الفصل السادس

النظرية الشكلية

(١) الفن الحديث – أصل النزعة الشكلية

تعد النظرية الشكلية (formalist) نقيضًا لنظرية «المحاكاة» في نواحٍ متعددة. فعلى حين أن نظرية «المحاكاة» أقدم نظرية في الفن، فإن النظرية الشكلية، بالصورة التي سندرسها بها ها هنا، هي واحدة من أحدث النظريات. وعلى حين أن الإنسان «العادي» كان على الدوام يؤمن، بطريقة غير نقدية، بنظرية المحاكاة، فإن النظرية الشكلية هي تحدٍّ مباشر لاعتقادات «الناس البسطاء»، فهي تحاول أن تبين أن ما يعده «الرأي المعتاد» فنًّا، ليس في حقيقته فنًّا على الإطلاق وأن معظم الناس يأتون إلى الفن من غير الطريق الصحيح، وبالتالي تفوتهم قيمته. غير أن أهم اختلاف هو أن نظرية المحاكاة تؤكد، كما رأينا، العلاقة الوثيقة بين الفن وبين التجربة الإنسانية خارج مجال الفن؛ فالفن إما أن يكون «مرآة» مباشرة «للحياة»، وإما أنه ينهل من الحياة ويحاول إيضاحها. أما النزعة الشكلية فتعارض هذا الموقف تمامًا؛ فهي ترى أن الفن الصحيح منفصل تمامًا عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة المعتادة؛ فالفن عالم قائم بذاته، وهو ليس مكلفًا بترديد «الحياة» أو الاقتباس منها. وقيم الفن لا يمكن أن توجد في أي مجال آخر من مجالات التجربة البشرية؛ فالفن، إذا شاء أن يكون فنًّا، ينبغي أن يكون مستقلًّا مكتفيًا بذاته.

وهكذا نستطيع أن نفهم النظرية الشكلية على أنها تحدٍّ قوي لنظرية «المحاكاة»، بل إنها في الواقع أقوى تحدٍّ لهذه النظرية القديمة العهد في تاريخ علم الجمال. غير أن الأمر ليس مجرد حرب بين المفكرين النظريين في الفن، وإنما بدأت الحرب بين الاتجاه إلى المحاكاة والاتجاه إلى الشكلية فيما بين الفنانين أنفسهم. وقد دارت رحى هذه الحرب في مجال الفنون البصرية، أي التصوير والنحت، خلال السنوات المائة الأخيرة. ولم تظهر النظرية الشكلية إلا بعد أن توطد في هذه الفنون فهم جديد كل الجدة لطبيعة الفن وقيمته.

ومن هنا فإنا لا نستطيع أن نفهم هذه النظرية إلا إذا عرفنا شيئًا عن اتجاهات التصوير والنحت التي نشأت منها النظرية. وسيكون العرض التاريخي الذي نقدمه فيما يلي موجزًا بالضرورة،١ ولكنه عرض لا غناء عنه. ومن الممكن، فضلًا عن ذلك، أن يكون في هذا العرض تعريف للطالب الذي لم يألف التصوير بأشد الحركات إثارة وحيوية في تاريخ الفن القريب العهد — وأعني بها ما يسمى «الفن الحديث».
هذا هو نوع الفن الذي يرتبط في الذهن العادي باللوحات التي «لا تشبه شيئًا»، وبصور الفتيات التي يبدو فيها المنظور الجانبي والأمامي لوجوههن على نفس المستوى، وبصور الأرجل التي لا جسم لها، والساعات المذابة، فلا عجب أن نجد كثيرًا من الناس، المتشبعين بنظرية «المحاكاة»، يعدون هذا الفن دجلًا، أو نتاجًا للعجز الفني، أو استعراضًا يرمي إلى أن «يصدم البرجوازية». ولقد كان واحد من أشهر أعمال النحت الحديث، وهو قطعة «طائر في الفضاء» لبرانكوزي Brancusi (انظر اللوحة رقم ١٧) موضوعًا لقضية مشهورة في العشرينات من هذا القرن. ولما كانت القطعة، على حد تعبير أحد قضاة المحكمة، «لا تحمل شبهة لطائر»، فقد قرر موظفو الجمارك أنها ليست عملًا فنيًّا، وبالتالي لا يمكن أن تدخل الولايات المتحدة بدون رسوم جمركية. وفي المحاكمة التي جرت اعتراضًا على هذا القرار، طرح ممثل الحكومة هذا السؤال: «إن السيد برانكوزي يدعي أن هذا الشيء يمثل طائرًا، فهل لو صادفت طائرًا محلقًا كهذا وأنت تصطاد أكنت تطلق عليه النار؟» ومع ذلك فإن القضاة حكموا لصالح المثَّال، في حكم يعد منذ ذلك الحين كلاسيكيًّا، وفيه اعترفوا «بتأثير المدارس الفنية الحديثة»، التي غيرت مفهومنا عن «الفن».
فما هي هذه المدارس؟ لنعد إلى الوراء قرنًا من الزمان. ولنستمع إلى كلايف بل Clive Bell، وهو واحد من أبرز أنصار الزراعة الشكلية، إذ يقول: «في أواسط القرن التاسع عشر كاد الفن أن يكون ميتًا كأقصى ما يمكن أن يموت الفن».٢ وكان قدر كبير من هذا الفن «أكاديميًّا»، بالمعنى السيئ لهذا اللفظ، هدفه هو المحاكاة الحرفية لأناس متأنقين ومناظر جذابة على شاطئ البحر أو في الريف، ولكن ظهرت حركة حيوية جديدة قطعت على هذه الفترة الراكدة سكونها — هي حركة «الانطباعيين impressionists» الفرنسيين؛ فقد كان هؤلاء المصورون يهدِفون إلى الوصول إلى تأثير اللون والضوء والظل في موضوعات تجربتنا البصرية. ولما كانوا أساسًا معنيين بأمثال هذه «الانطباعات»، فقد كانوا أقل من معاصريهم اهتمامًا بالقيمة أو الأهمية الباطنة «للنماذج» التي يصورونها. فكان يتساوى في نظرهم أن يصوروا لون الجو عن طريق رسم كومة من القش في الهواء الطلق، أو كاتدرائية روان (وقد استخدم مونيه Monet الاثنين معًا) وهكذا فإن الانطباعية استبقت فكرة من أهم الأفكار «الفن الحديث»؛ وهي أن «الموضوع» أو الحادث الذي يعرضه التصوير له أهمية ضئيلة نسبيًّا. وهناك ناحية أخرى كان للانطباعيين فيها تأثير كبير على الفن اللاحق، وإن كان في هذه المرة تأثيرًا غير مباشر. فنظرًا إلى اهتمامهم بمظهر الضوء واللون في العالم، فقد ركزوا انتباههم على السطوح الخارجية للأشياء. وهكذا اتجهوا إلى الإقلال من تكتل الموضوعات التي يصورونها وصلابتها، بل إن موضوعًا يبلغ من الصلابة والضخامة ما تبلغه كاتدرائية روان أو قصر «الدوج» في البندقية (انظر اللوحة رقم ١٨) أصبح عند مونيه خافتًا مائعًا. لهذا السبب يبدو هذا التصوير في كثير الأحيان بلا قوام، بل يبدو هشًّا؛ فهو يفتقر إلى التكتل الذي نجده بكل وضوح في النحت والعمارة، والذي حققه المصورون الأسبق عهدًا، مع ذلك، في مجالهم الفني الخاص.
هذا النقص هو الذي أظهر إلى الوجود أعمال أبي «الفن الحديث». فإذا كان ثمة رجل واحد يمكن أن يقال عنه إنه ألهم الحركات الفنية الرئيسية في الأعوام الخمس والسبعين الأخيرة، فهذا الرجل هو سيزان. وبفضله اتخذ لفظ «الشكل أو القالب form» مكانة جديدة، أصبح بفضلها هو الأصل في تسمية النظرية الشكلية.

أخذ سيزان على عاتقه أن يعيد للتصوير متانة بنيانه وصلابته؛ فالناس والأشياء التي تؤلف موضوعات أعماله لها صلابة حقيقية، بل إن لها قيمة وكرامة خاصة بها، كما في لوحة «لاعبي الورق» المشهورة (انظر اللوحة رقم ١٩). وهو يستخدم اللون من أجل التعبير عن «ثقل» الأشياء أو تكتلها. ولا يقل عن هذا أهمية ذلك العمق الكبير الذي تتسم به لوحات سيزان. وهكذا نراه يستطيع أن يخلق تجاوبًا إيقاعيًّا بين العلاقات المكانية التي تمتد من وراء مسطح الصورة، فتنتقل عين المشاهد فوق المسطحات المتداخلة للوجه، ويشعر نتيجة لذلك بالحركة والتوتر. هذه «العلاقات التشكيلية» بين الكتل المصورة تؤلف جزءًا من معنى «الشكل أو القالب» عند سيران.

وهكذا فإن قيمة العمل تتمثل في التنظيم الشكلي للعناصر التصويرية، من خط وكتلة ومسطح ولون؛ فالاهتمام إذن ينصب على ما هو كامن وفريد في التصوير، أي على ما لا يمكن إيضاحه أو إدراكه على أي نحو آخر. وتترتب على ذلك نتيجتان هامتان؛ أولاهما أن سيران يلجأ، في سعيه إلى تحقيق هذه القيم الشكلية، إلى «تحريف» ملحوظ لما هو معطًى في الطبيعة؛ فالهيئة البشرية، والشجرة، والمنظر الطبيعي الذي كان أنموذج سيران، يطرأ عليها تغير يرمي إلى تلبية حاجات التصوير. وبذلك يتخلى الفنان عن «المحاكاة». وفضلًا عن ذلك فإن عمل سيزان هو خطوة أخرى نحو الإقلال من أهمية موضوع التصوير؛ فعدد من أعظم لوحاته يصور موضوعات لها أهمية ضئيلة في «الحياة الواقعية»؛ كالتفاح والبرتقال وأكواب الماء، وبالمثل قد يدهشنا أن نعلم أن معاصره ديجا Degas، الذي اشتهر بتصويره الساحر المؤثر لراقصات الباليه؛ كان يعد موضوع تصويره مجرد «حجة من أجل الرسم». كما قال المثال رودان Rodin إن «امرأة، أو جبلًا، أو حصانًا» تتساوى كلها في الأهمية بالنسبة إلى أغراض النحت.
وهكذا فإن المصورين والنحاتين أرسوا، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، دعائم قوية للاستقلال الذاتي للفن؛ فليس الفن معتمدًا على «الحياة» أو مسئولًا أمامها، بل إن أهدافه وقيمه خاصة به وحده. وكما قال الفنان ليجيه Léger فيما بعد، عام ١٩٣٥م: «فخلال السنوات الخمسين الماضية كان جهد الفنانين كله ينحصر في الصراع من أجل تحرير أنفسهم من … القيود القديمة.»٣ ومع ذلك فإن الفنانين الذين ذكرنا أسماءهم منذ قليل كان لديهم في أعمالهم قدر غير قليل من «المحاكاة»؛ إذ كانوا يصورون موضوعات يمكن إدراك مشابهتها الموضوعات التجربة المعتادة. وبعد حلول القرن الجديد، اتجه الفنانون إلى استبعاد جميع آثار «التمثيل representation»؛ فالقيم التشكيلية واللونية للتصوير يمكن أن تستغل على أكمل نحو عندما لا يكون العمل مضطرًّا إلى الاهتمام بمشابهة الواقع. ويقول المصور كاندينسكي Kandinsky: «إن الفنان يحرر نفسه من الموضوع؛ لأن هذا الأخير يحول بينه وبين التعبير عن نفسه بالوسائل التصويرية الخالصة وحدها.»
ويصف مؤرخ الفن «موريس رينال»، لوحة بيكاسو «صبايا أفينيون Les Demoiselles d’Avignon»، (انظر اللوحة رقم ٢٠)، التي تمت عام ١٩٠٧م، فيقول: «إنها كانت تعبر عن ثورة في فن التصوير واستبصار جديد بالواقع.»٤ ولقد كانت الدراسات التمهيدية التي قام بها الفنان قبل إنجاز العمل نهائيًّا تلخص تطور هذه «الثورة».٥ ففي البداية كان المقصود من العمل أن يكون تمثيليًّا، بل كان له شيء من الدلالة الأخلاقية. وفي الدراسات التالية أخذ البناء الشكلي للعمل يزداد أهمية، حتى انتهى الأمر إلى حذف العنصر الأخلاقي «لصالح تكوين يتألف من هيئة شكلية خالصة، تزداد بالتدريج، أثناء تطورها، تجريدًا وانتزاعًا للقوام الإنساني».٦ وفي العمل النهائي انقسمت الوجوه والأجسام إلى تصميمات من الزوايا والمسطحات. وبالمثل فإن الألوان في أجزاء الجسم كانت في كثير من الأحيان بعيدة كل البعد عن أية مشابهة مع الحياة. وفي حركة «التكعيبية»، التي انبثقت عن لوحة «صبايا أفينيون»، أصبحت الموضوعات الطبيعية تعامل بطريقة أكثر تجريدًا حتى من ذلك؛ فهي «تُحلَّل» إلى تصميمات للسطوح، بطريقة تبلغ في كثير من الأحيان من الابتعاد عن الواقع حدًّا لا نستطيع معه أن نعرف ما هو الأنموذج إلا عن طريق عنوان اللوحة. غير أن هذا أمر لا أهمية له. وكما يقول «ليجيه Léger»، «إن السؤال: ما الذي يمثله هذا؟ هو سؤال لا معنى له.»٧ والمهم في الأمر هو خلق تصميم هندسي يتميز في صميمه بأنه يجذب العين ويأسرها. وأخيرًا، تم التخلي حتى عن أية علاقة واهية «بالواقع»؛ ففي الفن «اللاموضوعي»، مثل فن كاندينسكي، وموندريان Mondrian والتفوقيين Suprematists،٨ لا يوجد موضوع للتصوير على الإطلاق، بالمعنى الصحيح للكلمة الموضوع؛ فاللوحة إنما هي تشكيل من الخطوط الملونة والأقواس وغيرها من الأشكال. وهي لا تصور أشياءً أو أناسًا. ومن هنا كان الفنان يضع لها عناوين مثل «خط محوري» أو «تكوين بالأبيض والأسود والأحمر» (انظر اللوحة رقم ٢١). وكما يقول مؤرخ الفن «فنتوري»، فإن الهدف التقليدي للفن الغربي، وهو «المحاكاة»، قد نُبِذ لصالح «الخلق».

•••

ولما كان الفن الحديث، حتى في وقتنا الحالي، ما زال يُقابَل بِعداء وازدراء شديدين، فليس من المستغرب أن نعلم أنه كان طوال تاريخه يفتقر إلى الجماهير المتعاطفة المقدرة له؛ فالذهن البشري محافظ في ميدان الفن كما هو في معظم الميادين الأخرى، ونظرًا إلى أن الفن الحديث، وبخاصة في هذا القرن، قد انشق على الماضي بمثل هذا العمق، فليس من الممكن أن يقدره أولئك الذين يقبلون عليه بنفس الطريقة التي كانوا ينظرون بها إلى فن العهود السابقة، فلو بحثوا فيه عن تصوير لموضوعات طريفة أو بديعة أو بطولية، فإن أملهم سيخيب. ولو لم يتصفوا بالصبر والتسامح الذي يتيح لهم اكتساب ألفة بالعمل،٩ فسوف يرفضونه على الفور.
وهكذا كان على الفنان الحديث أن يشق طريقه ضد المشاعر العدائية التي كان يلقاها من أولئك الذين كان يمكن أن يكونوا جمهورًا له؛ من عدم اكتراث، وجهل، وسوء فهم، و«عمًى»، بمعنى يقرب من المعنى الحرفي لهذه الكلمة. وقد احتج المصور «ويسلر Whistler»، منذ عام ١٨٧٨م، على رفض الناس أن ينظروا إلى عمله على أنه تكوين لوني كامن، فقال:
«إن الغالبية العظمى من الجمهور الإنجليزي لا تستطيع ولا تريد أن تنظر إلى الصورة على أنها صورة، بمعزل عن أية حكاية يفترض أنها تحكيها. وتُعَد لوحتا «انسجام باللونين الرمادي والذهبي» مثلًا واضحًا للمعنى الذي أقصده؛ فهي منظر ثلجي ليس فيه إلا شكل أسود واحد، وكوخ مضاء. فأنا لا أعبأ بشيء عن ماضي أو حاضر أو مستقبل الشكل الأسود الذي وُضع هناك؛ لأن الأسود كان لازمًا في هذه البقعة. وكل ما أعرفه هو أن الجمع الذي ألفته بين الرمادي والذهبي هو أساس الصورة، ولكن هذا بعينه هو ما يعجز أصدقائي عن إدراكه».١٠

فالنظرية الشكلية في الفن ظهرت بوصفها احتجاجًا على هذا النوع من سوء الفهم لدى الجمهور الفني، وكمحاولة لتعليم الناس تذوق التصوير والنحت المعاصرين. أي أن النزعة الشكلية دفاع نظري عن الفن الحديث.

(٢) النزعة الشكلية – نظرية «النقاء» الفني والجمالي

كان المفكران الشكليان البارزان، كلايف بل Clive Bell وروجر فراي Roger Fry ناقدَين فنيَّين وجدا أنفسهما يكتبان لجمهور لم يكن يستطيع أو يريد تذوق أهم حركة فنية في عصرهما. وقد وجدا أن الناس يبحثون في الفن عن تصوير لموضوعات «الحياة الواقعية»، ويستجيبون للتصوير وكأنه هو «الحياة»: «فإزاء العمل الفني، يشعر الناس الذين لا ينفعلون بالشكل الخالص إلا قليلًا، أو لا ينفعلون به على الإطلاق، بالحيرة الشديدة؛ فهم أشبه بالأصم في قاعة الموسيقى … وهكذا يقرءون في قوالب العمل أو أشكاله تلك الوقائع والأفكار التي يمكنهم أن يشعروا بالانفعال إزاءها، ويحسون نحوها بالانفعالات التي يمكنهم الإحساس بها، وهي الانفعالات المألوفة في الحياة … فهم يعاملون … اللوحة وكأنها صورة فوتوغرافية.»١١ فهم إذن يعجزون عن الشعور بالقيم المميزة والثمينة في الفن. وهكذا أعلن «بل» شعار الحملة التي يتعين على أنصار الشكلية أن يشنوها: «هل نستطيع أن تحض الجماهير الغفيرة على أن تبحث في الفن عن النشوة، لا عن التهذيب؟»١٢

ويتبع أنصار الشكلية استراتيجية جريئة. فهم يحاولون أن «يحضوا الجماهير الغفيرة» بإقناعها بأن ما تعده «فنًّا» ليس في واقع الأمر فنًّا على الإطلاق، وبأن ما تعده تذوقًا جماليًّا ليس إلا إفسادًا للإدراك الجمالي الصحيح؛ فاللوحات التي تقتصر على تصوير موضوعات «الحياة الواقعية» وحوادثها ليست «فنًّا جميلًا» بالمعنى الصحيح. وعندما يرى الناس في التصوير مجرد تمثيل «للحياة الواقعية» فإنهم يكونون عندئذٍ مفتقرين إلى التجربة الجمالية الأصلية، وعلى حين أن عامة الناس كانت تعتقد أن الفن الحديث ليس إلا تزييفًا للفن أو طمسًا لمعالمه، فإن «بل، وفراي» يتخذان الموقف المضاد؛ فالفن الحديث هو وحده الذي يمكن أن يُسمَّى «فنًّا جميلًا».

•••

ويطلق بل اسم «التصوير الوصفي»، أي الفن غير الصحيح، على «اللوحات الشخصية ذات القيمة النفسية والتاريخية … والصور التي تحكي حكايات وتوحي بمواقف، وجميع أنواع الرسوم التمثيلية»؛١٣ ففي هذه الأعمال «لا يكون ما يؤثر فينا هو الأشكال أو القوالب، وإنما الأفكار أو المعلومات التي توحي بها أو تنقلها هذه القوالب».١٤ وتتوقف أهمية هذه الأعمال في نظرنا على الاهتمام الذي نبديه بالشخص أو الحادثة التاريخية التي تصورها. ومن هنا فإن انتباهنا يتحول من التصوير إلى «الحياة الواقعية»، ولا تكون قيمة التصوير عندئذٍ كامنة في العمل ذاته. ويقول فراي إنه «بقدر ما يعتمد الفنان على الأفكار المتداعية للموضوعات التي يصورها، لا يكون عمله حرًّا خالصًا تمامًا.١٥ ولا ينكر بل أو فراي أن لهذه الأعمال أهمية «نفسية» كبيرة بالنسبة إلى المشاهد، ولكنهم يرون أن أمثال هذه الأعمال لا تشبه التصوير الحقيقي إلا سطحيًّا، من حيث إنها تستخدم الأصباغ والقماش. غير أنها ليست تصويرًا حقيقيًّا، واستجابتنا لها لا بد أن تكون «غير نقية».
فما هو الفن الحقيقي إذن؟ إن المناقشة السابقة تمهد لنا طريق الإجابة؛ «فالفن الجميل» (وكلامنا الآن مقتصر على الفنون البصرية وحدها) يُعرف بأنه «العناصر المميزة لوسيطي التصوير والنحت، منظمة في أنموذج شكلي ذي قيمة جمالية». ويحدد فراي «عناصر التصميم» هذه بأنها الخط، والكتلة، والنور والظل، واللون؛١٦ فاللوحة أو النحت يكون عملًا فنيًّا عندما ترتبط هذه العناصر فيما بينها على نحو من شأنه أن يتصف العمل بما يسميه «بل»، في عبارة أصبحت مشهورة، «بالشكل ذي الدلالة significant form»١٧ ويُعرِّف بل «الشكل ذا الدلالة» بالرجوع إلى التجربة الجمالية؛ فهو العلاقة الشكلية التي تثير في المشاهد المنزه عن الغرض «انفعالًا جماليًّا»١٨ وهذا الانفعال من «نوع فريد»، وهو مخالف تمامًا لانفعالات «الحياة». ولكي ندرك الشكل، وبالتالي نحس بهذا الانفعال، «لا نحتاج إلى أن نأتي معنا بشيء من الحياة، أو بمعرفة بأفكارها وشئونها، ولا نحتاج إلى أن نعتاد انفعالاتها … وكل ما نحتاج إلى أن نأتي معنا به هو إحساس بالشكل واللون، ومعرفة بالمكان ذي الأبعاد الثلاثة».١٩
وأفضل سبيل، وربما السبيل الوحيد، إلى فهم نوع التجربة الجمالية التي يتحدث عنها هذان الرجلان هو قراءة تحليلاتهما الشكلية للوحات معينة، ولا سيما التحليلات التي كتبها فراي، الذي يُعد واحدًا من أقدر النقاد في عصرنا. وقد اقتبسنا في فصل سابق أنموذجًا لتحليله لإحدى اللوحات إلى «حركات إيقاعية» من الخطوط والمسطحات. وينبغي على الطالب أن يقرأ أعمالًا نقدية أخرى لفراي، ولا سيما الأعمال الواردة في كتابه «التحولات Transformations».٢٠ فطوال نقد فراي نراه يتحدث عن «الدراما التشكيلية» التي يخلقها التعامل والتوتر بين خطوط العمل وكتله. وهكذا يصف، في أحد أعمال بوسان Poussin، الإيقاعات التي تخلقها حركات أذرع الشخصيات المصورة. التي «تتلاعب فوق» «الحجوم» الثقيلة الصلبة و«عبرها».٢١
وبطبيعة الحال فإن أبرز سمات هذا النقد هو تجاهله التام للموضوع التصويري، ولكن من الواضح أن قدرًا ضئيلًا جدًّا من الفن العربي هو الذي بلغ من التجريد الكامل أو «اللاموضوعية» التامة ما بلغته المدارس «بعد الانطباعية». ففي الماضي (بل في الحاضر أيضًا، كما هي الحال عند روو Rouault) كان المصورون الكبار يعرضون مناظر طبيعية أو أحداثًا دينية أو مناظر منزلية. فهل يأبى الشكليون اسم «الفن» على القدر الأكبر من التصوير الغربي؟ إنهم يبدون أحيانًا كأنهم يودون أن يقصروا مجال الفن على ما بعد الانطباعية، وعلى الفن البيزنطي في القرن السادس، وعلى الفن البدائي، كفن إفريقيا أو بولينيزيا، الذي يتميز «بافتقاره إلى التمثيل»، وبقوالبه أو «أشكاله الرفيعة التأثير».٢٢
غير أن الشكليين لا يتطرفون إلى هذا الحد؛ فهم يرون أن العمل التمثيلي يمكن أن يكون عملًا «فنيًّا» إذا كان ينطوي أيضًا على قيم شكلية وتشكيلية. ولكي نحدد إن كانت له «صورة أو قالب ذو دلالة»، ينبغي أن نتجاهل الموضوع المصوَّر أو ننظر عبره. وهكذا يقول «بل» عن تصوير إبشتين Epstein للمسيح: «ليست هناك أدنى أهمية لكون هذا التمثال، منظورًا إليه على أنه عمل فني، يصور يسوع المسيح أو جون سميث».٢٣ كما يقول «بل» في موضوع آخر: «إذا كان لشكل تمثيلي قيمة، فإنه يعد شكلًا لا تمثيلًا؛ فالعنصر التمثيلي في العمل الفني قد يكون ضارًّا أو لا يكون؛ غير أنه دائمًا خارج عن الموضوع.»٢٤ وهكذا فعندما يصور الناس أو الموضوعات في لوحة «فإنا سنعاملهم كأنهم لا يمثلون أي شيء».٢٥ فمن الواجب النظر إليهم على أنهم أنموذج من الخطوط والكتل والألوان (ولنلاحظ مرة أخرى التقارب مع الفن الحديث).
ولكن حتى هذا الموقف ذاته يبدو مقيدًا أكثر مما ينبغي في نظر معظم الناس. فهل ينبغي أن نتخلى عن اهتمامنا بالموضوع من أجل تذوق الشكل؟ ألا نستطيع أن نستجيب للدلالة الانفعالية أو التخيلية لموضوع ديني، كصلب المسيح، أو لمنظر طبيعي، أو منزل هولندي، بالإضافة إلى تصميم العمل؟ كان «فراي» يقول أحيانا، ولا سيما في كتاباته الأولى، إننا نستطيع بالفعل أن نفعل ذلك. وتكون مثل هذه التجربة ممكنة عندما يحدث تكامل أو اندماج بين الانفعالات التي تثيرها «الفكرة الدرامية» وتلك التي يثيرها «التصميم التشكيلي»، أي عندما يعبر الموضوع عن الجد والوقار ويكون الشكل متكتلًا ضخمًا (massive)، ولكن فراي أخذ يؤكد على نحو متزايد، في كتاباته المتأخرة، أن مثل هذا الاندماج لا يحدث.٢٦ وقد حاول فراي أن يثبت، في أعمق تحليل قام به لهذا الموضوع، أن هناك ما يشبه العلاقة العكسية بين القيم «التشكيلية» والقيم «النفسية» للتصوير؛ فهو يلاحظ من جهة أن لوحة «المسيح يحمل الصليب» لبرويجل Breughel هي «إبداع نفسي عظيم، ولكن من الواضح في جميع مواضع هذه اللوحة أن برويجل قد أخضع الاعتبارات التشكيلية للاعتبارات النفسية؛ فهي في رأيي ضئيلة القيمة تمامًا، عاجزة عن التعبير، إذا ما نُظِر إليها بوصفها إبداعًا تشكيليًّا».٢٧ ومن جهة أخرى فإن لوحة بوسان: «يوليسيز يكتشف أخيل» سخيفة إذا ما نُظر إليها على أنها تمثل قصة معينة، ولكنها رائعة إذا ما نُظر إليها على أنها تركيب شكلي، بل إن هذا «الدمج» نادرًا ما يتحقق عند رمبرانت ذاته: «فكيف نستطيع أن نحتفظ بانتباهنا مركزًا بدرجة متساوية على العالم غير المكاني للكيانات والعلاقات النفسية، وعلى إدراك العلاقات المكانية؟»٢٨

•••

كنا حتى الآن نبحث في النزعة الشكلية بوصفها نظرية في الفنون البصرية وحدها. فهل يمكن الامتداد بها بحيث تضم الفنون جميعًا؟

لنبدأ بأن نلاحظ أن الشكليِّين كثيرًا ما يستخدمون لفظ «الأدبي» لوصف التصوير الراوي أو التاريخي، أي نوع التصوير الذي لا يعدونه فنًّا حقيقيًّا. والأدب لا يستخدم الألفاظ بوصفها موضوعات لها أهمية في ذاتها، كالخطوط في تصميم تجريدي؛ فنحن لا نقرأ الرواية لمجرد رؤية أشكال الألفاظ على الصفحات أو سماع أصواتها عندما تنطق، بل إن للكلمات «معنى»، أي أنها تدل على شيء خارج عنها، قد يكون حوادث أو أشياء. وما يعنينا هو ما تدل عليه الألفاظ. وعلى ذلك فليست للأدب دلالة كامنة، منطوية على ذاتها، وإنما هو يتجه بنا نحو مواقف «واقعية» من نوع ما، حتى عندما يكون تخيليًّا، كما هي الحال في المحن التي مر بها أوليفر تويست، وما إلى ذلك.

وعلى هذا الأساس يقول «بل»: إن الأدب لا يكون أبدًا فنًّا خالصًا.٢٩ وتذوقنا حتى للشعر العظيم ينبغي أن يكون «غير نقي»؛ لأن «الشكل يكون مثقلًا بمضمون عقلي، وهذا المضمون حالة نفسية تمتزج بانفعالات الحياة وترتكز عليها».٣٠ ويقبل «بل» دون مواربة النتيجة القائلة إن النزعة الشكلية لا تستطيع تفسير القيمة التي يجدها الناس في الأدب، والتي يعترف هو ذاته بأنها عظيمة جدًّا. فلما كان الأدب، كما يقول، لا يستخدم «شكلًا مجردًا»، فإنه «فن يختلف كل الاختلاف»٣١ عن التصوير. ومن ثَم فإن الواجب أن تعترف النظرية الجمالية بالفوارق التي لا يمكن إزالتها بين مختلف الفنون.٣٢ أما «فراي، فيرى أن نظريته لا يمكن أن تصدق على الفنون جميعًا؛ إذ إن أهم ما في أي عمل فني هو بناؤه الشكلي؛ ففي التصوير لا نستجيب للون الواحد منعزلًا وإنما نستجيب للعلاقات القائمة بين جميع الألوان. وبالمثل فإن المهم في التراجيديا ليس «الشدة الانفعالية للحوادث المصورَّة، وإنما الإحساس الحي بحتمية وقوعها».٣٣ وقد يبدو هذا أمرًا غريبًا، ولكن لنتوقف لحظة لنفكر فيما يقوله فراي. أليس للتراجيديا ما أطلق عليه مفكر شكلي متأخر اسم «القوام shape»؟٣٤ إن هناك نمطًا من التوترات ينبثق من عدد لا حصر له من الحوادث التي تبدو أول الأمر مفتقرة إلى التنظيم والتحدد، ويعمل هذا النمط على دفعنا قدمًا، وأخيرًا يضيق حتى يصل إلى النهاية المحتومة، فهل يمكن أن تكون الحوادث المصورة على نفس هذا القدر من الحيوية والتأثير لو لم يكن لها هذا النمط الشكلي؟ من الجدير بالملاحظة أن رأي فراي هذا قد استُغل في الدراسات النقدية التي أجريت في الآونة الأخيرة للشكل في الدراما، والرواية والشعر. ومع ذلك ينبغي أن نعترف بأن الأدب ليس مما يسهل تحليله على أساس الشكل، وحده.
ولكن على حين أن الأدب يثير صعوبات أمام الشكليين، فإن الموسيقى لا تثير أية إشكالات كهذه. وقد شبَّه بل وفراي الموسيقى مرارًا بالفن الموسيقي «النقي أو الخالص»، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يلجأ فراي في كثير من الأحيان، خلال نقده، إلى استخدام ألفاظ مستمدة من لغة الموسيقى، «كالإيقاع» و«التوافق» وغيرهما؛ ذلك لأن الشكليين ينظرون إلى الموسيقى على أنها الفن «الخالص» بالمعنى الصحيح. وهم في ذلك يواصلون الأخذ بنفس الاعتقاد الذي ظل يجد له أنصارًا طوال القرن التاسع عشر، والذي تلخصه عبارة وولتر باتر المشهورة: «كل فن يهفو على الدوام إلى حالة الموسيقى»؛ فالموسيقى لا «تحاكي» موضوعات ولا «تروي قصة»؛ بل هي لا تستطيع أن تفعل ذلك؛ إذ إن الوسيط الذي تستخدمه، على خلاف وسيط التصوير أو الأدب، لا يسمح لها بذلك. فمن الضروري إذن أن يكون قوامها ترتيبات شكلية من العناصر التي يتألف منها وسيطها — وهي الأنغام، والأعمدة الصوتية … إلخ — تمامًا كما يقول التعريف الشكلي للفن. والمتلقي الجمالي يستجيب للأصوات المشكلة ذاتها، دون أن تحول انتباهَه أية دلالة تصويرية أو تمثيلية. وقد يحاول المستمع «غير النقي» أن يجد في الموسيقى «انفعالات بشرية من الرعب والغموض، والحب والكراهية»، ولكنه يكون عندئذٍ — على حد تعبير «بل» — قد «تهاوى من القمم العليا للنشوة الجمالية إلى السفوح الراكدة المأمونة للبشرية الدافئة».٣٥
وبرغم أن الموسيقى، كما هو واضح، هي «أنقى» الفنون، فمن الطريف أن نرى كيف اضطُر الناقد الموسيقي الشكلي، إدوارد هانسليك Eduard Hanslick قبل نصف قرن من عهد بل وفراي، إلى أن يكافح ضد التذوق «غير الخالص» للموسيقى. فهو بدوره يتحدى الذوق السائد لجمهور الفن، ويلجأ في ذلك إلى حجج تدهشنا موازاتها الدقيقة لحجج بل وفراي، فهو يقول إن الموسيقى «كلٌّ متكامل قائم بنفسه»، لا يرتبط على الإطلاق «بحقائق العالم الخارجي».٣٦ «إن جمال القطعة الموسيقية هو جمال موسيقي على التخصيص — أي إنه يكمن في تجمعات الأصوات الموسيقية، ويستقل تمامًا عن جميع الأفكار الدخيلة، الخارجة عن نطاق الموسيقى».٣٧ ومن هنا فإن من واجب المستمع أن يركز انتباهه على المسار الشكلي وطريقة التصرف في «الصوت والحركة». ويشير بل، في مجال الفنون البصرية، إلى أن أولئك الذين يفتقرون إلى هذا الوعي المميز للشكل يمكنهم على الأقل أن يهتموا بالموضوع المصور، أي بما يتعلق به التصوير. هؤلاء الناس لن يتذكروا من اللوحة بعد أن يروها سوى موضوعها.٣٨ (وربما رغب القارئ في أن يمتحن نفسه في هذا الصدد). أما في الموسيقى، فنظرًا إلى عدم وجود موضوع كهذا، فإن مثل هذا المخرج مستحيل، ولكن هناك، كما يقول هانسليك، وسيلة أخرى يستطيع بها السامع غير المدرب أن يخرج عن الهدف في الموسيقى، وأن يفوت قيمتها على نفسه — تلك هي أن يستخدم الموسيقى وسيلة لإثارة انفعالات سطحية مبهمة. فبدلًا من أن يفهم البناء المحدد للموسيقى، يستخدمها في إثارة حالة نفسية سارة، خاملة إلى حد ما. (ونستطيع أن نتصور ذلك إذا تذكرنا «الخلفية» الموسيقية التي تثير حالة نفسية معينة، والتي تسمع في المطاعم، وأحيانًا في المصانع، وهي أماكن يكون الانتباه فيها مركزًا على شيء غير الموسيقى). ويقول هانسليك بازدراء إنه، في نظر هذا المستمع، «يبعث السيجار الجيد … أو الحمام الدافئ … نفس المتعة التي تبعثها سيمفونية».٣٩ ونظرًا إلى أنه لم يستمع إلى الموسيقى بحق، فإنه لن يستخلص منها «انطباعًا محددًا باقيًا، عن القطعة الموسيقية الخاصة، بل سيستخلص «التأثير اللاحق الغامض لمشاعره»٤٠ فحسب.

إن من معايير أهمية أية نظرية، ارتباطها بتجربة المرء الشخصية (وإن لم يكن هذا هو المعيار الوحيد). فهل تؤدي النظرية إلى إثارة أسئلة عن تجربتك لم تخطر ببالك من قبل، أو لم تشعر بها إلا شعورًا ضئيلًا، أو استبعدتها جانبًا؟ إن على القارئ أن يقرر بنفسه إن كان الهجوم الذي وجهه هانسليك قد مس وترًا حساسًا في تجربته الموسيقية الخاصة.

(٣) التحليل النقدي للنزعة الشكلية

سبق أن وصفت النزعة الشكلية بأنها حملة تهدف إلى تربية الذوق. وربما كان أول ما ينبغي أن يقال، عندما ننتقل إلى القيام بتقدير نقدي لهذه النظرية، هو أن الحملة قد نجحت. فقد ترتب على العمل التبشيري الذي قام به «بل وفراي» أن أصبح أناس كثيرون يفهمون طبيعة الفن الحديث وقيمته، ولم يعودوا يعدونه شاذًّا أو مضحكًا، بل إنهم أقلعوا عن العادات الإدراكية التي تأصلت في النفوس نتيجة لتأمل الفن التقليدي، وبالتالي أصبحوا يدركون حيوية الفنانين «بعد الانطباعيين» ويتذوقونها. ولقد قال فراي، في عبارة تجمع بين التواضع الشخصي والميل الإنجليزي إلى الابتعاد عن المبالغة، إنه قد ترتب على جهوده وجهود غيره أن «أصبح يوجد في الأوساط المثقفة اليوم اتجاه أذكى إلى حد ما من ذلك الذي كان سائدًا في القرن الماضي».٤١ ومن المؤكد أنه ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله، ولكن الفن الحديث، الذي كان في وقت ما موضوعًا لاحتقار وسخرية الجميع فيما عدا القلة النادرة، قد أصبح اليوم يرتكز على أرض ثابتة، بل إن أولئك الذين يعترفون بجهلهم به، يمتدحونه عن طريق إبداء إعجابهم بالإعلانات، وتصميمات المجلات والأثاث المنزلي، التي استعارت كلها الكثير من التصوير والنحت الحديثين.

•••

غير أن تأثير أية نظرية ليس دليلًا على صحتها. ألا يمكن أن يكون للنظرية تأثير قوي على الرغم من كونها باطلة أو متناقضة منطقية؟ الواقع أن بعض نقاد النزعة الشكلية قد عزوا انتشارها إلى مزيج من الميل إلى التحذلق — إذ إن من يستطيعون تذوق الفن الحديث أو الكلام عنه على الأقل، يثبتون أنهم ليسوا من «البسطاء» — والتعبيرات المبالغة في الادعاء، مثل «الشكل ذي الدلالة». ويطلق الأستاذ دوكاس Ducasse على الشكليين اسم «المدمنين» الذين أصبحوا «حالات ميئوس منها، يعتقدون — على عكس الواقع — أنهم هم العارفون المزودون بالنوع الوحيد الصحيح من البصيرة الجمالية، أو هم وحدهم السالكون في هذا المضمار، ومن سوء الحظ أن هناك أيضًا من يؤمنون بأن هؤلاء يتصفون بهذا الوصف، وأولئك هم السذج الذين يروعهم ويخيفهم الكلام المعقد عن الفن إلى حد أنهم لا يجرءون على الاعتراف بأن نفوسهم الجمالية هي نفوسهم الخاصة».٤٢
غير أن من القسوة والخطأ أن ننبذ الشكليين على هذا النحو؛ فعندما تقرأ الأعمال النقدية التي كتبها فراي، بما فيها من أوصاف شديدة الحساسية والرفاهية للقيم الشكلية للفن، لا يمكنك أن تشك في أنه ينقل إليك تجربة شخصية أحس بها إحساسًا عميقًا. وقد كتب السير كينث كلارك Sir Kenneth Clark، وهو ذاته ناقد مشهور، يقول:
«لَكَم حدث، وأنا أتأمل صورة في صحبته (يقصد فراي)، أن استمتعت بوجه بديع، أو حركة ساحرة، أو ترابط ممتع … وعندما أتلفت إلى صاحبي أجده يتململ ويتذمر من افتقارها إلى الإحكام الشكلي.»٤٣
وفضلًا عن ذلك فلدينا شواهد مؤيدة مستمدة ممن يستمعون إلى الموسيقى بنفس الطريقة التي كان فراي ينظر بها إلى التصوير. فتجربتهم مشابهة لتجربته إلى حد بعيد؛ ذلك لأنهم يجدون في الموسيقى «مجموعات متناسقة معمارية من العلاقات الضوئية.»٤٤ والحق أنَّ تذوُّق طريقة التنظيم الشكلي للوسط الفني، دون اعتبار للأمور الخارجة عن مجال التصوير أو الموسيقى، هو تجربة جمالية حقيقية أصيلة. وقد يبدو الحديث عن هذه التجربة غامضًا أو متحذلقًا في نظر أولئك الذين يقبلون على الفن بطريقة مختلفة كل الاختلاف. وإني لأذكر أن طالبًا قد سأل بشيء من الحدة، أثناء مناقشة دارت حول المذهب الشكلي:

«ولكن إذا لم تكن تسمع قصة في الموسيقى، فما الذي يمكن سماعه فيها؟» إنَّ على مَن ينظرون إلى الفن على هذا النحو واجبًا ضروريًّا، هو أن يحاولوا أن يفهموا ويقدروا ما يقوله الشكليون.

والأهم من ذلك أن موقف فراي مُثمر في النقد الفني؛ فهو يبرز ما ينطوي عليه العمل، ويلقي عليه ضوءًا. ولو قرأت أحد انتقادات فراي لصورة معينة، ثم نظرت لهذه الصورة، لوجدت أن القيم التشكيلية والتصميمية التي وصفها موجودة في العمل. وفضلًا عن ذلك فإن أسلوبه في النقد لا ينطبق على فن ما بعد الانطباعية وحده. فمن الجدير بالملاحظة أن النقد الذي يسير في اتجاه النزعة الشكلية أخذ ينطبق في الآونة الأخيرة على الفن التقليدي بدوره، وأسفر في هذا الميدان عن نتائج طيبة، إذ كشف عن قيم عجزت نظرية «المحاكاة» وغيرها من طرق النقد عن إدراكها. ولما كانت صحة أية نظرية في الفن تتوقف إلى حد بعيد على فائدتها في تحليل أعمال خاصة، فإن النزعة الشكلية تصبح لها في هذا الصدد مكانة رفيعة.

•••

فلننتقل الآن من النقد الإيجابي إلى النقد السلبي للنزعة الشكلية.
  • (١)

    أول نقد يوجه إلى الهيكل المنطقي للنظرية الشكلية، فهو يشير إلى عيوب التعريفات الأساسية للنظرية، كما عرضها «بل». ولعلك تذكر أن هذا الأخير يقول إن «الفن» يعرف على أساس وجود «شكل ذي دلالة» في الموضوعات، ولكن إذا شئنا أن تكون لهذا التعريف قيمة معرفية، فلا بد من إيضاح معنى «الشكل ذي الدلالة»، وإلا لكان هذا التعبير فارغًا في أساسه، وبالتالي يصبح التعريف كله فارغًا بدوره. فعندئذٍ يبدو كأنه تعبير ذو معنًى، مع أنه في واقع الأمر لا ينبئنا بشيء.

    إن «بل» لا يقدم تحليلًا مُرضيًا لمعنى «الشكل ذي الدلالة»، ولكن من الواضح أنه لا ينظر إلى الشكل ذي الدلالة على أنه سمة موضوعية خالصة للعمل، وإنما هو يتصوره في علاقته بالمشاهد — أي أن «الشكل ذا الدلالة» هو نمط الخطوط والألوان الذي يثير «انفعالًا جماليًّا». وهذا هو أقرب موقف يتخذه بل نحو تعريف هذا اللفظ، ولكن كل ما يؤدي إليه ذلك هو أنه ينتقل بمشكلتنا خطوة إلى الوراء. فما هو «الانفعال الجمالي»؟ لقد رأينا أن «بل» يعتقد أنه انفعال مختلف كل الاختلاف عن انفعالات الحياة «الواقعية». ومع ذلك فإن هذا موقف سلبي بحت. فليس يكفي أن يقال عن الله إنه ليس بشرًا، أو عن السمكة إنها ليست من الثدييات. فإذا لم يُقدَّم إلينا وصف تجريبي واضح «للانفعال الجمالي»، فلن نستطيع أن نعرف كيف نستخدم النظرية ونختبرها، بل لن نستطيع أن نعرف ما تقوله النظرية، ولكن آخر ما نستخلصه من «بل» هو أن «الانفعال الجمالي» هو الانفعال الذي يثيره «الشكل ذو الدلالة.» ومن هنا كان ثمة دور منطقي (أو حلقة مفرغة) في التعريفات الأساسية للنظرية؛ إذ يعرَّف، الشكل ذو الدلالة «بالإشارة» إلى «الانفعال الجمالي»، والعكس بالعكس.

    والأسوأ من ذلك أن الدائرة (أو الحلقة) ضيقة جدًّا، إن جاز هذا التعبير … فالشكل «ذو الدلالة» و«الانفعال الجمالي» يُتركان دون تحليل، ولا تُقدَّم معايير للاهتداء إليهما تجريبيًّا. ومن الوسائل التي يمكن بها الخروج عن هذه الحلقة — وهي وسيلة متاحة لبعض النظريات — تعريف لفظ عن طريق مفاهيم مأخوذة من نظريات أخرى أو مجالات أخرى للبحث. وعلى هذا النحو تتحرك النظرية خارج دائرة ألفاظها الخاصة. مثال ذلك أن العلوم السياسية قد تعرف ألفاظها الرئيسية عن طريق مفاهيم مستمدة من علم الاجتماع، والاقتصاد، وعلم النفس … إلخ، غير أن النزعة الشكلية لا تستطيع أن تفعل ذلك؛ فهي تسد أمام نفسها هذا الطريق بتأكيدها أن المعطيات التي تتعامل معها تنتمي كلية إلى ميدان واحد فحسب من ميادين التجربة — هو الفن والتذوق «الخالص» — وبالتالي لا يمكن أن تفهم بأية مفاهيم فيما عدا مفاهيمها الخاصة. ولا جدال في أن نوع الفن والتجربة الجمالية التي ينصب عليها اهتمام الشكليين موجودان، وهما ظواهر حقيقية أصيلة، ومع ذلك فإن النظرية التي تسعى إلى تفسير طبيعتهما، في الخطوة الأولى الحاسمة التي تتخذها، تنتهي إلى طريق مسدود محوط بالغموض.

    ويبذل «بل» محاولة واحدة٤٥ «لتوسيع» الدائرة بتقديم تفسير «للشكل ذي الدلالة». فهو يقترح — وإن كان يفعل ذلك بطريقة غير قاطعة — أن يكون هذا الشكل «معبرًا عن انفعال مبدعه.»٤٦ ولكن هذه محاولة يتضح أنها تهدم نفسها بنفسها؛ ذلك لأنه يرى أيضًا أن «الشكل ذا الدلالة» يمكن أن يتمثل في الطبيعة، أي في موضوعات غير فنية.٤٧ فإن صح هذا، أمكن حدوث الشكل ذي الدلالة دون أن يكون «معبرًا عن انفعال مبدعه»، إذ لا يوجد مثل هذا المبدع في الطبيعة؛ فالتعبير الانفعالي لا يمكن أن يكون جزءًا من معنى «الشكل ذي الدلالة»؛ لأن ما هو جزء من معنى لفظٍ ينبغي أن يتمثل في أي شيء يدل عليه اللفظ. وهكذا يظل معنى «الشكل ذي الدلالة» مفتقرًا إلى الوضوح.
  • (٢)

    هذه الصعوبات المنطقية تثير إشكالات أمام النزعة الشكلية من حيث هي نظرية في النقد الفني. ولقد رأينا أن فراي أحرز نجاحًا كبيرًا في القيام بتحليلات لأعمال محددة، ولكن هذا وحده لا يكفي بالنسبة إلى نظرية في النقد. فلا بد أن تقدم هذه النظرية معاني محددة المعالم لما هو «جيد» و«رديء» في ميدان الفن — أعني ما هو «جميل» و«قبيح» — حتى يمكن تطبيق هذه الألفاظ بطريقة واضحة مفهومة، وإلا عجزنا — ببساطة — عن فهم ما يعنيه الناقد عندما يستخدم هذه الألفاظ التقويمية. كما ينبغي أن تعرفنا النظريات بالمبررات التي يستطيع الناقد الالتجاء إليها تأييدًا لرأيه في أن هذا العمل (جيد) أو في أنه «أفضل» من عمل آخر. فإذا لم تكن هناك مبررات صحيحة كهذه، فقد يكون نقده مبنيًّا على الهوى أو شخصيًّا فحسب، أي أنه لا يعدو عندئذٍ أن يكون تعبيرًا مثل «أنا أحب هذا»، ولكنه تعبير يتخذ طابعًا معقدًا. وحينئذٍ يكون حكمه التقويمي مفتقرًا إلى السلطة، ولا يستطيع أن يطالبنا بشيء.

    ومع ذلك، ففي هذه المسائل كلها، تخفق النزعة الشكلية.

    إن «وظيفة الناقد» في رأي «بل» هي أن يبين كيف تكون «سمات الخط واللون وعلاقاتهما رفيعة … أو معيبة».٤٨ ولكن كيف يستطيع الناقد أن يفعل ذلك، تبعًا لنظرية «بل» الخاصة؟ إن اللوحة تكون «رفيعة» عندما يكون لها «شكل ذو دلالة». ومع ذلك فإن هذه العبارة الرئيسية لا يوجد لها؛ كما رأينا الآن، معنى واضح. ويعترف فراي نفسه بأنه لا يستطيع تفسير معناها.٤٩ وعلى ذلك فإن النظرية لا تقدم معيارًا يمكن تطبيقه للتمييز بين الفن الجيد والرديء؛ فمن المؤكد أنه ليست كل العلاقات الشكلية للخط واللون ذات قيمة فنية. وكثيرًا ما يأبى فراي أن يعزو قيمة «تشكيلية» إلى أعمال معينة، كما في النماذج التي أوردناها من قبل لنقده، ومع ذلك فإن النزعة التشكيلية لا تقدم طريقة يمكن تطبيقها لتحليل الأعمال الفنية على نحو يتيح ملاحظة ووصف وجود القيمة أو غيابها فيها. وهناك صعوبة أخرى ترتبط بهذه الصعوبة؛ فالنزعة الشكلية تعرف «الفن» على أساس الشكل ذي الدلالة»، والشكل ذو الدلالة له دائمًا قيمة جمالية. وعلى ذلك فإن كل الأعمال التي يصح أن يطلق عليها اسم الفن»، تبعًا لهذا التعريف، «جيدة». ولا يمكن أن يكون ثمة موضوع يجمع بين كونه «فنيًّا» و«رديئًا» معًا. فإن كان يفتقر إلى «الشكل»، لم يكن «فنًّا» فحسب. وفي هذا شيء من المفارقة؛ إذ إننا نتحدث عادة عن عمل فني «متوسط … القيمة» أو «ضئيل القيمة»، ولكن الصعوبة الكبرى لا تكمن في هذه المفارقة؛ ذلك لأن رغبتنا في وصف الموضوع الذي يفتقر إلى الشكل ذي الدلالة بأنه «فن رديء» أو «لا فن» هي مسألة لفظية. والمسألة الأساسية هي مسألة الواقع، أعني: ما الذي يتسم به تركيب الصورة أو العمل النحتي، ويجعله جيدًا، ويميزه تبعًا لذلك عن الموضوعات الأخرى التي لا تتسم «بالشكل»؟
    إن بل وفراي يذهبان في مواضع متعددة من كتاباتهما إلى أن العمل يتم بالشكل ذي الدلالة إذا كان يثير في المشاهد المنزَّه عن الغرض «انفعالًا جماليًّا». وهكذا يكتب «بل» قائلًا: «عندما أقول إن الرسم رديء، أعي أنني لا أتأثر بهيكل الأشكال التي تؤلف العمل الفني.»٥٠ وفي استطاعتك أن تدرك بسهولة النتائج الضارة لهذا الرأي، فإذا كانت الانفعالات الشخصية هي معيار القيمة، ومعيارها الوحيد، لوجدنا أنفسنا إزاء تعدد لا ينتهي من الأحكام النقدية. فلما كان العمل الفني الواحد يمكن أن «يؤثر» في الناس المختلفين على أنحاء متباينة تمامًا، وفي بعض الأحيان لا يؤثر فيهم على الإطلاق، فإنه يكون من محاسن الصدف أن يتفقوا على أي شيء. غير أن هذا ليس أهم اعتراض، فليس هدف النقد هو الوصول إلى اتفاق فحسب، وإنما المهم، سواء اتفقنا أو لم نتفق، هو أن نكون قادرين على تقديم مبررات ندافع بها عن أحكامنا، فليس يكفي أن نطلق العنان لعبارات متعلقة بحياتنا الخاصة، تدل على الطريقة التي نشعر بها؛ إذ إننا لو فعلنا ذلك، لما كان لأي حكم من الصحة ما يزيد أو ينقص عما لأي حكم آخر، بحيث أننا، عندما نتبادل الآراء النقدية، نكون أشبه بالأطفال حين يتصايحون: «إنها هكذا!»، «إنها ليست هكذا!» ويظلون يكررون ذلك إلى ما لا نهاية. وليس في استطاعتنا أن نخرج من هذا الطريق المسدود إلا إذا تمكنا من الإشارة إلى سمات معينة في العمل ذاته، وإثبات أنها تجعل العمل جيدًا بحق، فعلى هذا النحو وحده نستطيع أن نثبت أن استجابتنا الانفعالية لها ما يبررها، وأن العمل يستحق موافقتنا وتقديرنا. ولكن النزعة الشكلية، كما رأينا من قبل، لا تبين للناقد كيف يستطيع أن يفعل ذلك.
    وهكذا فإن النزعة الشكلية، من حيث هي نظرية في النقد، تؤدي إلى اللامعقولية والعقم. فلا عجب إذن أن نجد «بل» يقول، بناء على نظريته: «ليس أمام الناقد ما يفعله، إزاء العمل الفني، أكثر من أن يقفز طربًا.»٥١ والواقع أن الممارسة العملية للنقد لدى بل وفراي، أعني انتقاداتهما للفن «بعد الانطباعي»، كانت سليمة مفيدة؛ لأنها لفتت الأنظار إلى سمات في العمل كان الكثيرون يتجاهلونها أو يسيئون فهمها، ولأنها وصفت هذه السمات بحماسة وبطريقة بارعة. غير أن نظريتهما النقدية ليست على مستوى ممارستهما للنقد؛٥٢ فهي لا توضح مصطلحاتها الرئيسية، ولا تقدم معايير موضوعية للتقدير، وتؤدي إلى مأزق من الفوضى النقدية. وأسوأ المفارقات هو أن الرأي النقدي لأي شخص سيكون، في هذه الفوضى، معادلًا في قيمته لرأي أي شخص آخر. ومن المؤكد أن هذه نتيجة لا يود أن يقبلها بل وفراي، اللذان اتهمهما الكثيرون بالتحذلق، واللذان كانا يتحدثان باستخفاف عن «الجماهير الغفيرة» و«الإنسان العادي».
  • (٣)

    رأيْنا الآن أنَّ للنزعة الشكلية استبصارات أصيلة هامة، ولكنا رأيْنا في الوقت ذاته أن صياغتها لهذه الاستبصارات فيما يفترض أنه نظرية متماسكة، هي صياغة تشوبها عيوب كثيرة. والواقع أن النزعة الشكلية ليست هي وحدها النظرية التي توصلت إلى حقائق هامة، ولكنها وجدت من العسير التعبير عن هذه الحقائق بطريقة منهجية من خلال مصطلحات عقلية دقيقة؛ «فالاستبصار»، كما لاحظ الفيلسوف وليم جيمس، كثيرًا ما يسبق «البرهان» ويتجاوز نطاقه.

فلنترك الآن جانبًا عيوب النزعة الشكلية من حيث هي مذهب نظري، أو بوصفها أساسًا للنقد الفني، ولنبحث بطريقة نقدية في الفكرتَين المتلازمتَين اللتَين لا تقوم للنزعة الشكلية قائمة بدونهما — وهما أن الفن الجميل هو في أساسه تنظيم شكلي للوسيط، وأن التجربة الجمالية لا تعدو أن تكون التذوق المنزَّه عن الغرض لهذه الأشكال. وسيكون موقفي العام إزاء النظرية الشكلية هو نفس الموقف الذي اتخذ إزاء نظريات فلسفية أخرى، وهو أنها على صواب فيما تؤكده، وعلى خطأ فيما تنكره»، فتصورها للفن والتجربة الجمالية هو، في حدوده الخاصة، تصور مشروع وهام، غير أنه محدود. فليس للنزعة الشكلية الحق «فيما تنكره»، أعني في استبعادها الكثير مما يعد فنيًّا في العادة، وتضييقها الشديد لنطاق التجربة الجمالية.

•••

فلنبدأ بأن نتساءل عن السبب الذي يدعو الشكليين إلى تضييق نطاق الفن والتذوق «الخالص» إلى هذا الحد الشديد. فلماذا كانوا على استعداد لاستخلاص النتيجة القائلة إن قدرًا كبيرًا من التصوير والنحت الغربي، ومعظم ما يعد عادة «استمتاعًا جماليًّا»، ينبغي أن يستبعد على أساس تعريفاتهم؟

إن آراءهم ترتكز آخر الأمر، كما رأينا أكثر من مرة، على تجربة «الانفعال الجمالي»، فتبعًا لكون المدرك يشعر «بانفعال جمالي خالص»، يتحدد ما إذا كان الموضوع له «شكل»، بل يتحدد نفس معنى «الشكل» في الفن. وهم يرون أن هذه التجربة. التي هي نوع التجربة الوحيد الذي يعدونه جماليًّا بحق، لا يمكن ممارستها إلا إذا كان المشاهد يدرك شكلًا مجردًا. فلماذا؟ لأنه إذا كان يدرك عملًا تمثيليًّا، فإنه «سيرجع أشكاله إلى العالم الذي أتت منه».٥٣ وعندئذٍ يكون قد «استخدم الفن أداة لانفعالات الحياة».٥٤ وعلى ذلك فمن الواجب أن نتجاهل الموضوع التمثيلي، أو ننظر إليه على أنه لا يمثل شيئًا على «الإطلاق»، خشية أن تضيع منا التجربة الجمالية الخالصة.

وعلى ذلك فإن لُب الحجة التي ترتكز عليها النزعة الشكلية هو أن التجربة الجمالية لا يمكن حدوثها إلا عندما يكون العمل الفني شكليًّا، أما عندما يكون تمثيليًّا، فإنا نستجيب له كما لو كان الموضوع «حياة واقعية»، ومن ثَم فإننا نشعر «بالانفعالات العادية للحياة» وهذا الرأي الأخير هو الذي أود الآن أن أعترض عليه.

هل الموضوع — أي الشيء أو الحادث الذي يصوره العمل الفني — مجرد شبيه بالأنموذج الموجود في التجربة المألوفة، والذي يكون الموضوع ترديدًا له؟ إن لم يكن كذلك، فإن استجابتنا له لن تكون هي نفس استجابة «الحياة الواقعية». والواقع أن موضوع العمل الفني ليس مجرد نسخة من الموضوع المناظر له خارج الفن. وكما كان علينا أن ننبه إلى هذه الحقيقة في معرض نقدنا لنظرية «المحاكاة» البسيطة، فكذلك ينبغي علينا الآن أن نذكر أنفسنا بها عند تحليلنا للنظرية الشكلية.

إن الفن يستطيع أن يستعين، ويستعين بالفعل، بحوادث «الحياة الواقعية»، كعذاب المسيح، أو غزو نابليون لروسيا. غير أن تمثيله «للحياة» يغدو جزءًا من موضوع منطوٍ على ذاته يُفصل عن بقية التجربة. فللعمل الفني، كما قال أرسطو، «بداية، ووسط، ونهاية». وفي داخل العمل ذاته، يكتسب الموضوع دلالة خاصة به، تختلف كل الاختلاف عن دلالة الأنموذج التاريخي، ففي العمل يعرض الموضوع داخل بناء حسي وشكلي وخيالي كامل، ويتداخل في «الجسم» الفني للعمل. وعلى هذا النحو يكتسب حيوية و«معنًى» لا يملكها أنموذجه في «الحياة الواقعية»، بل إن «معنى» الموضوع، عندما يقدم إلينا من خلال وسيط كالتصوير أو الأدب، لا يمكن أن يفهم أو يدرك على أي نحو آخر، فهو عندئذٍ يتسم بتلك الكثافة والحيوية الخاصة التي يكتسبها عندما يكون جزءًا لا يتجزأ من العمل الفني المحدد، والتي يفقدها عندما يُنتزع من العمل الكلي وينظر إليه بمعزل عنه، فالقول إن لوحة رنوار «الفتاة وصفيحة الماء» تمثل فتاة صغيرة تلبس رداء أزرق وفي شعرها شريط، قد يكون قولًا صادقًا، ولكنه لا يمثل كل ما تنطوي عليه اللوحة، بل إن دلالة موضوع اللوحة لا يمكن أن تُفهم إلا حين ننظر إلى الموضوع كما عبر عنه الفنان، الذي وضعه داخل تركيب لوني معين، وأضفى عليه سحرًا وجاذبية مميزة.

هذا التمييز الهام بين الموضوع كما هو في «الحياة الواقعية» والموضوع كما يمثل في الفن، قد أكده الناقد أ. س. برادلي في بحثه الرائع: «الشعر لأجل الشعر».٥٥ فبرادلي يميز (مستخدمًا ألفاظ مختلفة عن تلك التي استخدمتُها) بين «موضوع» العمل (subject) و«جوهره» (substance) (ولنلاحظ أن اهتمامه الأساسي منصب على الشعر)، فالموضوع هو ما يتعلق به العمل، وهذا أمر يمكن أن يحدد بمعزل عن العمل ذاته. ويضرب برادلي لذلك مثلًا بقوله إن من الممكن أن يعرف المرء من كتاب مدرسي في الأدب الإنجليزي أن «موضوع» «الفردوس المفقود Paradise Lost» هو سقوط الإنسان، دون أن يضطر إلى قراءة العمل الشعري نفسه. وعلى ذلك فإن الموضوع «ليس، من حيث هو كذلك، في داخل القصيدة، بل هو خارجها».٥٦ أما الموضوع كما يعالج في القصيدة، وعندما يتحد بما يسميه برادلي «بالشكل»، فهو «الجوهر».٥٧ ولا يمكن معرفة «الجوهر» إلا بقراءة القصيدة. على أن الموضوع، كما يقول برادلي، لا يستطيع أن يضمن قيمة القصيدة، فمن الممكن كتابة قصيدة أو دراما رديئة عن سقوط الإنسان. ومع ذلك فإن كل ما يثبته هذا هو أن «الموضوع لا يحسم شيئًا، ولكن ليس معنى ذلك أنه لا يساوي شيئًا»٥٨ (كما يزعم الشكليون)؛ فهناك بعض الموضوعات، كسقوط الإنسان، يمكن أن تكتسب عمقًا وعظمة عندما تصبح جوهرًا لعمل مثل «الفردوس المفقود»، ولكن هذا لا يصدق على الموضوع التافه. ونستطيع أن نلاحظ أن رأي برادلي يجد دعامة من إجماع الرأي النقدي، الذي يحتفظ بأعظم قدر من المديح للأعمال ذات الدلالة الإنسانية الكبرى، ولا سيما التراجيديا. وعلى أية حال فإن تحليل برادلي يظهر بوضوح أن طبيعة ما يتمثل في العمل الفني وقيمته الجمالية تختلف تمامًا عما هما عليه خارج نطاق الفن.
فلنستخدم هذه النتيجة في الرد على النزعة الشكلية. فإذا كان الموضوع الممثل (أو «الجوهر» عند برادلي) مشابهًا «للحياة الواقعية»، ولكنه متميز عنها تمامًا؛ لأنه جزء داخل في تكوين العمل الفني المنطوي على ذاته، فإنا لا نراه أو نستجيب له مثلما نرى الأنموذج في «الحياة الواقعية» أو نستجيب له، بل إننا ندرك العمل جماليًّا،٥٩ أي ندركه بطريقة منزهة، دون أي اهتمام خارج عن نطاق فعل الإدراك. ومن هنا فإن اهتمامنا لا يكون «عمليًّا». فالعمل الفني يحبط استجابة «الحياة الواقعية» والقصص التي يصورها متضمنة ومعبأة — إن جاز هذا التعبير — داخل «إطار» العمل. وبذلك يحال بين حوادثه وبين التفاعل مع حوادث التجربة المعتادة.

ومع ذلك فإن الفن الذي يستخدم موضوعًا قد يؤدي بالمشاهد إلى اتخاذ موقف غير الموقف الجمالي. فنظرًا إلى أن هذا الفن يمثل أناسًا وحوادث تذكر المرء «بالحياة الواقعية»، فإن المشاهد قد يستجيب كما لو كان الموضوع منتميًا إلى «الحياة الواقعية». ويبدو أن الشكليِّين يذهبون إلى أن هذا ينبغي أن يحدث دائمًا، وبالتالي يرون أن تجربتنا لا يمكن أن تكون جمالية إلا إذا لم يكن العمل «يشبه» أي شيء. ومن المؤكد أن هناك أناسًا كثيرين يتميزون على وجه التخصيص بذلك النوع من التجربة الذي يحذرنا منه الشكليون. فهم لا يستجيبون إلا للموضوع المصور — أعني الفتاة الجميلة، أو الموضوع الوطني أو الديني — منفصلًا عن العمل الكامل. وعندئذٍ تكون تجربتهم غير جمالية — إذ تكون لديهم مشاعر دينية، أو يميلون إلى اتخاذ موقف عملي، أو حلم يقظة، وما إلى ذلك. والعلامة التي يتميز بها مثل هذا الشخص هي أن تجربته تكون في أساسها واحدة، أيًّا كان نوع العمل الفني، مادام لهذا العمل موضوع معين. فعلى الرغم من أن اللوحات التي تصور صلب المسيح ليست كلها قطعًا جيدة من الوجهة الفنية، فإن هذا الشخص يحس بنفس النوع من الانفعال سواءً أكانت اللوحة عظيمة أم تافهة. فمن الواضح أن ما يستجيب له هو الحادث التاريخي، أو «الحياة» لا الفن.

وفي مقابل ذلك، فإن الإدراك عندما يكون جماليًّا بحق، لا يُرى فيه الموضوع منفصلًا عن التركيب الحسي والشكل للعمل، بل مندمجًا فيه. وعندئذٍ يتركز الانتباه على العمل الفني، لا على الحادث التاريخي. وعندما يكون العمل ناجحًا، يتخذ الموضوع دلالة يختص بها العمل وحده، كما رأينا من قبل. وعلى الرغم من أن فراي كان يعتقد أحيانًا أن «الفكرة الدرامية» و«التصميم التشكيلي» متعارضان تعارضًا كامنًا، فإن هناك مواضع كثيرة في نقده يصف فيها «اندماجهما». ومن هذا القبيل قوله: «عندما … ننظر إلى لوحة «إرميا» لميكلانجلو. وندرك الاندفاع الذي لا يقاوم، الذي تكتسبه حركاته، نحس بمشاعر قوية من التبجيل والخشوع.»٦٠ ولتتأمل بالمثل هذا الوصف للوحة رمبرانت «المرأة العجوز»: «إن النمط اللوني يعتمد أساسًا على الألوان البنية الذهبية المحتشمة، وهي ألوان من النوع الذي نجده في الأشياء القديمة المعتقة … والإضاءة توحي بالغسق … والعناصر (التمثيلية) لا يمكن أن تثير إلا جزءًا من الاستجابة التي نشعر بها إزاء … العمل. وهذه العناصر، التي يؤيدها ويرددها ويوسعها ويصاحبها اللون والضوء واتساع السطح … هي التي تثيرنا على أعمق نحو.»٦١

لقد حاولت أن أبين أن استجابتنا للفن التمثيلي ليست هي استجابة «الحياة الواقعية»؛ فللموضوع في العمل الفني أهمية مميزة كامنة، يفتقر إليها أنموذجه. وفضلًا عن ذلك فإن تجرد العمل من التجربة الجارية يشجع على الإدراك المنزه عن الغرض. كذلك فإن الموقف الجمالي «متعاطف»، يتجه إلى تذوق كل شيء يتألف منه العمل الفردي، وبالتالي فهو لا يستجيب للموضوع وحده، بل للموضوع كما يتجسد في الوسط الفني. فالتمثيل يمكن أن يكون مضادًّا للاستجابة الجمالية بالنسبة إلى أولئك الذين لا يهتمون إلا بالموضوع. غير أنه لا يكون بالضرورة وعلى الدوام مضادًّا للاستجابة الجمالية.

فإذا كنا نستطيع أن نحتفظ بالموقف الجمالي أثناء تأملنا للتصوير والنحت التمثيلي، فلا بد أننا نستطيع ذلك في حالة الأدب بدوره؛ فالأدب يستمد موضوعاته من «الحياة». وكما قال الأستاذ ويمزات Wimsatt، فإن «الشعر يتحدث عن فرانكي وجوني، اللذين كانا محبَّين»، ولكنا نستطيع أن نسمع قصة «فرانكي وجوني» دون أن نتأثر إلى حد أن نسرح في حلم يقظة عاطفي أو نقوم بسلوك عملي. كما أن «بل» ليس على صواب عندما يقول إن تجربتنا ينبغي أن تكون غير جمالية إذا كان علينا، لكي نتذوق العمل. أن نجلب معنا … من الحياة … «أية» معرفة متعلقة بأفكارها وشئونها»؛ فكل شيء يتوقف على كون هذه المعرفة تتيح لنا أن نتأمل، بفهم وتمييز، ما يوجد داخل العمل، أو ما إذا كنا نستخدم العمل «حافزًا» أو دافعًا إلى التدبر في «أفكار الحياة وشئونها»، وبذلك يضيع اهتمامنا بالعمل ذاته. فمن الممكن أن يؤدي ما «نجلبه معنا من الحياة» إلى دعم الموقف الجمالي، وليس من الضروري أن يقضي عليه.
وعلى ذلك فهناك تشابه هام بين طريقة اهتمامنا بالأدب وبالفن التجريدي معًا فنحن نُقبل على نوعَي الفن هذَين بتجرد وتعاطف جماليَّين، ولكن من الواجب، تبعًا للرأي الشكلي، أن نستبعد الأدب والتصوير التمثيلي من مجال الفن والإدراك الجمالي، أو أن نقتصر على الاهتمام بتجربة «القوام shape» الأدبي والقالب التشكيلي (plastic form). فالتعريف الشكلي «للفن» و«التجربة الجمالية» أضيق مما ينبغي. وهذه النظرية ليست أداة فعالة لتحليل الموضوعات الكثيرة المختلفة التي تعد عادة أعمالًا فنية، وللاستمتاع بها، وإنما ينبغي لهذا الغرض أن نأخذ في اعتبارنا الموضوع، الذي تكتفي النظرية الشكلية باستبعاده، وكذلك كل القيم المرتبطة به.

إن النظرية الشكلية تخفق في هذه النواحي الحاسمة؛ لأنها تضع بين المتقابلات تضادًّا أقوى مما ينبغي؛ فإما أن تكون هناك تجربة جمالية بالفن التجريدي غير التمثيلي، وإما ألا تكون هناك تجربة جمالية على الإطلاق، ولكن لو كانت المناقشة السابقة صحيحة، لكان التقابل في الواقع أعقد من ذلك، فمن الممكن أن تكون هناك تجربة جمالية لفن تمثيلي له أهمية وطرافة كامنة. صحيح أن تعريفات الشكليين، شأنها شأن أية تعريفات أخرى، لا يمكن أن توصف بالصدق أو الكذب، ومن ثَم فلا يمكن تفنيدها، ولكن إذا أمكن إثبات أن تعريفًا معينًا يتجاهل وقائع تجريبية مؤكدة، وإذا لم يكن مرشدًا لمزيد من البحث في الواقع، فعندئذٍ يكون قد ثبت بطلانه، بقدر ما يمكن إثبات بطلان أي تعريف.

إن ما دفع بل وفراي إلى وضع النظرية الشكلية في الفن هو تجربتهما الخاصة في «الانفعال الجمالي»، الذي لا تثيره إلا النواحي الشكلية للفن، وهي النواحي التي أرادا أن يلفتا إليها أنظار الآخرين. ولأكرر ما قلته من قبل، وهو أن هذه التجربة نوع حقيقي هام من التجربة الجمالية التي يمر بها الكثيرون إزاء الموسيقى والفن التجريدي. وربما ساعد الفصل الحالي على جعل القارئ على وعي بهذه التجربة، وعلى إعداده لممارستها، وذلك بتنبيهه إلى سمات للفن ربما كان يتجاهلها من قبل. غير أن تذوق العلاقات الشكلية ليس إلا نوعًا واحدًا من التجربة الجمالية. وقد ذهب الشكليون أبعد مما ينبغي حين أكدوا أن هذا هو النوع الوحيد من التجربة الجمالية. فمن الممكن بالفعل أن تكون التجربة الجمالية «انفعالًا خالصًا»، ولكن من الممكن أيضًا أن تكون أمورًا كثيرة أخرى، وتظل مع ذلك جمالية بالمعنى الصحيح. وبالمثل فإن الفن الجميل يمكن أن يكون تجريديًّا تمامًا، ولكن من الممكن أيضًا أن يكون أمورًا كثيرة أخرى، ففي استطاعته أن يستعير من «الحياة الواقعية» ويصورها ويوضحها، ويظل مع ذلك محتفظًا باستقلاله وقيمته.

•••

وربما كان الخطأ الذي وقعت فيه النظرية الشكلية هو أنها، كبعض النظريات التي بحثناها من قبل، تقدم تعريفًا «للفن» يستخدم في الدعوة إلى ما ينبغي أن يكون عليه الفن. فإذا كانت الشكلية دعوة كهذه، ففي استطاعتنا أن نلاحظ أن بعض نقادها يعتقدون أنها أخفقت في ذلك. ويذهب هؤلاء النقاد إلى أنها أخفقت في الناحية الحاسمة — وهي الممارسة الفعلية للفنانين المبدعين؛ فهؤلاء النقاد يشيرون صوابًا أو خطأً (وربما لم يكن الأوان قد آن بعد لكي نقرر إن كان الأمر هذا أو ذاك) إلى أن المصورين والنحاتين أخذوا يتخلون الآن عن الفن التجريدي؛ لأنهم وجدوا أن ما يستطيع هذا الفن التعبير عنه أضيق مما ينبغي. وهم الآن يعودون إلى الفن التمثيلي الذي يستطيع هو وحده أن يصل إلى تلك «الدلالة الإنسانية» التي يأباها الفن التجريدي على نفسه. وإنه لطريف حقًّا أن نرى التطورات التي ستسير فيها الفنون البصرية خلال الأعوام القادمة.

(٤) «الفن» و«الحياة» – مرة أخرى

كنا طوال تحليلنا للنظرية الشكلية نفترض مقدمًا تمييز «بل» بين «الفن»، بانفعالاته الفريدة التي لا يمكن التعبير عنها، و«الحياة»، «بمشاغلها وشهواتها البشرية».٦٢ وقد رأينا كيف أنه ليس من الضروري سلب العمل التمثيلي حقه في أن يعد «عملًا فنيًّا» أو «موضوعا جماليًّا». ولكنا لم نناقش ادعاء الشكليين بأن الفن غير التمثيلي وتذوقه منفصلان تمامًا عن التصرفات والمشاعر المألوفة في الحياة اليومية. فلنختبر الآن هذا الادعاء.
ولأبدأ بأن أشير إلى فكرة تَرد في كتابات الشكليِّين، ولم أذكر عنها شيئًا حتى الآن. هذه الفكرة هي في الواقع من أغرب ما يقوله الشكليون، وأشده مفارقة. فيبدو أنهم ينزلقون وسط كتاباتهم إلى نوع من نظرية «المحاكاة» التي هي النقيض التام للنزعة الشكلية. ذلك أنهم يؤكدون أن الفن التجريدي يكشف عن «حقيقة» خارجة عن نطاق العمل الفني ذاته. وفي نفس الوقت الذي يدعون فيه إلى الانفصال التام بين «الفن» و«الحياة»، نراهم يؤكدون أيضًا أن الفن يكشف حقائق، بل حقائق هامة، عن «الحياة». وهكذا يقول «بل» إننا عندما ندرك الأشكال «نصبح على وعي بالحقيقة الأساسية، بالإله في كل شيء، بالكلى في الجزئي … أعني ما يوجد من وراء مظهر الأشياء جميعًا».٦٣ ومن المؤكد أن هذا قول شديد الغموض، بل ربما كان غامضًا إلى حد ميئوس منه، ومن هنا كان من الطبيعي أن يتخذ كلام «بل» عنه لهجة الدفاع.٦٤ غير أن الشكليِّين الآخرين يدعون هذا الشيء نفسه تقريبًا. مثال ذلك أن فراي يتحدث عن «ذلك الطابع الخاص للحقيقة»٦٥ في التجربة الجمالية. كذلك أصبح الفنانان كاندنيسكي وموندريان Mondrian، اللذان عاشا في القرن العشرين شبه صوفيَّين في وصفهما لقدرة الفن التجريدي على كشف «القوة الروحية الموضوعية في العالم».٦٦

ويؤدي ذلك إلى إيجاد نوع من عدم الاتساق المنطقي مع فكرة «النقاء» الفني، وهو أمر ينبغي أن يحسب على النظرية الشكلية. ومع ذلك فقد تكشف أخطاء المفكر النظري، أحيانًا، عن حقائق هامة. فمن الجائز أن الشكليين أعطونا مفتاحًا نقرر به إن كان فن ما بعد الانطباعيين منفصلًا تمامًا عن «الحياة».

فلنبحث إذن، على التوالي، في الفن «التجريدي»، الذي يظل فيه بعض التشابه الذي يمكن ملاحظته، حتى وإن يكن تشابهًا ضئيلًا فحسب، مع الموضوعات المعتادة، وبعد ذلك في الفن «اللاموضوعي nonobjective»، الذي لا يوجد فيه موضوع على الإطلاق.
إن الفن التجريدي «يحرِّف» أنموذجه. ويظهر ذلك بوضوح تام في الأساليب الحديثة، كالتكعيبية، التي تُجزَّأ فيها الوجوه والأجسام إلى سطوح كثيرة، ولكن استخدام «التحريف» لا يبدأ بفن ما بعد الانطباعية، وإنما يوجد طوال التاريخ الطويل للفنون البصرية. ومن الأمثلة الواضحة، التي قد يكون القارئ على علم بها، تلك الأجسام الممدودة إلى حد غير عادى، التي صورها إلجريكو El Greco. والتحريف، سواء حدث في الفن التقليدي أم في الفن الحديث، يضفي على موضوع التصوير طرافة وحيوية. فهو الذي يضفي عمقًا انفعاليًّا على قديسي إلجريكو، وهو الذي يجعل للأقنعة الإفريقية رونقها الخاص، ويضفي على لوحات موديلياني Modigliani سحرها (انظر اللوحة رقم ١١).
ولكن الأمر الذي يهمنا أن ندركه الآن هو أننا لم نكن لنعرف أن الموضوع محرَّف، وبالتالي لم نكن لنستمتع بالعمل كما نستمتع به فعلًا، ما لم نكن نعرف شكل الأنموذج الذي ينتمي إلى «الحياة الواقعية»؛ فنحن لا نستطيع أن نعرف أن الشيء «محرَّف»، ما لم يكن لدينا معيار معين لما يبدو عليه حين لا يكون محرَّفًا، وعلى ذلك فنحن لا نستطيع تذوق العمل إلا إذا كانت لدينا معرفة إدراكية معتادة بالطريقة التي يبدو عليها الناس والأشجار عادة. وعلى ذلك فهناك جسر يوصل بين الفن التجريدي وبين «الواقع المعتاد».٦٧ (١) فلنتأمل قطعة برانكوزي Brancusi المشهورة «طائر في الفضاء» (انظر اللوحة رقم ١٧). إننا لو تأملنا هذا العمل على النحو الذي يوحي به عنوانه، لا على شكل لا موضوعي فحسب، لأدركنا التقارب المثير الغريب بينه وبين ما تبدو عليه الطيور. صحيح أنه لا يبدو «مشابهًا» لأي طائر، ومع ذلك ففيه بساطة الطائر المحلق ورشاقته. والعمل النحتي واضح، قاطع، لا لبس فيه، شأنه شأن المسار الذي يتخذه الطائر حين يشق الهواء. فليس في وسعنا أن نعجب بهذا العمل ونستمتع به إلا إذا رفضنا رأي «بل» القائل «إننا لسنا بحاجة إلى أن تجلب معنا أي شيء من الحياة»؛ فالفن التجريدي إذ يعزل التجربة التي يحققها بالتجريف ويهذبها، يكشف لنا عن «الحياة»، ولكن على نحو أوضح وأكثر حيوية مما تتكشف عليه الحياة عادة.

وأود أن أدلي بحجة مماثلة فيما يتعلق بالفن «اللاموضوعي»، وإن كان يبدو هنا أننا نصادف صعوبات خطيرة في إثبات وجود أية علاقة مع «الحياة». فالتكوين الهندسي الخالص لمستطيلات ملونة، كما في لوحات موندريان (انظر اللوحة رقم ٢١) لا «يشبه» أي شيء، ولا يمكن أن يقال عنه إنه يحرف «موضوعًا طبيعيًّا». أليس هو إذن «نقيًّا» تمامًا؟

هنا قد يكون الشكليون مرشدين لنا. فروجر فراي، حين يصف الكتلة بأنها «عنصر في التصميم»، يكتب قائلًا إن العمل عندما يتصف «بالقصور الذاتي inertia»، فإنا نشعر «بقوة مقاومة الحركة … وتعمل تجربتنا للكتلة في الحياة الفعلية على توجيه رد فعلنا التخيل على مثل هذه الصورة».٦٨ فاللوحة أو العمل النحتي اللاموضوعي، لا يكشف عن الكتلة بوصفها سمة لموضوع ما، كالجبل أو المنضدة، ولكن عندما يجسد العمل كتلة، فإنه يعرض أمامنا صفة مشتركة بين معظم الموضوعات التي نتصل بها في التجربة المعتادة، وهذا يصدق أيضًا على «الإيقاع» و«التوتر والحركة»، عندما ترسم هذه في الخطوط الخارجية والنماذج التي يتألف منها العمل. فهذه صفات يتسم بها عدد كبير من الأشياء والحوادث المألوفة لنا، ولكنها أصبحت الآن معزولة عن سياقها المعتاد — أعني إيقاع نشاط محدد، أو توتر الصراع مثلًا — ومنظورًا إليها في ذاتها. وربما كان هذا ما يعنيه «بل» حين يقول إن الشكل ذا الدلالة يصور «الكلي في الجزئي»٦٩ (وإن يكن هذا مجرد تخمين بعيد الاحتمال). وعلى أية حال فإنا لم نكن لنستجيب لهذا الفن كما نستجيب له، لو لم تكن لدينا من قبل تجربة الثقل والخفة، والاندفاع والقصور الذاتي، والسرعة والبطء، وكل سمات العالم الأخرى التي نشعر بها شعورًا مباشرًا. فإذا كان هذا الوصف صحيحًا، فإن الفن اللاموضوعي يكشف لنا عما يكمن في قلب كل تجربة لنا «إننا نرى ما لم نر قط، ونسمع ما لم نسمع قط، ومع ذلك فإن ما نراه ونسمعه لحم من لحمنا، وعظام من عظامنا».
وفضلًا عن ذلك، فإن هذا النوع من التحليل قد طبق أيضًا على النوع الفني الآخر الذي يعد معقلًا للنزعة الشكلية — وهو الموسيقى. إذ كتب الأستاذ بيبر Pepper يقول:
«لو اختبرنا سيمفونية لبيتهوفن اختبارًا فاحصًا، لما وجدناها مجرد مجموعة من الأنغام … فهناك تقابلات وتدرجات وتواترات للأنماط النغمية وحل لهذه التواترات. والأهم من ذلك كله، أن هناك اللون النغمي، والعلاقة المتبادلة المعقدة بين متطلبات الأنغام بعضها إزاء البعض، وإزاء نغمة القرار بوجه خاص. هذه العوامل كلها تثير توقعًا وترقبًا إنسانيًّا، ورغبات وإحباطًا لهذه الرغبات … فالموسيقى الخالصة لم تتحرر من الارتباط بالأفعال والرغبات البشرية.»٧٠

المراجع

() ريدر: مرجع حديث في علم الجمال، ص٤٤–٦١، ٢٥٨–٢٨٢، ٣١٧–٣٥٦.
() فيفاس وكريجر: مشكلات علم الجمال، ص٢٠٨–٢٢٥، ٢٩٦–٣٠٤، ٥٦٢–٥٨٣.
() فيتس: مشكلات في علم الجمال، ص٤٩–٦١، ١٧٣–١٧٥، ٣٥١–٣٦٠، ٣٨١–٤١٠.

بلانشارد، فرانسس: الابتعاد عن التشابه في نظرية التصوير. الفصلان ٥، ٦.

Blanshard, Frances B., Retreat from Likeness in the Theory of Painting, 2nd edit. (Columbia U.P., 1949).

دوكاس، كيرت: فلسفة الفن. التذييل.

Ducasse, Curt J., The Philosophy of Art (N. Y., Dial, 1929).

فراي، روجر: التحولات.

Fry, Roger, Transformations (Garden City, Anchor, 1956).

هاليدي: خمسة فنون.

Halliday, F. E., Five Arts (London, Duckworth, 1946).

هانسليك، إدوارد: الجميل في الموسيقى.

Hanslick, Eduard, The Beautiful in Music, Trans. Cohen, ed. Weitz (N. Y., Liberal Arts, 1957).

هوسبرز، جون: المعنى والحقيقة في الفنون. الفصل الرابع.

Hospers, John, Meaning and Truth in the Arts (Univ. of North California Press, 1946).

بيبر، ستيفن: «هل الفن اللاموضوعي سطحي؟» (مقال).

Pepper, Stephen C., “Is Non-Objective Art Superficial?” Journal of Ae, & Art Cr., vol. XI (March, 1953) pp. 255–261.

ستينبرج، ليو: «العين جزء من الذهن».

Steinberg, Leo, “The Eye is a Part of the Mind,” Partisan Review, vol. XX (March-April, 1953), pp. 194–212.

أسئلة

  • (١)

    هل تعتقد أن من الممكن تحقيق «اندماج» جمالي بين القيم «التشكيلية» والقيم الدرامية في التصوير؟ قارن بين تحليلات أعمال معينة في كتاب فراي: «التحولات»، وفي كتاب آبل: التمثيل والشكل.

    Abell: Representation and Form.
  • (٢)
    «إن الوسائط المادية للتصوير والنحت، على خلاف وسائط الموسيقى والعمارة، تقبل تصوير الموضوعات المنظورة إلى حد من السهولة لا يمكن معه القول إن إمكانات هذين الفنين قد استُغلت استغلالًا كافيًا في التجريدات الخالصة» (جرين Greene، المرجع المذكور من قبل، ص٣٧).

    ناقش هذه العبارة، وبين كيف تعتقد أن صاحب النظرية الشكلية يرد على هذه الحجة. انظر أيضًا، في كتاب جرين، ص٤١٠–٤١٣.

  • (٣)

    ما المدارس الرئيسية في فن ما بعد الانطباعية؟ وعلى أي نحو تمثل كل من هذه المدارس النظرية الشكلية في الفن؟

  • (٤)
    ادرس الفصول التي طلب إليك قراءتها، في قائمة مراجع الفصل الثاني من كتاب برول Prall «الحكم الجمالي»، ما أوجه الشبه الرئيسية بين نظرية برول والنظرية الشكلية؟ وما موقف هذه النظريات من الأدب بوصفه فنًّا جميلًا؟
  • (٥)

    هل تكون لنا تجربة جمالية بالفن التمثيلي؟ وهل تعد تجربة هذا الفن «أقل» جمالية من إدراك الفن «الخالص»؟ اشرح إجابتك في كل حالة.

  • (٦)

    يقول برادلي إن موضوع العمل الفني «له قيمته» (انظر من قبل ص٢٢٠). فهل يترتب على ذلك أن العمل العظيم في الفن التمثيلي سيظل دائمًا أرفع من العمل العظيم في الفن التجريدي؟ وهل يمكن مقارنة قيمة هذين النوعين من الفن كل بالأخرى؟ وإن كان كذلك، فكيف؟ ناقش هذه المسألة بالنسبة إلى الأدب والموسيقى والتصوير.

  • (٧)

    ادرس لوحات موندريان (في اللوحة رقم ٢١ مثلًا). كيف يمكن الدفاع عن الرأي القائل إنها تجسد «ماهيات»؟ وكيف يختلف مثل هذا التحليل، إن كان يختلف، عن التحليل الشكلي لهذه الأعمال؟

  • (٨)

    «لا يمكن أن يعبأ التحليل المالي بالظروف التي توجد خارج نطاق العمل ذاته» (هانسليك، المرجع المذكور من قبل، ص١٠٣).

    ناقش هذه العبارة.

١  هناك عدد من المؤلَّفات التي يعد كل منها مدخلًا رائعًا إلى «الفن الحديث»، ويمكن أن تُقرأ مقترنة بهذا الفصل؛ فكتاب: ألفرد بار: «ما التصوير الحديث؟»
Alfred H. Barr, What is Modern Painting? 3rd ed. (N. Y., Museum of Modern Art, 1946).
هو مؤلف مبسط شديد الإيجاز. وهناك مؤلفات أخرى تقدم عرضًا أكثر تفصيلًا، مثل كتاب برنارد ميرز: الفن الحديث في تكونه.
Bernard S. Myers, “Modern Art in the Making” (N. Y., McGraw Hill, 1950).
وموريس رينال: التصوير الحديث.
Maurice Raynal, Modern Painting (Skira, n.d).
وألفرد بار: التكعيبية والفن التجريدي.
Cubism and Abstract Art (N. Y., Museum of Modern Art, 1936).
٢  كلايف بل: الفن.
Clive Bell, Art (London, Chatto and Windus, 1947), p. 177.
٣  مقتبس في كتاب جولد ووتر وتريفز Goldwater & Traves المذكور من قبل ص٤٢٤.
٤  المرجع المذكور من قبل، ص٢٠٧.
٥  ألفرد بار: بيكاسو: خمسون سنة من فنه.
Alfred H. Barr, jr., “Picasso, Fifty Years of his Art” (N. Y., Museum of Modern Art, 1946) pp. 54–57.
٦  المرجع نفسه، ص٥٧.
٧  المرجع المذكور من قبل، ص٤٢٤.
٨  اتجاه متطرف للمدرسة التكعيبية، استحدثه الفنان مالفيتش Malevich حوالي عام ١٩١٣م، ويتسم هذا الاتجاه بانه فن هندسي تجريدي خالص تمامًا. والمرجع الأساسي عنه كتاب ألفه مالفيتش يحمل اسم هذه الحركة. (المترجم)
٩  انظر القسم الثاني من الفصل الثالث من قبل.
١٠  مقتبس في كتاب جولد ووتر وتريفز المذكور من قبل، ص٣٤٦-٣٤٧.
١١  «بل»: المرجع المذكور من قبل، ص٢٩؛ وانظر أيضًا، روجر فراي: «الإبصار والتصميم» ص٧٠-٧١. Vision and Design (N. Y., Brentano, n.d).
١٢  المرجع المذكور، ص٢٦٥؛ وانظر بالمثل ص٨١.
١٣  المرجع نفسه، ص١٧.
١٤  الموضع نفسه.
١٥  المرجع المذكور من قبل، ص٢٤٢.
١٦  المرجع المذكور، ص٣٣-٣٤.
١٧  المرجع المذكور، ص٨.
١٨  المرجع نفسه، ص٦-٧.
١٩  المرجع نفسه، ص٢٥–٢٧.
٢٠  روجر فراي: «التحولات» الناشر: (Brantano. N. Y.,).
٢١  المرجع نفسه: ص١٩.
٢٢  «الفن Art»، ص٢٣؛ وانظر أيضًا ص١٣٠.
٢٣  كلايف بل: منذ سيزان Since Cézanne (N. Y., Harcourt, Brace, 1922) p. 94. (ملحوظة للمترجم: يطلق اسم «جون سميث» على أي شخص مجهول أو نكرة أو ما يعادل «فلان الفلاني» في لغتنا العامية.)
٢٤  «الفن»، ص٢٥.
٢٥  المرجع نفسه، ص٢٢٥.
٢٦  «الإبصار والتصميم Vision and Design» ص٣٠١؛ ولكن قارن ص٣٥، ٢٦٨.
٢٧  «التحولات»، ص١٥.
٢٨  المرجع نفسه، ص٢٣؛ وانظر أيضًا ص٢٧ وما يليها.
٢٩  «الفن»، ص١٥٣.
٣٠  المرجع نفسه، ص١٥٨.
٣١  كلايف بل: «اختلاف» الأدب.
The “Difference” of Literature (New Pepublic, 33, 1922) p. 18.
٣٢  المرجع نفسه، ص١٨.
٣٣  التحولات، ص١٠.
٣٤  ف. أ. هاليداي: «خمسة فنون» ص٢٩.
F. E. Halliday, “Five Arts” (London, Duckworth, 1946).
٣٥  «الفن»، ص٣٢؛ «الإبصار والتصميم»، ص٢١٨؛ «خمسة فنون»، ص٢٥.
٣٦  إدوارد هانسليك «الجميل في الموسيقى» ص٦٨، ١٧٢.
“The Beautiful in Music,” Trans. Cohen (London, Novello, 1891).
٣٧  المرجع نفسه، ص١٢.
٣٨  الفن، ص٣٠.
٣٩  المرجع المذكور، ص١٢٥.
٤٠  المرجع نفسه، ص١٤٠.
٤١  الإبصار والتصميم، ص٢٨٦.
٤٢  فلسفة الفن، ص٢١٩.
٤٣  مقدمة كتاب «المحاضرات الأخيرة» لروجر فراي.
“Last Lectures” (N. Y., Macmillan, 1939) pp. XVI-XVII.
٤٤  فيرنن لي: أنواع من التجربة الموسيقية.
Vernon Lec, “Varieties of Musical Experience,” in “Vivas & Krieger,” op. cit., p. 302.
٤٥  سوف نعرض بعد قليل محاولة أخرى. انظر ص٢٢٦-٢٢٧ فيما بعد.
٤٦  «الفن»، ص٤٩؛ وانظر أيضًا ص٦١-٦٢.
٤٧  المرجع نفسه، ص١٣؛ وانظر أيضًا ص٥٣.
٤٨  المرجع نفسه، ص١٦٩.
٤٩  الإبصار والتصميم، ص٣٠١-٣٠٢.
٥٠  «الفن»، ص٢٣٢.
٥١  «منذ سيزان» Since Cezanne ص١٥٨؛ وانظر أيضًا ص١٠٠.
٥٢  كتب فراي في رسالة له يقول: «إن تحليلاتي للخطوط الشكلية، والتعاقبات، والإيقاعات … إلخ، ليست إلا عوامل تساعد الشخص غير الخبير على تأمل الشكل — فهي لا تفسر» — مقتبس من كتاب فرجينيا وولف: «روجر فراي: سيرته» ص٢٣٠.
Virginia Woolf, “Roger Fry, A Biography” (N. Y., Harcourt, Brace, 1940). Rader.
٥٣  «الفن»، ص٢٩.
٥٤  المرجع نفسه، ص٣٢.
٥٥  لا بد لنا من الثناء على كل من ريدر Rader، وفيفاس وكريجر المذكورين من قبل، لأنهما أعادا طبع هذا البحث الدقيق الجاد لأشد موضوعات علم الجمال تعقيدًا في الكتابين اللذين أشرفا على نشرهما، واللذين ورد ذكرهما من قبل، في ص٣٣٥–٣٥٦، ٥٦٢–٥٧٧ من هذين الكتابَين على التوالي.
٥٦  أ. س. برادلي: محاضرات أكسفورد في الشعر، ص٩.
A. C. Bradley, Oxford Lectures on Poetry (London, Macmillan, 1909).
٥٧  المرجع نفسه، ص١٢.
٥٨  المرجع نفسه، ص١١.
٥٩  انظر الفصل الثاني من قبل.
٦٠  «الرؤية والتصميم»، ص٣٥؛ وانظر أيضًا ص١٦٦-١٦٧، ٣٠١، ٢٦٨.
٦١  وولتر آبل: التمثيل والشكل، ص١٢٨، ١٢٥–١٢٩.
Walter Abell, Representation and Form (N. Y., Scribner’s, 1935).
٦٢  «الفن»، ص٧١.
٦٣  المرجع نفسه، ص٦٩؛ وانظر أيضًا ص٥٤.
٦٤  المرجع نفسه، ص٧٠؛ وانظر أيضًا ص٢٨١.
٦٥  «الرؤية والتصميم»، ص٣٠٢.
٦٦  فرانسيس بلانشارد: الابتعاد عن التشابه في نظرية التصوير، ص١٣٥.
Frances B. Blanshard, “Retreat from Likeness in the Theory of Painting,” 2nd ed. (Columbia U.P., 1949).
٦٧  ليوستينبرج: «العين جزء من الذهن».
Leo Steinberg, “The Eye is a part of the Mind,” Partisan Review, XX (1953), 207.
٦٨  الرؤية والتصميم، ص٣٣-٣٤.
٦٩  انظر «الرؤية والتصميم» ص٢٩٥-٢٩٦.
٧٠  ستيفن بيبر: «هل الفن اللاموضوعي سطحي؟» (مقال).
Stephen C. Pepper, “Is non-Objective Art Superficial?” Journal of Ae. and Art Cr XI (1953), p. 259.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤