الفصل السادس

الجنون العقلاني

أتخيل أنه في غضون سنوات قليلة سيكون هناك بوابتان فقط، أو ثلاث بوابات إنترنت كبيرة يدخل إليها كل مستخدمي الإنترنت، ثم يتم توجيههم من خلالها إلى ما يريدون تصفحه عبر الشبكة. سيجلب هذا مئات المليارات من الدولارات. فإذا أردت أن تنجح، يجب أن تكون أحد هذه البوابات.

هذه الجملة قالها جراهام بيلي Graham Bailey (ليس هذا اسمه الحقيقي) عام ١٩٩٨ الذي كان شريكًا في إحدى شركات الاستشارات الإدارية، والتي كان يقولها متحمسًا لأي عميل يرى فيه استعدادًا لسماعها. واستنادًا إلى ما أعرفه فقد كان يصدقها آنذاك، وما زال يصدقها حتى الآن. ومع ذلك فأنا لم أصدقها عندما سمعتها. ولكن عندما قالها بيلي في ذلك الوقت لم يشك في صحتها الكثيرون؛ فقد شهد عام ١٩٩٨ بداية تصاعد موجة الهوس نحو شركات التجارة عن طريق الإنترنت (شركات الدوت كوم).
وأحد أشهر شركات الدوت كوم هي مكتبة بيع الكتب على الإنترنت «أمازون دوت كوم» Amazon.com (تغيرت الموضة سريعًا نحو تسمية الشركات بأسماء عناوين الإنترنت.) بدأت أمازون في بيع الكتب عبر الإنترنت عام ١٩٩٥، وفي عام ٢٠٠٣ وصل حجم مبيعاتها إلى ما يزيد عن خمسة مليارات من الدولارات. صحيح أن نمو شركة أمازون السريع وقتالها لتحقيق الأرباح أمر رائع، ولكنه ليس على نفس درجة روعة أسعار أسهمها. ففي عام ١٩٩٧ طُرحت أسهم أمازون للاكتتاب بسعر ١٨ دولارًا.

حدث الكثير منذ ذلك الحين. ففي عام ١٩٩٩، قفز سعر السهم إلى أكثر من ١٠٠ دولار عندما شاع حينها أن قيمة الشركة قد قُدرت بما يزيد عن قيمة كل المكتبات التقليدية لبيع الكتب في العالم. ولكن خلال عام ٢٠٠٠، تراجع سعر الأسهم لتصل إلى ١٨ دولارًا للسهم بل أقل. وفي صيف عام ٢٠٠١ كان السهم يباع مقابل حوالي ثمانية دولارات. وفي عام ٢٠٠٢، نُشرت أراء إيجابية في حق الشركة في عدة مقالات في الصحف الاقتصادية ومع ذلك فقد استمر سعر الأسهم أقل من سعر طرحها للاكتتاب عند ١٨ دولارًا. استعادت الأسهم قوتها منذ ذلك الحين ووصل سعر السهم إلى ٤٠ دولارًا. فأيهما كان السعر الخطأ؟ ١٠٠ دولار، أم ثمانية دولارات؟ أم كلاهما؟

ستكون إجابة هذا السؤال مفيدة، وخصوصًا في ظل حقيقة أن التغير الحاد في أداء أسهم شركة أمازون يعتبر مألوفًا. إذن، هل يمكن لمخبرنا الاقتصادي أن يخبرنا عن السبب وراء سلوك الأسهم عندما تتحرك صعودًا أو هبوطًا، وكيف يمكن أن يكون أداء الأسهم في المستقبل؟

(١) سير عشوائي

يواجه علماء الاقتصاد مشكلة خطيرة أثناء محاولتهم قول أي شيء منطقي حول أسعار الأسهم. يعمل هؤلاء العلماء على دراسة السلوك المنطقي، ولكن كلما زادت منطقية سلوك المستثمرين في سوق الأوراق المالية، زادت عشوائية سلوك سوق الأسهم.

وها هو السبب: المستثمرين العقلانيون يشترون الأسهم اليوم إذا كان واضحًا أن أسعارها سترتفع غدًا، ويبيعونها إذا كانت ستنخفض. ولكن هذا يعني أن أي توقع بأن الأسعار سترتفع غدًا سوف يكون خاطئًا؛ فأسعار الأسهم سترتفع اليوم لأن المستثمرين سيشترونها وسيستمرون في شرائها حتى تصل إلى المستوى الذي لا تكون فيه رخيصة جدًّا بحيث يكون من الواضح أنها سترتفع غدًا. وحقيقة الأمر أن المستثمرين العقلانيين ينبغي أن يكون بوسعهم التكهن بأي تحركات متوقعة في سوق الأسهم أو في سعر سهم ما؛ فإذا أمكن توقع التحرك، فعندما يضعون أموالهم موضع المخاطرة فسوف يتنبئون بما سيحدث.

لكن هذا يعني أنه إذا كان المستثمرون عقلانيون بالفعل فلن يكون هناك أية تحركات للأسهم يمكن التنبؤ بها على الإطلاق. وسيخلو السوق على الفور من إمكانية التنبؤ بأسعار الأسهم لأن جميع الاتجاهات يمكن توقعها. وسيبقى الشيء الوحيد الذي لا يمكن التنبؤ به هو الأخبار غير المتوقعة. وعندما تكون الأنباء العشوائية وحدها هي التي تحرك أسعار الأسهم، فإن هذه الأسعار والمؤشرات التي تقيس أداء سوق الأسهم بالكامل سوف تتذبذب ككل على نحو عشوائي. يطلق علماء الرياضيات على هذا السلوك اسم «السير العشوائي» Random Walk سواء شهدت جلسة التداول ارتفاعًا أو انخفاضًا.

والأصح أن يكون في سوق الأسهم «حركة عشوائية ذات اتجاه»، أي أن السوق ينبغي أن يرتفع في الغالب مع مرور الشهور، وهكذا يكون له ميزة تنافسية بالمقارنة بأشكال الاستثمار الأخرى المحتملة، مثل إيداع الأموال في حساب ادخاري، أو شراء أملاك عقارية. فإذا توقعنا لسوق الأسهم أن يرتفع بأكثر من ارتفاع هذا الاتجاه، فسيكون بالفعل قد حقق ما توقعناه، وبالمثل إذا توقعنا انخفاض سوق الأسهم أو ارتفاعه ارتفاعًا يقل عن ارتفاع هذا الاتجاه، فسيكون سوق السهم قد أصبح متدنيًّا بالفعل. وهذا هو السبب وراء احتفاظ المستثمرين بالأسهم في المقام الأول. فالاتجاه لا يغير من التحليل الأساسي شيئًا، ومع ذلك فالتحركات العشوائية في أي جلسة من جلسات التداول تجعل الاتجاه يبدو كالقزم.

وتنطبق هذه النظرية حتى لو لم يكن جميع المستثمرين عقلانيين. فالعقلانيون منهم ينبغي أن يكونوا كافيين لدفع السوق نحو السير العشوائي، إذا كانوا يدفعون أموالًا ضخمة لشراء أسهم جيدة ويجنون أموالًا ضخمة من بيع أسهم سيئة. ولا ينبغي أن تكون حركة الأموال ما بين دفع وربح صعبة للغاية ما دام من المفترض أن المستثمر الذكي سوف يربح الكثير من المال.

هل يجب أن نصدق نظرية «السير العشوائي»؟ بالتأكيد لا يجدر بنا أن نتوقع أنها صحيحة تمامًا. فإذا كانت كذلك فلا يخلو الأمر من تناقض: فالمستثمرون المُلمُّون إلمامًا جيدًا بتحركات السوق يتسببون في وجود السوق العشوائية، ومع ذلك فالسوق العشوائي لا يثيب أحدًا على كونه ملمًّا إلمامًا جيدًا بتحركات السوق. لن يستحق الأمر حينها من أحد أن يبذل الوقت والجهد في تحليل السوق، أو في الكشف عن معلومات جديدة إذا كان كل المستثمرين بالسوق يقومون بنفس الأمر. من ناحية أخرى، فالسوق المليء بالفرص غير المستغلة سوف يتيح الفرص الكبيرة للربح لأي مستثمر راغب في البحث عنها. وبين هذه النقطة وتلك توجد نقطة توازن: وهي عبارة عن سوق عشوائي تقريبًا به ما يكفي من غرابة السمات التي تؤهله لمكافأة الملمين إلمامًا جيدًا بتحركات السوق والذين يحافظون على سوق يكاد يكون عشوائيًّا.

يمكنك أن ترى نفس الظاهرة في الطوابير أمام خزائن الدفع في المتاجر الكبيرة. أي من هذه الطوابير يتحرك أسرع؟ الإجابة ببساطة أنه لا يهم أيهم أسرع. فإذا كان أحد الطوابير يبدو أسرع من غيره على نحو واضح، فسيكون زوار المتجر قد وقفوا فيه بالفعل، ولن يصبح الأسرع بعد ذلك. لذا فإن كل ما عليك فعله هو الوقوف في أي صف، دون أن تشغل بالك بسرعته. ومع ذلك، فحتى إذا وقف الجميع في أي صف يختارونه، فسيكون هناك إذن نماذج يمكن توقعها والتي يمكن للمتسوق الخبير استغلالها؛ فمثلًا، إذا كان المتسوقون يبدءون تسوقهم من مدخل المتجر ثم يشقون طريقهم إلى داخل المتجر، فسيكون أقصر الطوابير أقربها من مدخل المتجر. ولكن إذا عرف عدد كاف من الخبراء بذلك، فحينها لن يصبح أقصرها. والحقيقة هي أن المتسوقين النشيطين الأذكياء الرشيقين والمتمرسين تجدهم أفضل قليلًا من المتسوقين العاديين في تحديد أسرع الطوابير، وربما يمكنهم أن يحاسبوا على مشترياتهم أسرع منا جميعًا. ولكن ليس بفارق كبير.

(٢) القيمة والسعر

ما وراء السير العشوائي
إذا ما افترضنا أن ما يصح في المتاجر الكبيرة يصح أيضًا في أسعار سوق الأسهم، ينبغي إذن أن يكون بوسع علماء الاقتصاد إلقاء بعض الضوء على السوق ولكن ليس بقدر كبير. يعمل الكثيرون من خبراء الاقتصاد لدى صناديق الاستثمار Investment Funds، وهم في عملهم هذا يخطئون تقريبًا بنفس القدر الذي يصيبون فيه، وإن كان هذا لا يحدث دائمًا. تخبرنا نظريتنا المعدلة للسير العشوائي أن هذا هو ما يجب أن نتوقعه.
إذن، ماذا يفعل خبراء الاقتصاد لمنح هذه الصناديق الاستثمارية هذا القدر الصغير للغاية فوق المستوى العادي للسوق؟ أولًا، ينظرون إلى الأسهم بوضعها الحالي؛ وهم في ذلك يطالبون بحقهم في الأرباح المستقبلية لشركة ما. إليك المثال الآتي: لنفرض مثلًا أن عدد الأسهم المطروحة للتداول لشركة تيم هارفورد دوت كوم timhardford.com. هي مائة سهم. فإذا امتلكت أنا سهمًا واحدًا، يكون لدي الحق في نسبة ١٪ من أرباح الشركة طوال فترة احتفاظي بهذا السهم. وإذا حققت الشركة ربحًا يبلغ ١٠٠ دولار سنويًّا إلى الأبد، فسأحصل على عائد يبلغ دولارًا واحدًا سنويًّا وإلى الأبد. أما إذا حققت ١٠٠٠ دولار سنويًّا طوال السنوات العشر المقبلة، ثم لم تحقق أي ربح، فسأحصل على ١٠ دولارات سنويًّا لمدة عشر سنوات، ثم لن أحصل على أي عائد بعد ذلك. هذه هي الفكرة بمنتهى البساطة. يوجد في الأمر تعقيد بسيط وهو أن الشركات لا يجب عليها بالضرورة أن تعيد الأرباح مباشرة إلى حاملي الأسهم. فعندما حققت شركة أمازون ربحًا يبلغ ثمانية سنتات للسهم الواحد عام ٢٠٠٣م، ربما كان من المفترض أن تدفع «عائدًا» dividend للمساهمين يبلغ ثمانية سنتات للسهم الواحد، إلا أنها لم تدفع أي عوائد عام ٢٠٠٣م، ولا في أي عام قبله. ولا يعني هذا أن المساهمين في شركة أمازون قد أصبحوا ضحية للاحتيال. المسألة هي أن إدارة الشركة تستخدم تلك الأموال في أغراض أخرى، مثل تسديد ديون الشركة، أو الاستثمار من أجل توسيع مجال أعمالها. وإذا ما أجريت مثل هذه الأمور بحكمة، تتعاظم أرباحها بمرور الوقت. وبدلًا من حصولهم على عائد، يحصل المساهمون في المقابل على سعر أعلى للسهم مما كان يمكن أن يكون عليه في ظل توقع هذه الأرباح المقبلة. وحتى إذا ما باع هؤلاء المساهمون الأسهم قبل حصولهم على أي عائد، يمكنهم الحصول على سعر أفضل للسهم نظرًا لما هو متوقع من العائد المستقبلي الذي سيحصل عليه مشتري السهم.

لو كان من السهل التنبؤ بالمستقبل، لكان من السهل تحديد كم يساوي امتلاك سهم في شركة تيم هارفورد دوت كوم. لنفرض أن جميع المستثمرين يعرفون أن هذه الشركة سوف تحقق ربحًا ١٠٠ دولار سنويًّا إلى الأبد. لذلك، سوف يدر امتلاك السهم دولارًا واحدًا سنويًّا إلى الأبد. والسؤال هنا ما قيمة ذلك؟ إذا وضعت ١٠ دولارات في حساب ادخاري بفائدة سنوية ١٠٪، سيدر لي دولارًا واحدًا سنويًّا إلى الأبد. وهكذا يكون السهم الواحد في شركة تيم هارفورد يضاهي ١٠ دولارات في حساب ادخاري بفائدة ١٠٪ سنويًّا. إذن فعندما يكون سعر الفائدة ١٠٪ سنويًّا يجب أن يكون بوسعي دفع ١٠ دولارات لشراء سهم من أسهم شركة تيم هارفورد دوت كوم. أما إذا بلغ سعر الفائدة ٥٪، فستغدو الأسهم أكثر جاذبية بمقدار الضعف بالمقارنة بوضع النقود في حساب ادخاري؛ وأما عندما يكون سعر الفائدة ١٪ فقط، فترتفع حينئذ جاذبية الأسهم عشر مرات بالمقارنة بوضع النقود في حساب ادخاري. سيكون عليَّ حينئذ دفع ١٠٠ دولار للحصول على سهم واحد من أسهم شركة تيم هارفورد دوت كوم بفائدة تبلغ ١٪ إلى الأبد لأنه سيدر لي ربحًا قدره دولار واحد سنويًّا، تمامًا مثلما ستدر المائة دولار في الحساب الادخاري. (وهذا أحد الأسباب وراء ارتفاع أسواق الأسهم عندما يكون من المتوقع انخفاض أسعار الفائدة، ووراء انخفاضها عندما يكون من المتوقع ارتفاع أسعار الفائدة).

وصل سعر سهم شركة أمازون إلى ٤٠ دولارًا في أكتوبر عام ٢٠٠٤. ولكن مع أسعار الفائدة طويلة الأجل في الولايات المتحدة البالغة ٤٪، كان إيداع دولارين فقط في الحساب الادخاري كافيًا ليدر ثمانية سنتات سنويًّا. ولمّا كان السهم الواحد في أمازون يدر ثمانية سنتات عام ٢٠٠٣، كان من المفترض أن يباع السهم مقابل دولارين، وليس ٤٠ دولارًا. ولكن بالتأكيد كان هناك سبب آخر يبرر ارتفاع سعر السهم إلى هذا المستوى.

وفي حقيقة الأمر هذا «الشيء الآخر» ليس سوى المستقبل. فالشركات الواقعية لا تحقق على نحو موثوق ربحًا محددًا سنويًّا. ويمتلك المستثمرون الحق في الحكم على ربحيتها المستقبلية بأي طريقة يستطيعونها. فربما لا تحقق شركة تيم هارفورد دوت كوم ١٠٠ دولار سنويًّا، وإنما مليار دولار سنويًّا بسبب توسعها الرهيب. وأيضًا ربما تشهر الشركة إفلاسها غدًا. وبسبب هذا النوع من عدم اليقين، يرغب معظم العقلاء في الحصول على خصم: كأن يحصلون على سهم واحد خالي من المخاطرة بسعر فائدة يبلغ ١٪ بسعر قد يصل إلى ١٠٠ دولار، ولكنهم يحصلون على السهم ذي المخاطر والمتوقع أن يدر نفس العائد وهو دولار واحد سنويًّا (ولكن كيف يتأكدون؟) بسعر أقل، ربما بسعر ٩٠، أو ٧٠، أو حتى ٣٠ دولارًا. أما مدى انخفاض سعر بيع السهم حينئذ، فهذا يعتمد على مدى المخاطرة المنطوي عليها السهم، والمخاوف التي تراود المستثمر العادي حيالها.

يعني هذا أن المساهمين في شركة أمازون دوت كوم لا يتوقعون الحصول على أرباح طويلة الأجل تبلغ ثمانية سنتات للسهم، وإنما يتوقعون الحصول على أرباح أعلى من هذا بكثير. فبدلًا من شرائهم السهم بسعر ٤٠ دولارًا ليدر عليهم ثمانية سنتات، يمكنهم أن يودعوا هذا المبلغ في حساب ادخاري ليحصلوا على ١,٦٠ دولار (حيث إن أسعار الفائدة طويلة الأجل تبلغ ٤٪). ولكنهم يتوقعون ارتفاع عائد كل سهم ليبلغ ١,٦٠ دولار أو أكثر لتعويضهم عن المخاطرة. وفي سبيل ذلك يجب أن ترتفع أرباح شركة أمازون من ٣٥ مليون دولار إلى مليار دولار سنويًّا.

كل ما شرحته لك للتو كان عبارة عن وصف لسوق الأسهم يعتمد على ما يعرف اصطلاحًا باسم «الأساسيات» Fundamentals، وبمعنى آخر يعتمد على اعتراف بأنه في النهاية يوجد سبب وراء تسمية الأسهم بهذا الاسم: فكلمة Share تعني «سهم» وتعني أيضا «نصيب» وهذه الأسهم سميت هكذا لأنها تمنح حاملها نصيبًا في ربح شركة حقيقية لها وجود على أرض الواقع. وعلى المدى البعيد، لا بد أن يعكس سعر السهم مقدار ذلك النصيب. ويمكن لعلماء الاقتصاد أن يساعدونا في تحديد مقدار القيمة الأساسية للسهم، وهو الأمر الذي فعلته للتو. فإذا كان سعر السهم أقل من قيمته الأساسية، فإن هذا يخبرك بأن سعره رخيص وأنك سوف تربح إن اشتريته. وفي أقصى الأحوال، فحتى إذا استمر تداول سهم ذا قيمة جيدة بأقل من قيمته الحقيقية إلى الأبد، فيمكنك أن تربح المال من احتفاظك به والحصول على العائد. ينبغي أن يعكس سعر السهم على المدى القصير الإمكانيات الأساسية للشركة أيضًا. في النهاية فمن ذا الذي سيشتري سهمًا بعشر دولارات في حين أن الكل يعرف أنه يساوي دولارًا واحدًا فقط على المدى البعيد؟ ومن ذا الذي سيبيع سهمًا مقابل دولار واحد والكل يعرف أنه يساوي ١٠ دولارات على المدى البعيد؟ وما دام كبار المستثمرين ذوو وعي، يجب أن تعكس أسعار الأسهم الأساسيات سواء على المدى البعيد أو القصير. ولكن هل المستثمرون لديهم هذا الوعي حقًّا؟
لقد أجرى جون ماينارد كينز John Maynard Keynes — أشهر عالم اقتصاد في القرن العشرين — مقارنة بين سوق الأسهم وبين مسابقة سخيفة أجرتها إحدى الجرائد التي دعت فيها القراء لاختيار أجمل الوجوه من بين مئات الصور، وفاز بها أحد القراء إذ اختار صور الفتيات ذوات الجمال الأقرب إلى الذوق العام. يقول كينز:

لا يتعلق الأمر باختيار الأجمل في نظر المرء، ولا حتى من يراهم الذوق العام على أنهن الأجمل. ولكننا وصلنا إلى المرحلة الثالثة التي نستخدم فيها ذكاءنا لتوقع ما يمكن أن يكون عليه الذوق العام. وأعتقد أن هناك من وصلوا إلى المرحلة الرابعة، والخامسة، بل والأعلى من ذلك.

يوجد لدينا مثال معاصر في هذا الشأن وهو طريقة «جرولش» Grolsch في اختيار الأسهم. أذكر أنني كنت التقيت بأحد المستثمرين وأخبرني أنه اشترى أسهمًا كثيرة في شركة جرولش للجعة، وذلك لأنه ذهب إلى كثير من الحفلات في كل أنحاء مدينة لندن، ووجد جعة جرولش هي التي تُقدم في كل تلك الحفلات. أما أنواع الجعة الأخرى التي كانت تحظى بشعبية من قبل مثل: ستيلا Stella، وأرتويس Artois، وهاينكين Heineken، فكانت تبدو وكأنما قد طواها النسيان. وبسذاجة أخبرته أن هذه الحفلات بلندن ليست بالضرورة مؤشرًا جيدًا على نجاح مبيعات جرولش عالميًّا، فقد تحقق جرولش مبيعات جيدة في لندن، ولكن مبيعاتها تكون سيئة في أي مكان آخر بالعالم، وفي تلك الحالة ستنخفض أرباح الشركة على المدى الطويل وسيعتبر شراؤه لتلك الأسهم غلطة. أخبرني المستثمر أنه يعرف أن ما أقوله صحيح، ولكن لا يهم. اعتمد المستثمر على أنه إذا كانت جرولش تتمتع بمبيعات ضخمة في لندن فقط، فلسوف يستنتج كثير من المستثمرين في المدينة أنها شركة ناجحة، ولسوف يقبلون على شراء أسهم فيها. ومن هنا، سيرتفع سعر السهم لفترة قصيرة، وحينها سيتمكن من بيع الأسهم محققًا ربحًا. فالأساسيات التي تحدثنا عنها للتو تهم فقط إذا كان المساهمون يخططون للاحتفاظ بالأسهم فترة طويلة بما يكفي لجعل الصورة الكلية — أيًا ما كانت — أكثر صفاء. فماذا كانت الصورة الكلية؟ انخفضت أسعار أسهم جرولش في العام التالي بمقدار الثلث تقريبًا من ٢٤ جنيهًا إسترلينيًّا إلى ١٧,٥ جنيهًا إسترلينيًّا؛ ثم قفزت مرة أخرى في غضون بضعة أشهر. وفي وقت كتابتي لهذا الكتاب في شهر مارس عام ٢٠٠٥، كان سعر السهم قد استقر عند نفس المستوى الذي كان عنده عندما تحدثت مع هذا المستثمر حديثنا الأول. لا تهتم طريقة جرولش بقيمة السهم. فهذه الطريقة هي ببساطة محاولة للاستفادة من الأخطاء التي تظن أن المستثمرين الآخرين سيقعون فيها. ولكن في ضوء ما نعرفه الآن عن أسواق الأسهم العقلانية، ونظرية السير العشوائي، لماذا نتوقع وقوع المستثمرين في مثل هذه الأخطاء التي يمكن للآخرين استغلالها بسهولة؟

(٣) حمقى منطقيون

صحيح لماذا؟ إليك ما حدث مع توني داي Tony Dye رئيس ومسئول الاستثمارات بشركة فيليبس آند درو Philips & Drew وهي شركة تعمل في إدارة الاستثمارات بالنيابة عن عملاء كبار مثل صناديق التقاعد. عندما ارتفع مؤشر إف تي إس إي FTSE ١٠٠ ١٠٠ (وهو المؤشر الذي يعكس أداء أكبر مائة شركة في سوق الأوراق المالية بلندن) إلى ٤٠٠٠ نقطة، توصل توني داي عام ١٩٩٦ إلى أن قيمة المؤشر عند هذا المستوى مبالغ فيها، وقام داي بتحويل مبالغ كبيرة من استثمارات عملائه إلى أموال نقدية، ثم أودعها على نحو عملي في حساب ادخاري. وبعد سحبه ٧ مليارات جنيه إسترليني من سوق الأسهم، تعرض للانتقاد يوميًّا على قراره هذا من جانب عملائه وزملائه وفي الصحف. ثم سُخر منه وأطلق عليه اسم «دكتور دوم» Dr. Doom تشبيهًا له بالشخصية الخيالية التي تحمل هذا الاسم والمشهورة بأعمالها الشريرة في فيلم فانتاستيك فور. ظهر داي بمظهر الغبي أكثر فأكثر في ظل مواصلة مؤشر أف تي إس إي الارتفاع في أواخر التسعينيات من القرن العشرين. وفقدت شركة فيليبس آند دريو عدد عملاء يفوق ما فقدته أي شركة لإدارة صناديق الاستثمار. وقد جاء ترتيب الشركة السادس والستين من بين سبعة وستين شركة منافسة في الشهور الثلاثة الأخيرة من عام ١٩٩٩ من حيث العوائد التي تقدمها لعملائها. واستمر داي في إصراره على وجود مبالغة في تقدير قيمة سوق الأسهم، حتى إنه تجنب شراء أسهم شركات الإنترنت، والاتصالات، واحتفظ بنسبة غير مألوفة من استثمارات عملائه في صورة أموال سائلة. وبالطبع كانت النهاية حتمية إذ كان لا مفر من إعلان تقاعده المبكر في أوائل شهر مارس عام ٢٠٠٠، وهناك أراء كثيرة تقول إنه كان مجبرًا على ذلك. وأذكر أن صحيفة التايمز اللندنية كانت تطلق على شركة فيليبس آند دريو اسم «الأضحوكة الدائمة». وأدرك مَن خلَفَ داي في منصبه أن داي خاض كثيرًا من المعاناة أثناء عمله، فيقول: «إنه مكان موحش. ولم تكن السنوات الأخيرة بالسنوات السهلة عليه على الإطلاق من حيث النقد الحاد الذي كان عليه أن يتحمله.»

فقد داي وظيفته، ولكنه كان على حق. فقبل أن يتوفر لشركة فيليبس آند دريو الوقت لتغير استراتيجيتها، تحول اتجاه سوق الأسهم فتراجعت أسعار أسهم شركات الإنترنت، والاتصالات، والتكنولوجيا. وهبطت الأسعار في السوق ككل. أما أسهم «القيمة» التي لم تكن مطابقة لذوق العصر آنذاك والتي كان يحتفظ بها داي، فحققت أداءً جيدًا. كما كانت الأموال النقدية أفضل من أسهم الإنترنت المنهارة. من هنا قفزت الشركة على القمة متصدرة قائمة شركات إدارة صناديق التقاعد، حيث إنها حققت ربحًا لعملائها يبلغ ٦,٤٪ في ثلاثة أشهر حتى يونيو عام ٢٠٠٠، أي ما يعادل أكثر من ٢٨٪ كعائد سنوي في سوق منهارة تمامًا. وبات مؤشر إف تي إس إي ينخفض وينخفض بعد أن وصل إلى أكثر من ٦٤٠٠ نقطة وقتما غادر السيد داي الشركة، لينخفض إلى أقل من ٣٣٠٠ نقطة بعد ثلاث سنوات. وتوصل داي عام ١٩٩٦ إلى أن عملاءه سيستفيدون من بيع الأسهم في السوق عندما يصل المؤشر إلى ٤٠٠٠ نقطة، ووضع المال في حساب ادخاري. ثم ثبت بعد سبعة أعوام أنه كان على صواب.

كان توني داي مصيبًا، ولكن هل كان تصرفه منطقيًّا؟ لقد ظل المئات من مديري الاستثمارات ممن ثبت ارتكابهم للأخطاء الفادحة؛ محتفظين بمراكزهم الوظيفية لأنهم كانوا يسايرون التيار. أما توني داي، فقرر أن ينتهج مذهبه هو. نعم، لقد برئت ساحته في النهاية، ولكن هذا بعدما أصبح محط سخرية الصحافة، وهجره عملاؤه، وأجبرته الشركة على التقاعد. فمديرو تلك الصناديق مشتتون بين دوافع غير متسقة، فإذا قرروا اتباع رأي مخالف للجمهور، فلن يقبل عليهم إلا عملاء قليلون، وسيعد هذا نجاحًا. أما إذا لم ينجحوا حتى في هذا، فربما يفقدون وظائفهم. ولذلك فمن الأسلم هنا أن تسبح مع التيار.

وليس معني هذا أن أسعار الأسهم تبتعد تمامًا عن الواقع، ولكنه يعني أن الكثيرين من مديري صناديق الاستثمار الكبيرة، الذين يتخذون القرارات بشأن مبالغ مالية هائلة، يحصلون على أجورهم من أجل متابعة الأسهم التي تساير ذوق العصر وليس الأسهم التي ينبغي متابعتها. وهذا يعني أن السوق سوف ترتكب أخطاء.

(٤) المستثمرون وبُعد النظر

ربما يستغرق الأمر سنوات لتظهر تلك الأخطاء. فمن يستطيع أن يؤكد أن فقاعة الإنترنت Internet Bubble كانت فقاعة بالفعل؟ قد تكون الحقيقة أننا نرتكب خطأً اليوم عندما تنخفض أسعار الأسهم إلى ذلك الحد. ليس هناك إجابات محددة، ولكني أرى أن النظر إلى الماضي بنظرة بعيدة يطرح أسئلة مفيدة بالتأكيد. فعندما كان السوق في قمته عام ٢٠٠٠، كان من ذوق العصر محاولة حث الناس على شراء أسهم الشركات المطروحة للتداول في سوق الأسهم، أو شراء أحد المنتجات المتعلقة بسوق الأسهم مثل صندوق التقاعد وذلك عن طريق عرض رسم بياني لأسعار الأسهم مثل الرسم الآتي:

هل يعمل سوق الأوراق المالية على ذلك النحو؟

وفكرة هذا الرسم البياني هي توضيح أن أداء سوق الأسهم قد ارتفع بسرعة شديدة (وفي هذا المثال معنا أحد مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية الذي كثيرًا ما يورد على سبيل المثال وهو مؤشر ستاندرد أند بورز ٥٠٠)، فإذا كنت استثمرت أموالك في سوق الأسهم الأمريكية في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، لكنت حققت الربح الوفير.

والرسالة الحقيقية مقلقة بعض الشيء. فالأرقام على المحور الرأسي في الرسم البياني عبارة عن «معدلات تاريخية للسعر/الأرباح». تظهر هذه الرسومات البيانية كيف ترتبط أسعار الأسهم بتاريخ أرباح الشركات خلال السنوات العشر الماضية. لهذا في عام ١٩٨٠، كانت أسعار أسهم عادية داخل مؤشر ستاندرد أند بورز ٥٠٠ تبلغ تسعة أضعاف متوسط أرباح هذه الشركات في السبعينيات (جرى تعديل الرسم البياني وكل هذه الأرقام من أجل إزالة أي أثر للتضخم). فالأسهم التي كانت تدر أرباحًا تبلغ ١٠٠ دولار سنويًّا في السبعينيات، كان يتكلف شراؤها ٩٠٠ دولار عام ١٩٨٠. وبحلول عام ١٩٩٠، كان يتكلف شراء الأسهم التي تدر ربحًا يبلغ ١٠٠ دولار سنويًّا في الثمانينات ١٨٠٠ دولار. ويعني هذا أن المستثمرين عام ١٩٩٠ كانوا متفائلين أن سوق الأسهم ستكون في التسعينيات أفضل منها في الثمانينيات، في حين أن المستثمرين عام ١٩٨٠ لم يكونوا متفائلين بنفس الدرجة أن أداء سوق الأسهم في الثمانينات سيكون أفضل منه في السبعينيات.

وبحلول عام ٢٠٠٠، كان المستثمرون مستعدين لدفع مبلغ ٤٥٠٠ دولار مقابل الأسهم التي تدر ربحًا يبلغ ١٠٠ دولار طوال التسعينيات. فإذا كان المستثمرون عام ١٩٩٠ على درجة أكبر من التفاؤل بالمقارنة بالمستثمرين عام ١٩٨٠، فإن المستثمرين عام ٢٠٠٠ كانوا حمقى تمامًا. وكان جزء من هذه الحماقة يرجع إلى استعدادهم لدفع مبالغ أكبر مقابل الأسهم لأن امتلاك الأسهم كان قد أصبح أكثر شيوعًا بين الناس آنذاك، وزادت قدرتهم على تحمل المخاطر. ولكن هذا الأمر قد عكس في الأغلب وجهة نظر، وهي وجهة نظر لا تناقش وغير مقصودة، ترمي إلى أن الربحية في المستقبل ستكون أفضل بكثير منها في الماضي بطريقة لم تحدث من قبل.

لنكن أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالافتراض الهائل الذي افترضناه من قبل. لم تكن المسألة تدور حول ما إذا كانت أرباح الأسهم تزيد أم لا، وفي المتوسط، كانت دائمًا تشهد مع توسع الاقتصاد زيادة غير منتظمة على المدى المتوسط. ولكن معدلات السعر/الأرباح مثل تلك الموضحة في الرسم البياني قد أخذت دائمًا في اعتبارها حقيقة أنه نتيجة لنمو الاقتصاد فإن أرباح الغد ستكون في الغالب أكبر من أرباح اليوم. وفي عام ٢٠٠٠ راهن المستثمرون على أكثر من ذلك حيث راهنوا على أن أرباح الغد ستكون أكبر بكثير جدًّا من أرباح اليوم بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوق الأسهم، ولا حتى عند إنشاء السكك الحديدية أول مرة، ولا عند دخول الكهرباء الولايات المتحدة، ولا أثناء التوسع الاقتصادي الكبير الذي شهدته الخمسينيات والستينيات.

لا ينبغي أن يرتفع الرسم البياني للسعر/الأرباح مثل الواجهة الشمالية لجبل إيجر Eiger وإنما ينبغي أن يكون مستويًا إلى حد ما، وربما يتذبذب صعودًا وهبوطًا، ولكنه لا يشهد تغيرًا كبيرًا على المدى البعيد. فإذا ظل معدل سعر السهم إلى ربحه ثابتًا عند النقطة ١٦، يعني هذا أنني مستعد لدفع ١٦ دولارًا لشراء سهم كان يدر في الماضي ربحًا يبلغ دولارًا سنويًّا، أو أنني مستعد لدفع ١٦٠٠ دولار لشراء محفظة استثمارات كانت تدر في الماضي ١٠٠ دولار سنويًّا، أو أن أدفع ١٦ مليار دولار لشراء شركة كانت تدر في الماضي ربحًا يبلغ مليار دولار سنويًّا. ومع نمو الشركات في سوق الأسهم، قد تنمو الأرباح من ١٠ ملايين إلى ١٠٠ مليون أو إلى مليار دولار سنويًّا، ولكن لا ينبغي أن يتغير «المعدل» في العادة بمرور الوقت. (صحيح أنه يتغير بتغير سعر الفائدة ونسبة المخاطرة، ولكن لا يكفي هذان الأمران لتفسير فقاعة الإنترنت التي حدثت في أواخر التسعينيات.)

أم أن هذا هو بعد النظر؟

عندما عرض عليّ رجال المبيعات لصندوق تقاعد رسومًا بيانية مثل هذه عام ٢٠٠٠، كان ما يأملون أن يخبروني به هو أن سوق الأسهم سوف يستمر في الارتفاع. ولكن في حقيقة الأمر فإن ما رأيته في تلك الرسوم لم يكن سوى رسالة بأن السوق على وشك الانهيار. تاريخيًّا، كانت المعدلات طويلة المدى لسعر السهم إلى ربحه تقترب دائمًا من ١٦. وكانت هذه المعدلات تبتعد في مرات كثيرة عن هذا الرقم، إلا أنها تعود دائمًا إلى نفس الرقم. بذل روبرت شيلر Robert Shiller أستاذ الاقتصاد بجامعة يال Yale بعض الجهد لكي يثبت هذا النموذج الذي يعود فيه معدل السعر/الربح عند مستوى ١٦، وجمع بيانات معدلات السعر/الأرباح التي تعود إلى عام ١٨٨١. (استخدمت بيانات روبرت شيلر في الرسوم البيانية لكلا الرقمين. وفي حقيقة الأمر، فإن الشكل الأول ما هو سوى ملخص من الشكل الثاني. ومع ذلك فالانطباعات التي يعطيها كل شكل منهما تختلف عن التي يعطيها الآخر إلى حد ما) أما ما يبدو جليًّا من البيانات التي جمعها شيلر، فهو أن وصول المعدل إلى ٣٠ ليس أمرًا قياسيًّا إذ إنه حدث مرة واحدة فقط قبل تسعينيات القرن العشرين وذلك في عام ١٩٢٨. ومثلما حدث عند انهيار البورصة عام ٢٠٠٠، أتى الناس عند انهيارها عام ١٩٢٨ بالعديد من التفسيرات لارتفاع أسعار الأسهم، حينها أعلن إيرفينج فيشر Irving Fisher عالم الاقتصاد الشهير بجامعة يال الذي سبق شيلر في هذا المجال أن أسعار الأسهم قد بلغت «هضبة مرتفعة جديدة ودائمة». ولم يكن فيشر أحمق، بل كان أحد المفكرين المؤثرين في الاقتصاد النقدي، وله كتاب بعنوان «انهيار وول ستريت — وما بعده» The Wall Street Crash—And After، الذي كان يطرح فيه ما بدا آنذاك على أنه أسباب وجيهة لتوقع بقاء أسعار الأسهم مرتفعة.

ومع أول انهيار مفاجئ شهدته سوق الأسهم في نهاية عشرينيات القرن العشرين، الذي كان يمثل بداية انهيار بورصة وول ستريت عام ١٩٢٩، زعم فيشر أن الأرباح المستقبلية ستكون ممتازة بسبب الفعالية الناتجة من الاندماجات الكبيرة الذي شهدتها الشركات مؤخرًا آنذاك، وأيضًا بسبب تطبيق التكنولوجيا الحديثة، وتطور الخبرة الإدارية وخبرة البنك المركزي الأمريكي. وكان يبدو تحليله معقولًا … ومألوفًا بشكل غريب (أي يشبه تحليله السابق الذي لم يكن تحليلًا صائبًا).

وللأسف، ورغم العنوان الموحي لكتاب فيشر، فإنه لم ينشر بعد انهيار بورصة وول ستريت مباشرة، وإنما نُشر عام ١٩٣٠ بعدما شهد السوق الفصل الأول مما تحول إلى مسرحية درامية طويلة. وقد أتبع ذلك انخفاض أكثر إثارة في أسعار الأسهم وهو ما حدث أيضًا في الكساد الكبير Great Depression عام ١٩٢٩.

(٥) التفكير العقلاني في الندرة

ربما لا نكون على حافة كساد آخر. ومع ذلك تجد المتفائلين العنيدين يزعمون أن سوق الأسهم سوف ترتفع، من أجل تبرير تقديرات الفقاعة بالسوق. فبعدما شهد مؤشر داو جونز Dow Johns سقوطًا ليصل إلى حوالي ٨٠٠٠ نقطة عام ٢٠٠٢، أصر كل من جيمس جلاسمان James Glassman وكيفين هاسيت Kevin Hassett على الدفاع عن كتابهما «داو ٣٦٠٠٠»، وهو الكتاب الذي تنبأ بالنبوءة التي حملها اسمه، في عناد، والذي أصدراه قبل انهيار المؤشر. وأشارا، وهم على حق في ذلك، أننا لا يمكننا توقع أداء السوق على المدى القصير، وكانا يتوقعان أن يتعافى السوق بمرور الوقت. (ولكن لم يعودا يؤكدان كما أكدا في كتابهما أن الأمر قد يستغرق «ثلاثة أو خمسة أعوام» كي ينتعش السوق، أي حتى نهاية عام ٢٠٠٤.) وأكدا أن سوق الأسهم قد قيمت بأدنى من قيمتها الحقيقية طوال المائة عام الماضية، لذلك فإن البيانات التاريخية التي جمعها فيشر لا تثبت أن المستثمرين في المستقبل سيقعون في نفس الخطأ. ربما كان المستثمرون مخطئين طوال القرن الماضي. وكما ذكرت من قبل، فبمجرد أن يتخلى علماء الاقتصاد عن فكرة أن الناس يتصرفون بمنطقية، سيكون من العسير علينا أن نجد ما نقوله.

والسؤال عمّا إذا كانت أرباح إحدى الشركات ستزيد زيادة كبيرة بالفعل في الأعوام القليلة المقبلة، مثلما توحي تقييمات الفقاعة يعد سؤالًا مهمًّا. من المثير التفكير في أن هذه الحجة هي حجة عن قوة الإنترنت، والهواتف الخلوية، والحواسب الآلية، وأشكال التقدم التكنولوجي الحديث الأخرى. فقد حاجج العديد من أنصار الإنترنت بالفعل أنه من المعقول جدًّا أن يدفع المرء مبلغًا باهظًا مقابل السهم في شركة أمازون لأن الإنترنت «ينقل كل شيء».

ولكن للأسف ليس هذا هو الغرض المقصود، فربما يعد الإنترنت بالفعل بمنزلة تكنولوجيا تحويلية شأنه شأن الكهرباء، أو الإنتاج الكيميائي الضخم، أو السكك الحديدية. وفي حقيقة الأمر فإن الإجابة سوف تظهر بمرور الزمن، ولكن هذه الإجابة لا تهم في الحقيقة عندما يتعلق الأمر بسوق الأسهم. والفرضية الأساسية الخفية في هذا الأمر هي أننا إذا كنا نخوض غمار ثورة تكنولوجية، فينبغي أن تكون قيمة الأسهم مرتفعة للغاية. ولكن هذه الفرضية خاطئة؛ فأسعار الأسهم ترتفع فقط متى وجد سببًا وجيهًا يجعلنا نتوقع زيادة في الأرباح المستقبلية. وكما نعرف فإن الأرباح تأتي من الندرة مثل ملكية الأرض النادرة (فنجدها محمية بواسطة سند ملكية قانوني)، والمنتج النادر (فنجده محميًّا بواسطة العلامة التجارية)، أو الشركة ذات القدرات النادرة (لا يحميها إلا مسألة صعوبة تقليد أكثر الشركات فعالية). ولهذا فأسعار الأسهم يمكن أن ترتفع فقط إذا كان التحول الاقتصادي يزيد درجة تحكم الشركات في الموارد النادرة.

من السهل أن ترى أنه ربما توجد علاقة بين التحول الاقتصادي والتحكم في الندرة. ولكن ليس من السهولة أن تعرف طبيعة هذه العلاقة؛ فهي بالتأكيد ليست بالعلاقة المباشرة، مثل القول بأن «التكنولوجيا الجديدة تزيد من تحكم الشركات في الموارد النادرة.» بعض الشركات سوف تربح وبعضها ستخسر. وتاريخيًّا لم توجد علاقة واضحة بين التحول الاقتصادي وبين الأرباح العالية بالنسبة للشركات العادية. وفي الواقع، فالعكس غالبًا يكون هو الصحيح: يقضي التحول الاقتصادي على ربحية الشركات القديمة (عن طريق استبدال أصولها النادرة أو مطابقتها)، بينما تواجه الشركات الجديدة التي حلت محل نظيراتها القديمة خطر ارتفاع معدلات الفشل والارتفاع الهائل في تكاليف تطوير أعمالهم. أما الثمار فيجنيها العمال الذين يحصلون في المتوسط على رواتب أعلى، ويجنيها أيضًا المستهلكون في صورة أسعار منخفضة أو حصولهم على سلع وخدمات أحدث وأفضل. وعلى سبيل المثال، فأرباح شركة أمازون البالغة ٣٠ مليون دولار عام ٢٠٠٣م ينبغي أن تقاس أمام التراجع في أرباح صناعة الموسيقى عالميًّا في نفس العام بما يقرب من ٢,٥ مليار دولار، وهو التراجع الذي يرجعه القائمون على هذه الصناعة إلى تحميل الموسيقى من الإنترنت وسهولة القرصنة. وهكذا يمكن للإنترنت القضاء على الأرباح وفي الوقت نفسه تمكين الحصول عليها.

كان هذا هو الحال دائمًا مع الثورات التكنولوجية السابقة مثل السكك الحديدية أو الكهرباء. ولأنني لم أعِ تلك النقطة جيدًا في الماضي، ارتكبت خطأ ذات مرة عندما تراهنت رهانًا دون مال مع عالم الاقتصاد جون كاي. تساءل عن ماذا كان سيحدث لو كنا قد اشترينا أسهمًا في شركة جريت ويستيرن رايلواي Great Western Railway، وهي أشهر شركة سكك حديدية في بريطانيا التي شهدت ميلاد صناعة النقل بالقطارات. وراهنني أنني حتى إذا كنت قد اشتريت الأسهم في أول يوم من طرحها للاكتتاب، واحتفظت بها لفترة طويلة، فلسوف تدر لي ربحًا متواضعًا، ربما أقل من ١٠٪ سنويًّا. ولم أقتنع أن إحدى كبرى الشركات الناجحة في صناعة السكك الحديدية ستوزع مبلغًا متواضعًا على المساهمين. عندها رحت أنفض الغبار عن أعداد مجلة «ذي إيكونوميست» The Economist التي نشرت في القرن التاسع عشر، وبحثت فيها إلى أن وجدت الإجابة. وبالطبع كان كاي على حق. فبعدما طرحت أسهم الشركة للاكتتاب بسعر ١٠٠ جنيه إسترليني للسهم عام ١٨٣٥، حدثت مضاربات قوية على أسهم شركات السكك الحديدية قفز خلالها سعر سهم شركة جريت ويستيرن ريلواي إلى ٢٢٤ جنيهًا إسترلينيًّا عام ١٨٤٦ أي بعد تأسيس الشركة بعشر سنوات. ثم انهار السهم ولم يصل مطلقًا إلى هذا المستوى مرة أخرى طوال القرن الذي يمثل عمر الشركة. وهكذا فالمستثمر الذي احتفظ بالسهم على المدى البعيد حصل على عائد توزيعي dividend وأيضًا على عائد سنوي على استثماراته الأصلية البالغة ١٠٠ جنيه إسترليني يبلغ ٥٪ وهو عائد مقبول وإن كان غير مميز بأي حال من الأحوال. وبالطبع فإن من اشترى تلك الأسهم في قمة أسعارها قد خسر ماله، ولكن يبقى حاله أفضل بكثير من حال حاملي الأسهم في شركات السكك الحديدية الأخرى التي لا يحصى عددها والتي أشهرت إفلاسها، حتى قبل الانتهاء من مد خطوط القطارات.

لذلك، فحتى الاستثمار في أفضل شركات السكك الحديدية لم يكن بمنزلة الاستثمار العظيم، أما الاستثمار في أسوأ تلك الشركات، كان يعد بمنزلة كارثة مالية. ولكن لا خلاف على أن صناعة السكك الحديدية قد حولت تمامًا الاقتصاديات المتقدمة. تفيد التقديرات المتحفظة أنها أضافت من ٥ إلى ١٥٪ إلى القيمة الإجمالية للاقتصاد الأمريكي بحلول عام ١٨٩٠م، وهو رقم مذهل عندما تفكر فيه. ولكن تسببت المنافسة بين شركات السكك الحديدية وبعضها في بناء وتشغيل الخطوط في أن تظل الأرباح متواضعة. وطالما ظلت المنافسة قوية، فإن السكك الحديدية لن تنعم سوى بقدر ضئيل من قوة الندرة.

(٦) الندرة والتكنولوجيا

أما فيما يخص شركات الدوت كوم وشركات التكنولوجيا الحديثة فإن مسألة الندرة يصعب تحقيقها. صحيح أن بعض الشركات أبلت بلاءً حسنًا، ولكنها قليلة مثل شركة آي بي إم ومايكروسوفت وإنتل. أذكر مثلًا أن شركة آي بي إم حققت نجاحًا منقطع النظير إذ إنها في نهاية سبعينيات القرن العشرين كانت أكثر الشركات ربحية على الإطلاق. ولكنها مع بداية الثمانينيات باتت على وشك الإفلاس تقريبًا ولم ينقذها منه سوى قيامها بتحويل نفسها تحويلًا مؤلمًا وجذريًّا إلى نشاط تجاري مختلف تمام الاختلاف عن نشاطها السابق. أما شركة إنتل، فلم تعان من نفس النوع من التفكك على الرغم من أن حجم أرباحها شهد انخفاضًا على مدار تسعة أشهر عام ٢٠٠١. ومع ذلك فشركة إنتل تشتهر بميلها المستمر إلى الحفاظ على روح الابتكار لتبقى دائمًا في موقع الصدارة مع منافسيها. (أذكر أن رئيس مجلس إدارة تلك الشركة ألف كتابًا بعنوان «المذعور هو من يستمر» Only the Paranoid Survive.)

يبدو أن شركة مايكروسوفت والتي حلت محل شركة آي بي إم كعملاقة صناعة الحاسب الآلي، هي فقط التي لم تمر بأوقات عصيبة. وربما يكون هذا النجاح الكبير لشركة مايكروسوفت هو ما ساعد في إشعال حالة الهيستريا بحثًا عن «مايكروسوفت جديدة». ولكن لا تستطيع معظم الشركات أن تكون مثل مايكروسوفت، ولن تكون مثلها أبدًا. وفي الحقيقة، فعندما يتعلق الأمر بأسعار الأسهم، فحتى شركة مايكروسوفت لا تبدو وكأنها شركة مايكروسوفت الشهيرة لأن سعر سهمها في نهاية تسعينيات القرن العشرين لم يعكس وضعها القائم آنذاك وإنما عكس توقعات لما سوف تصبح عليه مايكروسوفت في النهاية. وكانت وجهة نظر المستثمرين، التي ربما تكون صحيحة، أن مايكروسوفت بسيطرتها على عدد من المعايير المهمة للصناعة فإنها تمتلك بالفعل قوة ندرة حقيقية ودائمة والتي ستعود عليها بالأرباح الضخمة في السنوات المقبلة.

وبالنسبة إلى سرب الشركات المطالبة بعرش الدوت كوم، فما كان ينبغي تكون الفروق بينها كبيرة. فكثير من هذه الشركات كان من الممكن أن تقام شركات طبق الأصل منها بأقل تكلفة في غضون أشهر قليلة، ولعل هذه الحقيقة وحدها هي التي أوضحت أن أسهمها لا تساوي شيئًا في الحقيقة. لم يكن يهم ما إذا كان الاقتصاد يتغير أم لا؛ إذ إن الاقتصاد لن يتغير أبدًا بصورة تجعل الشركات التي لا تتمتع بأي قوة ندرة تجني الأرباح الطائلة.

ويعود هذا بنا إلى جراهام بيلي وشركة الاستشارات الإدارية في أواخر عام ١٩٩٨ الذي كانت الفكرة الضمنية وراء قوله تنادي بأنه: لا يهم ما إذا كان لديك أي نوع من قوة الندرة، ولا يهم إذا كان هناك من يقوم بنفس العمل الذي تقوم به، ولكن المهم أن تكون أنت من يصل أولًا. فهي نفس فكرة السعي وراء الذهب بعد اكتشافه بكاليفورنيا عام ١٨٤٨ Gold Rush حيث كانت الأولوية فيه لمن وصل أولًا. فلو استطاعت إحدى شركات التجارة عن طريق الإنترنت أن تحفظ لنفسها ما يشبه «منطقة امتياز» على الإنترنت، سيكون من المستحيل على الشركات الأخرى الدخول إلى تلك المنطقة، وطردها منها.
وإذا ما حولت هذه الفكرة الضمنية إلى فكرة واضحة، يمكنك أن ترى أنها فكرة يروق وضعها في قصص الأساطير الأمريكية ولكنها لا تصلح لأكثر من ذلك. فالمستوطنون والمنقبون عن الذهب يدافعون عن حقوق ملكيتهم بطريقة فظة وإن كانت تفي بالغرض وتحظى باعتراف الجميع. أما شركات الإنترنت فلا تملك مثل هذه الحقوق؛ إذ إن كل ما تملكه هو اسم الموقع، وربما اسمها التجاري المميز. ولكن كما يقول المثل: مال تجلبه الرياح تأخذه الزوابع. والسؤال هو: لماذا برب الأرض والسماء يجب إعفاء أول شركة تنشأ موقعًا لتجارتها على الإنترنت من المنافسة الفعالة؟ فمن السهل للغاية على العملاء معرفة الشركات الجديدة، وزيارة الموقع الجديدة على الإنترنت لن يكلف العملاء أي جهد، بل سيكون أسهل بكثير من زيارة متجر جديد. والواقع أن الميزة التي تتمتع بها الشركات التي تتأسس أولًا باتت ضئيلة مقارنة بما مضى. وكما كان يقول بيلي: إن هناك شركة تقدم تقنية البحث على الإنترنت أسست عملها في جراج في كاليفورنيا، وكانت تقوم ببضعة مئات فقط من عمليات البحث في الساعة. ولم تكن هذه الشركة سوى عملاق البحث الحالي جوجل Google.
وبالفعل تعتبر جوجل المثال الحي على أن من يصل أولًا إلى الإنترنت ليس له أي مميزات دون غيره، ولكن الأفضل هو من له كل المميزات. فقد انضمت جوجل إلى اللعبة متأخرة، أي في الوقت الذي كانت شركة ياهو Yahoo أرست فيه تجارتها، وتربعت على عرش محركات البحث، حتى إن اسمها بات يعادل البحث على شبكة الإنترنت نفسها. والسؤال لشركة جوجل عما إذا كان هناك شركة جديدة تأسست في جراج في مكان ما تستعد الآن لكي تفعل مع جوجل نفس ما فعلته هي من قبل مع منافسيها. فكل شركة على الإنترنت معرضة لهذا النوع من المنافسة. فالشبكة العنكبوتية تستأصل قوة الندرة.
وهكذا فإن الدروس التي ينبغي عليك تعلمها فيما يتعلق بشأن استثماراتك في سوق الأسهم أضحت واضحة تمام الوضوح: أولًا، تذكر معاناتك لإيجاد أسرع طابور في المتجر، وضع في ذهنك أن كل أسعار الأسهم تحتاج إلى معرفة أحد الخبراء الواسعة. فإذا حاولت أن تربح المال الوفير، فمن الأفضل أن يكون لديك فكرة واضحة عما تظن أنك تعرفه ويتجاهله المطلعون على أسرار الشركات. ثانيًا، تذكر أن ربحية الشركات طويلة المدى تأتي من تمتع الشركات بإمكانيات لا يمكن للشركات الأخرى تقليدها، مثل: العلامة التجارية القوية في سوق متحفظ، مثل الواقي الذكري ماركة تروجان Trojan، أو التحكم في معايير إحدى الصناعات، مثلما تفعل مايكروسوفت. أو التفوق في الخبرة مثل شركة جينرال إليكتريك General Electric. وربما يتمتع موقع إي باي eBay للمزادات بتلك القوة التي يستمدها من القاعدة الثابتة من البائعين والمشترين الأوفياء له. ويبقى عدد قليل جدًّا من الشركات التي تمارس التجارة عن طريق الإنترنت ممن يتمتعون بقوة ندرة مثل هذه، فمتى تأملت قصة جراهام بيلي بإمعان، تجدها غير مقنعه بالمرة عام ١٩٩٨. وكانت شركته قد أعلنت إفلاسها في أبريل عام ٢٠٠١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤