فلما كانت الليلة ٢١٢

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك شهرمان لما فرغ من إنشاده، رجع بجيوشه إلى مدينته، وأيقن بهلاك ولده، وعلم أنه عدا عليه وافترسه إما وحش وإما قاطع طريق، ثم نادى في جزائر خالدان أن يلبسوا السواد من الأحزان على ولده قمر الزمان، وعمل له بيتًا وسمَّاه بيت الأحزان، وصار كل يوم خميس وإثنين يحكم في مملكته بين عسكره ورعيَّته، وبقية الجمعة يدخل بيت الأحزان، وينعى ولده ويرثيه بالأشعار، فمن ذلك قوله:

فَيَوْمُ الْأَمَانِي يَوْمُ قُرْبِكُمُ مِنِّي
وَيَوْمُ الْمَنَايَا يَوْمُ إِعْرَاضِكُمْ عَنِّي
إِذَا بِتَّ مَرْعُوبًا أُهَدَّدُ بِالرَّدَى
فَوَصْلُكُمُ عِنْدِي أَلَذُّ مِنَ الْأَمْنِ

ومن ذلك قوله:

نَفْسِي الْفِدَاءُ لِظَاعِنِينَ رَحِيلُهُمْ
أَنْكَى وَأَفْسَدَ فِي الْقُلُوبِ وَعَاثَا
فَلْيَقْضِ عِدَّتَهُ السُّرُورُ فَإِنَّنِي
طَلَّقْتُ بَعْدَهُمُ النَّعِيمَ ثَلَاثَا

هذا ما كان من أمر الملك شهرمان، وأما ما كان من أمر الملكة بدور بنت الملك الغيور؛ فإنها صارت ملكة في بلاد الأبنوس، وصار الناس يشيرون إليها بالبنان ويقولون: هذا صهر الملك أرمانوس. وكل ليلة تنام مع السيدة حياة النفوس، وتشتكي وحشة زوجها قمر الزمان، وتصف لها حسنه وجماله، وتتمنى ولو في المنام وصاله.

هذا ما كان من أمر الملكة بدور، وأما ما كان من أمر قمر الزمان، فإنه لم يزل مقيمًا عند الخولي في البستان مدة من الزمان، وهو يبكي بالليل والنهار، ويتحسر وينشد الأشعار على أوقات الهناء والسرور، والخولي يقول له: في آخر السنة تسير المراكب إلى بلاد المسلمين. ولم يزل قمر الزمان على تلك الحالة إلى أن رأى الناس مجتمعين على بعضهم، فتعجَّب من ذلك، فدخل عليه الخولي وقال له: يا ولدي، بطِّل الشغل في هذا اليوم، ولا تحوِّل الماء إلى الأشجار؛ لأن هذا اليوم عيد، والناس فيه يزور بعضهم بعضًا، فاسترِحْ واجعل بالك إلى الغيط، فإني أريد أن أبصر لك مركبًا، فما بقي إلا القليل وأرسلك إلى بلاد المسلمين. ثم إن الخولي خرج من البستان، وبقي قمر الزمان وحده؛ فانكسر خاطره، وجرت دموعه، ولم يزل يبكي حتى غشي عليه، فلما أفاق قام يتمشى في البستان، وهو متفكر فيما فعل به الزمان، وطول البُعْدِ والهجرانِ، وعقلُه ولهان، فعثر ووقع على وجهه، فجاءت جبهته على جذر شجرة فجرى دمه واختلط بدموعه؛ فمسح دمه، ونشَّف دموعه، وشد جبهته بخرقة، وقام يتمشى في ذلك البستان وهو ذاهل العقل؛ فنظر بعينه إلى شجرة فوقها طائران يتخاصمان، فغلب أحدهما على الآخر ونقره في عنقه فخلَّص رقبته من جثته، ثم أخذ رأسه وطار به، ووقع المقتول على الأرض قدَّام قمر الزمان؛ فبينما هو كذلك، وإذا بطائرين كبيرين قد انقضَّا عليه، ووقف واحد منهما عند رأسه، والآخر عند ذَنَبه، ورخَّيا أجنحتهما عليه، ومدَّا أعناقهما إليه وبكيا، فبكى قمر الزمان على فراق زوجته حين رأى الطائرين يبكيان على صاحبهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤