الفصل الرابع عشر

تغطية الأزمات الإنسانية

بيتر آبس

تمهيد
جون أوين

لقد كرَّسنا فصلنا الأخير لتغطية الكوارث الإنسانية حول العالم. اسأل المراسلين الأجانب أو طواقم الشبكات الإخبارية حول أفظع الوقائع التي نقلوها على الإطلاق، وغالبًا ما سيتذكرون المشاهد التي لا تُمحى لضحايا الزلازل أو الانهيارات الأرضية. هناك فارق كبير بين التأريخ للحروب والصراعات، حيث تستعصي وحشية الإنسان تجاه أخيه الإنسان على الفهم، وبين معاينة ما يمكن أن تفعله قوى الطبيعة من تدمير مجتمعات على نطاق لا يمكن تخيُّله والتسبب في معاناة لا تُحتمل للمسنين والضعفاء، وهو ما يحدث عادةً في بلدان العالم النامي التي ترزح بالفعل تحت وطأة الفقر والعوز.

بينما أمهِّد لهذا الفصل، تشهد واحدة من أفقر بلدان العالم، ألا وهي بنجلاديش، أحدث أزماتها الإنسانية الناجمة عن الفيضان والإعصار؛ إذ تسبَّب كلاهما في مصرع حوالي ٣٥٠٠ شخص وتشريد الملايين.

توجد تلك المعلومات المروِّعة على صفحة أليرتنت الخاص بمؤسسة رويترز (http://www.alertnet.org)، والتي تعد أشمل الخدمات المعنية بتقصي الأزمات الإنسانية حول العالم.

تعرِض خدمة أليرتنت، إلى جانب آخر الأخبار الواردة عن بنجلاديش، المعلومات الدولية الخاصة بالكوارث الطبيعية وتقدم تلميحات بشأن الأزمات الوشيكة، سواءٌ أكانت على نطاق واسع أم محدود، بل يوجد بها الآن «مرصد للاحتباس الحراري»، وهو يهدف إلى تفسير العلاقة بين التغير المناخي والكوارث. يذكر هذا المرصد أن عدد الكوارث المُتعلِّقة بالطقس قد ازداد بمعامل قدره ٤ خلال العشرين عامًا الماضية (رويترز أليرتنت ٢٠٠٧).

إذًا المعلومات بشأن الكوارث الطبيعية موجودة، لكن هل ستعير وسائل الإعلام الدولية اهتمامًا لها، وهل ستبدي استعدادًا لإنفاق ميزانياتها الإخبارية المتضائلة على قصص إخبارية ضحاياها ليسوا مواطنين غربيين مترفين يمضون عطلاتهم، كما كان الحال خلال تسونامي عام ٢٠٠٤، بل ضحاياها هم ملايين المطحونين المجهولين ممن يعيشون في فقر مدقع، كما يعيش كثيرون في أفريقيا أو آسيا؟

كما ذُكِر في فصول سابقة، ستوجد وكالات الأنباء، بلا شك، بكاميراتها ومراسليها في موقع الحدث، سواءٌ بالإسراع إلى مواقع الزلازل في أجزاء نائية من العالم أم بمحاولة إيجاد وسيلة للوصول إلى منطقة تضم تقارير، عادةً ما تَرد من وكالات الإغاثة، حول تفشِّي الجوع واحتمال وقوع مجاعة.

يكتب هذا الفصلَ الأخير حول كيفية تغطية الكوارث الطبيعية مراسلٌ كان جزءًا من فريق رويترز أليرتنت، ومقره لندن، وذلك طوال العام الماضي. لم تكن هذه المهمة ضمن خطط بيتر آبس خلال هذه المرحلة من حياته المهنية.

على أيِّ حال، كان العمل مراسلًا أجنبيًّا خلال صيف عام ٢٠٠٦ هو محور حياته المهنية في رويترز. ثم أوفد إلى سريلانكا لتغطية الحرب الأهلية الشرسة التي اندلعت هناك بين الحكومة وحركة نمور التاميل منذ ١٩٨٣. خلَّفت هذه الحرب أكثر من ٧٠ ألف قتيل وكارثة إنسانية مستمرة جرَّاء تشريد حوالي نصف مليون شخص.

كان بيتر آبس يوم الخامس من سبتمبر عام ٢٠٠٦ يستقل حافلة صغيرة مستأجَرة متجهًا إلى مكان كان المتمردون يُجنِّدون فيه الجنود القُصَّر، حين وقعت كارثته الخاصة: حادث سير مروِّع بعد اصطدام حافلته بجرار. أدرك آبس على الفور أن عنقه قد انكسر؛ إذ فقد الإحساس بكل ما يقع أسفلها.

كانت نجاته معجزة، وربما ما أنقذه هو مرور فريق أمريكي لإزالة الألغام مصادفة بُعيْد وقوع الحادثة.

لكنه أصيب بالشلل من خصره إلى أخمص قدميه، وصار قعيدًا على كرسي متحرك.

ورغم ذلك، أبى التسليم بأن القدَر قد سلبه حياته بوصفه صحفيًّا. فكتب على موقع رويترز بعد الحادثة بخمسة أشهر قائلًا: «تعلَّمت قيادة الكرسي المتحرك مستعينًا برأسي» و«تعلمت الرسم حاملًا الفرشاة بأسناني» (آبس ٢٠٠٧أ).

شكل ١٤-١: بيتر آبس في مطار استوكهولم عام ٢٠٠٧ (نُشِرت الصورة بإذن من تومسون رويترز).
بعد تسعة أشهر من الحادثة، كتب بيتر يقول: «دُفِعت على كرسيِّي المتحرك نحو مكتبي الجديد في لندن لأعود إلى عملي.» لقد نجح في ذلك، لكن رحلة التعافي كانت مؤلمة، حسبما ذكر، وكثيرًا ما كان يشعر بالعزلة:

كنت رهين محبسي العصيب في المستشفى الواقع أقصى غرب لندن، بمنأًى عمن أعرفهم وليس لديَّ الكثير لأفعله، ولا حيلة لديَّ سوى التشبث بالأمل في حياة أجدى — مُدركًا تلك الحقيقة المُرَّة: ربما كنت، في بلدان كثيرة، في عداد الموتى من نقص الرعاية …

أحتاج إلى رعاية على مدار الساعة، أعجز عن إطعام نفسي أو الاغتسال بمفردي، ولا يمكنني أن أستخدم هاتفي المحمول أو أخط بيدي أيَّ ملاحظات. كان هناك القليل من المراسلين الأجانب المعاقين والمقعدين في كراسٍ متحركة، لكنهم جميعًا كان لديهم أيدٍ تتحرك إلى حدٍّ كبيرٍ وكانوا يتمتعون بمزيد من الاستقلالية. (آبس ٢٠٠٧ب)

من المذهل أن بيتر آبس، بعد أربعة عشر شهرًا من الحادثة، استقل — بدعم من مساعدَيْن — طائرة متجهًا إلى استوكهولم لتمثيل أليرتنت. ثم عاد ليعمل ما يهوى ويكون مراسلًا، ربما لم يَعُد بعدُ إلى العالم النامي، لكنه يكتب حول ما يهمه. كتب بيتر متنبئًا: «لكن بالنسبة إليَّ، سأعرف أنني قد تعافيت وعدت إلى سابق عهدي حين أجد نفسي مستقلًّا حافلة صغيرة على كرسي المتحرك، متوجهًا إلى مكان ما في العالم النامي لأتحدث إلى أولئك الذين عادةً ما يعانون التجاهل وأحاورهم بشأن المشكلات التي نادرًا ما يهتم بها العالم» (آبس ٢٠٠٧أ).

مراجع

Apps, P (2007a) Witness: Getting used to life with no working limbs. http://www.reuters.com/article/reutersEdge/idUSL0973827520070212?sp=true.
Apps P. (2007b) Witness: Still paralyzed, but back reporting overseas. http://www.reuters.com/article/businessEditorsPick/idUSL2471118920071025?pageNu mber=2&virtualBrandChannel=0.
Reuters AlertNet (2007) http://www.alertnet.org.

نحيب الأطفال، ورائحة الموت، ومبانٍ متهدمة، وناجون مصدومون. قد تبدو تغطية الكوارث الإنسانية مألوفة بالنسبة إلينا لكن تأثيرها علينا طاغٍ في الوقت نفسه.

تجلب تلك التغطية في طياتها تحدياتها المتفردة؛ التكنولوجية واللوجستية والنفسية كذلك. لكن، في الوقت نفسه، ينطبق عليها كثير من القواعد ذاتها التي تنطبق على الأشكال الأخرى من التغطيات، بدءًا من تغطية أخبار المشاهير التافهة وانتهاءً بتغطية الأخبار الجادة المُتعلقة بالسوق والأعمال التجارية.

بالنسبة إلى مراسل في وكالة إخبارية كرويترز — وربما بالنسبة إلى أغلب المراسلين — من المفيد دائمًا إمعان التفكير مقدمًا؛ فكثيرًا ما قد تحل الكوارث دون سابق إنذار، رغم أن مثل هذه الحقيقة تبدو بديهية. فسواءٌ أكنت في دولة نامية أو متقدمة، ربما لا تفصلك سوى دقائق عن الإسراع إلى معرفة تفاصيل زلزال أو انفجار — وأكثر قليلًا عن الاضطرار إلى التنقيب بنفسك بين الركام بحثًا عن تفاصيل القصة الإخبارية.

figure
شكل ١٤-٢: بيتر آبس في عام ٢٠٠٧ (نُشرت الصورة بإذن من تومسون رويترز).

يمكنك أحيانًا أن تستشرف الكارثة الإنسانية قبل حلولها بأشهر. نشرتُ في ٢٠٠٥ أول الأخبار المتعلقة بتناقص الأمطار عبر أغلب المناطق الجنوبية من أفريقيا في فبراير أو بداية مارس، وذلك غالبًا لأنني كنت معنيًّا بتغطية أسواق المعاملات الآجلة للحبوب في جنوب أفريقيا. لكن نتيجةً لأن المزارعين كانوا قد حصدوا بعض المحاصيل على الأقل فإن مشكلة نقص الغذاء لم تشتد وطأتها حقيقةً إلا في وقت لاحق من هذا العام، ولم يبدأ الاهتمام العالمي بالمشكلة إلا في سبتمبر أو أكتوبر.

إن كثيرًا من الأزمات الزاحفة تستغرق وقتًا أطول، وتتطور على مدى سنوات أو عقود، جالبةً معها تحدياتها الصحفية المتفردة، والتي ليس أقلها تحويلها إلى قصة إخبارية من الأساس.

تولد بعض هذه الأزمات فجأة من رحم أزمة قائمة سلفًا؛ فالحروب قد تشعل فجأة فتيل أزمة للاجئين، مما يؤدي إلى إضافة المزيد من الأعباء على الموارد الصحفية التي قد تكون مثقلة بالفعل بالالتزامات.

تنشب بعض الأزمات دون سابق تنبيه أو تحذير، حاملةً الدمار وتاركةً الصحفيين — تمامًا كعمال الإغاثة والمسئولين الحكوميين — يكافحون من أجل مجاراة الأحداث. وقد تحل الأزمات في جنح الليل — أو وسط يوم عطلة، كما كان الحال في تسونامي عام ٢٠٠٤.

أزعم أن مثل هذا النوع من التغطيات الإخبارية له أهمية متفردة، خاصةً في أفقر مناطق العالم التي لا تحظى بتغطية إعلامية كافية. وإذا فاتتك تغطية أزمة غير ملحوظة، فمن المحتمل تمامًا ألَّا يلحظها أحد. ويعد الاهتمام الإعلامي واحدًا من الطرق — وأحيانًا الطريق الوحيد — لجذب انتباه الدول المانحة أو رجال السياسة لتلك الأزمات. فلو جرت التغطية كما ينبغي، فما من شك أنها قد تنقذ حياة الكثيرين. أما لو لم يحسن الصحفيون إجراءها، فقد تُصعِّد من التوترات السياسية، بل وتعوق عملية الإغاثة.

يأتي في مقدمة كل ما سبق ذلك التحدي الدائم الذي يتمثَّل ببساطة في إنتاج تغطية حديثة ومثيرة للاهتمام تجذب بالفعل انتباه القارئ أو المحرر، في عالم قد يبدو منهكًا ومثقلًا جرَّاء هذا المد الذي لا ينقطع من الأخبار المؤسفة.

(١) التقارير الأوَّلِيَّة

بالنسبة إلى وكالات مثل رويترز أو أسوشيتد برس — علاوة على شبكات البث والصحف اليومية — تُعَد الأخبار العاجلة أساس عملهم. فورود تقارير عن وقوع زلزال أو موجة مدية من شأنه أن يدفع المكاتب الإخبارية إلى حالة من العمل المحموم، تمامًا كما لو كانت تقارير عن انفجار قنبلة أو حدث سياسي مزلزل.

كما هو الحال عند تناول أي خبر عاجل، يأتي على رأس الأولويات اكتشاف ما حدث بالضبط: أين، ومتى، ومدى جسامته، وماذا سيحدث بعد ذلك؟ إن تقدير عدد الضحايا وحجم الضرر اللاحق بالبنية التحتية يقع في صميم عملية الكشف عن مدى جسامة الحدث، غير أن مثل هذه العملية قد تكون غاية في الضخامة.

يتمرن صحفيو رويترز المتدرِّبون على هذه العملية مرارًا وتكرارًا في قاعات التدريب بحيث يكونون مستعدين للتصرف، كما هو مأمول، إذا وقع حدث على مرأى منهم.

يمكن أن يأتي التحذير الأول من مصادر متنوعة: فقد يهز زلزال مكتب الأخبار، كما حدث خلال زلزال باكستان عام ٢٠٠٥، والذي شعر به المراسلون في سلسلة من المدن والعواصم في جنوب آسيا. أو قد تلتقطه أجهزة هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية وربما يصدر التنبيه الإخباري الأول المقتضب من واشنطن، حتى قبل أن يدرك مكتب الأخبار في الدولة المعنية بوقوع الحدث.

قد يصدر أول التقارير الإخبارية من مصادر محلية كالصحافة أو وكالات الأنباء أو محطات التليفزيون أو الإذاعة المحلية، رغم أن وكالات الأنباء الدولية سوف تحاول أن تكون أول من ينقل الخبر ليكون ذلك مصدر فخر لها. وقد يَرد سيل من الرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية، لا سيما من الكوادر المحلية ممن لديهم معرفة وعلاقات أوثق بالمجتمع المحلي.

كنت ساهرًا ذات ليلة إلى وقت متأخر في مكتبنا في العاصمة السريلانكية، كولومبو، لأضع اللمسات الأخيرة على إحدى القصص الإخبارية حين تلقيت معلومة عن وقوع حادث انفجار قنبلة، وذلك من خلال مكالمة هاتفية استقبلتها من سمسار أوراق مالية سمع صوت انفجار بالقرب منه وأراد أن يتحرَّى عما جرى. أخجل من الاعتراف بأنني لم أصدقه وصارحته بذلك، لكن تلك المكالمة منحتني مفتاحًا إلى الخبر، وأعدت الاتصال بالسمسار لاحقًا وأقررت أنه كان محقًّا في كل ما قال. الأمر نفسه قد يحدث في حالات الزلازل وموجات التسونامي.

تنهار وسائل التواصل على نحوٍ شبه فوري في مثل هذه الحالات؛ فقد تُعاني شبكات الهاتف المحمول، التي كانت موثوقًا فيها في السابق، من شدة الضغط أو ببساطة ربما تتعرض لضرر بالغ، مما يعني أنه يجدر بك دائمًا الاحتفاظ بقائمة من جهات الاتصال وأن تكون شاملة قدر الإمكان — ومتضمنة لأرقام الهواتف الأرضية. لكن الخطوط الأرضية قد تتعطل أيضًا أو ربما لا يُجيب مَن تتصل بهم على هواتفهم، ربما لأنهم فروا هاربين — أو لأنهم لقوا حتفهم أو أصيبوا.

دائمًا ما يكون المسئولون الملاذ الأول للصحفيين المتلهفين لمعرفة التفاصيل؛ إذ ربما يستطيع المسئولون في أجهزة الشرطة أو الجيش أو الإدارة المدنية على الأقل تقديم تقدير لحجم الضرر الواقع. وربما يكون بإمكان المستشفيات منح الصحفيين فكرة عن أنواع الإصابات التي استقبلتها، وقد تعطي أحيانًا دليلًا يُستَرشد به فيما يتعلق بحصيلة الضحايا.

لكن لو كان الوضع مزريًا حقًّا، فسوف تكون الأولوية بلا شك لإغاثة الأحياء، وربما يُترَك الأموات مكانهم.

حين فر عشرات الآلاف من السكان هاربين من قتال جديد اندلع في شرق سريلانكا في أغسطس عام ٢٠٠٦، كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعرف على حصيلة تقريبية للضحايا هي ببساطة سؤال من أقابلهم عن عدد الجثث التي رأوها. لم يكن نقل الجثث من ميدان القتال أولوية، في ظل هذا العدد الضخم من الأشخاص الساعين باستماتة إلى الفرار من منطقة الصراع والجرحى المصابين جرَّاء قصف القنابل وقذائف الهاون. وهو ما ترتب عليه وجود تقارير عن مذابح لم نفلح قَطُّ في اكتشاف تفاصيلها، وكان أي إحصاء لعدد الضحايا بالضرورة تقريبيًّا وغير مكتمل.

إن لصور الكارثة أهمية أساسية لمن يرغبون في تناول القصة الإخبارية. ربما يبادر بالفعل الضحايا المحليون والسائحون، كما هو الحال في حادثة تسونامي، إلى التقاط صور ثابتة ومقاطع فيديو للحدث، وتلك الصور والمقاطع هي التي ستُشكِّل معالم القصة الإخبارية في نهاية المطاف. لكنهم قد يعجزون ببساطة عن إرسالها في المدى القصير نظرًا لتعطل شبكات الهواتف المحمولة، ولذلك من المحتمل أن تَرد الصور الأولى للحدث من محطات التليفزيون المحلية وربما المواقع الإلكترونية للصحف. وسوف تلتقط وكالات الأنباء، مثل رويترز، مقطع الفيديو المعروض على التليفزيون المحلي وترسله إلى عملائها حول العالم. عودةً إلى مثال تسونامي، ساعد مقطع الفيديو الذي عرضه التليفزيون السريلانكي المحلي، والذي يصور اندفاع المياه إلى داخل محطة الحافلات في مدينة جالي، في تقديم بعض من أولى الصور الحقيقية عن حجم الكارثة ومدى فداحتها.

ستسرع وكالات الأنباء كذلك بإرسال طواقمها التليفزيونية ومصوريها الفوتوغرافيين إلى موقع الحدث. حين تقع أحداث كبرى، قد ترسل بالفعل الوكالات طواقمها جوًّا من خارج البلاد. وربما تُرسِل هيئات الإغاثة مصورين فوتوغرافيين وطواقم تصوير بالفيديو وتُتيح المواد الإخبارية للجميع في سبيل رفع الوعي بالحدث.

(٢) كتابة الخبر

في بعض الأحيان يكون من الممكن تمامًا كتابة الخبر من موقع الحدث. أمضيت ذات مرة ليلةً أعلى فتحة التهوية الخاصة بمنجم ذهب ضربه زلزال في جنوب أفريقيا، وبحوزتي كمبيوتر محمول يتصل بالإنترنت كل بضع ساعات عبر هاتفي المحمول لأضيف آخر التطورات بينما تُخرج طواقم الإنقاذ عمال المنجم بين قتيل وجريح. وجلستُ ذات يوم في المقعد الأمامي لحافلة صغيرة دُفِعَت إلى جانب الطريق واستخدمت الهاتف المتصل بالأقمار الصناعية المثبت على سقفها لإرسال الأخبار النصية بينما عجَّت الشوارع أمامي بالمواطنين السريلانكيين الفارين.

ثم قد تمر عليك أحيان أخرى تجد فيها أن الخبر يكاد يكتب نفسه ذاتيًّا. وقد تحاول أحيانًا أن تكتب خبرًا من داخل مكتبك المكيف الواقع على بُعد عشرات، أو مئات، بل وحتى الآلاف من الأميال عن موقع الحدث وأن تضفي طابع الآنيَّة عليه وكأنه حدث للتوِّ.

كما هو الحال دائمًا في الصحافة، لا توجد قواعد صارمة وثابتة تحدد العوامل التي تجعل الخبر قصة إخبارية جيدة. والخط الفاصل بين الكتابة الإخبارية النمطية والكتابة البارعة قد يبدو أحيانًا رفيعًا للغاية على نحوٍ مثيرٍ للقلق.

إن الشروط الأساسية لكتابة الخبر، سواءٌ أكنت في موقع الحدث أم بعيدًا عنه، هي في النهاية واحدة لا تختلف؛ إذ تحتاج نطاقًا، وسياقًا، وحيوية، واقتباسات، وتأثيرًا. فأنت تحتاج إلى صياغة قصص إخبارية فردية مؤثرة مع وضع الصورة الأكبر نصب عينيك.

لو لم تستطع الوجود بنفسك في قلب الحدث، كما هو الحال كثيرًا، فأهم ما عليك فعله هو العثور على الأشخاص الموجودين هناك. يرغب العالم في معرفة حصيلة القتلى، لكنه يرغب أيضًا في التعرف على ما يبدو عليه الوضع على أرض الواقع. اسأل شهود العيان عما يرونه. ويمكن أن يكتب المراسلون وصفًا للحدث مستعينين في ذلك بصور فوتوغرافية أو مقاطع تليفزيونية موثوق فيها.

عند محاولة وصف خبر مرئي كهذا، أحاول أحيانًا النظر إلى الخبر وكأنه تقرير تليفزيوني مُجمَّع، أمزج في ثناياه بين الحقائق الثابتة (حصيلة القتلى، الوقت، التاريخ، الأرقام)، ومقتطفات من مقابلات (بصورة رئيسية مع أشخاص وضحايا حقيقيين، وقد تَتْبعها لقاءات مع مسئولين أو عُمَّال إغاثة ليمنحوا المشاهد سياق الحدث)، وصور دالة (كنِساء يجلسن على قارعة الطريق يُجهشن بالبكاء، وجنود يُغطُّون وجوههم بمناديل اتقاءً لرائحة الجثث، وطنين الحشرات، وأطفال مصابون بالسعال داخل فصل دراسي مكتظ).

يمكن أن تُشكِّل القصص الشخصية القوية أقسامًا جانبية كاملة مستقلة، لكن يمكن، بقليل من التفكير والجهد، تنقيحها وتحويلها إلى ما هو أبعد من مجرد كلمات مقتبسة أو فقرة في منتصف القصة الإخبارية الرئيسية، بحيث نقرِّب الصورة العامة الكبيرة إلى المستوى الإنساني، والذي كثيرًا ما يتحقق من خلال عرض نموذج بسيط ومركز للمعاناة الإنسانية، تمامًا مثل لقطة واحدة في تقرير إخباري تليفزيوني.

إليك المثال التالي:
قال سام كايجوكا، وهو عامل إغاثة أوغندي تابع لسماريتنز بيرس، وهي منظمة دينية أمريكية تتعاون في شراكة مع برنامج الأغذية العالمي (في أقصى جنوب موزمبيق في أغسطس عام ٢٠٠٥): «أذهب إلى منزلٍ ما ويخبرونني أن هناك عشرة أطفال. ولا يكفي المال المقدَّم من برنامج الأغذية العالمي سوى لإطعام ثلاثة فقط؛ لذلك أطلب منهم أن يُحضروا لي الثلاثة الأشد احتياجًا. يجعل ذلك الناس غاية في العدائية. نتعرض للطرد في بعض الأحيان، لكننا دائمًا ما نجد مجموعة أخرى تقبل الطعام.»١

يكون الحصول على هذا النوع من المحتوى الإخباري خلال التغطية الميدانية مستحيلًا أحيانًا. وفي بعض الأحيان، كل ما قد يكون عليك الاستعانة به هو عبارات أو اقتباسات قليلة من مراسل غير متفرغ أو مسئول أو تقرير جاف من وكالة إخبارية. يجدر بك دائمًا أن تحاول، إن أمكن، إضفاء بعض الحيوية أو التفاصيل الإنسانية، لكن ذلك لا يكون دائمًا قابلًا للتنفيذ.

ربما يجد سي برايسون هَل، نائب كبير مراسلي وكالة رويترز لمنطقة شرق أفريقيا، نفسه يتعامل مع العديد من أمثال تلك الأزمات الإنسانية يوميًّا من مكتبه في العاصمة الكينية.

يُعَد خلق القصص الإخبارية المُتعلقة بالأزمات الإنسانية بعيدًا عن موقع حدوثها قوام عمل الوكالات الإخبارية. ولهذا أسباب كثيرة: فموقعها بعيد جدًّا بحيث يصعب الوصول إليه في الوقت المناسب للحصول على الأخبار أو يمثل خطورة شديدة على الأجانب. هذا هو الحال بالنسبة إلينا في أنحاء شرق أفريقيا ووسطها، فحين تضرب الفيضانات المناطق النائية من إثيوبيا أو تندلع أعمال عنف في منطقة البحيرات العظمى أو يصيب الجفاف الأجزاء النائية من كينيا التي تكاد لا تصل إليها الطرق، نضطر إلى الاعتماد على مراسلينا المحليين.

قد يكون هؤلاء المراسلون المحليون أنفسهم بعيدين عن موقع الحدث لكن بإمكانهم تسخير علاقاتهم وخبرتهم المحلية للوصول إلى شهود العيان. نحاول بقدر استطاعتنا التوجه إلى موقع الحدث بحيث تكون لدينا بعض الخبرة العملية عن المكان حين نصوغ الخبر من مكاتبنا، وهو أمر ذو أهمية بالغة لنقل صورة دقيقة عن الحدث. لكننا نعمل، في أغلب الأحيان، عن بُعد.

إن أصعب حالة نواجهها هي الصومال، والتي ننقل أخبارها من نيروبي اعتمادًا على جهود مراسلينا الجسورين في مقديشو وغيرها. إن اللغة والتجرد والقدرة على الاختلاط مع المحليين — وهو ما يستحيل على الأجانب — كلها عوامل تجعل المراسلين الصوماليين الأنسب لتغطية الأحداث بدقة ودون مخاطر.

في أوج الاشتباكات التي اندلعت في مارس وأبريل من عام ٢٠٠٧ بين القوات الصومالية وحلفائها الإثيوبيين من جهة والمتمردين من جهة أخرى، كنا داخل مكتبنا ننصت إلى دوي القصف المدفعي وطلقات النيران عبر خطوط الهاتف، حيث كان زملاؤنا ينقلون الأحداث برباطة جأش واحترافية رغم وجودهم على خط النار وتعرُّضهم لضغط بدني ونفسي هائل.

ربما يكون الجلوس في مكتبك بعيدًا بينما تجري وقائع الحدث على الطرف الآخر من الهاتف باعثًا على الإحباط. إن الأمر يشبه، على نحو ما، العمل معصوب العينين، مفتقرًا إلى المعلومات التي كانت ستمدك بها كل حواسك لو كنت هناك، تلك المعلومات التي تُغذي أفكارك. لكن البراعة هي أن تتصور وجودك هناك وتتخيل كيف ستعمل بما يكفل لك سلامتك، محددًا التفاصيل التي ستبحث عنها وكيف ستصف الحدث لخلق صورة كاملة تقدمها للقارئ. إن أصعب ما علينا اتخاذه من قرارات، من داخل مكاتبنا الآمنة، هي تلك التي تتضمن توصية مراسلينا الميدانيين بتغطية الخبر بينما يقلصون المخاطر التي يتعرَّضون لها إلى أدنى حدٍّ ممكن. وهو ما يتطلب معرفة طواقمك الموجودة في الميدان والبقاء على تواصل دائم معهم، والوثوق بهم وبتقديرهم للأمور في سبيل البقاء سالمين وتغطية الخبر كما يجب.

(٣) كتابة التحقيق الصحفي

تُعتبر كتابة التحقيقات الصحفية، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية، فنًّا مختلفًا عن كتابة الأخبار العاجلة؛ ففي حين أن السرعة واحدة من أهم أولويات كتابة الأخبار العاجلة بشأن الكوارث، تحتل الجودة أهمية خاصة عند كتابة التحقيقات الصحفية.

قد يمنحك التحقيق فرصة الوصول بحق إلى القضايا الأساسية، لكن لو لم يُكتَب كما ينبغي فقد لا يتعدى دوره بيان ما هو غني عن البيان، ويخفق مِن ثَمَّ إخفاقًا تامًّا في جذب انتباه القارئ.

وجدت نفسي، بعد بضعة أشهر من عملي الصحفي في جوهانسبرج عام ٢٠٠٤، على مرتفعات مملكة ليسوتو ذات الطبيعة الجبلية والواقعة في المنطقة الجنوبية من أفريقيا، حيث كنت أغطي طائفة من الأخبار التي تتراوح بين التدهور الزراعي والتعدين. قمت برحلة خاطفة إلى قرية أسَّستها إحدى هيئات الإغاثة، وسألت هناك عن عدد سكان القرية الذي توفُّوا العام الماضي إثر إصابتهم بمرض الإيدز، فأجابني أحد مشايخ القرية أن عددهم يقارب ٢٠٠.

فبُهِتُّ؛ إذ لم يكن حولي إلَّا قليل من الأكواخ. فسألته عن عدد سكان القرية أصلًا، فردَّ قائلًا عددهم حوالي ٦٠٠ نسمة.

كتبت تحقيقًا صحفيًّا تناولت فيه تلك السطور بعينها، وملأته بالاقتباسات المثيرة للقلق من عمال الإغاثة والمسئولين الحكوميين. كان زعيم القرية هو الشخص الوحيد في القصة الإخبارية الذي قد يُعتبر فعليًّا غير مريض. لم يُكتَب للتحقيق أن يرى النور؛ إذ أخبرني أحد المحرِّرين أنه ببساطة لم يأتِ بجديد.

حين أسترجع هذه الواقعة أدرك، وربما أدركت ذلك حينها، أنني ببساطة ربما كنت خائفًا إلى حد منعني من مواصلة البحث والحديث مع شخص مصاب بالإيدز والذي ربما كان سيمنحني قصة شخصية مؤثرة ترقى بهذا التحقيق إلى ما هو أبعد وأعمق من مجرد أرقام وإحصائيات. كانت الإحصائيات صادمة، حتى في بلد يقال إن ثلث البالغين فيه مصابون بالإيدز، لكنها لم تكن كافية وحدها. لا يسعني بعد مضي عدة سنوات من هذا التحقيق إلا أن أتساءل عما إذا كانت تلك الإحصائيات مُبالَغ فيها، وهو أمر كان من السهل أيضًا نسبيًّا التحقق منه حينها.

تذكر سارة ليدويث، محررة التحقيقات الصحفية في رويترز، سبع نصائح لكتابة التحقيقات الصحفية من مناطق الأزمات — والتي ينطبق كثير منها كذلك على كتابة القصص الإخبارية الجادة.

خالف ما يتوقع الناس أن يقرءوه — على سبيل المثال، حاول أن تُركِّز على الأشياء الإيجابية التي يقوم بها الفرد أو الأفراد الذين يتعرضون لظروف بائسة، وذلك عن طريق إيجاد أمر مبتكر فعلوه للنجاة والبقاء على قيد الحياة. حاول أن تُشعِر القارئ كيف أن يوم هؤلاء الأفراد مُجدٍ ومثمر.

الصور المتميزة — لا سيما لهؤلاء الأشخاص الذين تنقل كلماتهم في القصة الإخبارية — تبعث الحياة في التحقيق على نحوٍ تعجز عن تحقيقه الكلمات.

أشر إلى أيِّ انعكاسات للأزمة على البلدان الغنية.

تحدَّث إلى ١٠ أشخاص مع التخطيط لنقل كلمات أربعة منهم على الأقل. انظر إلى الأمر من أكبر عدد ممكن من الجوانب.

لا تخجل من أن تُلح على الآخرين للإجابة عن الأسئلة التي تطرحها.

تذكَّر أنك تتنافس على جذب اهتمام من يقرءون عناوين إخبارية عن المشاهير مثل باريس هيلتون.

(٤) العمل مع هيئات الإغاثة

في كثير من البلدان النامية، قد يكون لهيئات الإغاثة وجود ميداني بالفعل حين تقع كارثة، كما أنها ستسارع لإجراء ما تصفه ﺑ «تقدير الاحتياجات». من المفيد، مجددًا، أن تتوفر لديك قائمة معدَّة سلفًا تضم أكبر قدر ممكن من جهات الاتصال الخاصة بتلك الجهات، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تستطيع المقرَّات المركزية لهيئات الإغاثة في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أن توفر لك على وجه السرعة اتصالًا بالخبراء الميدانيين. وهذا كثيرًا ما يصب في مصلحة تلك الهيئات؛ نظرًا لأن تسليط وسائل الإعلام لأضوائها على مثل هذه الأحداث يمكن أن يجتذب التبرعات.

يقدِّم موقع أليرتنت (www.alertnet.org) التابع لمؤسسة رويترز خدمة تتيح للمستخدمين التعرف على أسماء هيئات الإغاثة والمناطق والبلدان التي تعمل داخلها، بالإضافة إلى تقديم تفاصيل ومعلومات للتواصل مع تلك الهيئات. إن الدخول إلى هذا الموقع مجاني ولا يحتاج إلى كلمة مرور. كما يقدِّم الموقع خدمة «أخبار هيئات الإغاثة»، وهي خدمة تورد أحدث البيانات الصحفية الصادرة من المجموعات ذات الصلة، وقد تضم، في أي حالة طوارئ عاجلة، معلومات للتواصل مع الطواقم الموجودة ميدانيًّا.

من الصين إلى السودان إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا، ستكون الجمعيات المحلية التابعة للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، في جميع الحالات بلا استثناء تقريبًا، أول من يستجيب للأزمات وأسرع من يُقدِّم معلومات من داخل الميدان. وسيكون متطوعوها المحليون هم أول من ينشئون مراكز إيواء أو يساعدون في تقديم الإسعافات الأوَّلِيَّة للمصابين أو يعاونون في دفن الضحايا في مقابر جماعية، في حال كانت الأوضاع مروعة حقًّا. وعادةً ما تتولَّى اللجنة الدولية للصليب الأحمر تنسيق عمل هؤلاء المتطوعين وقت الحرب، أما في حالة الكوارث التي تقع وقت السلم، فإن عملهم يخضع لتنسيق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وتستعين هاتان المؤسستان بكوادر دولية لتقديم المساعدة والتنسيق ميدانيًّا كما أن مقرَّيهما الرئيسيَين الواقعَين في جنيف عادةً ما يمكنهما تقديم معلومات جيدة عن جهات الاتصال وغيرها من المعلومات. وغالبًا ما تكون هاتان المؤسستان أول مصدر للتقديرات الموثوق فيها لعدد الضحايا، وذلك في حال انشغال المسئولين المحليين بهول الكارثة، وهو ما حدث في إعصار بنجلاديش عام ٢٠٠٧.

إن الهيئات التابعة للأمم المتحدة قد تكون كذلك مصدرًا جيدًا للتقديرات كتقدير عدد المشردين، أو حجم الاحتياج للمعونات الغذائية، أو حصيلة الضحايا. ويمكن أن يُصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية تقارير حالة، رغم أن موظفي هذا المكتب قد لا يوجدون دائمًا في موقع الأزمة خلال الأيام أو الساعات الأولى من وقوعها. علاوةً على ذلك، عادةً ما ستتولَّى الهيئات الكبيرة الأخرى التابعة للأمم المتحدة، خاصة برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، إصدار البيانات الصحفية والإحاطات الإعلامية وإيفاد مسئوليها الإعلاميين إلى موقع الحدث.

إن هيئات الإغاثة الأخرى مثل أوكسفام، أو منظمة أنقذوا الأطفال، أو هيئة كير الدولية عادةً ما يكون لها انتشار جغرافي أضيق نطاقًا مقارنةً بهيئات الصليب/الهلال الأحمر أو الأمم المتحدة. قد تُشرف مثل هذه الهيئات على مخيم واحد للاجئين أو تغطي احتياجًا واحدًا فقط كالماء أو الصرف الصحي. وقد تساعد هيئات الأمم المتحدة في توزيع الغذاء، رغم أنها قد تحرص على تقديم تلك الأنشطة باعتبارها إنجازات خالصة لها، وهو حرص يمكن استيعاب دوافعه.

ربما يكون العاملون في تلك الهيئات أقل تحفظًا في تصريحاتهم من نظرائهم في هيئات الصليب/الهلال الأحمر أو منظمة الأمم المتحدة. ورغم أن جمعيات الإغاثة قد ازداد انخراطها في الترويج لقضايا معينة خلال السنوات الأخيرة، عادةً ما تبقى عملياتها الميدانية على رأس أولوياتها، وهو ما قد يَحِد من قدر المعلومات الذي تقبل التصريح به، رسميًّا على الأقل. في إقليم دارفور السوداني، على سبيل المثال، أشارت جمعيات الإغاثة إلى إحجامها عن الإدلاء بتصريحات بشأن حوادث الاغتصاب أو العنف خشية أن يُثير ذلك عداء السلطات مما يؤدي إلى حرمانها من العمل على أراضيها.

لو نجحتَ، من ناحية أخرى، في إقامة علاقات شخصية مع عُمال الإغاثة، فقد يبدون أكثر استعدادًا لمنحك معلومات قيِّمة يمكنك نشرها مع عدم ذكر مصدرها، أو مع الإشارة إلى أن مصدرها هو «عمال الإغاثة». لا شك أن مثل هذه الاقتباسات، كغيرها من الاقتباسات غير المنسوبة إلى أشخاص بعينهم، يجب توخي الحذر عند التعامل معها، لكنها قد تمنحك أيضًا رؤية عميقة قيِّمة لما يجري على أرض الواقع. ويمكن أن يصل عمال الإغاثة أيضًا إلى مناطق لا يُسمَح للصحفيين بدخولها وتقديم صور ومقاطع فيديو من مناطق لا يستطيع الصحفيون والطواقم الإعلامية التقاطها منها.

ذكرت لين هاينيش، مدير الاتصالات التنفيذية والمسئولة الإعلامية السابقة في أفريقيا بهيئة كير الدولية، أن كلًّا من عمال الإغاثة والصحفيين يعتمد بعضهم على بعض بالفعل عند وقوع الكوارث لنشر تفاصيلها.

إنه موقف عصيب للغاية. غالبًا ما تُمثِّل الاتصالات والجوانب اللوجستية تحديًا. ولا يوجد عادةً إلَّا مجال محدود جدًّا لجذب انتباه العالم وذلك بواسطة قصص إخبارية تساعد في حشد الدعم للاستجابات الفورية والاستجابات على المدى الأبعد؛ لذا توفد هيئات الإغاثة، انطلاقًا من تقديرها لهذه العلاقة، المسئولين الإعلاميين، الذين عادةً ما يكونون مراسلين سابقين؛ فمن المهم أن نتعلم من بعضنا وأن نتعاون على نحوٍ أفضل. فيما يلي بعض الملاحظات المهمة في هذا الشأن …

ضع الأزمة في سياقها بعيد المدى. كثيرًا ما ترتبط الكوارث الطبيعية، كالفيضانات، بالتدهور البيئي. وإذا لم نُحسن استيعاب الصراعات الأهلية، فقد تكون عرضة للتبسيط المفرط المفضي إلى سوء الفهم. ويمكن أن يكون عمال الإغاثة مصدرًا جيدًا للمعلومات المتعلقة بالسياق والثقافة.

دائمًا ما يكون الفقراء، ولا سيما النساء منهم، الأشد تأثرًا؛ فقد اجتاز هؤلاء حدثًا صادمًا ولا يزال عليهم الحفاظ على تماسك عائلاتهم وترابطها. لم يرَ أغلب هؤلاء كاميرا فيديو واحدة طوال حياتهم. وسرعان ما سيغادر الصحفيون، أما الناجون وعمال الإغاثة فسيبقون للتعامل مع أي تَبعات سلبية ناتجة عن زيارتهم؛ فعلى سبيل المثال، قد توصم إحدى ضحايا الاغتصاب لاحقًا من مجتمعها بعد نشر قصة مثيرة عنها في الصحافة؛ لذلك، عليك أن تراعي إخفاء هويات الضحايا في مثل هذه الحالات.

ضع نصب عينيك أن المطالبات الإعلامية بالحصول على المعلومات يمكن أن تنطوي على تضحية لا تعلمها من الناجين وهيئات الإغاثة. فحين يقتطع الناجون جزءًا من وقتهم لإجراء مقابلة، فربما يعني ذلك تنازلهم عن مكانهم في طابور المساعدات أو إضاعة فرصة عمل كانت متاحة. وحين يسمح عمال الإغاثة للصحفيين باستخدام هواتفهم المتصلة بالأقمار الصناعية أو يُتيحون لهم اتصالًا بالإنترنت، فقد يؤدي بهم ذلك إلى تأخير مهمة عليهم أداؤها.

أؤكد مجددًا أن ثمة قيودًا موضوعة على مقدار المعلومات التي عادةً ما تقبل جمعيات الإغاثة الإدلاء بها. فكثيرًا ما يَعبُر مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مثلًا، خطوط المواجهة الأمامية ويزورون السجناء والرهائن، إلا أنه من المستحيل تقريبًا أن تنجح في انتزاع أيِّ معلومة مفيدة منهم: فصمتهم هو ثمن قيامهم بتلك المهام.

بدلًا من هيئات الإغاثة، ربما تتمكن من الحصول على تعليقات أكثر أهمية من جماعات الضغط، من أمثال منظمة العفو الدولية، أو هيومن رايتس ووتش، أو مجموعات معنية بالطوارئ على نحو أكبر مثل مجموعة «أنقذوا دارفور» — رغم أن بعضًا من تلك المجموعات الأخيرة لديها أجندات سياسية محددة وربما تبدو أحيانًا داعمةً لجماعات معينة من المتمردين؛ ففي سريلانكا، مثلًا، مُنِعت جمعية إغاثة تُدعى «منظمة إعادة تأهيل التاميل» على خلفية صلاتها المزعومة مع متمردي حركة نمور التاميل. وتُعد مجموعة الأزمات الدولية مركزًا بحثيًّا دوليًّا يسعى بوجه خاص إلى تقديم المعلومات بشأن الأزمات الطارئة دون تعريض جهود الإغاثة الميدانية للخطر أو الإضرار بسمعتها.

غالبًا ما تُمثِّل هيئات الإغاثة وسيلة فعالة لبلوغ المجتمعات المحلية والمناطق التي يصعب الوصول إليها. وكثيرًا ما تُبدي تلك الهيئات استعدادها لتوصيل الصحفيين في مركباتها رباعية الدفع إلى مواقع الأحداث واصطحابهم في جولات داخلها، بل ربما تتمكن من توفير مترجمين ومساكن للصحفيين.

قد يجلب ذلك معه، لا محالة، اتهامات حول التقارب الزائد عن الحد بين الصحفيين وهيئات الإغاثة. تتبنَّى وكالة رويترز قواعد صارمة للغاية بشأن قدر الضيافة والدعم الذي تتقبله من هيئات الإغاثة. لكن كما أن مرافقة الجيوش الوطنية تكون أحيانًا الخيار الوحيد والأفضل لتغطية الأخبار، فإن مرافقة هيئات الإغاثة في الميدان تكون أحيانًا الخيار الأفضل، إلا أنها ينبغي ألا تُغيِّر أبدًا من التغطية الإخبارية أو تؤثر فيها.

إن ذلك يعني أنه ينبغي وضع هيئات الإغاثة محل المساءلة، تمامًا كالحكومات والشركات الخاصة، لا سيما فيما يخص إهدار الموارد. كما يعني ذلك أيضًا عدم الوقوع في شَرَك التركيز على جمعيات الإغاثة وتجاهل جهود الحكومات المحلية؛ فعلى سبيل المثال، عند وقوع فيضانات في الهند والصين وبنجلاديش، وغيرها الكثير من البلدان، يتولَّى الجيش الوطني العبء الأكبر من جهود الإغاثة في كثير من الأحيان، وقد يؤدي إرجاع الفضل في تلك الجهود إلى هيئات الإغاثة الغربية إلى إثارة حفيظة تلك الجيوش، وهو أمر مفهوم.

إضافة إلى تمكين هيئات الإغاثة الصحفيين من الوصول إلى القصص الإخبارية والمعلومات المحورية وقت الأزمات، فإنها تُهيب أيضًا بالصحفيين تغطية القضايا الأساسية المتعلقة بالفقر، ومحاولاتها للتعامل معها. ورغم أن قليلًا من المحررين سيسمحون بنشر تقارير إخبارية مباشرة عن أنشطة هيئة إغاثة معينة، خاصة وأنه كثيرًا ما لا يتضح ما إذا كانت تُزاول أنشطتها بكفاءة أم لا، فقد يكون ذلك طريقًا ملائمًا لتناول قضايا البلد أو المنطقة والتي قد يكون لها أبعاد سياسية أو اقتصادية أو إنسانية أوسع نطاقًا.

ضع في اعتبارك أن هيئات الإغاثة دائمًا ما تضطر إلى التفاوض مع المسئولين المحليين للوصول إلى المعلومات، وهو ما يمكن أن يُمثِّل عملًا دبلوماسيًّا يعادل في دقته واحتياجه إلى البراعة والمهارة أي ممارسة أخرى في مجال الشئون الدولية الأوسع نطاقًا. إن كل ما ورد سابقًا في الفصل الذي كتبته بريدجت كيندال بشأن الدبلوماسية رفيعة المستوى ينطبق بالمثل على التعامل مع هذا الأمر. وعليك أن تضع في اعتبارك أيضًا أن كلًّا من الطرفين قد يحاول استغلال الآلة الإعلامية لتكون له اليد الطولى. ولتعلم أن هذا يحدث باستمرار وعليك أن تتصرف، وتكتب، بناءً عليه. تذكَّر أن هيئات الإغاثة أو المسئولين قد يبدءون بهدوء في نشر معلومات سلبية عنك إذا أحسوا أنك لم تُحسن فهمهم أو الكتابة عنهم. بل إن خلافًا حول أعداد اللاجئين يمكن أن يؤدي أحيانًا إلى تهديدات بالقتل؛ لذلك فمن المفيد أن تذكر بوضوح المصادر التي تستقي منها كل ما تكتب، لا سيما الإحصائيات؛ فإن هذا غالبًا ما سيدفع منتقديك إلى ملاحقة المصدر بدلًا من ملاحقتك — غير أن هذا ربما يجعلك غير مقبول نهائيًّا لدى ذلك المصدر.

يمكن أن يثمر التعاون مع هيئات الإغاثة نتائج إيجابية، لكلا الطرفين. ولكن يلوح خطر الوقوع في التبسيط المفرط المفضي إلى سوء الفهم، وذلك كما اكتشف المسئول الإعلامي السابق لدى إحدى هيئات الإغاثة، مارك سنيلينج الذي يقول في هذا الشأن:

كانت الاستجابة الدولية للأزمة الغذائية في النيجر في أغسطس عام ٢٠٠٥ توضيحًا نموذجيًّا، على نحو ما، للكيفية التي يمكن، وينبغي، للمؤسسات الإعلامية وهيئات الإغاثة التعاون معًا من خلالها؛ إذ لم تلقَ تحذيرات عمال الإغاثة من وقوعِ نقصٍ كارثيٍّ في الغذاء آذانًا مُصغية إلى أن أدَّت صور الأطفال الجياع التي نشرتها شبكة بي بي سي إلى حشد التمويل والإرادة السياسية اللازمَين لتدخُّل إنساني واسع النطاق. لقد حظيت هيئات الإغاثة بالدعاية والتمويل الضروريين، ونال الصحفيون قصة إخبارية متميزة.

لكن بقي داخلي انطباع مزعج بأننا كنا نواجه خطر التسليم برواية للأحداث لا تتسق تمامًا مع الحقائق القائمة على أرض الواقع. إن مسألة أن كثيرًا من البشر كانوا في حاجة ماسة إلى الغذاء لا يعتريها أدنى شك، لكن، حسب المعايير السائدة في المنطقة، لم يكن هذا العام كارثيًّا. اكتشفت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعات أن الإنتاج القومي للحبوب الغذائية لم ينخفض عن متوسط الإنتاج خلال السنوات الخمس السابقة إلا بنسبة ١١ بالمائة فقط. أسرَّ إليَّ بعض عمال الإغاثة ذوي الخبرة في غرب أفريقيا بأن الوضع، رغم كونه مروِّعًا بالنسبة إلى الكثيرين، لم يكن غريبًا. ولكن ما حدث أن تسلَّلت النيجر، في مرحلة ما، إلى الأجندة الإخبارية باعتبارها أحدث «الأزمات الأفريقية المهولة».

نجح قليل من المراسلين في استخلاص السياق المعقَّد والدقيق لتلك الأزمة. كان يوجد، في الواقع، الكثير من الغذاء هناك، لكن المشكلة هي عدم استطاعة السكان شراءه نظرًا لفقرهم المزمن وإخفاق إصلاحات السوق الحرة. ورغم ذلك، عوملت الأزمة مرة أخرى وكأنها نسخة ثانية من المجاعة الطاحنة التي ضربت إثيوبيا عام ١٩٨٤. فاصطفَّت طواقم التصوير خارج مراكز التغذية المعَدَّة لمن يعانون من سوء التغذية الحاد، وتدافعوا لالتقاط الصور الثمينة للأطفال الهُزالى. إن جولة سريعة في عملية الإغاثة الضخمة للغاية تلك، والهادفة إلى من يعانون نقصًا متوسطًا في الغذاء كانت ستكشف النقاب عن قصة أقل مأساوية، لكن أكثر دقة.

بذلت جميع الأطراف جهدًا رائعًا عام ٢٠٠٥، وأسهمت في إنقاذ الكثير من الأرواح. لكن العقبات الهيكلية للنيجر ظلَّت قائمة دون معالجة، وبقيت احتمالية تأثرها الشديد بصدمات مستقبلية حادة وصارخة كما كانت دائمًا. أتساءل ما إذا كان عمال الإغاثة والصحفيون استغرقوا تمامًا في الاستجابة لمتطلبات بعضهم البعض إلى حد أننا غفلنا جميعًا عن الاستجابة لمتطلبات الطرف الأهم في الواقع، ألا وهم السكان الذي يعيشون هناك بالفعل.

(٥) العمل الميداني

ربما لا يتسنَّى العمل الميداني دائمًا؛ لأسباب مالية أو لوجستية أو أمنية، لكن لا يوجد سوى القليل من البدائل للنزول إلى موقع الحدث والحديث إلى الضحايا. إن العمل الميداني يسمح لك برؤية حجم الأضرار الواقعة والحصول على روايات مباشرة من الذين يعانون من الأزمة، وربما يمكِّنك من تجنب هيئات الإغاثة والمسئولين والحصول على رؤية أكثر واقعية لما يجري هناك.

قد يكون إيجاد مسكن أمرًا صعبًا؛ لأن المساكن ربما تكون قد دُمِّرت أو غالبًا ما تحتلها الحشود المتدفقة من عمال الإغاثة، ويمكن أن يكون إيجاد وسائل للانتقال أمرًا عسيرًا أيضًا — ليس فقط لاحتمال تعرُّض البنية التحتية الضرورية للتدمير، بل لأن وسائل النقل التجاري قد تتجنب أيضًا المرور بمنطقة الحدث — كما حدث، مثلًا، عند تفشي مرض الإيبولا أو غيره من الفيروسات المشابهة أو نتيجة لأعمال القتال. أو مجددًا قد تتجه هيئات الإغاثة أو اللاجئون اليائسون لشراء العديد من تلك الوسائل. أما بالنسبة إلى وسائل الاتصال، فربما تتعرض لأعباء تفوق طاقاتها أو قد تتعطل بالكلية، وهو ما يمكن أن يجعل من الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية خيارًا لا يُقدَّر بثمن، رغم تكلفته الباهظة.

قد تكون، في بعض الأحيان، جزءًا من طائفة واسعة من الصحفيين. أو قد تصبح الصحفي الوحيد في أحيان أخرى، لا سيما في حالة الكوارث بطيئة الحدوث كالأزمات الغذائية أو حتى الصراعات التي لا تُصنَّف على أنها حروب بارزة.

ربما تبدو القصة الإخبارية جلية في بعض الحالات. وفي حالات أخرى، قد يكون تحديدها أمرًا أكثر صعوبة، كما يشير أليستير تومسون في القسم القادم.

إن حقيقة ما يجري حولك قد تكون شديدة التأثير نوعًا ما، لكن من الأهمية بمكان أن تضع نصب عينيك صحتك وسلامتك وأمنك، وصحتك النفسية أيضًا. وإذا وجدت حولك هيئات إغاثة أو صحفيين آخرين، فتعرَّف على الاحتياطات التي يتخذونها، وتذكَّر أنهم غالبًا ما يرون الأمور ذاتها ويعايشونها ويشعرون بها، وهو ما يجعلهم فريق دعم فعالًا، حتى لو كان هذا الدعم لا يعدو في الحقيقة مشاركتك الشراب في المساء.

(٦) تغطية الصراعات

يمكن أن تكون التبعات الإنسانية لصراع ما هي القصة الإخبارية الرئيسية في بعض الأحيان، كما هو الحال، مثلًا، في دارفور أو الهجرات الجماعية الهائلة من رواندا بنهاية الإبادة الجماعية التي حدثت عام ١٩٩٤. لكن هذه التبعات قد تبقى محل تجاهل شبه تام في أحيان أخرى.

يستخدم موقع أليرتنت التابع لمؤسسة رويترز برنامجًا إلكترونيًّا مؤتمتًا يُطلق عليه «مرصد الصحافة الدولية»، وهو برنامج مَعْني برصد تغطية الأزمات الإنسانية في الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية. شهدت الفترة من ٢٠٠٦ إلى ٢٠٠٧ هيمنة العراق وأفغانستان على الساحة الإخبارية، وهو أمر ليس بمستغرب، لكن الحقيقة هي أن أغلب الأخبار لم تكن تشير إلى الأثر الإنساني لهاتين الأزمتين إلا عَرَضًا، وهو الأثر الذي أثار، في حالة العراق، أزمة لاجئين هي الأسرع نموًّا على مستوى العالم.

دائمًا ما ستعمل الأجندات المتنافسة على التأثير على التغطية الإخبارية وتقييدها حتى في حالة الكوارث داخل الأنظمة الديمقراطية المستقرة، أما في مناطق الصراع، فتصير تلك المسائل أكثر خطورة؛ فربما تحاول كلٌّ من الحكومات والجماعات المتمردة التضييق على شحنات المعونات وتوجيه المساعدات إلى الأغراض العسكرية، وقد يجد عمال الإغاثة أنفسهم مستهدفين.

بل إن اللاجئين البائسين، رغم براءتهم الظاهرة، قد يعمدون إلى طرح أجنداتهم السياسية الخاصة أو ربما الترويج بقوة إلى فكرة أجبرتهم قوات المتمردين أو الجيش على ترديدها تحت التهديد؛ لذلك انظر إلى ما يقال لك بعين التشكك، لكن دون أن تبدو مسيئًا …

واجه أليستير تومسون، نائب كبير مراسلي وكالة رويترز لمنطقة غرب أفريقيا، تلك المشكلة في جمهورية أفريقيا الوسطى عام ٢٠٠٧.

هبط الطيار الألماني ذو الشعر الأبيض بالطائرة الخفيفة في الضباب الساخن لمدرج الطائرات المترب بسرعة تصم الآذان. كنت واثقًا أن الجنود أصحاب العمامات الصفراء المُوجهين لأسلحتهم المضادة للطائرات في اتجاهنا قد حُذِّروا من مَقْدمِنا. كنا في بيراو، وهي بلدة نائية تقع في أقاصي جمهورية أفريقيا الوسطى، إحدى أشد الدول الأفريقية انعزالًا، حيث تسببت الهجمات المسلحة القادمة عبر الحدود مع دارفور في مضاعفة قسوة الحياة بالنسبة إلى السكان المحليين. كانت تلك الزيارة ضمن جولة قصيرة عرضتها علينا نجمة هوليوود ميا فارو للفت الانتباه إلى الحرب التي تمتد نيرانها من دارفور؛ لذلك لم يكن أمامنا سوى بضع ساعات.

كانت البلدة تعيش في فقر مدقع ولم تزل بادية عليها علامات هجوم شنه عليها المتمردون منذ بضعة أشهر. وسرعان ما اتضح أنني سأعاني عجزًا مطبقًا لعدم إجادتي اللغة العربية. وحين بحثت حولي عمن يتحدث الفرنسية، صادفت موظفًا حكوميًّا تلو الآخر، وكلهم كانوا حريصين على تقديم الرؤية الحكومية الرسمية للأحداث، وقد اختتموها بمطالبات بمساعدات دولية عسكرية وإنسانية. وصف لي بعض كبار السن، عبر هؤلاء المترجمين الارتجاليين، كيف هاجمهم المتمردون قبل الفجر وسرقوا الماشية ومخزون الحبوب بعد أن اغتصبوا النساء والفتيات. لكنني حين طرحت أسئلتي عليهم لتقصِّي المزيد من التفاصيل، غرقوا في صمتٍ تامٍّ ومضوا مبتعدين عني في ظل مراقبة صارمة من رجال الشرطة والمقاتلين أصحاب العمامات الصفراء الذين أخبرني أحد عمال الإغاثة سرًّا أنهم قد وفدوا من دولة تشاد المجاورة. لم تكن تلك المرة الأولى التي لا أدري فيها على مَن أعتمد للحصول على رواية متزنة للأحداث.

اصطحبني رجل لرؤية مضخة المياه الوحيدة في البلدة، والتي يبلغ عمرها ستة عشر عامًا والتي كانت متوقفة عن العمل. بعدها بلحظات، أكد لي آخرون أن هناك العديد من المضخات التي تعمل عبر البلدة. وحين قفلت راجعًا إلى متن الطائرة، لمحت على جناحها عنوان الموقع الإلكتروني لنادٍ ألماني متخصص في القفز الحر بالمظلات، وهو ما صدمني بعدم اتساقه الصارخ من الوضع المحيط. أقلعنا عند غروب الشمس، وفي رأسي تدور أسئلة تفوق تلك التي جئت بها.

(٧) أهمية النظر إلى الجوانب المالية

من المهم دائمًا النظر إلى الجوانب المالية المتعلقة بالبلاد والشعوب والمجتمعات المحلية المتأثرة بالحدث، والمتعلقة أيضًا بالعالم في مجمله، ويصدُق هذا بوجه خاص على المؤسسات الإخبارية المعنية بالأخبار المالية مثل رويترز، ولكنه يصدُق كذلك على المنتج الإخباري بوجه عام. فحين تصل إلى وكالة رويترز أخبار عن وقوع زلزال أو إعصار، تكون على قائمة أولوياتها، إضافة إلى إحصاء الضحايا، دراسةُ الأثر المالي الأوسع نطاقًا لتلك الكارثة. هل تسبب زلزال في بيرو، أكبر منتج للنحاس في العالم، في الإضرار بالتعدين هناك؟ وهل أثَّر على أسواق المعادن في لندن أو نيويورك؟ وهل تُواصل مصافي النفط إنتاجها؟ وما البنى التحتية التي تعرضت للتدمير؟ وهل ستظل بيرو قادرة على سداد ديونها؟ وكيف تتعامل الشركات المحلية مع الأزمة؟

حتى إن الإعانات الغذائية قد تُحدث تغييرًا في الأسواق، كما ذكر ديفيد براو، مراسل وكالة رويترز المتخصص في أخبار أسواق السكر العالمية؛ إذ يقول:

حين أوفِدتُ إلى روما، كنت مكلَّفًا بتغطية الهيئات الغذائية التابعة للأمم المتحدة، وذلك بقصد الحصول على أخبار حقيقية بشأن الصفقات السلعية. يشتري برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة السلع الغذائية الأساسية المعروضة في الأسواق العالمية، كالذرة والأرز، ويشحنها إلى المحتاجين في جميع أنحاء العالم. كانت إحدى مهماتي تتطلب إنشاء علاقات داخل قسمي المشتريات والشحن في البرنامج ومحاولة كشف الأخبار. أثار بعض من الأخبار الحصرية التي نشرتُها نشاطًا في حركة التجارة داخل أسواق العقود الآجلة الإلكترونية كأسواق القمح. ويمكن لأخبار عن وجود طلب مكثف من قِبَل مُشترٍ ضخم كبرنامج الأغذية العالمي — كشراء حمولة ضخمة من القمح الأمريكي والأرجنتيني للعراق — أن تُحدث تأثيرًا كبيرًا على الأسواق السلعية العالمية. ولو استطاعت وكالة رويترز أن تُحدِث تغييرًا في حركة إحدى الأسواق بنشرها لخبر ما، فإن ذلك يعني أن عملاءها حصلوا على عائد جيد على ما دفعوه من أموال.

(٨) الصورة الأكبر

لكن ماذا لو لم توجد مثل هذه الأحداث المؤثرة والمفاجئة التي تترك أثرًا صادمًا؟ لم أرَ قَطُّ أطفالًا وبالغين يتعرَّضون للموت البطيء أكثر ممن رأيت في أزمة الإيدز الطاحنة في المناطق الجنوبية من أفريقيا، ورغم ذلك، يُعَد إيجاد زوايا جديدة لإثارة اهتمام العالم بما يحدث هناك مهمة عسيرة، كما أشرت سابقًا.

تشكو هيئات الإغاثة من أن استمالة الصحفيين إلى الاهتمام بقضايا الفقر المزمن والتنمية يمكن أن تكون شبه مستحيلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن نقص الغذاء وتفشي أمراض — أو حدوث مضاعفات عند الولادة — تسهل الوقاية منها، يتسبب في وفاة عدد من البشر أكبر كثيرًا ممن تقضي عليهم الكوارث والحروب. والأمر نفسه ينطبق على حوادث الطرق، لا سيما في البلدان السريعة النمو، حيث تتوفر البنية التحتية الجديدة وتقل تدريبات القيادة المقدَّمة للسائقين.

أثبتت مشروعات الائتمان المتناهي الصغر — والتي تعتمد على تقديم قروض صغيرة إلى أفقر الفئات لتمكينهم من إقامة مشروعات تجارية — نجاحًا باهرًا، لكنها تفتقر إلى ما للمجاعات أو الحروب من بريق جذَّاب، وكثيرًا ما لا تنال حقها في التغطية الإخبارية. قليلون هم الصحفيون المهتمون بالاقتصادات الأفريقية، حتى في مجال هيئات الإغاثة.

يوجد الكثير من القصص الإخبارية ذات البعد الإنساني التي لم تُغطَّ بعدُ — والتي قد تلقى قبولًا لدى المحررين والقُرَّاء، إن أجيدت كتابتها — لكن تلك مهمة أصعب.

يشكو بعض رجال الأعمال والمسئولين، لا سيما في أفريقيا، من أن تركيز الإعلام وهيئات الإغاثة على الفقر والصراعات والكوارث يجعل البلدان النامية أقل جذبًا للاستثمار، مما يحرمها من النمو الاقتصادي الذي تحتاجه للخروج من دائرة الفقر.

غالبًا ما تكون القصص الإخبارية الإنسانية وتلك المعنية بالصراعات والكوارث قصيرةَ المدى للغاية في توجهها؛ فهي لا تتناول ما إذا كانت الدولة المعنية تتعلم كيفية التكيف على نحو أفضل أم لا، ولا تُعنى بالتأثير الطويل المدى للحدث أو أسبابه الأساسية. وقد لا تضع المُسلمات الشائعة محل تشكك بما يكفي. ولا تنظر بالضرورة إلى موقع الحدث من صورة العالم الكاملة، سواءٌ من الناحية السياسية أم الاقتصادية.

إن تغطية القصص الإخبارية الإنسانية يمكن أن تكون مرهقة بدنيًّا ومؤلمة نفسيًّا، كما أنها قد تكون عسيرة من الناحية اللوجستية ومكلفة ماليًّا. إن رؤية المعاناة البشرية والشعور بأنك عاجز بطريقة ما عن نقلها إلى العالم قد يكون باعثًا هائلًا على السخط والحسرة.

استمعت إلى كثير من المراسلين الأجانب المخضرمين وهم يصفون على نحو مؤثر كيف شعروا بالعجز عند مشاهدتهم مختلف الكوارث. يمكن أن أتفهَّم مثل هذا الشعور، لكنني بصراحة لا يمكن أن أتفق معه نهائيًّا.

إن نقل مثل هذه الأشكال من القصص الإخبارية نادرًا ما سيُغير العالم، إن استطاع تغييره أصلًا. صحيح أن التغطية الإعلامية قد تؤدي إلى تدفق المعونات بين الحين والآخر، أو ممارسة ضغوط سياسية، أو توقف الانتهاكات — وهي أمور قد تجعلك تشعر بشعور رائع حين تتحقق — لكن المآسي ستتواصل في العموم رغم كل شيء.

لكن الوجود، في نهاية المطاف، في موقع الحدث والقدرة على تسليط الضوء على المشكلات، التي كانت ستمر مرور الكرام لولا تغطيتك، فيصعب على العالم مِن ثَمَّ تجاهلها، كل ذلك يُنافي الشعور بالعجز المطبِق.

روابط مفيدة

  • يجمع موقع أليرتنت التابع لمؤسسة رويترز الخيرية (www.alertnet.org) بين الأخبار الواردة من وكالة رويترز وتلك الواردة من هيئات الإغاثة بشأن الكوارث الإنسانية الحادثة حول العالم، بالإضافة إلى معلومات عامة أساسية. وتعرض خدمة «أليرتنت للصحفيين» (http://www.alertnet.org/mediabridge/index.htm) هذه المعلومات العامة الأساسية، والخرائط التفاعلية، وجهات الاتصال الخاصة بهيئات الإغاثة، والبيانات الصحفية، كما أن هناك خدمة للتحذير المبكر عبر البريد الإلكتروني وهي خاصة بالكوارث التي تلوح نُذُرها في الأفق، وهي خدمة صُمِّمت لتيسِّر على الإعلاميين حول العالم تغطية تلك الأزمات. هذا، وتتحمل وزارة التنمية الدولية البريطانية جزءًا من تكاليف الإعداد لخدمة «أليرتنت للصحفيين».
  • يحتوي أيضًا موقع الإغاثة التابع للأمم المتحدة (ريليف ويب) (www.reliefweb.org) على تقارير وخرائط منتظمة من مناطق الأزمات.
  • تتولَّى اللجنة الدولية للصليب الأحمر تنسيق عمل الجمعيات التابعة للصليب الأحمر والهلال الأحمر العاملة في مناطق الصراع، ويضم موقعها (www.icrc.org) تحديثات منتظمة. أما في حالة الكوارث غير المتعلقة بصراعات، يتولَّى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر تنسيق عمل الجمعيات العاملة هناك، والموقع الإلكتروني للاتحاد هو www.ifrc.org.

أسئلة يُجيب عنها الطالب

(١) ناقِش إلى أي مدى يتعيَّن على الصحفيين الاعتماد على المعلومات المقدَّمة من المنظمات الإنسانية والإغاثية. وكيف يحترز الصحفيون من المعلومات المضلِّلة أو الدعوات المُبالَغ فيها بشأن الأزمات؟

(٢) ما الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتشجيع التغطية المباشرة للكوارث؟ وهل للحكومات دور فيها؟

(٣) ناقِش أساليب إخبارية يمكن أن تحطم القالب المعتاد للتغطيات النمطية للأزمات الإنسانية المتواصلة، كأخبار المجاعات وتفشي الإيدز. قيِّم، على سبيل المثال، تأثير المنهج الذي اتبعه سوريوس سامورا، منتج البرامج الوثائقية والمراسل الأفريقي، في سلسلة حلقاته «التعايش مع …» والتي ألقى خلالها الضوء على ضحايا المجاعات والإيدز واللاجئين (http://www.insightnewstv.com/store).

هوامش

(١) جميع الاقتباسات الواردة في هذا الفصل كتبها وأسهم بها المراسلون أو المسئولون الإعلاميون الذين جرت الاستعانة بهم خصوصًا للمشاركة في كتابة هذا الفصل، وقد حررها بيتر آبس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤