الساندوتش المُنقِذ

استيقظ «تختخ» مُبكِّرًا وبعد إفطار سريع استبدل ثيابه بثياب الصيَّادين الممزقة، وأخفى التليفون المحمول بين طيَّات ملابسه … وأعدَّ لنفسه ساندوتشًا من البيض المسلوق وضعه في جيبه … وبعد أن نظر في المرآة، واطمأنَّ على مظهره خرج … ولم يكد يسير بضعةَ أمتار حتى وجد «بسارية» في انتظاره.

تبادلا التحية وقال «تختخ»: هل هناك معلومات أخرى عن «الطابية» وعن السراديب التي تحتها؟

بسارية: كل ما أعرفه قلتُه لك … وإن كانت عصابة «القصاص» تمنع الصيَّادين من دخولها.

تختخ: هل يمكن أن تكون هناك عَلاقةٌ بين «الطابية» والمزرعة؟

بسارية: تقصد عن طريق السراديب؟

تختخ: نعم … في هذه الحالة يتمُّ الربط بين «البحر الميت» و«البحر الأبيض».

بسارية: ياه … إنها فكرة جهنمية.

اقتربا من المزرعة … ووقفا بين الصبيان الباحثين عن عمل … وأشار «بسارية» إلى الرجل الذي يقوم باختيار العمَّال الصغار إشارةً خاصةً؛ فهزَّ الرجلُ رأسَه وتقدَّما معًا، وأشار لهما الرجل بالدخول.

أحسَّ «تختخ» ببعض التوتر … فقد كان يخشَى أن يلاحظ أحدهم «الموبايل» الذي يحمله … ولكنه كان قد أخفاه جيدًا بين طيات ملابسه …

جلسا إلى الطبلية الضخمة التي يوضع عليها السمك المراد تنظيفه وكان معهما ثلاثة أطفال آخرين … وبدأ العمل و«تختخ» يُفكِّر كيف سيتمكَّن من تصوير المزرعة من الداخل، خاصةً السيارات والأشخاص … وكل ما يمكن أن يُتَّبع في الكشف عن عصابة «القصاص».

كانت كمية السمك قليلة هذا الصباح، وقدَّر «تختخ» أنهما لن يَبقيا في المخزن أكثرَ من ثلاث ساعات، وعليه أن يعمل بسرعة … وهكذا أخذ ينظر حوله مُختلِسًا النظر في القادمين والخارجين، وبسرعة أخرج الكاميرا، وأخذ يلتقط الصور … ولاحظ ثلاثة من الأشخاص يبدو أنهم أجانب نزلوا من سيارة فاخرة وتبادلوا بعض الكلمات ثم اتجهوا إلى مكاتب المزرعة، وثارت في نفس «تختخ» الرغبة في أن يعرف ماذا وراء الباب الكبير الذي تختفي خلفه مكاتب الإدارة.

نظر إلى الرجل الذي يقوم بمراقبتهم فلم يجدْه مكانه … وفكَّر أنَّ المراقِب وجد كميةَ السمك لا تستحقُّ المراقبة فانصرف إلى عمل آخر، وهكذا قام «تختخ» من مكانه وأخذ يتستَّر خلف السيارات الواقفة حتى وصل إلى الباب الكبير.

كان «بسارية» يتابعه بعينيه ويحاول أن يشغل الصبيان الآخرين بالكلام حتى اختفى عن ناظِرَيه.

وصل «تختخ» إلى الباب الكبير ووجد عن يمينه غرفةً كانت لحسن الحظ خاليةً فدخل فيها … وكانت أفضلَ مكان يمكن أن يصوِّر به ما يحدث في الداخل، فقد كان بها نافذة واسعة من الخشب استطاع أن يفتحَ أحدَ ضلفتَيها ويختفيَ خلف الأخرى، وأخذ يصوِّر تنكات السمك الحي الضخمة وهي تسير على قضبان حديدية إلى السفينة الواقفة في الخارج … وصناديق السمك الذي تم تنظيفه وتثليجه … وحاويات أخرى ضخمة لا يعرف ما بها … والأجانب الثلاثة يتحدثون مع بعض الأشخاص وهم يشيرون إلى الحمولة الضخمة التي ستحملها السفينة.

ظلَّ «تختخ» يصوِّر دون توقُّف، ثم شاهد الأجانب الثلاثة يتَّجهون إلى سياراتهم وعرَفَ أنهم سيخرجون من الباب الكبير فأسرع يخرج وفي خطوات سريعة حذِرَة كان يجلس في مكانه منهمكًا في تنظيف السمك وقد ارتفعت دقَّات قلبه وهو يجوس ببصره في المكان، ولكن كل شيء كان يمضي في هدوء.

كما قدَّر «تختخ»، انتهى عملهم بعد ثلاثِ ساعاتٍ تقريبًا، وبدءوا في الانصراف، وهو سعيد بأنه قام بالعمل المهم وهو تصويرُ مقرِّ المزرعة وحركة العمل فيها … وسعيد أيضًا أنه سيتقاضى الجنيهات الثلاثة أجره عن عمله … ولكن الجنيهات انخفضت إلى النصف، وقال الرجل وهو يصرف الأجور: إنكم عملتم نصف يوم فقط …

جاءت لحظات الخطر فجأة عندما صاح مراقِب الباب: أنت … أنت هناك!

توقَّف العمَّال الصغار وقد أصابهم الاضطراب … وقال الرجل مشيرًا إلى «تختخ»: أنت هناك!

تختخ: أنا؟!

الرجل: نعم … ماذا تضع في جيبك؟

كان «تختخ» قد نسيَ إخفاء الكاميرا تحت الثياب أثناء خروجه … وأدرك أنه وقع، وأنَّ مجهوداتِه ضاعت هباءً، وقد ينتظر عقابًا رادعًا أو يُسجَن في المزرعة.

في لمح البصر أخرج الكاميرا من جيبه وهو يلتصق في صديقه «بسارية» ووضعها في جيبه قائلًا: أسرِعْ أنت بالخروج.

واتجه «تختخ» إلى الرجل وهو يضع يده في جيبه حيث الساندوتش فقال الرجل: أخرِجْ يدك من جيبك.

أخرج «تختخ» يده وبها «ساندوتش» البيض المسلوق الذي كان قد أعدَّه في المنزل ليتناوله إذا جاع، وقال للرجل: إنه ساندوتش بيض.

أخذ الرجل يفتِّش «تختخ» فلم يجد شيئًا، وقال: هاتِ الساندوتش وامْشِ.

أسرع «تختخ» خارجًا وهو لا يُصدِّق أنه نجا من هذا المأزق الخطير بفضل ساندوتش البيض المسلوق، وتقابل مع «بسارية» الذي سلَّمه التليفون المحمول خارج المزرعة …

أسرع إلى الفيلَّا، وكان الأصدقاء يجلسون في الحديقة يتبادلون الأحاديث حول مغامرة «تختخ» في مزرعة السمك … وكلٌّ منهم يقدِّم تصوُّرًا لما حدث في المزرعة … وماذا فعل «تختخ» بالموبايل … وهل استطاع تنفيذ ما خطَّط له؟

كان الوقت حوالي الحادية عشرة، ولم يكونوا يتوقَّعون حضورَه قبل الرابعة كما حدث أمس … ولكن كم كانت دهشتهم عندما وجدوه يقف بباب الحديقة في ملابس الصيَّادين الممزقة وقد فاحت منه رائحة السمك!

صاحت «لوزة» وكانت أول من رآه: «تختخ» … «تختخ»!

أمَّا «زنجر» ففي قفزة واحدة كان عند قدميه ينبح ويهزُّ ذيله في فرح.

ابتسم «تختخ» ولم يتحدَّث، وأشار بيديه أنه سيدخل ليغتسل أولًا ثم يعود …

واشتدَّ النقاش وقال «عاطف»: ما دام قد ابتسم فلا بُدَّ أن مهمَّته نجحت …

محب: ولكن «تختخ» كثير السخرية من نفسه … ولعله يبتسم لفشله …

قال «سامي»: يقولون إنَّ الأذكياء فقط هم الذين يسخرون من أنفسهم.

ظهر «تختخ» وقد اغتسل وغيَّر ثيابه فصاحوا جميعًا: ما هذا التُّقل … قل لنا حالًا ماذا فعلت؟

تختخ: فعلت الكثير وكدت أسقط في يد العصابة.

احتبسَتْ أنفاسُ المغامرين وهم يستمعون إلى «تختخ» وهو يصف لهم المأزق الذي وقع فيه … وكيف خرج منه، فقالت «لوزة»: عاش ساندوتش البيض.

وردَّد الأصدقاء خلفها في مرح: عاش … عاش … عاش … ثم مدَّ «تختخ» يدَه بالموبايل إلى «سامي» قائلًا: شكرًا … سامي: لا بأس … دعنا نرى ماذا صورت …

أخذ «سامي» يستعيد الصور التي صوَّرها «تختخ» على «الموبايل»، وقال: ممتاز … إنها صور واضحة.

تختخ: المهم أن يكون لها فائدة.

سامي: أظنُّ أنَّ علينا أن نلجأ إلى الرائد «زياد» فهو الوحيد الذي يمكن أن يُفسِّر لنا هذه الصور … وقد يعرف بعض ما فيها من أشخاص … فهو مهتم بقضية الذين يسافرون ولا يعودون، والصحف تنشر هذه الموضوعات المثيرة، مما يُحرج رجال الشرطة.

أخذ المغامرون يتفحَّصون الصور واحدة واحدة … وعند صورة معينة قالت «نوسة»: أظنُّ أنَّ هذا هو رجل الموتوسيكل.

أخذ الجميع يتبادلون الصورة ويتفحَّصونها فعادت «نوسة» تقول: لقد قالته مرتين … فأنا أعرف طوله وشكله وملابسه … إنه في هذه الصورة بدون «خوذة»، ولكني متأكدة من أنه رجل الموتوسيكل.

تختخ: هذا يعني أنه جزء من العصابة.

عاطف: من الواضح أنه المسئول عن جميع الشبَّان الذين يريدون السفر للخارج … وهو الذي يأخذ النقود لتوصيلها للعصابة، فهو إذن مندوب العصابة عند الصيَّادين الشبَّان.

سامي: هذه المعلومات ستعجب الرائد «زياد».

محب: هيَّا نذهب إليه!

سامي: لنسأل عنه أولًا … فهو يخرج كثيرًا لمتابعة عمله كضابط مباحث … وهؤلاء لا يبقون في مكاتبهم كثيرًا.

تختخ: إذن اتصل به.

قام «سامي» إلى التليفون وطلب قسم شرطة «أبو قير» ولحسن الحظ كان الرائد «زياد» موجودًا … وبعد محادثة طويلة قال الرائد «زياد»: هل تقول إنَّ هناك صورًا؟

سامي: نعم … التقطها الصديق العزيز «تختخ».

زياد: «تختخ» أحد مجموعة المغامرين الخمسة؟

سامي: نعم.

زياد: هل هم عندك؟

سامي: نعم …

زياد: والكلب «زنجر»؟

سامي: والكلب «زنجر»!

زياد: إذن … لهم عندي مفاجأة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤