاف العرقي.

هل ينبغي الاستعانة بالعرق في الأبحاث الطبية؟

«إن الاستعانة بالتصنيفات العرقية في الأبحاث الطبية ممارَسةٌ نمطية قد تُمثِّل إشكالية.»

ثمة حاجة لإجراء العديد من الدراسات البحثية الطبية لجمع بيانات عن العرق

تشترط معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، التي تُعدُّ واحدًا من أكبر مموِّلي الأبحاث الطبية في الولايات المتحدة، في جميع المشروعات التي تُموِّلها، أن تجمع معلومات عن عرق وإثنية أفراد البحث فيها باستخدام الفئات الموضَّحة من قِبَل مكتب الإدارة والموازَنة بالبيت الأبيض؛ وهي نفس الفئات المستخدَمة من قِبل جميع الوكالات الفيدرالية، بما فيها مكتب التعداد السكاني الأمريكي. ولكن بما أن مكتب الإدارة والموازَنة بالبيت الأبيض يقول إن هذه الفئات العرقية ليست علمية، فهل هي مجدية للأبحاث الطبية؟

بعض الأسباب للاستعانة بالعرق منطقية والبعض غير منطقي

من المُهم إجراء أبحاث على التفاوت العرقي في الصحة والرعاية الصحية. غير أن الاستعانة بالعرق كبديل للبيئة الاجتماعية، أو الأصل، أو الوراثيات أمر أكثر إشكالية.

•••

«العرق كبديل للبيئة الاجتماعية»

من الممكن أن تتبايَن الخبرات الاجتماعية للأشخاص داخل ما يسمى بجماعةٍ عرقية أو إثنيةٍ واحدة إلى حدٍّ كبير. فكر، على سبيل المثال، بشأن مدى اختلاف النظم الغذائية، وأساليب المعيشة، والخبرات العامة لمهاجرٍ جديد من إثيوبيا عن نظيرتها لدى شخصٍ أمريكيٍّ أفريقي عاشت عائلته في الولايات المتحدة لأجيال. وعلى الرغم من أن كلا الفردَين يصنَّف ﮐ «أسود»، فقد يكون لديهما مشكلاتٌ صحية شديدة الاختلاف.

•••

«العِرق كبديل للأصل»

تنتشر أمراضٌ بعينها بين الأشخاص المُنحدِرين من أصلٍ معيَّن أكثر مما تنتشر بين عامة السكان. ولكن الفئات العرقية أكبر وأقل دقة من أن تُشير إلى أي شيء ذي معنًى على المستوى الطبي بشأن أصل الشخص. ولكي تكون وثيقةَ الصِّلة، لا بد أن تتبَع البيانات التي يتمُّ جمعها في الدراسات الطبية الأصل على مستوى دولة أو منطقةٍ معينة.

العرق كبديل للوراثيات

لا يوجد أساسٌ عامٌّ للعرق. والتنوع الجيني الضخم داخل كل ما يُسمى بالعرق يجعل العِرق غير ملائم كواسمة أو علامة للوراثيات. ويُعدُّ الأصل أو التاريخ العائلي بديلًا أفضل للوراثيات. «جميع الجماعات البشرية، مهما كان تكوينها، لديها مخاطرُ طبيةٌ معينة. فالأمريكيون الأفارقة، واليهود الأشكيناز، والأفريقيون من أصلٍ أوروبي (الأفريكان) واليابانيون، والفقراء، والأغنياء، وعمال تنظيف المَداخن، والعاهِرات، ومُصمِّمو الرقصات، وهنود البيما، جميعهم لديهم مخاطرُ صحية محدَّدة. والعرق ليس سبب هذه المخاطر. بل إن العرق يَحجبها قطعًا» (جوناثان ماركس، عالم أنثروبولوجيا، جامعة نورث كارولاينا، من تواصلٍ شخصي مع سارة إلزي، متحف مينيسوتا للعلوم، سبتمبر ٢٠٠٦).

الأصل، وليس العرق، هو ما يُحدِّد عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض الوراثية

«داء الخلايا المنجلية»

توجد الطفرة الجينية التي تُسبِّب داء الخلايا المنجلية، الذي يصيب كرات الدم الحمراء، في غرب أفريقيا، وأوروبا الجنوبية، والشرق الأوسط، وجنوب آسيا. فشخص من أفريقيا الجنوبية لا يكون أكثر عُرضة للإصابة بداء الخلايا المنجلية من شخص من أوروبا الشمالية.

•••

«التليف الكيسي»

تنتشر الطفرة الجينية التي تُسبِّب مرض التليف الكيسي، وهو مرضٌ يُصيب الغدد المخاطية بالجسم، أكثر ما تَنتشر لدى سكان أوروبا الشمالية؛ ومن ثم يكون لدى سكان أوروبا الجنوبية، الذين يُعتبَرون بيضًا من جانب مكتب التعداد السكاني الأمريكي، عوامل خطورة مُختلفة تمامًا لحمل الطفرة المسبِّبة للتليُّف الكيسي.

•••

«داء تاي ساكس»

تَنتشِر الطفرة الجينية المُسبِّبة لداء تاي ساكس، وهو مرضٌ يُسبِّب تراكمًا مُميتًا للمواد الدهنية في أنسجة المخ والخلايا العصبية، على أوسع نطاق بين سلالة سكان أوروبا الشرقية واليهود الأشكيناز. قد يشترك سكان أوروبا الغربية في نفس العرق الاجتماعي مع جيرانهم من الأوروبيين الشرقيين، إلا أنهم لا يُشاركونهم نفس خطر حمل الطفرة الجينية المسئولة عن الإصابة بداء تاي ساكس.

تُظهر الإحصائيات الصحية للآسيويِّين الحاجة إلى النظر لما هو أبعد من العرق.

عند النظر إلى الأمريكيِّين الآسيويين ككلٍّ إحصائي، يتضح لنا أنهم من بين أكثر مواطني هذا البلد تمتُّعًا بالصحة. ولكن تلك الإحصائيات تُخفي بعض المشكلات الصحية الخطيرة داخل جماعات سُكانية متفرِّعة من الأمريكيين الآسيويين. على سبيل المثال، على الرغم من انخفاض معدَّلات الإصابة بالسرطان نسبيًّا لدى الآسيويين عمومًا، فإن الرجال من أصول فلبينية، وكورية وجنوب آسيوية لديهم أعلى معدلات للإصابة بسرطان الرئة والشُّعب الهوائية، فيما يُعاني الفيتناميون من الرجال من سرطان الكبد بمعدَّلٍ أعلى ١١ مرة من نظيره لدى الذكور الأمريكيِّين. ومثل هذه الإحصائيات قد تتعرَّض للتجاهل في تدريس الصحة العامة وجهود الفحص حين يتمَّ تجميع الآسيويين جميعًا في كتلةٍ واحدة.

قامت مفاهيم العرق وممارَسات العرقية في أمريكا على «منطق الاختلاف» الظاهري الراسخ في الجسد الأسود عمومًا (هاموندز، يصدر قريبًا). وهذا المنطق يَستدعي الافتراض الخاص بالطبيعة البيولوجية للعرق، والذي يُعتقَد، وفقًا له، أن العمليات الطبيعية المتعدِّدة والمُتغيِّرة مختلفة في الأجسام وهو الأمر الذي على أساسه يُمكن بسهولة قراءة درجات لون البشرة أو خصلات الشعر بحيث يكون لها معانٍ دائمة أكبر (هاموندز وهيرتزج ٢٠٠٨). وهذا المنطق لم يظهر بسبب المعتقدات الدينية، والممارسات الاقتصادية والسياسية، والعبودية العرقية، والفلكلور فحسب (فريدريكسون ٢٠٠٢). فقد كان لزامًا أن يتكون بمساعدة السلطة الموثوقة التي تستطيع الدراسات البحثية فرْضَها. فمن خلال العلم، ومنظومة الرعاية الطبية في أغلب الأحيان، غالبًا ما تُفسَّر الاختلافات العرقية، وتُبرَّر وتُستغل — مع استمرار قياس أجسام الأمريكيين الأفارقة، وحالاتهم الذهنية، وأوضاعهم الصحية وتقييمها — على أن بها ضعفًا ونقصًا. تُكمن الصعوبة في فهم الاختلاف بين تجارب العرقية التي تُؤثر على الجسم وفرضية أن الاختلافات العرقية توجد في حالةٍ بيولوجيةٍ بدائية.

وفي سبيل إيجاد هذا الاختلاف، كان لتوفُّر أجسام السود وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، سواء تحت الرقِّ أو الحرية، دوره في جعل الأمريكيين الأفارقة أدواتٍ للشغف الطبي، وأفراد بحث لعدد لا يُحصى من التجارب (جامبل ٢٠٠٠). في عام ١٨٣٨، نشرت صحيفة «تشارلستون ميركوري» هذا الإعلان لصالح دكتور تي ستيلمان:

للمُزارعين وغيرهم؛ مطلوب خمسين زنجيًّا. لأي شخص لديه زنوج مرضى بأمراضٍ يرى أطباؤهم أنها مُستعصية على العلاج، ويَرغبون في التخلُّص منهم، دكتور إس على استعداد للدفع نقدًا مقابل زنوجٍ مصابين بسلِّ الغدد الليمفاوية أو داء الملك، والتوهُّم المرضي المزمن، والسكتة الدماغية، وأمراض الكبد، والكُلى، والطحال، والمَعِدة والأمعاء، والمثانة ولواحقها، والإسهال، والدوسنتاريا … إلخ.

ويلد ١٩٦٨: ١٧١

في عام ١٩٧٢، أذاع مراسل وكالة أسوشييتد بريس نبأً عاجلًا بأن خدمة الصحة العامة الأمريكية تُوهم مئات الأمريكيين الأفارقة على مدى ٤٠ عامًا بأنهم يخضعون للعلاج، وليس لمجرد الملاحظة والدراسة فقط، من مرض الزهري الذي يكون مميتًا في بعض الأحيان (ريفرباي ٢٠٠٠؛ ٢٠٠٩أ). وهذه التجارب وغيرها الكثير — بعضها لا تعدو كونها مجرد شائعات، والبعض الآخر صحيح — أضاف إلى ما أسمته إحدى المؤلفات على غلاف كتابها «التاريخ الأسود للتجارب الطبية على الأمريكيين السود من العصور الاستعمارية حتى اليوم» (واشنطن ٢٠٠٧).

ومع ذلك لم يكن كل لقاء للأمريكيين الأفارقة مع الأطباء تجربة، ولم يكن كل مشروع بحثي قائمًا على العرقية، لا سيما عند الاعتقاد بأن الفقراء من كل فئة عرقية متيسِّرون لأغراض البحث والتدريس مقابل تلقِّي الرعاية (وول ٢٠٠٦؛ إيمانويل ٢٠٠٧؛ ريفرباي ٢٠٠٨ب). لقد كان الاستخدام المعقَّد للعرق من قبل الطب يعني أن في بعض الأحيان كان يُفترض أن الأمريكيِّين الأفارقة مختلفون لغرضٍ ما، ولكنهم، لغرضٍ آخر، متاحون لوضع تعميمات في المسائل العلمية. وفي القرن التاسع عشر، حرَّض المُعلمون في كلية طب جورجيا على نهب مقابر جثامين السود الأحرار والعبيد على حدٍّ سواء من أجل الحصول على جثامينَ لطلابهم في كلية الطب ليس لأنهم كانوا يبحثون عن الاختلاف، ولكن لأنهم كانوا بحاجة إلى جثث (بلاكلي وهارينجتون ١٩٩٧). ولعدم قدرة الباحثين بجامعة بنسلفانيا على العثور على أفراد بحثٍ بأنفسهم، فقد اعتمدوا على حارس بوابة الجامعة الأسود من أجل جلب أصدقائه «كفئران تجارب» على استعدادٍ «لابتلاع أنبوبٍ مرن طوله اثنتَا عشرة قدمًا متصل به بالونٌ مطاطي ينتفخ بمجرد دخوله إلى الأمعاء» (ليدرر ٢٠٠٠: ٢٦٩). ومع ذلك يظل هذا الاعتقاد بأن الأمريكيين الأفارقة كانوا هدفًا لممارساتٍ طبيةٍ مشبوهة على نحو متفرِّد؛ جزءًا من الصلة التي تربط العنصرية والرعاية الطبية معًا. وبحلول ستينيات القرن العشرين، حاوَرت الباحثة في مجال الفلكلور جلاديس-ماري فراي المئات من الأمريكيِّين السود الذين سردوا لها قصصًا عن أخطار «أطباء الليل»، الذين يُعتقد أنهم أطباء، أو طلاب يدرسون الطب، أو تابعون لهم يَعسون ليلًا بحثًا عن الغافلين ممن يُمكن اختطاف أجسادهم من أجل الأبحاث الطبية وأعمال التشريح (فراي ١٩٧٥: ١٧٠–١٩٥؛ جامبل ٢٠٠٠). ويُعتقد أن ذكرى الدراسة التي أُجريت في توسكيجي تؤثر على استعداد الأمريكيين الأفارقة للمشاركة في التجارب الإكلينيكية، وهو الأمر الذي غالبًا ما يفتقر إلى دليل (كاتز ووارين في الصحافة؛ بلا تاريخ).

كان من الأمور الأهم فيما يتعلَّق بالعلاقة بين العرق والطب أشكال مواجهة عدم المساواة في الحصول على العلاج وضغوط العنصرية في أجسام السود (سميدلي وآخرون ٢٠٠٣؛ كريجر ٢٠١٠؛ كوفمان وكوبر ٢٠١٠). فتظهر الإحصائيات منذ حقبة العبودية حتى العصر الحالي ما كان يُسمى في وقتٍ ما اللامساواة في الرعاية الصحية ويُسمى الآن بالتفاوت في الأوضاع الصحية لتوضيح الفروق الواسعة في فرص الحياة للسود والبيض. فحتى يومنا هذا، يتعرَّض الأمريكيون الأفارقة إلى مزيدٍ من التوعُّك، ومزيدٍ من وَفيات الأمهات والمواليد، ومزيد من الوفيات المبكِّرة أكثر من البيض.

يوجد الآن صناعة رعايةٍ صحيةٍ كاملة بها فروق موثَّقة في نوعيات الخدمات، والتدخُّلات، والرعاية المقدمة إلى المرضى، والتي تُحلَّل على أُسُس عرقية. وكل هذه الفروق مبنية على مشكلة التكدُّس وتردِّي الإسكان، ووجود «المناطق المَحرومة من الغذاء» في الأحياء التي تقتصر فيها خيارات الأكل على متاجر الأطعمة السريعة والمتاجر الصغيرة ذات الملكية العائلية التي لا تحوي سوى القليل من الفواكه والخضراوات، إلى جانب غياب الأمن في الشوارع، وإلغاء التدخُّلات في مجال الصحة العامة، كل ذلك أدى إلى التأثير بقوة على فرص الحياة بالنسبة إلى الأمريكيين الأفارقة الذين اضطروا حينئذٍ إلى البحث عن الرعاية الطبية في منظومةٍ طبية مكدَّسة وغير مُستجيبة في الغالب (دو بويز ٢٠٠٧؛ روبرتس ٢٠٠٩؛ ماب ٢٠١٠). وحين تُصبح هذه التجارب مع العرقية مجسَّدة في عوامل ضغطٍ وتَنعكِس في إحصائيات نِسَب انتشار الأمراض والوفيات، حينئذٍ تُقرأ بدورها وكأن العرق تصنيف بيولوجي (براون وآخرون ٢٠٠٧؛ إبستاين ٢٠٠٧؛ كريجر ٢٠١٠).

وهكذا كانت منظومة الرعاية الطبية هي مدخل الأمريكيِّين الأفارقة للوقوع في شرَك ما أطلق عليه المُنظِّر الفرنسي ميشيل فوكو «السياسة الحيوية»، وأصبحوا من خلالها «مواد بيوسياسية» صارت فيها «المَخاوف بشأن الصحة، والطب، والجسد، موضع تركيزٍ مُتزامِن للطب الحيوي وسياسة الدولة» (إبستاين ٢٠١٠: ٦٦). ويتطلب منطق العرقية الإيمان بالعرق كتصنيفٍ بيولوجي من هذه الصلات القائمة بين الرعاية الطبية، والتجريب الطبي، والسياسة لكي تَمنحه السلطة والقوة.

وتجتمع كل هذه الفئات — التجريب، والاعتقادات بشأن الاختلاف العرقي، وغياب الرعاية، وسلطة الحكومة، والشائعات بشأن كل هذا — معًا لتفسر ما حدث إبان ما خُلد في الأذهان كأسوأ التجارِب الطبية الأمريكية سُمعة، ألا وهي ما يُسمى بدراسة توسكيجي الطويلة الأمد لمرض الزهري غير المُعالج لدى الزنوج من الذكور. كان الأطباء بخدمة الصحة العامة الأمريكية قد أعدُّوا دراسة، بدأت في عام ١٩٣٢، لفهم ما يَحدث لدى الأمريكيِّين الأفارقة من الرجال حين يترك الزهري الكامن المتأخر (أي في المرحلة الثالثة ويفترض أنه غير مُعْدٍ) بلا علاج. استمرت الدراسة التي أُجريَت على هذا المرض الذي يَنتقِل عبر الاتصال الجنسي، داخل مدينة توسكيجي بولاية ألاباما، وفي محيطها، لمدة ٤٠ عامًا أخرى وشملت ٦٢٤ رجلًا، من بينهم ٤٣٩ مصابون بالمرض بالفعل و١٨٥ لم يكونوا مصابين به. كان الرجال يظنُّون أنفسهم مرضى يحصلون على الرعاية الطبية اللازمة لما كان معروفًا ﺑ «الدم الفاسد» من أطباء الحكومة. ولم يُخبر أطباء خدمة الصحة العامة هؤلاء الرجال قطُّ بأنهم في الواقع عناصرُ تجريبية وعناصر ضابطة تتمُّ متابعتهم في دراسةٍ قائمة على «عدم العلاج». لم يكن المرض هو سبب وفاة جميع الرجال ممَّن شملتهم الدراسة، ولكن أطباء خدمة الصحة العامة حاوَلوا التأكُّد من عدم حصولهم على أي علاج (على الرغم من أن الكثير منهم قد تلقَّوا علاجًا على أي حال). وكان الشيء الوحيد الذي طلبوا الإذن به هو الحق في تشريح جثثهم بعد وفاتهم (ليدرر ٢٠٠٠).

تُشكِّل فرضية الاختلاف العرقي في المرض الأساسَ للحاجة إلى إجراء الدراسة؛ فقد أُجريت دراسةٌ سابقة على البِيض المصابين بالزهري في أوسلو، بالنرويج، في مطلع القرن التاسع عشر. غير أنه لم يكن يُعتقَد أن الدراسة متعلِّقة بالأمريكيِّين الأفارقة؛ إذ كان الأطباء يَعتقدون (بناءً على أدلةٍ محدودة للغاية أو مفسَّرة على نحوٍ خاطئ) أنهم أكثر عرضة لمُضاعَفات القلب والأوعية الدموية من المضاعفات العصبية التي يبدو أنها تصيب البيض (روي ٢٠٠٠). كذلك كان يُعتقَد أن الأمريكيين الأفارقة أكثر عرضة للمرض، على الرغم من أن مثل هذه الاعتقادات لم تضع في الاعتبار غياب التعليم والحصول على وسائل منع الحمل التي يُمكن أن توقف انتقال المرض.

بدلًا من ذلك، أوضح أطباء خدمة الصحة العامة لرجال ألاباما أن ما كان يُعطى لهم من أسبرين، ومنشِّطات، إلى جانب البزل القَطَنِي التشخيصي «علاجٌ مجاني». كان عامل الجذب في البداية هو الرعاية الطبية اللائقة في وقت كان الحصول عليها صعبًا وباهظ التكلفة. داومت المُمرِّضة المشاركة في الدراسة على زيارة منازل الرجال، وكانت تُساعِدهم في الحصول على الرعاية الطبية لأمراضٍ أخرى، ووعدت ذويهم بالحصول على أموال من أجل جنازاتٍ لائقة لهم في مقابل استخدام جُثث الرجال لتشريحها بعد وفاتهم.

لم تظلَّ الدراسة سرًّا خافيًّا؛ فقد ظهر ما يزيد على اثني عشر مقالًا طبيًّا عكفت على رسم خريطة لتقدُّمها على مر العقود، بينما شكَّك العديد من المتخصِّصين في مجال الصحة في المعايير الأخلاقية للدراسة، لا سيما بعد أن صار البنسلين متوافرًا على نطاقٍ واسع في أواخر الأربعينيات وربما كان سيُساعد بعض الرجال الذين لا يزالون على قيد الحياة. وفي عام ١٩٧٢، تمَّ إنهاء التجربة البحثية وسط عاصفة من التغطية الإعلامية كانت سببًا في استدعاء محقِّقين فيدراليِّين، وعقد جلسة استماع في مجلس الشيوخ، وإقامة دعوى قضائية ضد خدمة الصحة العامة، وولاية ألاباما، والعديد من الأطباء المتورِّطين في التجربة.

غالبًا ما تَرتبط الدراسة التي أُجريت في توسكيجي في الأذهان بوصفها اللحظة التي مارس فيها الأطباء الأمريكيُّون الاحتيال والخداع وتصرَّفوا مثل الباحثين النازيين، بإجراء أبحاث لا يُمكنها أن تفيد «أفراد دراستهم»، وتتطلَّب إجراء عمليات البزل القطَني المؤلمة، بل قد تتسبَّب في أمراضٍ مميتة وحالات وفاة. ويلجأ إلى هذه الدراسة لتبرير الحاجة إلى السيطرة على المشروعات البحثية، والمطالبة بوجود موافقةٍ خطية مطلعة من جانب أفراد التجربة، وتوجيه انتباه خاص للأمريكيِّين الأفارقة. وكل هذه الأمور مهمَّة.

وينبغي أيضًا تذكُّرها؛ نظرًا لأن الفرضيات المتعلقة بالطبيعة البيولوجية للعرق، وتوافر الأشخاص المستضعَفين المتلهِّفين ليُصبِحوا مواطنين بيولوجيين للدولة، وغياب بدائل الرعاية الصحية تتيح الفرص لظهور منطق من العنصرية الطبية يبدو معقولًا بل وعادلًا. فهؤلاء الرجال الذين يَعيشون في ريف ألاباما كانوا يتطلَّعون إلى العلاج؛ لا لأنهم كانوا أميِّين وكان من السهل خداعهم من قبل الحكومة، بل لأنهم كانوا بحاجة إلى الرعاية الصحية لأنفسهم ولعائلاتهم (ريفرباي ٢٠٠٩ب). وقد أثَّرت العنصرية على خياراتهم في الحياة وقابلية إصابتهم بالمرض؛ كما أن المعتقدات بشأن العرق هي ما شكَّل فهم الأطباء للمرض.

مرَّ أكثر من ثمانية عقود على بدء الدراسة في توسكيجي، وبالطبع تغيَّرت نظرتنا للعرقية في الطب واستخدام العرق كتصنيفٍ علمي. كان من المفترض أن يضع رسم خريطة الجينوم البشري في عام ٢٠٠٠، بما توصَّل إليه من نتائج بشأن تشابه الجنس البشري في ٩٩٫٥ بالمائة منه، نهايةً للاعتقاد بشأن الاختلاف العرقي، ولكن المُفارَقة أنه قد بعثه من جديد؛ إذ أخذت بعض الاختلافات الصغيرة معاني مهمة مُتغيِّرة (ريردون ٢٠٠٤؛ أوباسوجي ٢٠١٠). عاد خطر عدم ربط الفِكَر بشأن العرق بمُمارسات العنصرية إلى سابق عهده في عام ٢٠٠٥، على سبيل المثال، عندما اعتمَدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عقار بيديل، وهو عقارٌ يُفترض أنه للمُصابين بقصور في القلب ممَّن «يُصنِّفون أنفسهم كأمريكيين أفارقة» فقط. ففي اجتماع إدارة الغذاء والدواء حيث كان العقار في طريقه إلى نَيل الاعتماد، أُشير إلى الدراسة التي أجريت في جامعة توسكيجي كمثالٍ للعنصرية الطبية؛ نظرًا لحجب الرعاية عن المرضى، ولكن لم يُشَر إليها كوسيلة لإدراك إلى أي مدًى يمكن للاعتقاد بشأن المفهوم البيولوجي للعرق أن يتسبَّب في أخطاء طبية وسياسية (كان ٢٠٠٤؛ ريفرباي ٢٠٠٨أ؛ أوباسوجي ٢٠١٠). ودون وجود أدلة على المعاني الحقيقية للاختلافات التي قد تحدث بسبب نزوح السكان عبر الزمان والمكان؛ تُعاود مفاهيم غامضة ومتباينة للعرق الظهور لتوضيح الاختلاف. وفي ظل عدم وجود الكثير من الأدلة، كما تذهب عالمة الأنثروبولوجيا ديوانا فولويلي، «يقال إن التكوين البيولوجيستي للعرق … المشتق إحصائيًّا من الواسمات الجينية يُشير إلى «الأصل القاري»، و«يتجنَّب في سلام المعتقدات التاريخية المشحونة سياسيًّا لكلمة «عرق» ذاتها» (فولويلي ٢٠٠٨).

نظرًا لأن الطب يرسم خريطة الأمراض الخاصة بالشعوب إجمالًا وخبرات الأفراد، فسوف يظلُّ دومًا عنصرًا أساسيًّا لفهم كيفية استشعار مفاهيم العرق وتأثيرات العنصرية في الأجسام، مثلما تَستشعِر السياسة في جسد الجهاز السياسي. وسوف يكون الوعي بمرونة المفاهيم العنصرية من أجل ربط العنصرية بفِكَر العرق ضروريًّا دائمًا.

(٦) العرق والتفاوت في الأوضاع الصحية: ملاحظات ختامية

في هذا الفصل عرَضْنا بعض المسارات المُتنوِّعة التي تؤدي إلى الاختلافات العرقية في الرعاية الصحية وخلق تفاوت في الأوضاع الصحية. ومعظم الأمثلة الواردة مُستمَدَّة من الاختلافات بين البيض وجماعات الشتات الأفريقي. ولعلَّ من المشكلات التي ركزنا عليها المشكلة المعقَّدة الخاصة بالحالة الصحية للسود. غير أن الجماعات الأخرى أحيانًا ما تكون أكثر تأثُّرًا بالعرق والعرقية، مثل تفشِّي السكري والبدانة بين الأمريكيين الأصليين.

وما هو واضح من كل هذه المعلومات أن الاختلافات العرقية في الرعاية الصحية هي مشكلةٌ اقتصادية بالأساس، والقضاء على الفروق في الصحة الناتجة عن هذا الظلم الاقتصادي أمرٌ شديد الأهمية. وللأسف، فإن الفوارق الاقتصادية تروي جزءًا واحدًا فقط من القصة. فكما يوضِّح جرافلي في بورتريكو، وكما يوضح نافارو (١٩٩٠) بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن الاختلافات العرقية في الصحة تستمر حتى بعد التحكُّم في التفاوت الاجتماعي الاقتصادي.

ويبدو أن عددًا من الآليات تُسهم في الاختلافات العرقية في الرعاية الصحية والصحة. وتشمل هذه الآليات التمييز العنصري داخل وخارج نطاق الرعاية صحية، وعدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية، والتعرُّض غير المتكافئ للسموم البيئية، والضغط المُستمِر الناتج عن الحياة في مجتمعٍ عرقي. وكل هذه الآليات يجري الآن استكشافها على نحوٍ نشط من قبل الباحثين في إطار جهدٍ منظَّم لطرح حلول للقضاء على التفاوت العرقي في الصحة. ونتركك الآن مع سؤال: متى يُمكن أن نعيش في مجتمع لا تتبايَن فيها مُتوسِّطات العمر المتوقَّعة على حسب العرق؟ إجابتنا، للأسف، هي أن ذلك لن يكون قريبًا على الإطلاق.

المراجع

  • Armelagos, G. J.:
    2005 The slavery hypertension hypothesis-natural selection and scientific investigation: A commentary. Transforming Anthropology 13(2): 119–124.
  • Brondolo, Elizabeth, Ricardo Rieppi, Kim P. Kelly, and William Gerian:
    2003 Perceived Racism and Blood Pressure: A Review of the Literature and Conceptual and Methodological Critique. Annals of Behavioral Medicine 25(1): 55–65.
  • Brown, E. Richard, Victoria D. Ojeda, Roberta Wyn, and Rebecka Levan:
    2000 Racial and Ethnic Disparities in Access to Health Insurance and Health Care. Report by the UCLA Center for Health Policy Research and the Henry J. Kaiser Family Foundation. Los Angeles, CA: UCLA Center for Health Policy Research. California.
  • Bullard, Robert D., Paul Mohai, Robin Saha, and Beverly Wright:
    2007 Toxic Wastes and Race at Twenty 1987–2007: Grassroots Struggles to Dismantle Environmental Racism in the United States. Cleveland, OH: United Church of Christ Justice and Witness Ministry.
  • Cooper, Richard S., Charles N. Rotimi, and Ryk Ward:
    1999 The Puzzle of Hypertension in African-Americans. Scientific American, February: 50–58.
  • Environmental Protection Agency:
    1992 Environmental Equity: Reducing Risk for all Communities. Washington, D.C.: Division of Policy, Planning and Evaluation.
  • Fanon, Frantz:
    1967 [1952] Black Skin, White Masks. Charles Lam Markmann, trans. New York: Grove Press.
  • Gravlee, Clarence C.:
    2005 Ethnic Classification in Southeastern Puerto Rico: The Cultural Model of “Color.” Social Forces 83(3): 949–970.
  • Gravlee, Clarence C., William W. Dressler, and H. Russel Bernard:
    2005 Skin Color, Social Classification, and Blood Pressure in Southeastern Puerto Rico. American Journal of Public Health 95(12): 2191–2197.
  • Hennessy-Fiske, M.:
    2010 Women report gaps in health services. Los Angeles Times, March 7: A37, A46.
  • Jackson, F. L. C.:
    2005 A Response to George Armelagos’ Commentary. Transforming Anthropology 13(2): 125–135.
  • Jones, Joseph, and Alan Goodman:
    2005 BiDil and the “Fact” of Genetic Blackness: Where Politics and Science Meet. Anthropology News 46(7): 26.
  • Kahn, Jonathan:
    2004 How a Drug Becomes Ethnic: Law, Commerce, and the Production of Racial Categories in Medicine. Yale Journal of Health Policy, Law and Ethics 4: 1–46.
  • Krieger, Nancy, and Stephen Sidney:
    1996 Racial Discrimination and Blood Pressure: The CARDIA Study of Young Black and White Adults. American Journal of Public Health 86(10): 1370–1378.
  • Navarro, Vicente:
    1990 Race or Class Versus Race and Class. Lancet 336(8725): 1238–1240.
  • Obasogie, Osagie K.:
    2005 One Step Forward, Two Steps Back. San Francisco Chronicle, July 5. http://www.geneticsandsociety.org/article.php?id=212, accessed December 26, 2012.
  • Schulz, Amy, and Leith Mullings:
    2006 Gender, Race, Class and Health: Intersectional Approaches. San Francisco: Jossey-Bass.
  • Taylor, Anne L, Susan Ziesche, Clyde Yancy, Peter Carson, Ralph D’Agostino, Jr., Keith Ferdinand, Malcolm Taylor, Kirkwood Adams, Michael Sabolinski, Manuel Worcel, and Jay Cohn, for the African-American Heart Failure Trial Investigators:
    2004 Combination of Isosorbide Dinitrate and Hydralazine in Blacks with Heart Failure. New England Journal of Medicine 351: 2049–2057.
  • United States Food and Drug Administration Cardiovascular and Renal Drugs Advisory Committee:
    2005 Meeting notes, vol. 2, June 16. http://www.fda.gov/ohrms/dockets/ac/05/transcripts/2005-4145T2.pdf, accessed July 27, 2011.
  • Zambrana, Ruth E., and Bonnie Thornton Dill:
    2006 Disparities in Latina Health. In Gender Race, Class and Health: Intersectional Approaches. Amy Schulz and Leith Mullings, eds. pp. 192–227. San Francisco. Jossey-Bass. A John Wiley Imprint.

سوزان ريفرباي: مفاهيم العرق، وممارسات العرقية

  • Blakely, Robert, and Judith M. Harrington, eds.:
    1997 Bones in the Basement: Postmortem Racism in 19th century Racism. Washington, D.C. Smithsonian Institution Press.
  • Braun, Lundy, et al.:
    2007 Racial Categories in Medicine: How Useful are They? PLOS Medicine 4, September:e271.
  • DuBois, W. E. B.:
    2007 [1889] The Philadelphia Negro. New York: Oxford University Press.
  • Emanuel, Ezekial:
    2007 Unequal Treatment: Review of Medical Apartheid. New York Times, February 18: Book Review, 1.
  • Epstein, Steven:
    2007 Inclusion: The Politics of Difference in Medical Research. Chicago: University of Chicago Press.
    2010 Beyond Inclusion, Beyond Difference: The Biopolitics of Health. In What’s the Use of Race? Ian Whitmarsh and David S. Jones, eds. pp. 63–90. Cambridge, MA: M.I.T. Press.
  • Fredrickson, George M.:
    2002 Racism: A Short History. Princeton: Princeton University Press.
  • Fry, Gladys-Marie:
    1975 Night Riders in Black Folk History. Knoxville: University of Tennessee Press.
  • Fullwilley, Duana:
    2008 The Biologistical Construction of Race. Social Studies of Science 38(5): 695–735.
  • Gamble, Vanessa Northington:
    2000 Under the Shadow of Tuskegee In Tuskegee’s Truths: Rethinking the Tuskegee Syphilis Study. Susan M. Reverby, ed. pp. 431–442. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Hammonds, Evelynn M.:
    2009 The Logic of Difference: A History of Race in Science and Medicine in the United States, 1850–1990. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Hammonds, Evelynn M., and Rebecca Herzig, eds.:
    2008 The Nature of Difference. Cambridge, MA: M.I.T. Press.
  • Kahn, Jonathan:
    2004 How a Drug Became Ethnic. Yale Journal of Health Policy and Law 4 (Winter): 1–46.
  • Katz, Ralph, and Rueben Warren, eds.:
    2011 The Search for the Legacy of the U.S. Public Health Service Syphilis Study at Tuskegee. Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
  • Kaufman, Jay S., and Richard Cooper:
    2010 Use of Racial and Ethnic Identity in Medical Evaluations and Treatments. In What’s the Use of Race? Ian Whitmarsh and David S. Jones, eds. pp. 187–206. Cambridge, MA: M.I.T. Press.
  • Krieger, Nancy:
    2010 The Science and Epidemiology of Racism and Health: Racial/Ethnic Categories, Biological Expressions of Racism, and the Embodiment of Inequality—an Ecosocial Perspective. In What’s the Use of Race? Ian Whitmarsh and David S. Jones, eds. pp. 225–258. Cambridge, MA: M.I.T. Press.
  • Lederer, Susan:
    2000 The Tuskegee Syphilis Study in the Context of American Medical Research. In Tuskegee’s Truths. Susan M. Reverby, ed. pp. 266–275. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Mapp, Marqui:
    2010 Low Income Blacks Stranded in Food Deserts. The Grio, June 22. http://www.thegriot.com, accessed July 5, 2010.
  • Obasogie, Osagie K.:
    2010 Reports of My Death Have Been Greatly Exaggerated: Race and Genetics Ten Years after the Human Genome Project. June 18. http://www.geneticsandsociety.org/article.php?id=5262, accessed December 26, 2012.
  • Reardon, Jenny:
    2004 Race to the Finish. Princeton: Princeton University Press.
  • Reverby, Susan M. ed.:
    2000 Tuskegee’s Truths: Rethinking the Tuskegee Syphilis Study. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Reverby, Susan M.:
    2008a Special Treatment: BiDil, Tuskegee and the Logic of Race. Journal of Law, Medicine and Ethics 36 (Fall): 478–484.
  • Reverby, Susan M.:
    2008b Inclusion and Exclusion: The Politics of History, Difference and Medical Research. Journal of the History of Medicine 63 (January): 103–113.
  • Reverby, Susan M.:
    2009a Examining Tuskegee: The Infamous Syphilis Study and its Legacy Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Reverby, Susan M.:
    2009b A New Lesson from the Old Tuskegee Study. The Huffington Post, December 3.http://www.huffingtonpost.com/susan-reverby/a-new-lesson-from-the-old_b_378649.html, accessed July 6, 2010.
  • Roberts, Samuel Kelton:
    2009 Infectious Fear. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Roy, Benjamin:
    2000 The Tuskegee Syphilis Experiment: Biotechnology and the Administrative State In Tuskegee’s Truths. Susan M. Reverby, ed. pp. 299–320. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Smedley, Brian, Adrienne Stith, and Alan R. Nelson, eds.:
    2003 Unequal Treatment: Confronting Racial and Ethnic Disparities in Health Care. Washington, D.C.: Institute of Medicine.
  • Wall, L. L.:
    2006 The Medical Ethics of Dr. J. Marion Sims. Journal of Medical Ethics 32 (June): 346–350.
  • Washington, Harriet:
    2007 Medical Apartheid. New York: Doubleday.
  • Weld, Theodore Dwight:
    1968 [1839] American Slavery As It Is. New York: Arno Press.

قراءات أخرى

  • Benderly, B. L.:
    2010 The real science gap. It’s not insufficient schooling or a shortage of scientist. It’s a lack of career opportunities. Miller-McCune (July/August) 30–39.
  • Cloud, J.:
    2010 Why Genes Aren’t Destiny. The New Field of Epigenetics is Showing How Your Environment and Your Choices Can Influence Your Genetic Code—and That of Your Kids. Time 175(2): 48–58.
  • Di Leonardo, M.:
    2004 Human Cultural Diversity. Paper contributed to the Race and Human Variation: Setting an Agenda for Future Research and Education Conference, Alexandria, VA, September.
  • Hart, D.:
    2006 Changing Students’ Understanding of Race. Anthropology News 47(3): 10-11.
  • Hartigan, J.:
    2006 Saying “Socially Constructed” is Not Enough. Anthropology News 47(2): 8.
  • McGaghie, W. C.:
    2007 Medical Education for Cultural Competence: Policies, Initiatives and Student Selection. Paper Contributed to the Race, Human Variation and Disease: Consensus and Frontiers Conference, Warrenton, VA, March.
  • Margolis, D.:
    2010 Caring across Cultures: Barnes-Jewish Hospital Reapproached a Diverse Patient Population with Sensitivity to Any and All Worldviews. Diversity Executive, July 17. http://diversity-executive.com/article.php?article=955, accessed December 4, 2011.
  • Rose, H., and S. Rose:
    2010 Darwin and After. New Left Review 63: 91–112.
  • Thompson, E. C.:
    2006 The Problem of “race as a social construct.” Anthropology News 47(2): 7.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤