الفصل السادس والثلاثون

طالعني وجهه المتوج بشعرٍ فضِّي ناعم على صدر الصفحة الأولى من «الكرونيكل»، أطره مربع صغير في ركن صورة أكبر لجسمه المسجَّی فوق نقَّالة. تعرَّفت عليه في الحال: موظف البنك الدمث الذي يحب صيد السمك مع أحفاده.

سردت الصحيفة التفاصيل: فقبل انتهاء ساعات العمل. كانت صالة البنك مليئة بالعملاء. وعندما وصل أحدهم — وهو رجل أبيض — إلى الشباك أخرج مسدسًا من حقيبته، وصوَّبه إلى العاملة، طالبًا منها أن تملأ حقيبته بأوراق مالية من فئة المائة دولار. حاول شاب من الواقفين خلفه تطويقه وإجباره على إلقاء مسدسه، فانطلقت منه رصاصة استقرَّت في رأس الموظف الجالس في مكتبه القريب. وتناول الرجل حقيبة النقود واندفع خارجًا، فوجد نفسه محاصرًا بالبوليس. أطلق عليهم النار وردوا، فأُصيب في مقتل، وأصيب أيضًا رجلان من الشرطة وأحد المارة، وتهشَّم زجاج عدة سيارات.

حملت الصفحة أيضًا صورة من «نيودلهي» لعاطل يعول ثلاثة أطفال أُصيبت ساقه بالغرغرينا، ولم يتمكَّن من دفع تكلفة العملية الجراحية اللازمة لبترها وهي ٣٥٠ دولارًا، فوضعها فوق الشريط الحديدي ليعبر عليها القطار. وفي ذيل الصفحة نفسها، ورد أن شركة أمريكية بدأت في استنساخ الحيوانات الأليفة للأثرياء، مقابل ربع مليون دولار للقطة أو الكلب الواحد.

فكرت أن الجريدة أرادت من القارئ أن يربط بين النبأين، ثم استبعدت ذلك بسبب تباعد مكانيهما على الصفحة، ورجَّحت أن القائمين عليها لم ينتبهوا للعلاقة بينهما.

قلَّبت الصفحات وقرأت نبأ حكم قضائي بإلغاء قانون تحديد الإيجارات في المدينة، وصدر الحكم بناءً على دعوى أقامها أستاذ في جامعة «بيركلي» يملك عدة منازل ويؤجرها. وقالت الصحيفة: إن محاميته هي زوجته، وإن إيجارات بعض المنازل قد ارتفعت بنسبة عشرة أضعاف بعد الحكم. تأمَّلت صورته بإمعان، ثم بحثت عن الشريط الذي أعطتنيه «شادويك»، وضعته في الفيديو وسرعت العرض. ولم تمضِ دقائق حتى تبينته بين الطلبة المتظاهرين، ثم بين المعلقين الذين استعان بهم صنَّاع الفيلم.

أغلقت الفيديو وعدت إلى الصحيفة، قرأت نبأً عن عزم شركات الطيران الأمريكية توسيع مقاعدها؛ بسبب الزيادة المطَّردة في أجسام الركاب.

ألقيت بالصحيفة جانبًا، وفتحت بريدي الإلكتروني. وجدت أربع رسائل؛ واحدة من «ميجان» تطلب زيارتي، وأخرى من «دوريس» تستكشف إمكانية انضمامي لحفل رأس السنة بمنزلها، أما الثالثة فمن «إكس»، والرابعة من «لاري»، ومرسلة إليه من شخص يُدعى «يائيل كورين» يعدد «العروض السخية» التي قُدمت للفلسطينيين. فتحتها وقرأت ما يلي:
  • خطة الأمم المتحدة للتقسيم وعدت الفلسطينيين ﺑ ٤٧٪ من ١٠٠٪ من أراضيهم.

  • اتفاق «أوسلو» وعدهم ﺑ ٢٢٪ من اﻟ ١٠٠٪ من أراضيهم.

  • عرض «باراك» السَّخي: سوف نمنحكم ٨٠٪ من اﻟ ٢٢٪ من اﻟ ١٠٠٪ من أراضيكم.

  • العرض القادم: ٤٢٪ من اﻟ ۸٠٪ من اﻟ ٢٢٪ من اﻟ ١٠٠٪ من أراضيكم.

  • الصهيونية الأمريكية: وفقًا لتفسيرات الكتاب المقدس لا تستحقون أكثر من ٫٥٪ من ٤٢٪ من ۸٠٪ من ٢٢٪ من ١٠٠٪ من أراضيكم.

عُدت إلى رسالة «إكس» ففتحتها، وقرأت: «عندما أقوم بمداعبة نفسي أتخيلك تتفرج عليَّ، ومع ذلك أنت لا تستحقني لأنك وأمثالك زبالة.»

أغلقت الكمبيوتر، وأدرت قناة التليفزيون العربية التي تظهر قرب الظهيرة. لم تكن أخبارها المحلية تتعدى عناوين المطاعم التي يمكن الاحتفال فيها بليلة رأس السنة، وتتخللها أغاني الشوق والغربة من «فيروز» و«فايزة أحمد» و«عبد الحليم حافظ».

انتقلت إلى القناة الثالثة، فطالعني «مونتيل» الأصلع ببرنامجه الشهير. كان في حوار مع كاتبة عن البيوت التي تسكنها الأشباح وتجربتها الشخصية معهم، وعثرت على فيلم بوليسي في قناة أخرى، تابعته بعض الوقت إلى أن حاصرت سيارات الشرطة موقع الجريمة، ووصلت سيارة الاسعاف لنقل المصابين، فأغلقت الجهاز.

تناولت العدد الجديد من «ديلي كاليفورنيان»، وألقيت نظرة بغير حماس على حلقة جديدة عن مشاكل المثليين. شعرت بآلام أذني، فبحثت عن البخاخة واستعملتها، ثم مضغت علكة كما نصحتني الطبيبة. وندمت على أني عرَّضت نفسي للرياح الباردة في الصباح الباكر، وكنت قد خرجت لشراء الصحف وواقٍ ذكري يحول دون الإصابة «بالإيدز» كما زعمت الإعلانات. وعندما تفحصت غلافة بدقة بعد عودتي، وجدت إشارة بخط دقيق مفادها أنَّه لا يضمن عدم الإصابة بالمرض اللعين.

روَيت النباتات وأنا أتطلع إلى الساعة بين الفينة والأخرى. شعرت بالراحة عندما خطر ببالي أن «شرلي» لن تأتي لسببٍ من الأسباب، وبدأت أضع برنامجًا لليوم، وإذا بجرس الباب يدق.

فتحت لها واحتويتها بين ذراعي، قالت وهي تنزع الوشاح الصوفي الذي لفَّت به عنقها: السيارة تعطلت فجئت بالدراجة.

تناولت منها سترتها الجلدية، فداعبت ذقني بأناملها قائلةً: سهرت أمس بسببك، أردت أن تكون ورقتي ممتازة؛ كي لا تظن أني أستغل علاقتنا. وفي الصباح جريت كالعادة لمدة ساعة، ثم نقعت نفسي في الحمام بالفقاعات ساعة أخرى.

قُدتها إلى المطبخ وانهمكت في إعداد القهوة، ثم اتخذنا مكانَينا إلى جانبي الطاولة المرتفعة، هي فوق المقعد الخشبي وأنا أمامها على قدمي.

حكيت لها عن موظف البنك فقالت: ماذا نفعل؟ الدستور يحمي حق المواطن في حمل السلاح، أي حقه في أن تقتله رصاصة!

ثم أضافت ساخرة: نحن أمة من القتلة والقنَّاصة.

ملتُ فوقها وقبَّلتها، كانت بشرتها طازجة ورائحة شعرها المنساب في جدائل فوضوية، نظيفة بلا عطر، استطعمت شفتيها ورائحة أنفها وتلاشى إحساسي بأني مقبل على واجب.

أبعدت وجهها قائلةً: تعرف أني لم أهتم بالتقبيل قبل الآن؟

– كيف؟

– كنت مشغولة بأمور أخرى.

ضحكت ثم أضافت: لكنَّه مُتعة خرافية.

دعكت خدي في خدها ثم التقت شفاهنا من جديد، أسبلت عينيها، وانتشرت الحمرة في خديها، التقطت شفتها العليا بين شفتي، وأدخلت لساني في فمها، وكفَّت هي عن تحريك لسانها، فسحبته بين شفتي ببطءٍ، وانتشرت المتعة في كل جسدي.

مددت يدي إلى صَدرها فأبعَدتها ونهضت واقفة، طلبت مني أن أجلس مكانها ففعلت، ابتعدت قليلًا وبحركة سريعة خلعت البلوفر الذي كانت ترتديه فوق اللحم مباشرة. تبدَّى صدرها الصغير في سوتيان أسود، ذي كأسينِ من الساتان، جذبتها إليَّ وقبَّلت كتفيها ونحرَها، وأردت أن أنزع السوتيان فمنعتني. اكتفيت بتقبيل القماش، وركزت على موقع الحلمة، وأنا أرمقها بطرف عيني. كانت عيناها مفتوحتين تحدِّقان في الفراغ.

استقرَّت عيناها عليَّ، ورأتني أتأملها فأبعدت صدرها عن فمي وقالت: إحدى الممثلات الشهيرات اعترفت بأنها تعرِّي ثدييها أمام الفريزر قبل أن تغادر منزلها لتنتصب حلمتاها.

وضعت يدي على حافة بنطلونها، وأزحته قليلًا إلى أسفل لأقبِّل سُرَّتها، فابتعدت عني.

قالت: أنا مرتبكة الآن تمامًا، أنا لا أحب الضوء، ولا أسمح لصديقي أن يقترب مني إلا في الظلام.

مضتْ إلى الحوض وفتحت صنبور المياه، ثم أغلقته واستدارت نحوي قائلةً: ماذا سأفعل عندما تسافر؟ وجودك يساعدني على تحمُّل سخافات كثيرة.

قلت: سيأتي عجوز آخر مكاني.

شعرتُ أنها غضبت، فقلت: أو تتزوجين صديقك.

قالت: أريد أن أتزوَّجك أنت.

قلت: ليس هذا حلًّا، فأنا في نهاية الرحلة، وأنتِ ما زلت في بدايتها.

دمعت عيناها، وانهارت فجأةً باكية بين أحضاني. كنت أعرف أن البكاء عادةً ما يسبق الاستسلام، ومع ذلك غمرني يقين بعمق وحدتها.

أنزلت بنطلونها قليلًا ووضعت فمي على سُرتها، ثم أزحت حافة كيلوتها بشفتي. ظهر شعرها مقصوصًا في عناية، لم يكن على شكل مثلث، وإنما مجرد خطٍّ رفيع يبدأ تحت السرة مباشرة.

همست في أذني: قصصته اليوم من أجلك.

مددت يدي وتحسستها بأطراف أناملي، متلمسًا الثنيات والنتوءات وبدأت تتنهد، ثم أبعدت يدي في رفقٍ.

قالت: هل تعرف أن «مونيكا» ستعمل عارضة أزياء؟ رأيت كاريكاتيرًا يصورها في مهنتها الجديدة، وهي راكعة على ركبتيها.

بدأت تفك أزرار قميصي، وكنت مسترخيًا ومقبلًا على المتعة.

تخلصت من حضني، وركعت أمامي فوق ركبتيها، ومدَّت يديها إلى وسطي تريد إنزال بنطلوني. أبعدت يديها وتوليت بنفسي فك حزام البنطلون وإنزاله ثم خلعته كلية، وأتبعته بالكلسون الطويل. خطر لي أن هيئتي لم تعد تثير غير الضحك.

جلست من جديد أمامها، فأحنت رأسها وعيناها معلقتان بعيني. حوَّلت عيني إلى فمها الواسع، وتابعت انفراج شفتيها وبروز أسنانها، وعندما أوشكت أن تلمسني انتابني هلَع مفاجئ، جذبت جسمي بعيدًا وانتفضت واقفًا فوقعت على ظهرها.

رفعت كلسوني الطويل إلى أعلى ثم أتبعته بالبنطلون، وخطوت فوقها متجهًا إلى الصالة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤