أهو انتقام زوار الفضاء؟

لم يعرف «أحمد» و«فهد» إلى أين يتجهان … وهل هما في فنلندا، أم خارجها؟ …

ولم يطُل الوقت؛ إذ سمعا صوت الطائرة البرمائية. دارت الطائرة دورة كاملة ثم عادت … إنها تبحث عنهما … اقترب «أحمد» من الشَّاطئ، ولم يكن هناك مَفَرٌّ من الالتجاء إلى البر والاختفاء … وأسرعا يعدوان بأقصى ما يمكنهما …

وفجأة ظهرت طائرة هليكوبتر، وهي تحوم في المنطقة، ثم هبطت … اختبأ «أحمد» و«فهد» … وكانت مفاجأة جديدة … لقد هبط منها «بو عمير» و«لورانس»، فأسرع «أحمد» و«فهد» إليهما، ولم يكن هناك وقت للكلام … استقل الأربعة الطائرة وسرعان ما ارتفعت بهم.

سأل «أحمد»: ولكن كيف عرفتما مكاننا؟

أجاب «بو عمير»: بعد أن خرجتما من الفندق هذا الصباح … جاء السيد «لورانس» يسأل عنك …

لورانس: لقد وعدتك بأن أعود للمسئولين بشأن القُفاز … إنني أعرف أن ذلك سوف يعرضكم لأخطار كثيرة!

بو عمير: وأنا أخبرته عن وجهتكما إلى «توركو»!

أحمد: إذن فأنتما اللذان حلَّقْتما فوق السيارة المؤجرة؟

لورانس: نعم … والجيب … ولكننا لم نكن متأكدين تمامًا أنكما بداخلها؛ لذلك ابتعدنا قليلًا … ولكننا لاحظنا بعد ذلك أنكما سرتما في طريق مهجور لا يطرقه أحد، فساورنا الشك وعُدنا نُراقب.

أحمد: والآن … إلى أين!

لورانس (ضاحكًا): إلى «توركو» بالطبع يا صديقي!

هبطت الهيلوكبتر أخيرًا، ولاحظ «أحمد» أنها تحمل علامة واسم شركة معروفة للبترول، ومشتقاته … وكانت الساحة الصغيرة التي هبطت عليها، جزء من موقع محاط بالأسوار، وبه مساكن مجهزة وبعض المستودعات والأجهزة …

سأل «أحمد»: هل تنتج شركتكم وقود الصواريخ؟

التفت إليه «لورانس» بدهشة … ولكنه ما لبث أن ضحك، ثم قال: لا بأس … إنَّك مخبر بارع أنت وزملاؤك … ولن أندهش إذا تكتلوا عليكم ليبعدوكم عن هنا؟

ضحك «أحمد» وهو يقول: عن هنا وهناك … لقد تعودنا على ذلك؟

طلب «لورانس» من الشياطين أن يُبدلوا مَلابِسَهم بملابس أخرى، وارتدى هو أيضًا ملابس جديدة، وسرعان ما استقلوا سيارة إلى خارج مُعسكر الشركة إلى «توركو» … كانت مدينة صغيرة جميلة … أكبر بيت فيها لا يرتفع أكثر من ثلاثة أدوار … لم يبدُ على أهلها أنهم فوجئوا بهم، وكأنها مدينة أبحاث علمية فقط … ولكن بعد فترة لاحت بيوت الأهالي، وهم من طبقة الصيادين والعمال الذين يعملون في مصنع لتعليب الأسماك. لم يستمر البحث أكثر من عشر دقائق حينما أشار شخص إلى بيت متواضع منعزل كان بيتًا خشبيًّا، يمكن تحريكه من مكان لآخر …

اندهش «أحمد» لذلك …

فتحت باب البيت سَيِّدة ضئيلة الحجم تبرُق عيناها ببريق حادٍّ … صاحت عند رؤيتها «لورانس»: هيه … إني أذكرك … جيدًا …

لورانس: أيتها السيدة الطيبة. نعم، لقد سبق وأن حضرت، أرجو أن يكون السيد «جونز» موجودًا هذه المرة …

هزت المرأة رأسها، كان يبدو عليها التردد لحظة … ثم قالت: إنه موجود هنا، ولكن أستميحكم عذرًا، إنه مُتضايق من أسئلة الصحفيين وغيرهم، ولا يُريد شيئًا …

لورانس: عذرًا يا سيدتي … ولكن صديقي «أحمد» يمكنه أن يوضح ذلك.

أحمد: حسنًا … هناك بوليصة تأمين لصالح السيد «جونز» … مليون دولار يمكنه أخذها.

صاحت السيدة على الفور: معذرة … تفضلوا!

أوقف سائقُ سيارة الشركة محركَها، ويده على مسدسه استعدادًا لأية مفاجأة … بينما دخل «لورانس»، والشياطين الثلاثة «أحمد» و«فهد» و«بو عمير» … كان المنزل مرتبًا، وكأن أحدًا لم يدخله منذ فترة طويلة … لم يمضِ وقت طويل حتى ظهر رجل أكبر سنًّا مما توقعه «أحمد» … كثيف الشعر يجلس على كرسي للمقعدين … تفحصه «أحمد» بدقة … لاحظ على الفور أنه يرتدي حذاء، وحُلة كاملة، وكأنه على وشك الخروج لحفل أو وليمة …

قال الرجل على الفور: معذرة يا سادة … لقد كثر اللغَط في هذا المكان … الجميع يريدون أن أتكلم …

أحمد: عن أي شيءٍ يا سيدي؟

الرجل: كل شيء … عملي في البحر … والمركب التي غرقت هناك على الساحل …

فهد: ونعرف أنك زرت البحر الأبيض … وكانت لك جولات في قبرص واليونان وإسبانيا!

الرجل: نعم، نعم … تمامًا … ولكن ذلك كان منذ … منذ سنوات … لا أذكر الكثير عن هذه الرحلة.

تبادل «أحمد» و«فهد» النظر … فلقد كان كلام «فهد» غير حقيقي، فالرَّجل لم يذهب إلى تلك الأنحاء مُطلقًا …

أحمد: ولكن رحلتك الأخيرة … كانت عند سواحل الدانمرك حيث غَرِقت المركب … مغامرة مثيرة.

الرجل: بالفعل … إن ذاكرتك جيدة … ولكن … الرحلة لم تكن موفقة كما ترى … أشار الرجل إلى ساقيه … وسكت.

أحمد: لقد وصلتْ برقيَّتُك يا سيد «جونز»!

أبدى الرجل دهشة، ولكنه سرعان ما تدارك الموقف وصاح: نعم، نعم … ولكن لم أستطع … ساقاي كما ترى … وذاكرتي أيضًا … كما ترى.

أحمد: ولكنك ترتدي ملابسك كاملة … يمكنك إذن الخروج!

الرجل: لقد تعودت أن أستقبل كل ساعة زائرًا جديدًا!

واسترسل الرجل يحكي حكاية طويلة عن طبق طائر هبط فوق المركب … وأنه يشك أنَّ ذلك هو الذي تسبب في غرق المركب.

فهد: كيف ذلك يا سيدي!

الرجل: ربما … لا أعلم بالضبط … ربما تعطلت أجهزة المركب الملاحية … واللاسلكي أيضًا … كان الجو مشبعًا بالسحاب، لم تكن الرؤية جيدة … دخلت المركب وسط جبال الثلج … تعطلت المروحة وكسرت الدفة وبدأت تميل … وكسرت ساقاي.

أحمد: ولماذا لم تُرسل في طلب معونة … ربما يمكن لأحد ما أن يعالج هذا الكسر …

الرجل: ومن أين لي بالنفقات؟

أحمد: أليس لك أقارب في أي مكان؟

الرجل: لا …

تبادل «أحمد» و«بو عمير» و«فهد» النَّظر … بينما بقي «لورانس» صامتًا يتابع الجميع …

نهض «أحمد» … ولكن الرجل صاح: ولكن النقود؟

قال «أحمد» مبتسمًا: سوف تستغرق الإجراءات العادية بعض الوقت مع الشركة … وسوف أعاود الاتصال بك!

وعندما خرج الأربعة في صمت … بدا لهم أنَّ الرجل كاذب تمامًا، فاقترح «أحمد» أن يمضوا بعض الوقت في مطعم … واستغرق «أحمد» في التفكير … ثم سأل «أحمد» «لورانس»: ولكن ما حكاية هذا الطبق الطائر؟

لورانس: يُقال إن طبقًا طائرًا هبط قريبًا من سواحل النرويج، وتسبب في أن تضل سفينة الحيتان طريقها … ولكن الأهم من ذلك … قيل إن «جونز» هذا عثر على بعض أجزاء سقطت من الطبق الطائر … وربما تكون هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يعثر فيها شخص على مثل هذه الأجزاء أو الأجهزة …

بو عمير: وهل يعتبر هذا دليلًا!

فهد: بالتأكيد … فحكاية الأطباق الطائرة هذه لم تُؤيَّد حتى الآن بدليل موثوق به!

أحمد: ولكن أين «جونز» الحقيقي؟

بو عمير: ولماذا لا تسأل عنه هنا؟

اقترب الجرسون حاملًا أطباق الطعام … رمقه «أحمد»، ثم سأله: نُريد أن نقابل شخصًا يُدعى «جونز بيكلي» في هذه المدينة!

الجرسون: لعلكم صحفيون؟

هَزَّ «أحمد» رأسه موافقًا … ثم مَدَّ يده بمبلغ دسه في يد الجرسون، ولكن الجرسون هز رأسه أسفًا ثم قال: سيدي … لقد حلت عليه اللعنة … فلا يقرب بيته أحد إلا الأجانب، ويُقال إنه لا يبرح بيته؛ لأنه أصيب بالعمَى …

عقدت المفاجأة ألسنة الأربعة … وبعد لحظة سأل «أحمد»: ولكن كيف؟

الجرسون: مخلوقات من الفضاء انتقمت منه … لقد رآهم هناك، وطلبوا منه ألا يخبر أحدًا، ولكنه تكلم.

وعندما تركهم الجرسون، ضحك «لورانس» فجأة، فتطلَّع إليه الثلاثة، وساد الصمت لحظة قبل أن يقول «لورانس»: سيد «أحمد» … إن الشخص الذي قابلناه منذ فترة لم يكن «جونز».

أحمد: نعم … أعرف … ولكن أين «جونز» الحقيقي؟

لورانس: «جونز» اختُطِفَ منذ أسبوع، وهذا الذي قابلناه يقوم بدور مرسوم … إنه دور البديل …

أحمد: لماذا؟

لورانس: لعلهم يتوصلون إلى تلك الأجهزة المزعومة، فلم يعثر عليها أحد حتى الآن.

أحمد: ومن هم؟

لورانس: إنهم جواسيس دولة مُعادية … أو عصابة تريد الاستيلاء على هذه الأجهزة وبيعها لمن يدفع!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤