تمهيد

نحو سينما مقارنة

باستثناء مجموعة قليلة من أفلامها التي تقترب من الأربعة آلاف وخمسمائة فيلم، سنجد أن أغلب أفلام السينما المصرية مستوردٌ من الخارج، إما تأثرًا بموجاتٍ عالمية تلقى ذيوعًا في مرحلةٍ معينة، أو بالاقتباس المباشر من أفلامٍ أو رواياتٍ أدبية أو مسرحيات. وبمثل هذا التأثير البين في السينما المصرية يتضح مدى أهمية الدراسات المقارنة، أو ما يمكن تسميته تجاوزًا بالسينما المقارنة.

وتدرس السينما المقارنة في أبسط صورها العلاقة بين الكلمة المكتوبة في النص الأدبي وبين الصورة الفيلمية، فالصورة هي في الأساس كلمة مسطورة، ومصورة بطريقةٍ يمكن للعين أن تراها بعد أن تخلطها، وإذا كانت للكلمة مفرداتها التعبيرية التي تميزها عن الصورة، وأنها كثيرًا ما يصعب تجسيدها، فإن الصورة من ناحيةٍ أخرى، يصعب وصفها بالكلمة بنفس الدقة مهما بلغت دقة التعبير أو بلاغة الكاتب، ومن ذلك تتضح أهمية الربط بين الكلمة والصورة كلغة تعبير، خاصة في العلاقة المقارنة بينهما. والكلمة هي الأسبق، وفي البدء كانت الكلمة، ثم جاءت الصورة تحاول تجسيد هذه الكلمة، أو تحاول أن تخلق تعبيرًا مختلفًا وإن كانت له صلة بها من قريبٍ أو بعيد.

ولا ينكر أحدٌ أن الأدب ساعد على إثراء الحركة السينمائية في شتى أنحاء العالم، وأن السينما قدمت الكثير من أعمالها من الكلمة مكتوبة سواء في شكلٍ روائي أو مسرحي أو أقصوصة أو حدث منشور في جريدة أو مجلة، وسوف تستمد السينما من الأدب، ما بقيت السينما، وما بقي الأدب، وسوف تظل الكاميرا أسيرة للكلمة المكتوبة أمدًا طويلًا إلى أن يطرأ تغييرٌ شامل على فن السينما، وتتغير بالتالي طبيعة ونوعية هذا الفن، الذي اعتدنا عليه طوال عمر السينما، وإلى أن يحدث هذا الأمر، فستظل السينما ملتصقة بالأدب التصاقًا وثيقًا، تنهل منه وتعتمد عليه وترتبط به، مما يزيد من أهمية الدراسات المقارنة.

يحمل الفيلم في أغلب الأحيان رؤية مختلفة عن النص المأخوذ عنه مهما التزم بروح النص الروائي، ويصبح الفيلم مصبوغًا برؤية المخرج مهما كانت درجة إعجابه بالنص، وبالتالي فإنه يغير من شخصيات ومواقف وأحداث وأفكار، يضيف ويحذف، يختصر ويسهب كما يشاء … وهذا من حقه لأنه فنانٌ ومبدع وله رؤيته التي لا بد أن يكشفها في العمل الذي يتناوله.

يتضح من هذا الأمر أن اختلاف المعالجة أمرٌ وارد، والطريف أن هذا الاختلاف يحدث عند الفنان الواحد في مراحل متباينة من حياته زمانيًّا ومكانيًّا، فقد يتناول مخرجٌ إحدى الروايات في فترةٍ من حياته بطريقةٍ ما، ثم يعود ليتناول نفس العمل بصورةٍ مختلفة في فترةٍ أخرى … بدا هذا الأمر واضحًا فيما يسمى بظاهرة إعادة إخراج أفلام قديمة remake سواء في السينما المصرية أو العالمية. كما أن المخرج نفسه تحت نظامين سياسيين متباينين، قد تختلف رؤية وفكرة كل منهما مهما بلغت قدرته التعبيرية.

وتختلف أشكال المعالجة فيما يتعلق بعلاقة الفيلم بالنص الأساسي، فقد يؤخذ الفيلم مباشرة من عملٍ أدبي مكتوب، ويحاول المخرج أو كاتب السيناريو أن يلتزم التزامًا حرفيًّا بنص الرواية، سواء في تركيب الشخصيات أو الحوار الذي تتبادله أو في الأحداث، وقد يحدث تعديلٌ في الرواية وشخصياتها، وهذا من أكثر المعالجات شيوعًا في السينما المقتبسة من أصلٍ أدبي على المستوى المحلي أو العالمي؛ لأننا لم نجد فيلمًا واحدًا طابق الأصل مطابقة أشبه بتطابق المثلثات في علم الهندسة، فكثيرًا ما يصعب على الفنان الالتزام كاملًا بالنص؛ إما لأن الأصل بالغ الضخامة، أو مليء بالتغريب؛ أو أنه قصةٌ قصيرة يجب تطويلها؛ أو لأسبابٍ أخرى عديدة تقع بين هذا وذاك.

ويدخل ضمن الرؤية السينمائية أيضًا تناول عمل ما بوجهة نظر معاصرة، وتلوين أحداث الماضي بمعاصرة، وإضافة العديد من الظروف والملابسات الاجتماعية التي يعيشها المخرج في مجتمعه؛ مثل ما فعل فيلليني في فيلمه «ساتير كون»، حينما تناول رواية قديمة ترجع إلى العصر الروماني للشاعر بترويني، وأضاف إليها أحداثًا غير موجودة في الرواية يمكنها أن تعكس مرآة حضارة القرن العشرين، ومثل ما فعلت السينما في إسبانيا والولايات المتحدة وروسيا، حينما تناولت شخصية وحياة الفنان «جويا» بوجهات نظر متباينة رغم وحدة الشخصية.

وإذا تناولنا علاقة السينما بالأدب، فسوف نجد أن فنون السينما في أغلب أنحاء العالم تهتم بعامل الحدوتة في المقام الأول؛ لذا فهي تسعى إلى اختيار الأدب ذي الحكايات المثيرة للعواطف الجياشة، مثل حكاية (آنا كارنينا) التي استهلكتها السينما أكثر من أربع عشرة مرةً، ورواية «غادة الكاميليا» المليئة بالأحزان والخطايا البريئة، هذه الرواية أصبحت الطفل المدلل لدى الكثير من مخرجي السينما في شتى أنحاء العالم، لدرجة أنها ظهرت في مصر وحدها ست مرات بين عامي ١٩٣٥م و١٩٨٥م، وكذا ثلاثية «فاني» للكاتب الفرنسي مارسيل بانيول. وسوف نرى أن السينما في شتى أنحاء العالم تأخذ من الآداب ما يتفق مع وجهات نظرها وأيديولوجيتها، بمعنى أن السينما الأمريكية تسعى إلى تقديم الأدب الروسي الذي يتفق مع وجهة نظرها، فهي تتجاهل روايات مكسيم جورجي وشولوخوف وإيليا أهرنبرنج، بينما تحشد إمكانات هائلة لتقديم رواية «دكتور زيفاجو» التي تهاجم الثورة البلشفية، كما أن السينما المصرية بدت شغوفة بالحكايات المأساوية التي قدمها تولستوي وفيودور دوستويفسكي.

figure
د. زيفاجو ١٨٩٩م.

بينما ابتعدت تمامًا عن الأدب السوفييتي المكتوب طوال السبعين عامًا من عمر الشيوعية التي انتهت عام ١٩٩٠م بتفكك الاتحاد السوفييتي.

وهناك أدب ما مدلل إلى حدٍّ كبير لدى السينمائيين في شتى أنحاء العالم، مهما اختلفت وجهات النظر والأيديولوجيات؛ فويليام شكسبير هو المواطن السينمائي العالمي الأول بمسرحياته الخالدة، ودوستويفسكي هو خليفته، ثم تولستوي وإميل زولا وألكسندر دوماس. أما أدباء القرن العشرين فهم أقل حظًّا من أساتذتهم السابقين.

ولا نريد أن نطيل في الحديث حول هذه النقطة، ولكنا نود أن نؤكد أن السينما المقارنة حقيقة واقعة، مما يستلزم وجوب دراسة هذه السينما ومدى التأثير داخل اتجاهاتها ومدارسها المتباينة، وخاصة أن السينما بدأت تنسلخ، في بعض مدارسها، عن الكلمة المكتوبة في نصوصٍ أدبية. وظهر ما يسمى بالإبداع السينمائي المستقل، مع ظهور جيل من كتَّاب السيناريو الذين يؤلفون مباشرة للسينما، وظهور جيل من المخرجين يكتبون نصوص أفلامهم، بل واشتراك أكثر من كاتب سيناريو في إعداد النص المكتوب لفيلمٍ واحد. وقد نتج عن هذا أن السينما أصبحت تقتبس من نفسها؛ بمعنى أن تقتبس الأفلام من أفلامٍ أخرى، مثل إعادة إنتاج الفيلم مرة أخرى بعد سنواتٍ من إنتاجه، أو إنتاج أجزاء مكملة لأفلامٍ لاقت نجاحًا. وقد تضخمت كل هذه الظواهر في السينما العالمية — خاصة الأمريكية — في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت منكمشة لحدٍّ يصعب ملاحظته، وقد انتقلت هذه الظواهر من الولايات المتحدة إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا … ومصر.

وظاهرة اقتباس أفلام السينما موجودة في كل أنحاء العالم، حتى في السينما الأمريكية نفسها، فقد اقتبس صناع أفلام الوسترن فيلمين من إخراج المخرج الياباني أكيرا كيروساوا؛ الأول: هو «الساموراي السبعة» الذي تحول في أمريكا إلى «العظماء السبعة» عام ١٩٥٩م، ثم أُنتج في مصر تحت عنوان «شمس الزناتي» ١٩٩٢م.

figure
الساموراي السبعة.
والثاني: فيلم «الإهانة» لمارتن ربت المقتبس عن فيلم «راشومون» … وفي الثمانينيات والتسعينيات نُقلت أفلام فرنسية بعينها إلى السينما الأمريكية مثل: «على آخر نفس» لجوادر، و«ثلاثة رجال ومهد» 3 Hommes et un coffin لكولين سيرو، و«الشيطانتان» Diabolique، الذي قامت ببطولته إيزابيل أدجاني وشارون ستون ١٩٩٦م. وقد شاهدنا هذه الظاهرة في بلدانٍ أخرى عديدة، فقد اقتبست المخرجة الكندية آن كلير فيلمها «الموت في قمة الرأس» عام ١٩٨٠م عن فيلم «الحب المغتصب» للمخرجة بانيك بيللون الذي أخرجته عام ١٩٧٧م. أما المخرجة المجرية مارتا ميساروش فقد اقتبست فيلم «تسعة أشهر» عن فيلمٍ كتبته كولين سيرو تحت عنوان «خداع قصص حب» عام ١٩٧٣م، وهو الفيلم الذي أخرجه الأمريكيون عام ١٩٩٥م.
figure
وقد اصطُلح على تسمية هذه الظواهر وغيرها بالاقتباس adaptation، وهي كلمة تعددت استخداماتها؛ فهي تعني تناول معالجة سينمائية عن رواية حتى وإن قام المؤلف نفسه بإخراجها، وتعني الاستيلاء على النصوص التي كتبها الآخرون ومعالجتها مرة أخرى، سواء تم ذكر اسم المصدر الأصلي أم لا.

وهناك تسمية أخرى ترجع إلى اسم البلد المقتبِس؛ كأن نقول «تمصير» أو «أمْرَكة» أو «فَرْنَسة» … ومعناه صبغ القصة الأصلية بالصِّبغة القومية، وجعْلُها تدور في أجواء أقرب إلى المجتمع الذي اقتبس هذه القصة، كأن نقول إن «العظماء السبعة» أمركة للنص الذي أخرجه كيروساوا، لكن لا يمكن أن نقول أن «الإخوة كارامازوف» الذي أخرجه ريتشارد بروكس عام ١٩٥٨م قد تمت أمركته؛ لأن المخرج قد نسب أحداث الفيلم إلى بيئتها الأصلية وهي روسيا، وحدث هذا في أفلامٍ عديدة مثل: «آنا كارنينا»، و«دكتور زيفاجو»، و«الحرب والسلام».

وإذا نظرنا إلى الأفلام المقتبسة عن كل المصادر العالمية في السينما المصرية، فسوف نجد أن السمة الأولى فيها هي «التمصير»، فكل الأفلام المصرية المقتبسة ممصرة؛ أي إنها نقلت كل البيئات إلى بيئتها هي. وكان السؤال الذي طرحه النقاد الذين تناولوا الأعمال المقتبسة هو: هل الأجواء غريبة على مجتمعنا أم قريبة منه؟ فإذا كانت غريبة فإن سكاكين الإدانة تُشهَر حادة، وإذا توافق الفيلم المقتبس مع أجواء البيئة المصرية استلم جواز مرور النجاح عند البعض. وسوف نؤكد نحن أيضًا — في بعض تناولنا — على عملية التمصير، بالوقوف عند مدى ملاءمة الفيلم المقتبَس أو الممَصَّر للمجتمع المصري، ومدى إحساس المتفرج بأنه قريبٌ منه؛ لأن هذه النقطة كانت سببًا في نجاح وفشل أفلام عديدة.

ولا يقتصر نشاط السينما المقارنة على الاقتباس، أو الرجوع فقط إلى نصوصٍ أدبية وسينمائية، ولكن يدخل فيها أيضًا انتشار موجات أو اتجاهات سينمائية في إحدى الفترات ثم انحسارها في فتراتٍ أخرى، مثل موجة الكوميديا الموسيقية في الأربعينيات والخمسينيات، ثم موجات أفلام الديسكو وأفلام الكوارث والتقمص والخيال العلمي، وقد انتقلت كل هذه الظواهر إلى خارج الولايات المتحدة، وذاقت مصر بعضًا من حلاوتها ومرارتها مع اختلاف درجة المذاق.

وإذا عدنا إلى النقطة الخاصة بأن السينما تأخذ من الأدب المكتوب عامل الحدوتة الجذابة المثيرة للانتباه والعواطف، فسوف نجد أن السينما التجارية اهتمت في كل الأحيان بالحدوتة، ونحن لا يمكن أن نهمل بعض الاتجاهات التي احتقرت الحدوتة وعاملتها بازدراء، خاصة تلاميذ الموجة الجديدة في فرنسا والمجر، ولكن المتعارف عليه حتى الآن أن السينما حدوتة مصاغة جيدًا برؤيةٍ خاصة لمخرجها؛ لذا فإن أغلب السينما قد فشلت في نقل الأدب بصورةٍ تجعل من فيلمٍ ما عملًا له نفس الأهمية الفنية التي تتسم بها الرواية. وهذا يخص الأدب الجيد في المقام الأول، فمسرحيات شكسبير في قراءة نصوصها متعة لا نجدها في الأفلام المأخوذة عنها؛ حتى لو أخرجها الروسي كوزنتزوف، أو الإنجليزي لورانس أوليفيه أو الياباني أكيرا كيروساوا، إذا احتفظوا بكل عبارةٍ نطق بها أبطال الشاعر العظيم، وهنا تكون أعمال شكسبير قبل أن تكون أعمالهم.

وإذا كانت لشكسبير لغته الأدبية المميزة، فإن هذا الرأي يعضده أيضًا فشل نقل الأعمال الهامة لويليام فوكنر، وألبير كامو، ومارسيل بروست، وتوماس مان وجيمس جويس إلى الشاشة. ولذا فقد أحس كتَّاب اللارواية antiroman بمدى عجز السينما عن تصوير أعمالهم، فقام بعضهم بإخراج كتاباتهم على الشاشة؛ مثل ما فعل الآن روب جرييه ومرجريت دوراس. وإذا نظرنا إلى الأفلام التي أُخرجت عن رواياتٍ عظيمة فسوف نرثي لفن السينما رغم أنه كسب الجولة … رغم أن أسماء سينمائية هامة هي التي حملت على نفسها تقديم هذه الروايات مثل «الصخب والعنف» التي أخرجها مارتن ريت، و«الجبل السحري» لتوماس مان إخراج فولكر شولندرف، و«الغريب» لألبير كامو التي أخرجها لوكينو فيسكونتي.

وفي الوقت نفسه فإننا لا يمكن أن ننكر أن السينما قدمت الكثير من الأعمال الأدبية المحدودة القيمة الفنية، فأضفت عليها قيمةً وأكسبتها أهمية وشهرة، والنماذج لا تُعد ولا تُحصى في هذا المضمار، لكن من أشهرها «ابن حور»، و«سبارتاكوس»، و«البرتقالة الآلية»، و«الأب الروحي»، و«اللون القرمزي»، و«إمبراطورية الشمس»، و«فورست جامب».

والسينما المقارنة صعبة التناول، وهي تتطلب من الباحث العديد من أدوات المعرفة، فهذا الباحث يجب أن يكون ملمًّا بالاتجاهات والمدارس الفنية والأدبية والسينمائية، وأن يكون مشاهدًا جيدًا للسينما، ومتفرجًا على كل النوعيات جيدها ورديئها، وأن يكون ملمًّا بالاتجاهات والمدارس الفنية والأدبية والسينمائية، وأن يكون على درايةٍ تامة باتجاهات النقد والبحث في الأدب والسينما، وقد يصعب عليه أن يحصل على مجموعة النصوص التي تناقش عملًا يهمه تناوله في أوقاتٍ متقاربة. فالسينما المقارنة تستلزم توفر أرشيف متخصص للمعلومات بجانب وجود «سينماتيك» متكامل. ولذا فسوف يجد الباحث المقارن العديد من الصعوبات التي قابلناها ونحن نُعِد هذا الكتاب، فقد تفنن كتَّاب السيناريو في إخفاء مصادر أفلامهم، ونسبوا تأليف بعض أفلامهم إلى أنفسهم، وخاصة أن هؤلاء الكتَّاب قد قاموا بالتفتيش عن مصادر أفلامهم في كل مكان، سواء في الذاكرة، أو في قصص الأفلام المنشورة في المجلات المصورة، أو في شرائط الفيديو أو الأفلام السينمائية التي يعرضها التليفزيون بصفةٍ مستمرة. ولذا فعلى الباحث أن يتقصى مصادر الأفلام مثل ما يفعل مخبر الشرطة، خاصة أن بعض هذه المصادر غير معروفة ومتنوعة القوميات، فقد جاءت من الرواية والمسرحية والقصة القصيرة والخبر الصحفي، ومن الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وروسيا والسويد وتركيا وإسبانيا، وبالتالي فإننا لم نستطع التوصل — خلال خمسة عشر عامًا من البحث — إلى كل الأفلام الممصرة ولا المصادر المأخوذة عنها؛ لتشتت هذه المصادر، ولعمليات التمويه الشديدة على مصادر الأفلام. بالإضافة إلى أن بعض كتَّاب السيناريو يتصورون أن عملية التمصير نفسها بمثابة إبداع، وكثيرًا ما تجد كاتب السيناريو ينكر قيامه بالاقتباس، مُدعيًا أن الحواديت الدرامية لا تخرج في أي مكانٍ بالعالم عن ٣٥ موضوعًا؛ ولذا يجب أن يحدث التشابه بين الموضوعات. ومع هذا فإننا نجد هذا الكاتب لا يقتبس الحدوتة وحدها، بل الحوار والمشاهد بأكملها.

ووجود مثل هذه المشاكل يمكن أن يعطي للقارئ مدى الصعوبة في وضع كتاب مثل هذا، خاصة أنه بعد نشره يمكن أن يواجه العديد من المشاكل والمتاعب، فكم وقف مخرجون وكتَّاب سيناريو ضدي لأنني باختصارٍ كشفت عوراتهم، وكم أبعدني البعض عن أنشطة كان المفروض أن أعمل بها لأنني ذكرت في الطبعات السابقة مصادر الأفلام؛ بمعنى أنني في هذا الكتاب رددت بصوتٍ علني، وقد لاحقتني لعناتهم حتى الآن، وقال واحدٌ منهم إنني كشفت كم بلغت لصوصية كتَّاب الأفلام المصرية وصنَّاعها، ولا أعرف لماذا لم أتوقف عن هذا الهوس الذي أعياني كثيرًا، وتحول إلى وسوسةٍ حقيقية، وأعترف أنني حذفت أفلامًا قليلة للغاية من القائمة بعد أن اكتشفت خطئي؛ مثل ادعاء أن فيلم «النمر الأسود» مأخوذٌ عن الفيلم الأمريكي «البطل» الذي قام ببطولته كيرك دوجلاس ١٩٥٠م، وكانت القصتان متشابهتين للغاية، لكنها قصةُ شخصيةٍ مصريةٍ التقيت بصاحبها فعلًا في بيتي قبل وفاته بسنوات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤