الفصل الرابع عشر

التجربة الجمالية، والتقدير، والنقد

(١) التقويم والتقدير الجمالي

التجربة الجمالية هي قبل كل شيء تجربة نقبل فيها موضوعًا ونستمتع به «دون أن نسأل أي سؤال»؛ فنحن نتقبل الموضوع «لذاته فحسب»، ونحن لا نستخدمه أداة لأغراض عملية، ولا نسعى إلى استخلاص معرفة منه، ولا نهتم بنتائجه من حيث الخير والشر، بل إننا نقابل الموضوع بشروطه الخاصة، ونحاول أن نحيا حياته، فإذا كان موقفنا «متعاطفًا» بحق، فإننا نتخلى عن نقد الموضوع أو تحديه. وفي هذا نجد التجربة الجمالية أشبه بالحب، وذلك على الأقل حتى المرحلة التي يصبح فيها الحب مثارًا للشكوى ومصدرًا للمتاعب.

ولقد قلت إننا في التجربة الجمالية «لا نسأل أسئلة»، ولكن من الواضح تمامًا أننا نسأل بالفعل أسئلة عن الأعمال الفنية وغيرها من الموضوعات الجمالية، بل ما أكثر ما نسأله، وما أكثر كلامنا عن الفن. إن تحليل قصيدة شعرية غنائية قصيرة قد يمتد صفحات متعددة من النثر المسترسل. ولو أخذنا كل ما كتب عن «هاملت» من شروح وتعليقات لمُلئَت مكتبة كاملة، فالعمل الفني لم يَعُد شيئًا نقبله شاكرين خاضعين، بل إننا بعد أن نتخلى عن الموقف الجمالي، يصبح العمل الفني شيئًا ينبغي اختباره وتحليله والتنازع عليه، بل إن هناك — والحق يُقال — أناسًا يجدون في هذا التنازع لذة تفوق ما يجدونه في الإدراك الجمالي ذاته.

•••

فما الذي نحاول أن نفعله بالضبط حين نحلل العمل؟ ولماذا نريد تحليله؟ هذه هي الأسئلة التي تتصدى لها فلسفة النقد الفني، التي سنكرس لها ما بقي من هذا الكتاب، وتهتم هذه الفلسفة بأمرين، التقدير evaluation والنقد؛ فالتقدير يقوِّم العمل الفني من حيث جودته أو رداءته. وهو يحكم بأن «هذا العمل جميل» أو «هذا العمل أفضل من ذاك». وهناك، كما سنرى فيما بعد، عدة أنواع ووظائف مختلفة للنقد. وسوف أعرف «النقد الحكمي judicial criticism»، في الوقت الراهن بإنه «الاهتداء إلى أسباب لتأكيد حكم القيمة أو تحقيقه». وعلى أساس هذا التعريف، لا تكون عبارات مثل: «هذا قبيح!» أو «آه! ما أبدعه!» هي ذاتها نقد للموضوع، بل إن النقد يبدأ عندما يسأل المتحدث «لماذا نقول ذلك؟» أو «هل هذا العمل قبيح بحق؟»

إن فلسفة النقد الفني، شأنها شأن كل فروع الفلسفة، تبحث عن الاعتقادات والمفاهيم الكامنة من وراء تفكيرنا وعملنا، وهي لا تقدم حججًا تؤيد أو تفند أحكامًا خاصة مثل «أوديب مسرحية عظيمة»، وإنما هي تلفت أنظارنا إلى ما تأخذه مثل هذه الأحكام قضية مُسلَّمًا بها، وتثير أسئلة مثل:

ما الذي نعنيه حين نقول إن العمل «قيم من الوجهة الجمالية» (أو حين نستخدم لفظًا أقل تخصصًا وتعقيدًا مثل: «هذا العمل جيد»؟) هل نحن نتحدث عن العمل ذاته، أم أننا نصف استجابتنا الخاصة له فحسب؟ وإذا كنا نتحدث عن أنفسنا، فهناك إذن خداع لا شعوري في قولنا «العمل كذا …»؛ ذلك لأننا نؤكد حكم القيمة كما لو كان حقيقة، وفي بعض الأحيان ندافع عنه بقدر من الحرارة يدل بوضوح على أننا نعده حقيقة هامة، ولكن كيف يمكن التحقق من الحكم؟ وهل يمكن التحقق منه على الإطلاق؟ هل نستطيع في أي وقت أن نثبت لشخص لا يتفق معنا في آرائه الخاصة بالفن أنه على خطأ؟ إننا إذا لم نكن نعي إجابات هذه الأسئلة بوضوح، فلا جدوى من الاستمرار في المجادلات حول مزايا أي عمل فني، وما لم يتفق جميع أطراف المناقشة على معنى حكم القيمة، ووسائل تأكيده، أي إثبات صحته، لكانت مناقشاتهم تفتقر إلى الاتجاه والهدف. وفضلًا عن ذلك فإن المجادلات حول الفن تؤدي عادةً إلى الكلام عن «الذوق السليم» و«والذوق الرديء»، وكلنا، على الأرجح، نؤمن بأن لبعض الناس ذوقًا أفضل من بعضهم الآخر، ولكن لنتساءل مرة أخرى: ما الذي نعنيه بالذوق السليم، وكيف نستطيع أن نبرر إيماننا به، إن كان من الممكن تبرير هذا الإيمان على الإطلاق؟

وهناك أسئلة مشابهة يمكن أن تُثار في صدد النقد: فما وظيفة الناقد الفني؟ وما الذي ينبغي أن نتوقع تعلمه منه؟ وهل يمكن أن يزيد النقد من متعتنا الجمالية؟ وكيف يجب أن يمضي تحليل الفن؟ أم أن عملية النقد الفني هي بأسرها غير ضرورية بل ضارة، وهي سيل متدفق من الكلام يقضي على تلقائية الاهتمام الجمالي؟

على أن هناك بعض الطلاب لا يحتاجون إلى أن يقنعهم أحد بقيمة فلسفة النقد الفني، بل إن اهتمامهم بالأسئلة التي أوردناها الآن يبلغ حدًّا لا يطيقون معه صبرًا على المشكلات التي عالجناها من قبل في هذا الكتاب؛ فطبيعة الموقف الجمالي، وتعريف «الفن الجميل»، وعلاقة الفن «بالحياة»، معرفيًّا وأخلاقيًّا — كل هذه موضوعات تبدو لهم أقل إلحاحًا وطرافة من النقد الفني. فلماذا إذن لم نصل إلى النقد إلا عند نهاية دراستنا؟

إن القارئ، حتى لو كان واحدًا من الطلاب الذين تحدثنا عنهم الآن، لا بد أن يكون في استطاعته استباق جزء من الإجابة على الأقل. ولا بد أن يدرك أننا لا نستطيع مناقشة النقد الفني مناقشةً واعية إلا بعد أن نكون قد كونَّا فكرة واضحة عن مفهومَي «الفني» و«الجمالي». فهذان المفهومان أساسيان في النقد، وليس في استطاعتنا أن نكتفي بالتسليم بأن معانيهما واضحة يشارك فيها الجميع؛ «فللفن الجميل»، كما رأينا من قبل، معان متعددة، كما أن لفظ «الجمالي» لفظ شديد التعقيد في الحديث المعتاد، ولو لم يكن قد سبق لنا تحليل هذه الألفاظ، لكانت مناقشة النقد مختلطة غامضة منذ البداية.

ونستطيع أن ندلل على ذلك بصورة أكثر تحديدًا؛ فمن أكثر الأخطاء شيوعًا في الكتابات النقدية أن يخلط المرء بين القيم الجمالية وغير الجمالية في الفن.

فعندما يصف ناقد عملًا من الأعمال بأنه «قبيح» لأنه لا يشارك الفنان معتقداته الأخلاقية، ولكنه يعجز عن إيضاح سبب حكمه (وربما لم يكن هو ذاته يدركها) فإن نقده يؤدي إلى تضليل لا نهاية له؛ فالصفة التقويمية «قبيح» تؤدي بنا إلى الاعتقاد بأنه يتحدث عن العمل جماليًّا، على حين أنه في واقع الأمر لا يفعل ذلك، ولا يمكننا أن نكشف عن هذا الخلط إلا إذا كنا نفهم الموقف الجمالي وطبيعة «الاعتقاد» الجمالي، كذلك فإن الشعور الواعي بهذا الخلط بين القيم يزيد من فهمنا «للذوق»؛ ذلك لأننا نعرف الآن كيف نعامل أحكام القيمة التي يصدرها الشخص المتحذلق، أو ذلك الذي يقدر الأعمال على أساس ندرتها أو قيمتها في السوق، فحسب، ولقد اتهم سانتيانا هؤلاء الناس بأنهم يتصفون «بالسوقية الجمالية»، ولكنهم لا يعدون مفتقرين إلى الذوق نظرًا إلى إعلانهم لشأن التجديد أو المال فوق القيمة الجمالية، بل إنهم قد أغفلوا العنصر الجمالي تمامًا؛ فالموقف الجمالي هو ذاته الشرط الأول «للذوق السليم».

ومع ذلك، فليس من الدقة تمامًا أن نقول إن الفصول السابقة إنما كانت تمهيدًا لدراستنا الحالية فحسب؛ فلا بد أن يدرك الطالب أيضًا أن قدرًا كبيرًا مما تضمنته هذه الفصول كان بالفعل فلسفة للنقد ذاته، أو قريبة من ذلك كل القرب؛ فقد رأينا أن كلًّا من النظريات الكبرى في الفن قد أخبرتنا بما ينبغي أن «نبحث عنه» في العمل الفني. وبذلك فإن كلًّا منها قد وضعت معايير للحكم على الفن. وفضلًا عن ذلك فإن النظريات المختلفة في الفن قدمت على الأقل إيحاء بالإجابة عن السؤال الهام الذي أوردناه من قبل، وهو: هل حكم القيمة الجمالي تأكيد متعلق بالعمل، أو وصف لمشاعرنا؟ فنظريات «المحاكاة» ترى أن الحكم يعني أن الموضوع قد توافرت فيه خصائص يشترك الناس في إدراكها، أي «كليات universals». والنظرية الشكلية تبدي اهتمامًا أعظم بالمشاهد، على حين أن النظرية الانفعالية تمضي في هذا الاتجاه أبعد من ذلك، تلك نظريات كامنة من وراء كل تقدير للأعمال الفنية، وسوف نعرضها بطريقة منهجية في الفصل التالي.

وأخيرًا فإن نظريات «الحقيقة الفنية» وضعت معايير معينة للحكم على الفن، وقد كشفت مناقشتنا للقبح وغيره من المقولات الإستطيقية عن اتساع نطاق اللغة النقدية، ومعاني طائفة من أكثر ألفاظها شيوعًا، وهنا أيضًا كنا، أثناء حديثنا عن علم الجمال، نتحدث في الوقت ذاته عن «فلسفة النقد».

فما هي الاختلافات الحقيقية بين هاتين الدراستَين؟ قد يُقال إن علم الجمال يبحث في وقائع التجربة الفنية والجمالية، أي يبحث فيما يكونه الفن، وفي طبيعة الإدراك الجمال، وفيما إذا كان للحقيقة وجود في الفن، وما إلى ذلك. وعندئذٍ قد يمكن القول إن فلسفة النقد تبحث في جوانب النشاط الفني والجمالي المتعلقة بالقيمة، ولكنا رأينا منذ قليل مدى ضعف هذا التمييز؛ فمناقشاتنا المندرجة تحت موضوع «علم الجمال» كانت متعلقة على الدوام بالقيم، وهذا راجع إلى أن «الوقائع» التي يبحثها علم الجمال هي إما قيم، وإما وثيقة الصلة بالقيم؛ فالخلق الفني والتذوق الفني مشحونان بالقيم، مثلما أن معطيات الجيولوجيا مثلًا خالية منها؛ فالفني والجمالي يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالاستمتاع الإنساني، وهذا ما تدل عليه لغتنا، كما في اللفظ التقويمي «الفن الجميل»، وشيوع استخدام لفظ «الإستطيقي» للدلالة على ما هو «جميل» أو «مُرْضٍ من الوجهة الإستطيقية».

وهكذا كنا منذ البداية عاكفين على بحث القيم. ومن هنا فإن التمييز بين الدراسة الجمالية والدراسة الفلسفية للنقد ينبغي أن يتم على نحو آخر؛ فالدراسة الأولى تتعلق بوجدان القيمة valuing، أي الاهتمام بموضوع ما والشعور بأنه ممتع، وعلم الجمال يدرس الموقف المتميز الذي يحكم هذه التجربة، والموضوعات التي يتخذ إزاءها هذا الموقف، وتركيب هذه الموضوعات. أما فلسفة النقد فتبحث في عملية التقدير evaluation، أي تحليل الجودة الجمالية للموضوع والحكم عليها. ولمناقشة علم الجمال نتائج هامة بالنسبة إلى فلسفة النقد. ومع ذلك فإن الحكم والنقد ليسا عملين مماثلين لخلق الفني والإدراك الجمالي؛ ففلسفة النقد تعالج منهجية مشكلات الحكم والنقد.

•••

غير أن أول الأسئلة جميعًا هو: «لماذا نحكم وننقد؟» لم لا نقبل العمل الفني أو المنظر الطبيعي على ما هو عليه، ونكتفي بالاستمتاع به إلى أقصى حد؟ ولماذا يتعين علينا أن نثرثر حوله ونحاول الاهتداء إلى مآخذ عليه ونقيس قيمته بدقة؟

قد يكون من أسباب ذلك أننا نستمتع بالكلام عن الأعمال الفنية؛ فهذه مسلاة لا ضرر منها، ومن الممكن المضي فيها بقدر كبير من التعمق والتعقيد، أي إننا، بعد أن نكون قد استمتعنا بمزايا الفن في التجربة الجمالية، نميل إلى إعمال الفكر فيها خلال تقديرها؛ ففي أثناء التجربة الجمالية نتذوق فخامة أسلوب «بروكوفييف» وتدفق حيوية «ماتيس»، وبعد ذلك نعود إلى التفكير فيها بإعزاز خلال عملية التقدير.

وفضلًا عن ذلك، فإن لأحكامنا التقويمية وجهًا اجتماعيًّا؛ فنحن نشترك مع الآخرين فيما نحبه ونكرهه في الفن، كما في الطعام، وتقديم رأي فيه تقدير العمل معين، هو أشبه بتقديم «وصفة» لإحدى الوجبات؛ فهي دعوة للآخرين إلى الاستمتاع كما استمتعنا نحن، ونحن في هذه الحالة أشبه بالمتحدث في قصيدة «فروست Frost» الصغيرة، الذي خرج:
… لكي ألتقط أوراق الأشجار وألقي بها بعيدًا
«وقد أنتظر حتى أرقب المياه الصافية»:
ولن أغيب طويلًا … فلتأت معي بدورك.
المرعى
والأهم من ذلك أننا ندعو الآخرين لكي «يأتوا بدورهم» حتى نستطيع أن نختبر استجابتنا الخاصة للفن؛ فنحن نود أن تتأكد أحكامنا، ولا نكون واثقين تمامًا من أن العمل يتصف بنفس الجودة التي وجدناه عليها ما لم يجده الآخرون كذلك أيضًا. «فالقيمة التي أعزوها إلى الصورة تزداد قوة على نحو ما نتيجة للاتفاق عليها، وتقل إذا ما اختلف عليها».١ وقد يؤدي بنا هذا الاختيار الذي تشترك فيه عدة ذوات إلى سحب رأينا الأصلي، بل قد يقنعنا بأن العمل ليس جديرًا بمزيد من الاهتمام (وهنا قد تلعب الحذلقة ونزعة السلطة دورها، بل هي تلعب دورها بالفعل في كثير من الأحيان. أما كيف نميز بين صاحب الرأي القطعي (الدجماطيقي) في علم الجمال، وبين صاحب الذوق الرفيع، فتلك مسألة سنبحثها في الفصل المقبل).

غير أننا لم نقدِّم بعد أهم سبب لقيامنا بعملية التقدير.

فلنعمِّم السؤال، ونتساءل عن السبب الذي نحكم من أجله على أي قيم لا على القيم الجمالية وحدها، فلماذا نقدر قيمة الأطعمة، أو قيمة سلوك أخلاقي، أو حتى طريقة كاملة في الحياة؟ إن كلًّا من هذه قد يكون ممتعًا في وقت اختيارنا له، ومع ذلك فإن التفكير الهادئ، أو قوة التجربة المؤلمة، أو كليهما معًا، قد يؤدي بنا إلى أن نقول فيما بعد أن الموضوع لم يكن «طيبًا بحق»؛ فنحن نقول «لقد ظننته» طيبًا أو «لقد خدعني»؛ فالطعام هدد صحتي بالخطر، والفعل الأخلاقي أعده الآن خطأ وغير جدير بي، أما طريقة الحياة القديمة فقد أصبح تخلصي منها أشبه بالإفاقة من كابوس، بعد أن أطلعني المصلح الاجتماعي على طريقة جديدة في الحياة. هنا نجد أبسط، وربما أهم، تمييز في داخل القيم، أعني ما يبدو خيرًا، أو ما هو خير مؤقتًا، وما هو خير بطريقة أصيلة دائمة. وهنا أيضًا تبدأ الحكمة؛ ذلك لأن الحكمة هي القدرة على التمييز بين هذين النوعين من القيم في الحالات المحددة.

ومن الممكن أن يؤدي التفكير في طريقة التقويم القديمة إلى الحملة عليها لأي سبب من بين أسباب كثيرة محتملة؛ ففي أوضح الحالات، كما في حالة الغذاء الضار، قد تكون للموضوع نتائج أليمة. فالألم في «الصباح التالي» (بأوسع معاني الكلمة) قد يفوق بكثير اللذة في «الليلة السابقة»، وقد رأينا كيف أن الالتجاء إلى النتائج يمكن أن يؤدي إلى التنظيم الأخلاقي للفن، وهناك نوع آخر من الموقف التقويمي قد يكرس المرء فيه كل جهوده، وربما كل حياته، لتحقيق هدف معين، ثم يجد بعد إن بلغه أنه تحول إلى رماد، وقد يقول عندئذٍ، ناظرًا إلى أعلى من بين الأنقاض، إن الهدف لم يكن جديرًا بسعيه، ولكنا قد نعمل، قبل السعي إلى موضوع يغرينا، على تحليل خصائصه. وعندئذٍ قد نجد عيوبًا وأخطاءً لم نرها في البداية. وربما تعلمنا، بفضل اتساع نطاق معرفتنا، أن الشيء الجيد لا يعادل في جودته الشيء الآخر المناظر له، والذي يكون في متناول أيدينا.

إن التقدير المبني على التفكير مرشد للسلوك المقبل؛ فتجربة القيمة عندنا، في جميع مجالات الحياة، تنطوي على اختيار. وحكمنا على شيء ما بأنه أجدر أو أفضل بالفعل من شيء آخر يتيح لنا أن نختار على نحو تكون معه فرصتنا في النجاح أعظم مما لو كنا نختار على أساس من الجهل. ونستطيع عندئذٍ أن نأمل، إلى حد معقول، في أننا «لن نرتكب نفس الخطأ مرة أخرى»، ولن ندفع ثمن الخطأ مضاعفًا. والحق أن الحكمة تكون ضرورة لا غناء عنها عندما يكون تحقيق الرغبة المتأصلة في قلوبنا أمرًا يكلفنا، على نحو ما، مشقة كبيرة. فعندئذٍ نستطيع أن نقدر إن كان الموضوع يستحق الثمن الذي سندفعه، كما نستطيع أن نقدر كيف نختار أكثر الوسائل اقتصاد. كذلك فإن الحكمة مطلوبة عندما يكون هناك عدد كبير من الموضوعات التي يتعين علينا الاختيار بينها.

على أن هذه المشكلات ليس لها في ميدان التجربة الجمالية عادة نفس الخطورة التي تكون لها في الميادين الأخرى للحياة. فليس من الضروري في حالة التجربة الجمالية، أن نتوخى الدقة الكاملة في حساب المخاطر والتكاليف؛ فميدان الجمال هو ميدان التجربة الكامنة المنطوية على ذاتها، ولا حاجة إلى التفكير في أسباب إنتاج الموضوع الفني أو وسائله، وإن كان الداعية الأخلاقي، مثل تولستوي، قد يحتج بالطبع بأن الوسائل تكلف أكثر مما ينبغي. أما نتائج الإدراك الجمالي فهي عادة أبسط من أن تحتاج منا إلى الانشغال بها. وفضلًا عن ذلك فإن التذوق الجمال لا يخضع عادة لنظم عامة، كالنشاط الاقتصادي أو الديني، ومن هنا فإنه ليس محاطًا بأوامر ونواهٍ، كهذين الأخيرين.

وأخيرًا فإن النشاط الجمالي لا يقوم عادة على التنافس؛ لأن الأعمال الفنية في العادة متاحة للجميع، على خلاف الطعام أو الفتاة الجميلة التي يتنافس عليها المعجبون، فعندما أستمع إلى سيمفونية بيتهوفن الخامسة، لا أدعي أني أملك وحدي العمل ولا أحرمك من فرصة الاستماع إليها.

لهذه الأسباب كلها لم يكن الحكم الحذر والحساب الفطن ضروريين ضرورة مطلقة في الميدان الجمالي، فلسنا مضطرين إلى أن ننشغل كثيرًا بطريقتنا في الاختيار لأن الخطر الذي يمكن التعرض له هنا أقل. ولهذا كان الاستمتاع الجمالي أحيانًا يوصف بأنه هروب من أعباء الحياة اليومية. ويقول سانتيانا إن الفنون «استعمال لحريتنا، بعد انتهاء عمل الحياة وتهدئة الخوف منها».٢

•••

وعلى الرغم من ذلك فإن للتقدير الجمالي بالفعل دورًا يقوم به، وهو ليس بالدور الهين.

ذلك لأن القيم الجمالية، شأنها شأن القيم الأخرى، ينبغي أن تُختار. والأهم من ذلك أننا قد نخطئ في اختيارها. وفي هذا الصدد لا نجد اختلافًا كبيرًا بين الميدان الجمالي وبين سائر ميادين القيمة. وأغلب الظن أننا نبالغ في هذا الاختلاف لأن الموقف الجمالي ذاته لا يهتم بالأسباب والنتائج، بل هو مُركَّز على موضوعه فحسب، ومع ذلك فلا بد لنا، قبل اتخاذ الموقف الجمالي، من أن نقوم بعمليات اختيار، فأي كتاب سنقرأ؟ وأي هذه الأسطوانات سنشتري؟ ولكي يكون الاختيار مثمرًا، فلا بد من معرفة بالعمل، وبجودته النسبية، وإلى أي مدى يمكنه أن يظل محتفظًا بقيمته؛ فالتقديرات المرتكزة على أساس متين تتيح لنا أن نزيد من استمتاعنا ونتجنب خيبة الأمل. وقد لا يكون لهذا نفس أهمية اختيار الطعام المغذي أو السلوك الأخلاقي الصحيح، غير أنه ليس بالأمر الضئيل الشأن أيضًا.

ومن الممكن أن يحدث، في معاملاتنا مع الموضوعات الجمالية، كما يحدث في معاملاتنا مع الموضوعات الأخرى ذات القيمة، أن نشعر بأننا خدعنا، وبأن أملنا قد خاب، وقد يبدو العمل الذي سررنا له عند أول لقاء معه، مملًّا تافهًا عندما نعود إليه فيما بعد. وقد يتضح أن ما بدا بديع التنسيق، نفاذًا إلى الأعماق، ما هو إلا شيء هش البنيان يثير عواطف سطحية، عندئذٍ نشعر كأننا كنا مخدوعين، وكأن لسان حالنا عندئذٍ يقول: «ما الذي كنت أراه من قبل في هذا؟» ولنقل مرة أخرى إن خيبة الأمل في الفن قد لا تجلب كارثة بالقدر الذي تجلبه خيبة الأمل في الزواج مثلًا، ولكن هذا ليس دليلًا على أن من واجبنا أن نصدر أحكامنا في حياتنا الجمالية بطريقة عمياء.

وهناك عامل آخر له دور في قيامنا بتقدير القيم، يمكننا أن نسميه «نزاهتنا الجمالية»؛ فالتقدير المبني على التفكير يجعل التفضيلات التي نشعر بها واعية ومقصودة، وتصبح ميولنا الخاصة معايير، ونحن لا نود أن نخذل معاييرنا بإبداء موافقتنا على ما هو رخيص متصنع، بل إننا لا نقبل أن نتنازل عنها، مثلما لا نقبل أن نخفف من الشروط التي نشترطها في الشخص إذا شئنا أن نتخذ منه صديقًا. ومن الممكن أن نحمل على الأدب والموسيقى الجماهيرية الرخيصة، لا لأننا نستقبحهما من الوجهة الجمالية، فمن الجائز أننا نميل لهما طربًا، بل لأنهما يهبطان بمستوى المعايير الذوقية.

وإذن فتقدير القيم مرشد للاختيار، وهو أساسي لنزاهتنا نحن. غير أن أهم أسباب التقدير جميعًا هو أنه يؤدي إلى حدوث فارق في التجربة الجمالية ذاتها، وبالتالي يزيد من القيمة التي نشعر بها لهذه التجربة.

إن معظم الأعمال الفنية التي تستحق الكلام عنها هائلة التعقيد، وقد أقنعتنا دراستنا لعلم الجمال بهذه الحقيقة أكثر من مرة؛ فقليل جدًّا من الأعمال هي التي تكشف لنا عن كل ما فيها منذ البداية، وبدون الألفة والتعود، والقدرات الضرورية على التذكر والتخيل والانفعال والمعرفة، فإن الأعمال الجيدة، بل الأعمال العظيمة — والأعمال العظيمة بوجه خاص في الواقع تبدو لنا مملة أو غامضة.٣ وفي استطاعة النقد، الذي يخدم أغراض التقدير الجمالي، أن يساعدنا على الإحاطة بالعمل المعقد؛ فالتحليل النقدي يمكنه أن يكشف لنا عن علاقات شكلية متبادلة تربط بين أطراف العمل سويًّا، وعن معان تؤلف حقيقته، ودلالة تعبيرية تضفي عليه عمقًا ورنينًا؛ مثل هذه المعرفة تمكننا من أن نرى المزيد عندما نعود إلى هذا العمل ثانية، فعندئذٍ نستطيع أن «نهيئ» أنفسنا للاستجابة لكل ما في العمل.
على أن بعض المفكرين، مثل تولستوي، يرفضون عملية النقد بأسرها؛ فهم يرونها غير ضرورية. «ما الذي يوجد هناك … مما يحتاج إلى شرح؟»٤ قد لا يكون هناك بالفعل إلا القليل جدًّا مما يحتاج إلى شرح في الأغاني والأساطير الشعبية التي كان تولستوي يبدي لها كل تقدير، ولكن أولئك الذين يتوسعون في هذه الحجة بحيث تمتد إلى كل فن، يرون أن كل ما علينا هو أن ننظر إلى العمل باهتمام تلقائي أصيل لكي نستخلص قيمته، غير أن هذا الرأي لا يرتكز على أساس متين من الواقع، «أليس العمل الفني مكتفيًا بذاته؟ بلى، ولكنه قد لا يكون شارحًا لذاته».٥ فمن الواجب ألا ننخدع بالبساطة الظاهرية للموقف الجمالي، إنه لصحيح تمامًا أن نقول إن الإدراك الجمالي يلتقط ما هو موجود في العمل، وما هو «معطًى مباشرة»، ولكن المشكلة هي أننا لا نعلم ما هو «الموجود» إلا بعد أن يكون الإدراك قد تدرب واستنار بفضل النقد.

وعلى ذلك فإن التقدير والنقد عنصران مساعدان لا غناء عنهما في حياتنا الجمالية، ولولاهما لكان إدراكنا أعمى أو مشوهًا، ولكانت خبرتنا بالقيمة هزيلة، وهذه الحقيقة هي مبرر وجود التقدير والنقد. أما كيف يؤديان عملهما على وجه التحديد، فهذا ما سوف تحدده الفصول المقبلة.

•••

ومع ذلك، فهناك تحفُّظ واحد ينبغي أن ننبه إليه، هذا التحفظ لا يؤدي إلى دعم موقف أولئك الذين يريدون الاستغناء تمامًا عن النقد، ولكن من الواجب أن نتنبه إلى أن النقد يؤدي أحيانًا إلى خسارة في القيمة الجمالية؛ فالتحليل قد يكشف لنا عن أخطاء في العمل لا نراها في الوقت الذي يكون انتباهنا فيه منصرفًا، بطريقة جمالية، لهذا العمل، ومن الممكن جدًّا أن يؤدي إلى إعاقتنا عن الاستمتاع بالعمل مرة أخرى بنفس القدر الذي كنا نستطيع به أن نستمتع بهذا العمل لو لم نكن قد قمنا بالتحليل، وهكذا يتم التخلي عن مصدر من مصادر رضائنا، ويكون عزاؤنا الوحيد عندئذٍ — وهو عزاء جاف — هو أننا أصبحنا على الأقل نعرف العمل على ما هو عليه في حقيقته.

إننا لا نجد بأسًا في الشعور بأننا كبرنا على القصص التي نقرؤها لأطفالنا؛ فهذا يبدو أمرًا «طبيعيًّا» على نحو ما، ولكن قد يبدو أن هناك شيئًا غير مستحب في النقد الذي يأتي فجأة فيفسد علينا العمل، بل إننا قد نواجه استياءنا هذا بشيء ما، فنظل نُعلي من قدر ما حول عليه التقدير النقدي، وليذهب النقاد إلى الجحيم!

على أن مثل هذا الميل العنيد لا يأتي بسهولة؛ إذ إن للتقدير النقدي العميق سلطة وقوة هائلة بحق؛ فنحن نشعر بشيء من عدم الارتياح لأننا رفضنا النتائج التي وصل إليها. وفي احتجاجنا ذاته، نعترف بأن «معرفتنا أصبحت أفضل»، أي أن من الواجب أن نولي ظهرنا للمعقولية لكي نحب ما نؤمن بأنه غير جدير بأن يحب.

إننا نحتج على النقد لأننا نريد أن نحتفظ بمتعتنا التلقائية. فما الذي يرغمنا على التخلي عن هذه المتع الرفيعة؟ هذا هو مطلب البراءة الدائم، ومثل هذا السؤال يثار في جميع مجالات التجربة، لا الجمالية فحسب، وهو يمثل رد الفعل المعتاد على أية نصيحة تقدم إلينا بأن نكف عن فعل ما نفعله، ولكن ربما كانت لهذا السؤال أعظم دلالة في مجال علم الجمال؛ فالتجربة الجمالية غير أنانية، لا تعبأ بالنتائج، بل تهيب بالشعور والخيال لذاتهما، وهي تتمثل في السرور الخالص الذي يحس به الطفل إزاء المناظر والأصوات. فهنا تكون تجربة القيمة بريئة بحق، إن كانت بريئة في أي مجال، والضرورة التي تحتم خضوع هذه التجربة الحكم النقدي — إن كانت هناك ضرورة على الإطلاق — أقل بكثير من تلك التي تحتم خضوع النشاط الأخلاقي أو الديني أو الاقتصادي له.

وأغلب الظن أنه لا توجد إجابة قادرة على إسكات هذا الاحتجاج تمامًا؛ فالنقد يحرمنا أحيانًا بالفعل من القيم، فإذا لم نعُد نحب ما كنا نحبه من قبل، فعندئذٍ تكون هناك قيم قد ضاعت، وهذا مجرد تحصيل حاصل، وتلك في الواقع هي المخاطرة التي نتحملها في جميع مجالات القيمة عندما نبدأ في التفكير في رغباتنا ومتعنا التلقائية، وكما قال الفيلسوف جون ديوي: «لنعترف بأننا ما إن نبدأ التفكير، فلن يضمن أحد أين سينتهي بنا الأمر، والأمر الوحيد المضمون هو أن أهدافًا وغايات ونظمًا كثيرة يكون مآلها عندئذٍ إلى الانهيار»، غير أننا نستطيع مع ذلك أن نأمل في أن ما سيضيع سوف يعوض وزيادة؛ فالبراءة لا تستطيع أن تصمد طويلًا. وحتى لو استطاعت، لكانت قيمها — مهما كان من «نقائها» — قيمًا هزيلة وبسيطة نسبيًّا. إن البراءة، حسب تعريفها ذاته، لا يمكنها أن تعرف أبدًا تلك القيم التي لا تأتي إلا بالمعرفة والتفكير، ففي الميدان الجمالي، يستطيع النقد أن يكشف في العمل عن عمق وتعقد لم يخطرا أبدًا ببالنا من قبل، وفي مقابل كل عمل يدينه النقد، توجد أضعاف مضاعفة من الأعمال التي يجعلها ذات دلالة في نظرنا، وبذلك يكون الربح الصافي في تجربة القيم عندنا هائلًا، وكلما ازدادت قدرتنا على الحساسية والتمييز، قل ندمنا على ما تركناه وراء ظهرنا من التفضيلات.

(٢) الموقفان الجمالي والنقدي

سبق لي أن أعربت عن الرأي القائل إن الشعور بالقيمة الجمالية والتقدير النقدي مختلفان كل عن الآخر، وإن كان في استطاعة الأخير أن يزيد من قدرتنا على التذوق. وسأحاول الآن أن أثبت أن التذوق والنقد متميزان على نحو آخر، من حيث إن كلًّا منهما مضاد للآخر من الوجهة النفسية؛ فالموقفان الجمالي والنقدي طريقتان في النظر إلى الموضوع يصل الاختلاف بينهما إلى حد أنه عندما يكون لأحدهما السيطرة في الذهن، فإنه يطرد الآخر؛ فليس من السهل وجودهما معًا، ولو استطعنا أن ندرك السبب، لأدركنا على نحو أفضل لماذا كان الفنانون «ومحبو الفن» في كثير من الأحيان يتشككون في نقاد الفن أو يعادونهم، وعندئذٍ ستتمكن من فهم إحساسهم بأن النقد يفتقر إلى حيوية التذوق ودفئه.

•••

فلنبدأ أولًا بالتفكير في الطريقة التي تُستخدَم بها عبارة «اتخاذ موقف النقد»، إنها تدل، في أكثر معانيها صرامة، على التنقيب عن العيوب، وهي تشير، بمعنًى أوسع، إلى تقدير نواحي القوة ونواحي الضعف في موضوع ما. على أنها توحي، في جميع معانيها، بحالة ذهنية معينة — هي حالة تجرد وحذر وتحوط من أن يخدع المرء؛ فاتخاذ موقف النقد يعني رفض الموافقة حتى لا يرى المرء بنفسه، كما يقول التعبير المشهور، ولا بد أن يأتي الموضوع إلينا ويقدم أوراق اعتماده، ولا يمر إلا إذا أثبت جدارته.

أما الموقف الجمالي فيختلف عن هذا كل الاختلاف، بل إنه عكس هذا على خط مستقيم؛ فهو يدعونا إلى الولاء للموضوع بحرية، ودون تساؤل. وفي هذا الصدد يقال أحيانًا إن المشاهد «يستسلم»، للعمل الفني، وإن كانت الاستعارة هنا مبالغًا فيها إلى حد ما. فالمشاهد يريد في هذه الحالة أن يحيا حياة الموضوع، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك إذا ظل محتفظًا بعزلته وتشككه، لذا يقبل الموضوع بشروطه الخاصة (شروط الموضوع) ويتخلى عن أي تحدٍّ له. وعندما يبلغ الاهتمام الجمالي أقصى درجاته، يفقد المشاهد ذاته في الموضوع.

وهكذا فإن نفس المزاج النقدي أو الروح النقدية مضادة للموقف الجمالي، ولو ساد الموقف النقدي اهتمامنا لقضى على الإدراك الجمالي، ونحن جميعًا نعرف أناسًا يحدث لهم ذلك، إذ تجدهم دائمًا حريصين على تلمس المآخذ في العمل الفني، وكثيرًا ما نشعر بالرغبة في أن نقول لهم: لم لا تهدئ أعصابك وتستمتع بالموسيقى؟

وفضلًا عن ذلك فإن النقد تحليلي، وهو أمر عرفه أعداء النقد منذ وقت طويل، وكان شعارهم هو «إننا نقتل لكي نشرح». غير أن الناقد لا يستطيع أن يؤدي عمله دون تحليل؛ فلا بد له، لكي يبين أن العمل جيد، من أن يوضح ما الذي يسهم في قيمته من بين عناصره. وهو قد يتحدث في هذا الصدد عن جماله الحسي، أو وضوح بنائه الشكلي، أو عمق الانفعال الذي يثيره، أو دقة الحقيقة التي يعبر عنها. ولا بد له أن يبحث في عناصر العمل فرادى، وكذلك في علاقتها بعضها ببعض.

ولكن هذه ليست هي الطريقة التي يسير بها الإدراك الجمالي؛ فهو لا يعمل على تقطيع العمل، وإنما يدركه في كليته؛ فالصفات الحسية التي يتحدث عنها الناقد إنما هي مشاعر مباشرة بالنسبة إلى المشاهد، والعلاقات الشكلية التي يحللها الناقد هي في نظر الإدراك الجمالي روابط حيوية بين التوقعات والتوترات، تعمل على إشاعة الحياة في التجربة، وتجمع بين أطرافها بطريقة محكمة، والحقيقة التي يلخصها الناقد بطريقة نثرية يحس المشاهد أنها متغلغلة في جميع أرجاء العمل ومتجسدة فيه. فما يريد المشاهد إدراكه هو الكل الشامل للعمل، وهو يهتم بما يسميه ديوي «معاناة تجربة»، ولا يريد قائمة مفصلة من العناصر.

وأخيرًا فإن غرض النقد مختلف عن غرض الإدراك الجمالي؛ فالناقد يريد الدفاع عن حكم القيمة الخاص به، ومن هنا فإنه يسعى إلى اكتساب معرفة بالعمل، واهتمامه يكون منصبًّا على شيء من وراء عملية النقد. أما الموقف الجمالي فليس لديه اهتمام خارج نطاق الإدراك المحض؛ «فاللذة الجمالية … لا تصل إلى أعلى قممها إلا عندما تكون غير واعية بذاتها، وتكون استغراقًا أو اندماجًا لا يحد منه المقصد المعرفي للتقدير والتحليل الموضوعي».٦

•••

في هذه النواحي الثلاث، يقف الموقف الجمالي والموقف النقدي كلٌّ في مقابل الآخر؛ فهُما حالتان متباينتان، وهما يقبلان على العمل لأغراض مختلفة، ومن ثَم فإن التجارب التي تصاحب هذين الموقفين تختلف بالمثل؛ فعندما ينظم الانتباه، والإدراك، وقدراتنا على الشعور بطريقة نقدية، لا يكون من الممكن «تفتحها» للاستجابة الجمالية، على حد تعبير دو كاس، وإذن فالموقفان في أساسهما متضادان.

•••

وربما كان من السهل الموافقة على أن النقد والإدراك الجمالي مختلفان، ولكن لن يوافق الجميع على أن التعارض بين هذين الموقفين يبلغ من الشدة بقدر ما ذكرت، ولا بد في هذا الصدد من بحث اعتراضين، يمكن تلخيصهما على النحو الآتي:
  • (١)

    الموقفان مختلفان، ولكنهما عادة، وربما دائمًا، يحدثان في المدرك في آنٍ واحد. فالإدراك «المتعاطف» تمامًا وغير المقترن بوعي للذات هو مثل أعلى أو حالة حدية، لا يمكن تحقيقها في الواقع على الإطلاق؛ ذلك لأننا عندما نتذوق نحكم أيضًا، وهذا أمر تام الوضوح، ونحن نعرف جميعًا أنه كثيرًا ما يحدث، أثناء استماعنا إلى الموسيقى أو مشاهدتنا للمسرحية، أن نهمس في أذن مرافقينا بتعليقات نقدية؛ «فالتجربة الجمالية» هي في الواقع بالنسبة إلى معظم الناس خلال بعض الوقت، وبالنسبة إلى بعض الناس خلال معظم الوقت، مزيج من الموقفين الجمالي والنقدي.

    هذه حقيقة، ولكنها حقيقة لا تقضي على التمييز الأساسي بين الموقفين؛ ذلك لأن هذين الموقفين، شأنهما شأن أمور كثيرة أخرى، يمكن تمييزهما تحليليًّا، وإن كانا يوجدان معًا واقعيًّا، فهذا الاعتراض الأول، حين يقول إن هناك موقفين، يفترض مقدَّمًا وجود التمييز، وفضلًا عن ذلك، فإن الحقيقة التي بني عليها هذا الاعتراض هي مع ذلك حقيقة مؤسفة؛ ذلك لأن تعارض الموقفين هو الذي يؤدي إلى الإقلال من الاهتمام الجمالي كلما تدخل النقد. وعلى هذا فإن هذا الأخير يُنقص القيمة الجمالية.

    إن قوام النقد في نظر بعض المفكرين، كما سنرى فيما بعد،٧ هو وصف استجابات المشاهد الشخصية للعمل، فلا بد أن يسأل المشاهد نفسه: «هل أجد هذا العمل ممتعًا؟» «وما الانفعالات التي يثيرها في؟» وما إلى ذلك. ومن الواضح أن هذا النوع من النقد يتعارض مع الاهتمام الجمالي بالموضوع. «فالانتباه الجمالي هو قبل كل شيء انتباه مركز حول الموضوع».٨ ولا يمكن أن يكون الانتباه «مركزًا تمامًا حول الموضوع» إذا كان المدرك يوجه هذا الانتباه نحو حالاته النفسية الخاصة (ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن هذا النوع من الشخص المدرك يضايق أصدقاءه ومرافقيه بقدر ما يضايق نفسه، بتساؤله الدائم «هل أنا أستمتع بهذا حقًّا؟» والجواب هو أنه لن يعرف ذلك أبدًا ما لم يتوقف عن طرح السؤال. فعليه أن يطبق على التجربة الجمالية تلك القاعدة القديمة التي تسري على كل تجربة متعلقة بالقيمة: «الطريق إلى اكتساب السعادة هو نسيان السعادة.»)
    غير أن النقد الذي يركز اهتمامه على الموضوع هو بدوره مضاد للتجربة الجمالية، لنفس الأسباب السالفة الذكر؛ ففي بعض الأحيان، عندما يؤكد المشاهد تجربته بأحكام عن مزايا العمل أو الأداء، يكون الدافع نوعًا من التحذلق أو النزعة الاستعراضية أمام المجتمع، وقد يكون أحيانًا فنانًا محترفًا يهتم بأسلوب الأداء وأسرار الصنعة، وقد يكون النقد أحيانًا أخرى — في أسوأ الحالات — ملجأً أخيرًا لأولئك الذين لا يمكنهم الاندماج في العمل والاستجابة له. وهو في كل الأحوال يؤدي إلى كبت الاهتمام الجمالي. ولهذا السبب رأى بلو Bullough أن النمط «الموضوعي» من المشاهدين «يمثل … أكثر صور التذوق الجمالي فجاجة».٩ وكما يقول ليويس Lewis، فإن النقد «ينبغي أن يؤدي دائمًا إلى بعض التمييع … في القيمة التي تدرك مباشرة. ولا يمكن أن يدرك الجمالي بأبهى ما فيه إلا الأبرياء أو الذين يقبلون عليه بتواضع، والذين يكون الجمال بالنسبة إليهم هبة من الآلهة».١٠
    هذا الاعتراض الأول يقول إن الموقف النقدي يصاحب الموقف الجمالي «عادة، وربما دائمًا». فماذا نقول عن «دائمًا» هذه؟ ألا تكون حالتنا الذهنية جمالية بصورة تامة أبدًا؟ من الواضح أن الإجابة عن هذا السؤال ليست باليسيرة، فمن الصعب إدراك الوقائع المباشرة للتجربة بصورة واضحة، فالانتباه المرتكز حول الموضوع يميل إلى الخفوت؛ وهناك دائمًا احتمال لحدوث خداع للذات، ومع ذلك فإننا، في بعض الأحيان على الأقل، «نسلم أنفسنا» كلية للموضوع، ومن الجائز أن أغلب الحالات التي يحدث فيها هذا هي تلك التي يكون فيها العمل مألوفًا وكأنه صديق قديم، فعندئذٍ يكون في استطاعتنا توقع الاتجاه الذي سيسير فيه، وتأتي استجاباتنا بيسر وسهولة، والأهم من ذلك كله أننا قبلنا العمل، «ودون تساؤل»، ويعد «النمط الشخصي» عند بلو Bullough١١ ممثلًا لهذا النوع من التجربة.
    ولكن ربما كان من الواجب تغيير الاعتراض بحيث يكون مؤداه أن الموقف النقدي ينبغي أن يصاحب الموقف الجمالي، وإلا كان إدراكنا ساذجًا لا تمييز فيه، غير أني أعتقد أن هناك خلطًا لفظيًّا خطيرًا في قولنا إنه ينبغي علينا أن «نقرأ بطريقة نقدية» أو «نستمع بطريقة نقدية»، فهل يعني ذلك أن من واجبنا القيام بالتحليل، والتقدير على أساس معايير القيم … إلخ، أثناء التجربة الجمالية المزعومة؟ إن كان الأمر كذلك، فلن تعود التجربة عندئذٍ جمالية، بل إن من الواجب أن يُفهَم ذلك على أساس أنه يعني أن من واجبنا القراءة أو الاستماع بوعي ونفاذ؛ فمن الضروري أن نكون واعين بكل ما ينطوي عليه العمل من خصب، ولكن هذا الوعي ينبغي أن يأتي من النقد الذي يحدث قبل المواجهة الجمالية، فمن الواجب أن تستوعب معرفتنا١٢ في داخلها ما اكتُسِب من عملية التعلم المتعلقة بالموضوع، بحيث يعمل هذا الأخير على توجيه انتباهنا وتوقعنا كلما تكشف العمل؛ «فليس النقد، وإنما ثمار النقد — أي المزيد من المعرفة، والقدرة الأدق على التمييز، وعلى التلقي بمزيد من الحساسية — هي التي تندمج في التجربة التي هي جمالية بحق، وبعد أن يؤدي النقد دوره، فإن خير ما يفعله هو أن يذوي ويموت».١٣
  • (٢)

    والاعتراض الثاني على التمييز بين الموقف الجمالي والموقف النقدي يقف على مستوى أعمق؛ فعلى حين أن الاعتراض الأول يقبل هذا التمييز، فإن الثاني يتحداه، والحجة التي يقدمها ترتكز من جانب على تعريف «الموقف الجمالي»، وترتكز من جانب آخر على حقيقة نفسية متعلقة بالتجربة الجمالية.

فالموقف الجمالي، شأنه شأن أي موقف آخر، يدل، حسب تعريفه، على طريقة معينة في توجيه الانتباه والتحكم فيه، على أن الانتباه انتقائي دائمًا؛ فنحن لا نرى كل شيء دفعة واحدة، ولا نعد كل ما نراه متساوي الأهمية. وهكذا نجد في داخل الأعمال الفنية عناصر متقابلة، وعناصر ينصب عليها التأكيد أكثر من غيرها، وهنا تتدخل الحقيقة النفسية؛ فالطريقة التي نوجه بها انتباهنا إلى العمل تتوقف على تجاربنا الجمالية السابقة، ولا سيما تجاربنا المتعلقة بأعمال مشابهة؛ فعن طريق تكيفنا السابق بُثت فينا معايير لما هو قيم في مثل هذا الفن، ولقد قال الأستاذ باركر Parker «إن أول كتاب نقرؤه يضع معيار كل قراءاتنا التالية للشعر».١٤ هذه المعايير الضمنية تحدد ما سوف «نبحث عنه» في العمل، ومن هنا «ففي كل عملية تذوق تكمن معايير ضمنية للحكم».١٥ وعلى ذلك فإن التمييز القاطع بين الموقفين «النقدي» و«الجمالي» غير صحيح؛ فالتقدير والحكم ماثلان في كل فعل من أفعال التأمل الجمالي، ولن نكون قد أحسنَّا فهم الموقف الجمالي لو قلنا إنه غير نقدي على الإطلاق؛ فهو على الدوام نقدي إلى حد ما.

فلنبدأ بأن نقول إن الحقيقة التي يرتكز عليها هذا الاعتراض الثاني لا تقبل الجدل، فمن الذي يستطيع أن ينكر أن اختيارنا لما هو هام في الفن إنما هو حصيلة تربيتنا الجمالية السابقة؟ إن النقاد، والمعلمين، وتجربتنا السابقة وتقديرنا الواعي لتلك التجربة، كل هذه العوامل تؤثر في اهتمامنا وتمييزنا الجمالي. وما هذا إلا مثل للحقيقة الأعم، والأوضح، القائلة إن كل ما صادفناه في الماضي ترك بصماته علينا.

إن الانتباه الجمالي انتقائي بالفعل؛ فنحن نركز انتباهنا على أشياء معينة في العمل، لا على غيرها، ولكن كل ما يعنيه هذا هو أننا نواجه الموضوع بطرق معينة للإدراك تكون جزءًا من «عتادنا» الجمالي، وهو لا يعني أبدًا أننا نكون «نقديين» أثناء التجربة الجمالية، بمعنى أننا نحاول عندئذٍ تقدير العمل وتحليله؛ فنحن لا يكون لدينا، أثناء التجربة، ذلك «المقصد الواعي المتعمد»١٦ الذي يتسم به الموقف النقدي.
وأود هنا أن أستشهد برأي واحد من أشهر النقاد في عصرنا، وهو ف. ر. ليفيس F. R. Leavis:
«إن الكلمات في الشعر لا تدعونا إلى «التفكير حولها» والحكم عليها، بل تدعونا إلى أن نندمج فيها بحسِّنا، أو «نصير» إلى حال غير حالنا أي أن نحقق تجربة كاملة معطاة في الكلمات؛ فهي تطالب … برهافة الاستجابة؛ وهي نوع من الاستجابة لا يتمشى مع الموقف التقديري، الذي لا يرى أمامه إلا المعيار … إن الناقد — من حيث هو قارئ للشعر — يهتم حقًّا بالتقدير، ولكن تصويرنا إياه بأنه يقيس بمعيار يفرضه على الموضوع ويطبقه من الخارج إنما هو إساءة عرض للعملية … فاهتمامه الأول إنما يتجه إلى الاندماج في القصيدة وامتلاكها … بكل ما فيها من امتلاء عيني.»١٧

ومن الطبيعي أن المعايير «كامنة» في نوع القراءة الذي يتحدث عنه ليفيس، ويمكننا أن نعبر عن نفس الفكرة بطريقة أوضح إذا قلنا إن ليفيس قد نما في نفسه ذوق معين، وبالتالي فهو «يبحث عن» أشياء معينة في العمل، ولكنه لا يحاول أن يقرأ العمل وقد «وضع المعيار نصب عينيه»، ولعلك تلاحظ أن ليفيس يضع «قارئ الشعر» إلى جانب «الناقد»، وبذلك يوضح أنه يصف الإدراك الجمالي ذاته، وعلى ذلك فإن الإدراك الجمالي لا يمكن أن يوصف بأنه «نقدي» ما لم نستخدم لفظ «نقدي» بطريقة مضللة.

ولقد استشهدت أيضًا برأي الأستاذ «باركر»، الذي يؤكد تأثير التعود والتكيف الجمالي السابق في التجربة الجمالية. وهو بدوره يذهب إلى أن «المعيار بالنسبة إلى كل قراءات الشعر» هو شيء كامن في جهازنا الإدراكي؛ فهو لا يستخدم من أجل التقدير الواعي: «(هذا المعيار) ليس مجرد أداة للحكم العقلي، ولتصنيف اللذات وترتيبها، وإنما هو يتحكم في نفس طبيعة اللذة ذاتها وشدتها، بقدر ما يحققه العمل الفني أو يتجاوزه أو يقصر دونه».١٨

•••

لقد قطعنا شوطًا بعيدًا في الفصل بين النقد والتأمل، وهناك من المفكرين من يسيرون خطوة أخرى ونهائية في هذا الاتجاه؛ فهُم يرون أن بين النقد والاستمتاع الجمالي من الاختلاف الشديد ما يجعل النقد أمرًا لا شأن له على الإطلاق بالتذوق؛ فهو عقيم فحسب؛ ذلك لأن النقد، بموقفه الخاص الذي يتخذه من الموضوع، وبمناهجه الخاصة، لا يستطيع بحال أن يفسر القيمة الجمالية للعمل الفني.

وها هي ذي الحجة التي يسوقونها لإثبات هذا الرأي: إن موضوع حكم القيمة هو العمل الفني، ونحن نحكم على العمل بأكمله لأن ما استمتعنا به جماليًّا هو العمل بأكمله، ونحن نقول إنه «جميل» أو «عظيم» أو أية صفة أخرى، ولكن هذا ليس إلا بداية التقدير، فكيف نستطيع الدفاع عن حكمنا؟ لا بد لنا من الكلام عن العمل في كليته، ولكن ما الذي يمكننا أن نقوله عنه؟ إنه هو ذاته — من حيث هو موضوع قيم بطريقة متميزة — فريد؛ فطبيعته المحددة لا يمكن أن توصف بعبارات عامة أو تصورات؛ إذ إن هذه الأخيرة تنطبق دائمًا على كثرة من الأشياء، ولكن ما نقدره في العمل هو فرديته الثمينة. ولهذا السبب كنا نرفض استبدال قصيدة بأخرى؛ فالأعمال الفنية ليست مترادفات. ومن هنا كان تأكيد الفيلسوف كروتشه أن العمل «فرد مصون، أي أنه هو الفرد الذي لا ينبغي أن يمسه التجريد التصوري إذا ما شئنا له أن يحتفظ بسلامته الجمالية».١٩
فإذا كنا لا نقدر على وصف العمل، فإن قدرتنا على الحكم عليه تكون أقل؛ فالتقدير يستخدم معايير أو مقاييس للحكم. وهذه المقاييس تحدد مختلف الطرق التي يمكن أن يمتاز بها العمل أو يخفق، وتقيس نجاحه في هاتين الناحيتين. ومن أمثلتها: «الوحدة الشكلية»، أو «القوة التعبيرية» أو القواعد التي تحدد «إحكام البناء» في مقطوعة شعرية من نوع السونيت sonnet أو قطعة موسيقية من نوع السوناتا. غير أن هذه دائمًا عامة، أي أن المفروض أنها تسري على عدة موضوعات من نوع معين. أما العمل المحدد، فهو ذاته فحسب، وقالبه أو شكله خاص به؛ فنحن نستطيع أن نحكم على السيارات وهي تخرج من الرصيف المتحرك في المصنع، أو على دبابيس الورقة أو التفاحات؛ لأنها كلها تنتمي إلى نوع واحد، ومن الممكن أن نضع مواصفات لما هو أنموذج جيد لهذا النوع. أما العمل الفني فهو «نوع بنفسه» من السونيت أو السوناتا، إن جاز هذا التعبير، فمن الممكن أن يخرق «القواعد» التي يحددها الكتاب المدرسي، ويظل مع ذلك عملًا ذا قيمة جمالية كبرى، فكيف يمكننا إذن أن نتوقع من الأحكام النقدية أن توفي القيمة التي نشعر بها في تجربتنا حقها؟

إن قواعد «الشكل الجيد» وما إلى ذلك تنطبق على أجزاء أو عناصر معينة من العمل، ومهما أكثرت من هذه القواعد، واستخدمت معايير «للأمانة التصويرية» أو «التأليف» أو «التوافق» أو أي شيء آخر، فستظل لا تدرك إلا سمات جزئية للعمل. أما ما هي هذه السمات، وكيف تكون لها قيمة، فهذا ما يتوقف على تفاعلها مع كل شيء آخر في العمل. ولهذا السبب كان في استطاعة العمل أن يخرق قواعد الجودة أو الرداءة في أحد أجزائه ويظل مع ذلك عملًا فنيًّا جيدًا، والأمر الذي لا يمكنك أبدًا أن تحيط به — على الأقل بواسطة النقد — هو الطابع «العضوي» للعمل الكامل، فإذا لم يكن في استطاعتك تقدير الكل، فلن تستطيع تقدير الأجزاء، ولن يكون في استطاعتك قطعًا أن تفهم قيمة الكل عن طريق مجرد الجمع بين قيم الأجزاء.

إن مفارقة النقد هي أن الطابع «العضوي» الفريد للعمل، أي طريقة إحساسنا بالعمل في مجموعه من خلال الإدراك الجمالي، تؤدي بنا إلى إصدار حكم القيمة؛ ومع ذلك فإن فردانية العمل الكامل هي التي تحول بيننا وبين إثبات الحكم. وفي رأي خصوم النقد أن هذه المفارقة كفيلة بهدم كل نشاط نقدي.

إن الموضوع الفني ليس مما يمكن التعبير عنه، أو الكلام حوله. إننا نستطيع أن نقول: «ما أجمله! انظر!» غير أن هذه حماسة، وليست نقدًا، وما دام الفن على ما هو عليه، فإن النقد مستحيل أساسًا.

•••

فكيف يستطيع النقد أن يدافع عن نفسه ضد أعدائه؟ إنه يخرج من المأزق الذي اقتيد إليه بطريقتَين:

أولاهما هي أن يواصل طريقه، على الرغم من نقاد النقد، ويحلل أجزاء العمل والعلاقات المتبادلة بينها، وكأنه يقول: لنفرض أن العمل الكامل «فريد» «ولا يقارن»، ولكنه ليس على أية حال بقعة مختلطة لا تمايز فيها. وهو ليس كعالم المتصوف، عندما يرى «الكل في الكل» دون أية أجزاء أو تمييزات داخلية، وكأنه مجرد، واحد، متجانس لا فواصل فيه، فلنتصور فروق اللون، والضوء، والموضوع في التصوير، وضروب التقابل والتوازن بينها. ولتصور الاختلافات داخل سيمفونية كلاسيكية: بين الحركة الأولى، وحركة «الاسكرتسو scherzo»، وبين مختلف الإيقاعات والتوزيع الموسيقي … إلخ. هذه فوارق يدركها المشاهد الخبير بحساسيته، وهي التي تجعل الكل «العضوي» على ما هو عليه، وبعد ذلك نستطيع في لحظاتنا النقدية، أن نقوم عناصر العمل، ولما كانت هذه أجزاء من العمل، فمن المؤكد أن حديثنا ينصب على «العمل»، وأننا نعمل على تأييد الحكم القائل إن «العمل قيم من الوجهة الجمالية».

ومع ذلك فنحن ما زلنا نتحدث فقط عن أجزاء العمل، ولكن أعداء النقد يؤكدون أن جودة الكل ليست مجموع قيم أجزائه، وهنا نجد أنفسنا إزاء سؤال ضخم في «منطق النقد»: فكيف نستطيع أن نستدل على قيمة الكل من عدد من الأحكام المنصبة على الأجزاء؟ إذا قدرنا العلاقات التشكيلية، والقيم اللونية، والتوازن، في لوحة ما، وظلت اللوحة مع ذلك شيئًا يزيد على هؤلاء مجتمعين، فكيف يمكن أن يؤدي تحليلنا إلى دعم تقدير العمل «الكامل»؟

ليس ثمة إجابة بسيطة وواضحة عن هذا السؤال العسير، الذي هو بالفعل سؤال أساسي بالنسبة إلى كل نقد، ومع ذلك لا ينبغي أن نستدل من هذا على أن النقد عقيم.

فمن الملاحظ أولًا — وإن لم تكن هذه هي المسألة الأساسية — أن عناصر بعض الأعمال الفنية يمكن تقديرها بمعزل عن العمل الكامل، فليس من الصحيح دائمًا أن قيمة الجزء تتوقف على موضعه في الكل؛ فقد نتذوق الجرس والوزن في قصيدة، ونتجاهل عمدًا معناها العقلي، ولا بد لنا أن نتذكر أنه ليست كل الأعمال الفنية أمثلة كاملة للوحدة العضوية؛ فالاعتماد المتبادل التام بين الأجزاء والكل أقرب إلى أن يكون مثلًا أعلى للفن، منه إلى أن يكون حقيقة وصفية عن الأعمال الفنية، وقد يتحقق هذا المثل الأعلى في بعض الأعمال، ولا سيما الأعمال الصغيرة، ولكن في كثير من الأعمال نجد أن المادة المحسوسة غير متمشية مع ما يفترض أنها تعبر عنه. وكثيرًا ما تكون في الأعمال الضخمة «بقع ميتة» لا ترتبط ارتباطًا حيويًّا بالفقرات أو المجالات الأخرى للعمل، وبالكل. والأرجح أن حجة خصوم النقد تبدو أقوى مما هي عليه في حقيقتها نظرًا إلى أنهم يغفلون هذه الحقيقة.

ومع ذلك فلا يمكن تفنيد حجهم على أساس هذه النقطة؛ ذلك لأنك لو تأملت «جزءًا» كبيرًا بما فيه الكفاية من العمل، مثل بناء الخط والكتلة والعمق في تصوير ذي موضوع، لأصبح هذا الجزء «كُلًّا» جماليًّا قائمًا بذاته. كذلك فإن هناك بالفعل كثيرًا من الأعمال ترتبط فيها الأجزاء والكل ارتباطًا وثيقًا في «وحدة عضوية».

وإذن فعلى النقد الفني أن يقدم إجابة أقوى يرد بها على خصومه. ولا بد أن يبين أنه يعترف بأهمية العلاقة بين الجزء والكل، وأن الناقد يستطيع أن يعمل حسابًا لهذه العلاقة في أدائه لعمله.

ومرة أخرى نبدأ بالتسليم بأن طبيعة العمل الكامل «فريدة»، وبالتالي فإنها إذا شئنا الدقة، «مما يعجز عنه التعبير»، وهذا يعني ببساطة أن الناقد لا يستطيع أن يصل بالكلمات إلى ما نحس به إزاء العمل خلال الانتباه الجمالي المستغرق (ولو كان يستطيع، لكانت قراءة النقاد تغني عن مشاهدة الأعمال الفنية). ولكن لا يترتب على ذلك أن الناقد لا يستطيع أن يقول شيئًا عن قيمة العمل الكامل. فهو ليس مضطرًا إلى أن يكتم فمه بيديه، بل إننا نستطيع أن نقول، ونقول بالفعل، أشياء عن العمل الكامل تتسم بأنها ذات معنى وبأنها مضبوطة، في حدود معينة.

فلنتصور الاختلافات في الأوصاف المعبرة عن القيمة، إننا نصف بعض الأعمال بأنها «جميلة»، وغيرها بأنها «بديعة»، وأخرى بأنها «قبيحة»، وغيرها بأنها «جليلة».٢٠ وكل من هذه الألفاظ يوحي بنوع القيمة التي يملكها العمل، وكيف يختلف عن الأعمال الأخرى، ونستطيع أن نبرر استخدامنا لأي من هذه الألفاظ بطريقة محددة، بأن نشير إلى بناء العمل ونوع الاستجابة الجمالية التي يثيرها. وفي حالات أخرى نستطيع، باستخدام نفس الأساليب، أن نبين أن اللفظ قد استخدم بطريقة غير صحيحة؛ فالطابع «العضوي» للعمل ليس سرًّا مستغلقًا لا يمكن الكلام عنه بطريقة معقولة، كما أن استخدام ألفاظ عامة في صدده لا يؤدي إلى تشويهه أو هدمه.
والأهم من ذلك أننا نستطيع أن نصف الطابع الكلى للعمل بتفصيل أكبر كثيرًا، وبطبيعة الحال فإن ألفاظًا مثل: «جميل» و«بديع» وغيرها، ليست إلا أوصافًا تقريبية، وفي استطاعة الناقد أن يقدم ما هو أكثر منها، فعندما يعجبه طابع العمل في تجربته الخاصة، يستطيع، إذا كان بارعًا في استخدام الألفاظ، أن يعطينا على الأقل إحساسًا معينًا «بمذاق» العمل في الإدراك الجمالي وأغلب الظن أنك قرأت أوصافًا مثيرة كهذه عن طبيعة العمل ومستواه. والاسم الذي يستخدم عادة للدلالة على هذا النوع من النقد له طرافة خاصة؛ فهو يسمى «تذوقًا appeciation». مثل هذا النقد لا يقف عند حد التحليل المحض، بما فيه من إعطاء درجات لأجزاء العمل، بل يسير نحو الإدراك الجمالي ذاته وهو يحاول التعبير عن الطابع المباشر والسمة الكلية في التجربة الجمالية.

وهكذا فإن طابع العمل الكامل ليس مما يعجز عنه التعبير تمامًا، ولكن الأهم من هذا كله أن الناقد يستطيع أن يحيط بالعمل الكامل أثناء تحليله للأجزاء، وهو ليس مضطرًّا إلى الوقوع في خطأ الفصل بين الأجزاء وبين الكل، وهو الخطأ الذي يتهمه به أعداؤه.

وكما رأينا من قبل، فإن فهم الأهمية الجمالية للعمل الكامل ينمو ببطء، ولكن من المحتم على الناقد أن يفهم «ما يحاول العمل أن يفعله»، جماليًّا؛ فعندئذٍ فقط يستطيع أن يحكم على أجزاء العمل بطريقة واعية؛ ذلك لأن خصوم النقد على حق حين يؤكدون أن قيم الأجزاء تتوقف على علاقاتها المتبادلة في سياق الكل. «ولو لم توجد وجهة نظر موحدة … لانتهى النقد إلى تعداد للتفاصيل يكون مملًّا بقدر ما هو غير مطلوب»٢١ أما عند توافُر «وجهة النظر الموحدة»، فإن حديث الناقد لن يكون منصبًّا على أجزاء منفردة فحسب، بل إنه في جميع الحالات سيدرس الجزء كما يؤدي وظيفته في الكل، ومن هنا فإنه سيتجنب عندئذٍ التطبيق الآلي «لقواعد عامة»، وهو التطبيق الذي يكون في معظم الأحيان مضللًا، كما يؤكد خصوم النقد. وعندما يتحدث الناقد عن «التشويه» أو «التوازن» أو «الصدق»، سيتحدث عنها كما توجد في هذا العمل بعينه، وسوف يحترم فردانية العمل.

وهكذا فإن النقد لا ينبغي عليه أن يكتفي بتجاهل حجج خصومه، حتى لو كان يرفض قبول النتيجة التي يصل إليها هؤلاء الخصوم، أي يرفض الانتحار، فمن الواجب أن يتعلم النقد من حججهم. وعلى النقد ألا ينسى أبدًا أن العمل الكامل هو الذي يُحكم عليه آخر الأمر، وأن كل ما يقوله الناقد ينبغي أن يُنظَّم على أساس هذه الحقيقة.

ومجمل القول إن النقد يدافع عن نفسه أولًا بقوله إننا نستطيع التحدث بطريقة لها معنى عن الكل. والدفاع الثاني، والأهم، هو أن ما نقوله عن الأجزاء لا يتعين عليه أن يكون عقيمًا ومضللًا. وقد لا تقنع هذه الحجج أولئك الذين يؤكدون أن العمل هو «ذاته فحسب»، وبالتالي لا يمكن التعبير عنه (ولكن أية حجج تقنع هؤلاء؟) وهم على أية حال أصحاب الكلمة الأخيرة، فمهما كان عمق التحليل النقدي ودقته، ومهما كان الإحساس بالكل متحكمًا فيه، فإن النقد لا يمكن أن يكون بديلًا للإدراك الجمالي للعمل المنفرد. إن العمل الفني شيء، والكلام عنه شيء آخر، تمامًا كما أن الموقف الجمالي شيء والموقف النقدي شيء آخر، ولو نسي النقد ذلك، أو حاول أن يحل محل الإدراك الجمالي على نحو ما، لكان في هذا إفلاس له؛ ذلك لأنه يسيء عندئذٍ فهم وظيفته، ولا مفر له في هذه الحالة من أن يضر بأولئك الذين يقرءونه؛ لأنه يغريهم بالاعتقاد بأن تجربهم الجمالية الخاصة لا ضرورة لها. هذا النوع من النقد يستحق منا أن نحمل عليه بنفس الشدة التي حمل بها خصوم النقد على كل نقد بوجه عام.

المراجع

ريدر: مرجع حديث في علم الجمال، ص٤٧٠–٤٧٩.

فيفاس وكريجر: مشكلات عالم الجمال، ص٤١٤، ٤١٨، ٤٣٠–٤٣٦.

بوس، جورج: بيجاسوس بلا أجنحة. الفصل السابع.

Boas, George, Wingless Pegasus (John Hopkins Press, 1950).

جلبرت، كاثارين: دراسات جمالية، ص١١٥–١٢٤.

Gilbert, Katharine, Aesthetic Studies (Duke U.P., 1952).

ليفيس، ف. ر: المسعى المشترك، ص٢١١-٢١٢.

Leavis, F. R., The Common Pursuit (N. Y., George W. Stewart, 1952).

لوبلي، ري (الناشر): القيمة: دراسة تعاونية.

Lepley, Ray, ed., Value, A Cooperative Inquiry (Columbia U.P., 1949).

ليويس: تحليل للمعرفة والتقويم. الفصل الرابع عشر.

Lewis, C. I., An Analysis of Knowledge and Valuation.
(La Salle, Illinois. Open Court, 1946).

أوزبورن: علم الجمال والنقد. الفصلان الأول والثاني.

H. Osborne, Aesthetics and Criticism.

ستولنيتز، جيروم: «في التقويم والتقدير الجمالي»، ٤٦٧–٤٧٦.

Stolnitz, Jerome, “On Esthetic Valuing and Evaluation,” Phil. and Phen. Research, vol. XIII (June, 1953).

أسئلة

  • (١)

    قال الفيلسوف جون ديوي إنه بعد أن نتفحص ونفكر في تفضيل تلقائي (تقويم)، ونجده جديرًا باهتمامنا، أي ليست له نتائج أليمة … إلخ، فإن هذا التقدير الإيجابي يؤدي إلى فارق في الطابع الذي نشعر به لتفضيلنا هذا؛ «فحتى في وسط الاستمتاع المباشر، يكون هناك إحساس بالصواب، وبالارتكان إلى سلطة، يضاعف من متعتنا» (البحث عن اليقين).

    (The Quest for Certainty (N. Y., Monton, Balch, 1929)) ص٢٦٧.

    هل ترى أن هذا يصدق على تجربتك الخاصة؟ وهل تستطيع الإتيان بأمثلة؟ وإذا كان هذا يصدق على التجربة الجمالية، فهل تعتقد أن هذه الزيادة في الاستمتاع نتيجة لعوامل جمالية أم غير جمالية؟ ألا يجوز أنها راجعة إلى عوامل أخلاقية، أي مثلًا إلى إدراك أن تذوق العمل لن يسبب لي ألمًا في المستقبل، أو إلى عوامل اجتماعية، أي مثلًا إلى كون الناس الآخرين بدورهم ينظرون إلى العمل بعين التقدير؟ ومتى يؤدي التقدير الإيجابي إلى زيادة القيمة لأسباب جمالية؟

  • (٢)

    هل هنالك أية أعمال فنية تقول عنها، من تجربتك الخاصة؟ «أحب هذا ولكني أعلم أنه ليس جيدًا» أو «أنا أعلم أنه جيد ولكني لا أحبه»؟ وما هي الأسباب التي تدفعك إلى هذا القول في كل حالة؟

  • (٣)

    هل هناك أي أعمال فنية أدى التحليل النقدي إلى «تخريبها» بالنسبة إليك؟ وهل هذا راجع إلى أن النقد كشف عن عيوب في العمل أو إلى أسباب أخرى؟

  • (٤)

    بأي معنًى تعتقد أن التجربة الجمالية «نقدية»، إن كان من الممكن أن تكون كذلك؟ وهل تعتقد أن التجربة تكون لها أعظم قيمة عندما يكون المدرك «في حالة نقدية»؟

  • (٥)

    «إن مشكلة (النقد) ليست مشكلة تحليل الكل إلى عناصره، وإنما هي مشكلة إدراك أوجه الكل» (موريس: العملية الجمالية ص١٥٦).

    Morris, The Aesthetic Process.

    ما هو بالضبط التمييز الذي يحدد هنا؟ وما هي في رأيك دلالة هذا التمييز بالنسبة إلى التفكير النظري في النقد والممارسة العملية له؟

١  ديويت باركر De Witt H. Parker، في كتاب: «القيمة: بحث تعاوني Value, A Cooperative Inquiry» نشره «راي لوبلي Ray Lepley».
(Columbia U.P., 1949) p. 427.
٢  الإحساس بالجمال، ص١٦٦.
٣  انظر من قبل، القسم الثاني من الفصل الثالث.
٤  تولستوي: المرجع المذكور من قبل، ص١٩٤.
٥  دونالد أ. ستاوفر Donald A. Staufer: «مقدمة» كتاب «مقصد الناقد» The Intent of the Critic، نشره ستاوفر. (Princeton U.P., 1941) ص١٢.
٦  ليويس: تحليل للمعرفة والتقويم ص٤٤٢.
C. I. Lewis, An Analysis of Knowledge and Valuation (La Salle, Illinois, Open Court, 1946).
٧  انظر فيما بعد القسم الثالث من الفصل السادس عشر.
٨  جوتشوك: الفن والنظام الاجتماعي، ص٤.
٩  انظر من قبل الفصل الثالث، القسم الثالث.
١٠  المرجع المذكور من قبل، ص٤٤٢، ٤٤٣.
١١  انظر من قبل الفصل الثالث، القسم الثالث.
١٢  هكذا في الأصل، والأرجح أن المقصود هو «تجربتنا الإستطيقية».
١٣  جيروم ستولنيتز: (في التقويم والتقدير الجمالي) ص٧٢٤ (مقال).
Jerome Stolnitz, “On Esthetic Valuing and Evaluations, Phil, and Phen. Research, XIII (1953).
١٤  في كتاب «لوبلي Leply» المذكور من قبل، ص٢٢٨.
١٥  هارولد أوزبورن: «علم الجمال والنقد» ص٣١.
Harold Osborne, Aesthetics and Criticism (N. Y., Philosophical Library, 1955).
١٦  ليويس، المرجع المذكور من قبل، ص٤٤٢.
١٧  «النقد الأدبي والفلسفة Literary Criticism and Philosophy» في كتاب السعي المشترك The Common Pursuit ص٢١٢-٢١٣.
١٨  المرجع المذكور من قبل، ص٢٢٩.
١٩  ووك. ويمزات الابن، وكلينث بروكس: النقد الأدبي: تاريخ موجز.
W. K. Wimsatt, jr. and Kleanth Brooks, Literary Criticism, A Short History (N. Y., Knopf, 1957).
٢٠  انظر من قبل القسم الأول من الفصل الحادي عشر.
٢١  ديوي: الفن بوصفه تجربة، ص٣١٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤