الفصل الثالث

المنظر الأول

(مكان مقفر على ضفاف النيل قد أنشئ فيه كوخ تخفيه بعض الصخور، وقد وقفت إيزيس، وقد بدا عليها أثر السنين، ولكن جمالها قد أحاط به إطار من الجلال … شيخ البلد مائل بين يديها كأنه بين يدي ملكة.)

شيخ البلد (يجيل البصر فيما حوله) : هنا في هذا المكان المقفر تقيمين؟
إيزيس : نعم … أخيرًا في هذا المكان … حط بي التَّرحال ها هنا … منذ أن قُتِلَ زوجي وأنا أتنقل من مكان إلى مكان … منذ خمسة عشر عامًا وأنا أجوب القفار … لا أستقر في موضع واحد.
شيخ البلد : خوفًا على ولدك؟
إيزيس : نعم … عيون عدونا كانت دائبة البحث عنا … أما الآن وقد استطعت أن أختفي به حتى بلغ أشده، وأصبح فتى جلدًا قويًّا … فقد آن أوان العمل.
شيخ البلد : إني في خدمتك … ولكن …
إيزيس : أعلم … لا تحدثني عما تريد … إني أعرف عنك كل شيء. ولو لم أكن على ثقة أنك ستخدمنا لما اتصلت بك. إن مصالحك لم تعد مرتبطة بطيفون.
شيخ البلد : لقد خدعني هذا المحتال.
إيزيس : كان يجب أن تفهم أن مثله لا يؤتمن، لقد استخدمك حتى بلغ مأربه ثم فاز بالغنيمة دونك.
شيخ البلد : كلما تذكرت تلك السنين الطويلة التي قضيتها في خدمته دون جدوى! … لقد كنت ولم أزل موضع رأيه ومشورته … ومع ذلك ما إن أبدي له الرغبة في بعض المكافأة، حتى يَزْوَرَّ عني ويضن علي.
إيزيس : اسمع! … أنت تعرف أنه كان لي ذهب كثير وحلي … تركتها في القصر يوم خرجت أبحث عن زوجي.
شيخ البلد : أعرف ذلك … لقد استولى طيفون على هذا الكنز … ولا يزال هذا الشحيح محتفظًا به حتى الآن.
إيزيس : لك نصفه.
شيخ البلد (يفرح) : نصفه؟!
إيزيس : وأنا التي تعدك بهذا … وأنت تعرف أن إيزيس إذا قالت فعلت … هل تثق بي؟
شيخ البلد : كل الثقة! … امرأة وفت لزوجها لا يمكن أن تخدع من يخدمها.
إيزيس : اتفقنا إذن.
شيخ البلد : إني في خدمتك.
إيزيس : ابني حوريس يصر على أن يثأر لدم أبيه، ويريد أن ينازل طيفون بالرمح.
شيخ البلد : أخشى عليه من طيفون … طيفون قوي جبار … ويجيد استخدام كل سلاح.
إيزيس : وابني أيضًا قد مَرَنَ على الطعان … وهو يذهب كثيرًا إلى الصيد. وقد نازل أسدًا أخيرًا وقتله.
شيخ البلد : دعك من الصيد ومنازلة الأسود … إن طيفون لن ينتظر حتى يصيده حوريس … إن له وسائله الأخرى.
إيزيس : نعم … ومن أجل هذا فكرت فيك وبحثت عنك … من أجل هذه الوسائل الأخرى.
شيخ البلد : اتركي لي الأمر إذن أتدبره وأضع الخطط … لقد حذقنا هذه الأمور … إن الوصول بحوريس إلى الحكم ليس أصعب من الوصول بطيفون.
إيزيس : لا تنس أيضًا أن حوريس هو ابن أبيه وأنت تعرف من هو أبوه!
شيخ البلد : هو الخير والعلم والفضل … ولكن هل ورث حقًّا فضائل أبيه؟
إيزيس : أرجو ذلك … لقد مكثت خمسة عشر عامًا ألقنه كل شيء طيب في أبيه، ولم أكتف بهذا بل وضعته منذ صباه في أيدي توت ومسطاط … وقد تعهداه وما زالا يتعهدانه حتى الساعة بالتهذيب.
شيخ البلد : سيكون ملكًا عظيمًا، أين هو الآن؟
إيزيس : في الصيد، قد يأتي عما قليل.
شيخ البلد : أراه في المرة القادمة، أما الآن فإني ذاهب لأبدأ العمل في الحال، وسأعود إليك بتفصيل ما ينبغي، الأمر يتطلب اكتساب بعض النفوس، وبذل بعض الوعود … وتنظيم بعض الصفوف … وغير ذلك من الترتيبات التي سيأتيكِ بيانها فيما بعد … والآن إلى اللقاء.
إيزيس : إلى اللقاء.

(شيخ البلد ينصرف … وما يكاد يختفي حتى يظهر توت ومسطاط آتيين من الجهة الأخرى.)

مسطاط (مُحَدِّقًا ببصره) : من هذا؟ أليس هذا شيخ البلد؟!
توت (ينظر هو الآخر) : نعم … هو بعينه، كرشه ومِشيته وعصاه!
مسطاط : ماذا جاء يفعل هنا؟!
إيزيس : جاء لزيارتي.
مسطاط : أوَيجسر؟!
إيزيس : أنا التي طلبت ذلك.
مسطاط : أنت؟! طلبت ذلك؟!
إيزيس : نعم أنا.
مسطاط : أنت تعلمين أنه من أخطر أعدائنا.
إيزيس : لم يعد كذلك اليوم، إنه سيعمل من أجلنا.
مسطاط : هذا الرجل؟!
إيزيس : مصلحته الآن في جانبنا.
مسطاط : مصلحته؟ بالطبع! مصلحته نعرفها كلنا! إنه لا يعمل بغير الرشوة! لقد رشوتِهِ إذن؟
إيزيس : ولم لا؟!
مسطاط (ملتفتًا إلى توت الصامت) : أسمعت يا توت؟
إيزيس (بعزم) : حوريس ابني يجب أن ينجح … أسمعتم؟ يجب أن ينجح.
مسطاط : هذا ما نتمناه … هذا ما نعد له العدة ونعمل لتحقيقه منذ خمسة عشر عامًا … ولكن …
إيزيس : ولكن ماذا؟ … ماذا تريد أن تقول؟
مسطاط : لا أريد أن أقول غير شيء واحد: إن كل ما شيدناه في تلك السنين الطويلة قد انهار في لحظة واحدة.
إيزيس : إنك لم تكن تشيد إلا على رمال الأوهام.
مسطاط : الأوهام؟
إيزيس : لقد تركتك أنت وتوت تحشوان رأس ابني حوريس بتلك الأفكار الجميلة، وأنا أعرف أنها لن توصل إلى شيء … اتركاني الآن أفعل ما أراه مجديًا.
مسطاط : تريدين لحوريس الوصول من ذلك الطريق؟
إيزيس : من أي طريق؟
مسطاط : طريق الرشوة والتدجيل والتضليل.
إيزيس : أطلق عليه ما شئت من أوصاف … هذا لا يمنعه من أن يكون الطريق الموصل إلى الحكم.
مسطاط : تنكرتِ هكذا أخيرًا لمبادئ زوجك؟! يا للخيانة؟
إيزيس : مكانك يا مسطاط مكانك! لم أتنكر قط لمبادئ زوجي، ولم أخن عهده قط … إن زوجي لم يطلب العودة إلى ملكه، لقد زهد في الملك وأسبابه كما عرفتم وانقطع لخدمة الناس. ولم يكن له من مطمع إلا أن يفجر ينابيع الخير بين أيدي هؤلاء الفلاحين المساكين، وكنا نحسب أنا وأنتم أنه سيُترك آمنًا يؤدي هذه الرسالة في هدوء، ولكن طيفون لم يتركه، وأنتم تعلمون ماذا فعل به! … ماذا فعل بزوجي؟! … زوجي العزيز بقلبه الطيب ونفسه الطاهرة طهر الأطفال، وهو لم يرتكب ذنبًا، ولم يفكر في عدوان ولم يسئ إلى أحد.

(تسقط من عينها دمعة.)

مسطاط (متأثرًا) : إني ما قصدت …
إيزيس (تمسح دمعتها وتصيح بصوت أجش) : لا أريد لابني هذا المصير! أفاهمون؟! لا أريد لابني أن يُقتل وأن يُقَطَّع جسده إرْبًا إرْبًا … وأن يوضع كل عضو من أعضائه في كيس، وأن يُلقَى كل كيس في موضع مختلف من النيل والبحيرات والمستنقعات … لا … لا … لا … لا أريد ذلك لحوريس … أسمعتم! لا أريد ذلك لابني حوريس.
مسطاط : نحن أيضًا لا نريد له ذلك … وأنت تعلمين.
إيزيس : إذن لماذا تريدون له أن يسير في طريق أبيه المنكوب؟!
مسطاط : أردنا له الحكم من طريق الشرف … أليس كذلك يا توت؟! لماذا تصمت الآن كل هذا الصمت يا توت؟ … تكلم معي قليلًا … تكلم!
توت : إني أُصغي إليكما … وأفكر.
مسطاط : تفكر؟! … أبدأت عقيدتك أنت أيضًا تتزعزع؟
توت : قلت لك كثيرًا لا تسرف في استخدام هذه الألفاظ! … إني أفكر وكفى … ألا يجوز لي أن أفكر في مشكلة لها كل هذه العواقب؟!
مسطاط : أنسيت أننا مرتبطون بقضية، نجاهد في سبيلها من أعوام؟ … أتذكر ما هي قضيتنا؟
توت : نعم … الوصول بحوريس إلى الحكم.
مسطاط : على أساس مبادئنا نحن … هذا هو الشرط.
إيزيس (صائحة) : لا تصغ إلى هذا الساذج يا توت. إنه ينسى أننا نعد لمعركة. وأن خصمنا في هذه المعركة رجل قوي مغامر بارع الوسيلة واسع الحيلة، وهو فوق ذلك مطلق اليدين يطعن بكل سلاح. في حين أننا نريد أن نُكتِّف حوريس بقيود الشرف ونقدمه لخصمه مغلول اليدين مكشوف القلب.
توت : حقًّا إنها لمخاطرة!
مسطاط : أنت أيضًا يا توت؟ … هذا ما توقعته … إنك لن تمضي معي إلى النهاية.
توت : ابسُطْ لي قبل كل شيء وبكل وضوح: ما هو في رأيك السبيل الحقيقي لبلوغ حوريس الهدف؟
مسطاط : الشعب.
إيزيس : إن مسطاط ينسى أن زوجي أوزيريس كان معبود الشعب في يوم من الأيام، فما إن ظهر أخوه المغامر طيفون حتى استطاع ببراعته وحيلته وأساليبه وأكاذيبه أن يسلب من زوجي المسكين ملكه وشعبه معًا.
توت : حقًّا … إن اليد البارعة تستطيع أن تسرق تأييد الشعب أيضًا فيما تسرق.
مسطاط (صائحًا) : إلى حين … إلى حين.
توت : نعم … إلى حين ظهور يد أخرى أبرع.
مسطاط (بمرارة) : أهذه عقيدتك؟
توت : اسمع يا مسطاط! … إن مبادئ أوزيريس … أي مبادئنا لا يمكن أن تعمل عملها إلا في حالة واحدة وعلى فرض واحد: هو خلو الميدان من المغامر والمحتال … أما إذا ظهر المغامر فلا بد أن تحاربه بسلاحه كي تنتصر.
مسطاط : وما قيمة هذا الانتصار؟!
توت : ماذا تعني؟
مسطاط : أعني ما قلته قبل الآن: إذا كان لا بد لانتصار رجل العلم والخير من أسلحة المغامر والمحتال، إذا كان لا بد لنجاحه هو أيضًا من استخدام الرشوة والتدجيل والتضليل، فمعنى ذلك أنه لم يعد هناك أمل في القوة الذاتية للعلم والخير … وإذا سلمنا نحن خدام مبادئ أوزيريس بذلك فمعناه بكل بساطة: الخيانة لقضيتنا. وها أنا ذا أكرر ألفاظي بذاتها، لأني لا أجد غيرها تعبيرًا صحيحًا عن الموقف. وما دام في قلبي عرق ينبض فلن أسمح لنفسي أن أخون قضيتي. إني لم أناصر حوريس لأنه حوريس بل لأنه يمثل مبادئ، فإذا ضاعت هذه المبادئ فلا معنى عندي لانتصار حوريس. لن أخون القضية الحقيقية من أجل نجاح شخص. لا … لن أخون … لن أخون … هذه كلمتي الأخيرة … وليس لي الآن إلا أن أذهب، وأقول لكم: وداعًا!

(ينصرف سريعًا … تاركًا إيزيس وتوت ينظران إلى ذهابه المفاجئ واجمَين ذاهلَين.)

المنظر الثاني

(أمام قصر طيفون، تظهر إيزيس وقد تدثرت بثوب يخفي وجهها وخلفها توت … وهما يمشيان بحذر ويلتفتان حولهما كأنهما يبحثان عن أحد.)

إيزيس (هامسة) : أتراه قد دخل القصر؟
توت (بصوت خافت) : لا يستطيع ابنك أن يدخل قصر طيفون، الحراس قائمون. أغلب ظني أنه سيلقاه هنا في هذه الساحة.
إيزيس : نستطيع إذن من موضعنا هذا أن نرقب المبارزة.
توت : لا أنصحك بهذا. إنه لمشهد قد لا يحتمله قلب أم.
إيزيس : إني أحتمل.
توت : أعرف قوة احتمالك، ولكن الذي أخشاه أن المبارزة نفسها لا تتم. إن طيفون قدير أن يغتال حوريس اغتيالًا … ما عليه إلا أن يأمر حراسه ليحيطوا بالفتى ويقتلوه.
إيزيس : لقد خامرني هذا الخوف. ولكن شيخ البلد أكد لي أن طيفون إذا واجهه ابني بالتحدي فإن كبرياءه وصلفه سيدفعانه إلى قبول النزال.
توت : أأنت واثقة في شيخ البلد؟
إيزيس : إذا كان يخدعني فقد خسرنا كل شيء. لقد دبرنا معًا كل أمر، وحسبنا حساب كل احتمال، ولم أُفْضِ بالتفاصيل إلى مخلوق كما طلب مني. فإذا كان في خَفِيِّ أمره مقيمًا على إخلاصه لطيفون، وكشف له سرنا، فقد هلكنا.
توت : مهما يكن من أمر فلم يبق أمامنا إلا المخاطرة. لقد فات أوان التردد … والرجوع إلى الوراء.
إيزيس : نعم. لم يبق إلا الإقدام.
توت (ملتفتًا جهة باب القصر) : انظري! … ها هو ذا ابنك حوريس قد ظهر رافعًا رمحه، ووقف يسد الطريق إلى القصر.
إيزيس (في صوت مضطرب) : نعم.
توت : ما من شك في أنه علم أن طيفون قريب العودة من الصيد … فوقف هكذا ليتلقاه بالتحدي.
إيزيس (مرتعدة الشفتين) : نعم.
توت (ناظرًا إليها) : إنك تضطربين كقشة بين الموج … ألم أقل لك إن الموقف شاق عليك، إنه ابنك وفلذة كبدك، هلمي بنا نذهب بعيدًا.
إيزيس (وهي تنظر إلى ابنها عن بعد واجفة القلب) : دعني هنا … قريبة منه.
توت : قد يضره هذا ولا ينفعه، قد يلمحك، وقد يضطرب هو الآخر، وهو أحوج ما يكون الساعةَ إلى الثبات.
إيزيس : أترى ذلك؟
توت : أسمع جلبة قريبة … هلمي بنا … هلمي بنا.

(يجذبها من يدها وينصرف بها سريعًا … ولا يمضي قليلًا حتى يظهر طيفون ومعه شيخ البلد وحاشية صغيرة تحمل صيدًا … وعندئذ يتقدم الفتى حوريس بخطوات ثابتة قوية ويقف في وجه طيفون سادًّا عليه الطريق برمحه.)

طيفون (هازئًا) : عجبًا! … من هذا الغلام الجريء؟!
حوريس : ستعرف فيما بعد، أما الآن فإني متعجل إلى انتزاع قلبك الدنس بسن رمحي … دافع عن نفسك!
طيفون : أيوجد في مملكتي من يقول لي هذا الكلام؟!
حوريس : الآن يوجد، اشرَع رمحك!
طيفون : أتظن أيها الغِر أن رمح طيفون قد جُعِلَ لينازل به الصبية والغلمان!
حوريس : قد جُعِلَ ليقتل به الأبرياء غِيلة.
طيفون : أيها الحراس!
حوريس (يرفع رمحه) : احذروا أن يقترب مني أحد … لا تعرض رجالك يا طيفون للموت، ولا تجعل من أجسادهم دروعًا تقي جبنك.
طيفون : إنه سيدفعني إلى قتله.
شيخ البلد : نازله أيها الملك … فهو صيد سهل.
طيفون : ومن قال لك إني أحب الصيد السهل؟
شيخ البلد : قصدتُ أن كل صيد بالنسبة إليك هو سهل. لقد عدت الآن من منازلة الضواري. وما هذا إلا شبل مغرور، أكمل به يومك ولقنه درسك.
حوريس : لا تتردد يا طيفون، ولا تجعلني أنتظر.
طيفون : تريد الموت؟
حوريس : نعم … موتك.
طيفون (يشرع رمحه) : سأبدأ بقطع لسانك! … ونزع عينيك … حتى لا تكلمني هكذا، ولا تنظر إليَّ هكذا.
حوريس : وأنا سأبدأ بقطع يديك حتى لا تمضي في سرقة ما ليس لك!

(يلتحمان متبارزين بالرماح … ويُنَحِّي شيخ البلد الحاشية جانبًا ليتركوا المتبارزَين لمصيرهما.)

طيفون (وقد أحس صلابة خَصمه) : من أنت؟
حوريس : أقول لك الآن من أنا … ليستيقظ ضميرك لحظةً قبل أن تموت … أنا حوريس.
طيفون : حوريس؟
حوريس : حوريس المنتقم لأبيه.
طيفون : ومن هو أبوك؟
حوريس : أخوك الذي اغتصبت ملكه.
طيفون : تقصد أوزيريس؟! يا لك من محتال! كنت أريد قتلك لوقاحتك … ولكني أقتلك الآن لادعائك.
حوريس : بل لحرصك على عرش لم يعد لك حق فيه!
طيفون (يحمل عليه بالرمح) : خذها لتسكنك القبر!

(يطيح برمح حوريس ثم يرفع رمحه ليطعنه وعندئذ يُهرَع شيخ البلد.)

شيخ البلد (يمسك بذراع طيفون) : لا تقتله!
طيفون : أتمنعني؟
شيخ البلد : نعم … أصغ إلى مشورتي … لا تقتله!
طيفون : ألم تسمع ما تفوَّه به؟!
شيخ البلد : نعم … سمعت … ولهذا أرى لك أيها الملك أن تمتنع عن قتله بيدك.
طيفون : ماذا جرى لك؟!
شيخ البلد : فطنت إلى أمر ستراه بعد قليل هو الصواب، وقد تكافئني عليه. اجعل هذا الفتى أسيرك، وسلمه إلى الحرس ليضعوه في الحبس.
طيفون : ولماذا لا أقتل هذا الدعي؟! … إنه هو الذي أراد ذلك … وعرض نفسه وتجرأ.
شيخ البلد : صواب الرأي يقضي بأن تتريث وتدع عقابه لغيرك.
طيفون : ماذا تعني؟ … أوضح!
شيخ البلد : إن هذا الفتى قد أشاع ولا ريب قبل أن يواجهك بالتحدي أنه ابن أوزيريس، كما ادعى أمامك الآن، وربما وجد من يصدقه، فإذا قتلته بيدك الساعة، ذاع في الناس أنك قتلت ابن أوزيريس تخلصًا من حق له في العرش … فإذا سَرَت في الشعب مثل هذه الإشاعة فإنها قد تثير من المتاعب ما لا نحب، وقد تُحدِث من النتائج ما لا نتوقع.
طيفون : حقًّا … هذا ما لم أفطن إليه.
شيخ البلد : هذا ما فطنت إليه أنا فجأة الآن.
طيفون : إذن أنت ترى …
شيخ البلد : أرى من حسن السياسة أن نقدم هذا الفتى إلى المحاكمة … أمام الشعب.
طيفون : ليظهر ادعاؤه جليًّا أمام الناس.
شيخ البلد : نعم عندئذ ترى الشعب نفسه هو الذي سيحكم عليه بالموت!
طيفون (باسمًا بمكر) : ومعنى هذا الحكم بالطبع …
شيخ البلد (بنفس الابتسامة الماكرة) : بالطبع معنى هذا الحكم من الشعب هو تثبيت حقك الشرعي في الملك تثبيتًا دائمًا.
طيفون : حقًّا إنه لرأي بارع! … إنك لفطن داهية!
شيخ البلد : ألم أقل إن هذا رأي يستحق المكافأة؟
طيفون : نعم … فيما بعد … فيما بعد.
شيخ البلد : دائمًا فيما بعد!
طيفون : الآن أيها الحراس، خذوا هذا الفتى الدعي وأودعوه الحبس، ليحاكم أمام الشعب.

المنظر الثالث

(الساحة التي أمام قصر طيفون وقد امتلأت بالشعب في هيئة محكمة، وقد وُضِعَ حوريس بين حارسين، ووقف على مقربة منه توت وخلفه إيزيس. ووقف في مواجهته طيفون وخلفه بعض حاشيته، بينما أخذ شيخ البلد يجوس خلال الناس.)

طيفون (صائحًا) : أيها الفتى! … هل تقبل أن يكون الشعب القاضيَ بيني وبينك؟
حوريس : هذا ما كنت أتمنى.
طيفون : اسمعوا إذن أيها الناس ماذا حدث … هذا الفتى رفع السلاح في وجهي وأراد قتلي.
صوت (من بين الحاشية) : فليُقتَل! فليُقتَل!
شيخ البلد (صائحًا) : السكوت … السكوت!
توت (صائحًا) : سكوت يا أعوان طيفون!
طيفون (بغضب) : من هذا المتكلم؟
توت : ألا تعرفني؟
طيفون : ماذا جئت تصنع هنا اليوم يا توت؟ وعهدي دائمًا بك في عزلة عنا.
توت : جئت أتكلم بلسان حوريس!
طيفون : ليس لحوريس هذا اللسان … أم أن لسانه لا يعرف غير القِحَة والجرأة.
توت : صاحب الحق لا يحسن أحيانًا إظهار حقه، كما يحسن صاحب الباطل إخفاء باطله.
طيفون : سترى الآن أينا صاحب الحق؟!
توت : لهذا جئت أنا وجاء هذا الشعب. جئنا نرى الحق … تكلم وأرنا إلى أي مدى بلغت براعتك.
طيفون : ما دمت قد نصبت نفسك أخيرًا مدافعًا عن هذا الدعي فسأريك حقي لا بالبراعة ولكن بالدليل.
توت : ونحن لا نريد للناس أن يقتنعوا إلا بالدليل … ولن نواجه الشعب إلا وفي يدنا الدليل … تكلم إذن!
طيفون : قبل كل شيء، هل تنكر أن هذا الفتى رفع في وجهي السلاح؟ … أتنكر هذا الواقع؟
حوريس (صائحًا) : نعم … لقد رفعت في وجهك السلاح … هذا واجبي!
طيفون : أسمعتم أيها الناس! … لقد اعترف … أتعرفون ما معنى رفع السلاح في وجه ملكه؟! إنها الثورة! … تلك جريمته الأولى … أثبتها هو باعترافه … دون حاجة إلى دليل.
صوت (من بين الحاشية) : العقاب للثائر! … الموت للثائر!
شيخ البلد (صائحًا) : السكوت … السكوت!
طيفون (في غضب، لشيخ البلد) : لماذا تسكت أنت الشعب دائمًا … دعه يظهر رأيه.
توت : ليس هذا صوت الشعب يا طيفون.
طيفون (يتجه إلى الناس) : أليس هذا رأيكم أيها الناس؟ ألم يعترف أمامكم الآن هذا الفتى أنه رفع في وجهي … وجه مليكه … وجه ملككم … سلاح الثورة؟!
الشعب (صائحًا) : نعم.
طيفون (لتوت منتصرًا) : ها هو ذا صوت الشعب قد ارتفع يؤيدني.
توت : لا تحاول يا طيفون أن تنتزع من الشعب تأييدًا مغتصبًا مبنيًّا على التضليل! يجب أن تبين أولًا كيف رفع حوريس في وجهك السلاح.
طيفون : واجهني برمحه.
توت : وما قصده من ذلك؟
طيفون : اغتيالي.
حوريس (صائحًا) : هذا زور وبهتان!
توت : نعم … هذا كذب وزيف! … ليس حوريس هو الذي يغتال … إنه لم يكن يقصد اغتيالك بل كان يقصد طلبك للمبارزة!
طيفون : سمها مبارزة! … فليكن. لماذا أراد أن يبارز ملكه؟ … إذا كان شجاعًا حقًّا كما يزعم فليجهر الآن بالسبب!
حوريس : ليس قول الحقيقة يحتاج عندي إلى شجاعة … لقد طلبتك للمبارزة كي أنتقم لأبي.
طيفون : ها هو ذا اعترافه الثاني … الانتقام لأبيه! … أتعرفون من هو أبوه المزعوم؟ … سلوه عن هذا الأب كي يجيب هو بفمه؟
حوريس : أبي هو أوزيريس.
طيفون : أسمعتم أيها الناس؟ … هذا الفتى هو ابن أوزيريس؟ ألم تضحكوا بعد؟
الحاشية (تضحك مقهقهة) :
طيفون (للناس) : تضحكون بالطبع … لأن هذا أمر غير معقول!
توت : الشعب لم يضحك بعد. إنه ينتظر الدليل.
طيفون : أي دليل تريد؟ … يكفي أن يسأل هذا الفتى … أيها الناس اسألوا هذا الفتى الدعي عن أوزيريس كيف هو؟ … فليصفه لنا.
الشعب (صائحًا في حوريس) : صفه لنا!
حوريس (مرتبكًا) : إني …
طيفون (منتصرًا) : تكلم! … أين لسانك الجريء … صفه لهم!
طيفون (ساخرًا) : أسمعتم؟! لم يره؟ … بالطبع … لا يمكن أن يراه … لأن أوزيريس كما تعلمون مات غرقًا قبل أن يولد هذا الغلام بأعوام طوال. اضحكوا مرة أخرى أيها الناس على هذا الابن العجيب، الذي جاء ينتقم لأبيه! هذا الأب الذي مات قبل ولادة الابن بسنين عديدة.

(يضحك مقهقهًا وتضحك معه الحاشية.)

حوريس (صائحًا في غيظ) : كفى ضحكًا! … كفى ضحكًا … أنا ابن أوزيريس … ألا تصدقون؟
طيفون : لا تطلب إليهم أن يصدقوا ما لا يصدقه العقل!
حوريس (غاضبًا) : حذار يا طيفون أن تنكر نسبي هذا الإنكار!
طيفون : أتهددني أيضًا الآن؟!
حوريس : إن لم أكن ابن أوزيريس فابن من إذن أكون؟!
طيفون : أتسألني أنا؟ … سل أمك التي ولدتك!
الحاشية (يضحكون مقهقهين) :
إيزيس (لطيفون في هدوء وقور) : احترم زوجة أخيك أيها الرجل!
طيفون : قولي هذا لا يمسك بسوء أيتها السيدة، إنما أنا أدفع عن أخي الادعاء.
إيزيس : أتنكر أن حوريس هذا ابني.
طيفون : بل هو ابنك، أنت حرة في أن تأتي بولد من حيث تشائين!
إيزيس : هذا الولد هو ابن أوزيريس.
طيفون : أما هذا فأنكره.
إيزيس : ليس لابني أب غيره.
طيفون : له أب على كل حال … ولكنه ليس أخي أوزيريس بأي حال.
إيزيس : تعني أنه ابن سِفاح؟!
طيفون : أعني أنه ليس ابن أخي. وإذا كنت مصرة على إلصاقه بهذا النسب، فإني أشهد الناس على أنها مؤامرة … نعم أيها الشعب … تيقظ! … إنها مؤامرة تحاك خيوطها حولي لانتزاع الحكم مني! … زوجة أخي الذي مات غرقًا كما تعلمون تأتي اليوم بغلام لا ندري من أين جاءت به، فيرفع في وجهي السلاح ويطلبني للنزال ويدعي أن له حقًّا في العرش. كل ذلك واضح كالشمس، وما عليكم إلا أن تُحَكِّموا العقل فيظهر لكم هذا الاحتيال في صورة لا تحتاج إلى دليل.
الحاشية (صائحة) : الموت للمتآمرين! … الموت للطامعين! … الموت للمحتالين!
شيخ البلد : السكوت … السكوت.
طيفون (لشيخ البلد في غيظ) : اسكت أنت! … دع الشعب يحكم … إنه قد اكتشف المؤامرة ويريد أن ينفجر … دعه ينفجر!
شيخ البلد : سينفجر في الوقت المناسب.
طيفون (هامسًا له) : الآن أنسب الأوقات … افعل شيئًا … حركه قليلًا.
شيخ البلد : سيتحرك من تلقاء نفسه … عندما يفهم.
طيفون (يتجه إلى الناس) : افهم أيها الشعب … إنها مؤامرة … إنه احتيال … أتتركهم يتآمرون على ملكك المحبوب؟ … أتدعهم يحتالون على حكمك السعيد؟ … قل كلمتك! … قل كلمتك!
الشعب (ينبعث منه هياج مكتوم) : أليس ابن أوزيريس إذن؟!
طيفون (يحمس الشعب) : بل هو دعي محتال أيها الناس! … احكموا في هذا الاحتيال وهذه المؤامرة! … حكمكم هو الصدق! هو صوت الحق … الفِظوا كلمتكم … آزِروا مَلِكَكم!
توت : مهلًا يا طيفون! … مهلًا … لا تثر الناس بهذه الكلمات … إن للمؤامرة والاحتيال صورة واضحة في رأسك لأنك أعرف بهما، فلا عجب أن تتهم بهما الآخرين … ولكن دعني أسألك: هل طالبك حوريس بالعرش حتى تزعم أنه طامع محتال؟!
طيفون : إن مجرد ادعاء النسب يؤدي إلى هذا الهدف.
توت : في نظرك أنت … أنت الحريص على هذا الملك … ولكن حوريس كان يطالبك بالمبارزة لسبب آخر … أنت تعرف ما هو.
طيفون : استلاب ملكي.
توت : بل الانتقام لأبيه … هذا كل ما يعني هذا الابن البار، هذا هو ما يعتقد أنه واجبه.
طيفون : الانتقام لأبيه!

(يضحك ساخرًا)

إيزيس (صائحة) : نعم … الانتقام لأوزيريس الذي اغتلته أنت يا طيفون اغتيالًا … وأمرت بتمزيق جسده، وتقطيع أوصاله، وإلقاء كل عضو من أعضائه في مكان سحيق من النيل والبحيرات والمستنقعات.
طيفون : أهو ادعاء جديد؟!
إيزيس : بل هي الحقيقة التي تعلمها وتكتمها في أعماق نفسك المظلمة، فرقت بين أعضائه تفريقًا حتى لا أستطيع العثور عليه كما عثرت عليه أول مرة!
طيفون : إنها تهمة فظيعة، أوَتسكتون أيها الناس على هذا الاتهام الكاذب لي … ألا تعرفون كلكم أن أوزيريس مات غريقًا منذ أعوام طويلة؟ تكلموا … هذه امرأة جُنَّتْ ولا شك … بل هي كما يعرف أكثركم قد أضاعها السحر والتشرد حزنًا على زوجها … قولوا لها ما تعرفون عن موت أوزيريس … ألم يمت غريقًا؟
الشعب : نعم … مات غريقًا.
طيفون : أسمعتِ بأذنكِ ما يقوله الشعب؟!
إيزيس : لا … لم يمت غريقًا … هذه إشاعات أطلقتها أنت أيها الحاكم المغتصب، لقد حبسته في صندوق وألقيته في النيل وزعمت للناس أنه مات غريقًا. ولكن الصندوق حمله التيار والتقطه ملاحون وباعوه لملك بِبلُوس، وهناك عاش زوجي أوزيريس زمنًا حتى لحقت أنا به، وعدنا إلى مصر واختفينا في البراريِّ وأنجبنا حوريس هذا … وعشنا هانئَين إلى أن اكتشفت أنت يا طيفون وجودنا وقتلت زوجي هذا أشنع القتل … نعم، مرتين تقتل زوجي … مرتين تغتاله يدك الأثيمة!
طيفون : يا له من جنون! … يا لها من قصة لا يتخيلها إلا رأس ساحرة مخبولة!
إيزيس : تلك هي الحقيقة أيها الناس!
طيفون : أيمكنكم تصديق هذه القصة البارعة.
الشعب (يموج بالصياح) : أوزيريس وُضِعَ في صندوق؟
طيفون : أتصدقون هذا التلفيق؟
الشعب (صائحًا) : أوزيريس مات مقتولًا؟!
طيفون : أتصدقون هذا الافتراء؟!
الشعب (صائحًا) : نريد الدليل! … أين الدليل؟!
طيفون (بصوت المنتصر) : ها هي حكمة الشعب قد ظهرت … نعم الدليل … دليلك أيتها المرأة … هاتي الدليل!
إيزيس : سأقدم الدليل.
طيفون : أين هو؟ … أسرعي.
إيزيس (تبحث حولها مضطربة) : انتظروا قليلًا.
طيفون (ظافرًا) : ننتظر؟! أسمعتم أيها الناس؟! تريد منا أن ننتظر؟ … ننتظر ماذا؟ … ننتظر قليلًا حتى يتفتق خيالها الخِصب عن قصة جديدة … أتقبلون منها هذه السخرية بكم.
الشعب (صائحًا هائجًا) : لا … لا … لا … نريد الدليل حالًا … الدليل.
توت (يبحث حوله مرتبكًا) : أيها الشعب الكريم … لحظة واحدة … تفضل علينا بلحظة قصيرة … مهلة صغيرة.
طيفون (هازئًا) : أنت أيضًا يا توت قد فرغت جعبتك ووهنت حجتك … وتريد أن تستجدي الانتظار حتى يواتيك مدد من الإلهام والتفكير! … لماذا وضعت نفسك هذا الوضع المخزي، واخترت بعد طول انزواء أن تنضم إلى الجانب الخاسر الضعيف!
توت : واجبي مؤازرة الحق.
طيفون : بل قل التلفيق … إن الذي استهواك ويستهوي أمثالك من المغرورين هو أمثال هذه المواقف … مواقف البطولة الزائفة … حيث يطيب للخيال أن يمرح في تصورات ويهيم في أحلام وآمال … ولكن طاش سهمكم … وظهرت حقيقتكم … وما أنتم الآن أمام الشعب إلا كاذبون مختلِقون وخونة متآمرون.
إيزيس (هامسة لتوت في اضطراب ويأس) : ماذا نصنع الآن؟
توت (يهمس لها وهو يبحث حوله) : صبرًا … صبرًا.
طيفون : السخرية طالت بكم أيها الناس! … افترَوا أمامكم كل هذه الافتراءات، وعندما شاءت فطنتكم وطالبتموهم بالدليل … صمتوا وجمدوا كأنهم تماثيل! … أليس لكم الحق الآن في أن تصدروا حكمكم … العدل يقضي أن تلفِظ حكمك الآن أيها الشعب … إني أطالب بمحاكمة المختلِقين عليَّ … الكاذبين عليك … أطالبكم بالعدل أيها الناس … احكموا … احكموا
الحاشية (تصيح) : الموت للمفترين.
الشعب (هائجًا) : نعم … نعم … الموت … الموت.

(يظهر في هذه اللحظة ملك بِبلُوس وخلفه حاشيته.)

ملك بِبلُوس (صائحًا) : انتظروا … انتظروا.
طيفون (بغضب) : من هذا الرجل؟!
إيزيس (بفرح) : الدليل … ها هو ذا الدليل.
ملك بِبلُوس (ناظرًا إلى إيزيس معتذرًا) : أخرني عائق في الطريق.
طيفون : من هذا الرجل؟
الشعب (صائحًا) : من هذا الرجل؟!
إيزيس (صائحة في لهجة انتصار) : ملك بِبلُوس!
طيفون (يقطب الحاجبين) : ملك بِبلُوس!
توت : نعم … من فمه ستعلم ويعلم الجميع إذا كنا كاذبين أو صادقين.
طيفون : عدو أجنبي!
ملك بِبلُوس : بل صديق وضيف.
الشعب : فليتكلم ملك بِبلُوس.
ملك بِبلُوس : يا شعب مصر الكريم … بلدي يحييكم.
أرضنا في الشرق، شرق أرضكم … فإذا ذهب أحدكم اليوم إلينا سمع الناس عندنا يشيرون إليه بحب وفرح وإعجاب: هذا رجل من الغرب … من تلك البلاد التي جاءتنا بالصديق المصري، ذلك الذي بذر في أرضنا الخير والبركة بفكره وابتكاره واختراعه، وكان يعمل لدينا كالأجير يقوم مع الشمس الطالعة ويرجع مع الشمس الغاربة … ليس له من مطمع إلا خدمة الناس … في بلد غير بلده وقوم غير قومه … ذلك الصديق المصري كما يَدْعُونه عندنا هو «أوزيريس».
الشعب (متسائلًا) : أوزيريس؟!
ملك بِبلُوس : نعم … أوزيريس الذي أُلْقِيَ في نيلكم وطُرِدَ من بلادكم، وجاء به إلى قصري الملاحون فباعوه لي.
الشعب (صائحًا) : صدقت إيزيس إذن.
ملك بِبلُوس : صدِّقوا هذه السيدة في كل ما تقول … فهي من أشرف نساء الأرض.
الشعب : أوزيريس إذن لم يمت غرقًا؟!
ملك بِبلُوس : لقد خرج من بلادنا صحيحًا معافى معززًا مكرمًا في صحبة زوجته إيزيس، منذ نحو ثمانية عشر عامًا … وعلمت بعدئذ بقليل أنهما أنجبا ابنهما حوريس.
توت : ما قولك الآن يا طيفون؟
طيفون : كل هذا تلقين من إيزيس … وما أرى في هذا دليلًا على أن ملك بِبلُوس قد شاهد بعينيه أخي أوزيريس.
ملك بِبلُوس : شاهدته بعيني رأسي ومكث في قومي زمنًا وجاءني به الملاحون بصندوقه ودفعت لهم مالًا كثيرًا.
طيفون : ما دليلك؟ … طالبوه بالدليل!
ملك بِبلُوس : جئت بدليل لا تستطيع إنكاره.
طيفون : هات الدليل في الحال بغير انتظار.
ملك بِبلُوس : إليك!

(يشير إلى أحد أتباعه ويصفق بيديه … فتظهر جماعة من رجاله يحملون الصندوق.)

إيزيس (صائحة) : أتعرف هذا يا طيفون؟
طيفون (في صرخة تخرج على الرغم منه وقد شحب وجهه) : الصندوق!
إيزيس : نعم … الصندوق الذي وضعت فيه أخاك وألقيته به في النيل.
الشعب (هائجًا) : الصندوق! … الصندوق! إنه … القاتل … الموت للقاتل!
شيخ البلد (هامسًا في أذن طيفون) : انج بجلدك يا طيفون قبل فوات الأوان!
طيفون (وهو يتسلل بحذر خلف شيخ البلد) : خدعتني أيها اللعين … عندما دفعتني دفعًا إلى هذا الموقف أمام الشعب.

(يختفي هاربًا بينما الشعب يندفع إلى حوريس ويحمله على الأعناق.)

الشعب (هاتفًا) : إلى عرش أبيك يا حوريس … إلى المُلك يا حوريس … إلى الحكم.
حوريس : أعطوني رمحي … ولا تدعوا المجرم يهرب! … أريد الانتقام لأبي!
إيزيس (لابنها حوريس) : لا تلوث يدك النقية يا بني بدمه الدنس … حسبنا الشعب وقد عرف أخيرًا الحقيقة!
توت (لإيزيس) : كم من الجهد بذلت في حياتك يا إيزيس، كي يعرف الشعب الحقيقة.
إيزيس : ليس يهمني الجهد … كل أملي أن يكون زوجي أوزيريس في خلوده صافحًا عنا، راضيًا عما فعلنا.
[ستار]

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤