الفصل الثاني

طلبيرة

ومن الأعمال الشهيرة التي كانت مضافة إلى طليطلة في زمان العرب طَلَبيرة،١ وهى على مسافة ١٣٥ كيلومترًا من مجريط، وسكانها اليوم أحد عشر ألف نسمة، واقعة على ضفة نهر تاجُه، ولها جسر ٢٥ قوسًا باق من القرن الخامس عشر، وفيها باب روماني قديم، وأبراج عربية من زمن بني أمية. وفى هذه البلدة هزم الإنكليز جيش بونابرت في ٢٨ يوليو سنة ١٨٠٩. ويوجد ثلاث بلاد باسم طَلَبيرة في أسبانية: طلبيرة على ضفة وادي يانه، من عمل بطَلْيوس في غرب الأندلس وهى قرية صغيرة، وطلبيرة هذه ذات الشأن، وكانت تعد من أعمال طليطلة. وطلبيرة يبجة على ٣٠ كيلومترًا من طلبيرة الكبرى.

قال ياقوت الحموي: طلبيرة بفتح أوله وثانيه، وكسر الباء الموحدة، ثم ياء مثناة من تحت ساكنة، وراء مهملة: مدينة بالأندلس، من أعمال طليطلة، كبيرة، قديمة البناء، على نهر تاجه بضم الجيم. وكانت حاجزًا بين المسلمين والإفرنج، إلى أن استولى الإفرنج عليها فهي في أيديهم الآن، فيما أحسب. وكان قد استولى عليها الخراب، فاستجدها عبد الرحمن الناصر الأموي، ولطلبيرة حصون ونواح عدة. ا.ﻫ.

وينتسب إلى طلبيرة عدد كبير من أهل العلم، مما يدل على عمرانها العظيم في أيام العرب، منهم: أبو الحسن عبد الرحمن بن سعيد بن شماخ، روى ببلده عن أبي الوليد مرزوق بن فتح، وروى عن أبي عبد الله المغامي، وكان من أهل الذكاء والمعرفة، توفي في شوال سنة ٥٢٠. وأبو الوليد عبد ربه بن جهور القيسي، روى عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد السلام الحافظ وغيره، وروى عن ابنه إبراهيم بن عبد ربه. وأبو القاسم عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه المذكور، سكن شريش، ورحل إلى المشرق ودخل بغداد، وأخذ عن الحريري صاحب المقامات، وكان أديبًا بارعًا صالحًا ثقة، مات بأشبيلية وسط سنة ٥٢٧.

وأبو الحسن علي بن موسى بن إبراهيم بن حزب الله، من أهل طلبيرة سكن سرقسطة، روى عن أبي عمر المديوني، ورحل إلى المشرق وحج، وأدرك الجلة من الرجال، وحدث عنه أبو عمرو المقرئ وأبو حفص بن كُريب، وكان كثير الرواية، غير أن العبادة غلبت عليه، فامتنع عن الرواية إلا يسيرًا، واعتزل الناس، وكان يختم القرآن في ثلاث ليال. قال ابن بشكوال: ولم ألقَ مثله في الزهد والتبتل رحمه الله. وأبو نصر فتوح بن عبد الرحمن بن محمد الأنصاري، روى عنه أبو الوليد مرزوق بن فتح، وقال: كان الغالب عليه الرأي.

وأبو عبد الله محمد بن فتوح بن علي بن وليد بن محمد بن علي الأنصاري، روى عن أبي جعفر بن مغيث وثائقه، وأخذ عن أبي عمر بن عبد البر، وأبي عمر بن سُميق، وأبي عمر الطلمنكي، وعن التبريزي. وكان عالمًا بالرأي والوثائق، تولى أحكام القضاء بغرناطة وتوفي بمالقة، أول يوم من صفر سنة ٤٩٨. وأبو الوليد مرزوق بن فتح بن صالح القيسي، روى عن أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الحافظ، وعن أبي العباس بن فتوح وعن التبريزي، والسافقسي، وعن أبي محمد الشنتجياني، وأبى محمد بن عباس الخطيب، ورحل إلى المشرق حاجًّا، ولقي بمكة أبا ذر الهروي في موسم سنة ٤٢٨، وكان من أهل المعرفة والنباهة، توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وأبو الفتوح نصر بن عامر بن أنس الأنصاري، روى عن عبد الرحمن بن مدراج وروى عنه ابن عبد السلام الحافظ، وأبو محمد بن خزرج. وقال هذا عنه: كان من أهل العلم، ثقةً ثبتًا، مشهورًا بالعناية والسماع، وذكر أنه أجاز له سنة ٤١٦. وأبو العباس وليد بن محمد بن فتوح الأنصاري، روى عن عبدوس بن محمد، وله رحلة إلى المشرق، وكان يغلب عليه الرأي.

وأبو العباس أحمد بن عمر المعافري المرسي، أصله من طَلَبيرة، يعرف بابن إفرند. وخلف المقري مولى جعفر الفتي، يكنى أبا القاسم، له رحلة إلى المشرق، سمع فيها بالقيروان من أبي محمد بن أبي زيد، ولازمه سنين عدة، وأقام بالمشرق سبعة عشر عامًا، وحج ثلاث حجج، وقرأ القرآن بمصر على ابن غلبون المقرئ، ودخل بغداد والبصرة والكوفة، قال ابن بشكوال: قرأت خبره كله بخط أبي بكر المصحفي، وذكر أنه لقيه بطلبيرة، وقال: كان رجلًا صالحًا متبتلًا، دائم الصيام، عابدًا، يسكن المسجد، ويحاول عجن خبزه بيده، وكان قصيرًا مفرط القصر، وكان فقيهًا يقظًا، وذكر أنه أخذ عنه سنة ثمان وأربعمائة. وأبو بكر خلف بن يوسف بن نصر المعروف بالمُغيلي، أخذ عن أبي عبد الله بن عيشون مختصره في الفقه، وحدث عنه الصاحبان في طليطلة، وقالا: توفي في شعبان سنة ست وتسعين وثلاثمائة.

هوامش

(١) Telavera de la Reina.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤