المعركة الأخيرة!

وعن طريق «لوسي»، تمكن «الصقر» من الاستدلال على مكان «الدب». وهو يقترب من سواحل النرويج … ومرت فترة ليست قصيرة قبل أن يقترب «الدب» من البجعة الجانحة … والتي تراكمت حولها جبال الجليد.

ارتفع صوتٌ عبر اللاسلكي يصيح: أطلقوا الدخان … التفت «فهد» بسرعة، ولكن «أحمد» قال: يريدون إطلاق دخان لإخفاء أي أثر يدل عليهم …

لورانس: وهل تمكنوا من رصد مكان الطائرة؟

أحمد: ربما …

لورانس: إذن لا بد من العمل بسرعة.

ثم التفت إلى الطيار، وقال: هل يمكنك استغلال هذا الدخان للاقتراب من «الدب»؟

أحمد: انتظر حتى أعيد الاتصال ﺑ «عثمان» و«بو عمير».

حاول «أحمد» الاتصال لاسلكيًّا، ولكنه لم يستطع، كان الموقف غامضًا، ولا أحد يعلم ما يحدث على ظهر «الدب»، ولكنه سمع عن طريق «لوسي» أوامر تُلقى بارتداء ملابس الغوص … لقد بدا واضحًا أنَّ عملية البحث في السفينة المسماة «البجعة» على وشك أن تبدأ …

وأخيرًا تمكن «أحمد» من الاتصال فرَدَّ عليه «بو عمير»: انتظر قليلًا حتى يخلو المركب … لا تقترب الآن … حوِّل.

أحمد: لا بُدَّ من الإفراج عن الكابتن «جاك» و«جونز» في الوقت المناسب … حوِّل.

بو عمير: «جاك» و«جونز» مُحاطان بالرِّجال الآن الوقت غير مناسب … نحن نراقب … حوِّل.

أحمد: سنحاول الهبوط بسلم حبال … انتهى.

واقتربت الطائرة وهي منخفضة قريبًا من سطح الماء في الجانب البعيد، وفُتح باب وأُنزل سُلَّم حِبال، واستعد «أحمد» و«فهد» … وفجأة أُطلقت بعض الأعيرة النارية في اتجاه الطائرة … فحلقت بعيدًا على الفور …

ساد الصمتُ برهة … قال «أحمد»: لا بد من انتظار الليل … لقد اكتشفونا … وإذا أصررنا على المحاولة، فربما عمدوا إلى تأجيل عملية البحث … أو إلغائها.

وأعاد «أحمد» الاتصال اللاسلكي، فسمع بعض الأصوات وارتباكًا …

صوت: شرطة السواحل.

صوت: اصعدوا واستعدوا للابتعاد … أطلق ستارة من الدخان.

وبعد لحظات كان «الدب» يبتعد تحت ستارة من الدخان، حتى كاد يختفي … في نفس الوقت كان «الصقر» يحلق بعيدًا … وبقيت «البجعة» الجانحة تنتظر مصيرها بهدوء …

استقرت الطائرة في مكان قريب، وآذان «أحمد» قريبة من أجهزة الإنصات العديدة هناك … ولكن دون فائدة. فقد ساد السكون الغامض … فحاول مرة أخرى الاتصال ﺑ «بو عمير» و«عثمان» ولكن دون جدوى.

قال «أحمد»: لقد وضح الموقف تمامًا … لقد زاد عدد الرهائن فأصبحوا أربعة!

فهد: وباتت مُهِمَّتُنا أكثر صعوبة!

لورانس: إذن نطلب نجدة سريعة!

أحمد: لا لا … فربما قتلوا الرهائن.

تطلَّع «أحمد» إلى ساعته وقال: الساعة الآن الرابعة بعد الظهر … بقي حوالي ساعتين قبل الغروب … لا بد من الانتظار.

وهكذا حُكِمَ على المجموعة بالانتظار بقلق، فتناولوا الغداء واستراحوا وآذانهم على اللاسلكي في انتظار أي صوت يدل على اقتراب «الدب» …

نهض «أحمد» فجأة وصاح: القارب المطاط!

التفت نحوه «فهد» و«لورانس» … فأكمل «أحمد» كلامه: يمكننا الوصول إلى «البجعة» بالقارب المطاط.

لورانس: وبعد ذلك؟

أحمد: إنهم بلا شك ينتظرون هبوط الظلام مثلنا، فلماذا لا نسبقهم إلى هناك؟

فهد: فكرة!

وعلى الفور استعدَّ «الصقر» للتحليق مُقتربًا من مكان الباخرة … دون أن يظهر أي أثر للدب … وبسرعة أسقط القارب المطاطي برفق، وهبط عليه «أحمد» و«فهد» وقد ارتديا ملابس الغوص … والأسلحة اللازمة … ثم أشار «أحمد» للصقر … فابتعد … وواصل الاثنان الاندفاع نحو الباخرة الجانحة، وسط كتل الثلج …

دخل «أحمد» بالقارب في تجويف بعيد، واستعد ومعه «فهد» للبحث في اتجاه الباخرة … لقد بدا لهما وكأنها مدينة أشباح، ولا أثر لحياة عليها. واستمر البحث ما يقرب من ساعة دون أن يجدا شيئًا له أهمية، وعندما مالت الشمس للاختفاء … لمح «أحمد» شيئًا رماديًّا يقترب.

صاح «فهد»: ها هم … لقد استقلوا مركبًا للإنقاذ!

رد «أحمد»: بل مركبين … الثاني وراءه تمامًا.

فهد: ولكن أين الباخرة الدب؟

أحمد: لقد أحسنوا التفكير … ولكنا كُنَّا أسبق منهم … اختبئ بسرعة لنرى ماذا سيفعلون!

واختبأ الاثنان بسرعة … في الوقت الذي اقترب فيه المركبان وعليهما مجموعة من الرجال، دون أن يظهر الكابتن «جاك» … أو «جونز» … وقبل أن يصل الرجال، كان «أحمد» قد أبلغ هذه التطورات إلى «لورانس»؛ ليكون على أهبة الاستعداد للتدخل …

اختبأ «أحمد» و«فهد»، وهما يراقبان ما يحدث على ضوء الكشافات التي سلطها رجال العصابة؛ لتنير لهم طريق البحث عن الأجهزة التي قيل إنها سقطت من طبق طائر …

بعد فترة من البحث تأكد «أحمد» و«فهد» أنَّ الكابتن «جاك» و«جونز» لا يزالان على سطح الباخرة «الدب»، فاتصل «أحمد» ﺑ «لورانس» طالبًا منه التوجه إليها لإنقاذ الرهائن …

فجأة سمع «أحمد» و«فهد» رجال العصابة، وهم يتصايحون مُهددين كلًّا من الكابتن «جاك» و«جونز» بالانتقام … لقد وضح في الحال أنَّ عملية البحث لم تُسفر عن شيء … وأنَّ الرجال عائدون لقتل الرهائن … فكان لا بد من إعاقة هؤلاء المجرمين عن الوصول إلى الباخرة، قبل أن تتم عملية إنقاذهم بواسطة الهليكوبتر …

سبَح «أحمد» و«فهد» بهدوء حتى وصلا إلى القارب المطاطي، وأدارا محركه بقوة، وسرعان ما انطلق بعيدًا …

انتبه أفراد العصابة إلى القارب، وسرعان ما أصدر أحدهم أمرًا باللحاق بهما، والقبض عليهما بأي وسيلة، وانطلقت بعض الطلقات النارية من الجانبين، ولكن القارب المطاطي كان قد ابتعد بمسافة … ووراءه اندفع القاربان محملَين بالرِّجال وهم يجدفون بقوة …

استمرت المطاردة فترة قبل أن يختفي «أحمد» و«فهد» في ظلام البحر الدَّامس … وهنا أعاد «أحمد» الاتصال باللاسلكي مع «لورانس»؛ فأخبره بأنَّ ثمة صعوبات في البحث عن الرهائن الأربعة … فليس معه سوى مساعد الطيار … فأخبره «أحمد» أنَّه استطاع إبعاد رجال العصابة، ولكنهم لا بد عائدون الآن إلى الباخرة … فطلب منه سرعة الوصول إلى مكان الباخرة للمساعدة …

وعن طريق إشارات اللاسلكي، وبالاستعانة بما لديهم من خبرة فلكية وبحرية … فقد تمكن «أحمد» و«فهد» من تحديد مكان الباخرة، وتوجيه القارب المطاطي الوجهة الصحيحة.

كان سباقًا مع أفراد العصابة … أيهم يصل أسرع إلى الباخرة «الدب» … وسط ظلام حالك، وبين كتل طافية من الثلج الأبيض … تبدو كإشعاع وسط الظلمة … وبعد حوالي ربع ساعة … لاحت من بعيد أضواء «الدب» تنعكس على الماء … فزادت من حماس «أحمد» و«فهد» في سباق بين الحياة والموت …

وعندما اقترب القارب تمامًا كان كل شيء هادئًا تمامًا … أين إذن «لورانس»؟ وأين الطائرة؟ وأين الرَّهائن؟ … وأين أفراد العصابة؟ … وهل لا يزالون يبحثون عنهما في البحر … أم سبقوهما … وربما ينتظروهما على سطح الباخرة؟ … أسئلة كثيرة … ولكن الوقت لم يسعف «أحمد» و«فهد»؛ لكي يفكرا فيما يجب أن يفعلاه … فصعدا بسرعة على سلم من الحبال إلى أعلى … كان السطح خاليًا تمامًا من البشر …

فجأة سمع الاثنان صوت الطائرة فوقهم … فحوَّل «أحمد» أحد الكشافات ليستدل الطيار إلى مكانهما … وسرعان ما هبطت الطائرة بالفعل على سطح المركب، وهبط «لورانس» ومساعد الطيار … بينما بقي الطيار على أهبة الاستعداد …

صاح «لورانس»: لقد بحثت طويلًا فلم أجد شيئًا … سوى العودة إلى مكان الباخرة الجانحة …

مساعد الطيار: هناك حجرات كثيرة مُغلقة … وليس لدينا خبرة بمثل هذه البواخر …

أحمد (لمساعد الطيار): هل يمكنك تتبع أفراد العصابة، ومحاولة إعاقتهم عن الوصول إلى هنا … إنني أحتاج إلى رُبع ساعة فقط للبحث عن الرهائن.

فأسرع مساعد الطيار إلى الطائرة … وسرعان ما حلقت بعيدًا … وهنا أدار «أحمد» جهاز اللاسلكي وهو ينصت … وبدأ يتجول ومعه «فهد» و«لورانس» في دهاليز الباخرة، وهو يسترق السمع في جهاز اللاسلكي، وبعد فترة مرهقة من البحث وصلا إلى قاع الباخرة حيث الآلات … وبدأ يسمع أصواتًا … وأسرع يتتبع مصدرها، حتى نجح أخيرًا في العثور على حجرة مُغلقة، كأنها حجرة في سجن …

اندفع «فهد» بقوة محاولًا تحطيم الباب … وعندما استحال عليه ذلك، استعان بعمود من الخشب الصلب، وبقوة سواعد «أحمد» و«فهد» تحطم الباب، وسرعان ما ظهر الكابتن «جاك» و«جونز»، و«بو عمير» و«عثمان»، مُقيَّدين جميعًا بالحبال.

وبسُرعة كان الجميع يهرعون إلى سطح المركب …

وفَجأة … ظهر رجال العصابة … وهم يتسلقون الباخرة ويهجمون … ودارت معركة حامية بين الرجال السبعة، وبين رجال العِصابة … سقط أكثر من شخص في البحر، بينما تلقى الكابتن «جاك» ضربة فسقط مغشيًّا عليه، وبقي الشياطين الأربعة و«لورانس» يقاومون …

كانت الهزيمة على وشك أن تلحق بهم … وفجأة مزَّق سكونَ الليل … هدير محرك «الصقر» … لقد جاء في موعده تمامًا …

وسرعان ما توقفت المعركة … وعمد رجال العصابة إلى الفرار، وهم يظنون أنَّ شرطة السواحل قد أحاطت بهم.

تفرَّق أفراد العصابة في محاولة للهرب … بعضهم استطاع الاستعانة بلنش أو أكثر … والآخر سقط في البحر …

هبطت الهليكوبتر … وسرعان ما حمل الرِّجال الكابتن «جاك» …

– ولكن أين «جونز»؟

تطلَّع الجميع حولهم … لقد اختفى «جونز»، اختفى «جونز» … أو بمعنى أصح: عاد يبحث عن كنزه هناك.

وفي الهليكوبتر … أفاق الكابتن «جاك»، وهنا سأله «لورانس»: هل يمكننا مواصلة البحث عن أجهزة الطبق الطائر؟

ابتسم الكابتن وقال بسُخرية: أي طبق تقصد … إنها أجهزة علمية كانت محملة بواسطة بالون اختبار … وبسبب خلل مفاجئ هبط البالون في غير مكانه، ولكن لماذا كنت تريد شراء هذه الأجهزة من «جونز»؟

كان سؤالًا وجيهًا من «أحمد» … فرد الكابتن بعد أن ضحِك: لأنها لن تفيد أحدًا … سوى خلق أسطورة في أذهان النَّاس عن طبق لم يهبط …

لورانس: ولكن ما دفعته من ثمن … يبدو باهظًا … بالمقارنة مع أسطورة …

فهد: وربما تُسعد الناسَ هذه الأسطورة!

عثمان: وربما يستفيد بها مؤلف سينمائي مثلًا.

ضحك الرجال … سأله «لورانس»: وهل تنوي الاعتزال والاشتغال بالسينما؟

عثمان: ربما … ولكن الهدف كان ساميًا بالفعل، ويستحق التضحية.

جاك: شكرًا لكم … وإنني آسف لما حدث!

أحمد: عندي لك مفاجأة …

وعند ذلك أخرج «أحمد» قفازًا … صاح «جاك» عند رؤيته أوه … قفازي … وأين عثرت عليه؟

أحمد: بجوار العين الكبريتية …

جاك: هذا صحيح … لقد تعمدتُ إلقاءه هناك، حالما اقتادوني إلى السيارة على أمل إنقاذي …

أحمد (ضاحكًا): لقد فكرت في الاستعانة بأحد كلاب البحر ليقتفي أثرك، ولكن خشيت من الحيتان …

فهد: ولماذا … وصائد الحيتان موجود؟

جاك (ضاحكًا): ولكن أين هو بالفعل … إنَّ لي معه حسابًا …

أحمد: لماذا؟

جاك: لقد كان يُريد أن يبيعني الأجهزة بثمن مرتفع للغاية.

ضحك الجميع … ثم قال «عثمان»: لو حدث هذا … واجهتنا مشكلة حادة مع زوار الفضاء الغامضين.

التفت الطيار من داخل كابينة الطائرة، وقال ضاحكًا: وقت العشاء قد حان … هل نعود الآن؟

صاح «عثمان»: بسرعة أرجوك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤