كلمة الطبعة الإلكترونية من ترجمة الكلاسيكيات الصينية إلى العربية

يُسعدني ويُشرِّفني أن تَصدر الطبعة الإلكترونية من عيون التراث الصيني، التي ترجمتُها إلى العربية، عن مؤسسة هنداوي للنشر؛ لأسبابٍ كثيرة، منها أن اللغة العربية كانت وسيطًا للتعريف بالصين على مستوًى عالمي، في فترةٍ مهمة من تاريخ الحضارة العربية، إبَّان عصورٍ مضت، وقد جاء الوقت المناسب لمُواصلة هذا الدور في عصرٍ حاضر، خصوصًا عن طريق مؤسسةٍ تُتيح تقديم النصوص المترجمة إلى القارئ باللغة العربية عبر وسيلةٍ إلكترونية أكثر حداثةً وانتشارًا؛ ومنها أيضًا أن المطبعة العربية الورقية، على مدى تاريخها، كانت مُخلِصة لجهود الكتابة عن الصين، في مدونات الرحَّالة والجغرافيين، لكنها تأخرت طويلًا في الترجمة عن الصين، وقد حانت فرصةُ تَدارُك ما فاتها، عبر وسيلتَين متوازيتَين، هما: تلبية حاجة المكتبة العربية إلى هذه الترجمة التي تَركَّزت على مصادر الفكر والإبداع الصيني القديم، وتَجاوُز حدود النشر الورقي بالتطور إلى آفاقٍ إلكترونية، وصولًا إلى ساحة اطِّلاعٍ أكبر وتعويضًا عمَّا فات المكتبةَ العربيةَ ترجمتُه من الكلاسيكيات الصينية. وفي تقديري أن قراءة مصادر الفكر الصيني في مدارسه الأساسية؛ الكونفوشية والطاوية والموهية والتشريعية … إلخ، يمكن أن تُفيد، على نحوٍ ما، في التعريف بالشخصية الثقافية والحضارية للصين، وفي دعم جسور الاتصال التاريخي معها، فضلًا عن شيءٍ آخَر أظنُّه من ضمن واجبات أو مسئوليات النشاط الترجمي في الحضارات العريقة، ومنها مصر، وهو الحفاظ على الذاكرة الثقافية للحضارات الإنسانية الكبرى، وهو مجهود يتجاوز حدودَ أي فردٍ مهما حاول ومهما ادَّعى من إجادةٍ أو إتقانٍ في أدوات النقل بواسطة الترجمة، وبالمناسبة فربما يلزم هنا التنويه، أو الاعتراف، بأن ما قمتُ به من ترجمةٍ لأهم كتب التراث الصيني، مثل: كتاب الحوار، والطاو، وسياسات الدول المتحاربة، وكتاب الأغاني (أو الشعر القديم)، وفن الحرب، وغيرها؛ كان يهدف إلى تعريف القارئ العام بمحتوى هذه النصوص، وذلك حين تَبنَّت صحيفة «أخبار الأدب» (دار أخبار اليوم) هذا المشروعَ ودعمَته، منذ اللحظة الأولى؛ ومن هنا فقد رُوعي في مستوى الترجمة البساطةَ والوضوح والسهولة، قدر الإمكان، دون الغوص فيما تستوجبه ضروراتُ النقل الأكاديمي المتخصِّص، أو التحقيقُ العلمي الدقيق لنصوصٍ شكَّلت الخصائصَ الذهنية لمنطقةٍ ممتدة في شرق آسيا، أوسع كثيرًا من حدود الصين الجغرافية، لتشمل اليابان وكوريا وفيتنام، بل ربما ما هو أبعد من ذلك. ولعلَّ هذا هو الدافع الأساسي الذي شجَّعني على التعاون مع مؤسسة هنداوي؛ ذلك أن مساحة النشر الإلكتروني بمداها الواسع وآفاقها الرحيبة، يمكن أن تُسهِم في تحقيق الهدف الأصلي لترجمة هذه النصوص. مع تحياتي وتقديري للقارئ وللمؤسسة، معًا!

محسن فرجاني
القاهرة، في يناير ٢٠٢٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤