الفصل الأول

دراسة علم الجمال

(١) الفلسفة – نقد اعتقاداتنا

لو كان عليَّ أن أختار لفظًا واحدًا أصف به وظيفة الفلسفة و«روحها»، لكان هذا اللفظ هو أنها نقدية. غير أن من الواجب ألا يسيء المرء فهم هذا اللفظ؛ إذ إن له في الحديث اليوم عادة معنى أضيق من ذلك الذي أقصده؛ فعندما نقول، في حديثنا المعتاد، إننا «ننتقد ذلك الشخص»، نعني عادةً أننا نجد فيه عيبًا. غير أن الفلسفة ليست «نقدية» بهذا المعنى؛ فهي ليست تنقيبًا عن العيوب؛ وهي ليست «مزدرية دائمًا»، كما يفعل أولئك الأشخاص سَيِّئُو الطبع الذين نعرفهم جميعًا.

والصحيح أن الفلسفة نقدية بمعنًى أوسع؛ فهي في هذا المعنى تفحص شيئًا لكي تحدد نقاط قوته وضعفه. وبهذا المعنى تكون الدراسة النقدية متعلقة بمزايا الموضوع الذي تدرسه فضلًا عن عيوبه، ولكن، ما الذي تدرسه الفلسفة بطريقة نقدية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست هينة إلى الحد الذي يتبادر إلى الذهن. ومع ذلك يمكن القول إن الفلسفة تنتقد بعضًا من أهم الاعتقادات التي يأخذ بها البشر وأوسعها انتشارًا، كالاعتقاد مثلًا بأن الله موجود. وهناك مثل آخر هو الاعتقاد بأن ثمة أفعالًا معينة؛ كالوفاء بالوعد أو الولاء للوطن، ينبغي علينا أن نقوم بها، وأفعالًا أخرى؛ كالكذب أو الغش في الامتحانات، تتصف بأنها خطأ من الوجهة الأخلاقية. ومن الأمثلة الأخرى الاعتقاد أو الإيمان بأهداف أو «قيم» معينة للحياة البشرية ينبغي علينا أن نسعى إليها، كالحصول على أكبر قدر يمكننا أن نناله من اللذة، أو العكس، أي الحب المسيحي القائم على التضحية بالنفس.

ولقد وَصفتُ الاعتقادات التي تنتقدها الفلسفة بأنها «هامة وواسعة الانتشار» معًا. ولا شك أن الأمثلة التي أوردناها تدل بوضوح على أن هذه الاعتقادات واسعة الانتشار بالفعل؛ فكل إنسان بالغ تقريبًا، في أية حضارة أو أي عصر تاريخي عاش فيه، كان، ولا يزال، يأخذ بنوع معين من الاعتقاد في كل هذه المسائل. ولو تريث القارئ لحظة ليفكر في هذا الأمر، لتبين له أن هذا يصدق عليه هو ذاته أيضًا، مهما كان من غموض اعتقاداته أو عدم تحدد معالمها على نحو قاطع.

على أننا لا نستطيع أن ندرك أهمية الاعتقادات التي تدرسها الفلسفة، ما لم نبحث في أهمية الاعتقادات بوجه عام. إن الاعتقادات ليست أصنافًا موضوعة على رفوف مخازننا العقلية، تظل عادةً دون استخدام، وإن كنا ننفض الغبار عنها أحيانًا ونستخرجها من أماكنها — من أجل استخدامها في جلسة مناقشة ودية مثلًا، بل إنها أهم من ذلك بكثير؛ إذ إنها تسيطر على مجرى حياتنا وتوجهه؛ فنحن نسلك دائمًا على هدى اعتقاداتنا. والأمور التي نعتقد بصحتها عن العالم وعن أنفسنا لها أهمية حاسمة في اتخاذنا قرارًا بأن نؤدي فعلًا معينًا بدلًا من فعل آخر، وفي أن نستهدف غاية معينة بدلًا من غاية أخرى. واعتقاداتك عن نفسك تحدد اختيارك لميدان تخصصك في الكلية، كما أن اعتقاداتك عن الآخرين تحدد اختيارك لصديقك الحميم من بين زملائك.

ومن هنا فإن أمورًا عظيمة الأهمية تتوقف على صحة اعتقاداتنا. ويمكن القول بوجه عام إن السلوك لن يكون مثمرًا وناجحًا ما لم يكن مرتكزًا على اعتقادات موثوق منها. أما السلوك الذي يفتقر إلى استنارة الاعتقاد الصحيح فلا بد له أن يكون منحرفًا عقيمًا؛ إذ يكون نتاجًا للخرافة، أو «التخمين» أو العادة الجامدة.

والاعتقادات التي تدرسها الفلسفة هي تلك التي تكمن من وراء سلوكنا في المجالات الرئيسية للتجربة البشرية؛ ففي حالة الأخلاق، لا تهتم الفلسفة بقرار أخلاقي معين، مثل: هل أكذب لأربح في هذه الصفقة؟ — بقدر ما تهتم بمبادئ الصواب والخطأ التي يرتكز عليها مثل هذا القرار؛ فالشخص الذي له مبادئ أخلاقية غير سليمة، لا بد أن يسلك بطريقة مرذولة مستقبحة. وهذا يصدق أيضًا على مجال التجربة الذي سوف نتناوله هاهنا بالبحث — أعني الإبداع والتذوق الفني. فاستمتاعنا بالفن — إن كنا ممن يستمتعون به — يتوقف على اعتقاداتنا بشأن طبيعته وقيمته. وهنا أيضًا نجد أن الاعتقادات الباطلة تؤدي — كما سنرى فيما بعد بالتفصيل — إلى سلوك لا جدوى منه.

•••

والآن، ما الذي يعنيه بالضبط قولنا إن الفلسفة «ناقدة» لاعتقاداتنا؟ فلنعترف، بادئ ذي بدء، بأن معظم اعتقاداتنا المتعلقة بأمور حيوية كالدين والأخلاق غير نقدية بصورة واضحة. وفي استطاعتنا أن نقول إن القارئ لو تريث مرة أخرى ليفكر في اعتقاداته في هذه الأمور، وسأل نفسه عن السبب الذي دعاه إلى الأخذ بهذه الاعتقادات، لوجد في معظم الحالات أنه لم يصل إلى هذه الاعتقادات نتيجة لتفكير جاد متمعن فيها، بل الأصح أنه قَبِلها متأثرًا بسلطةٍ ما، أي بفرد أو نظام معين. أدخل في ذهنه هذه الاعتقادات. وقد تكون هذه السلطة أبويه أو معلميه، أو الطائفة الدينية التي ينتمي إليها، أو أصدقاءه. وكثير من اعتقاداتنا مستمد مما نطلق عليه، بطريقة غير محددة بدقة، اسم «المجتمع» أو «الرأي العام». والذي يحدث عادة هو أن هذه السلطات لا تفرض علينا تلك الاعتقادات، بل إننا نتمثلها أو نمتصها من «المناخ الفكري» الذي ننشأ فيه. وهكذا فإن معظم اعتقاداتك المتعلقة بأمور مثل وجود الله أو كون الكذب صوابًا في أية حالة، هي مخلفات تلقيتها من السلف.

غير أن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن هذه الاعتقاداتِ باطلة أو غير صحيحة بالضرورة، فقد تكون صحيحة كلَّ الصحة. والواقع أن المعتقدات المنقولة من السلف إلى الخلف تصمد أحيانًا مع الأيام، ولكن المسألة هي أن الاعتقاد لا يكون صحيحًا لمجرد كون سلطة معينة تقول إنه كذلك. فلنفرض أني سألتك في صدد اعتقادٍ معين: «كيف تعرف أن هذا صحيح؟» فلا جدال في أنك لو أجبت: «لأن أبويَّ (أو أساتذتي أو أصدقائي … إلخ) قالوا لي ذلك»، لَمَا كانت هذه بالإجابة المرضية؛ فهذا ليس في ذاته ضمانًا لصحة الاعتقاد؛ إذ إن أمثال هذه السلطات كثيرًا ما أخطأت، فقد اتضح بطلان قدر كبير مما كان أجدادنا يعتقدون به عن الطب وتوارثته الأجيال اللاحقة. كما أن التلاميذ — لحسن الحظ — كانوا منذ المدارس الأولى يجدون أخطاءً فيما يقوله لهم معلِّموهم، ويحاولون أن يكوِّنوا بأنفسهم اعتقادات أصح. وبعبارة أخرى: فحقيقة الاعتقاد ينبغي أن ترتكز على صفاته الخاصة. ولو علمك أبواك أن الإفراط في أكل التفاح الأخضر خطر على الصحة، لكان تأكيدهم هذا صحيحًا، لا لأنهم يقولون ذلك، بل لأن هناك وقائع معينة (مؤلمة إلى حد بعيد) تثبت صحته. ولو اعترفت ﺑ «قانون» علمي قرأت صيغته في كتاب مدرسي، فمن الواجب ألا يكون اعترافك به راجعًا إلى أنه وارد في كتاب مدرسي، بل لأنه يرتكز على أدلة تجريبية واستدلالات رياضية. فلن يكون لنا الحق في الأخذ باعتقاد معين إلا عندما يكون هذا الاعتقاد مؤيدًا بأدلة ومنطق سليم، ولكن معظمنا، كما قلت من قبل، لا يختبرون اعتقاداتهم على هذا النحو.

وهنا يأتي دور العمل «النقدي» الذي تقوم به الفلسفة. فالفلسفة ترفض قبول أي اعتقاد لا تثبت صحته بأدلة واستدلالات. والاعتقاد الذي لا يمكن البرهنة عليه بهذه الطريقة لا يستحق ولاءنا العقلي، وهو عادة مرشد غير مأمون للسلوك. وإذن فالفلسفة تأخذ على عاتقها مهمة البحث الفاحص في الاعتقادات التي نكون قد قبلناها بطريقة غير نقدية من سلطات متعددة. ولا بد لنا أن نتخلص من ضروب التحامل والانفعالات التي تشوه اعتقاداتنا في كثير من الأحيان. ولا تقبل الفلسفة السماح لأي اعتقاد باجتياز الاختبار لمجرد كونه مستندًا إلى تراث، أو لأن الناس يجدون رضاءً انفعاليًّا في الأخذ به كما أن الفلسفة لا تقبل اعتقادًا لمجرد كونه يُظن متمشِّيًا بوضوح مع «التفكير الشائع»، أو لأن أناسًا حكماء قد نادوا به، وإنما تحاول الفلسفة ألا تأخذ أي شيء «قضيةً مسلمًا بها»، أو «على أساس الثقة»، فهي تكرس نفسها للبحث الدائب الصريح، لكي تتأكد إنْ كانت لاعتقاداتنا مبررات، وتعرف إلى أي مدًى تكون لها هذه المبررات. وعلى هذا النحو تعصمنا الفلسفة من الانحدار إلى مستوى الاستسلام العقلي والقطعية الذهنية التي يتعرض لها البشر جميعًا.

•••

ولما كان علم الجمال، أو فلسفة الفن كما يُسمَّى أحيانًا، فرعًا من الفلسفة، فإن ما قلناه عن الفلسفة عامةً يصدق على علم الجمال بدوره؛ فعلم الجمال يأخذ على عاتقة القيام باختبار نقدي لاعتقاداتنا المتعلقة بأمور مثل: ما طبيعة «الفن الجميل»؟ وما الذي يميز الفنان المبدع من غير الفنان؟ وأي نوع من التجربة يعد «تذوق» الفن؟ ولماذا كانت هذه تجربة قيمة؟ وهل يمكننا أن نبتَّ في الخلاف حول الفن، كما يحدث عندما يقول «أ» إن موسيقى الجاز «مثيرة» و«حافزة للخيال»، ويقول «ب» إنها «همجية» و«مجرد ضوضاء»؛ أو عندما تختلف أنت وصديقك حول قيمة فنان معين، مثل تشايكوفسكي؟ وما الذي يعنيه القول إن شخصًا معينًا له «ذوق سليم» أو «ذوق أفضل» من شخص آخر؟ هل تعني هذه العبارة أي شيء على الإطلاق؟ وما وظيفة الناقد؟ وهل للرقابة على الفن أي مبرر؟ وإن كان لها مثل هذا المبرر، ففي أي الظروف؟ وما أهمية الفن في التجربة البشرية؟

هذه الأسئلة تمثل نوع المشكلات التي سندرسها ها هنا. ولا حاجة بنا إلى إدراجها تحت أي «تعريف» قاطع «لعلم الجمال»، حتى لو كان ذلك ممكنًا؛ ذلك لأن أي تعريف كهذا لن يكون له إلا معنًى ضئيل، أو قيمة تافهة، بالنسبة إلى القارئ في هذه المرحلة. وسوف يجد هذا القارئ في الفصل الحالي فيما بعد تحديدًا أكثر تنظيمًا للمشكلات الرئيسية في علم الجمال والطرق التي ترتبط بواسطتها بعضها مع البعض، ومع ذلك فإن الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يختص به علم الجمال هي أن نرى كيف يقوم هذا العلم بنقد اعتقاداتنا المتعلقة بهذه المسائل.

ولكن، ما هي بالضبط اعتقاداتنا في هذه المسائل؟ وهل في استطاعة القارئ، حتى لو كان قادرًا على تقديم إجابة عن كل من الأسئلة السابقة، أن يذكر بوضوح ما الذي يعنيه بها؟ إن هذه الاعتقادات، شأنها شأن اعتقاداتنا في مجالَي الأخلاق والدين، غير نقدية في العادة. ونظرًا إلى أننا لم نفكر فيها عادة قبل أن نقبلها، فإنها تكون غامضة غير محددة المعالم. وعلى ذلك فلا بد لنا من أن نوضح ما الذي نعنيه حين نستخدم ألفاظًا مثل «الفن»، و«الجميل» و«الذوق السليم». وهذه خطوة لا غناء عنها لكي نكون «ناقدين» لاعتقاداتنا؛ ذلك لأننا لا نستطيع أن نسوق أدلة في صف اعتقاداتنا أو ضدها ما لم نعرف بدقة كنه ما نعتقد.
وبعد أن نعبر عن اعتقاداتنا بقدر من الوضوح، قد نجد أننا نعتقد بأمور متعددة مختلفة، لا بأمر واحد، فيما يتعلق بمعظم المسائل السابقة أو كلها. وقد نشعر بالذعر حين نكتشف ذلك، غير أن هذا ليس بالأمر المستغرب؛ ذلك لأن اعتقادات معظم الناس حول هذه المسائل إنما هي مجموعة غير منتقاة من العبارات الشائعة التداول، والأفكار غير المتعمقة، والانفعالات التي تتخذ مظهر الأفكار. ومن مهمة البحث النقدي أن يكشف النقاب عن هذه كلها بطريقة منهجية منظمة. وقد نعرف أيضًا شيئًا آخر عن معتقداتنا يكون أكثر تثبيطًا للهمم، هو أننا ليست لدينا اعتقادات مختلفة عن المسألة الواحدة فحسب، بل إن هذه الاعتقادات قد تتناقض فيما بينها أحيانًا، فنحن نأخذ باعتقادين كل منهما مضاد للآخر منطقيًّا، بمعنى أنه لو كان أحدهما صحيحًا، لما أمكن أن يكون الآخر صحيحًا. وهكذا قد يرى المرء أن رأي أي شخص في قيمة عمل فني معين يتساوى مع رأي أي شخص آخر؛ ومع ذلك قد يسحب رأيه في وقت آخر لصالح حكم صادر عن «خبير» أو ناقد محترف؛ لأنه يرى أن الأخير تتوافر لديه المؤهلات الخاصة لإصدار حكم على الفن. وليس هذا النوع من التناقض الذاتي بدوره أمرًا مستغربًا؛ إذ إن «الموقف الطبيعي (common sense)» حافل بأمثال هذه المتناقضات، وهي تمر بنا في معظم الأحيان دون أن نلاحظها، لا لشيء إلا لأن ما نسميه «الموقف الطبيعي» لا يتريث أبدًا لكي يختبر انتقاداته. ومن هنا كان من المهام الأخرى للفلسفة «النقدية» أن تكشف عن هذه المتناقضات المنطقية وتتغلب عليها. وأخيرًا فإن علم الجمال يخضع اعتقاداتنا للاختبار الصارم المستمد من الشواهد، لكي يحدد إن كان الواقع يؤيدها. وإذن فنظرًا إلى غموض اعتقاداتنا، وتباينها، وتناقضها، فلا بد أن يتضح للطالب أن اتخاذ موقف «نقدي» منها ليس بالأمر الهين.

(٢) لماذا ندرس علم الجمال؟

على أن هناك مسألة سابقة تقتضي انتباهنا، قبل أن نواصل سيرنا، فقد قلت إن الفلسفة «ناقدة» بلا انقطاع، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فهلا ينبغي على الفلسفة أن تكون ناقدة «لذاتها»، أيضًا؟ الواقع أن الفلاسفة دأبوا، طوال تاريخ الفلسفة، على طرح أسئلة نقدية عن أهدافهم ومناهجهم، وعن قيمة الاشتغال بالفلسفة — فلنكن إذن «نقديِّين» منذ البداية الأولى، ولنتساءل: «لم ندرس علم الجمال؟» هل هناك أية أسباب معقولة تجعل الدارس يهتم بمسائل كتلك التي أوردناها من قبل؟ في اعتقادنا أن لهذا الاهتمام أسبابًا أفضل من تلك التي دفعت طالب الجامعة — في القصة الساخرة القديمة — إلى اختيار مقرراته الدراسية دون أي اعتبار للموضوع ذاته، بل على أساس مبدأ واحد هو ألا تبدأ أية محاضرة فيها قبل الساعة العاشرة، ولا يقع أي مُدرَّج تُلقى فيه المحاضرة بعد الطابق الثاني.

ولعل أفضل طريقة لمواجهة هذا السؤال هي أن نناقش حججًا معينة تحاول إثبات أن علينا ألا ندرس علم الجمال. هذه الحجج كما سنرى فيما بعد، تحاول إثبات أن دراسة علم الجمال لا ضرورة لها، أو عقيمة، أو حتى ضارة. ولا جدال في أن من واجبنا أن ننجح في الرد على هذه الحجج، إذا استطعنا ذلك. ولعل أحدًا لا يتوقع، في حالة إخفاقنا في الاهتداء إلى الرد أن «نغلق الحانوت» ولم نكد نبدأ بعد دراستنا. غير أن هذا لا ينقص من قدر هذه الحجج التي يُعد بعضها قويًّا بحق، فحتى لو لم تكن هذه الحجج تثبت القضية التي ندافع عنها، فإن لها فائدتها لأنها تحول بيننا وبين الوقوع في أخطاء خطيرة في تفكيرنا المتعلق بعلم الجمال؛ فهي تعيننا على أن ندرك بوضوح هدف الدراسة الجمالية، والمناهج التي ينبغي أن نستخدمها في دراستنا هذه.

فما هي إذن الحجج التي تساق ضد دراسة علم الجمال؟

الحجة الأولى: هناك ميادين أخرى للدراسة — كعلم النفس وعلم الاجتماع وتاريخ الفن وتحليل الأساليب الفنية — تستطيع الإجابة عن جميع الأسئلة الخاصة بالفن؛ فهذه الحجة تقول إذن إنه لا حاجة إلى علم الجمال، لأن ما نعرفه عن الفن لا يأتينا من الفلسفة، بل من ميادين أخرى، فلكي نعرف مثلًا ما الذي يحدث في تجربة تذوق الفن، نتوجه إلى عالم النفس؛ إذ إنه هو الذي يستطيع القيام بتحليل وتفسير الحالات النفسية للإدراك، والانفعال، والخيال … إلخ، التي تؤلف هذه التجربة. وبالمثل فإذا شئنا أن نفهم التركيب النفساني للفنان المبدع، وكيف يختلف عن غير الفنانين من الناس، فإن علم النفس هو وحده الذي يستطيع أن يعيننا. أما أصول الفن في المجتمع، وعلاقاته المتبادلة مع النُّظُم الاجتماعية الأخرى كالدين والاقتصاد والأخلاق، وأهميته في الحضارة البشرية، فهي أمور يفسرها علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. كما أن متابعة تطور «أساليب» وعصور فنية، كالرومانتيكية، وتطور «أنواع» فنية، كالرواية، هي مهمة مؤرخي كل فن من الفنون. ولا يمكن أن يفسر لنا أمورًا «كالهارموني» في الموسيقى، أو تأثير أساليب كالاستعارة في الأدب، إلا من كان متمرسًا في الفنون الخاصة. ولو أردنا تفسيرات وتحليلات لأعمال فنية معينة، بحيث نستطيع أن نتذوقها على نحو أكمل، لاستشرنا نقادًا في كل الفنون، أو الفنانين أنفسهم. وبهذا نكون قد أوردنا المصادر الرئيسية لمعرفتنا المتعلقة بالفن. ونظرًا إلى أن هذه المصادر تقدم إلينا كمية هائلة من المعلومات، فإن دراسة علم الجمال، كما تقول هذه الحجة، لا داعي لها ولا ضرورة.
فكيف يمكن الرد على هذه الحجة، إن كان هذا الرد ممكنًا على الإطلاق؟ من الواضح أولًا أننا اكتسبنا بالفعل معظم ما نعرفه عن الفن من ميادين البحث هذه. وإن علم الجمال ليكون مفلسًا منذ البداية لو أنكر ذلك، وحاول أن يجعل من نفسه بديلًا عن هذه الدراسات الأخرى. ومع ذلك فإن النتيجة التي تنتهي إليها الحجة — وهي أن علم الجمال لا يستطيع أن يضيف شيئًا — لا تنبع من هذه المقدمة؛ ذلك لأن الدراسات الأخرى، كما ستحاول المناقشة الآتية أن تثبت، تترك مسائل حاسمة معينة عن الفن دون أن تمسها.

•••

فمن الجدير بالملاحظة أن أي ميدان من الميادين المتعددة المذكورة من قبل لا يبحث صراحة في مسألة تعد أساسية بالنسبة إلى دراسة الفن، وهي: لماذا كان للفن الجميل قيمة؟ إن الاعتقاد بأن للفن. مرتبة رفيعة بين «الأشياء الطيبة في الحياة» هو اعتقاد يكاد يكون عامة. بل إن هناك من يرون أن الفن له أعظم قيمة بين كل الإنجازات التي تستطيع التجربة البشرية أن تحققها. ويقوم علم الجمال «بنقد» هذه الاعتقادات: فهل الفن حقيقة رائع وجدير بالاهتمام إلى الحد الذي نعتقد؟ وإن كان الأمر كذلك، فما الذي يشكل قيمة الفن؟

هذه أسئلة أساسية لا يستطيع عالم النفس أو عالم الاجتماع أن يقدم إجابة عنها؛ فهو في كثير من الأحيان يفترض مقدمًا قيمة الأعمال الفنية في أبحاثه؛ فعالم النفس قد يختبر ردود أفعال عدد كبير من الناس إزاء الفن «الجيد» و«الرديء». أو قد يقول عالم الاجتماع إن حضارة معينة أنتجت فنًّا «عظيمًا» نظرًا إلى تنظيم مجتمعها. غير أن كلًّا منهما لا يختبر معنى لفظ «جيد» أو «عظيم» كما يُطبق على الفن، وإنما تُترك عملية تحليل المعنى للباحث في علم الجمال. وفضلًا عن ذلك فإن علم النفس وعلم الاجتماع لا يقدمان عرضًا شاملًا للمعرفة المكتسبة من جميع الفروع التي تبحث في الفن، وضمنها علماهما، وتاريخ الفن، والنقد الفني، إلخ، ولكن هذه بعينها هي مهمة علم الجمال، الذي يقوم بها من أجل اكتساب معرفة محيطة شاملة بالفن، متخذًا من هذه المعرفة أساسًا للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالقيمة الفنية. وعلى ذلك فإن علم الجمال يختلف عن تلك الدراسات الأخرى لأنه يتصدى لمشكلات القيمة، ولأنه يستفيد بطريقة شاملة من كل ميادين البحث الأخرى المتخصصة في الفن.
ولكن، قد يقال ردًّا على ذلك إن عالم النفس يستطيع أن يقدم إجابة كافية عن هذه الأسئلة. ذلك لأن كون العمل الفني جيدًا أو رديئًا يتوقف على نوع التجربة التي يمر بها المرء وهو يتأمله. ولنبحث، لإيضاح هذه المناقشة، في مثل بسيط، وليكن عملًا لا يكون «قيِّمًا» إلا لأنه يثير انفعالًا شديدًا (وليس هذا المثل فرضيًّا تمامًا؛ إذ إن هناك أشخاصًا عديدين يبدو أن هذا بعينه هو رأيهم). فإن كان الأمر كذلك، فعلينا أن نرجع إلى عالم النفس لنعرف منه إن كان للعمل١ المعين مثل هذا التأثير. أما الأشخاص أنفسهم فكثيرًا ما يكونون مضطربين، لا يُعتمد عليهم، عندما يصفون تجاربهم «الباطنة»، ففي استطاعة عالم النفس أن يحدد إن كانت قد حدثت إثارة انفعالية، وما مدى هذه الإثارة، ولِم ولَّدها هذا العمل الفني بعينه، وما إلى ذلك.
ولكن، هل يثبت ذلك أن في استطاعة علم النفس تفسير قيمة الفن؟ إنه لا يستطيع ذلك إلا بشرط واحد، وهو شرط حاسم: هو أن يكون من الممكن إثبات أن إثارة الانفعال الشديد هي بالفعل ما يجعل للفن قيمة. غير أن هذا أمر لا يمكن أبدًا إثباته عن طريق علم النفس وحده؛ فمن الممكن الاعتراض على أي تعريف كهذا «للقيمة» الفنية من خلال الاستجابات النفسية للفن، وكثيرًا ما اعتُرِض عليها بالفعل. ويعتقد معارضو هذا الرأي أن قيمة الفن لا تتوقف على الاستجابة التي يثيرها في البشر، بل يرون أن قيمة الفن كامنة فيه. ومن هنا كانوا يرون أن من الخطأ المضحك ربط القيمة الفنية بالخلجات والانتفاضات التي قد يشعر بها بعض الناس، وليس علينا بطبيعة الحال أن نبتَّ في هذا الخلاف بين الآراء في الوقت الراهن؛ إذ إننا سنبحث المشكلة بشيء من التفصيل فيما بعد. والمسألة الحالية هي أن علم النفس لا يستطيع بذاته أن يحل هذا الخلاف. وفي مقابل ذلك يحاول علم الجمال أن يعرض بدقة تلك النظريات التي ذكرت بطريقة مجملة، وأن يفكر بإمعان في نتائجها، ويحدد نقاط قوتها وضعفها.
كذلك فإن الدراسات المتخصصة الأخرى للفن، كعلم الاجتماع والتاريخ، لا تستطيع بدورها أن تكشف عن قيمته؛ فهي تهتم بإبراز أهمية الأعمال الفنية في المجتمع الإنساني. غير أن الأعمال يمكن أن تكون «هامة» في التاريخ الاجتماعي سواء أكانت قيمة بوصفها أعمالًا فنية أم لم تكن. فمن الممكن أن يكون لقطعة أدبية أو موسيقية تأثيرٌ كبير في التغير الاجتماعي بوصفها وثيقة للدعاية، أو حافزًا على الثورة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها عمل فني جيد. وربما كان القارئ قد عرف القصة التي تُروى عن مقابلة لنكولن لهارييت بيتشر ستو (Harriet Beechor Stowe)، مؤلفة رواية «كوخ العم توم»، خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وقوله لها: «أهذه هي السيدة الصغيرة التي أثارت الحرب الكبيرة؟» فإذا سلَّمنا بأن رواية «كوخ العم توم»، قد ساعدت بالفعل على بلورة الشعور المضاد للرق، فإن هذا لا يستتبع القول إنها رواية جيدة بدرجة ملحوظة.

وهناك مسألة أخرى، لها أهمية أعظم حتى من مسألة قيمة الفن، تغفلها وجهات النظر غير الفلسفية إلى الفن؛ تلك هي السؤال: «ما الفن؟» ذلك لأن ميادين الدراسة التي تحدثنا عنها من قبل تستخدم كلها لفظ «الفن»؛ لأنها تبحث في الفن من وجهة نظر أو أخرى، ولكنها لا تبحث في معناه بطريقة منهجية. ومن هنا فإن من الواجب أن يعالج علم الجمال هذه المسألة بدورها.

ولكن قد يرد امرؤ على ذلك قائلًا: ولكن هذه الدراسات الأخرى لا يتعين عليها أن تبحث في هذه المسائل؛ ففي استطاعتها أن تجمع معلومات عن الفن، منظورًا إليه من وجهة نظر نفسية أو اجتماعية أو تاريخية أو تطبيقية … إلخ دون أن تعبأ بمسائل «رفيعة المستوى» مثل «طبيعة الفن». ولهذا الرد قدر من الصحة، ولكن عليك أن تلاحظ أنك إذا قلت ذلك، فأنت إنما تسلِّم ضمنًا بالمسألة موضوع البحث — أي إنك تسلِّم بأن هذه الدراسات لا تجيب عن هذه الأسئلة المتعلقة بالفن، بل إنها في الواقع تخفق في الإجابة عن طائفة من أهم وأول الأسئلة التي يمكن أن تُوجَّه عن الفن. وهكذا تثبت عدم كفاية الحجة الأولى التي ترمي إلى إثبات أن دراسة علم الجمال غير ضرورية.

•••

ومع ذلك فليس صحيحًا أن يقال إن المسائل التي يبحثها علم الجمال ليست لها أهمية بالنسبة إلى الدراسات غير الفلسفية للفن. صحيح أن هذه الدراسات تستطيع المضي في طريقها أحيانًا دون القيام بتحليل جاد لطبيعة الفن وقيمته؛ فقد يكتب مؤلف «تاريخًا اجتماعيًّا» للفن دون أن يخوض هذه المسائل، ولكن حتى في هذه الحالة، لا يكون ما يقوله واضحًا تمامًا لو لم يعمل أبدًا على تفسير ما يعنيه «بالفن»، واكتفى بأخذ هذا اللفظ «قضية مسلَّمًا بها» (أما لو تصدى لهذه المسألة، لدخل بالفعل ميدان علم الجمال).

غير أن من الممكن، في ميادين أخرى، أن يؤدي الامتناع عن اتخاذ موقف فلسفي من الاعتقادات الأساسية إلى نتائج وخيمة. ولنتأمل في هذا الصدد نقد الفنون؛ فالبعض يقول إن عمل الناقد مختلف تمامًا عن عمل المفكر الجمالي، بل مضاد له؛ ذلك لأن الناقد يهتم بأعمال فنية معينة أي هذه القصيدة أو هذا التمثال — ويحاول تحليلها وتفسيرها، ويقرر إن كانت لهذا العمل قيمة، ويحدد مدى هذه القيمة إن وجدت. ومن هنا لم تكن المسائل «التجريدية» في علم الجمال تعنيه في شيء.
وإذن فالناقد يقول عن عمل فني إنه «جميل» أو إنه «فن عظيم» أو «أفضل من العمل السابق للفنان نفسه». ومع ذلك فإن حكم الناقد لا تكون له دلالة كبيرة ما لم نعرف الأسباب التي دفعته إلى إصداره؛ فامتداحه للعمل أشبه ما يكون بالصياح «مرحى!»؛ وهو لا ينبئنا بشيء سوى أنه يحب العمل، ما لم يكن في استطاعته أن يفسر استحسانه للعمل ويدافع عنه، فلا بد له أن يكون قادرًا على أن يذكر بوضوح ما الذي يعنيه «بالجمال» أو «العظمة» في الفن. ولا بد له أن يحدد صراحة ما هي معايير القيمة التي توصل في ضوئها إلى حكمه. ولو لم يفعل ذلك، لكان نقده غامضًا إلى حد ميئوس منه، ولما فهمنا ما هو بصدد الكلام عنه على الإطلاق. ويمكننا أن نأتي لذلك بتشبيه غاية في البساطة، فنقول إنه أشبه بالقول إن درجة الحرارة ٥٠، دون أن نحدد إنْ كان المقصود هو المقياس المئوي أو الفهرنهيتي. وعلى ذلك فإذا شاء الناقد أن يقوم بعمله بطريقة معقولة فلا بد له من أن يفكر في طبيعة القيمة الفنية.

والأرجح أن معظم النقاد يوضحون بالفعل نوع معايير القيمة التي يستخدمونها، وإن كان الكثيرون لا يفعلون ذلك إلا بطريقة ضمنية أو غير مباشرة. ومع ذلك فكثير من هؤلاء النقاد لا يكونون فلسفيين بما فيه الكفاية في طريقة وصولهم إلى اعتقاداتهم المتعلقة بالقيمة، مما ينجم عنه أن يكون نقدهم للفن تافهًا أو لا قيمة له؛ ذلك لأن النقاد (شأنهم شأننا جميعًا) معرَّضون لأخذ معايير القيمة من التراث أو من سلطة معينة دون تساؤل، وهو أمر يثبته تاريخ النقد الفني. وقد تكون هذه المعايير صالحة للحكم على أعمال فنية تنتمي إلى عصر معين أو أسلوب معين. غير أن الناقد يسلم بأنها ذات صحة شاملة، وبأنها تصدق على جميع الأعمال الفنية. وعندما يطبق هذه المعايير على فن من نوع مختلف تمامًا، يسيء الحكم عليه كلية. وهو في ذلك أشبه بمن يستخدم معايير بطل رفع الأثقال في الحكم على مزايا عازف بارع للبيانو، فإذا كان الناقد يؤمن مثلًا بأن اللوحة المصوِّرة تكون جيدة إذا كانت تصور موضوعات عالمنا اليومي وأشخاصه بأمانة، ويطبق هذا المعيار على ما يسمى بالفن «الحديث»، الذي لا «يشبه» شيئًا على الإطلاق، فسوف ينتهي إلى النتيجة التي سمعناها جميعًا — وهي أن هذا الفن «مريع»، أو «مزيف»، أو أي شيء قد يكون أسوأ حتى من ذلك. غير أن الخطأ قد لا يكون خطأ اللوحة، وإنما هو خطأ الناقد؛ فمعايير القيمة عنده ضيقة ومحدودة أكثر مما ينبغي. ولو فكر بمزيد من التمعُّن واتساع الأفق في طبيعة القيمة الفنية، لكان من الجائز أن يغير معاييره، ولجاز أن يجد معايير للقيمة أكثر اتصالًا بالموضوع، يمكن على أساسها النظر إلى الفن المعاصر على أن له قيمة بطريقته الخاصة، وعلى ذلك فإن من واجب الناقد، شأنه شأن كل شخص آخر مشتغل بالفن، أن يختبر الاعتقادات الكامنة التي تتحكم في نظرته إلى الفن. ولو لم يفعل ذلك، لحصر نفسه في حدود قطعية لا مهرب منها.

ولنقدم مثلًا آخر للأهمية الحيوية لعلم الجمال بالنسبة إلى الدراسة غير الفلسفية للفن؛ فإجراء التجارب حول الطريقة التي يستجيب بها الناس للفن كان يحدث في مجال علم النفس باستمرار منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وكان الأمل معقودًا عليه في الوصول إلى إجابات دقيقة منضبطة عن كثير من أسئلة علم الجمال التي ظلت تُناقَش قرونًا طويلة. وقد أمكن عن طريق التجريب، ولا سيما في السنوات الأخيرة، الوصول إلى بعض النتائج القيمة، ومع ذلك فإن نتائج التجريب السيكولوجي كانت في معظم الأحيان غير مشجعة؛ إذ إن الاستنتاجات التي كان يتم التوصل إليها كانت تافهة، بل كانت سخيفة أحيانًا، حتى عندما كانت تُعرض بطريقة رياضية وإحصائية شديدة الدقة، فما السبب في ذلك؟ إن السبب الرئيسي، كما أود أن أثبت الآن، هو أن علماء النفس كثيرًا ما قصروا في القيام باختبار «نقدي» لاعتقاداتهم بشأن طبيعة الفن وقيمته، وهي أمور كانوا يأخذونها «قضيةً مسلَّمًا بها» عند تصميمهم لتجاربهم.

فقد أجرى علماء النفس عددًا لا حصر له من التجارب، كانوا يقدمون فيها إلى جماعات كبيرة من الناس أشكالًا هندسية بسيطة، كمستطيلات ذات أشكال مختلفة، أو بقع من الألوان. وبعد ذلك كان يطلب إلى المجرب عليهم أن يفاضلوا بين هذه الأشكال، ويحددوا ما هي الأشكال أو الألوان التي يجدون فيها لذة أعظم. وهكذا يتضح في تجربة تجرى على ٤٥٥٦ شخصًا أن اللون الأزرق مفضل على القرمزي، أو أن اللون البرتقالي أقل الألوان جاذبية على الإطلاق،٢ وفي تجربة أخرى يتضح أن الشكل الذي يجمع بين الأسود والقرمزي والرمادي مفضل على ذلك الذي يجمع بين الأصفر والرمادي والأحمر،٣ وهكذا.
والآن، فما قيمة هذه النتائج؟ لقد كان القائمون بهذه التجارب يأملون أنه إذا أمكن تحديد مدى الشعور باللذة إزاء ألوان منفردة، فعندئذٍ يمكن تفسير قيمة أعمال فنية؛ «فمن الممكن، آخِر الأمر، النظر إلى التأثير المركب للوحات أو أعمال معمارية أو مناظر طبيعية على أنه تأثير لألوان تبعث لذة بدرجة معينة، وتجمعها علاقات … تبعث لذة بدرجة معينة.»٤ غير أن هذه المحاولة عقيمة منذ البداية؛ فدلالة وقيمة لون مأخوذ على حدة، تختلفان اختلافًا تامًّا عما تكونان عليه داخل اللوحة؛ ففي العمل الفني الكامل يكون مظهر اللون وقدرته على إمتاعنا وإثارة خيالنا وانفعالنا، متوقفًا على العلاقات المتبادلة مع كل شيء آخر في اللوحة، فاللذة التي يبعثها تتأثر بتركيب الصبغة اللونية، والطريقة التي يرتبط بها بالألوان الأخرى، والأنماط الشكلية للخطوط والكتل في اللوحة، والناس أو الحوادث التي تؤلف «الموضوع»، والقدرة التعبيرية الانفعالية للعمل بأسره، وعلى عديد من العوامل الأخرى؛ فالأخضر المصفر إذا ما جرد عن لوحة من لوحات «تولوز لوتريك» قد يبدو سخيفًا أو فارغًا، على حين أنه لا يكون كذلك على الإطلاق عندما نراه داخل اللوحة الكاملة، وعلى ذلك فإن أي استدلال من التجارب المتعلقة بالبقع اللونية على قيمة الأعمال الفنية لا بد أن يكون مضللًا إلى أبعد حد. وكما يقول الأستاذ مورجان، فإن «الاستجابة للوحة الفنان إل جریكو (El Greco) على حائط متحف ليست مماثلة على الإطلاق للمقارنة بين مستطيلات من الورق المقوى … ومن الصعب أن نرى … كيف يمكن الجمع بين أي عدد من مقارنات الورق المقوى هذه، الواحد منها فوق الآخر.»٥ من أجل تفسير استجابتنا للأعمال الفنية. والواقع أن كثيرًا من علماء النفس قد ضلوا الطريق لأنهم لم يفكروا بطريقة نقدية في طبيعة الفن، ولم ينتفعوا من النتائج التي يصل إليها علم الجمال. ولو كانوا قد فعلوا ذلك لأدركوا الفوارق الهامة بين أجزاء العمل الفني وبين العمل الفني ذاته.
وهناك وجه آخر من أوجه النقص في هذا النوع من التجريب؛ فقد افترض علماء النفس أن قيمة الفن تقاس تبعًا لمقدار ما نشعر به إزاءه من لذة. وقد يظن المرء أن من الواضح أن الأعمال الفنية تكون جيدة إذا كانت تجلب لذة، ورديئة إذا لم تكن كذلك. ومع ذلك فإن هذا واحد من الاعتقادات التي يتخذ منها علم الجمال موقفًا «نقديًّا». ولو أمعنت الفكر في هذا الاعتقاد، فهل تجد نفسك عندئذٍ على استعداد للقول إن كل الأعمال الفنية القيمة تبعث لذة؟ وماذا نقول عن التراجيديا، مثل «ماكبث»؟ إن هذا العمل لا يعد عادة فنًّا «جيدًّا» فحسب، بل إنه يعد فنًّا «عظيمًا». ومع ذلك فإنه تصوير مؤلم للشر وخيبة الأمل. وليس في وسعنا، في هذا المقام، أن نبحث في «مفارقة التراجيديا»، بل سنتحدث عنها فيما بعد. ومع ذلك فلزام علينا أن نتنبه، في الوقت الحالي، إلى أن التجريب السيكولوجي قد افترض، باستخفاف، صحة شيء ينبغي أن يختبر بطريقة نقدية.٦

ولنلخص الآن مناقشتنا للحجة الأولى القائلة إن دراسة علم الجمال غير ضرورية، لأن هناك دراسات أخرى تبحث في الفن وتستطيع أن تجيب عن جميع أسئلتنا، فقد رأينا أن هذه الحجة باطلة، وأن هناك أسئلة حاسمة معينة عن الفن لا تستطيع دراسة من هذه الدراسات أن تختبرها. كما رأينا أن عدم القيام بهذا الاختبار كثيرًا ما يضعف أبحاثها أو يجعلها باطلة. ومن هنا كان لزامًا على الدراسات غير الفلسفية أن تستعين بالتفكير الذي يتم في ميدان علم الجمال.

ومن جهة أخرى فإن علم الجمال لا يملك أن يتجاهل هذه الدراسات الأخرى، فلا بد له أن ينتبه إلى نتائجها، وأن يستعين بها على الإجابة عن أسئلته المتعلقة بطبيعة الفن وقيمته. ولو لم يفعل علم الجمال ذلك لكان يمارس نشاطه في فراغ، فليس في وسعه أن يتكلم كلامًا مفهومًا عن الفن «بوجه عام» إلا إذا ألمَّ بالشواهد المتعلقة بأعمال فنية معينة، وهي الأدلة التي تتراكم لدى علماء النفس ومؤرخي الفن ونقاده … إلخ. وهذا يؤدي بنا إلى توجيه نصيحة إلى قارئ هذا الكتاب، فعليك دائمًا أن تختبر ما يقال هنا بتطبيقه على معرفتك الخاصة عن الفن، وما تعلمته في دروس الأدب وغيره من الميادين. وبطبيعة الحال فإن هذه المعرفة محدودة على الدوام (إذ إنه لا يوجد شخص لديه معرفة شاملة للفنون جميعًا)، غير أن الرجوع إلى هذه الشواهد هو وحده الذي يتيح لنا أن نكون فكرة واضحة عن اعتقاداتنا. وندرك إن كان لها مبرر أم لا.

وعلى ذلك فإن علم الجمال والدراسات غير الفلسفية للفن يكمل كل منهما الآخر؛ فعلم الجمال ليس بديلًا عن أبحاث علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما من الميادين، ولا بد له من أن ينظم نتائجها ويرتبها حتى يصل إلى اعتقادات سليمة عن الفن. كما أن الدراسات غير الفلسفية تستطيع الانتفاع من هذه الاعتقادات في توجيه أبحاثها. وينبغي علينا أن نكون على استعداد لتغيير اعتقاداتنا في ضوء الشواهد الجديدة، كما ينبغي أن تتخذ الفروع الأخرى؛ كعلم النفس، من اعتقاداتنا المعدَّلة بدورها مرشدًا لأبحاثها التي ترمي إلى كشف مزيد من الشواهد. هذه هي الطريقة التي تقدم بها كل معرفة بشرية، وتلك عملية ليست لها نهاية.

الحجة الثانية: إن دراسة علم الجمال عقيمة؛ لأن قيمة الفن لا تعرف إلا بواسطة تجربة شخصية مباشرة، فلو شئت أن تعرف طبيعة الأعمال الفنية وتفهم معنى تذوقها والاستمتاع بها، فكل ما عليك هو أن تمر بالتجربة المباشرة، تجربة مشاهدتها والاستماع إليها. أما إذا حاولت أن تفعل ذلك بالتفكير في الفن والكلام عنه، فإن مآلك حتمًا — كما تقول هذه الحجة — إلى الإخفاق.

هذه حجة قديمة جدًّا، وهي ما زالت شائعة جدًّا حتى يومنا هذا والواقع أن مثل هذه الحجة لم توجَّه فقط ضد علم الجمال، بل لقد وجهت أيضًا ضد كثير من المواقف النظرية الأخرى تجاه التجربة البشرية. وأول ما نود أن نقوله هو أن من الواضح أن ممارسة تجربة معينة تختلف في نواحٍ كثيرة عن التفكير فيها أو معرفة شيء عنها؛ فأكل وجبة ليس مماثلًا لدراسة علم وظائف الأعضاء أو التغذية؛ ورؤية اللون الأحمر ليست مماثلة لصياغة قوانين في علم الضوء، وبالمثل فإن قراءة رواية أو سماع سيمفونية يختلف عن الاختبار النقدي لاعتقاداتنا عن الفن، وإذن فهذه الحجة تفيد في الحيلولة دون الخلط بين هذين الأمرين، هذا إذا لم تكن لها أية فائدة أخرى، فدراسة علم الجمال لا يمكن أن تكون بديلًا عن التذوق العميق المباشر للفن.

غير أن ما نحن بصدده هو فهم تجربتنا، وليس ثمة تجربة تفسر ذاتها، فتجربة رؤية اللون الأحمر لا تفسر كيف نتوصل إلى ممارسة هذه التجربة، أو ما هي العمليات التي تحدث أثناء ممارسة التجربة. ولا بد لمعرفة ذلك من أن نأخذ على عاتقنا دراسة تركيب أعيننا وجهازنا العصبي، وطبيعة الموضوعات الفيزيائية، والضوء … إلخ. ولا يستطيع أحد أن ينكر، بطريقة جدية، أننا قد اكتسبنا بهذه الطريقة معرفة مؤكدة عن الإحساس البصري. إن هذا النوع من المعرفة التصورية (conceptual) يتسم بأنه أوسع من الرؤية المجردة للون في أية تجربة بعينها. وهو يتمثل في مبادئ وتعميمات لا تصدق على تجربة رؤية واحدة فحسب، بل تصدق على عدد ضخم من هذه التجارب. وكما قلنا من قبل؛ فإن هذه المعرفة مختلفة عن المعرفة المكتسبة بالإحساس، ولكنها لاتقل عنها أهمية.

وبالمثل فإن الحجة القائلة إننا لا نستطيع أن «نعرف» الفن إلا بتجربته مباشرة لا تبدو مقبولة إلا لأن لفظ «نعرف» هذا غامض؛ فنحن نريد أن نتعلم ما هي الظروف التي تصبح لنا فيها تجربة تذوق جمالي، وعلى أي نحو تختلف هذه التجربة عن سائر التجارب الإنسانية. غير أننا لا نستطيع أن نعرف ذلك أبدًا من التجربة الخرساء ذاتها، بل لا بد لنا من أن نحلل كثيرًا من هذه التجارب ونقارنها ونفكر فيها حتى نكتسب فهمًا عقليًّا — وبالمثل فإن التجربة وحدها لا تستطيع أبدًا أن تفسر ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن «الفن الجميل»، وكيف يختلف عن الموضوعات غير الفنية. وهنا أيضًا نجد أن التفكير حول مجموعة كبيرة من الموضوعات ينبغي أن يعقب التجربة المباشرة لواحد منها. وما لم يحدث ذلك، فإن التجربة البشرية تكون محدودة بدرجة مؤسفة.

ومع ذلك قد يقال إن المعرفة التصورية خارجة تمامًا عن مجال تجربة الإدراك المباشر للفن. فأي شيء قد نفكر فيه عن «الفن» لا صلة له باستمتاعنا بالأعمال الفنية الخاصة. غير أن هذا بدوره غير صحيح، كما سأحاول أن أثبت عند مناقشتي للحجة التالية.

الحجة الثالثة: إن دراسة علم الجمال ضارة، لأنها تجمِّد اهتمامنا بالفن، وتقضي على حيوية الأعمال الفنية وروعتها. وقد كتب الشاعر كيتس يقول:
ألا يفر كل ما هو خلاب هاربًا
بلمسة مجردة من الفلسفة الباردة؟ …
إن الفلسفة لتحبس أجنحة الملاك،
وتقهر كل الأسرار بالمسطرة والخط،
وتفرغ الهواء المسكون، والمنجم المحاط بالأسرار،
وتفكك نسيج قوس قزح.
«لاميا Lamia»

هنا يتحدث كيتس باسم الكثيرين ممن لديهم حساسية صادقة للفن وولع به، فلو حللنا الفن وحاسبناه على كل صغيرة وكبيرة، لجعلنا منه شيئًا جامدًا باهتًا؛ فلا يعود كائنًا تشيع فيه الحياة والنشوة المثيرة للخيال والقوة الانفعالية، بل إننا «نقتله لكي نشرحه». ولو توقفنا لكي نفكر في تجربتنا المتعلقة بتذوق الفن، وحاولنا أن نفهم العناصر التي تؤلفها، لكان في ذلك خنق لهذه التجربة. وإذن فلنتخلَّ عن هذا التحليل، ولنكتفِ بالاستمتاع بالفن، بطريقة تلقائية، وحتى أقصى مدًى ممكن. فما علم الجمال إلا ضرب من التجديف ينزع السر عما هو غالٍ نفيس، ولو أطلقنا له العنان «لحبس أجنحة الملاك».

ولو كانت هذه الحجة الموجهة ضد دراسة علم الجمال صحيحة، لكانت أقوى الحجج على الإطلاق؛ إذ لا يمكن أن يعاب على أي نشاط أكثر من كونه يحطم القيم الإنسانية، ولو كان علم الجمال يفسد بالفعل تذوقنا للفن، بحيث لا يعود الفن شيئًا مثيرًا يمكن الاستمتاع به، لكان ذلك أقوى سبب ممكن للامتناع عن دراسته، ولكن هل لعلم الجمال مثل هذا التأثير حقًّا؟

هذا جائز، ولكنا إذا أدركنا ما نفعله بوضوح، لما تعين أن يؤدي إلى ذلك. والخطر الأكبر الذي ينبغي تجنبه هو خطر الخلط بين تجربة التذوق المباشر وبين المعرفة الانعكاسية المتعلقة بالفن، وهما الأمران اللذان ميزنا بينهما عند مناقشة الحجة الثانية. ونحن نقع في هذا الخلط عندما نستخدم العمل الفني في اختبار اعتقاد أو نظرية معينة عن الفن تكون لها أهمية بالنسبة إلى دراستنا الجمالية، بدلًا من أن نستجيب لسحره ولتأثيره الطاغي؛ فالإقبال على الفن بمثل هذا الاهتمام العقلي ليس هو الطريق إلى تذوقه، وبالمثل فإننا لو حاولنا أن نحلل تجربة التذوق من أجل الوصول إلى فهم لها، فلن نعود قادرين على الانتباه للموضوع الفني، بل إن هذه التجربة، شأنها شأن معظم تجاربنا الأخرى، ستنهار أو يتغير طابعها عندما تتعرض للاختبار الواعي بذاته. وعندئذٍ تكون النتيجة خسارة لنا. ذلك لأن «الأرجح أن تذوق الجمال أفضل من فهمه»،٧ كما قال الأستاذ «لي Lee». وليس هذا حكمة صحيحة فحسب، بل إن من الواجب تأكيده بحذف كلمة «الأرجح». فهذا الحكم يظل صحيحًا حتى على الرغم من أن مسائل علم الجمال يمكن أن يكون لها في ذاتها قدر كبير من الطرافة والإثارة.

ومع ذلك فإن عملية إيضاح اعتقاداتنا وتبريرها ليست منفصلة تمامًا عن تذوقنا للفن، وكما قلنا من قبل، فإن الأهمية الأولى لاعتقاداتنا ترجع إلى أننا نسلك في ضوء ما نعتقد. فاعتقاداتنا عن الفن وما يجعل له قيمة تتحكم في نظرتنا إلى الأعمال الفنية وفيما تحاول أن «نستخلصه» منها. وهناك فارق كبير بين الاعتقاد بأن للفن قيمة لأنه مما يلذ لنا أن نراه أو نسمعه، والاعتقاد بأن وظيفته هي أن يخلق إثارة انفعالية، وكذلك بين هذين معًا والاعتقاد بأن ما ينبغي أن نبحث عنه في العمل الفني هو شخصية الفنان. فلنفرض مؤقتًا أن كل واحد من هذه الاعتقادات، أو جميعها باطل. ولنفرض أن الفن ليس في حقيقته ما تقول به هذه الاعتقادات، عندئذٍ لا يكون معتنقو هذه الاعتقادات مستمتعين فعلًا بالقيمة الحقيقية للفن، أو يكون قدر كبير من قيمته قد فاتهم. أما الاختبار النقدي لاعتقاداتهم، وبحث اعتقادات الآخرين، فقد يؤدي إلى نظرة أسلم إلى الفن، وبالتالي يجعل تجاربهم الفنية أكثر حيويةً وإرضاءً؛ فتحليل الفن، الذي تعترض عليه الحجة الثالثة، قد يكشف عن قيم جديدة ومجالات جديدة للاهتمام في الفن. وعندما يحدث ذلك — وكثيرًا ما يحدث — فإنه يؤدي إلى تكذيب الحجة؛ ذلك لأن خير دليل على أن دراسة الجمال لا تؤدي إلى تبلد إحساسنا بالفن هو أنها كثيرًا ما تجعل تذوقنا أكثر رهافةً وإرضاءً.

على أن الحجة الثالثة لم تكن موجهة ضد علم الجمال وحده، بل أيضًا ضد كل نوع من الحديث عن الفن «وتشريحه». وهذه الفئة الأخيرة تشمل المقررات الدراسية والمحاضرات في الفن وفي «التذوق الفني». والواقع أن المقررات الدراسية المتعلقة «بالتذوق الفني» كثيرًا ما تكون بعيدة كل البعد عن تنمية الاهتمام بالفن؛ فهي في كثير من الأحيان تقضي على أي اهتمام قد يكون لدى الطالب في بادئ الأمر. ولهذا السبب يتحدث الكثيرون الآن عن «التذوق الفني» وفي أعينهم نظرة ازدراء وسخط. وفي اعتقادي أن السبب الرئيسي الذي يجعل هذه المقررات الدراسية ضارة إلى هذا الحد في كثير من الأحيان، هو أنها تطمس التمييز بين الاستمتاع بالفن والكلام عنه، ولكنا حين نفهم هذا التمييز، نستطيع أن نطبقه على تعليم «التذوق الفني». وعندئذٍ يستطيع مثل هذا التعليم أن يتجنب الأخطاء الرئيسية التي ألحقت به في الماضي أبلغ الأضرار. وهكذا فإن هذا الميدان، شأنه شأن ميدانَي علم النفس والنقد الفني، يستطيع أن ينتفع من أية مناقشات كتلك التي نقوم بها الآن.

الحجة الرابعة: إن دراسة علم الجمال عقيمة لأن الأعمال الفنية فريدة تمامًا، بحيث لا نستطيع أبدًا أن نجد أي شيء يصدق على الفن بوجه عام؛ فعلم الجمال يبحث في طبيعة وقيمة الفن «بوجه عام». وعلى ذلك فإنه يحاول أن يحدد ما هو مشترك بين الأعمال الفنية الخاصة، غير أن الأعمال الفنية لا تشترك إلا في القليل، أو لا تشترك في شيء على الإطلاق، بل إن كل عمل فني بعينه فريد في نوعه، لا يشبه أي شيء آخر. فلنتأمل قصيدةً لِووردزورث، وأوبرا لِفاجنر، ولوحةً لِبيكاسو. إننا نسمي هذه كلها «أعمالًا فنية»، ولكن ما أعظم الفارق بينها! إنها تختلف على أنحاء واضحة معينة؛ إذ إن أحدها يتألف من كلمات، والثاني من زيوت على قماش … إلخ. والأهم من ذلك أن التجربة التي يثيرها أحدها فينا لا تشبه على الإطلاق تلك التي يثيرها الآخر. وهذا التفرُّد بعينه هو الذي نعتز به في العمل الفني؛ فالعمل هو العمل نفسه، وهو يختلف عن كل ما عداه في العالم. ولو حاولت أن تقول لشخص غارق في الحب إن موضوع حبه «لا يختلف عن أي إنسان آخر؛ فهو حيوان من الثدييات له رجلان وجهاز عصبي معقد.»، لنفد صبره منك، ولكان على حق في ذلك. فبرغم صحة ما تقول، فإنك تغفل نفس السمات المميزة للمحبوبة، التي تنفرد بها ذاتها الساحرة عن سائر البشر. ومثل هذا يَصدُق على الفن، فإذا فكرت في عمل تشعر نحوه بإعجاب خالص، وليكن روايةً أو لحنًا، لوجدت أنك تحبه نظرًا إلى السمة المميزة له، وهي الإثارة الخاصة للقصة أو جاذبية اللحن؛ فالأعمال الفنية ليست مثل دبابيس الورق أو السيارات التي تخرج من مصنع واحد، كلها متشابهة وكل منها مماثل في جودته للآخرين، وهكذا تنتهي هذه الحجة إلى أن من العقيم أن نحاول الوصول إلى أية تعميمات عن «الفن»، كتلك التي يحاول علم الجمال أن يصل إليها.

هذه الحجة على قدرٍ كبير من القوة، وينبغي أن نفكر فيها بجدية تامة.

إننا نعرف الأشياء، إلى حد بعيد، عن طريق السمات أو الخصائص التي تشترك فيها مع أشياء متعددة أخرى. فلنتأمل معرفة بسيطة مثل «هذه المنضدة خضراء». إن معرفة أن هذا الشيء منضدة، وليس كرسيًّا أو قطًّا، يقتضي منا أن نتعرف على خصائص معينة تتمثل في مناضد أخرى؛ إذ إن لها أرجلًا، وهي تستخدم لوضع وجبات الأكل، وتباع في محلات الأثاث … إلخ. وبالمثل؛ فالقول إنها «خضراء» يفترض معرفتنا بالتشابه بين لونها وبين لون أشياء أخرى؛ كالزرع والأعلام والملابس التي تُرى في عيد القديس باتريك.٨ ولو لم تكن الأشياء متشابهة فيما بينها في نواحٍ معينة لما أمكننا التعرف عليها أو تصنيفها. ولو وجدنا أمامنا على حين غرة شيئًا مختلفًا من جميع الأوجه عن أي شيء آخر عرفناه من قبل، لوقفنا إزاءه حائرين تمامًا، ولكنا أشبه بالشخص الهمجي الذي يرى طائرة لأول مرة، ولكن حتى الهمجي ذاته يحاول أن يتغلب على جهله عن طريق وصف هذا الشيء الغريب على أساس تشابهه مع ما رآه من قبل، فيسميه «طائرًا ضخمًا». وربما كان أفضل أمثلة التفرد التام هو فكرة الله؛ فقد أكد التراث المسيحي مرارًا أننا لا نستطيع أن نسمي الله أو نصفه لأنه مختلف تمامًا عن أي كائن آخر. ونحن بالطبع نستخدم ألفاظًا مبنية على تجربتنا الخاصة، كما يحدث حين نقول إن الله محبة أو إنه عادل. غير أن هذه ليست إلا تقريبات ضعيفة الصلة بالأصل؛ إذ إن الطبيعة «المتعالية» لله ليست في واقع الأمر مماثلة لأي شيء مما رأينا أو عرفنا.
والآن، فلنطبق هذه الطريقة في الاستدلال على الفن؛ فكما نقول إن موضوعات معينة مناضد، فإنا نقول أيضًا إن بعض الموضوعات أعمال فنية. ويبدو أن هذا ينطوي ضمنًا على القول بأن هناك بالفعل خصائص مشتركة بين هذه الموضوعات، تتشابه بفضلها. والسؤال بالنسبة إلى علم الجمال هو: «ما هي هذه الصفات التي تجعل من الشيء عملًا فنيًّا؟»
على أن المدافعين عن الحجة الرابعة ينكرون أن تكون هناك أية خصائص كهذه؛ إذ إن الأعمال الفنية، على ما يقولون، فريدة. ومع ذلك فإن هذا الرأي لا يدعم حجتهم؛ ذلك لأن كل شيء فريد في ناحية معينة؛ فهذه المنضدة تشبه المناضد الأخرى، ومن هنا كان في استطاعتنا معرفتها ووصفها بأنها منضدة. ومع ذلك فإن هذه المنضدة فريدة؛ لأنها توجد في هذه الغرفة بعينها، وفي قرصها هذه القطعة المحفورة الغريبة الشكل، وهي إرث تعتز به العائلة، فكل الأشياء إذن فريدة في جوانب معينة، ومتشابهة في جوانب أخرى. ولكل إنسان سمات جسمية أو نفسية تميزه. ومع ذلك فإن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بتلك الخصائص المشتركة بين الناس جميعًا، ففردانية الشيء في نواحٍ معينة لا تحول بينا وبين معرفته.

ومن الجائز أننا سنجد، خلال دراستنا، أن أوجه الاختلاف بين الأعمال الفنية أهم بكثير من أوجه الشبه بينها. وقد نجد أن الجوانب التي تتشابه فيها الأعمال الفنية تافهة. وقد لا تفسر هذه السمات المشتركة القيمة التي نجدها في الفن، مثلما أن الوصف السطحي الذي اقتبسناه من قبل لا يفسر قيمه المحبوبة، فإذا كان الأمر كذلك، كان خيرًا لنا أن نكف عن الكلام عن «الفن» بوجه عام، وأن نكرس وقتنا للفنون الخاصة؛ كالشعر والموسيقى والعمارة … إلخ، ولأعمال فنية خاصة، ولكن كيف نتخذ هذا القرار ما لم نبحث بالتفصيل في طبيعة الفن، عن طريق اختبار أعمال فنية وبحث النظريات الرئيسية في الفن؟ وبعبارة أخرى فإن الطريقة الوحيدة التي نستطيع بها أن نكتشف وجود أوجه شبه هامة بين الأعمال الفنية هي دراسة علم الجمال. إن الحجة الرابعة يبدو أنها تقدم مخرجًا سهلًا؛ لأنها تقطع الطريق على الدراسة منذ البداية الأولى. ولكنها لم تقدم إثباتًا لموقفها، ولا يمكنها أن تفعل ذلك ما لم نكن قد أتممنا دراستنا. أما أن نقول من بادئ الأمر إن من المستحيل إيجاد تعميمات هامة عن الفن، فما ذلك إلا تعنت بحت في الرأي.

على أن لهذه الحجة فائدتها، بالرغم من كونها غير حاسمة. فهي تدفعنا إلى أن نتذكر دائمًا وجود فوارق بين الأعمال الفنية، وبذلك تعصمنا من الانزلاق إلى تعميمات متسرعة عن «الفن» في الوقت الذي لا نكون فيه قد قمنا إلا باستعراض لأعمال فنية محددة؛ فمن الواجب أن نعمل في الفن حسابًا لاختلافات الوسائط؛ كالأدب والتصوير والرقص والسينما وغيرها، وكذلك لاختلافات العصور «والأساليب». وعلى هذا النحو وحده يمكننا أن نكون على ثقة، نسبيًّا، من أننا لم تجاهل الفوارق البارزة بين الأعمال الفنية أو نتغافل عنها. وهذا أمر لا مفر منه إذا شئنا أن تكون اعتقاداتنا عن الفن منطبقة على وقائع الفن ذاتها. وفضلًا عن ذلك فإننا إذا توصلنا إلى بعض التعميمات عن الفن، فينبغي أن نتذكر أن الأعمال الفنية، كغيرها من الأشياء، تتميز بالفردانية مثلما تتميز بالتشابه. ومن الواجب ألا نترك الغشاوة تتراكم على بصيرتنا، فلا نرى في الأعمال الفنية سوى الخصائص التي تشترك فيها مع أعمال أخرى، ولا ندرك ما هو مميز لها. فهذا أمر لا يقل ضرره في مجال تذوق الفن عنه في مجال الحب.

(٣) كيف ينبغي أن ندرس علم الجمال؟

كانت مناقشتنا حتى الآن تنطوي ضمنًا على جزء كبير من الإجابة عن هذا السؤال، ولكن نظرًا إلى أهمية السؤال، فإنا نراه جديرًا بإجابة صريحة في هذا المقام.

أول وأهم ما ينبغي أن يقال هو أن من الضروري أن ندرس علم الجمال بطريقة نقدية، ومعنى ذلك — كما رأينا من قبل — أننا يجب أن نكون على استعداد لتحدِّي اعتقاداتنا المتعلقة بالفن، لكي نحدد مواطن القوة والضعف فيها. وهذا أمر يتعين علينا عمله، سواء أكانت تلك هي اعتقاداتنا نحن أم اعتقادات «الرأي الشائع» أم «سلطة» ما. فلا بد لنا أن نطالب بأن يوضِّح معنى هذه الاعتقادات. ولا بد لنا أن نفحص طريقة التفكير التي توصلنا بها إلى هذه الاعتقادات، ونقرر إن كانت سليمة أم لا. ولا بد لنا أن نتبين إنْ كانت هذه الاعتقادات متسقة منطقية مع اعتقادات أخرى ثبتت صحتها أم لا. فإن لم تكن، فلا بد من رفضها. وبالإضافة إلى إيضاح معنى اعتقاداتنا وتحليل صحتها المنطقية، ينبغي أن نختبر صواب هذه الاعتقادات بفحص الشواهد المتصلة بها. وهذه تشمل، كما رأينا من قبل، الشواهد التي تتجمع في ميادين للدراسة كعلم النفس، وتاريخ الفن، والنقد الفني. أما إذا لم يكن الاعتقاد مؤيدًا بشواهد كهذه فإن من الواجب التخلي عنه. وحيث لا تكون الشواهد قاطعة، سلبًا أو إيجابًا، فإن من واجبنا الامتناع عن الحكم. وعلينا ألا نأخذ أبدًا بأي اعتقاد بدرجة من الإقناع تزيد على ما تبرره الشواهد المتوافرة.

أي إن من واجبنا، على حد تعبير الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس، أن نحتفظ «بنوافذ الذهن» مفتوحة، فنبحث دائمًا عن شواهد جديدة، ونغير اعتقاداتنا عندما نجد هذه الشواهد. وينبغي أن نقاوم ذلك الإغراء القائم دائمًا، وهو إغراء قبول الشعارات الرنانة أو الآراء المتحيزة عن الفن، مهما بدا من جاذبيتها، دون اختبار نقدي لها. أما أولئك الذين يستسلمون لهذا الإغراء فإن خسرانهم مبين؛ فلا هم قادرون على أن يعرفوا إن كان لاعتقاداتهم ما يبررها. ولا هم يستمتعون بالرضاء والإثارة الحقيقية التي نجدها في عملية نقد الاعتقادات، وربما كان الأدهى من ذلك كله أن تجربتهم الفنية تكون شوهاء أو عمياء لضعف الاعتقادات التي يخوضون بها ميدان الفن.

ويترتب على ذلك كله أن من واجبنا دراسة علم الجمال بطريقة تجريبية. وهذا يعني ضرورة اكتسابنا لأكبر قدر يمكننا اكتسابه من المعرفة الواقعية عن الفن، وضرورة إخضاع اعتقاداتنا لهذه الوقائع. فمن الواجب أن يكون من الممكن فهم أي شيء تقوله عن الفن من خلال التجربة العينية. وينبغي أن يُصاغ أي اعتقاد أو أية نظرية بوضوح كافٍ بحيث نستطيع أن نضعه موضع الاختبار أمام الشواهد التجريبية. أما الاعتقاد الذي لا ينجو من الإخفاق في هذا الاختبار إلا لأن صيغته تبلغ من الغموض حدًّا لا نستطيع معه أن نقرر أي الشواهد هي التي تأتي في صفه أو ضده، أو لأنه يشير إلى ما لا يمكننا ملاحظته أبدًا في التجربة البشرية، فينبغي أن نعده راسبًا في هذا الاختبار، ونصفه بأنه اعتقاد «لم تثبت صحته».
وتعني دراسة علم الجمال على هذا النحو أن من واجبنا تجنب خطأين كانا عاملَين على تشويه كثير من التفكير السابق في علم الجمال:
  • (١)
    فكثير من النظريات التقليدية في الفن والجمال لم تصل إلى استنتاجاتها عن طريق فحص أعمال فنية عينية وتجربة التذوق الفني، وإنما وضعت صيغة لنظرة مفرطة في الطموح عن «الوجود»، ثم استدلت من هذه على ما ينبغي أن تكون عليه طبيعة الفن. ولقد كانت هذه النظريات «الميتافيزيقية» في الفن تنطوي أحيانًا على استبصارات صحيحة، ولكن لما كانت نظرياتها في «الوجود» مشكوكًا فيها إلى حد بعيد، ولما كانت تتجاهل المعطيات التجريبية للفن والاستمتاع به، فإن النتائج التي تستخلصها كانت في معظم الأحيان ضئيلة القيمة. وقد وصف عالم النفس الألماني «فشنر Fechner» هذه النظريات بأنها تسير «من أعلى إلى أسفل». أما نحن فسوف ندرس علم الجمال «من أسفل إلى أعلى»، بحيث نبني نظرياتنا بقدر استطاعتنا، على الشواهد التجريبية.
  • (٢)

    قيل عن الفن كلام كثير، وكتبت عنه كتابات متعددة، تهدف ظاهريًّا إلى تفسير طبيعته وقيمته، ولكنها أدت في واقع الأمر إلى نتيجة مختلفة كل الاختلاف؛ إذ إنها لم تكن إلا شعرًا خياليًّا عن الفن؛ فهناك قدر كبير من علم الجمال، في الماضي والحاضر، كان مكرَّسًا للتغني بأمجاد الفن. وذلك بطبيعة الحال شاهد على القوة الكبرى والقيمة الهائلة للفن؛ إذ إن الناس عادة يكيلون المدح لما هو أقرب إلى قلوبهم. أما لو نُظر إلى هذه المدائح على أنها تفسيرات واضحة موثوق منها تجريبيًّا لطبيعة الفن، لَمَا أدى ذلك إلا إلى الخلط والاضطراب. فلنتأمل مثلًا: «تعريفات» مزعومة للفن مثل: «الفن هو الحائل الوحيد بيننا وبين الفوضى»، أو «الفن هو الوحدة بين الإنسان والطبيعة»، أو «الجمال هو التعبير الأسمى عن الوجود المطلق، كما يفصح عن نفسه من خلال الإنسان». إن عيب هذه التعريفات ليس كونها باطلة، بقدر كونها مفتقرة إلى الدقة، ولا تنبئنا إلا بأقل القليل. وهي في الواقع تبلغ من الغموض حدًّا يصعب معه تحديد مصدر نلتمس لديه الشواهد التي نختبرها بها. فلنحاول إذن الابتعاد عن هذا الخيال الشعري ونحن ماضون في دراستنا.

وأخيرًا، فمن الواجب أن ندرس علم الجمال بإحساس من «حب الاستطلاع». وعلينا أن نحاول الاحتفاظ باهتمامنا «بالكشف»؛ أعني بكشف الجديد عن الفن وعن النظريات المختلفة فيه، والنور الذي يتطاير منها عندما تقدح كل منها ضد الأخرى، وعن علاقات الفن بغيره من مجالات التجربة البشرية. والحق أن دراسة علم الجمال يمكن أن تنطوي على إثارة بالغة بالنسبة إلى المثابرين على البحث والتنقيب، والمتمسكين بالروح «النقدية». وإنا لنجد لدى معظم الطلاب قدرًا كبيرًا من حب الاستطلاع التلقائي حول هذه المسائل، ما لم يقتل حب الاستطلاع هذا فيهم نتيجة لما يقرءونه في الكتب المدرسية أو ما يسمعونه في قاعات الدرس. وكل ما نرجوه ألا تقع دراستنا هذه في هذا الخطأ.

(٤) المجالات الرئيسية للدراسة

عندما نتحدث عن الفن والاستمتاع به، نستخدم ثلاثة ألفاظ رئيسية: هي «الفن» و«الإستطيقي» و«الجمال». ومن الجوانب الهامة في مهمتنا أن نصل إلى معانٍ واضحة دقيقة للألفاظ التي يستخدمها الناس دون دقة ودون تفكير. وسوف نكتفي الآن بتقديم تحليل مبدئي لمعنى هذه الألفاظ، والعلاقات بينها، وستكون هذه النقطة بداية لتحليل لاحق. وفضلًا عن ذلك فإن كلًّا من هذه الألفاظ يشير إلى ميدان مختلف من ميادين الدراسة في علم الجمال. ومن هنا فإن المناقشة الحالية ستفيدنا في معرفة الميادين الرئيسية التي ينبغي أن تتشعب إليها دراستنا، كما أنها ستفسر سبب معالجتنا لهذه الميادين بالترتيب الذي تظهر به في هذا الكتاب.

إن الناس كثيرًا ما يستخدمون ألفاظ «الفني» و«الإستطيقي» و«الجميل» كلًّا محل الآخر؛ فهم يعبرون عن إعجابهم بموضوع وضع له تصميم بارع رائع فيقولون إنه «فني بدرجة رفيعة» أو «إستطيقي إلى حد بعيد» أو «جميل». غير أن هذا استخدام يدعو إلى الأسف، لأنه يخلط بين ثلاثة أنواع من الوقائع يختلف كل منها عن الآخر كل الاختلاف. وإن معظمنا لندرك هذه الاختلافات ولو بطريقة غامضة؛ فلفظ «الفن» يشير إلى إنتاج موضوعات أو خلقها عن طريق نوع من الجهد البشري، وهكذا نتحدث عن «الفنان الخلاق» وعن نتاج نشاطه، وهو «العمل الفني». و«الجمال» يشير إلى جاذبية الأشياء أو قيمتها. أما «الإستطيقي» فهو أقل هذه الألفاظ شيوعًا. وعندما يستخدم، يحتفظ في كثير من الأحيان بمعنى اللفظ اليوناني الذي اشتُق منه (Aisthesis)؛ إذ إنه يشير إلى إدراك موضوعات طريفة والتطلع إليها. ومن الواضح أن خلق الموضوعات، وقيمة الموضوعات، وإدراكها، هي أمور مختلفة كل الاختلاف. وسوف تزداد الفوارق بينها وضوحًا كلما سرنا في دراستنا شوطًا أبعد.
فتَحتَ عنوان «الفن» نود أن نعرف ما الذي يميز «الأعمال الفنية» من الموضوعات غير الفنية، وما الذي يميز «الفن الجميل fine art» بوجه خاص؟ ولكن كيف يرتبط الفن بما هو «جميل beautiful»؟
فلنقل في البدء إنه ليست كل الأعمال جميلة. ففي استطاعتنا جميعًا أن نتصور أعمالًا ليس لها مذاق أو طابع مميز أو أعمالًا قبيحة بمعنى الكلمة. وفضلًا عن ذلك فإن هناك أعمالًا جذابة أو مثيرة ولكنها لا تميل إلى تسميتها ﺑ «الجميلة». وعندما تكون هذه الأعمال محدودة النطاق، وليست لها قيمة طاغية، نصفها بأنها «لطيفة» أو «بهيجة». فيبدو أن من غير المعقول وصف مسرحية كوميدية رخيصة بأنها «جميلة»، وإن كان من الجائز أن نجدها مضحكة إلى حد صاخب. كذلك فإن هناك أعمالًا فنية يبدو أن صفة «الجميل» محدودة جدًّا بالنسبة إليها. تلك هي الأعمال الفنية الهائلة والشامخة بحق، مثل «الملك لير» لشكسبير والسيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وهي أعمال نصفها بأنها «جليلة sublime». وهكذا فإن من حقنا أن نستنتج أن فئة الأعمال الفنية ليست هي ذاتها فئة الموضوعات الجميلة.

ومن الممكن أن نصل إلى هذه النتيجة ذاتها لو درسنا هذه المسألة من الطرف الآخر: فليست كل الموضوعات الجميلة أعمالًا فنية؛ ذلك لأن فئة الموضوعات الجميلة تضم أيضًا موضوعات طبيعية لا تخلقها القدرة الفنية البشرية؛ فنحن نصف تكوينات السحاب الضخمة، والمناظر الطبيعية، والأزهار بأنها «جميلة»، بل إن كثيرًا من الناس يجدون مظاهر الجمال في الطبيعة أيسر تذوقًا من مظاهر الجمال في الفن.

وهكذا نستطيع أن ندرك الآن أن دراسة «الفن» تختلف كل الاختلاف عن دراسة «الجمال». فإذا شئنا أن نعرف ما الذي يجعل الشيء جميلًا، فلا يمكننا أن نقتصر على دراسة الأعمال الفنية، وإنما الواجب أن نبحث أيضًا فيما نعنيه «بالجميل» عندما نصف به مناظر وحوادث في الطبيعة. ولهذا السبب كان تعبير «فلسفة الفن» أضيق مما ينبغي بالنسبة إلى دراستنا. فعلى الرغم من أن الأعمال الفنية هي أوضح الموضوعات الجميلة وربما أهمها، فإن اهتمامنا لن يكون منصبًّا على الفن وحده. وفضلًا عن ذلك، فقد اتضح لنا الآن أن «الجميل» له في ذاته معنًى أكثر تحدُّدًا من أن يصف جميع الموضوعات، الفنية منها وغير الفنية، التي نجدها ذات قيمة؛ فالأعمال الأدبية تكون أحيانًا «تراجيدية»، والسماء المرصعة بالنجوم في ليلة صيف توصف بأنها «جليلة». وهذان مفهومان ينبغي أن نعمل لهما حسابًا في مناقشتنا للقيمة، إلى جانب مفهوم «الجمال» لهذا السبب أيضًا لم يكن من الصواب أن نطلق على نظريتنا اسم «نظرية الجمال» أو «فلسفة الجمال».

فلننتقل الآن إلى بحث طريقة ارتباط «الإستطيقي» «بالفن» و«الجمال» لقد اقتصرت حتى الآن على القول إن «الإستطيقي» يدل على «الرؤية» أو الإدراك؛ فأي نوع خاص من الإدراك يدل عليه هذا اللفظ؟ نستطيع أن نبدأ الإجابة عن هذا السؤال إذا تأملنا الطرق المتعددة التي يمكن بها إدراك العمل الفني، فمن الممكن النظر إلى العمل الفني على أنه وثيقة للدعاية، مثل «كوخ العم توم» الذي أشرنا إليه من قبل. وفي هذه الحالة يكون اهتمامنا منصبًّا على أهميته في تشكيل الرأي العام. أو قد ندرس العمل، كما يفعل المؤرخ وعالم الاجتماع، على أنه انعكاس للعصر أو الحضارة التي أنتج فيها. وهكذا فإن رسوم الشعوب البدائية يمكن أن تساعد على تفسير اعتقاداتها الدينية وأساطيرها، والكتابات الأولى لهيمنجوي يمكن أن تستخدم في دراسة الحالة الذهنية لأمريكا في فترة الحرب العالمية الأولى. وفي هذه الحالات كلها تكون أهمية العمل راجعة إلى شيء خارج عنه، هو أصله أو نتائجه. غير أن هذه ليست هي الطريقة التي ننظر بها عادة إلى الفن فنحن عادة نقرأ الكتب ونستمع إلى الموسيقى لأنها طريفة أو ممتعة في في ذاتها. ونحن نطرح جانبًا أي اهتمام يصرف أنظارنا عنها، وينصب على أمور كالتاريخ أو الحركات الاجتماعية. هذا النوع من التجربة يختلف اختلافًا ملحوظًا عن الاهتمام بالعمل لأي غرض خارج عن مجاله. ولفظ «الإستطيقي»، يميز هذا الإدراك لموضوع ما من أجل ما فيه من طرافة أو أهمية كامنة.

فليس في وسعنا أن نقدر القيمة التي يملكها عمل فني في ذاته إلا إذا أدركناه بطريقة إستطيقية. أما إذا كان اهتمامنا بالعمل لا يرجع إلى كونه أداة لتحقيق هدف آخر معين، فإنا لا نستطيع أن نتذوقه بوصفه مجرد قصة أو لوحة. فعندما نتحدث عن تذوق الفن أو «الاستمتاع» به، فإن ما نعنيه هو القيمة الكامنة أو الإستطيقية للفن، ولن يكون في وسعنا أن نفهم هذه القيمة، التي هي أهم أنواع القيم في الفن، إلا حين نفهم الإدراك الإستطيقي، الذي يطلعنا عليها. وعندما يتم لنا ذلك، يصبح في إمكاننا أن نتجنب الخلط بين قيمة موضوع فني عندما يُستمتع به في ذاته وبين القيمة التي قد تكون له لأغراض أخرى. وأنه لما يدعو إلى الدهشة أن نرى إلى أي مدًى يخلط الناس بين الاثنين؛ فهم في كثير من الأحيان يقولون إن العمل «جيد» أو «جميل» لمجرد كونه يزيد الناس تقوًى أو يدعم العقيدة الدينية. غير أن من الممكن أن تكون للعمل نتائج كهذه ويظل مع ذلك ضئيل الشأن في ذاته إلى أبعد حد؛ ففي وقت الحرب، نجد أن الأناشيد أو اللافتات ذات الفعالية في إثارة روح الولاء للوطن كثيرًا ما يتضح أنها أدنى قيمة عندما يُنظر إليها على أنها موسيقى أو تصوير. وبالمثل فمن الجائز أنك تعرف أناسًا يعلنون إعجابهم الصريح بأعمال فنية لمجرد كونهم معجبين بحياة الفنان؛ إذ كانت له مغامرة حب انتهت بمأساة، أو كان يعاني مرضًا معينًا، أو فرَّ هاربًا من وطنه الأصلي، ولكن من الممكن قطعًا أن تكون حياة الفنان مثيرة ويكون إنتاجه الفني سقيمًا إلى أبعد حد. وإذن فأمثال هؤلاء الناس يمتدحون الفن لأسباب غير صحيحة. والأهم من ذلك أن هذه المسائل الأخرى تستحوذ عليهم إلى حد أنهم لا يدركون العمل ذاته أبدًا؛ فهم يعجزون عن تذوق ما فيه من متعة كامنة. والحق أن أي واحد منا يمكن أن يقع ضحية هذا النوع من الخلط. وعلى ذلك فلا بد لنا من دراسة الطبيعة المميزة «للرؤية الإستطيقية» لكي نتأكد من أننا ندرك العمل على نحو من شأنه أن يكشف لنا عن قيمته الكامنة. ولذا فإننا سندرس التجربة الإستطيقية في الفصلين التاليين لكي ندرك مدى اختلافهما عن الطرق الأخرى في النظر إلى الفن.

ومن الواضح أن إدراكنا الإستطيقي لا ينصب على الأعمال الفنية وحدها؛ بل يمتد أيضًا إلى الأشياء الطبيعية؛ فنحن ننظر إلى شجرة ضخمة ملتوية، أو إلى الأمواج المتلاطمة على الشاطئ، لأنها في ذاتها طريفة أو درامية. وبعبارة أخرى فإن موضوعات الإدراك الإستطيقي ليست هي الموضوعات الفنية وحدها. وفضلًا عن ذلك فإن الموضوعات التي تُدرك بطريقة إستطيقية ليست كلها جميلة، بل قد تكون أيضًا «لطيفة» أو «هزلية» أو «جليلة». وهكذا يتضح أن مفهوم «الإستطيقي» هو أوسع المفاهيم الثلاثة التي بدأنا بها؛ وهي «الفن» و«الجمال» «والإستطيقي»؛ ذلك لأن الموضوعات التي ندركها لطرافتها الكامنة — أعني الموضوعات الإستطيقية — تشتمل على أعمال فنية وعلى موضوعات طبيعية معًا، أي على ما هو جميل وما له قيمة بالنسبية إلى الإدراك الإستطيقي على أنحاء أخرى.

لقد أوضحنا الآن أن من الضروري فهم الإدراك الإستطيقي قبل أن نستطيع التمييز بين القيم الكامنة للفن وبين استعمالاته غير الإستطيقية. وأود الآن أن أبين أن دراسة الإدراك الإستطيقي ينبغي أن تسبق أيضًا مناقشة الجمال.

فقد افترضنا أن «الجميل» يشير إلى ما له قيمة إستطيقية على نحو معين. وهذا الافتراض سليم في عمومه. ومع ذلك فإن لفظ «الجميل»، شأنه شأن كثير من ألفاظ المديح في لغتنا، كثيرًا ما يُستخدم بطريقة تفتقر إلى التحديد والدقة. وما إن نصبح «ناقدين» لطرقنا في الكلام أو التفكير، حتى نصبح واعين بذلك. فكثيرًا ما يعني الناس بلفظ «الجميل»، ليس فقط كون الشيء جذابًا إذا ما نظر إليه إستطيقيًّا، بل أيضًا كونه ذا قيمة لأغراض أخرى، كما في قولنا «إن لاعب الكرة أرسل قذيفة جميلة» أو «ما أجمله من يوم للرحلات» أو «فتَّاحة معلبات جميلة». هنا يكون معنى اللفظ إستطيقيًّا في جزء منه، وغير إستطيقي في جزء آخر، ولكن في كثير من الأحيان يستخدم لفظ «الجميل» دون تمييز للتعبير عن المدح أو الاستحسان، دون أية دلالة إستطيقية على الإطلاق. وهكذا فإن متفرج الكرة المتحمس قد يهتف «جميل» إذا ما صد حارس المرمى الكرة لفريقه، حتى على الرغم من أنه أساء الحكم على الكرة في البداية، ووصل إليها بطريقة لا رشاقة فيها، وكان على وشك أن يدعها تفلت من يده. وبالمثل يقول كلايف بِل «Clive Bell» عن عبارة «امرأة جميلة»: «إننا نعيش في عصر طريف؛ فعند رجل الشارع يكون لفظ «جميل» في معظم الحالات مرادفًا للفظ «مرغوب» ولا يدل اللفظ بالضرورة على أية استجابة إستطيقية على الإطلاق.»٩

إن من الضروري أن نتعلم التمييز بين المعاني الجمالية والمعاني غير الجمالية لأمثال هذه الألفاظ إذا ما شئنا أن نصل إلى الوضوح في تفكيرنا وكلامنا. وبدون هذا الوضوح تظل اعتقاداتنا عن الفن والتجربة الإستطيقية مختلفة، مضللة بالضرورة. وإذن، فلا بد لنا أن نحاول فهم طبيعة التجربة الاستيقطية. ولذا سنبدأ بها دراستنا في الإستطيقا.

المراجع

في قائمة المراجع هذه، وفي جميع القوائم التالية، سنشير بالعلامة () إلى المراجع التي نوصي بها بصورة خاصة، نظرًا إلى فائدتها للطالب في مرحلة دراسته الجامعية.
() دوكاس، س. ج. «الإستطيقا وأوجه النشاط الإستطيقي».
Ducasse, C. J., “Aesthetics and Aesthetic Activities,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, vol. V (March 1947), 165–176.
() فيفاس، إليريو، وكريجر، مري (الناشران)، مشكلات الإستطيقا.
Vivas, Eliseo, and Krieger, Murray, eds.: The Problems of Aesthetics. N. Y., Rinehart, 1953, Part I.

تشاندلر (ألبرت)، الجمال والطبيعة البشرية.

Chandler, Albert R.: Beauty and Human Nature. N. Y., Appleton Century, 1934, Chap. 5.

جوس، تشارلس، «حول مادة مقرر دراسي في التمهيد للإستطيقا».

Gauss, Charles E., “On the Content of a Course in Introductory Aesthetics,” Journal of Aesthetics and Art Criticism, vol. VIII (Sept., 1949) pp. 53–58.

جرين، تيودور، الفنون وفن النقد. (المقدمة)

Greene, Theodore M.: The Arts and the Art of Criticism, Princeton U.P., 1947. Introduction.

إزبورن، هارولد، «الإستطيقا والنقد».

Osborne, Harold: Aesthetics and Criticism, N. Y., Philosophical Library, 1955, Chap. II.

پرول، د. د، الحكم الإستطيقي (الفصل السادس عشر).

Prall, D. W.: Aesthetic Judgment. N. Y., Growell 1929.

ستولنيتز، جيروم، «البناء الشكلي للنظرية الإستطيقية».

Stolnitz, Jerome: “On the Formal Structure of Esthetic Theory,” Philosophy and Phenomenological Resarch, vol. XII (March 1952), p. 346–364.

أسئلة

  • (١)
    دوِّن بأكبر قدر ممكن من الوضوح الاعتقادات التي تأخذ بها الآن بشأن معنى «الفن الجميل» (fine art) و«الجمال (beauty)». هل صادفت معانيَ أخرى لهذه الألفاظ في الكتب الخاصة بالفن، وفي البرامج الدراسية الخاصة بالفنون المتعددة … إلخ؟ وكيف تدافع عن طريقة فهمك الخاصة للفظي «الفن» و«الجمال» ضد طرق الفهم المخالفة هذه؟
  • (٢)

    اختر عملًا فنيًّا تعرفه معرفة وثيقة: ما الذي «تبحث عنه» بالضبط في هذا العمل؟ وهل من الممكن أن يدرك العمل بطريقة أخرى، بحيث يتركز الانتباه على جوانب في العمل تغفلها أو تجهلها؟ وهل هناك نظرية معينة في طبيعة الفن تفترضها مقدمة طريقتك في النظر إلى العمل؟

  • (٣)

    هل تعتقد أن الباحث الإستطيقي ينبغي أن يكون قادرًا على خلق الفن؟ وهل تعتقد أن الناقد الفني ينبغي أن تكون له مثل هذه القدرة؟ وبالعكس، هل تعتقد أن الفنان الخلاق ينبغي أن تكون له معرفة بالإستطيقا؟ اشرح إجابتك في كل حالة.

  • (٤)

    أي الحجج الأربع التي يعترض بها على دراسة الإستطيقا تبدو في نظرك أقوى من الأخريات؟ ولماذا؟ هل تستطيع أن تفكر في أية حجج أخرى لإثبات عقم الدراسة الإستطيقية؟

  • (٥)
    إن الناس لا يعلمون إلا أقل القليل عن أذواقهم الخاصة، وكثيرًا ما يخيب أملهم عندما يحصلون على ما ظنوا أنهم يريدونه. والغرض الرئيسي للإستطيقا هو أن تساعدنا على استيضاح أذواقنا والشعور بها عن وعي. (كيت جوردون: «الإستطيقا»)، ص٥. (Kate Gordon: Esthetics (N. Y., Holt, 1909)).
  • (٦)

    ما الذي تظن أن المؤلفة تعنيه بعبارة «الشعور بأذواقنا عن وعي»؟ هل تعتقد أن الإستطيقا ضرورية لهذا الغرض؟ ألا يمكن أن نصبح شاعرِين بأذواقنا عن وعي عن طريق مجرد التفكير فيما نحبه وما لا نحبه في الفن؟ أم أن هذا التفكير يؤدي بنا إلى الإستطيقا؟

١  يستخدم لفظ «العمل»، هنا وفي مواضع أخرى، بدلًا من لفظ «العمل الفني».
٢  ألبرت ر. تشاندلر: الجمال والطبيعة البشرية، ص٧٢-٧٣. Albert R. Chandler: Beauty and Human Nature (N. Y., Appleton-Century, 1934).
٣  المرجع نفسه، ص٨٤–٨٩.
٤  المرجع نفسه، ص٧١.
٥  دجلاس ن، مورجان: «علم النفس والفن اليوم» (مقال).
Douglas N. Morgan: “Psychology and Art Today” “Journal of Aesthetics and Art Criticism”, IX, (1950), p. 94.
وقد أعيد طبع هذا البحث في كتاب «مشكلات علم الجمال»، نشرة فيفاس وكريجر.
Eliseo Vivas and Murray Krieger, eds.: “The Problesms of Aesthetics” (N.Y, Rinehart, 1953) pp. 30–47.
٦  هناك نقطة ضعف أخرى في أمثال هذه التجارب سنشير إليها فيما بعد، انظر الفصل التالي.
٧  هارولد ن. لي: «الإدراك الحسي والقيمة الجمالية»، ص٩.
Harold N. Lee: “Perception and Aesthetic Value”, p. 9.
Prentice-Hall Englewood Cliffs. N. J.
٨  عيد قديس أيرلندا الكبير، يُحتفل به في ١٧ مارس من كل عام بارتداء ملابس وغطاءات للرأس خضراء اللون. (المترجم)
٩  كلايف بِل، الفن.
Clive Bell: “Art” (London, Chatto and Windus, 1947) p. 15.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤