الخوف

كان البحر قد اكتفَى منه. وكان هو قد كافحَ بكل ما أُوتي من جهد لينقذ نفسه، لكن الإجهاد تمكَّن منه في النهاية، وبعد أن أدرك عبثية المزيد من النضال، استسلم وتخلَّى عن المقاومة. فجاءت أعلى موجة في البحر — وهي الموجة الأعتى في ذلك التسلسُل الصاخِب العنيف الذي ينطلق من الحطام وحتى الشاطئ — وأخذته في قبضتها القاسية ورفعته إلى السماء لحظة وقلبته رأسًا على عقب، وقذفت به بعنفٍ على الرمال غائبًا عن الوعي، وفي النهاية دحرجته مراتٍ ومرات ككائن عاجز لا حول له ولا قوة حتى ألقت به على الشاطئ الرملي.

تبدو الحياة البشرية غير ذات أهمية حين نُفكِّر في الأشياء البسيطة التي تلعب دورًا فارقًا في هلاك المرءِ وفنائه أو نجاته واستمرار حياته. فلو كانت الموجة التي حملت ستانفورد أقلَّ ارتفاعًا، لكان قد سُحِبَ إلى البحر مرة أخرى بفِعل الموجة التي تليها. ولو أن عدد المرات التي انقلبها — ككائن عاجز لا حول له ولا قوة — قد زادَ مرةً واحدة أو نقصَ لكان قد ارتطمَ بوجهه في الرمال ولقيَ حتفَه في الحال. ولكن، ما حدث أنه يَرقُد الآن على ظهره وذراعاه مُمتدتان إلى جانبَيه، وفي إحدى قبضتيه حفنة من الرمال تتسلل من بين أصابعه. كانت الأمواج المتلاحقة أحيانًا ما تمسُّه، لكن البحر تركه وشأنه، حيث يرقد ووجهه الأبيض في مقابل السماء.

ليس للإغماء تقويمٌ زمني؛ فهو حالة تستوي فيها اللحظة والأبدية. وحين عادَ إليه وعيه شيئًا فشيئًا، لم يكن يعرف ولا يهتمُّ بمعرفة كيف مرَّ عليه الوقت. لم يكن واثقًا إلى حَدٍّ كبير إن كان على قيد الحياة، لكن الوهن — وليس الخوف — هو ما منعه أن يفتح عينيه ليكتشف ما إذا كان العالَم الذي سيُبصره بهما هو العالَم نفسه الذي كان قد أغمضهما عليه لآخِر مرة. لكن ما جذبَ انتباهه سريعًا هو صوتٌ يتحدَّث الإنجليزية. كان ستانفورد لا يزال في حالةٍ من الدوار الشديد حتَّى إنه لم يتمكَّن من التفكير في الأمر، ونذكر أيضًا أنه كان قد انجرفَ إلى جزيرة مَجهولة في البحار الجنوبية، لكن مَغزى ما سمعه من كلامٍ أذهَله.

«لنكن شاكرين. لا شكَّ أنه قد مات.» كان هذا هو ما قيل بنبرةٍ تنمُّ عن شعور كبير بالارتياح.

ثم بدا أنَّ هناك غمغمةً تنمُّ عن السرور إزاءَ إعلان هذا، وكانت تلك الغمغمة صادرةً عن أناسٍ برفقة المتحدِّث. فتحَ ستانفورد عينيه ببطءٍ، مُتسائِلًا في نفسه مَنْ هؤلاء الهمجيون المسرورون لوفاة غريبٍ انجرفَ على شواطئهم ولم يمسسهم بسوء. ثمَّ رأى جَمْعًا من الناس يقفون حوله، لكن انتباهَه تحوَّل بسرعة وأصبحَ منصبًّا على وجه واحد. في رأيه أنَّ صاحبة ذلك الوجه لم تكن تتخطَّى حاجز التسعة عشر عامًا، وكان وجهُها هو أجمل وجه وقعَتْ عليه عيناه يومًا، أو على الأقل هكذا بدا لستانفورد في تلك اللحظة. كان الوجه يَحمل تعبيراتٍ تدل على السرور الفاتِن وذلك حتى التقت عيناها بعينيه، هنا تلاشت البهجة على وجهها وحلَّت مكانها نظرة فزع. بدَت الفتاة وكأنها تلتقط أنفاسها في حالة من الهلع، وملأت الدموع مُقلتَيها.

وقالت وهي تبكي: «أوه، سينجو.»

وغطَّت وجهَها بيديها وراحت تنشج.

أغلقَ ستانفورد عينيه من شدة الإجهاد وقال في نفسه: «لا بد أنني فقدتُ صوابي.» ثم بعد أن فقدَ إيمانه بواقعية ما يَحدث حوله، فقدَ وعيَه أيضًا، وحين استردَّ وعيَه مجدَّدًا وجدَ نفسه يرقد على سريرٍ في حجرة نظيفة لكنها لا تحتوي على الكثير من الأثاث. ومن النافذة المفتوحة تَنامَى إلى سَمْعِه صوتُ زمجرة البحر وأيقظَ صوتُ تلاطم الأمواج العنيفة الصاخبة في ذهنه ذكرى ما مرَّ به. كان يعلم أن تحطُّم السفينة وصراعه وسط الأمواج هما حدثان حقيقيان قد وقعا له، لكنه كان يعتقد الآن أنَّ ما دار على الشاطئ لم يكن سوى وهمٍ من نسج خياله بسبب الحالة التي كان عليها وقتئذٍ.

ثم فُتِحَ البابُ في هدوءٍ، وقبل أن يُدرِك دخول أحدٍ، كانت هناك مُمرضة ذات وجه هادئ تقف إلى جوار سريره وتسألُه عن حاله.

«لا أدري. على الأقل أنا على قيد الحياة.»

تنهَّدت الممرضة وأشاحت بعينَيها. تحرَّكت شفتاها لكنها لم تنطق بشيء. نظرَ إليها ستانفورد في فضول، وتسلَّل إليه شعورٌ بالخوف من أنه سيظل معاقًا لبقية حياته، وأنه يُفضِّل الموت على العيش في حالة من الإعاقة التامة. شعرَ أنه مُرهق على الرغم من أنه لم يكن يتألم، لكنه كان يعلم أنه كلما زادت بشاعة الإصابة واستعصاؤها على الشفاء كان شعور المصاب بها أقل في البداية.

فسألها: «هل كُسِرَت أيٌّ من عظامي، هَلا أخبرتِني؟»

«لا، أنت مُصاب بكدمات، لكن إصابتك ليست بالغة. ستتعافى عمَّا قريب.»

قال ستانفورد وقد أطلقَ تنهيدة تنمُّ عن الارتياح: «آه!» ثم أضافَ في اهتمام مفاجئ: «بالمناسبة، مَنْ تلك الفتاة التي كانت تقف إلى جانبي حينما كنت أرقدُ على الشاطئ؟»

«كان هناك عدَّة فتيات.»

«لا، لم يكن هناك سوى واحدة. أقصدُ تلك الفتاة صاحبة العيون الجميلة وهالة الشعر التي تعلُو رأسها وكأنها تاجٌ ذهبي مجيد.»

قالت الممرضة بنبرة حادة: «نحن لا نتحدَّث عن نسائنا بهذه الطريقة. ربما تقصد روث، صاحبة الشعر الأصفر الكثيف.»

ابتسمَ ستانفورد وقال: «الكلمات لا تهمُّ كثيرًا.»

فأجابته الممرضة: «لا بد أن نكون مُعتدلين في كلامنا.»

«يُمكننا أن نكون مُعتدلين من دون أن نُقلع إقلاعًا تامًّا عن الغزل. كان أصفر وكثيفًا بالفعل! لقد راودني حُلم سيئ بخصوص مَنْ وجدوني. اعتقدتُ أنهم … لكن ذلك لا يهمُّ. على الأقل، ليست الفتاة من نسج خيالي. هل تعرفين ما إذا كان هناك ناجون آخرون؟»

«أشعرُ بالامتنان لأن أخبرك بأنَّ الجميع قد غرقُوا.»

انتفضَ ستانفورد والذعر في عينيه. فمنعَتْه الممرضة الرزينة بنبرةٍ رقيقةٍ وديةٍ لكيلا يرهق نفسه، فغاصَ مرة أخرى في وسادته.

ثم صاحَ بنبرة واهنة: «اخرجي من الغرفة. اتركيني، اتركيني.» ثم أشاحَ بوجهه تجاه الحائط، فيما غادرت المرأة الغرفة في صمتٍ كما دخلتها.

انسلَّ ستانفورد من السرير حين خرجت المرأة، عازمًا أن يذهب إلى الباب ليُوصده. كان يخشى من أن أولئك الهمجيين الذين يتمنَّون موته سيتخذون التدابير ليقتُلُوه حين يرون أنه سيتعافى. وبينما كان يتكئ على السرير، لاحظَ أن الباب ليس به قفل. كان هناك مزلاج ضعيف لكن لا يوجد به قفل أو لسان. وكان أثاث الغرفة عثًّا غير متقَن الصنع. فترنَّح باتجاه النافذة المفتوحة وأطلَّ منها إلى الخارج، فهبَّت عليه بقايا تلك العاصفة المشئومة وبثَّت فيه روحًا جديدة، كما كانت من قبل تُنذِره بالموت. ورأى أنه كان في قرية تتكوَّن من أكواخ صغيرة، وكل كوخ مشيَّد على قطعة من الأرض خاصة به. كان من الواضح أن القرية تتكوَّن من شارع واحد، وعلى أسطح الأكواخ المواجِهة له رأى في الأفق أمواج البحر البيضاء. ولكن ما استرعى اهتمامه أنه رأى كنيسةً ذات قمةٍ مستدقةٍ في نهاية ذلك الشارع، كنيسة خشبية كالتي رآها في المستوطنات الأمريكية النائية. كان الشارع خاليًا من المارَّة، ولم تكن هناك أي إشارة على وجود حياة في تلك الأكواخ.

قال في نفسه: «لا بدَّ أنني سقطتُ في مُستعمَرة من المختلِّين. تُرى إلى أي بلد ينتمي هؤلاء؟ أتصوَّر أنهم ينتمون إلى إنجلترا أو الولايات المتحدة، وإنْ كنتُ لم أسمع قطُّ بمثل هذا المجتمع في أسفاري.»

لم تكن هناك مرآة في الحجرة، فكان من المستحيل أن يعرف الهيئة التي يبدو عليها. وكانت ملابسه جافة وبها بعض الملح. فعدَّل ملابسه قدر ما أمكنه، وانسلَّ من المبنى من دون أن يلحظه أحد. وحين وصلَ إلى ضواحي القرية وجدَ أنَّ ساكنيها من الرجال والنساء يعملون في الحقول على مسافة بعيدة. وكانت هناك فتاة آتية باتجاه القرية وتحمل في كل يدٍ وعاءً من الماء. وكانت تُغرِّد بمرح وكأنها قُبَّرة حتى رأت ستانفورد، وهنا توقفت عن الغناء والسير. ولأن ستانفورد لم يكن يومًا خجولًا مترددًا، فقد تقدَّم نحوها، وكان على وشك أن يُحييَها حين أدركته قائلة:

«أنا حقًّا حزينة أنك استرددت عافيتك.»

تجمَّدت كلماتُ الشاب على شفتَيْه وقطبَ جبينَه. وحين رأت روث أنه مُنزعِج — رغم أنها لم تكن تعرف السبب — أسرعت لتحسين الأمور بأن أضافت:

«صدقني، ما أقوله حقيقي. أنا حقًّا حزينة.»

«حزينة أنني على قيد الحياة؟»

«حزينة كلَّ الحزن.»

«من الصعب تصديق هذه الجملة من شخص في غاية … أقصد منكِ.»

«لا تقل ذلك. لقد اتهمتْني ميريام بالفعل بأنني فرحتُ لأنك لم تغرق. وسيُؤلمني ذلك كثيرًا إن كنتَ تعتقد أيضًا كما تَعتقِد هي.»

نظرت إليه الفتاة بعينين حائرتَين، ولم يعرف الشاب بمَ يُجيب. وأخيرًا قال:

«هناك خطأ فادح. ولا يُمكنني أن أستوضِح الأمر. ربما كان لكلماتنا معنًى مُختلِف، مع إنها هي الكلمات نفسها على ما يبدو. اجلِسي يا روث، أريدُ أن أطرحَ عليكِ بعض الأسئلة.»

رمقت روث العُمَّال بنظرة وَجِلة، وغمغمت بشيءٍ عن عدم توفُّر الكثير من الوقت أمامها، لكنها وضعت وعاءَيِ الماء على الأرض وجلست فغاصَت في العشب. ثمَّ ألقى ستانفورد بنفسه على العشب عند قدميها، لكن حين رأى أنها انكمشَت وتراجعت، سحبَ نفسه للخلف قليلًا واستقرَّ في موضع يسمح له بالنظر إلى وجهِها.

كانت عينا روث مسبَلَتَيْن، وكان ذلك حتميًّا؛ لأنَّها شغلت نفسها بسحب أوراق العشب الورقة تلو الأخرى، وكانت في بعض الأحيان تَجدل الأوراق معًا. كان ستانفورد قد أخبرها بأنه يُريد أن يطرح عليها بعض الأسئلة، لكن يَبدو أنه نسيَ ما كان يَنتويه؛ ذلك أنه بدا وكأنه مرتاح تمامًا لمجرَّد النظر إلى وجهها. وبعد أن استمر الصمتُ برهة بينهما، رفعت عينيها لحظة وطرحت هي السؤال الأول.

«من أي أرض أتيت؟»

«من إنجلترا.»

«آها! تلك جزيرة أيضًا. أليس كذلك؟»

ضحكَ من كلمة «أيضًا» وتذكَّر أن لديه بعضَ الأسئلة التي يريد طرحها.

«أجل، إنها جزيرة … أيضًا. والبحر يَقذف بحُطام السفن على جوانبها الأربعة، لكن لا تُوجد على شطآنها قرية وثَنية بحيث لا يفرح قاطنوها بنجاة أحدهم إذا ما طرَحَه البحر وتمكَّن من الهروب من بين براثن الموت.»

نظرت إليه روث والدهشة تملأ عينَيها.

«إذن، ألا يوجد أيُّ دينٍ في إنجلترا؟»

«دين؟ إنجلترا هي أكثر دولة مُتدينة على وجه الأرض. هناك من الكاتدرائيات والكنائس ودور العبادة في إنجلترا ما يَزيد عنه في أيِّ دولة أخرى. نحن نُرسل البعثات التبشيرية إلى كل البلدان الوثنية. والحكومة نفسها تدعم الكنيسة.»

«أتخيَّل إذن أنَّني أخطأتُ في فهم ما تقصد. كنت أعتقد من حديثك أنَّ الناس في إنجلترا يخشَون الموت، ولا يستقبلونه بالحفاوة والترحاب ولا يَفرحون حين يموت أحدهم.»

«إنهم لا يَخشون الموت، وهم لا يفرحون حين يأتي. الأمر بعيد كلَّ البُعد عن هذا. إنَّ الجميع بدءًا من الرجل النبيل حتى المتسوِّل يُكافحُون الموت قدر ما أمكنهم؛ فالرجل الطاعن في السن يتمسَّك بالحياة بنفس حماسة الصبي في التمسُّك بها. وما من امرئٍ إلا ويُنفق آخر ما يَملك من قطع ذهبية من أجل أن يدرأ عن نفسه القدر المحتوم ولو لساعة.»

«قطعة ذهبية، ماذا تكون؟»

دسَّ ستانفورد يده في جيبِه وقال:

«آه! هناك بعض العملات المتبقية. هَاك هي قطعة ذهبية.»

أخذتها الفتاة وتفحَّصتها باهتمام بالغ.

وقالت وهي تُقلِّب العملة الصفراء في راحة يدها الرقيقة: «أليست جميلة؟» ثم رفعَت نظرها إليه.

«هذا هو الرأي العام حيالها. ولكي يَجمع المرءُ عملاتٍ نقدية كهذه، سيكذب ويغشُّ ويَسرق، أجل، ويكدح كذلك. وعلى الرغم من أنَّ المرء على استعداد لأن يَتخلَّى عن آخِر قطعة ذهبية في حوزته لإنقاذ حياته والعيش لسنواتٍ أطول، فإنه يخاطر بحياته نفسها من أجل جني المزيد من الذهب. إنَّ كل عمل في إنجلترا هدفُه الأساسي هو جمع قطع معدنية كتلك التي في يدكِ، والشركات ذات الأعداد الغفيرة من العاملين تهدف إلى جمع هذه القطع المعدنية بكمياتٍ أكبر. ومَنْ يَمتلِك أكبر قدر من الذهب يحوز القدر الأوفر من السلطة ويَحظى عمومًا بالقدر الأوفر من الاحترام، والشركة التي تَجني أكبر قدر من المال هي الشركة التي يتُوق الكثيرون إلى العمل لديها.»

استمعت إليه روث وقد ملأت عينَيها نظراتُ الحيرة والعجب. وأثناء حديثه كانت تَرتجِف، ثم تركت العملة الصفراء تسقط من يدها على الأرض وقالت: «لا عجبَ أنَّ أمثال هؤلاء يَخشَون الموت.»

«ألا تَخافينه؟»

«كيف ونحن نؤمن بالجنة؟»

«لكن ألن يُحزِنكِ أن يموت شخصٌ تُحبِّينه؟»

«كيف لنا أن نكون أنانيِّين إلى هذه الدرجة؟ أكنت لتحزن إنْ حاز أخوك أو شخصٌ تُحبه الشيءَ الذي تُقدِّره في إنجلترا أيًّا كان هذا الشيء، وليكن — مثلًا — كمية كبيرة من هذا الذهب؟»

«بالطبع لا. لكنكِ ترين إذن … حسنًا، شتان بين الأمرَيْن. إنْ مات شخصٌ تهتمين لأمره فإنكِ تنفصلين عنه، و…»

«لكن هذا الانفصال لا يدوم إلا لفترة قصيرة، وهذا يعطينا سببًا آخر للترحيب بالموت. من المستحيل على ما يبدو أن يخشى المسيحيون دخول الجنة. بدأتُ أفهم الآن لماذا تركَ أجدادنا إنجلترا، ولماذا لا يخبرنا معلِّمونا بأي شيءٍ عن الناس هناك. وأتساءَل لماذا لا تُرسَل البعثات التبشيرية إلى إنجلترا لتعليمهم الحقيقة، ولمحاولة تهذيب الناس هناك وتنويرهم؟»

«سيكون هذا حتمًا كمَنْ يبيع الماءَ في حارة السقَّائين. أحدُ العمَّال قادم.»

صاحت الفتاة وهي تهبُّ من مكانها: «إنه أبي. أخشى أنني تأخرت. لم أفعل ذلك من قبل.»

كان الرجل القادم ذا مظهر صارم عابس.

قال الرجل: «روث، العمَّال عطشى.»

ومن دون أن تجيبه الفتاة، رفعت الوعاءَيْن ورحلت.

قال الشابُّ وقد تحوَّل لونه بعض الشيء: «كنت أتلقَّى بعضَ الدروس فيما يتعلق بمعتقدكم. كنت متحيرًا بشأن بعض الأمور التي سمعتُها ووددتُ لو أطرح بعض الأسئلة بشأنها.»

قال الرجل بنبرة باردة: «الأفضل أن تتلقَّى الدروس منِّي أو من بعض الراشدين بدلًا من أن تتلقاها من واحدة من صغرى الفتيات في هذا المجتمع. وحين تتعافَى بالقدر الذي يسمح لك بأن تستمع إلى شرح وتوضيح لأفكارنا وآرائنا، فإنني آمل أن أسوق إليك البراهين التي ستُقنعك أنها أفكار صائبة وآراء سديدة. وإنْ حدث ووجدت أنها غير مُقنعة، فإنه يتعيَّن عليَّ حينها أن أطلب منك ألَّا تتواصَل مع مَن هم دون منَّا سنًّا. إذ يَتعيَّن عدم إفسادهم بهرطقات العالَم الخارجي.»

نظرَ ستانفورد إلى روث وهي تقفُ بجوار البئر الخاصة بالقرية.

وقال: «يا سيدي، أنت تُقلِّل من شأن قدرات من هُمْ دون سنِّكم على المناقشة والإقناع. وهناك كتابٌ يتعلق بهذا الموضوع، وأنا في غنًى عن أن أُذكِّرك به. إنني مُقتنعٌ بالفعل.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤