فلما كانت الليلة ١٨٩

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير خرج يجري من البرج إلى أن دخل على الملك شهرمان، فلما دخل عليه قال له الملك: أيها الوزير، ما لي أراك في ارتباك؟ ومَن الذي بشرِّه رماك حتى جئتَ مرعوبًا؟ فقال للملك: إني قد جئتك ببشارة. قال له الملك: وما تلك البشارة؟ قال له: اعلم أن ولدك قمر الزمان قد حصل له جنون. فلما سمع الملك كلام الوزير، صار الضياء في وجهه ظلامًا، وقال له: أيها الوزير، أوضح لي صفة جنون ولدي. قال له الوزير: سمعًا وطاعة. ثم أخبره بما صدر من ولده، فقال له الملك: أبشِرْ أيها الوزير، إني أعطيتك في نظير بشارتك إياي بجنون ولدي ضربَ رقبتك، وزوال النِّعَم عنك، يا أنحس الوزراء وأخبث الأمراء؛ لأني أعلم أنك سبب جنون ولدي بمشورتك ورأيك التعيس الذي أشرتَ به عليَّ في الأول والآخر، والله إن كان يأتي على ولدي شيء من الضرر أو الجنون؛ لَأسمِّرنك على القبة، وأُذِيقك النكبة. ثم إن الملك نهض قائمًا على قدمَيْه، وأخذ الوزير معه ودخل به البرج الذي فيه قمر الزمان، فلما وصلَا إليه قام قمر الزمان على قدمَيْه لوالده، ونزل سريعًا من فوق السرير الذي هو جالس عليه، وقبَّلَ يدَيْه، ثم تأخَّر وراءه وأطرق رأسه إلى الأرض وهو مكتَّف اليدين قدَّام أبيه، ولم يزل كذلك ساعة زمانية، وبعد ذلك رفع رأسه إلى والده، وفرَّت الدموع من عينَيْه، وسالت على خدِّه، وأنشد قول الشاعر:

إِنْ كُنْتُ قَدْ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا سَالِفًا
فِي حَقِّكُمْ وَأَتَيْتُ شَيْئًا مُنْكَرَا
أَنَا تَائِبٌ عَمَّا جَنَيْتُ وَعَفْوُكُمْ
يَسَعُ الْمُسِيءَ إِذَا أَتَى مُسْتَغْفِرَا

فعند ذلك قام الملك وعانَقَ ولده قمر الزمان، وقبَّله بين عينيه، وأجلسه إلى جانبه فوق السرير، ثم التفت إلى الوزير بعين الغضب وقال له: يا كلب الوزراء، كيف تقول على ولدي قمر الزمان ما هو كذا وكذا وترعب قلبي عليه؟ ثم التفت إلى ولده وقال له: يا ولدي، ما اسم هذا اليوم؟ فقال له: يا والدي هذا يوم السبت، وغدًا يوم الأحد، وبعده يوم الإثنين، وبعده الثلاثاء، وبعده الأربعاء، وبعده الخميس، وبعده الجمعة. فقال له الملك: يا ولدي قمر الزمان، الحمد لله على سلامتك، ما اسم هذا الشهر الذي علينا بالعربي؟ فقال: اسمه ذو القعدة، ويليه ذو الحجة، وبعده المحرم، وبعده صفر، وبعده ربيع الأول، وبعده ربيع الثاني، وبعده جمادى الأولى، وبعده جمادى الثانية، وبعده رجب، وبعده شعبان، وبعده رمضان، وبعده شوَّال. ففرح بذلك الملك فرحًا شديدًا، وبصق في وجه الوزير وقال له: يا شيخ السوء، كيف تزعم أن ولدي قمر الزمان قد جُنَّ، والحال أنه ما جُنَّ إلا أنت؟ فعند ذلك حرَّك الوزير رأسه، وأراد أن يتكلم، ثم خطر بباله أن يتمهل قليلًا لينظر ماذا يكون.

ثم إن الملك قال لولده: يا ولدي، أي شيء هذا الكلام الذي تكلَّمتَ به للخادم والوزير حيث قلتَ لهما: إني كنت نائمًا أنا وصبية مليحة في هذه الليلة. فما شأن هذه الصبية التي ذكرتَها؟ فضحك قمر الزمان من كلام أبيه، وقال له: يا والدي، اعلم أنه ما بقي لي قوة تتحمَّل السخرية، فلا تزيدوا عليَّ شيئًا ولا بكلمة واحدة، فقد ضاق خلقي مما تفعلونه معي، واعلم يا والدي أني رضيت بالزواج، ولكن بشرط أن تزوِّجني تلك الصبية التي كانت نائمة عندي في هذه الليلة؛ فإني أتحقَّق أنك أنت الذي أرسلتها إليَّ، وشوَّقتني إليها، وبعد ذلك أرسلتَ إليها قبل الصبح، وأخذتها من عندي. فقال الملك: اسم الله حواليك يا ولدي، سلامة عقلك من الجنون. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤