الفصل الرابع

العربُ في مصر

(١) حال مصر حين الفتح العربي

درسُ شأن العرب في مصرَ ذو فائدة عظيمة، فمصر من البلدان التي طالت إقامة العرب بها، وهي من البلدان التي أنشأوا فيها دولة مهمة، وهي من البلدان التي كان تأثيرُهم فيها أعظم مما في أي بلد آخر، ولا شيءَ يستوقف النظر كحَفَدة قدماء المصريين الذين قاوموا نفوذ الأغارقة والرومان على الخصوص، ثم اعتنقوا دين العرب ولغة العرب وحضارة العرب الغالبين، وصاروا عربًا خالصي العروبة، وفي فارس والهند امتزجت حضارة العرب بالحضارة السابقة، وفي مصر توارت أمام حضارة أتباع النبي الجديدة حضارةُ الفراعنة القديمة وحضارة اليونان والرومان التي تنضَّدت فوقها في قليل من المدن.

وتُثبت دراسة آثار العرب الماثلة في مصر أن ذلك الاستبدال كان تامًّا، والعرب لم يقتبسوا شيئًا من المباني القديمة الكثيرة التي وجدوها في أنحاء القطر المصري.

fig82
شكل ٤-١: من عرب وادي النيل (مصر العليا، من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

وتنطوي دراسة العرب في مصر على فائدة عظيمة من الناحية الإثنوغرافية، وقد ذكرنا في فصل سابق أنه لم ينشأ عن توالد العرب والمصريين عِرْقٌ جديد وَسَطٌ بين العرقين، وأن المصريين الذين صاروا عربًا باللغة والدين والحضارة لم يصيروا عربًا بدمائهم، فالشبه الوثيقُ بين فلاحي شواطئ النيل المعاصرين ووجوه أجدادهم المنقوشة على آثار العصر الفرعوني يدل على أن دَم القدماء لا يزال يجري في عروق أهل مصر.

ورأى العرب حينما استولَوا على مصر أنهم في بلاد تختلف بطرق معايشها وبيئتها عن جزيرة العرب وسورية، وكان كلُّ شيء في مصر، من حضارةٍ وسكانٍ وأرضٍ وجوٍّ، جديدًا غيرَ مألوف لديهم.

ولا بُدُّ لنا من النظر إلى تاريخ مصرَ وأحوال العيش الخاصة فيها لإدراك أسباب السرعة في استيلاء العرب على مصر، ولفَهْم سِرِّ تأثيرهم فيها.

وترجعُ بعض الآثار المصرية القديمة إلى ما قبل سبعة آلاف سنة أو ثمانية آلاف سنة، كما دلَّت عليه المباحث الحديثة، ومهما بَعُدْنا في الرجوع إلى عصور التاريخ وجدنا المصريين أصحاب حضارة راقية.

ونجهل مصدر حضارة قدماء المصريين تمامًا، وإن كنا نعلم أنها أقدم من جميع الحضارات التي أينعت على شواطئ البحر المتوسط، وأنها قامت على ضِفَّتِي النيل قبل أن تقتبس الشعوب الإغريقية منها فنونَها ومعتقداتها بقرون كثيرة.

fig83
شكل ٤-٢: نخيل الجيزة (من صورة فوتوغرافية).

وظنَّ العلماء المعاصرون، حين أحيَوا بمباحثهم مصر الغابرة، أنها لم تتبدل مع الزمن، ولكن إنعام النظر في آثارها التي تَمَّت في مختلف الأدوار يدل على أنها لم تشذ عن سُنة التطور العامة، وإن سارت حضارتها ببطء فيما مضى.

ويظهر أن كل شيء ثابتٌ خالد في معابدها ذات الأبواب الهائلة، وفي أهرامها التي تتحدى الدهر، وفي تحنيطها الذي يُزري بسنَّة الزمن، ونُظُمها التي تُحَرَّم كل تغيير وتبديل.

fig84
شكل ٤-٣: جزيرة الروضة في القاهرة (من تصوير إيبر).

ولم يَسهل، والحالة هذه، على الفاتحين أن يُؤَثِّروا في أمةٍ تلك حضارتها، فلقد تتابع غَزْوُ الأجنبي لمصر فظلَّت ثابتة على قديمها، واستولى الأغارقة والرومان على مصر من غير أن يؤثروا فيها، ونرى في المباني التي شادها البطالمة والقياصرة في مصر على طِراز فن العمارة المصري القديم من الأدلة ما يكفي لإثبات ثَبَات الحضارة المصرية القديمة بتوالي القرون.

وكانت مصر، حين ظهور العرب على مَسرَح التاريخ طُعْمَةً للغزاة الفاتحين منذ قرون كثيرة، فقد استولى الإسكندر عليها في سنة ٣٣٢ق.م، وطرد الفرس منها وأقام مدينة الإسكندرية فيها، ثم نادى أحد قُوَّاده، بطليموس سوتر، بنفسه مَلِكًا عليها في سنة ٣٠٤ق.م، وملكت أسرة البطالمة مصر مدة ٢٧٤ سنة، وكان آخر من تَوَلَّوا أمورَ مصر من تلك الأُسرة الملكة كليوباترة الشهيرة، ولما هَزَم أكتاڨيوس كليوپاترة وأنطونيوس في معركة أكسيوم في سنة ٣٠ق. م، أصبحت مصر ولاية رومانية، ولما قُسِّمت الدولة الرومانية على أثر وفاة ثيودوز في سنة ٣٩٥م كانت مصر من نصيب دولة الشرق الرومانية، وظلت مصر تابعة لهذه الدولة حتى سنة ٦٤٠م، أي السنة التي فتحها العرب فيها.

وداومت مصر في زمن البطالمة على تقاليدها القديمة، وعاشت فيه عيش رَغَد ٍورَخاء، وصارت الإسكندرية فيه مركزًا تجاريًّا مهمًّا وملجأ ثقافيًّا، وأقيمت فيه أبنية عظيمة على الطراز الفرعوني، كما تشهد بذلك بعض تلك الأبنية التي لا تزال قائمة في جزيرة الفيلة، فتُعَدُّ مُصَدِّقةً لمِا قلناه من انتحال جميع الفاتحين الجدد لتقاليد المصريين، وأنت إذا ما استثنيت المدن الإغريقية الرومانية التي أقيمت في مصر، كالإسكندرية مثلًا، لم تكد تشعر بأي تأثير كان لأولئك الغُزاة في مصر.

fig85
شكل ٤-٤: منظر القاهرة، ويرى مسجد قاغباي في أول الصورة (من صورة فوتوغرافية).

وعندما أصبحت النصرانية دين دولة القسطنطينية الرسمي أمر القيصر ثيودوز، في سنة ٣٨٩م، بهدم جميع تماثيل الآلهة المصرية القديمة ومعابدها وجميع ما يُذكِّر الناس بها، واكتفى بتشويه كتابات المعابد المصرية التي كانت من المتانة بحيث لم يَقدِر على هدمها بسهولة.

ولا تزال مصر ملأى بأنقاض ذلك التخريب الذي أملاه التعصب، وتُعدُّ تلك الأعمال من أفظع ما عرفه التاريخ من أثر عدم التسامح والبربرية، ومن دواعي الأسف أن كان من بواكير أعمال ناشري الدين الجديد، الذي حل محل دين الأغارقة والرومان، هدمُ المباني التي احترمها أكثر الفاتحين منذ خمسة آلاف سنة.

وأدَّت هذه الأعمال الوحشية بسرعة إلى إمحاء الحضارة المصرية، وزوال دَوْرِ الخط الهيروغليفي الذي حُلت رموزه في الزمن الحاضر، وأُكرهت مصر على انتحال النصرانية، وهبطت بذلك إلى دَرَكات الانحطاط مقدارًا فمقدارًا إلى أن جاء العرب.

وكان قيصر الروم هرقلُ سيد مصر حينما حاول العرب فتح مصر بقيادة أحد رجال الخليفة الثاني، وكان أشد البؤس والشقاء مما تعانيه مصر التي غَدَت ميدان قتالٍ للمذاهب النصرانية، وكانت هذه المذاهب تَكثُر في ذلك الزمن وتتلاعن وتتقاتل.

وكانت مصر التي أكلتها الانقسامات الدينية، ونهكتها مظالم الحاكم تحقد أشد الحقد على سادتها الكئيبين، وكانت تَعُدَّ من يُحَرِّرونها من أيدي قياصرة القسطنطينية مُنقِذين، فحُفظ هذا الشأن للعرب.

تلك هي حال مصر عند ظهور أتباع النبي، ولنتكلم عن طرق حياتها الخاصة في ذلك الزمن:

يجب أن ننتقل إلى وادي النيل؛ لكي نَطَّلع على أخلاق قدماء المصريين، وطرق حياتهم، ولأرض مصر وجوِّها من الخواص الثابتة بتقادم الزمن ما جعل الحياة فيها غير متحولة، ووَصفُ مصرَ الحاضرة وسكانها المعاصرين يتضمن تمثل ما كان عليه وادي النيل وأهلوه عندما ظهر العرب في هذا القطر.

من المعلوم أن مصر هي الوادي الضيقُ الذي أوجده النيلُ في سواء الصحراء، ويبلغ طول هذا الوادي مستقيمًا من الشلال الأول الواقع على حدود بلاد النوبة إلى البحر نحو مئتي فرسخ، ويبلغ طولُه معوجًّا من ذلك الشلال إلى البحر أكثر من ثلاثمائة فرسخ.

ويختلف وادي النيل عرضًا، فبينما تراه لا يزيد على خمسة كيلو مترات في مصر العليا تراه يزيد على عشرين كيلو مترًا في مصر الوسطى، وهو لا يكون عظيم الاتساع إلا بالقرب من مصب نهر النيل حيث ينقسم إلى ضِلعيه اللتين يتألف من ابتعاد إحداهما عن الأخرى شكل ٧، فيسمى السهل الواقع بينهما بالدلتا؛ لمشابهته الحرف اليوناني الذي يحمل هذا الاسم، ويبلغ أكبر طول في المثلث الذي يتألف على هذا الوجه نحو أربعين فرسخًا، ويبلغ أكبر عرض في هذا المثلث، أي من ناحية البحر، ستين فرسخًا.

والغِرْيَنُ١ الذي تتألف منه مصر خَصْبٌ جدًّا، وهو لا يحتاج إلى أكثر من نَضْحه بالماء ليُخرِج زَرْعَه، والنيل هو الذي يقوم بذلك حين فيضانه، وفي مصر نظام للرَّي، كالذي كان في زمن الفراعنة لا ريب، يؤدي إلى توزيع المياه بين أقسام الأرض التي لا يصل إليها النيل بنفسه.
وبَلَغَتْ أقسامٌ كثيرة من تلك الأرضين العجيبة من الخِصب مبلغًا تُخرِج معه في كل سنة ثلاثة زروع في كثير من الجهات، ويتم زرع تلك الأرضين من غير عناء تقريبًا، أي أنها لا تحتاج في الغالب إلى من يُثيرها لبَذرها، وهي تُغِلُّ أكثرَ من أرَاضِي البلدان الأخرى مع ذلك، فبينما تعطِي البُرَّة ما يترجح بين خمسة أمثالها وعشرة أمثالها في أخصب أراضي فرنسة تراها تُعطي خمسةَ عشرَ مِثلًا في أراضي مصر.٢
ولا يحتاج سكان مصر، بسبب جَوها الحار،٣ إلى وفرة القوت، ولا إلى ثقيل الثياب، ولا إلى مُحكم المنازل،٤ فالفلاح المصري يقتصر في طعامه على كِسَر يابسة من الخبز وقليل من الفواكه والبقول، ويَسكن كوخًا حقيرًا من تراب النيل المجبول بالتبن والماء، ويَلبَس جلبابًا أزرق، وإذا ما كان عمره أقل من أربع عشرة سنة كان من العُراة، وقد رأيتُ في مصر العليا وبالقرب من حدود النوبة، على الخصوص، عمالًا كثيرين لا يكاد يزيد ثوب كل واحد منهم على زُنَّار عَرضه بضعة سنتيمترات مشدود على وَسَطِه، وتترجح جميع نفقات الفلاح المصري السنوية في زماننا، الذي كَثُرت فيه نفقات الإنسان، بين سبعين فرنكًا و١٢٠ فرنكًا، ويَندُر أن تزيد أجرته اليومية على خمسين سنتيمًا، وأنبأني دليلي في الأقصر، أحمد، وهو لم يكن من سِفلَة الناس، أن نفقاته السنوية، هو وزوجه وأولاده الأربعة، نحو أربعمائة فرنك، وأنه يعيش بهذا المبلغ عيشًا لائقًا كثيرًا.

ولم تتقدم طرق الزراعة والاستغلال في مصر ما كانت عليه في زمن الفراعنة، ولا نرى من الفوائد ما يَحفِزُها إلى تغييرها ما دام النيل والشمس يُغنِيان فيها عن الأسمدة والحرث.

fig86
شكل ٤-٥: منظر القلعة ومسجد محمد علي في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

وتنظيمُ شؤون الرِّي مقدارًا فمقدارًا بزيادة القَنَوات والتُّرع هو كل ما يمكن إصلاحه وما تقضي المصلحة بإصلاحه، فبهذا يمكن إنقاذ أجزاء مصر التي يصل إليها ماء النيل من الصحراء، وتحويلُها إلى حقول خَصِبَة.

ولا بد من أن تكون مصر الغنية قد أثرت تأثيرًا حسنًا في العرب الفاتحين الذين جاءوا من صحاري بلادهم، فالكتابان الآتيان اللذان تبادلهما عمر بن الخطاب وعامله عمرو بن العاص يُثبتان درجة تقديرهما لفتح مصر.

كتب خليفة أبي بكر، عمر بن الخطاب، إلى عامله عمرو بن العاص يقول له: «أطلب منك يا عَمرو أن تَصف لي مصرَ وصفًا دقيقًا عند أخذكَ كتابي هذا؛ لأَتَمَثَّل ذلك البلد الجميل والسلام عليك.»

واسمع جواب عمرو بن العاص:
ورد إليَّ كتاب أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، يسألُنِي عن مصر، اعْلَمْ يا أمير المؤمنين، أن مصر تربة غبراء، وشجرة خضراء، طولها شهر، وعرضُها عشر، يكتنفها جبل أغبر، ورمل أعفر، يَخُطُّ وسطَها نهرٌ مبارك الغَدَوات، مَيْمُون الرَّوْحات، يجري بالزيادة والنقصان كجَري الشمس والقمر له أوان، يدرُّ حلابه، ويكثرُ عَجاجه، وتَعْظُم أمواجه، فتفيضُ على الجانبين، فلا يمكن التخلص من القُرى بعضِها إلى بعض إلا في صغار المراكب، وخِفاف القوارب، وزوارق كأنهن المخايل،٥ أو وُرْقُ٦ الأصائل، فإذا تكامل في زيادته نَكَص على عقبه كأول ما بدأ في جِرْيته وطما٧ في درَّته، فعند ذلك تَخرج مِلة محقورة يحرثون بطون الأرض، ويَبذرون بها الحب، يرجون بذلك النماء من الرب، لَقِيهَم ما سَعَوا من كَدِّهم، فناله عنهم أناس بغير جِدِّهم، فإذا أشرق الزرع وأشرف، سقاه الندا، وغَذَّاه من تحته الثرى، فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، فإذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رَقْشاء، فتبارك الله الخالق لِما يشاء، والذي يُصلح هذه البلاد ويُقِرُّ قاطنَها فيها أَلَّا يُقبَل قولُ خسيسها في رئيسها، وألا يُستأدَى خراج ثمرة إلا في أوانها، وأن يُصرف ثلثُ ارتفاعها في عمل جسورها وتُرعها، فإذا تَقَرَّر الحال مع العمال على هذه الأحوال تضاعف ارتفاع المال، واللهُ يُوَفِّقُ إلى حسن الحال.

وقد يكون نهر النيل الذي فيه سر غِنى مصرَ سببَ بؤسها، فإذا ما كان فيضانه دون الدرجة الكافية ضَرَبَت المجاعة أطنابها في مصر، وإذا دام القحط في مصر عِدَّة سنين لم يبقَ أمام الكثيرين من الفلاحين سوى الموت جوعًا، ومن ذلك القحطُ الهائل الذي نُكِبَت به مصر سنة (٤٦٢ﻫ / ١٠٦٩م) أيام الحكم العربي، فقد رَوَى مؤرخو العرب أنه حين نَقَص فيضان النيل عن درجة الكفاية خمسَ سنين متتابعة، وتَعَذَّر جلب القمح من الخارج بسبب الحروب الكثيرة التي كانت تقع في تلك السنين بلغت المجاعة في مصر مبلغًا صارت تُباع معه البيضة الواحدة بخمسة عشر فرنكًا والهِرَّة الواحدة بخمسة وأربعين فرنكًا، وأن الناس أكلوا في أثناء تلك المجاعة جِمال الخليفة وأفراسه التي كان عددها عشرة آلاف، وأنهم رَمَوا في إبَّانها وزيرَ الخليفة عن ظهر بغلته حينما كان ذاهبًا إلى الصلاة في المسجد فذبحوها وأكلوها على مرأى منه، ثم أكلوا جُثث الذين قُتِلوا بسبب هذا الاعتداء، ودامت تلك المجاعة، وكانت كلما دامت أكل الناسُ بعضُهم بعضًا، فكان يُذبح من يخرج من البيوت من الأولاد والنساء ويُؤكل لحمه مع عويله، ومما حدث أن نجت امرأة وكُتب لها حظُّ البقاء حيةً بعد أن أُكِل بعضُها في تلك الأيام، فكان الناس يشيرون إليها لطويل زمن بعد انقضاء المجاعة.

(٢) استيلاء العرب على مصر

فتح القائد عمرو بن العاص، الذي هو من عمَّال الخليفة الثاني، عمر، بلاد مصر في السنة الثامنة عشرة من الهجرة (٦٣٩م)، وقد ذكرنا ما كان عليه عمرو بن العاص من الحِذق والمهارة نحوَ سكان مصر، فهو لم يَتَعَرض إلى ديانتهم، ولا إلى نُظُمهم ولا عاداتهم، ولم يطالبهم بغير جزية سنوية قدرُها خمسةَ عشرَ فرنكًا عن كل رأس مقابل حمايتهم، فرضي المصريون بذلك شاكرين، ولم يَنِدَّ سوى الروم، أي الجنود والموظفين ورجال الدين الذين أَبَوا أن يخضعوا للغُزاة فالتجأوا إلى الإسكندرية، فحاصرها العرب حصارًا دام أربعة عشر شهرًا، وقُتل في أثنائه ثلاثة وعشرون ألفًا من العرب.

وكان عمرو بن العاص سمحًا رحيمًا نحو أهل الإسكندرية مع تلك الخسارة التي أُصيب بها العرب، ولم يَقِسُ عليهم، وصَنَع ما يكسِب به قلوبهم، وأجابهم إلى مطالبهم، وأصلح أسدادهم وتُرَعَهم، وأنفق الأموال الطائلة على شؤونهم العامة.

وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم؛ فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب، والتي تجعل المرء يسأل: كيف جَازَت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنًا طويلًا؟ وهذه القصة دُحضت في زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن نُثبت بما لدينا من الأدلة الواضحة أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح العربي بعناية كالتي هدموا بها التماثيل ولم يبقَ منها ما يُحرق.

وكان فتح الإسكندرية مُهِمًّا لدى العرب كفتح القدس، فقد أسفر عن فتحهم لمصر فتحًا نهائيًّا، وكان لهم به مصدر ثراء قوي، ونقطة ارتكاز يَقدِرون أن يستندوا إليها لقيامهم بفتوح جديدة أخرى.

ونحن، لكي نُقدِّر أهمية فتح العرب للإسكندرية ومقدار تأثيره في العالم، نرى أن نوجز ما كانت عليه حين دخول العرب بلاد مصر.

كانت الإسكندرية من أهم مدن العالم منذ أنشأها الإسكندر (سنة ٣٣٢ق.م) إلى أن فتحها عمرو بن العاص، أي في مدة ألف سنة، وكان يمكن عدُّها، وهي مركز لتجارة البحر المتوسط بأسره، ثانية مُدُن الإمبراطورية الشرقية، أي المدينة التي تأتي بعد القسطنطينية، وكان البطالمة قد اجتذبوا إليها أشهر علماء العالم وفلاسفته، وكانت تشتمل على أشهر المكتبات والمدارس.

بَيْد أن ذلك الرقيَّ العلمي لم يَدُم، فكانت، حين فتحها الرومان بقيادة قيصر (سنة ٤٨ق.م) قد أخذت في الذبول منذ زمن طويل.

ولم يَكَد فتحُ الرومان لها يتم حتى أخذت تنهض وتنتعش، وصارت ثانية المدن في الدولة الرومانية، ولكن هذا الرَّخاء كان مؤقتًا، فهي لم تلبث أن صارت مسرحًا للاختلافات الدينية، وتوالت فيها الثورات والفتن منذ القرن الثالث مع ما قام به القياصرة من أعمال القمع، ولما أصبحت النصرانية دين الدولة الرسمي أَمَر القيصر النصراني ثيودوز، لا الخليفة عمر بن الخطاب، بإبادة معابدها وتماثيلها وكتبها الوثنية كما ذكرنا ذلك آنفًا.

وحافظت الإسكندرية على شيء من مكانتها التجارية مع ما أصابها من النقص في عهد قياصرة الروم، وكان فيها من البقايا المهمة ما أدهش عامِل عمر بن الخطاب.

ولم يشاهد العرب مدينةً منتظمةً انتظام الإسكندرية، ونحن، وإن لم يكن عندنا علم قاطع بالحال التي كانت عليها حين الفتح العربي، نعرف بالضبط ما كانت عليه في القرن الثاني من الميلاد، ونحن، إذا ما أغضينا عما أصاب مبانيَها من الهدم، رَجَّحنا أنه لم يطرأ على رسمها تبديلٌ كبير منذ ذلك القرن.

fig87
شكل ٤-٦: داخل مسجد عمرو بن العاص (من تصوير كوست).

كانت الإسكندرية مستطيلة الشكل ذات طول ٥٠٠٠ متر وذات عرض ١٨٠٠ متر، وكانت تَقْطَعها طرقٌ مستقيمة طولًا وعرضًا، فتفصِلها إحدى هذه الطرق إلى قسمين.

ونَعُدُّ من الآثار المهمة، التي كانت في الإسكندرية: دار الصناعة الكبرى، والقصور الفخمة، ومعبد نپتون الذي كانت أساطينه تستوقف نظر الملاحين من بعيد، والتيمونيومَ الذي رأى أنطونيوس أن يقضي بقية عمره فيه معتزلًا بعد هزيمته في أكسيوم، والسيزاروم الذي أقام به قيصر منذ قيامه بالحصار، والمِسَلَّتَيْن، وغيرهما من الآثار الكثيرة، والأمپوريوم القائم على طول الأرصفة حيث كانت تباع السلع العالمية، والموزيوم حيث كانت المكتبة الشهيرة التي هي أعظم مكتبة في ذلك الحين، ولم يكن في ذلك الدور المنحط من العلماء غير أصحاب الكرامات والنُّحاة واللغويين ورجال الدين، وكان يقوم على تلٍّ، حيث ينتصب عمود بونپيوس اليوم، معبد السراپيوم ذو الأبواب الضخمة والتماثيل الهائلة المصنوعة من الغرانيت.

وكانت جزيرة فاروس تواجه الإسكندرية، وتقوم عليها المنارة الشهيرة التي صُنعت من الرخام الناصع، والتي كان نورها يُرى من مسافة عشرة فراسخ من البحر، فتُعَدُّ من عجائب الدنيا السبع، وكانت تتصل تلك الجزيرة بالبر بطريقٍ مُعَبَّدةٍ طولها ١٢٠٠متر.

أقام عمرو بن العاص حاميةً في الإسكندرية بعد الاستيلاء عليها، وأرسل كتائبه إلى داخل مصر، فاختارت مكانًا على شاطئ النيل حيث نَصَب فُسْطاطه، وأنشأت أكواخًا مؤقتةً لم تلبث أن بُدِّلَت، بعد مدة قصيرة، بيوتًا للجنود وقصورًا للقادة، وكانت هذه الأبنية نواةً لمدينة القاهرة المنافسة القادمة لبغداد، وسُمِّيت بالفسطاط، نسبةً إلى الفسطاط الذي نُصبت عليه.

ورَاق مكانُ الفسطاط عمرو بن العاص، فعزم على جعله عاصمةً له فحصَّنه بالأسوار مقيمًا عليه بيته، وقد ظلَّ ذلك المكان عاصمةً لمصر من زمن عمرو، أي منذ أكثر من اثني عشر قرنًا.

ودل ما قام به عمرو بن العاص من تنظيم مصر على عظيم حكمته، وعامل عمرو بن العاص الفلاحين بما لم يعرفوه من العدل والإنصاف منذ زمن طويل، وأنشأ للمسلمين وحدهم محاكم منظَّمة دائمة ومحاكم استئناف، فإذا كان أحد الخصوم مصريًّا حُقَّ للسلطات القبطية أن تتدخل، واحترم عمرو بن العاص نُظُم المصريين وعاداتهم ومعتقداتهم.

ولم يمنع عمرو بن العاص من عادات المصريين سوى عادة اختطاف إحدى العذارى الحسان من أبويها في كلِّ سنة، وقذفها في النيل؛ لكي يَمُنَّ إله النيل على مصر بما تحتاج إليه من ارتفاع الماء وقت الفيضان، وقد استبدل عمرو بن العاص بتلك العادةِ العادةَ التي لا تزال موجودةً إلى يومنا، وهي قَذف تمثالٍ خَزَفي، يُدْعَى العروس، في النيل في يومٍ معين من كل سنة، وإني أرى من المحتمل أن تكون هذه العادة، التي ترجع في القدم إلى ستة آلاف سنة، قد أتت من عادة تقريب القرابين البشرية في الديانة المصرية الأولى.

وسار عمرو بن العاص في مصرَ على غرار عمر بن الخطاب في القدس، فشمل الديانة النصرانية بحمايته، وسمح للأقباط بأن يستمروا على اختيار بطركٍ لهم كما في الماضي، ومن تسامحه أن أذِن للنصارى في إنشاء الكنائس في المدينة الإسلامية التي أسسها.

fig88
شكل ٤-٧: ساحة مسجد ابن طولون وحوضه ومئذنته (من تصوير إيبر).

وإذ لم يكن للمسلمين مساجد في مصر، وإذ زاد عدد من أسلم من النصارى، أقام عمرو بن العاص مسجدًا جميلًا على طِراز الحرم المكي، ولا يزال المسجد الشهير الذي أنشأه قائمًا مع عدم اكتراث الحكومة المصرية لتصدُّعه.

ولم يكتفِ عمرو بن العاص بفتح مصر الدنيا، بل زحف بجيشه إلى بلاد النوبة، أي أوغل في إثيوبية الرومان القديمة على رأس عشرين ألف جندي، ولم تخرج هذه الحملة عن صفة الغزوات التي لا تُؤدِّي إلى تنظيم جِدِّي ما دام العرب لم يستقروا ببلاد النوبة استقرارًا ثابتًا، بل اقتصروا على غزوها بين وقت وآخر، ومع ذلك فقد اعتنق النوبيون دين العرب ولغتهم كما اعتنقهما المصريون، واليوم إذا نظرت إلى النوبيين، وقد أتيح لي أن ألتقط صورًا فوتوغرافية لهم، رأيتهم قومًا مختلفي الألوان والملامح، فمنهم البيض الذين ينتسبون إلى عرب الحجاز، ومنهم سُود الجلود، ومنهم من هم حَسَنو الخِلْقة، ومن النوبيات من يشابهن مصريات العصر الفرعوني مشابهةً عظيمة.

وغزا العرب، غير مرةٍ بلادَ الحبشة، أو القسمَ المجاور منها للبحر الأحمر على الأقل، فكان تأثيرهم فيها دون تأثيرهم في بلاد النوبة، فقد حافظ الأحباش، الذين انتحلوا النصرانية منذ القرن الرابع، على دينهم، وإن شاعت اللغة العربية بينهم وصاروا أخلاطًا من الآدميين.

والمدة بين فتح العرب لمصر في سنة ٦٣٩م وفتح الترك لها سنة ١٥١٧م نحو تسعمائة سنة تداولت حكم مصر في أثنائها تسع دول:

fig89
شكل ٤-٨: داخل مسجد ابن طولون (من تصوير إيبر).

خضعت مصر لخلفاء المشرق (٦٣٩م–٨٧٠م)، ثم استقل وُلاتها فأسسوا الدولة الطولونية (٨٧٠م–٩٠٥م)، ثم استردَّ خلفاء بني العباس سلطانهم عليها لمدة قصيرة (٩٠٥م–٩٣٤م)، ثم قامت فيها الدولة الأخشيدية القليلة الأهمية (٩٣٤م–٩٧٢م)، ثم استولى عليها الفاطميون (٩٧٢م–١١٧١م) الذين اشتملت دولتهم على شمال إفريقية وجزيرة سَردينية وجزيرة صقلية وجزر البحر المتوسط وسورية فبلغت مصر في عهدهم ذُروة الرقي والرخاء.

ثم أصاب خلفاء مصر مثل ما أصاب خلفاء بغداد، فقد استحوذ عليهم صنف من المرتزقة الذين عُرفوا في التاريخ باسم المماليك، والذين تألف منهم حرسهم، والذين كانوا ينتسبون إلى الشعب الذي ينتسب إليه مرتزقة بغداد، ولم يتركوا لهم شيئًا من السلطة الحقيقية، فلما جاءت سنة ١٢٥٠م استبدَّ المماليك بالحكم نهائيًّا، وقد دام سلطانهم ٢٦٧ سنة.

وأقام المماليك في مصرَ دولتين من أصلين مختلفين، فأما الدولة الأولى: فهي دولة التركمان المماليك (١٢٥٠م–١٣٨١م) التي كان قَوَامها أناس من الترك، كما في بغداد، أُسِروا في القفقاس، وفيما جاور بحر قزوين؛ فبِيعوا كالأرِقَّاء، فهؤلاء الناس هم من المِلاح الأقوياء الذين لاح أنه سيتألف منهم حرس مختار للخلفاء، والذين كانوا ذوي منظر رائع بملابسهم الزاهية، وأسلحتهم الجميلة المرصعة بالأشعِرة التي قلَّدَهم بها الفرسان الصليبيون فاخترعوا علائم الشرف، والذين تقلد رؤساؤهم أعلى المناصب بالتدريج؛ لِمَا نالوا من الحُظوة فانفردوا بالمُلك فأقاموا دولتهم.

وأما دولة المماليك الثانية فهي الدولة المعروفة في التاريخ بدولة الشراكسة المماليك الذين لم يكونوا من ترك آسية العليا؛ بل من بلاد الشركس (١٣٨٢م–١٥١٦م)، والذين طَمِع سلاطين دولة التركمان المماليك في قوَّتهم؛ ليدرأوا بهم كيد التركمان الأشرار الذين خان أسلافُهم العربَ فيما مضى، وقد خَيَّب هؤلاء الشراكسةُ ظنَّهم، فاستبدوا بالحكم، وأقاموا دولتهم التي دامت إلى سنة ١٥١٦م حين قَضَى عليها السلطان سليم الأول، وحَوَّل مصر إلى ولاية تركية.

هنالك حانت ساعة انحطاط مصر، ثم شَمِلها سلطان الأوربيين الحديث الخَفِيُّ فلم يزدها إلا انحطاطًا.

وصارت مصر ولايةً تركية، ولم يلبث المماليك الذين قُهروا في بدء الأمر أن عاد إليهم نفوذهم الحقيقي، وكان المماليك من أشد من حاربهم ناپليون، ولم تنجُ مصر منهم إلا بفضل الجبار الذكي محمد علي الذي قتلهم على بَكرة أبيهم.

وكان المماليك يُجمَعون بانضمام أناس إليهم من الخارج، أي كان شراكسة مصر يشترون الموالي من بلاد الشركس؛ لإتمام عَدَدهم ما دام جوُّ مصر القَتَّالُ لا يلائم تناسل الأجانب، وكان شراكسة مصر ينقادون لفريقٍ من بَكَوَاتِهم الذين ظَلُّوا يختارون أجمل غِلمان الشركس لكتائبهم.

(٣) حضارة العرب في مصر

استَقَت حضارةُ العرب في مصر من اليَنبُوع الذي استقت منه حضارتهم في سورية وبغداد، وقامت حضارتهم في مصر بعناصرَ اقتبسوها من البزنطيين على الخصوص، ودلَّت مباني العرب الأولى في مصر على ذلك المصدر، ولم يلبث العرب أن تحرروا من المؤثرات الأجنبية كما تدلُّ عليه مبانيهم التي أقيمت بعد مباني الزمن الأول.

ويتصف عصر الفاطميين، الذي بلغت حضارة العرب فيه بمصر ذروة الرقي، بنُضج الفنون، وما تؤدي إليه الفنون من الصناعات، وبَارت القاهرةُ بغدادَ في الفنون لا العلوم، فمدارس القاهرة لم تبلغ من الشهرة ما بلغته جامعات بغداد، وسنعود إلى هذا حينما نبحث في النواحي الثقافية من حضارة العرب التي لا نبحث في غير قسمها المادي الآن.

وزاد دخل خلفاء مصر على دخل خلفاء بغداد في نهاية الأمر، وذلك بفضل خِصْبِ أَرَضي مصر وصِلاتها التجارية التي سنتكلم عنها في فصل آخر، وكان خلفاء مصر يقِفُون معظم ذلك الدخل على أمور الترف وبناء القصور، ولم تكن نفقات الإنشاء في ذلك العهد باهظةً في وادي النيل ما دامت أجرة البَنَّاء اليومية في أوائل القرن الحاضر ثمانين سنتيمًا، وأجرة الحفَّار خمسة عشر سنتيمًا، وثمن متر حجر البناء المكعب، ومنه أجرة قَلْعِه ونقله، فرنكًا واحدًا وعشرين سنتيمًا.

fig90
شكل ٤-٩: باب السيدة بالجامع الأزهر في القاهرة (من تصوير كوست).
fig91
شكل ٤-١٠: القسم الأعلى من مآذن الجامع الأزهر (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

وضَرَبَت الصناعةُ والصياغة والحياكة والنِّجادة والزخرفة بسهم كبير في الكمال في زمن الفاطميين (٩٧٢م–١١٧١م) كما روى المؤرخ العربي المقريزي الذي جاء البحث في آثار زمانه مصدِّقًا لروايته، فكانت جدران البيوت تُغطَّى بألواح القاشاني المَطلِيِّ أو بالملاط الكلسي الرخامي المزين بالزخارف الزاهية والنقوش العربية كما نتمثله بسهولةٍ من بعض القصور العربية الحاضرة في القاهرة، وكانت أرض تلك القصور تُفرَش بالفسيفساء، أو البُسُط الموشاة، وكان أثاثها يُصنع من الخشب الثمين المُرصَّع بالصدف أو العاج، وكانت متكآتُها ذات رياش مُزين في لحُمته بصور الحيوان، وكانت نمارقها تُكسَى بالنسائج الأرجوانية الرائعة.

وارتقت الصناعة المعدنية في زمن الفاطميين إلى حدٍّ بعيد أيضًا، كما يشهد بذلك ما انتهى إلينا من الأواني والأكواب والأباريق والأطباق والمصابيح، وغيرها من ألوف المصنوعات التي نشرنا صُور نماذج كثيرة لها في هذا الكتاب.

وكانت قصور الخلفاء الفاطميين فخمةً، ويثبت ما نراه في المساجد المصرية القديمة، التي ظلت قائمة، مِن الزخرف أنه لم يكن في وصف الكُتَّاب لها شيء من المبالغة.

وقَصَّ المؤرخون علينا نبأ القصر العربي القديم الذي بناه خمارويه ابن طولون سنة (٢٧١ﻫ / ٨٨٤م)، أي قبل ظهور الفاطميين، فقد كان يُحيط بذلك القصر، على حسب ما جاء في الأخبار العربية، رياضٌ واسعة ذات زهور على شكل آيٍ من القرآن، وكان يُرى في رِداهه الذهبية المُقْه٨ تماثيل لذلك الأمير ونسائه ذات ثياب ثمينة، وكانت له حظيرة جميلة للحيوانات الكثيرة، وكان يوجد تحت أحد أروقته الرخامية حوض زئبق عَرضه ثلاثون مترًا فينعكس عليه نور النهار وأشِعَّة القمر والنجوم، وكان يُشاهد من جَوْسَقٍ أنيقٍ فيه منظرٌ جميلٌ لحدائقه وللنيل والريف.
fig92
شكل ٤-١١: نافذة في جامع السلطان قلاوون.
ولا تكفي الأوصاف المختصرة التي جاءت في كتب العرب عن القصور العربية في مصر منذ ألف سنة، فترانا مضطرين إلى إتمامها بما رواه أوربيٌّ يُدعى غليوم الصوري في كتابه التاريخي عن حروب أمراء النصارى في فلسطين مستندًا إلى ما قَصَّه السفراء الذي أُرسلوا إلى بلاط ملكٍ مصري، قال غليوم الصوري:

نعتمد في وصف قصر الأمير الرائع الذي لم يكن له نظير في زماننا على ما قَصَّه أولئك السفراء الذين زاروه فرأوا فيه ما ليس في غيره من الجلال والنضارة والعظمة، فقد وصل أولئك السفراء، بعد أن مروا من مسالك وقاعاتٍ كثيرة، إلى أروقة النزهة، والرياضة ذات العماد المرمرية، والسقوف الذهبية الدقيقة الصنعة والبلاط الزاهي الألوان، وبَهَرهم جمالُ ما رأَوْا فبُهتوا، ولم تشبع عيونهم من النظر إلى تلك البدائع التي لم تكن لتخطر على قلوبهم، ومما شاهدوه: حياض السمك الرخامية، وأنواع الطيور المغرِّدة الملونة البراقة التي لم يسبق لنا علم بها، ثم طاف الخِصيان بهم في غُرف تفوق ما تقدم حسنًا ورُواءً، ومما رأوا هنالك أنواع ذات القوائم الأربع العجيبة، التي لا يَقدِر على تصويرها سوى ريشةِ رسامٍ تابع لهواه أو شاعر متحلل أو من يسبح روحه في أحلام الليل، والتي تنتجها بلاد الجنوب والشرق لا بلاد الغرب التي لا تراها، والتي قلما تسمع عنها شيئًا.

ويمكن تصوُّر ما كان عليه الخلفاء الفاطميون من الثراء عند النظر إلى قائمة الأموال التي روى المؤرخ المقريزي أن الخليفة المستنصر (٤٢٧ﻫ / ١٠٣٧م) اضطُر إلى بيعها؛ إرضاء لأولئك المرتزقة الذين تكلمنا عنهم آنفًا، وقلنا: إنهم استبدوا بالملك تقريبًا، ولا يُطعن في صحة رواية المقريزي الذي استند إلى مَحضَر وكيل الوزير ناصر الدولة، فالمرء حين يقرأها يرى أن ثروات العالم التقَت وتكدَّست في مصر منذ قرون كثيرة؛ لكي تُنثر على أحطِّ الجنود في آخر الأمر كما قال مسيو مارسيل.

قال مسيو مارسيل نقلًا عن المقريزي:
ذُكر في تلك القائمة العجيبة ما لا حصر له من أَمْدَاد٩ الزمرد والياقوت واللآلئ والمرجان، وما إلى ذلك من الحجارة الكريمة، وذُكر فيها ١٨٠٠٠ من آنية البِلَّور، ثَمَنُ بعضها ألف دينار (١٥٠٠٠ فرنك)، و٣٦٠٠٠ قطعة أخرى من البِلور، وبِساط من الذهب وَزْنُهُ ٥٤ أوقية، وأربعمائة قفصٍ كبير من الذهب، و٢٢٠٠٠ حِلْية من العنبر، وعِمامة مرصعة بالجواهر قيمتها ١٣٠٠٠ دينار (١٩٥٠٠٠٠ فرنك) وديوكٌ وطواويس وغزلان ذاتُ حجم طبيعي مصنوعة من الذهب ومرصعة باللآلئ والياقوت، وموائد مصنوعة من اليَصْب كبيرةٌ يستطيع أن يجلس حولها آكلون كثيرون معًا، ونخلة من الذهب في صُوَان من الذهب، وثمار وأزهار ذات حجم طبيعي من اللؤلؤ والياقوت، وحديقةٌ ذات تراب من الفضة المذهبة، وأرض من العنبر، وأشجار من الفضة وثمرات من الذهب والحجارة الكريمة، وخيمة مصنوعة من المُخْمَل والديباج الموشَّى بالذهب، دائرتُها خمسمائة ذراع (٦٢٥ قدم) وارتفاعها ٦٤ ذراعًا (٩٠ قدمًا) وبُسُطها تعدل حمل مائة بعير، وخيمةٌ أخرى مصنوعة من الإبريز قائمة على أعمدة من الفضة، وأخبيةٌ وزنها ثلاثةُ قناطير، وألفان من الزَّرابيِّ المزخرفة بالذهب ثمنُ إحداها ٢٢٠٠٠ دينار (٣٣٠٠٠٠ فرنك) وثمن أقلِّها ألف دينار (١٥٠٠٠ فرنك)، وخمسون ألف قطعة من النسائج الحريرية الموشاة بالذهب … إلخ.

وذلك إلى أن أمين بيت المال ابن عبد العزيز ذكر في قائمته أكثر من مائة ألف سلعة ثمينةٍ ومئتي ألف قطعة من السلاح سُلمَت أمامه.

fig93
شكل ٤-١٢: شارع في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

ويسأل الإنسان، عندما يعلم مقدار تلك الثروات: من أين أتت؟ ومن أي ينبوع كان الخلفاء يأخذون دخلهم الذي استطاعوا أن يجمعوا من الكنوز ما لا يَملِك مثلَه أي واحد من ملوك الزمن الحاضر؟

كانت ثروة الخلفاء الفاطميين تستند إلى مصدرين مختلفين: الحاصلات الزراعية والأعمال التجارية، والواقع أن مصر كانت مستودعًا للتجارة بين أوربة والهند وجزيرة العرب، وأن جميع سِلَع الشرق كانت تَمُرُّ، مُضطرَّةً، من طريق الإسكندرية إلى الغرب.

ورَوَى فريسكو بالدي الفلورنسي أنه كان يُرى من السفن في ميناء القاهرة في زمانه، أي في سنة ١٣٨٤م، أكثر مما في جنوة أو البندقية، وأن عدد الزوارق في نهر النيل كان ٣٦٠٠٠، فتُستخدم في الوَسْق والتفريغ، ويُرى من أثمان السلع التي ذُكِرَت في رحلة أحد أصحاب ڨاسكودوغاما أن مكاسب خلفاء مصر منها كانت وافرة إلى الغاية، وأن الأبازير والتوابل كانت تُباع في القاهرة بثمن أعلى مما عليه في كلكتة خمس مرات.

ودام مصدرُ الثراء الواسع هذا إلى أن جاوز ڨاسكودوغاما، في سنة ١٤٩٧م، رأس الرجاء الصالح، وبلغ شاطئ مَلَبَار الذي لم يَرَه أوربي قبلَه، والذي لم يختلف إليه أحد غير العرب حتى ذلك التاريخ.

وكانت الضربة التي نَزَلت بثروة خلفاء مصر بسبب هذا الاكتشاف عظيمة جدًّا، ولم يستطع الخلفاء أن يمنعوا بأساطيلهم الپرتغاليين من الاستقرار بالهند، ومن القضاء على تجارة العرب في الشرق الأقصى، أي على المصدر الأصلي لثروة ملوك مصر.

(٤) مباني العرب في مصر

مصر هي البلاد الوحيدة التي تُرى فيها المباني العربية القائمة منذ الدَّوْر الإسلامي الأول، والتي يمكن الباحث أن يَدرُس فيها تحوُّل فن العمارة العربي في مختلف الأدوار.

وإذ كان جميع تلك المباني العربية القديمة القائمة هو من المساجد على وجه التقريب، وكان أهمُّها في القاهرة، كان من السهل درسُها.

fig94
شكل ٤-١٣: منظر جامع السلطان حسن (من تصوير إيبر).

وظلت مدينة القاهرة، وإن شئت فقل أقسامها البعيدة من الأوربيين على الأقل، عربية تمامًا، ولنا بحالها الحاضرة، فكرةٌ عما كانت عليه في عصر الخلفاء.

والناظر إلى القاهرة من بعيدٍ يراها ذاتَ طابع شرقي يستوقف النظر، أي يراها ذات طابع لا يشاهَد مثلُه في أية مدينة أخرى على ما يحتمل، فهي مؤلفةٌ من بيوت بيض ذواتِ سقوف مستوية يُشرِف عليها مئاتٌ من المآذن الهِيفِ منفصلة عن النخل ارتفاعًا، وتسحر القاهرة من ينظر إليها من أعلى القلعة، ولا أعلم مدينةً تسحر القلوب بمنظرها كالقاهرة.

وشوارع القاهرة ضيقةٌ متلوِّيةٌ غير منتظمة كشوارع كل مدينة شرقية، وتكاد أطناف نوافذ البيوت في أحياء مصر القديمة، على الخصوص، تتماس، والحكمة في ضيق تلك الشوارع هي الاستكثار من الظل واستبقاءُ الرطوبة، ومن يَقطَع شوارع القاهرة وميادينها الكبيرة التي أنشئت على النمط الأوربي تحت وَهَج الشمس يَعْلَم سِرَّ تفضيل الناس، في مثل ذلك الجو، للشوارع الضيقة المملوءة بالظل على الشوارع الواسعة التي تُلهبها نار الشمس على الدوام.

ويستوقف تزاحم الأقدام في شوارع القاهرة نظرَ السياح في كل حين، ويُغري منظرها النفوس مع زيارة دمشق، فقد قضينا ساعات كثيرة في تأملها.

قال الدكتور إيزانبر: «يُرى، في الجمهور الأنمر١٠ المتزاحم، الفلاح المتواضع، والبدوي المتبختر، والقبطي أو اليهودي العبوس، واليوناني النشيط اليقظ، والقَوَّاس الألباني الثقيل المُتَزَيِّدُ، وأصناف الزنوج الذين تترجح ألوانهم بين الأبنوسي الخاص بالسوداني واللمعان الخاص بالبربري، ويتألف منظرٌ لا يَمَلُّ منه الأجنبي من القوافل الآتية من نواحي إفريقية وجزيرة العرب، ومن الجِمال الوئيدة المشي المتزنة الخُطا، ومن الحمير السريعة الخَطو التي يركبها صغار السادة من الشرقيين أو النساء المتحجبات بأزُرٍ قاتمة، ومن الباشوات الذين يمتطون بملابسهم الرسمية صهوة الخيل، ومن السَّقائين الذين يحملون أسقية جلدية لزجة، ومن أنواع الحمالين، ومن السُّوَّاس الصخابين الذين يضربون العربي البليد بسياطهم، ومن الفلاحات البائسات المتباطئات.»

أُنشِئتْ مدينة القاهرة الجديدة سنة (٣٥٩ﻫ / ٩٧٠م)، وهي تضم مدينة الفسطاط القديمة التي أقامها عمرو بن العاص فقامت مقامها، وعادت مدينة الفسطاط لا تكون اليوم إلا ضاحيةً لتلك المدينة تُعرَف الآن باسم مصر القديمة، وإن كانت مدينة عمرو بن العاص هذه لم تحمل سابقًا هذا الاسم غير المطابق للأصل.

وتمَّ إنشاء القاهرة بعد أن وُضِع حجرها الأول بثلاث سنين، وأنفق الفاطميون جزءًا كبيرًا من دخلهم الواسع على تجميلها وزخرفتها، ولم يألُ كلُّ عاهلٍ جُهدًا في أن يسبق سلفه في ذلك، ثم سار المماليك الذين حلَّوا محل الخلفاء العرب على غرار هؤلاء في تزيين القاهرة، ولم ينقطع أمر عُمرانها إلا بعد أن أصبحت مركز ولاية تركية، فقد أهملها الترك، فضلًا عن عدم زخرفتهم لها، واليوم تتدرج مبانيها المهمة إلى الخراب، وصار يُخشى زوالها في المستقبل القريب لعدم إصلاحها، وقد قال لي أحدُ عِليَة القوم في مصر: إنني أصبت في زيارتي لتلك المباني، فقد لا يبقى منها شيء يستحقُّ المشاهدة بعد سنين قليلة.

والآن ندرس، على عَجَل، أهمَّ مباني القاهرة وفق قِدَمِها، وقد اخترنا من مساجد القاهرة، التي تترجح بين أربعمائة مسجد وخمسمائة مسجد، ما هو أدل على تطور فن العمارة في جميع أدوارها، أي منذ إنشائها حتى الأزمنة الأخيرة:

(٤-١) جامع عمرو بن العاص (٢١ﻫ / ٦٤٢م)

جامع عمرو بن العاص من أقدم معابد المسلمين وأقدسها، وقد شَهِد بناءَه ثمانون صَحَابيًّا.

fig95
شكل ٤-١٤: بركة وضوء في جامع السلطان حسن كما هي في الوقت الحاضر (من صورة فوتوغرافية).

وأنشأ هذا المسجد فاتح مصر عمرو بن العاص فحمل اسمه، وكان المسجدَ الجامعَ الوحيد الذي اشتملت عليه مدينة الفسطاط في عهد الخلفاء الأربعة الأولين وفي زمن الدولة الأموية، ثم اتُّخذ رسمه نموذجًا زمنًا طويلًا ما بدا مثال المساجد الأولى.

ورسمُ المساجد الإسلامية الأولى بسيط، ومن يُنعم النظر في أحدها يُميِّزْها كلها، ويتألف كل واحد من هذه المساجد من ساحة مستطيلة محاطة بأَرْوِقَة واسعة ذات سقوف مستندة إلى صفوف كثيرة من الأعمدة، ويُخصَّص أكبر هذه الأروقة الأربعة مكانًا للعبادة، ويقع في وسَط هذه الساحة بِرْكَة للوضوء، وتقوم على أركان المسجد أبراجٌ مرتفعة تُسمَّى مآذن.

fig96
شكل ٤-١٥: مسجد آخور في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

ويوجد أمام أكثر المساجد القديمة ساحةٌ محاطة بمساكنَ للغرباء، وإصطبلاتٍ للخيل والجمال، وحَمَّامَات للعامة، ومناهل للشرب، وذلك أن المساجد الأولى ليست أماكن للعبادة وحدها، بل هي منازل للمسافرين أيضًا.

واستُعيرت أعمدة جامع عمرو بن العاص من مختلف المباني اليونانية والرومانية، وتعلوها أقواسٌ لا تختلف عن الأقواس القديمة إلا بانكسار خفيف في أعلاها، وبأشكالها التي تشابه نعل الفرس في أسفلها والتي أصبحت، بعد تعديل، من صفات فن العمارة العربي مع الزمن، ومَنَحَ شكلُ نعل الفرس، بتطبيقه على قاطع القِباب بعد ذلك، هذه القِبابَ هَيَفًا وروعة أسنى مما تجده في فَطَس القباب البزنطية.

fig97
شكل ٤-١٦: مسجد برقوق المشتمل على قبور الخلفاء (من صورة فوتوغرافية).

ولم يبقَ لساحة جامع عمرو بن العاص المستطيلة التي تحيط بها الأَرْوِقة سوى أعمدة قائمة في جانبين متقابلين منها، ويوجد في أحد هذين الجانبين صَفٌّ واحد من الأعمدة، وفي الجانب الآخر المقابل الذي هو مكان للصلاة ستةُ صفوف من الأعمدة، وتبلغ أقواس كل واحد من هذه الصفوف إحدى وعشرين قوسًا، ويكون، بذلك، مجموع الأعمدة التي في مكان الصلاة ١٢٦ عمودًا، وإذا نظرنا إلى الصف الأول من مكان الصلاة فرأيناه ذا أعمدة مُضَاعَفَة كان الحاصل الحقيقي لأعمدة مكان الصلاة ١٤٧ عمودًا.

ويوجَد في جامع عمرو بن العاص، كما في كل جامع إسلامي، مِحراب مُقَنْطَرٌ يَتَّجه نحو مكة، ويقيم المسلمون أمامه صلواتِهم، وفيه مِنبر للوعظ، والمحراب والمِنبر المذكوران بسيطان إلى الغاية.

ومثلُهما بساطة مِئذَنَتاه القليلتا الارتفاع، اللتان لم يكن لكل واحدةٍ منهما سوى رُواقٍ واحد ورأسٍ دقيق.

ولا ترى في جامع عمرو بن العاص شيئًا من الزينة والنقوش البارزة والدقائق التي اتصف بها فن العمارة العربيُّ في المستقبل، ويُوجَدُ لجامع عمرو بن العاص روعةٌ مع بساطته وغابة أعمدته وأقواسه، ومن المحزن حقًّا أن يَعْتَرِيَهُ الوهن كما يعتري أكثر المساجد القديمة في القاهرة.١١

(٤-٢) جامع ابن طولون (٢٤٣ﻫ / ٨٧٦م)

قام جامع ابن طولون على الطراز البسيط، وإن كان أكثر زُخرفًا من جامع عمرو، فرسْمُه العامُّ مثلُ رسم جامع عمرو، وهو، كجامع عمرو، مؤلَّف من ساحة مربعة تحيط بها الأقواس من كل جانب، وتقوم هذه الأقواس، المصنوع أعلاها على رسم البيكارين، والمصنوع أسفلُها على شكل نعل الفرس بما هو أبرز مما في جامع عمرو، على أركانٍ قوية تلتصق بزواياها أعمدةٌ ذاتُ تيجان منقوشة على الطراز البزنطي، وذلك بدلًا من أن تقوم على أعمدة كما في جامع عمرو، ويظهر أن هذه الأركان هي المصدر الذي اقتُبِس منه طِرازُ الأعمدة المُنْضَمَّة التي تُرى في كنائسنا القوطية كثيرًا.

وباطنُ سَقْفِ جامع ابن طولون، المستند إلى تلك الأقواس، مصنوعٌ من الخشب كما في جامع عمرو أيضًا، ولا تُرى فيه زخارفُ ونقوشٌ متدلِّيةٌ، وما في أطنافه ونوافذه وأسفل حناياه من الأزهار والأغصان المصنوعة يذكرنا بالطراز البزنطي مُبشِّرًا بظهور فن الزينة العربي.

وتُقرأ على أطناف باطن ذلك السَّقف خطوطٌ كوفيةٌ منقورةٌ في الخشب.

وتعلو جدران ذلك الجامع شُرَفٌ ذات منافذ للضياء.

وبُني ذلك الجامع من الآجُرِّ المكسوِّ بملاطٍ من الكلس والرُّخام، وصُنعت نقوشه وزخارفه من هذا الملاط أيضًا.

ولم يبقَ لذلك الجامع سوى مئذنةٍ واحدة، وهي برج مدرَّج مربَّع في أسفله، أسطوانيٌّ في وسطه مُثَمَّنُ الزوايا في أعلاه.

fig98
شكل ٤-١٧: سهل القبور في أسفل القلعة وجامع محمد علي (من صورة فوتوغرافية).

ويُرى في ساحة ذلك الجامع حوضٌ جميلٌ مغطَّى ذو نوافذ مثلثة في أعلى بابه.

وأصاب الوهنُ جامع ابن طولون، ولم تُبالِ حكومة مصر بهذا الأثر الفني العربي القديم، كما أنها لم تُبالِ بغيره من الآثار العربية، ويَرَى الناظر سقفه وجدرانه وكل شيء فيه على شفا الانهيار، ولن تمضيَ سنون قليلة حتى يُصبح أنقاضًا، وقد اضطُررنا لدخوله إلى كسر أحد أبوابه المُسَمَّرة؛ منعًا للناس من زيارته.

(٤-٣) الجامع الأزهر (٣٥٩ﻫ / ٩٧٠م)

fig99
شكل ٤-١٨: داخل جامع المؤيد (من تصوير كوست).

الجامع الأزهر أرقى زخرفًا من جامع ابن طولون، ولكنه يجب على من يدرسه أن يذكر أن كثيرًا من دقائقه تم بعد إنشائه بزمن طويل.

fig100
شكل ٤-١٩: جامع قايتباي (من صورة فوتوغرافية).

ويتمتع الجامع الأزهر، الذي بدأ بعمله مِثلَ جامعة منذ سنة ٣٧٥ﻫ، بشهرة واسعة بين المساجد الإسلامية. وللجامع الأزهر الآن تأثيرٌ كبيرٌ في بلاد الإسلام، والطلابُ يقصدونه أفرادًا وأَرْسَالًا من أنحاء العالم الإسلامي، وكيف لا وهو الملجأ الأخير لعلوم العرب في الشرق. وفي الجامع الأزهر أساتذة يَقبِضُون رواتبهم من دخله، ويُدَرِّسون فيه العلوم والآداب والتوحيد والفقه والطب والفلك والرياضيات والتاريخ، وكان عدد طلابه اثني عشر ألفًا فيما مضى، ولا يقل الآن عن هذا العدد كثيرًا، ويقوم بنفقات طلابه الفقراء.

ويشابه رسمُ الجامع الأزهر رسمَ المساجد السابقة، وما يحيط به من مختلف المساكن يُفسد رسمه القديم بعضَ الفساد.

وعلى من يريد أن يَتَمَثَّل طِراز الجامع الأزهر القديم أن يدرس صحنه الكبير، فأقواسه الحادة تقوم على ٣٨٠ عمودًا من الرخام السُّمَّاقي والمرمر والغرانيت، وقواعدُ هذه الأعمدة وتيجانُها أُخذت من أبنية قديمة، وقوس القناطر حادةٌ أكثر مما في المساجد الأولى، ومآذنه الرائعة أُنشئت بعد إقامته بزمن، وقد نَشَرْنا في هذا الكتاب صورةً فوتوغرافية التقطناها لها من أحد أرصفته، كما نشرنا أيضًا صورةً لمحراب فيه مُزيَّنٍ بشتى الألوان، وذلك في رَدهةٍ اتُّخِذَت ضريحًا لرجل عظيم.

(٤-٤) جامع قلاوون (٦٨٣ﻫ / ١٢٨٣م)

جامع قلاوون مثالٌ لِما كاد يَبْلُغه فن العمارة في أرقى أدواره، ومن دواعي الأسف أن لطَّخ الدَّهَّانون بعض أجزاء جُدرانه وباطن سُقُفه بحجة الإصلاح والترميم.

ويذكِّرنا جامع قلاوون في مجموعه بالمباني القوطية الأولى، وقد استوقفت هذه المشابهة أنظارَ العلماء الذين زاروه ﮐ «كوست» و«إيبر»، قال إيبر:
ومما يستحقُّ الذكر في مُقدَّم جامع قلاوون ومزاره مشابهتُه لمُقدَّم الكنائس القوطية الأوربية، وما فيه من أقواس الدَّعم الطويلة التي تقوم بينها أقواس صغيرة مستندة إلى أعمدة، وما كان من عدم وجود أفاريز فيه، وما فيه من الأساطين العاطلة من السطوح، وما فيه من الرِّتاج١٢ الذي يزيد المدخلَ زخرفًا وزينةً، والذي يُرى فيه كثير من الحنايا المتداخلة المرتكزة على أعمدة صغيرة متفاوتة، يُذكِّرنا في مجموعه الفاقد النظام والانسجام بالمباني التي أقيمت في ذلك الدور في فرنسة وألمانية وشمال إيطالية، وإننا — مع إضافتنا إلى ذلك الطراز العربيِّ ما تَطَلَّبه جَوُّ أوربة البارد الماطر وعاداتُها الدينية ونقاشة تماثيلها وسقوفُها المرتفعة وسطوحها الحادَّة الزوايا ومزاريبُها الناتئة وقباب أجراسها وتماثيلها — وجدنا أن النقوشَ البارزة هي زخرف فن العمارة العربي الذي نُقِل إلى إحدى الأمم النصرانية في الشمال: وذلك الطراز هو الذي نسميه الطراز القوطيَّ؛ فنرى مثاله الجميل في سنت شانيل الباريسية التي أقيمت في القرن الثالثَ عشرَ، أي في القرن الذي بُني فيه جامع قلاوون.

ويُرى في جامع قلاوون مزارٌ مُقَبَّب يضم قبر بَانِيهِ، وتقوم قناطر هذا المزار الرائع الطويلة على أركان ذات أعمدة متصلة بزواياها، ويُذكرنا هذا المزار، وتُذكرنا نوافذه المصنوعة على رسم البيكارين، بمباني أوربة التي أقيمت على الطراز القوطي كما يذكِّرنا جامع قلاوون نفسه بها.

وكان يلحق بجامع قلاوون مشفًى، وليس هذا المشفى موجودًا في الوقت الحاضر مع وصفه مطولًا في دليل نُشِرَ حديثًا في الشرق.

(٤-٥) جامع السلطان حسن (٧٥٧ﻫ / ١٣٥٦م)

بلغنا أنضرَ أدوار فنِّ العِمارة العربي بالتدريج، وهو ما أقيم فيه جامع السلطان حسن الذي هو أجمل مباني القاهرة.

وتُذكِّرنا سِعَة جامع السلطان حسن العظيمة بأكبر كنائسنا، وهو يزيد على كنيسة نوتردام الباريسية حجمًا، ويبلغ ارتفاع قُبَّتِه العظيمة ٥٥ مترًا، ويبلغ ارتفاع أعلى مآذنه ٨٦ مترًا، أي ضِعف ارتفاع عمود ڨندوم في باريس، ويبلغ طوله ١٤٠ مترًا وعرضه ٧٥ مترًا، ويبلغ ثِخَن جدرانه ثمانية أمتار، وقد بُنيت هذه الجدران من الحجارة المنحوتة خلافًا لجدران المساجد القديمة التي بنيت من الآجرِّ والرخام.

fig101
شكل ٤-٢٠: محراب جامع قايتباي ومنبره (من صورة فوتوغرافية).

ولجامع السلطان حسن في مجموعه منظر رائع لا نجد مثله في مساجد الهند الكبيرة التي تكلمنا عنها آنفًا.

fig102
شكل ٤-٢١: باب الفتوح (من تصوير إيبر).

ويختلف رسم جامع السلطان حسن العام بعض الاختلاف عن الرسم المعتاد الذي تكلمنا عنه، فهو قائم على شكل الصليب الإغريقى بدلًا من أن يكون مُربَّعًا، وهو، بدلًا من أن يكون محاطًا بالقناطر كما في المساجد السابقة، تجد في كل واحدة من جهات ساحته الداخلية مدخل بهوٍ فسيح ذي قنطرة عظيمة مصنوعة على رسم البيكارين نافذٍ إليها، وتُقام الصلاة في أكبر أبهائه ذي القبة التي يبلغ ارتفاعها ٢١ مترًا، ويشتمل هذا البهو الكبير على محراب ومنبر للوعظ كما تراه في جميع المساجد، وتستر قواطعَ الجدران كتاباتٌ ونقوش عربية، وتقوم في وسط تلك الساحة بِركة رائعة متداعية مع الأسف.

fig103
شكل ٤-٢٢: بئر يوسف التي صنعها العرب في القاهرة (من تصوير كوست).

ويشتمل جامع السلطان حسن على قبر بانيه، وهذا القبر في بهو يبلُغ عرض قبته ٢١ مترًا مع نقوش متدلِّية في القاعدة.

وتحيط بالبهو كتابات جميلة منقورة في خشب ارتفاعه مترٌ واحد تقريبًا.

ونرى أقواسه مُخَصَّرةً قليلًا كما في أكثر المساجد السابقة، ولم تعُمَّ الأقواس المصنوعة على شكل نعل الفرس إلا في المباني التي شادها العرب في الأندلس على العموم.

ويبلغ ارتفاع الرِّتاج الشمالي لجامع السلطان حسن عشرين مترًا، وهو مجوَّف على شكل نصف الدائرة، ويرتكز نصف القبة التي تعلوه على حجارة متدلية، وتغطِّي قواطعه نقوشٌ عربية كثيرة.

ولم ينَل جامع السلطان حسن من العناية أكثر مما نالته مساجد القاهرة الأخرى، فما فيه من الفسيفساء والنقوش والروافد١٣ يندثر شيئًا فشيئًا، وقد لا يبقى من هذا الأثر الرائع سوى الجدران بعد سنين قليلة.

وجميع مساجد ذلك الدور تستحق الذكر، فتُمثِّل، هي والمباني التي أقيمت في القرن الذي جاء بعدها، عصر فنِّ العمارة العربي الذهبي بمصر.

ومن مباني ذلك الدور أذكر، على الخصوص، جامع الأمير آخور ذا القبة الرائعة، والمباني الآتية.

(٤-٦) جامع برقوق (٧٨٤ﻫ / ١٣٨٤م)

بُني هذا الجامع من مداميك منظَّمةٍ حَجَرية بيض وحُمْرٍ، وهو من المباني التي نسميها مزارات الخلفاء، وتعبر مئذنته، مع مئذنة جامع قايتباي، عن المآذن العربية أحسن تعبير، ولقبابِه المُخصَّرة قليلًا هَيَفٌ يشمل النظر، وللقُبة التي هي فوق ضريح برقوق منظرٌ داخليٌّ ذو روعة وجلال، وتمسِك أركان البهو المربع هذه القبة بمدلياتٍ رائعة.

ويشتمل جامع برقوق على مِنبر عجيب من الرخام المنقوش، ويُعَد هذا المنبر، الذي هو تخاريم حجريةٌ بالحقيقة، من روائع الفن العربي، فإهمال مثل هذا المنبر وتعريضه للنهب من الجرائم الوحشية التي لا تُغتفر.

(٤-٧) جامع المؤيد (٨١٨ﻫ / ١٤١٥م)

جامع المؤيد في مجموعه أقل أهميةً من أكثر المساجد التي ذكرناها مع ما فيه من فَيض الزخارف، وهو إذا ما نُظِر إليه من ناحية زخارفه عُدَّ من أغنى مساجد القاهرة، وسيصبح أنقاضًا بعد قليل من الزمن لإهمال أمره كما سيصير إليه أكثر المباني التي ذكرناها، وفي هذا الجامع شاهدتُ سقوفًا ذات رقاعٍ منقورة مدهونة ملونة يندر وجودها في القاهرة الآن، وشاهدت أبوابًا عظيمة ذات أعمدة تعلوها أقواس مُخَصَّرة قليلًا في قاعدتها مصنوعة على رسم البيكارين، وشاهدتُ نوافذ جميلةً مصنوعة أيضًا على رسم البيكارين تُحيط بها كتابات وفسيفساء أنيقة.

(٤-٨) جامع قايتباي (٨٧٢ﻫ / ١٤٦٨م)

يشتهر هذا الجامع بقبته الكاسية بالزينة العربية البارزة النقوش، وبمئذنته الرائعة المثلثة الطبقات المغطاة بالنقوش، والمعدودة عنوان فن العمارة العربي الأخير على ما يحتمل، والناظر إلى هذه المئذنة يشاهد درجة ذوق العرب الفني في الزخرف البارز على الحجارة التي تُصنع منها المساند والأطناف والأروقة الناتئة عن مستوى جُدران المآذن، والتي تكتسب بها المآذن منظرًا رائعًا لا ترى مثله في البرج المربَّع أو البرج الأسطواني.

ويعد جامع قايتباي كما يُعَد جامع برقوق، من المباني المتصدعة التي يُسَمِّيها الناس مزارات الخلفاء، وأقيم أكثر هذه المباني في زمن المماليك الشراكسة، وذلك في سهل رملي قريب من القاهرة، ويتألف من مجموع هذه المباني منظر من أجمل ما رأيت، ويُرى في الناحية الأخرى من القاهرة، وبالقرب من القلعة، سهلٌ آخر ذو مزارات مهمة ممتعة كثيرًا بُنِيَت في مختلف الأدوار، ويعلو هذه المزارات متنوع المآذن والقباب، ولا أرى أن أُفَصِّل أمرَها لِمَا في ذلك من الخروج عن نطاق هذا الفصل، ومع ذلك فقد نشرنا صورةً فوتوغرافية لهذه المقبرة في هذا الكتاب.

(٤-٩) المساجد التركية في القاهرة

لا أرى بين المساجد والقصور القليلة التي أنشئت منذ أوائل القرن السادس عشر، أي منذ استيلاء الترك على مصر، مسجدًا واحدًا أو قصرًا واحدًا يستحق الذكر، ولو نظرت إلى أهم المباني التركية في مصر، أي إلى جامع محمد علي الضخم ذي القبة الفَطْساء والمآذن الأسطوانية الهزيلة التي تنتهي بما يشبه المطفأة، لرأيت الهُوَّة العميقة التي تَفصل بين ذوق العرب الفني وذوق الترك.

fig104
شكل ٤-٢٣: ردهة استقبال عربية في القاهرة (من تصوير پريس الأفيني).

نعم، لم يكن العرب حين فتحوا مصر من رجال الفن المتضلعين، ولكن ما فُطروا عليه من الذوق الفني العالي حفزهم إلى ابتداع طراز عمارة جديد من عناصر الفن البزنطي، وغير ذلك أمر أولئك الترك الذين لم يكونوا أهلًا للانتفاع بمواهب أساتذة الفن وأمثلته، والذين لم يَرَوا، حين أرادوا إنشاء جامع في القاهرة، غير نَسْخِ عمارة أيا صوفية الثقيلة التي كانت كنيسةً بزنطية، والتي هي عنوان مرحلة فنية جاوزها العرب منذ زمن طويل، فعند تلك المرحلة وقف الترك، ولم يستطيعوا قطعها.

(٤-١٠) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

أبواب المدينة، القلعة، بئر يوسف … إلخ: أذكر، من بين الآثار العربية التي أقيمت في عصر الخلفاء والتي يَتَجَلى فيها فن العمارة العربي، بابين من أبواب القاهرة، وهما: باب النصر وباب الفتوح اللذان أنشأهما الخليفة الفاطمي المستنصر في القرن الحادي عشر من الميلاد.

وأذكر كذلك قلعة القاهرة التي أنشأها السلطان صلاح الدين في القرن الثاني عشر، وتستقي هذه القلعة ماءها من بئر منقورة في الصخر نقرًا يدل على مهارة مهندسي ذلك الزمن، ويبلغ عمق هذه البئر ٨٨ مترًا، ويبلغ مدخلها ثمانية أمتار، وتُقسَّم إلى طبقتين، ويُرفع ماؤها بقوة الثيران التي تحرك دولابها ذا السُّبَح والقُلَلِ، ويمكن النزول حتى الطبقة الأولى من هذه البئر بطريقٍ مستديرة سهلة الانحدار ذات قُصْفانٍ١٤ واطئة إلى حد يسهل معه نزول الثيران إليها وصعودها منها.

ونشاهد في القاهرة آثارًا كثيرة للحضارة العربية، كالمنازل والأسلحة ومختلف المصنوعات وغيرها من الأشياء التي سندرسها في فصول أخرى، فإذا أضاف القارئ درسَ هذه الأشياء إلى درس الآثار التي ذكرناها آنفًا اتضح له أمر الحضارة التي أقامها رجال القرآن في مصر.

هوامش

(١) الغرين: الطين الذي حمله السيل فيبقى على وجه الأرض رطبًا كان أو يابسًا.
(٢) ظهر من محادثتى لكثير من التجار في مصر العليا أن متوسط ما تعطيه الأرضون هنالك هو ١٢٪ بعد النفقات، ومع ذلك فإن ثمن الحبوب يكون من الانخفاض ما تقضي المصلحة معه بإصدارها إلى إنكلترة، وإن زادت نفقات النقل على ٣٠٪ من قيمتها.
(٣) قلما ينزل المطر في مصر العليا، وتكون درجة الحرارة فيها مرتفعة حتى في الشتاء، وكانت تختلف وقت الظهر من شهر نوفمبر وشهر ديسمبر سنة ١٨٨٢ بين ١٩ درجة و٢٧ درجة، وذلك في أثناء سياحتي في أسيوط وطيبة.
(٤) ذلك إلى حين انقضاض الترك، والأوربيين مؤخرًا، على الفلاح المصري على الأقل. والترك والأوربيون الذين لم يتركوا للفلاح المصري من غلته غير ما يمسك رمقه، قد جاوزوا الحدود فأخذا يسلبونه حتى هذا المقدار الضروري، فاضطروه إلى الاقتيات بالعشب غالبًا، ولا يتمتع الفلاح المصري من نعم الحضارة بغير ما يسمع عما في مدينة القاهرة النائية من الشوارع الجميلة والأغنياء، ولذلك ومع ما اتصف به الفلاح المصري من الدعة والخضوع البالغين، كاد يطير من الحماسة حين بلغه نبأ الثورة التي اعتقد أنها ستسفر عن طرد جميع الأجانب من وادي النيل، وللفلاح المصري الذي يُساق بالسياط إلى العمل بلا انقطاع في سبيل اغتناء المضاربين من الترك والأوربيين الكثيري الطمع والشره، وللهندي الذي يقاسي ضروب البؤس والشقاء في سبيل سعادة سادته الجدد أن يقولا، أحيانًا، إن الشعوب المتمدنة الحديثة لم تفتح البلدان إلا لتستغل سكانها استغلالًا يثير حسد طغاة الفاتحين الذين يصب التاريخ عليهم غضبه.
(٥) المخايل من السحب: المُنذرة بالمطر.
(٦) الورق: جمع الورقاء، أي التي لونها لون الرماد.
(٧) طما الماء: ارتفع وملأ النهر، وطما البحر: امتلأ.
(٨) المقهاء: مؤنث الأمقه، وهو ما به مقه، وهو بياض في زرقة.
(٩) الأمداد: جمع المد، وهو مكيال، والمد رطلان عند أهل العراق ورطل وثلث عند أهل الحجاز، وقيل: المد هو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يديه بهما، وبه سُمي مدًّا، قاله الفيروزآبادي، وقال: قد جربت ذلك فوجدته صحيحًا.
(١٠) الجمهور الأنمر: فيه الأبيض وفيه الأسود.
(١١) ينقل بعض المؤلفين المحققين ﮐ «باتيسيه» ما رواه مؤرخو العرب من أنه كان يوقد في مسجد عمرو بن العاص في كل ليلة ١٨٠٠٠ مصباح، وأنه كان يستنفد لهذا الغرض ١١٠٠٠ قنطار من الزيت الصافي يوميًّا، فأرى أن أقل نظرة تكفي لبيان فساد هذه الرواية، فمن المستحيل أن يستنفد كل مصباح ٦١ كيلو غرام زيت في كل ليلة، كما أن نقل تلك القناطير من الزيت إلى الجامع في كل يوم يستلزم جحفلًا من الجمال.
(١٢) الرتاج: الباب العظيم، الباب المغلق وفيه باب صغير.
(١٣) الروافد: جمع الرافدة وهي خشبة السقف التي فوق الجسر، والعامة تسميها الوصلة.
(١٤) القصفان: جمع القصفة، وهي مرقاة الدرجة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤