الفرعون «أمنمأبت»

أمنمأبت مري آمون وسر ماعت رع ستبن آمون
تدل الآثار الباقية — كما يدل فحص مومية هذا الفرعون — على أنه بلغ من العمر أمدًا بعيدًا؛ فقد جاء اسمه على إحدى لفائف موميات كهنة «آمون».١

وقد عثر له على خاتم من الفخار كتب عليه: «الكاهن الأكبر لآمون ملك الآلهة «أمنمأبت» محبوب «آمون».» ويلاحظ هنا أن التاريخ قد هشم، وهذا هو الأثر الوحيد الذي عثر عليه في الآثار يذكر «أمنمأبت» فرعون المستقبل بوصفه مجرد كاهن أكبر لآمون.

(١) الكشف عن مقبرة «أمنمأبت»

تقع مقبرة الفرعون «أمنمأبت» في الشمال الغربي من مقبرة «بسوسنس» (انظر صورة رقم ١١)، وهي في الأصل حجرة صغيرة مقامة من الحجر الجيري مغطاة بقطع من نفس الحجر، ولم يكن فيها أية زينة، وقد وُجد هذا القبر منهوبًا؛ إذ دخله اللصوص — على ما يظهر — من السقف الذي وُجد أن حجرين من أحجاره قد زُحْزِحَا، وفي الداخل وُجد تابوت جميل من الحجر الرملي الدقيق يغطيه قطعة من حجر الجرانيت مأخوذة من جبانة يرجع عهدها للدولة القديمة، يدل على ذلك أنها كانت محلاة بصورة الإله «أنوبيس» وبإشارات هيروغليفية من صنع هذا العصر، ونُقش على التابوت أدعية للملك «أمنمأبت»، وفي داخل هذا التابوت وُجدت بقايا عظام القدمين، وخمسة ألواح كانت قد استُعملت لتثبيت تابوت من الخشب، ووجد في المسافات الخالية بين ألواح الحجر نحو ثلاثين تمثالًا جنازيًّا، وهذه كانت تؤلف جزءًا من مجموعة؛ وُضِعَ الجزء الأكبر منها في القائمة الأمامية من مقبرة الفرعون «بسوسنس». وكل هذه التماثيل صغيرة قبيحة المنظر، وقد بقي على أفخاذها أثر كتابة بالحبر الأسود يدل على اسم هذا الملك: «أوزير» الملك «أمنمأبت» محبوب «آمون».

ويمكن — على حسب هذه التحقيقات — القول بأن الملك «أمنمأبت» كان يثوي في هذا القبر الصغير، ولكن نُقل — فيما بعدُ — تابوتُه الخشبي المُذَهَّب ومحتوياته وسائر أثاثه الجنازي إلى مقبرة الملكة «موت نزم»، عَدَا بعض تماثيل مجيبة قد انزلقت بين قطع الأحجار. وقد احتل هذا القبرَ ساكنٌ آخر لا نعرف عنه أي شيء؛ وذلك لأن اللصوص بعد أن خربوا القبر تركوا السقف مفتوحًا، ولم يبقَ شيء من التابوت الخشبي والعظام في القبر؛ إذ تَلِفَتْ بفعل مياه الرشح.

(٢) مدفن «أمنمأبت» الجديد

سبق أن ذكرنا أن تابوت الملك «أمنمأبت» وأثاثه الجنازي قد نُقِل إلى مقبرة الملكة «موت نزم»، وأن الباحثين قد عثروا على مدخلها، وقد فُتح بابها في السادس عشر من أبريل سنة ١٩٤٠، ووُجد أن الضريح كان مؤثَّثًا تقريبًا مثل أثاث مقبرة الفرعون «بسوسنس» (راجع Tanis. p. 127 Fig. 36)؛ ففي نهاية الحجرة يشاهَد تابوت من الجرانيت، وفي النصف الأول من الحجرة وُضعت أواني الأحشاء، والأواني المصنوعة من المعدن، وإناء كبير مختوم، وتماثيل جنازية، وصندوق واسع من الخشب المذهَّب كان قد تداعى بفعل الزمن والرطوبة. وبعد أن وُضعت هذه الأشياء في مكان أمين وُضِع مكانها غطاء التابوت. ويدل ما وجد في القبر على أن هذا الفرعون كان أقل ثراءً من «بسوسنس»؛ فقد قنع بتابوت واحد من الحجر، وتابوت في صورة آدمي من الخشب الموَشَّى بالذهب، وقد تحول الخشب تقريبًا إلى رماد وبقيت ألواح الذهب. ولسنا في حاجة إلى القول بأن المومية قد تأثرت تأثرًا عظيمًا حتى أصبحت في حالة سيئة، وكانت الحلي التي عليها أقل عددًا بكثير من حلي «بسوسنس»، ومع ذلك كانت تؤلف مجموعة جميلة نسبيًّا؛ فقد غطَّى الوجهَ قناعٌ من الذهب، كما وُجد مع المومية قلادتان، وصدريتان، وجعرانان، وقلوب من اللازورد والخلدكون، وأساور، وخواتم، وصقر كبير من الذهب ذو جناحين منتشرين، وعِصِيٌّ.

وكان تابوت الخشب المذهَّب وأواني الأحشاء والتماثيل المجيبة، وكل أدوات الزينة منقوشة باسم «أمنمأبت»، ومع ذلك فإن هذا الملك لم يكن — كما قلنا من قبل — أول من ثوى في هذا الضريح. وقد وجدنا قطعة من حجر مزينة بنقوش كانت تُخفي خلفها مدخل مقبرة «أمنمأبت»، وهذه النقوش كانت باسم الملك «بسوسنس».

(٣) شرح ما وُجد في قبر هذا الملك

تابوت «أمنمأبت»

لم يوجد أي أثر في تابوت هذا الفرعون يدل على أنه اغتُصب من مَلِكٍ آخر، ولكن دل البحث على أنه — على الرغم من كونه عملًا أصليًّا — قد نُحت في قطعة حجر من تمثال ضخم من الحجر الرملي، ولا تزال قدم هذا التمثال ظاهرة حتى الآن. أما غطاء هذا التابوت فهو من الجرانيت الوردي، وقد أُخذ من تابوت يرجع عهده إلى الدولة القديمة التي لا يمكن تقليد فنها كما ذكرنا من قبل، وقد كان الغطاء أكبر بقليل من التابوت فعُدِّل ليتفق معه تمامًا. وهكذا نرى أن ملوك «تانيس» لما أعوزتهم الموارد لتثمير المحاجر التي كان يعمل فيها آلاف من العمال في عهد «رعمسيس الثاني»، فضَّلُوا أن يَسْلبوا جبانة أجدادهم أحجارَها ويستعملوها في مقابرهم بمصاريف قليلة.

وقد لُحِظَ أن الخشب الذي كان في التابوت الجرانيتي لم يتلف كله، وقد أمكن نزع قطعة كانت عليها إشارات عدة، غير أنها كانت في آخر رمق من المقاومة، وتحولت إلى رماد بمجرد رفعها.

وعلى أية حال، فإن الغطاء الذهبي الذي كان عليها كان سميكًا لم يشوَّه، وبقي حافظًا — بعض الشيء — لهيئته (انظر صورة رقم ١١). وهذا الغطاء — عند تصليحه — ظهر بمظهر جميل (انظر صورة رقم ١٢). وفي التابوت المصنوع من الحجر الرملي لهذا الفرعون لم يمكن معرفة وجود تابوت من الخشب إلا بوجود ثمانية ألواح من البُرْنز مجهزة بمسمارين. ويلاحظ أن الفرعون «أمنمأبت» لم يعمل قرابًا لموميته كما فعل «بسوسنس»، بل اكتفى بعمل قناع من الذهب يغطي من الرأس حتى الصدر، وقد أصاب هذا القناعَ بعضُ العطب؛ إذ التوى وتجعَّد بسبب التلف الذي حدث في التابوت الخشبي ببطء، هذا إلى نقل التابوت من مكان إلى مكان، وقد كان ذلك كله سببًا في أنه جعل القناع يظهر بمظهر قبيح، غير أن مُفْتَنِّي «المتحف المصري» أعادوا له بهاءه الأصلي (انظر صورة رقم ١٣).

حُلِيُّ المومية

لم يوجد مع «أمنمأبت» إلا قلادتان؛ واحدة منهما نُظِمَتْ في ثلاثة صفوف وبدون «علاقة»، والثانية تشمل أحد عشر صفًّا من الخرز الأسطواني الشكل بحوافَّ مسنَّنةٍ من الذهب الصلب ومن الذهب المرصع باللازورد، وهذه الخرزات مركبة بعضها في بعض، وكذلك رُسم على المشبك رسمٌ خلَّاب، وقد عُلِّق بهذا المشبك خمس حلقات من نفس صناعة الصفوف وفيها خمس عشرة زهرة من البشنين.

الصدريات

وُجد على مومية «أمنمأبت» صدريتان؛ إحداهما صلبة، والأخرى مُفرغَة. والأولى تشبه صدريات «بسوسنس»، والثانية مزينة بنقش غائر يمثل من الداخل الملك مادًّا يده بالمبخرة للإله «أوزير»، ويشاهَد نفسُ المنظر منقوشًا من الخارج.

الجعارين

صُقِلَتِ الجعارين التي وجدت مع «أمنمأبت» بدقة بالغة، وقد نقشت أيضًا وأحيطت بإطار بسيط أبيض الشكل من الذهب، وليس لها سلاسل ولا أجنحة، ولم تنقش عليها طغراءات.

حلي أخرى

وقد وجدت لهذا الفرعون في تابوته حلي أخرى تُحَلِّي جِيدَه؛ فقد وُجِدَ على صدره صقر فاخر ناشر جناحيه، مصنوع من الذهب والأحجار المنظمة، ومجهز بحلقتين نُظِمَتَا في خيط في طرفي الجناحين، وكذلك جُهِّز في الطرف الآخر بلوحين صغيرين يغطي بعضهما ذيل الصقر، وقد نُقش المتن التالي على اللوح الذي على اليمين: «وسر ماعت رع ستبن آمون» (= لقب «أمنمأبت») محبوب «أوزير» صاحب «رستاو».

وعلى اللوح الذي على اليسار نقرأ: «أمنمأبت» محبوب «أوزير» سيد «العرابة».

وكذلك وُجدت رءوس ثعابين مع «أمنمأبت» ويتألف منها قلائد.

ووُجد له تمثال صقر في هيئة «حور» كُتب عليه اسمه بوصفه ملكًا، وبوصفه الكاهن الأكبر لآمون.

الأسورة

وُجد للملك «أمنمأبت» سواران مؤلفان من قطعتين مفرغتين كانتا تُحَلِّيان ذراعيه، وقد نُقش عليهما طغراءا الملك «بسوسنس» وهما متساويان في الحجم، وقد حُلِّيَتَا بجعرانين مجنَّحَيْن من الذهب واللازورد، ويكتنف كلًّا منهما طغراءان. وهذه الزينة قد أُحكمت مع ما فوقها وما تحتها بدائرتين صلبتين زرقاوين وذهب.

التماثيل الجنازية

وُجد مع «أمنمأبت» مجموعتان من التماثيل المجيبة.

فالمجموعة التي استُخرجت من ضريح هذا الفرعون لا تخرج عن حد المألوف من هذه التماثيل، أما المجموعة الثانية فقد قسمت بين المقبرة الرابعة التي استُخرج منها التابوت الخالي باسم «أمنمأبت»، والحجرة الأولى من مقبرة «بسوسنس».

ويبلغ ارتفاع الواحد من هذه التماثيل تسعة سنتيمترات، ويمثل رجلًا مسنًّا قد قَوَّسَ الدهر قَنَاتَهُ بعض الشيء، والرأس مُنْحَنٍ، وقد كُتب اسم الفرعون على كثير منها.

الأسلحة والصولجانات

لم يُعثَر في مقابر الملوك التي كُشفت حديثًا على أسلحة إلا في مقبرة «أمنمأبت» و«بسوسنس»، وقد تكلمنا عن الأخير [راجع فراعنة الأسرة الواحدة والعشرين في تانيس الفرعون «بسوسنس» (باسب خعنوت)]، أما في قبر «أمنمأبت» فقد وُجدت فيه مجموعة من الحراب أصغر من التي وجدت في مقبرة «بسوسنس»، وكذلك وجد فيه أغشية من الذهب كانت على عصي وصولجانات.

أواني الشعائر

لم يوجد بين الأثاث الشعائري للفرعون «أمنمأبت» موقد كالذي في مقبرة «بسوسنس»، ولكن وجدت حوامل عليها «طشوت» يبلغ عددها ثلاثة، هذا إلى أوانٍ لإغلاء المشروبات الساخنة؛ بعضها من الفضة، وبعضها الآخر من البرنز، ولا يوجد من بينها ما صُنع من الذهب إلا إبريق واحد.

وتفسر لنا الصورة التي على مدخل ضريح «أمنمأبت» (راجع Tanis, Fig. 31) استعمال هذه الأواني، فنشاهد الفرعون وقد أخذ في يده اليمنى إبريقًا يَصب منه سائلًا في الطشت الذي على الحامل الموضوع على قاعدة مستطيلة تشبه المَوْقِد، وعندما يوقد تصل الحرارة بوساطة الحامل إلى الطشت، وعندما يقع السائل على المعدن المتوقد يتبخر منه في الحال عبيره الذي كان أذكى رائحة بكثير مما لو كان نُشِرَ على أشياء بدرجة الحرارة المعتادة، وقد كان الفرعون يقوم بأداء هذه الشعيرة تبجيلًا «لأوزير» و«إيزيس»، كما كان يُتْبِعُ اسمَه على كل الأشياء التي ذكرناها هنا بعبارة: «محبوب «أوزير» أو محبوب «سكر» (صورة أخرى من «أوزير»). وعلى الرغم من أن هذه النقوش قصيرة؛ فإنها تثبت أن هذه الأشياء كانت قد وضعت في القبر لتسمح للفرعون أن يبرهن على صلاحه، وإخلاصه لآلهة العالم السفلي طوال مدة السرمدية.

مومية الملك «أمنمأبت»

كان الهيكل العظمي للملك «أمنمأبت» عند استخراجه من تابوته مهشَّمًا تمامًا بفعل الزمن والرطوبة على ما يظهر، ولم يبقَ سليمًا منه إلا عظامُ الفخذ، وعظم العَجُز، وعظم المنكب الأيمن، والترقوة، وعظم الزند، أما الجمجمة فكانت مهشمة قِطَعًا.

ومن هذه الأجزاء الباقية نفهم أن «أمنمأبت» كان رجلًا طويل القامة، متين البناء، وكان عند مماته قد بلغ من الكبر عِتيًّا، ولدينا من البراهين التي استُخْلِصَتْ من الفحص ما يدل على ذلك.٢

(٤) آثاره الأخرى

وُجد اسمه على لفافة المومية رقم ١٣٤ لأحد كهنة «آمون» في خبيئة الدير البحري.٣
وقد كتب عليها: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين، أمنمأبت، محبوب آمون. لفافة عملها الكاهن الأكبر «بينوزم» بن «منخبررع» لربه «آمون» في السنة …» ويلاحظ هنا أن التاريخ قد مُزِّقَ، وتدل شواهد الأحوال على أنه ينسب للملك «أمنمأبت»، وقد قرأ الأثري «دارسي» هذا التاريخ: «السنة ٢٢» (؟).٤

وقد لاحظنا من قبل أنه من الصعب الاعتراف بأن ابن «منخبررع» كان فعلًا الكاهن الأكبر لآمون في السنة الثانية والعشرين من عهد الملك «أمنمأبت»؛ ذلك لأننا نعرف من نقوش لفافة أخرى من لفافات كهنة «آمون» أن «منخبررع» كان لا يزال في عام ٤٨ من عهد ملك لم يُسَمَّ يقوم بعمله، وهذا الملك لا يمكن أن يكون إلا الملك «أمنمأبت»؛ فمن الجائز جدًّا أن هذا التاريخ المهشم الذي على لفافة المومية السابقة يكون العام الثالث والخمسين أو الثاني والخمسين، وبخاصة بعد أن برهن لنا الدكتور «دري» أن الفرعون «أمنمأبت» كان عند وفاته متقدمًا جدًّا في السن.

هذا وقد وُجدت لفافة أخرى مؤرخة بالسنة التاسعة والأربعين عليها اسم هذا الفرعون (Ibid).
الجيزة: وقد عُثر على نقوش في منطقة «الجيزة» في «معبد إزيس»، وهذا النقش محفوظ «بمتحف القاهرة»، حيث كُتب عليه اسمه ولقبه (L. R. III. p. 293). هذا إلى عقد باب من الحجر الجيري محفوظ الآن «بمتحف برلين» عُثر عليه كذلك في «معبد إزيس» وهو الذي أعاد بناءه أو أصلحه.٥
هذا، وقد وُجدت حمالة من الجلد في مجموعة «فيدمان» مكتوب عليها اسم هذا الفرعون (راجع L. R. III p. 293). وقد كُتب اسمه على حمالات أخرى ولفائف بردي مستخرَجة من موميات مختلفة (راجع Ibid p. 293).
١  راجع Daressy. Rev. Archeal T. I. p. 78.
٢  راجع Dr. Derry. A. S. XLL. p. 149.
٣  راجع Daressy, A. S. VIII. p. 33 No. 124.
٤  راجع Rec. Trav, XXX. p. 1, note 3.
٥  راجع L. R. III p. 292 note 5. وللمؤلف The Sphinx & its history in the light of Recent Exoavations p. 219.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤