الفصل الأول

العاطفة والإحساس

من الشائع في يومنا هذا الإقرار بأن القرن الثامن عشر كان عصر العاطفة بقدر ما كان عصر العقل. ومن المؤكَّد أنه شهد قدرًا كبيرًا من الصُّراخ ومشاعر النشوة والألم والاعتراض والإثارة والتوَهُّج والذَّوَبان.1 فالإحساس — وهو مُصطلَح ذلك العصر الرئيسي — يمثل نوعًا من بلاغة الجسد، ومنظومة سيميائية اجتماعية تقوم على الخجل والخفقان والنحيب والإغماء وما شابه. كما أنه رد ذلك العصر على الثنائية الفلسفية الروح والجسد؛ ففي أيديولوجية العاطفة يكون الجسد والروح في انسجام معًا كسترة ضيقة وبطانتها. والإحساس في القرن الثامن عشر — باعتباره نوعًا من المادية الأولية — هو خطاب الألياف والنهايات العصبية، والأبخرة والسوائل، والنبضات والذبذبات، ونوبات الاستثارة والتهيُّج. يقول ويكيسيموس نوكس إن «المشاعر هي كلمة أنيقة ورائجة حلَّت محل العمليات الذهنية وتُسوِّغ قدرًا كبيرًا من المادية.»2 إن كلمة «الشُّعور» ذاتها — التي تحمل مَعنيَيِ الإحساس المادي والدافع العاطفي، كاللمس باعتباره فعلًا والإحساس به باعتباره حالة — تُقدِّم للعصر رابطًا بين إثارة الألياف العصبية وتفاعلات النفْس الخفية.
تتحسَّر الروائية الأيرلندية سيدني أوينسون (ليدي مورجان) في مذكراتها على ما سمته «تركيبي المادي غير السعيد، هذه الحساسية العصبية لكل انفعالٍ يَدور في جسمي ويُلْهِب الجسد كله»؛3 لكنها في الحقيقة ليست إلا تُباهي بما تتمتَّع به من إحساس. وكتب زوجها السير تشارلز مورجان رسالة في الفسيولوجيا، ربما متأثِّرًا بملاحظة زوجته الشديدة الحساسية. وينظر كتاب إسحق نيوتن «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» — تمامًا مثل عمل الأسقف بيركلي الغريب «الحلقات» — إلى الوجود في مجمله باعتبار أنه يَمتلئ بروح الأثير الخفية، التي تخلق الإحساس بذبذبة الأعصاب؛ فالإحساس هو ملتقى الجسد والعقل، والآن يُعد الجهاز العصبي وليس الروح هو ما يتوسَّط بين العالمين المادي وغير المادي؛ فالأخلاق مهددة بأن يحل محلها علم الأعصاب. ويسخر لورنس ستيرن من العاطفة باعتبارها نوعًا من الباثولوجيا الاجتماعية في روايته «رحلة عاطفية»، على الرغم من نشره هو للكثير منها في الرواية. ويرى نُقاده الكثيرون أن الافتتان بالعاطفة علامة تميز المهذَّبين المصابين بوهن الأعصاب،4 فالرجل الحساس كبجعة أخلاق تتغذَّى على عواطفها المرهفة.
وبعكس ترفُّع النبلاء البارد، ظهر عند الطبقة الوسطى افتتان راسخ بالشفقة والخير والمشاركة الوجدانية. يكتب ريتشارد ستيل:
إننا بتأثير سحر خفي نَحزن مع الشقي ونفرح مع السعيد؛ إذ يَستحيل على القلب البشري أن يَنفِر من أي شيء يُميز الإنسان؛ لكن ملامح السعداء والأشقياء ذاتها تأخذنا إلى حالتهم؛ وبما أن السعادة تنتقل من شخص لآخر، فمن المنطقي أن يكون الحزن كالعدوى، وكلاهما يُرى ويُحسُّ بنظرة، فعينا الإنسان نافذة لغيره على قلبه.5

لدينا هنا بعض العناصر الأساسية للنظام الخيالي: إسقاط أو انتقال خيالي إلى داخل جسم آخر، والمحاكاة المادية المذكورة في «ملامح «الآخر» ذاتها تأخذنا إلى حالته»، و«قابلية العدوى» التي يتشارك من خلالها شخصان نفس الحالة الداخلية، والآنية البصرية التي تَنتقل من خلالها حالة الآخر الداخلية؛ فيبدو الداخل منقوشًا على الخارج، وتبادُل المواقع أو الهُوِيَّات («فعينا الإنسان نافذة لغيره على قلبه»).

أو انظر لهذه الكلمات من مواعظ جوزيف باتلر:
إن البشرية بطبيعتها متحدة تمامًا؛ إذ ثمة توافق بين الأحاسيس الداخلية لشخص ما ونظيرتها عند شخص آخر، فيصير الخزي مكروهًا كالألم الجسدي، ويُصبح التمتُّع بالاحترام والحب مرغوبًا كأي مكسب مادي … يوجد مبدأ طبيعي يجذب الإنسان إلى أخيه الإنسان الذي يُصبح — بعد أن سلك الاثنان نفس الطريق وتنفسا نفس الهواء، وهما بالكاد مولودان في نفس الضاحية أو المنطقة — فرصة لتكوين المعارف والأشياء المشتركة بعد عدة سنين … فالناس إلى حد كبير كالجسد الواحد، وهم على نحوٍ خاصٍّ يتعاطف بعضهم مع بعض، ويتشاركون مشاعر الخزي والخطر المفاجئ والبُغض والشرف والرخاء والبؤس …6
مرةً أخرى يُقدم إلينا بعض المكونات الرئيسة للنظام الخيالي: التوافق، وتبادل الأحاسيس الداخلية، واندماج الجسدين، ومبدأ الجاذبية الشبه السحري، بجانب تجاهل جماعي نوعًا ما للاختلاف يَفترض أن دواخل الآخرين كدواخل الشخص. إنَّ مثل تلك المشاعر الرقيقة — كما يرى كتاب أرسطو «الأخلاق النيقوماخية» — تُعزى للنفس بقدر ما تُعزى للآخرين؛ فأصحاب النزعة المُحبَّة لأنفسهم وَحدَهُم — كما يقول أرسطو — هم من يمكنهم حقًّا أن يُحبُّوا الآخرين، بينما الذين لا يحملون أي حب لأنفسهم «ليس لديهم وعي حساس بمسرَّاتهم وأحزانهم.»7 والنتيجة اللازمة لمعاملة الآخرين كمعاملة النفس هي معاملة النفس كالآخر. والحالة التي تتمُّ فيها كل منهما من منظور الآخر تُعرف عند أرسطو بالصداقة.
لكن قبل أن نغوص أكثر إلى أعماق فكرة باتلر عن التوافق الداخلي، علينا أن نستقصِيَ سياقها الاجتماعي بقدر أكبر قليلًا؛ ففي ثقافة العاطفة تسعى فضائل التهذيب وحب الزوجة وتحرر النفس من القلق لإزاحة قيم الطبقة العليا الأكثر بربرية، المتمثلة في النزعة العسكرية والصَّلَف الذُّكُوري.8 وهي موجَّهة بنفس الدرجة نحو تزمُّت البيوريتانيين من طبقة البرجوازية الصغيرة. ويشير آدم سميث إلى أن «فضيلة الود الإنسانية تتطلب إحساسًا يتخطى الإحساس البذيء السوقي الذي لدى البشرية.»9 إنَّ رقة جهازك العصبي صارت مؤشرًا موثوقًا بقدر معقول للمكانة الاجتماعية. وصار نوع جديد من البطولة المضادة للأرستقراطية — بطولة تتمحور حول الرجل الوديع والزوج العفيف ورجل الأعمال المهذب — هو السائد؛ ليصل إلى ذروته في شخصية الرجل الشديد الالتزام بالمبادئ وقواعد السلوك المتمثِّل في السير تشارلز جرانديسون — الذي يُعدُّ من أهم شخصيات صامويل ريتشاردسون، والذي يُشبه المسيح لكن يرتدي البنطال الذي يصل للركبتين المميِّز لهذا العصر. ويوجد تحول عامٌّ نحو البرجوازية في الفضيلة؛ إذ يقدم فرانسيس هتشسون الشخصيات المحمودة التي لا تقتصر على الأمير ورجل الدولة والجنرال، بل تتضمن «التاجر النزيه والصديق الوفي والناصح المخلص الحَصِيف والجار الكريم المضياف والزوج الحنون والأب العطوف والصاحب الرزين والمَرِح معًا.»10 فهي بتعبير رايموند ويليامز «مواجَهة الشفقة بالأبهة.»11 فاللين والبسالة والمرح أسلحة تُستخدم ضد المنشقِّين ذَوِي الأوجه القاسية والهمَجيِّين المولَعين بالقتال الذين يُشبهون الإقطاعيين القدامى. يُعتبَر آدم سميث المصلحة الذاتية الاقتصادية نوعًا من الإزاحة أو التسامي عن الشهوة ونهَم السلطة والطموح العسكري للنظام القديم، بينما يُميِّز فرانسيس هتشسون رغبة «هادئة» في الثروة عن الأهواء الأكثر اضطرابًا. ويتحدَّث إيرل شافتسبري بلطف مذهل عن حيازة الثروة باعتبارها «تلك الرغبة المرموقة باعتبارها «لافتة» على نحوٍ خاص.»12 بينما يحمل مونتسكيو — الذي يُعد كتابه «روح القوانين» مصدر قدر كبير من فلسفة «التجارة الناعمة» هذه — إيمانًا مؤثرًا بالقوة المهذبة للحوالات المالية.
يتذكَّر المرء كذلك ملحوظة صامويل جونسون الشهيرة التي تقول إن الإنسان لا يشتَغِل أبدًا ويُؤمَن أذاه بقدر اشتغاله وهو يجني المال، وهو تعليق يبين أن المغالطة التي تتسم بحُجِّية كافية تبدو عكس ذلك فور قولها. وبقدر ما يخصُّ الحياة الاقتصادية، يصل الفيلسوف التنويري الاسكتلندي جون ميلر إلى حدِّ محاولة دمج طبقة البروليتاريا في المشروع العاطفي؛ إذ يضعهم في نظامٍ حسِّي اجتماعي أو مجتمع عاطفي واحد، فعندما يتجمع العمال معًا في نفس العمل و«نفس مجال التواصل»، بحسب تأكيده، فهم «يُمكَّنون بسرعة كبيرة من التعبير عن كل أحاسيسهم ورغباتهم» وبذلك تُرسى دعائم التضامن العامِّي.13 وسيَثبت للطبقات الوسطى الإنجليزية في حقبة تاريخية لاحقة أن هذا التضامن مصدر توتُّر أكثر منه مصدر تهذيب.
وفي ظل تسيد تأنيث الثقافة الإنجليزية هذا، أصبحت الشفقة والمسالمة شعارَيْنِ لطبقة برجوازية بَدا أن اللياقة الاجتماعية والسكون السياسي هما أفضل ما يضمن أهدافها التِّجارية؛ فالإحساس من ضمن أشياء أخرى كان ردًّا على الطائفية الدموية في القرن السابق، التي ساعدت على صياغة الوضع السياسي القائم، والتي بعد أن أنجزت عملها الهدام صارت كغيرها تراثًا ثوريًّا ينبغي محوه من الذاكرة وإلقاؤه في اللاوعي السياسي. وفي ظل نظام أبوي لم يَزَلْ مستبدًّا، كانت هناك دعوات لتعميق الروابط العاطفية بين الرجل والمرأة، بالتوازي مع إبراز أهمية «الطفولة» وتمجيد الارتباط الروحي في إطار الزواج.14 وكانت الثقة المتفائلة في العناية الإلهية المسيحية في طريقها لأن تحلَّ محل الجبرية الوثنية القديمة. وصيغَ نمطٌ من الاعتدال المهذَّب على يد الكُتاب الاجتماعيِّين مثل جوزيف أديسون وريتشارد ستيل، نمطٌ بدا للأجيال اللاحقة جوهر الهُوِيَّة الإنجليزية ذاتها. وأتاح الانغماس كما ينبغي في العاطفة للفرد أن يكون متقد المشاعر أو مبتهجًا، مَرِحًا أو بكَّاءً، من دون أي خَرْق للأعراف. إنَّ هذا هو ما لم تتعلَّمه بعدُ ماريان داشوود، الشخصية المشوَّشة عاطفيًّا في رواية جين أوستين «العقل والعاطفة».
وفي عالم الأفكار، سعى مذهب تجريبي مغوار إلى تشويه الأنظمة العقلانية المتبلِّدة، متبنيًا في المقابل الجوهر الفطري للحسِّ الذاتي، فكانت المفاهيم تتأصل جذورها في أرض التجرِبة العملية الثابتة حيث يشعر الرجل النزيه بأُلفة أكبر مقارنة ببِساط التأمل الميتافيزيقي المضطرب. لقد كان ذلك أسلوبًا للتفلسف يُناسب عصرًا شهد ظهور الرواية؛ فالإدراك والحس — بل جسم الإنسان ذاته — كانا مصدر كل تأملاتنا الأوضح. في الوقت ذاته شعر الكثيرون من النخبة المثقَّفة الذين شجَّعهم رخاء الأمة الاقتصادي وانتصاراتها السياسية بإمكانية بناءِ ثقة متفائلة في خيرية الطبيعة البشرية. وغمَرَ جو من الخيرية والإحسان يسوده الرضا عن الذات النواديَ والصحفَ والمقاهيَ. وعلى الرغم من شُيوع الخبث والحقد والمنافَسة في المجتمع، فلم يَزَلِ الفيلسوف الاسكتلندي آدم فيرجسون مؤمنًا بأن «الحب والحنان [كانا] أقوى المبادئ الكامنة في داخل الإنسان.»15
كان الإحساس والعاطفة — إن جاز التعبير — يُمثِّلان التحول الفينومينولوجي المميز للقرن الثامن عشر؛ المُكافئ في عالم المشاعر للتحول إلى مسألة الفردية التملكية والنزعة الداخلية البروتستانتية. وفي المجلات فريدة التأثير مثل «تاتلر» و«سبيكتيتور»، اتخذ الإحساس صورة منهجية حيث يُسلِّم القارئ العادي نفسه لدورة تعليمية مكثَّفة في اللياقة. مثل هذا الضرب من الصحافة، بمزجه البارع بين الفضيلة والجدية، صورة جديدة من السياسة الثقافية؛ إذ علم عن وعي الجمهور القارئ فضائل اللِّين والبساطة والاحترام ونبذ العنف والشهامة والحب في إطار الزواج. ويكتب ستيل في العدد الأربعين من مجلة «سبيكتيتور»: «لطالما راوَدَني طموح بجعل كلمة «زوجة» أكثر الأسماء في الطبيعة قبولًا وإدخالًا للسرور.» لكنه لم يكن نموذجًا للفضيلة؛ إذ كان يُفْرِط في شرب الخمر، وقتَل رجلًا في مُنازلة، وسُجن بسبب الدَّيْن، وتزوج أرملة لمالها، واتُّهم بالتحريض على العصيان، ومَثُل أمام مجلس العموم. لكن نطاق سلطته الثقافية هو وأديسون امتدَّ من الحديث عن تهذيب الملبس إلى المواعظ التي تَنهى عن المنازلة، ومِنْ تَناوُل أنماط الحديث المهذب إلى مدح التجارة.16 وتَضَمَّن معرضهما الصحفي للنماذج الاجتماعية المُواطنين ومُستنشِقي التبغ وكانِسِي أوراق الشجر والمفكِّرين الأحرار وذَوِي الجمال وذَوِي الجمال الفائق.
كانت الأعراف الأخلاقية تكتسب صِبْغة جمالية، وتُمارَس باعتبارها أُسلوبًا في المعيشة، ومكمنًا للفضيلة والذكاء، ومنبعًا للخفة والوجاهة، وتجسيدًا للصراحة والرشد والعبقرية، ومدعاةً لخفَّة الدم وحب الرفقة والحرية والتباسط وإنكار الذات. ويدرج فرانسيس هتشسون في كتابه «تحقيق عن الخير والشر الأخلاقيين» ضمن القيم الشبه الأخلاقية؛ «الثوب المهندَم، والوقار الممزوج بالرحمة، والفرح بإدخال السرور على الآخرين» بجانب اللطف واللين والمرح والرقة وبعض التكلف والتناغم و«صفات يَصعُب تحديدها.»17 إن هذه دعوة تختلف تمامًا عن الفلسفة الأخلاقية لأفلاطون أو كانط. كما هو الحال في روايات ريتشاردسون أو أوستين، يُمكن للتفاصيل الملحوظة المفردة أن تكون ذات وزن أخلاقي، فبانحناءة إصبع أو طريقة فتح صديرية يُمكن أن تَنكشِف نزعات الخير أو الشر، وهو مفهوم كان من شأن لايبنتس أن يعتبره سخيفًا؛ فالجسد — والوجه بالتحديد — يُعتبر عند هتشسون معبرًا بصفة مباشرة عن الوضع الأخلاقي لصاحبه، فتصير المكنونات الداخلية والمظاهر الخارجية — كما في النظام الخيالي — سهلةَ الانعكاس ومُتواصِلة سَلِسة. وفي ظل هذا الاتحاد بين السلوك والأخلاق، تصير حالات الوعي أقرب ما يكون للأمور المادية؛ إذ تظهر منقوشة على لوحة السلوك البشري، وتتجسَّد في مشية مُمْعِنَة في التذلل أو في إمالة رأس متكبِّر. وسيَرِث ديكنز هذا المذهب المضاد لثنائية الروح والجسد. وتكشف أكثر شخصيات جين أوستين المحبوبة عن حسٍّ داخلي باللياقة الخارجية؛ لتنقض التعارض بين الحب والقانون وبين التلقائية والأعراف الاجتماعية.18 فاللياقة تشمل كل شيء؛ فقواعد الذوق لا تَقتصِر على عدم البصق في الإناء وحسب، بل تعني أيضًا تجنُّب الفجاجة والغرور وعدم المراعاة الشعورية.
لقد كان الافتِتان بالعاطفة هو عامل الرضا في أُمَّة تِجارية ناجحة؛ لكنها كانت إحدى القوى الاجتماعية بجانب كونها حالة عقلية؛ فالشعور يُمكن أن يدفع عجلات التجارة، وهو ما أتاح للشاعر والرِّوائي الأيرلندي المولد هنري بروك أن يكتب بحماس عن كيف أن التاجر «يجلب أقصى البقاع إلينا ويُدخلنا في حوار مع أهلها … وهو بذلك يجمع في عائلة واحدة ويغزل في شبكة واحدة الألفة والأخوة بين البشرية جمعاء.»19 (بالنظر إلى أن بروك كان شخصية مرتزقة جشعة ألَّفت كتيبات مؤيدة للكاثوليكية من أجل الربح، على الرغم من آرائه المناهضة للكاثوليكية؛ فقد علِم بعض الأشياء عن السوق.) وهنا تبرز — باختصار — أيديولوجية ما يُسمى بالإنسانوية التِّجارية التي تعتبر أن انتشار التجارة وزيادة التعاطف الإنساني يُثْرِي كل منهما الآخر.20 ويستخدم لورنس ستيرن عبارة «التجارة العاطفية» مع أخذ المعنى الاقتصادي في الاعتبار تمامًا؛ فالعلاقات الاقتصادية بين الناس تعمق تعاطفهم المتبادل وتهذبهم وتزيد قنوات الاقتصاد سلاسة وفاعلية؛ فالتجارة باعتبارها صورة مادية من الحوار المتحضر تجعل الفرد أكثر انصياعًا وأكثر اتفاقًا مع الجماعة، وهي عقيدة قد يجدُ المُرتبِطون بشخصية مول فلاندرز لديفو أو شخصية السيد باوندربي صعوبة في الإيمان بها؛ فالثروة التِّجارية بصفتها ذات طبيعة انتشارية مُتقلِّبة تتوافق مع تقلبات التعاطف الإنساني، وتُمثِّل نفس هذه الخاصية الزئبقية ثقلًا كبيرًا يوازن عجرفة السلطة الأوتوقراطية.
إلا أن شعائر القلب هذه كان لها جانب مثالي بالإضافة للجانب الأيديولوجي؛ فالإحساس — دون غيره — كان ربما أثرى نقدٍ لعقلانية التنوير التي تمكَّنت الثقافة البريطانية فيما قبل الرومانسية من تكريسها. ربما دفع الشعور عجلات التجارة لكنه هدد كذلك بإخراج المشروع بِرُمَّتِهِ عن المسار تحت شعار رؤية مُتمحوِرة على الذات وأقل بلادة للمجتمع الإنساني. تُعلق جانيت تود قائلة: إنَّ الرجل العاطفي «لا يدخل النظام الاقتصادي الذي يدينه؛ ويرفض العمل في سبيل تحسين نفسه أو المجتمع.»21 فثمَّة مسحة من التسكُّع البنياميني فيما يتعلق بالرجل الحساس الذي يتعارض إحساسه الغزير ورفضه المعتد أو العاطفي للتفكير مع النظام النفعي البليد، فتجاهله المختال للتناغم — وكذلك اعتياده العطاء في سبيل ذلك تمامًا — يمثلان هجومًا ضمنيًّا على عقيدة قيمة التبادُل بصورة تشبه كثيرًا المبالغات اللاحقة لأمثال أوسكار وايلد. وفي الوقت ذاته فإن تجاهل التناغم كان بالضبط ما لم يتمكن نقاد المذهب العاطفي من تحمله، فالإفراط في الإحساس يعني العجز عن تمييز الأساسي من الهامشي؛ حيث إن «الشعور» ذاته لن يقدم لصاحبه أي دليل على تلك الفروق الجوهرية، فالمذهب العاطفي — والأدب الذي نتج عنه — يميل نحو الغرابة والاستطراد والتفرد، حيث يفضل البريق الباهت لزهرة الثلج على قضية كإصلاح السجون، فهو نظام أخلاق مُترَف من جميع النواحي.

إلا أنه ثمة حاجة لمثل هذه «العلاقة» العاطفية في نظام اجتماعي لم يَعُدْ يَحفظ تماسُكَه دولةٌ مستبدَّة، فالمُجتمع الفردي يحتاج لإطار من التضامن كي يحتوي نزعاته الفوضوية، وإلا فإن هذه النزعات تمثل خطرًا يؤدي لتخريب المؤسسات التي تسمَح لها بالازدهار؛ لكنه مع ذلك تضامن يزداد تحقيقه صعوبة نظرًا إلى تعرض العلاقات الاجتماعية لخطر اختزالها إلى علاقات عقدية بَحْتَة، والسلطة السياسية إلى مجرد أداة، والأفراد أنفسهم إلى وحدات معزولة. ويقارن آدم فيرجسون على نحو متشائم في عمله «مقال عن تاريخ المجتمع المدني» بين التضامُن في الثقافة القَبَلية والأفراد «المُنفصِلين والمنعزلين» في الحياة المعاصرة الذين «انقطعت لديهم روابط العاطفة». وفي ظل هذه الظروف، ليس من الغريب أن يلجأ الرجال والنساء إلى العواطف الطبيعية ليَضمنوا لأنفسهم درجة من الرفقة في ضوء توفُّرها المُتضائل في العالم الاجتماعي، فما لا يُمكن أن نجده في الثقافة الإنسانية يجب الآن إيجاده في الطبيعة الإنسانية.

في ظل نظام اجتماعي يقوم على المصلحة الذاتية، من المنتظر أن تبدو مكامن الفضيلة العامة غامضة. فكما قال آلاسدير ماكنتاير، لم يَعُدْ من الممكن في مثل هذه الظروف تناول القواعد والعلاقات الاجتماعية بطرُق تُشير ضمنيًّا إلى الالتزامات والمسئوليات الأخلاقية.22 وعليه تُترك مثل هذه الالتزامات مُعلَّقة، تمامًا مثلما تحرَّرت المشاعر — عند العاطفيين الأكثر إفراطًا — من الأشياء التي من المفترض أن ترتبط بها لتصير كيانات غريبة قائمة بذاتها شبيهة بالأشياء. وبما أنه لا يوجد في بنية المجتمع ما قد يدفع أفراده إلى المساعدة والعاطفة المتبادَلة، فإن القدرة التعاطفية يجب أن تُنقل إلى داخل كل رجل وامرأة، وأن تُطبَّع كغريزة تشبه الجوع أو حماية النفس؛ فالإنسان يُسرُّ بالخير بقدر ما يَستمتِع برائحة عطر، أو يشعر بالغثيان بسبب رائحةٍ نَتِنة. ومن هذا المنطلق يمثل عصر العقل — الذي تزداد فيه أهمية المنفعة والتكنولوجيا والتفكير العقلاني — أيضًا ثقافة تنصب على القلب، على البكاء والحنان. وفي مملكة الفردية التملُّكية، يُضطَر الحب والخيرية إلى الانتقال من الدائرة الخاصة الداخلية ليصيرا مُجازَين ذَوَيْ مغزًى أعم وأشمل. وعلى أكثر التقديرات المُتشائمة، العاطفة — تلك الطريقة السريعة الغريبة غير اللفظية في تبادُل الإشارات أو الحدس — ربما هي الصورة الوحيدة المُتبقية من السلوك الاجتماعي في عالم من الأفراد المُنعزلين البائسين.
إن التحول إلى الذات خطوة حكيمة؛ لكنها في الوقت نفسه خطيرة؛ إذ إن تثبيت المجتمع السياسي على دعائم العواطف الطبيعية يَعني بوجهٍ ما إمداده بأقوى أساس يمكن تصوُّره، وتركه من وجهٍ آخَر عُرضة للخطر على نحو مُقلِق، فالمجتمع الإنساني عند ديفيد هيوم يظلُّ مُتماسكًا في النهاية بسبب عادات الشعور، وإذا لم يوجد ما هو أشد قَسرًا من الناحية الروحية فليس هناك ما هو أكثر استعصاء على الإثبات العقلاني؛ فأهمية المشاعر سببها أنها تقدم دوافع للسلوك بشكل قد لا يُمكِن للقواعد العقلانية وَحْدَها فعله. وكذلك الحال مع العقلانية في الوقت الحاضِر، فكما يُشير جيه إم بيرنشتاين، فإنَّ الأخلاق التواصلية لدى يورجين هابرماس تجريدية تمامًا، لكن إن أُريد تجسيد قواعدها العامة في صورة دوافع مُقْنِعة، فيجب أن يُعاد ربطها بالممارسات اليومية.23 والعقبة هي أنه قد لا يوجد الآن أي تفسير عقلاني للرحمة أو الكرم، كما كان الحال مع سبينوزا؛ فليس ثمة أساس منطقي براجماتي وراءها؛ إذ من المرجح أن رقة القلب هذه — كما توحي أعمال هنري فيلدنج — ستنتهي بصاحِبِها بالتعرض لمأزق شديد بدلًا من أن توفر له الفوز بضيعة أو بمنصب وزاري في الحكومة. وهذا هو السبب في أن فيلدنج يثني على فضيلة أبطاله بينما يتهكم عليها ساخرًا في الوقت نفسه؛ حيث إنها في مثل هذا المجتمع الوحشي لن تبدو إلا ساذجة.
لكن كذلك لا يوجد أي تفسير عقلاني لتذوُّق ثمرة خوخ أو استنشاق عبير زهرة، وهي تجارِب يبدو أنها (كنوبة شفقة أو نفور أخلاقي مفاجئة) تحمل تفسيراتها في ذاتها؛ إذ هي فورية لا تقبل الجدل. وإذا لم يُمكننا أن نؤسس للفضائل بأساس منطقي — مثلما سعى الفلاسفة الأخلاقيون أمثال صامويل كلارك وويليام وولاستون — فربما يرجع ذلك إلى أنها أساسية في ذاتها، وجزء لا يتجزأ من الجسم كالكبد والبنكرياس. ربما تشبه من هذا المنطلق الذوق الجمالي أو شيء لا يمكن وصفه لم نَعُدْ بحاجة لأن نعرف المزيد عنه؛ فربما يَحمل الذوق والحكم الأخلاقي — مثل الرب والأعمال الفنية — أسباب وجودهما في ذاتهما. بالتأكيد يبدو أن فرانسيس هتشسون قد اعتقد ذلك؛ فإن سئل، بحسب قوله، عن السبب في استحساننا للخير العام، فسيجيب: «أتصور أننا لن يمكننا أن نجد «أيَّ سبب» في هذه الحالات أكثر مما يمكننا أن نجده في حبنا لأي فاكهة لذيذة.»24 فالتفسيرات — كما يعلِّق فتجنشتاين — يجب أن تنتهي في مرحلة معينة؛ فهي بالنسبة لهتشسون تصل إلى طريق مسدود، بتعبير فتجنشتاين، عندما تصل إلى فكرة معنى أخلاقي هو جزء من طبيعتنا المادية بقدر العطس أو الابتسام.
في كل الأحوال، يبدو أن «جيد» و«سيئ» كلمتان لهما حد، بمعنى أننا إذا استطعنا أن ندعم مثل هذه الأحكام بأسباب غير أخلاقية — كما يزعم العقلانيون أنه واجب علينا — فقد يظل من الممكن دائمًا أن يُزَحْزَحَ السؤال خطوة أخرى ليكون عن السبب الذي يجعل هذه الأسباب بدورها أسبابًا وجيهة، أو لماذا يُظن من الجيد الاقتداء بها. فالسؤال يتعلق جزئيًّا بالدافع، كما قد يوحي أصل كلمة حب الخير باللغة الإنجليزية Benevolence، فهتشسون وهيوم وزملاؤهما يخاطبون حضارة ترى أن ما تظنه حقيقيًّا هو بوجه عام ما يتم الشعور به من خلال النبضات أو العينين، وتشعر بالتبعية بشك طبيعي في التصرُّف وفقًا لمبدأ مجرد. يقول هيوم عن صور الفضيلة القديمة: «إن الفضيلة التي تفصلها عنا تلك المسافة كالنجم الثابت الذي رغم أنه قد يبدو لعين العقل لامعًا كما الشمس بعد توسطها في كبد السماء، فإنه على نحوٍ لا مُتناهٍ أبعد من أن يؤثر في الحواس سواء بالضوء أو بالحرارة.»25 فمثل تلك المُثُل الباهرة الخالية من المشاعر تُعوزها القوة النفسية. وفيما يتعلق بالدوافع، فإن فلسفة هتشسون وأدب ديفو ينتميان لنفس الوسط الثقافي، فإن أراد أحد أن يُجرِيَ استقصاءً للدوافع الإنسانية بكل تعقيداتها البراجماتية، استقصاءً يغوص في أكثر خبايا النفس عمقًا، فسينتهي به الحال على الأرجح بكتابة رواية.

كما أنه في ظلِّ مجتمع تبدو فيه الفضيلة شحيحةً، ولا يكاد ما بقيَ منها يتمتع بأي سحر (حسن التدبير والحكمة والعفة والانضباط الذاتي والطاعة والزهد والمواظبة والاجتهاد وغيرها)، فإن الأرجح أن الرجال والنساء في حاجة إلى دافع لحُسن التصرف أقوى نوعًا ما من الحرص العقلاني على تناغم النظام الكوني؛ فبمجرد أن يتحول حسن الخلق إلى تقليد اجتماعي رتيب، يحتاج الإنسان لمزيد من الحوافز من أجل الالتزام به. على أي حال، ما معنى الزعم بأن أسباب الفضيلة التي يقدمها العقلانيون تتمتع على نحوٍ خاص بقوة أخلاقية؟ ما المبهر، على سبيل المثال، في الاتفاق مع طبيعة الكون؟ تصور الكثير من الأخلاقيين أن الحياة السعيدة تَكمُن في القيام بالعكس تمامًا.

يوظف هتشسون نفسُه هذا المنطق في كتابه «مقدمة قصيرة للفلسفة الأخلاقية» قائلًا إن المذهب العقلاني يَفترِض مقدِّمًا عين المعنى الأخلاقي الذي يسعى لتفسيره. وهذه أزمة مألوفة بدرجة كافية في النظرية الأخلاقية الحديثة؛ فإما أن نتمسَّك — كما فعل هتشسون وجي إيه مور — بمفهوم بَدَهي أو لا طبيعي عن الخير، وعندها يُمكِنُنا أن نتبنى أساسًا من المبادئ على حساب غموضها التام، أو يُمكِننا أن نترجم فكرة الخير إلى مجموعة من الصفات الطبيعية، وهو ما يبسط المفهوم على حساب فتح المجال أمام تقديم تفسير للتفسير؛ ومِن ثَمَّ تجريده تمامًا من عين الدور الذي من المُفترَض أن يؤدِّيَه كأساس.

إنَّ ما يُسمَّى بالحسِّ الأخلاقي عند شافتسبري وهتشسون — وهو ما سنرى بعد قليل أنه نوع من التكهُّن العَفْوي بالخير والشر — هو إقرار على نحوٍ ما بالفشل الفلسفي، فهذا الحس الأخلاقي الذي يُشبه الشبح — الذي وصفه هتشسون نفسه بأنه «صفة سحرية» والذي اعتبره إيمانويل كانط دون مواربة «غير فلسفي» — ما هو إلا نوع من الافتراض المؤقت لأساس أخلاقي أكثر تماسكًا، أو قيمة مُبهمة تملأ فراغًا ما في المسألة. إنَّ طرح هذا الحس — وهو نوع من إحاطة أعضاءِ الإدراك الأكبر لدينا بغَيْمَةٍ من الغموض — باعتباره مصدرًا للحكم الأخلاقي، يُعدُّ على وجهٍ ما بمنزلة القول إن مثل هذه الأحكام لا يُمكِن تفسيرها على الإطلاق، فهو يُصادِر على المطلوب بقدر «القوة المُنوِّمة» عند موليير. ويبدو أننا لا يُمكِننا إنكار حقيقة هذا الحس كما لا يمكننا إنكار مذاق البطاطس؛ لكن من المحير معرفة مكمن الأول بقدر تحليل الأخير؛ فالحس الأخلاقي هو نوع من الأشياء التي لا يمكن وصفها — مثل الملَكة الجمالية — والتي لا تقبل الجدل بقدر ما لا تقبل التفسير. فالعقل عند هيوم وهتشسون يجب أن يوجه الحس الأخلاقي؛ لكنه لا يُمكن أن يؤسِّسه. وليس هذا غريبًا بالنظر إلى أن العقل يفقد كثيرًا من مصداقيته عندما يخضع للتعريف على نحوٍ أداتي في عصر من عصور العقل، فإذا كان الحس الأخلاقي سابقًا على العقل، فذلك يرجع جزئيًّا إلى أن العقل الآن يسيطر عليه بنحو كبير أولئك الذين يَرَوْنَ أنه لا يمكن أن تكونَ له علاقة بالغايات الأخلاقية. وبذلك يَصِل كلُّ هذا إلى الإقرار بأن الحب والكرم والتعاون المشترك رغم أنها حقًّا ألمَع الفضائل الإنسانية، فلم يَعُدْ مِن المُمكن معرفة السبب وراءها.26 لكن لماذا ينبغي علينا أن نعرف هذا في المقام الأول؟ أليست تلك سوى علامة على أننا وصلنا للقاع ولا مجال لمزيد من الهبوط؟
مع ذلك، وكما أدرك العقلانيون في القرن الثامن عشر، ثمة أسباب تدعو للقلق. صحيح أن تفسير الدوافع الأخلاقية في ضوء التجرِبة المحسوسة من وجهٍ ما يُوفِّر لها أساسًا أبعد ما يكون عن الشك، ووَحْدَها تلك المزاعم التي تخاطب النوازع الإيمانية والعواطف هي التي يؤمل أن تكون مُقنِعة، كما أدرك أشهر فلاسفة الهيمنة في القرن الثامن عشر إدموند بيرك في الدائرة السياسية؛ فأكثر رعايا السلطة ولاءً هو الشخص العاطفي، بالمعنى الشائع في القرن الثامن عشر، إلا أنَّ ربط هذه المزاعم بالذات يعني كذلك المخاطَرة بإخضاعها لتقلبات الحظ والنزوات والعرف والأوهام والتحيز؛ إذ كيف يختلف النفور من التعذيب عن النفور من الكرنب؟ وما السمة الأخلاقية تحديدًا في مثل هذ النفور؟ وإن لم نسبغ صفة القانون الكوني على النفور من الكرنب، فلِمَ قد نفعل في حالة التعذيب؟ لذا فالفكرة أن السير جون هوكينز — في خِضَمِّ رحلة من الإعجاب الساخر — يمكنه اتهام العاطفيين بجعل الأخلاق ذاتية: «إن أفكارهم الزاخرة تحلُّ محل الالتزام كله؛ فهي في ذاتها قانون، فامتلاك «قلب طيب» وكثرة «التعاطف مع الآخرين» فوق تلك الاعتبارات التي تُلزم الناس بقواعد السلوك التي وُضعت في ضوء إحساس بالواجب.»27 وينزعج هوكينز من المروِّجين للحس الأخلاقي بنفس الصورة التي يرى بها الديونتولوجيون (علماء أخلاق الواجب) المحدثون شيئًا فضفاضًا فيما يتعلق بأخلاق الفضيلة. وسجَّل سورين كيركجارد نفس الرأي لاحقًا حيث كتب في دورياته: «دعونا لا نتحدث من الناحية الجمالية [عن الأخلاق] كما لو كانت المسائل الأخلاقية مكرمة سعيدة.»28
كان كولريدج على نفس القدر من الارتباك؛ إذ يشكو في كتابه «معين على التأمل» من أن ستيرن والعاطفيين قد ارتكبوا إثمًا أكبر بكثير من هوبز والماديين. واتهم أوليفر جولدسميث — وهو نفسه خبير بالشفقة والرقة — زميله إدموند بيرك ﺑ «بناءِ فلسفته على مشاعره الذاتية الخاصة.»29 فالحركة الهادفة لزرع القيم الأخلاقية في الذات الإنسانية هي ذاتها ما قد يُقَوِّضها. كما أنه بمحاولة إضفاءِ الطابع الديمقراطي على الأخلاق (بما أن كل الناس يمكنهم الشعور بالتعاطُف التلقائي) هناك خطر بيلاجياني بجعل الفضيلة سهلة وفطرية أكثر مما يجب، فتكون كالتنهُّد أكثر من كونها صراعًا، فهذا الصلاح اليسير هو ردٌّ أرستقراطي على القيم غير المحبوبة للبيوريتانيين في الطبقة الوسطى الدنيا بإصرارهم الراسخ على الانضباط الذاتي والهمة؛ فالنبيل لا يصارع ضميره كما لا يصارع خادمه؛ لكن الطبقة الوسطى البروتستانتية لا يُرضيها مثل هذا التساهُل الأخلاقي، فكما أشارت الكاتبة إليزابيث كارتر في القرن الثامن عشر بحِدَّة: «إن مجرد الشعور بموجة مفاجئة من التعاطف عند رؤية شيء في محنة لا يُعَدُّ ضربًا من الخير أكثر من التعرض لنوبة نَقرَس.»30

لا شك أن كارتر وكيركجارد لهما وجهة نظر؛ وجهة نظر ربما تبنَّاها أيضًا (كما سنرى لاحقًا) شايلوك الشخصية التي صنَعها شكسبير؛ فقضية الأخلاق أهمُّ كثيرًا من أن تُترك لطيبة القلب المتقلبة للقادرين على أن يكونوا لطفاء؛ فالضعفاء يحتاجون إلى رِباط مادي أو قواعد للالتزام لتحميهم؛ أي، نص محدد يُمكن أن يُلوِّحوا به عندما ينقلب عليهم الكبار. فالقيم المحكومة بقواعد قد تبدو أقل قبولًا مقارنةً بتلك التي تنتج عن نزعة داخلية، إلا أن المقصود منها هو أن عليك التعامل بإنسانية مع الآخرين مهما كان ما تَشعُر به، كما أن المقصود منها هو أن الأخلاق تتعلَّق بالفعل لا بالشعور، والتعاطُف غير المصحوب بوهج متَّقد يظلُّ تعاطفًا. لَكن المؤمنون بالثنائية الأخلاقية وَحدَهُم يَزعُمون أن قلوبهم تمتلئ بالحب وهم يَشوُونَ الحَمَل على النار.

•••

تَرتبِط الأخلاق الخيالية التي يشملها مذهب «الحس الأخلاقي» الخاص بالقرن الثامن عشر بالفكرة القديمة المُبتذلة المشكوك فيها بأن الإيثار قد لا يعدو كونه انحرافًا عن الأثَرة، فكما أنه من الصعب في سياق النظام الخيالي تحديد أي المشاعر تَنتمي للنفس وأيها للآخر، فكذلك من الصعب — ربما من المستحيل في النهاية — معرفة ما إذا كان سرور النفس بسرور الآخر يَرتبِط بالآخر أم بالنفس، فمنظومة الأخلاق التي تعتبر التعاطف مع الآخرين هي نوع شبه حسِّي من إرضاءِ الذات يجب أن تطرح السؤال عما إذا كان هدفها الحقيقي هو التعاطُف المُنكِر للذات أم إرضاء الذات الأناني، فماذا إن كنت مسرورًا بإحساني — باعتباره نسخة مثالية من نفسي — كما يَفتَتِنُ الطفل بصورته في المرآة المُتماسِكة ظاهريًّا؟ يذكرنا هذا بشخصيات ديكنز المُخيفة الفاعلة للخير بداية من براونلو حتى بوفين التي تُخفي مظاهرهم الفَجَّة قلوبًا رقيقة، والتي تُثير فيهم صرامتهم العاطفية إثارة أقرب لأن تكون جنسية. يشبه ريتشارد ستيل الروح العطوفة التي تذوب شفقة على أخرى بالعاشق الذي «يرق» للجمال. وفي ثناءِ لورنس ستيرن العاطفي على «الشهوة المهيبة لفعل الخير»، هل كان التأكيد على «الشهوة» أم على «الخير»؟

يرى الفيلسوف سي إس بيرس أن هذه في الحقيقة إشكالية وهمية؛ فالقول إننا نفعل ما نفعل من أجل اللذة في رأيه لا يختلف عن القول إننا نرغب في فعل ما نفعل.31 ويرى توماس هوبز — في تهكُّم مميَّز — الشفقة على الآخرين من منظور أناني بَحْت باعتبارها «تخيُّلًا أو تصورًا لكرب مستقبلي يُصيبنا، نابعًا من الشعور بكرب إنسان آخر.»32 فهي تذكير لأصحاب الاتجاه الرومانسي بأن الخيال ليس ملَكة خَيِّرة بالكامل بأي حال. ويكتب معلِّق آخر أقل تهكُّمًا هو أمارتيا سِن قائلًا: «من الممكن القول إن السلوك المبني على التعاطُف من ناحية مهمة أناني، لأن الفرد يُسَرُّ لسرور الآخرين ويتألم لألمهم، وبذلك قد تتيسَّر منفعة الشخص من خلال التعاطف.»33 إن منظومة الأخلاق الخيالية في القرن الثامن عشر، كما سنرى، تتمحوَر حول الأثَرة؛ لكن النظام الخيالي عند لاكان يَكمن في أصل الأنا على وجه التحديد.
ربما يكون التمييز بين مذهب الخير والمذهب العاطفي مفيدًا هنا، وإن كان الفرق ضبابيًّا، فبوجهٍ عام، كان الخير في القرن الثامن عشر قضية مرتبطة بإنكار الذات بينما كانت العاطفة شأنًا أكثر ارتباطًا بالنفس. فالخير طارد، أما العاطفة فهي جاذبة. فأصحاب مذهب الخير من أمثال جولدسميث وهتشسون وسميث وبيرك أعينهم على الآخر، بينما العاطفيون من أمثال ستيل وستيرن مُستهلِكون للمَشاعر الرقيقة على نحو واعٍ، وغارقون في عواطفهم الخاصة الودودة.34 فالمؤمن بمذهب الخير يفعل الخير لكن ليس لمجرد عمل الخير، أما دافع العاطفي، فهو رضا النفس، فما يشعر به الفرد في الحالة الأخيرة لا يرتبط بسَرَّاءِ الآخر أو ضَرَّائه بقدر ما هو اندماج معه و«ذَوَبَان» فيه. وتعج خطابات ستيل لزوجته بصرخات ألم ونشوة مهذبة ومنزهة، فزوجته هي «مخلوقه المفضل» و«حاكمه المحبوب» و«أعز كائن على الأرض»؛ وهو يقسم لها: «أموت شوقًا من أَجْلِكِ» رغم أنه لا يملك أقل نية لمغادرة عشاءٍ مع شخصية هامة.35 لقد صار الآن من الأدب التجرد من الرجولة؛ فالعاطفة هي تدفُّق الشعور بما يفوق الموقف، فتمرُّ من الشيء كالرغبة الفرويدية لتلتفَّ على نفسها وتعود إلى الذات من جديد؛ أما الخير في المقابل فهو شعور مُتناسِب مع الشيء. يوضِّح هتشسون هذه النقطة عندما يتحدَّث في كتابه «بحث حول أصل أفكارنا عن الفضيلة والخير الأخلاقي» عن أننا لا نحبُّ بسبب أن ذلك يَسُرُّنا أو ينفعنا، بل لأن شعورنا ينبع من «الشيء المناسِب» له.
لقد هنأ جوشوا رينولدز أوليفر جولدسميث على «الشعور بدقة»، وصحيح أن جولدسميث نفسه — وهو من أنصار مذهب الخير لا المذهب العاطفي — وجد شيئًا تَنظيريًّا مُزعجًا عند المفتتنين بالشعور الذي أحاط به، فوَحْدَهُ الإنسان الذي استمد أفكاره من الكتب — كما رأى — «يأتي إلى العالم وقلُبه يَرِقُّ لكل مِحنة مُتصوَّرة.»36 وعادةً ما يرى جولدسميث — وهو نفسه مهاجِر أيرلندي — العاطفة باعتبارها نوعًا من الاستبداد «الاستعماري»: فهناك سمة تسلُّطية خفية في الكرم الجامح الذي هو طريقة ماهِرة لتحميل الآخرين بالجميل، فهو كما يرى صورة محرَّفة من الأنانية التي فيها ما يبدو أنك تمنحه لغيرك يُقدَّم خلسة لنفسك؛ فالسَّخاء — عندما يزيد عن الحد — يَعتبِر الآخرين مجرد أشياءَ ملائمة، كما يتَّضح من خلال مسرحية «تيمون الأثيني»، فهو يسلب من الآخرين غنيمة عاطفية ليُشْبِعَ نَهَمَهُ الشَّرِه. اعتبر جولدسميث — بصفتِه أحد أنصار حزب المحافظين المعروفين — أن الوفرة كالواردات الأجنبية التي تُضعف الاقتصاد المحلي. وبالمثل، لا يَنبغي لإنجلترا أن تَستنزف اقتصادها العاطفي باستيراد البضائع العاطفية من الفرنسيين. ورغم أنه كان من مؤيدي حزب المحافظين؛ فقد اتَّفقَت نظريته عن الأصول التاريخية للوفرة على نحو مميَّز مع نظرية المادية التاريخية.37
وفي مقال بعنوان «العدل والجود» يصرُّ جولدسميث على أن الجود الحقيقي ليس مجرد نزوة من الشعور الجيد بل واجبًا يَحمل في طياته صرامة القانون بكاملها، فهو قانون يفرضه علينا العقل «الذي ينبغي أن يكون القانون الحاكم للكائن المفكر.»38 إن اللغة الكانطية كاشفة؛ إذ يريد جولدسميث أن يهدم التناقض بين الحب والقانون بتحويل الأول إلى التزام، وهو في هذا يتفق مع العهد الجديد الذي فيه الحب أمرٌ لا اختيار؛ فالحب في العقيدة المسيحية اليهودية لا علاقة له بشعور الآخر، فإن اعتمدت على عواطفك فسيؤدِّي ذلك بك إلى عدم الرحمة إلا مع الذين يتصادَف أنك تهتم لأجلهم أو فقط عندما تشعر برغبة في ذلك. إن الأخلاق المسيحية اليهودية التي قد يكون المحبوب فيها غريبًا أو عدوًّا من هذا المنظور ليست — كما سنرى — ذات طبيعة خيالية؛ فالخصومة المتأصلة في العهد الجديد تجاه العائلة تتوافَق مع انحيازه المضاد للنظام الخيالي. وهذا لا شك أحد أسباب النجاح الساحق لرواية دان براون «شفرة دافنشي»، وهي تُحفة أدبية لعينة الأسلوب يتزوَّج المسيح فيها مريم المجدلية ويُنجِب طفلًا. إن نظرة العهد الجديد الفضفاضة تمامًا تجاه الجنس — بما يتعارَض مع رُؤى معظم الوَرِعين المتمسكين به على مر العصور — فاضحة بكل وضوح في نظر عصر ما بعد الحداثة المهووس بالجنس. وعليه، كان من الواجب إدخال سرد جنسي مثير في النص، إن أُريد له أن يحظى بأقل درجات الاهتمام المعاصر.
يأمل أنصار مذهب الخير ألا يستمروا في شعورهم بعدم الارتياح للشفقة بسبب الذهاب لمساعدة الضحية التي سبَّبت هذا الشعور، أما العاطفيون فهم أقل تطلعًا للتخلِّي عن أحاسيسهم السادية المازوخية المريحة من خلال تضميد جروح الآخرين. يُشير شافتسبري إلى أن الشفقة المفْرِطة قد تمنعنا فعلًا من مساعدة الآخر؛39 إذ يرى أنه من المُمكن الإفراط في الحب، أو الحب الجنوني، وهو مفهوم كان سيراه ريتشارد ستيل فظًّا بلا شك. ويكتب الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد فورديس عن أن العاطفي يجد «نوعًا من الألم اللذيذ» في بؤس الإنسان، ألم يتحول إلى «سرور ورضًا عن الذات».40 فكما لا يُرجى من الرغبة في وضع نظرية نفسية تحليلية سوى الاستمرار في الرغبة، فإن أكثر ما يشعر به العاطفي هو الحاجة للشعور. وقد اعتبر بعض المحسنين المعاصِرين أن الفقر والتعاسَة والفروق الطبقية وما شابه هي فرص نزلت من السماء لممارسة الإحسان؛ فالشفقة والمواساة هما دائمًا استجابتان لاحقتان تُشيران إلى أن الفاجعة قد وقعت فعلًا. وهذا بلا شك مكمَن القوة السياسية لبيت ويليام بليك الشعري العاطفي بالغ الافتعال «ذرف الدموع لرؤية دموع طفل» في مجموعته الشعرية «أغاني التجربة». فالعالم ثابت، وحريتنا تَكمُن فقط في الاستجابة السلبية لجوانبه الغير المتغيِّرة. أما عند فلاسفة الحس الأخلاقي الذين يَرون أن التعاطف شيء لا إرادي، فحتى استجابتنا لبؤس الإنسان ليست اختيارية.
في غالب الأمر، يتعلَّق الخير بالضحك بينما تتعلَّق العاطفة بالبكاء، فالعاطفة هي في الحقيقة تعاطف الشخص مع فعل التعاطُف لديه، وهي علاقة آكلة لِذاتِها، يُختزل فيها العالم إلى كمية كبيرة من المادة الخام لشهوة الإحساس لدى الفرد، أو إلى مناسبات عديدة لإظهار سماحة الفرد الأخلاقية. ولذلك يُمكنك أن تستبدل الأشياء التي تتعلَّق بعواطفك من لحظة لأخرى مع الالتفات بالكاد لقيمتها؛ فهي نوعية الشعور الملائمة لغير الغارقين في العاطفة في الحياة اليومية؛ ومِن ثَمَّ لا يسعهم إلا تقديم صورة مسرحية مبالغ فيها منها في المواقف النادرة التي تستدعي إظهارهم إياها. وهذا لا شك أحد الأسباب وراءَ نشيج الساسة الأمريكيين لا إراديًّا على الملأ؛ فالعاطفي يتباهى بمشاعره الجذابة مثل غيرها من الأشياء التي يمتلكها؛ فهي مثل دخله السنوي أو أطيانه جزء مما يؤَمِّن له نافذة على المجتمع الراقي. ويُشير جون مولان ببراعة إلى أن «حِدَّة أي تجرِبة شعورية خاصة كانت بديلًا (في القرن الثامن عشر) لمشاعر التعاطُف الشائعة والسائدة.»41
وكما الطفل في طور المرآة يَختال بانعكاس صورته المثالي، يَنخدِع العاطفي في صورة مفخَّمة لنفسه في ذهابه لمساعدة شخص آخر، فالآخر ما هو إلا مرآة لسروره الذاتي؛ فشخصية يوريك في رواية ستيرن «رحلة عاطفية» — بعبارة بايرون عن كيتس — يستثير خياله على الدوام مُتصوِّرًا مواقف أليمة ليتلذَّذ بنشوة الشفقة. وفي الوقت الذي لا يرى فيه أنصار مذهب الخير سوى الشيء الذي يَستهدِفه إحسانهم، فإن العاطفيِّين ينظرون في فعلهم على استحياءٍ إلى استجابة الآخرين التي تنم عن الإعجاب بهم، فهم رجال ذَوُو ثروة عاطفية كبيرة يَستثمِرون مشاعرهم النبيلة آملين، كالمضارب في سوق المال، في الحصول على عائد سَخِيٍّ.42 وهم من هذا المنطلق يُشبهون النرجسيين في الوقت المعاصر — الموجودين في الغالب في الولايات المتحدة — الذين يتعاملون مع أجسادهم بكل اليقظة والحرص، كمن تحمل معها تحفة تبلغ من القيمة وإثارة الاشمئزاز والهشاشة ما لا يمكن وصفه. ويُذَكِّر هذا بشخصية ديكنز المنافقة: السيد بيكسنيف الذي يدفئ يديه بالنار بنفس الحرص كما لو كانت يَدَيْ شخص آخر؛ فالنرجسية — كالنظام الخيالي — تتضمَّن معاملة النفس كمعاملة الآخر، وكذلك معاملة الآخر كمعاملة النفس.

هوامش

(1) I have written more fully on this subject in The Rape of Clarissa (Oxford, 1982), and in ‘The Good-Natured Gael’, Ch. 3 of my Crazy John and the Bishop (Cork, 1998). I have reused some of the latter material in somewhat altered form for the present chapter.
(2) Quoted by G. J. Barker-Benfield, The Culture of Sensibility (Chicago and London, 1992), p. 2.
(3) Lady Morgan, Memoirs (London, 1862), vol. 1, p. 431.
(4) See John Mullan, Sentiment and Sociability: The Language of Feeling in the Eighteenth Century (Oxford, 1988), Ch. 5.
(5) Richard Steele, The Christian Hero (Oxford, 1932), p. 77. Steele is said to have written this tract while on guard duty at the Tower of London.
(6) Joseph Butler, Sermons, in L. A. Selby-Bigge (ed.), British Moralists (New York, 1965), vol. 1, pp. 203-4.
(7) Aristotle, Ethics (Harmondsworth, 1986), p. 295.
(8) See R. F. Brissenden, Virtue in Distress: Studies in the Novel of Sentiment from Richardson to Sade (London, 1974).
(9) Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments, in Selby-Bigge, British Moralists, vol. 1, p. 279.
(10) Francis Hutcheson, An Inquiry Concerning Moral Good and Evil, in Selby-Bigge, British Moralists, vol. 1, p. 17.
(11) Raymond Williams, Modern Tragedy (London, 1966), p. 92.
(12) Quoted in Albert O. Hirschman, The Passions and the Interests (Princeton, NJ, 1977), p. 37.
(13) Quoted in ibid., p. 90.
(14) See Lawrence Stone, The Family, Sex and Marriage in England 1500–1800 (Harmondsworth, 1979), Ch. 5; but also the challenge to Stone’s main thesis in Ruth Perry, Novel Relations (Cambridge, 2004); Philippe Ariès, Centuries of Childhood (London, 1962), especially Part 3; Jean H. Hagstrum, Sex and Sensibility: Ideal and Erotic Love from Milton to Mozart (Chicago and London, 1980); David Marshall, The Surprising Effects of Sympathy (Chicago and London, 1988) and Markman Ellis, The Politics of Sensibility (Cambridge, 1996). See also Terry Eagleton, The Function of Criticism (London, 1984) and The Ideology of the Aesthetic (Oxford, 1990), Chs 1 & 2.
(15) Adam Ferguson, An Essay on the History of Civil Society (Dublin, 1767), p. 53.
(16) See Eagleton, Function of Criticism, Ch. 1.
(17) Selby-Bigge, British Moralists, p. 148.
(18) See Terry Eagleton, The English Novel: An Introduction (Oxford, 2005), Ch. 5.
(19) Henry Brooke, The Fool of Quality (London, 1765–70), vol. 1, p. 41.
(20) The classic account is J. G. A. Pocock, Virtue, Commerce, and History (Cambridge, 1995).
(21) Janet Todd, Sensibility: An Introduction (London and New York, 1986), p. 97. Todd’s claim is perhaps a little unnuanced.
(22) See Alasdair MacIntyre, After Virtue (London, 1981).
(23) J. M. Bernstein, Adorno: Disenchantment and Ethics (Cambridge, 2001), p. 83.
(24) Francis Hutcheson, Illustrations on the Moral Sense (Cambridge, MA, 1971), p. 129.
(25) David Hume, An Enquiry into the Principles of Morals (Oxford, 1998), p. 45.
(26) Some excellent historical reasons why it is impossible to say why are provided by MacIntyre, After Virtue.
(27) Quoted by Ann Jessie Van Sant, Eighteenth-Century Sensibility and the Novel (Cambridge, 1993), p. 6.
(28) Alexander Dru (ed.), The Journals of Søren Kierkegaard: A Selection (London, 1938), p. 385.
(29) See Arthur Friedman (ed.), Collected Works of Oliver Goldsmith (Oxford, 1966), vol. 1, p. 28.
(30) Quoted by Arthur Hill Cash, Sterne’s Comedy of Moral Sentiments (Pittsburgh, 1966), p. 55.
(31) C. S. Peirce, Collected Papers (Cambridge, MA, 1931–58), vol. 7, p. 329.
(32) Thomas Hobbes, English Works (London, 1890), vol. 4, p. 44.
(33) Amartya Sen, ‘Rational Fools: A Critique of the Behavioural Foundations of Economic Theory’, Philosophy and Public Affairs, 6, 1977.
(34) Sterne, however, is an ambiguous case, as a satirist of sentimentalism as well as a probable champion of it.
(35) See Raze Blanchard (ed.), The Correspondence of Richard Steele (Oxford, 1941).
(36) Friedman, Collected Works of Oliver Goldsmith, vol. 1, p. 408.
(37) Goldsmith argues in The Citizen of the World that for science to flourish, a country must first become populous, developing its productive forces by what Marx will later term the division of labour. ‘The inhabitant’, he writes, ‘must go through the different stages of hunter, shepherd, and husbandman, then when property becomes valuable, and consequently gives cause for injustice; then when laws are appointed to repress injury, and secure possession, when men by the sanction of these laws, become possessed of superfluity, when luxury is thus introduced and demands its continual supply, then it is that the sciences becomes necessary and useful; the state then cannot subsist without them …’ (Friedman, Collected Works of Oliver Goldsmith, vol. 2, p. 338).
(38) Ibid., p. 406.
(39) Shaftesbury, An Inquiry Concerning Virtue or Merit, in Selby-Bigge, British Moralists, p. 11.
(40) See Markman Ellis, The Politics of Sensibility, p. 6.
(41) Mullan, Sentiment and Sociability, p. 146.
(42) Sterne’s A Sentimental Journey consciously uses balance-of-payments imagery about emotions.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤