فلما كانت الليلة ٢٣٤

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بهرام المجوسي جهَّزَ مركبًا للسفر، ثم حطَّ الأسعد في صندوقٍ وقفله عليه، ونقله إلى المركب، وفي تلك الساعة التي حول فيها بهرام الصندوق الذي فيه الأسعد، كان الأمجد بالقضاء والقدر واقفًا يتفرج على البحر، فنظر إلى الحوائج وهم ينقلونها إلى المركب، فخفق فؤاده وأمر غلمانه أن يقدِّموا له فرسه، ثم ركب في جملة من جماعته وتوجَّه إلى البحر، ووقف على مركب المجوسي، وأمر مَن معه أن ينزلوا المركب ويفتِّشوها، فنزلت الرجال وفتَّشوا المركب جميعها فلم يجدوا فيها شيئًا، فطلعوا وأعلموا الأمجد بذلك، فركب وتوجَّهَ إلى بيته، فلما وصل إلى منزله ودخل القصر انقبَضَ صدره، فنظر بعينه في الدار فرأى سطرين مكتوبين على حائط، وهما هذان البيتان:

أَحْبَابَنَا إِنْ غِبْتُمُ عَنْ نَاظِرِي
فَعَنِ الْفُؤَادِ وَخَاطِرِي مَا غِبْتُمُ
لَكِنَّكُمْ خَلَّفْتُمُونِي مُدْنَفًا
وَمَنَعْتُمُ جَفْنِي الرُّقَادَ وَنِمْتُمُ

فلما قرأهما الأمجد تذكَّرَ أخاه وبكى.

هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر بهرام المجوسي، فإنه نزل المركب وصاح على البحرية وأمرهم أن يعجلوا بحلِّ القلوع، فحلوا القلوع وسافروا، ولم يزالوا مسافرين أيامًا وليالي، وكل يومين يُخرِج الأسعد ويُطعِمه قليلًا من الزاد ويسقيه قليلًا من الماء، إلى أن قربوا من جبل النار؛ فخرج عليهم ريح وهاج بهم البحر حتى تاهت المركب عن الطريق، وسلكوا طريقًا غير طريقهم، ووصلوا إلى مدينة مبنية على شاطئ البحر، ولها قلعة بشبابيك تطل على البحر، والحاكمة على تلك المدينة امرأة يقال لها الملكة مرجانة، فقال الريس لبهرام: يا سيدي، إننا تهنا عن الطريق، ولا بد لنا من دخول هذه المدينة لأجل الراحة، وبعد ذلك يفعل الله ما يشاء. فقال له بهرام: نِعْمَ ما رأيتَ! والذي تراه افعله. فقال له الريس: إذا أرسلت لنا الملكة تسألنا، فماذا يكون جوابنا لها؟ فقال له بهرام: أنا عندي هذا المسلم الذي معنا، فنلبسه لبس المماليك ونخرجه معنا، وإذا رأته الملكة تظن أنه مملوك، فأقول لها: إني جلاب مماليك أبيع وأشتري فيهم، وقد كان عندي مماليك كثيرة فبعتهم، ولم يبقَ غير هذا المملوك. فقال له الريس: هذا كلام مليح.

ثم إنهم وصلوا إلى المدينة وأرخوا القلوع ودقوا المراسي ووقفت المركب، وإذا بالملكة مرجانة نزلت إليهم ومعها عسكرها، ووقفت على المركب ونادت على الريس، فطلع عندها وقبَّل الأرض بين يديها، فقالت له: أي شيء في مركبك هذه؟ ومَن معك؟ فقال لها: يا ملكة الزمان، معي رجل تاجر يبيع المماليك. فقالت: عليَّ به. وإذا ببهرام طلع ومعه الأسعد ماشٍ وراءه في صفة مملوك، فلما وصل إليها بهرام قبَّل الأرض بين يديها، فقالت له: ما شأنك؟ فقال لها: أنا تاجر رقيق. فنظرت إلى الأسعد وقد ظنَّت أنه مملوك، فقالت له: ما اسمك؟ فخنقه البكاء، وقال لها: اسمي الأسعد. فحنَّ قلبها عليه وقالت: أتعرف الكتابة؟ قال: نعم. فناولَتْه دواة وقلمًا وقرطاسًا وقالت له: اكتب شيئًا حتى أراه. فكتب هذين البيتين:

مَا حِيلَةُ الْعَبْدِ وَالْأَقْدَارُ جَارِيَةٌ
عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ أَيُّهَا الرَّائِي
أَلْقَاهُ فِي الْيَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ
إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالْمَاءِ

فلما رأت الورقة رحمته، ثم قالت لبهرام: بعني هذا المملوك. فقال لها: يا سيدتي، لا يمكنني بيعه؛ لأني بعت جميع مماليكي، ولم يَبْقَ عندي غير هذا. فقالت الملكة مرجانة: لا بد من أخذه منك، إما ببيع وأما بهبة. فقال لها: لا أبيعه ولا أهبه. فقبضت على الأسعد وأخذته، وطلعت به القلعة، وأرسلت تقول له: إن لم تقلع في هذه الليلة عن بلدنا، أخذتُ جميعَ مالك وكسرت مركبك. فلما وصلت إليه الرسالة اغتمَّ غمًّا شديدًا وقال: إن هذه سفرة غير محمودة. ثم قام وتجهَّزَ وأخذ جميع ما يريده، وانتظر الليل ليسافر فيه، وقال للبحرية: خذوا أهبتكم، واملئوا قِرَبكم من الماء، وأقلعوا بنا في آخر الليل. فصار البحرية يقضون أشغالهم.

هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر الملكة مرجانة، فإنها أخذت الأسعد ودخلت به القلعة وفتحت الشبابيك المطلة على البحر، وأمرت الجواري أن يقدِّمن الطعام، فقدَّمن لهما الطعام فأكلا، ثم أمرتهن أن يقدِّمن المدام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤