مقدمة

هذه قصة من صميم الحياة التي نحياها كل يوم، وهي تتناول بعض مشكلاتنا الاجتماعية، ويدور محورها على الظلم النازل بأهل الفكر، وعلى العصاميين من الطبقة المتوسطة، في الأمة التي تؤلف السواد الأعظم منها، والتي هي العنصر العامل الذي يقوم على مجهوده وعصاميته بناء الأمة.

ولكن على رغم أهمية هذه الطبقة، نراها مغمورة، مهضومة الحق، بفضل نظام خلَّفته ظروف طارئة تعيش على هامشه طبقة من الطفيليين المستثمرين، الذين لا يقدمون للمجتمع أية رسالة، ولا يساهمون في أي مجهود نافع، غير مجهود الهدم ونشر الفوضى والسمعة السيئة.

ومن هذا الوضع السيئ يشقى الناس ويتألمون، وقد يضر استمراره بالتوازن الاجتماعي؛ لأنه مخالف لطبيعة الأشياء؛ ولأنه يخلق أنانية وفوضى، ثم حقدًا وكرهًا، ثم فقرًا وعوزًا.

ولو أن هناك من يهمه أمر مجتمعه من المفكرين فيقوم على معالجة هذه الأزمة الخطيرة بإخلاص وتفهُّم وعدل، لما كان هذا الوضع المؤلم، ولزال هذا البؤس، وأخذ كلٌّ مكانه الذي يستحق، ولكانت حالة مجتمعنا — بلا ريب — أفضل وأسلم، وعاش الناس في هذا الوطن الصغير الجميل، حيث يوجد متسع للجميع، عيشة سعادة وهناء.

ولا بد من القول إن هناك عراكًا شديدًا بين عنصر الفكر وعنصر الجهل في بلد العلم والفكر، ساد فيه الجهل، مما دفع بأكثر الآباء للتفكير بالانصراف عن تعليم أبنائهم، وهذا يهدد الجيل الطالع بخطر كبير، ويرجع بالبلاد إلى عهد الظلمات والانحطاط.

هذا بعض ما تصوِّره أمامنا هذه القصة الصغيرة، وخاصة أهل الفكر منهم للعناية به، وما يستحقه هذا الموضوع من الاهتمام، والله من وراء القصد.

مصطفى فروخ
بيروت ٧ آذار سنة ١٩٥٤

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤