الفصل الثالث والعشرون

المعجزات

لنا في المعجزات رأيٌ خاص، لا يسمح به ظرف الزمان؛ لأن درس المعجزات بطريقة علمية يتطلب عرض ما يحيط بها من الحقائق والفروض، وقد يثير فتنة نحن عنها أغنياء١، فلنذكر فقط ما يتصل بما ذكره البوصيري، وشوقي، والبارودي من معجزات النبي ولنذكر قبل ذلك أن القرآن يفيض بالتذمر من إلحاح المعاندين ولجاجتهم في طلب المعجزات، إذ كان النبي يدعو إلى تحكيم العقل، وكان أولئك الكفار يأبون إلا أن تكون الرسالة مصحوبة بألعاب بهلوانية، تنفر منها القلوب، وتأباها العقول، وتنبو عنها الأذواق، ولننظر كيف يقول فيهم عز شأنه وتبارك اسمه في سورة الإسراء:

قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا

وهذه الآيات صريحة في أن النبي لا يملك لنفسه شيئًا؛ وأن الأمر كله لله، وأن في القرآن هدىً وتبصرةً لقوم يعقلون، وأصرح من هذا قوله تعالى في سورة العنكبوت:

بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ * وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ

ومعنى هذه الآيات أن معجزة النبي الباقية هي القرآن، وفي تأييد ذلك يقول البوصيري:

آياتُ حقٍّ مِن الرّحمَنِ مُحدَثة
قَدِيمَة صِفَة المَوْصوفِ بِالقِدَم
لم تقترنْ بِزمَانٍ وَهي تُخبرُنَا
عَن المَعَادِ وعَنْ عَادٍ وعَنْ إرَمِ
دَامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كُلَّ مُعْجِزَة
مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جَاءَتْ ولَمْ تَدُمِ

وتبعه شوقي فقال:

جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ
وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ
يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ
يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ

ويمكن بعد هذا أن نقرر أن شعراءنا الثلاثة لم يهتموا بنقد الأخبار الواردة في المعجزات، وإن كان شوقي على شيء من الحرص، ويليه البوصيري، أما البارودي فقد نظم كل ما صادفه من هذا القبيل، وقد اشترك البوصيري والبارودي في الحديث عن سجود الأشجار، وسعيها إلى الرسول، فقال البوصيري:

جاءتْ لدَعْوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَة
تَمْشِي إليهِ عَلَى سَاقٍ بِلا قَدَمِ
كأنَّما سَطَرَتْ سَطْرًا لِمَا كَتَبَتْ
فُرُوعها مِن بَدِيعِ الخَطِّ بِالقَلَمِ

وقال البارودي:

أَتِلكَ أَمْ حِينَ نادى سَرْحَةً فَأَتَت
إِلَيهِ مَنشُورَةَ الأَغصانِ كَالحُمَمِ
حَنَّت عَلَيهِ حُنُوَّ الأُمِّ مِن شَفَقٍ
وَرَفرَفَت فَوقَ ذاكَ الحُسنِ مِن رَخَمِ
جاءَتهُ طَوعًا وَعادَت حينَ قالَ لَها:
عُودِي وَلو خُلِّيَتْ لِلشَّوقِ لَم تَرِمِ

وانفرد البارودي بالحديث عن شق صدر النبي وهو غلام، فقال:

فَبَينَما هُوَ يَرعى البَهْمَ طافَ بِهِ
شَخصانِ مِن مَلَكوتِ اللهِ ذي العِظَمِ
فَأَضجَعاهُ وَشَقّا صَدرَهُ بِيَدٍ
رَفِيقَةٍ لَم يَبِت مِنها عَلى أَلَمِ
وَبَعدَ ما قَضَيا مِن قَلبِهِ وَطَرًا
تَوَلَّيا غَسلَهُ بِالسَّلسَلِ الشَّبِمِ
ما عالَجا قَلبَهُ إِلا لِيَخلُصَ مِن
شَوبِ الهَوى وَيَعِي قُدسِيَّةَ الحِكَمِ
فَيا لَها نِعمَةً للهِ خَصَّ بِها
حَبيبَهُ وَهوَ طِفلٌ غَيرُ مُحتَلِمِ

وشقُّ الملائكة لصدر النبي وغسلهم إياه بالسلسبيل ليس من المعجزات؛ لأن المعجزة تكون للإقناع، وهو لم يدع إلى ربه في طفولته حتى يكون للإقناع مجال، وإنما هو نوع من التطهير لم تجر به العادة ولم يعرفه الناس، والله يختص برحمته من يشاء، وقد مر البارودي بهذه الأسطورة مرَّ الطيف، فلم يعرض لها بنقد ولم يتناولها بتحليل، ونحن نكتفي هنا بأن نقرر أنها في حاجة إلى تحقيق، ثم نلتفت إلى ما فيها من روعة الخيال، فقد صوّر النبي فيها صورة رائعة، وتمثَّل فيها لطف الله به، وإحسانه إليه، وتكريمه إياه، وهي صورة شعرية نحب أن نمتع بها القارئ؛ لبرى كيف ابتدأ القَصَص في سيرة النبي .

ذكر محمد بن ظفر من حديث طويل أن النبي قال:
وكنت مُسترضَعًا في بني سعد بن بكر، فبينما أنا ذات يوم مُنتَبِذٌ من أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان إذا أنا برهط ثلاثة معهم طشت بَرهرَهة من الذهب ملآن ثلجًا، فأخذوني من بين أصحابي، وانطلق أصحابي هرابًا حتى انتهوا إلى شفير الوادي، ثم أقبلوا على الرهط وقالوا: ما أرَبُكُم من هذا الغلام؟ فإنه ليس منا، هذا ابن سيد قريش، وهو مسُترضَع فينا، غلام يتيم ليس له أب فما يرد عليكم قتله، وماذا تصيبون من ذلك؟ فإن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أيّنا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه ودعوا هذا الغلام فإنه يتيم، فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون جوابًا انطلقوا مسرعين إلى الحيّ يؤذنونهم ويستصرخونهم على القوم، قال: فعمد أحدهم فأضجعني إلى الأرض إضجاعًا رفيقًا ثم شق بطني ما بين مفرق صدري إلى عانتي، وأنا أنظر إليه، ولم أجد لذلك مَسَّا ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها، ثم أعادها إلى مكانها، ثم قام التاني منهم فقال لصاحبه: تنَحَّ عنه، فنحّاه عني، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي وأنا أنظر إليه، فصدّعَه ثم أخرج منه مُضغة سوداء فرمى بها، ثم أمَرَّ يده يمنةً منه، وكأنه يتناول شيئًا فإذا بخاتم من نور في يده يحار الناظرون إليه فختم به قلبي فامتلأ نورًا، وذلك نور النبوة والحكمة، ثم أعاده مكانه فوجدت برد الخاتم في قلبي دهرًا، ثم قال الثالث: تَنَحَّ عنه، فنحّاه عني، فأمرّ يده على مفرق صدري إلى مُنَّتهى عانتي، فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضًا لطيفًا، ثم قال للأول الذي شقّ بطني: زنه بعشرين من أمته فوزنني فرجَحتُهُم، ثم قال: زنه بمئة من أمّته فوزنني فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته فوزنني فرجحتهم، ثم قال: دعه فوالله لو وزنته بأمته لرجحهم. قال: ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي، وما بين عيني، ثم قالوا: لا تُرع، فإنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرَّت به عيناك. قال: فبينما نحن كذلك إذ أقبل الحي بحذافيرهم، فإذا ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها، وتقول: وا ضعيفاه! فانكبوا عليَّ وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي، وما بين عينَّي — يعني الملائكة — وقالوا: حبذا أنت من وحيد! وما أنت بوحيد، إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض! ثم قالت ظئري: وا يتيماه!! استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك! قال: فانكبوا عليَّ وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي، وما بين عينَّي — يعني الملائكة — وقالوا: حبذا أنت من يتيم! ما أكرمك على الله! لو تعلم ما يراد بك من الخير لقرَّت به عيناك! فوصل الحي إلى شفير الوادي فلما أبصرتني أمي — وهي ظئري — قالت: لا أراك إلا حيًّا بعد! فجاءت حتى انكبت عليَّ، ثم ضمتني إلى صدرها، فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها، وإن يدي لفي يد بعض الملائكة، وجعل القوم لا يرونهم، قال: فقال بعض القوم: إن هذا الغلام قد أصابه لممٌ، أو طائفٌ من الجن فانطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه، فقلت: يا هذا ما بي سيئ مما تذكرون، إن آرابي لسليمة وفؤادي صحيح، ليست لي فَلتة، فقال أبي — وهو زوج ظئري — ألا ترون كلامه كلام فصيح؟ إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس، فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن، فلما انصرفوا بي قصّوا عليه قصتي، فقال: اسكتوا حتى أسمع من الغلام، فإنه هو أعلم بأمره منكم، فسألني فقصصت عليه القصة، وأمري من أوله إلى آخره، فوثب إليّ وضمني إلى صدره ثم نادى بأعلى صوته: يا للعرب! اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه! فواللات والعُزَّى لئن تركتموه وأدرك ليُبَدّلنَّ دينكم، وليسفّهَن عقولكم وعقول آبائكم، وليخالفن أمركم، وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله! قال: فعمدت ظئري إليه فاتنزعتني من حجره، وقالت: لأنت أعته وأجن! ولو علمت أن هذا من قولك لما أتيتك به، فاطلب لنفسك من يقتلك، فإنّا غير قاتلي هذا الغلام! ثم احتملوني وأدوني إلى أهلهم وأصبحت مُفَزَّعًا مما فُعلَ بي، وأصبح أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشّراك٢.

وقد نقلنا هذا الحديث على طوله لنمكن القارئ من نقده وتمييزه، ولنجعله على بينة من الحكم له أو عليه، إن شاء، أما نحن فتريبنا فيه عبارته، إذ كانت عبارة ضعيفة لا تسمو إلى ما في صحيح الحديث من متانة التركيب وحلاوة التعبير، ويريبنا بنوع خاص مفتتح الحديث، فإن طريقة القصص التي سلكها قد تدل على أنه موضوعٌ، وذلك قوله: «روى شداد بن أوس قال: بينا نحن جلوس مع النبي إذ أقبل شيخ من بني عامر وهو مدره قومه، يتوكأ على عصاه، فمثل بين يدي رسول الله ونسبه إلى جده فقال: يابن عبد المطلب إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس، وأن الله تعالى أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والخلفاء، ألا وإنك تفوهت بعظيم، إنما كانت الأنبياء والخلفاء في بيتين من بني إسرائيل، وأنت ممن يعبد الحجارة والأوثان، فما لك والنبوة؟ ولكن لكل حق حقيقة، فأنبئني بحقيقة قولك، وبدوِّ شأنك، قال: فأعجب النبي بمسألته، ثم قال: يا أخا بني عامر، إن لهذا الحديث الذي سألتني عنه نبأ عظيمًا ومجلسًا كريمًا إلخ».

فإن القارئ يرتاب على الأقل في صحة هذه الجملة: «إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس»، فإن كلمة صلى لله عليه وسلم لا تقال لمن «يزعم» أنه رسول. وعبارة «فأنبئني بحقيقة قولك وبدوِّ شأنك»، عبارة مولدة، ولا ريب في ذلك، وما أظن النبي يقول: «إن لهذا الحديث الذي سأتني عنه نبأ عظيمًا، ومجلسًا كريمًا»، فإن هذا أيضا من تعابير المولدين، ولكل عصر أسلوب.

أكتفي بهذا في نقد هذه الأقصوصة، وأترك للمشتغلين بعلم الحديث تقديمها إلى محكمة التعديل التجريح، وأُكِل إلى أستاذنا الدكتور طه حسين تأريخ هذا النوع من البيان، وأنتقل إلى ما ذكروه من العجائب عند ميلاد الرسول، كانصداع إيوان كسرى، وخمود نار الفرس، ونضوب بحيرة ساوة، وما إلى ذلك من خوارق العادات، قال البوصيري في البردة:

أبان مولده عن طيب عنصره
يا حسن مبتدأ منه ومختتم
يوم تفرس فيه الفرس أنهمو
قد أنذروا بحلول البؤس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدع
كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف
عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها
ورد واردها بالغيظ حين ظمى
كأن بالنار ما بالماء من بلل
حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
والجن تهتف والأنوار ساطعة
والحق يظهر من معنى ومن كلم
عَموُا وصمُّوا فإعلانُ البشائرِ لمْ
تُسْمَعْ وَبارِقَة الإِنْذارِ لَمْ تُشَم
مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ
بأَنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ
وبعدَ ما عاينوا في الأفقِ من شُهُبٍ
منقضة وفقَ ما في الأرضِ من صنمِ
حتى غدا عن طريقِ الحقِ مُنهزمٌ
من الشياطينِ يقفو إثرَ منهزمِ

وقال في الهمزية:

وَتَدَاعَى إِيوَانُ كِسْرَى وَلَولا
آيَةٌ مِنْكَ مَا تَدَاعَى الْبِنَاءُ
وَغَدَا كُلُّ بَيْتِ نَارٍ وَفِيهِ
كُرْبَةٌ مِنْ خُمُودِهَا وَبَلاَءُ
وَعُيُونٌ لِلْفُرْسِ غَارَتْ فَهَلْ كَا
نَ لِنِيرَانِهِمْ بِهَا إِطْفَاءُ

ويقول شوقي في نهج البردة:

وَخَلِّ كِسرى وَإيوانًا يَدِلُّ بِهِ
هَوى عَلى أَثَرِ النيرانِ وَالأَيُمِ

ويقول في الهمزية:

ذُعِرَت عُرُوشُ الظَّالِمينَ فَزُلزِلَت
وَعَلَت عَلى تَيجانِهِم أَصداءُ
وَالنَّارُ خَاوِيَةُ الجَوانِبِ حَولَهُمْ
خَمَدَت ذَوائِبُها وَغَاضَ الماءُ
وَالآيُ تَترَى وَالخَوارِقُ جَمَّةٌ
جِبرِيلُ رَوّاحٌ بِها غَدّاءُ

ويرى القارئ أن البوصيري أكثر من شوقي إشادة بتلك الخوارق، وشعره فيها يفيض بالحياة، أما شوقي فقد آثر الحيطة، وهو يتكلم عن هذه الموضوعات، فكان شعره فيها أضعف من شعره في سائر أغراض القصيدة، وسنرى تحليله لفريضة الجهاد في الكلمة الآتية.

•••

ويمكن بعد هذا أن نحكم بأن شعر البوصيري أروع من شعر شوقي في وصف الخوارق والمعجزات، وأن شوقي أبعد نظرًا من البوصيري في نقد الأخبار والآثار، فإن انصداع الإيوان، وخمود نار الفُرس، ونضوب بحيرة ساوة، وانقضاض الشهب على الأصنام: كل هذه الحوادث فيها نظر، وكلها في حاجة إلى تمحيص، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

١  ومع ذلك سمح الزمن وأبدينا بعض الآراء بصراحة في كتاب «المدائح النبوية» حين حللنا بردة البوصيري، وحين نقدنا قصة المولد النبوي، وقد بدأ الناس يفهمون أن الإسلام في غنى بجماله الحق عن زخرف الأباطيل.
٢  راجع كتاب نجباء الأبناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤