اللفَّة السوداء

استيقظ المغامرون الخمسة في وقت واحد تقريبًا … ووجدوا أنَّ «سامي» قد أعدَّ لهم إفطارًا ساخنًا … وقد اعترضت «نوسة» على ما قام به «سامي»، وقالت إنهم يريدون أن يجرِّبوا حياةً يخدمون فيها أنفسهم.

قال «سامي» ضاحكًا: الأيام قادمة … لا تقلقي!

أسرعوا بعد الإفطار وشُرْب الشاي إلى ملابس البحر … وانطلقوا يجرون في اتجاه البحر … كان الجوُّ رائعًا … شمس ساطعة … وبرد خفيف … وبحر أزرق صافي الزرقة.

ارتمَوْا كالأسماك في الماء عدا «نوسة» التي فضَّلت أن تجلس على الرمال تتأمَّل ما حولها وتُفكِّر في قصة الصبي الصغير «شلبي» … يا تُرى — هكذا حدَّثت نفسها — هل يمكنهم القيام بعمل ما لمعرفة مصير «أبو شلبي» الغائب؟

السؤال في كل لغز هو دائمًا: من أين نبدأ؟

إنهم غرباء في «أبو قير» … وأي نشاط سيقومون به سيلفت الأنظار إليهم. والطريف أنَّ البداية جاءت من خلال «نوسة»، فبينما كانت تُقلِّب صفحات كتاب «عصر العلم» الذي ألَّفه الدكتور «أحمد زويل» الحاصل على أرفع جائزة في العالم وهي جائزة «نوبل»، وكانت استعارته من مكتبة والد «سامي»، إذا بها تسمع «زنجر» ينبح تحت قدميها … وكان «زنجر» قد رفض نزول البحر أيضًا وفضَّل أن يجريَ على الشاطئ الرملي مطاردًا الكابوريا التي كانت تظهر على سطح الرمال ثم تختفي في الشقوق العميقة … وكانت «نوسة» تتابعه أحيانًا وتتابع الكتاب أحيانًا أخرى.

ونظرت «نوسة» إلى «زنجر» مُندهشةً، وقالت: ماذا هناك يا «زنجر»؟!

وأخذ «زنجر» ينبح ويهزُّ ذيله … وبين قدميه رأت «نوسة» لفَّةً سوداء صغيرة تقطر منها المياه.

قالت «نوسة»: ما هذا يا «زنجر»؟! هل هي كابوريا ميتة … أم فردة شراب قديمة؟

ظلَّ «زنجر» ينبح وكأنه يُنبِّه «نوسة» أنَّ المسألة أكبر من ذلك … وبعد لحظات تفكير مدَّت «نوسة» يدها والتقطت اللفَّة السوداء … كان ذهنها يعمل بسرعة … وأخذت تتلفَّت حولها لعلَّ هذه اللفَّة تكون لشخص ما على الشاطئ … ولكن الشاطئ في هذا الصباح الباكر كان خاليًا … وسمعت من بعيد صوتَ دراجة نارية (موتوسيكل) يبتعد … ثم ساد الصمت.

كان لا بُدَّ أن تُفكِّرَ «نوسة» مرة أخرى … هل تفتح اللفَّة لترى ما فيها؟ هل من حقها هذا؟ … وهل يمكن أن يكون في اللفَّة شيء خطر كالمخدِّرات أو المفرقعات؟

وفكَّرت أنها يجب أن تُعيد اللفَّة لصاحبها … ولكن من هو صاحبها؟! أو من هم أصحابها؟! وهي في هذه الحيرة بدأ المغامرون يخرجون من المياه … وهم يتصايحون ويتقافزون … وعندما وصلوا إلى مكان «نوسة» والمياه تقطر من أجسادهم كانت «نوسة» تمسك اللفَّة السوداء بيدها.

قال «محب»: ما هذا يا «نوسة»؟!

قالت: اسأل «زنجر».

محب: ما له «زنجر» وهذه اللفَّة؟

نوسة: هو الذي أحضرها!

تختخ: ومن أين أحضرها؟

نوسة: لا أدري …

أشار «تختخ» إلى «زنجر» وأمسك اللفَّة بيده وقال: من أين أحضرت هذه اللفَّة؟

قرَّبَ «تختخ» اللفَّة من أنف «زنجر» فأخذ يزمجر … فعاد «تختخ» يقول: من أين؟

أسرع «زنجر» يجري وخلفه الأصدقاء … وبعد نحو مائتي متر توقَّف عند مكان على الشاطئ بجوار صخرة عالية وأخذ يزوم وينبح.

قال «تختخ» مشيرًا للأصدقاء: لا تقتربوا من المكان كثيرًا … فقد يكون هناك خطر كامن … وفي نفس الوقت نريد أن نرى آثار من كانوا هنا … أو أصحاب اللفَّة السوداء.

أخذ الجميع يدورون حول المكان … كانت هناك آثار واضحة في الرمال … وآثار إطارات (كاوتش) موتوسيكل.

وتذكَّرت «نوسة» صوت الموتوسيكل الذي سمعته يبتعد … إذن فهذه الآثار هي آثار الموتوسيكل … وصاحبه هو صاحب هذه اللفَّة … ولكن ماذا كان يفعل سائق الموتوسيكل على الشاطئ في هذا الصباح الباكر؟!

قال «تختخ»: هناك آثار شخصين فقط … أحدهما يلبس زعانفَ للعَوْم … والآخر يلبس حذاءَ «مطاط» رياضيًّا.

لوزة: إذن هي بداية لغز!

ضحك الجميع … ولكن «لوزة» أضافت: رجل يلبس زعانف فهو خارج من الماء، وواحد يلبس «كوتش» فهو رياضي.

عاطف: ليس شرطًا أن يكون كل من يلبس «كوتش» رياضيًّا!

لوزة: ولكنه يركب موتوسيكلًا أيضًا!

تختخ: ليس هذا مهمًّا الآن … المهمُّ، ماذا في هذه اللفَّة؟

صمت الجميع؛ فقد يكون في اللفَّة شيء خطر!

قال «تختخ»: هاتي اللفَّة يا «نوسة»!

نوسة: ماذا ستفعل؟

تختخ: سأفتحها!

محب: ولكن يا «تختخ» قد يكون فيها مُتفجِّرات أو شيء خطر!

تختخ: سأقف بعيدًا عنكم!

عاطف: هل تخشى علينا ولا تخشى على نفسك؟!

أمسك «تختخ» باللفَّة يتحسَّسها برقة، ثم قال: هذه اللفَّة بها «كتاب» أو «نوتة» … وبها نقود.

ابتعد «تختخ» وهو يمسك باللفَّة … ولما أصبح على بعد نحو عشرين مترًا فتحها بحذر … كان بداخلها كما توقَّع «تختخ» مبلغ كبير من المال ونوتة وقد بللتها المياه.

وابتسم «تختخ» وهو يقول: كما توقَّعتُ بالضبط!

لوزة: فلوس؟!

تختخ: نعم!

قرَّر المغامرون الخمسة العودة إلى البيت لمناقشة ماذا يفعلون … وكان مِن رأي «عاطف» أن يذهبوا إلى قسم الشرطة لتسليم اللفَّة … وكان رأي الباقين أنَّ المسألة تحتاج إلى تفكير.

غادروا المكان وبعد أن ابتعدوا مسافةً كبيرةً سمعوا صوت موتوسيكل يقترب من الشاطئ فصاحت «لوزة» انبطحوا على الأرض.

انبطح الجميع خلف جدار مُتهدِّم، ونظروا إلى مصدر الصوت … كان موتوسيكل ضخم من طراز «هارلي» يدور حول المكان الذي وجدوا فيه اللفَّة السوداء … ثم نزل صاحبه وأخذ يتفحَّص المكان ثم سار إلى حيث كان المغامرون على الشاطئ … وأخذ يفحص الأرضَ ثم عاد مرةً أخرى إلى الموتوسيكل … كان يلبس خوذة سوداء فلم يروا وجهه …

همس «عاطف»: إنه يبحث عن اللفَّة السوداء!

نوسة: ماذا نفعل؟

تختخ: دعونا نفحصها أولًا … ونحن نعرف الآن من هو صاحبها!

لوزة: ولكننا لا نعرف اسمه!

تختخ: إن صاحب موتوسيكل من هذا الطراز الثمين لا بُدَّ أن يكون معروفًا في «أبو قير»!

أخذ سائق الموتوسيكل ينظر هنا وهناك دون أن يلحظ وجود المغامرين الذين كانوا يتمدَّدون على الرمال خلف جدار منزل قديم … بعد لحظات ركب السائق الموتوسيكل … وانطلق حتى قرب نهاية الشاطئ من الناحية الشرقية ثمَّ اختفى عن الأنظار.

استأنف المغامرون سيرهم حتى وصلوا إلى فيلَّا «سامي»، وسرعان ما جلسوا في حديقة المنزل التي كانت أشجار الجوافة والليمون والقشطة تُحيط بها.

وفي الحديقة، حيث رائحة الأزهار تملأ المكان، جلس المغامرون وقد تعلَّقت أبصارهم باللفَّة السوداء.

أمسك «تختخ» باللفَّة وأخذ يَصِفها … إنها من البلاستيك … سوداء … ولكنْ بداخلها كيسٌ من القماش السميك المُلوَّن بكل الألوان، ثم فتح «تختخ» اللفَّة وأطلق أصابعه داخلها، ثم أخرَجَها وبين أصابعه بضعُ أوراقٍ نقديَّة من فئة الخمسين والمائة جنيه … وذهل المغامرون … كان المبلغ يزيد على عشرة آلاف جنيه.

ولكن «تختخ» لم يهتمَّ بالمبلغ … فقد أخرجت أصابعه نوتةً ذاتَ غِلافٍ أسودَ أيضًا تسرَّبت إليها مياه قليلة … وفتح «تختخ» النوتة وقلَّب صفحاتها … كانت كلها أسماء وفي مقابلها مبالغ من النقود … ومدَّ أصابعه فإذا هو يمسك بمجموعة من المفاتيح.

ساد الصمت الجميع … ما هذا بالضبط؟ ما قصة المبلغ الكبير والنوتة والأسماء والمفاتيح؟

قال «تختخ»: أريد أن أتقدَّم ببعض الاستنتاجات.

التفت الجميع إليه وهو يُفسِّر ما يرَوْن … قال: إنَّ الواضح من الآثار أنَّ هناك ضفدعًا بشريًّا قدِمَ من المياه ليُسلِّمَ هذه اللفة السوداء إلى راكب الموتوسيكل … وهذا يفسِّر وجودَ بعض المياه في الكيس.

وصمت قليلًا ثم قال: وما دام تسليم هذه اللفَّة مُحاطًا بالسِّرِّية، فهذا يعني أنَّ هناك عملًا مخالفًا للقانون يتم … لأنه لو كان عملًا شرعيًّا لما كان هناك داعٍ لضفدعٍ بشريٍّ يخرج من المياه في الصباح الباكر ليُسلِّمَ هذه اللفَّة إلى راكب الموتوسيكل.

لوزة: ما معنى عمل غير شرعي يا «تختخ»؟

تختخ: يعني أنه عمل غير قانوني مثل السرقة والتهريب وغيرهما.

لوزة: وهل هذه سرقة أم تهريب؟

تختخ: أظنها أخطر من ذلك.

عاطف: ما دام عملًا غير قانوني فلنُبلغ الشرطة.

كانت «نوسة» تُقلِّب في النوتة فقالت: لقد قرأتُ بعضَ ما في النوتة السوداء … وأعتقد أننا عثرنا على طرف خيط.

لوزة: طرف خيط للغز؟!

تختخ: لننتظر ونرَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤