عفيفة

كذب المسمِّي والمسمَّى إنهم
ذرُّوا الرماد على العُيون ولوَّحوا
ما أنصفُوا لما دعوكِ عَفيفةً
لكنَّهم شتَموا العفافَ وقَبَّحوا

•••

لله حسنُك والعفافُ حجابُه
ما كان أوضَحَه لمن يَستوضِح
أيامَ ترتدُّ القلوبُ خواشعًا
ولَها إلى عُليا جمالِك مطمَح
أيام ترمُقكِ العيونُ حواسرًا
ولها احترامُ الطُّهر فرضٌ أرجَح
أيامَ قَدُّك إن تثنَّي خاطِرًا
فالغصنُ من مَرَحِ الصَّبا يترنَّح
أيام لحظُك إن رمَى وإذا رنَا
فالنَّبلُ يرشق والمهنَّد يذبَح
أيام ثغرُك لؤلؤٌ كَنَزَ اللَّمى
مكنونَهُ كالزَّهر حين يُفتَّح
أيامَ جِيدُك فَضةٌ مَسبوكةٌ
بالنور تَسبي الزاهراتِ وتفضَح
أيامَ وجهُك كالصَّباح تَزينُه
ضُفُرٌ مجعَّدةٌ تتِيه وتمرَح
أيام جِسمُك هيكلٌ لجَلاله
سجَد الأُلى عبَدوا الإله وسبَّحوا

•••

يا بنتَ من عميَت بصائرهُم فما
فهِموا جمالَكِ وهو حقٌّ أفصَح
قذَفوا به من حالقٍ في هوَّةٍ
هَجَرَت معالِمَها الغوادِي الرُّوَّح
قد زوَّجوك ولا ملامَ وإنما
ذاك التهوُّر منهمُ مُستقبح
ما كان بينهم محِبٌّ مخلصٌ
يصفُ الدواءَ ولا حكيمٌ ينصَح
ومن النِّساءِ مليحة لا بدَّ أنْ
تتزوَّجَ الرجُل الذي تَستملح
تأبى طباعُك حملَ قيدٍ متعبٍ
والجسمُ رخصٌ والسَّلاسل ترزَح
فكسَرتِها وسلكتِ ما نهجَ الهوى
للعاثراتِ كأَن ذلك أربَح
الذنبُ ذنبهمُ صدقتِ وإنما
للقلبِ حَدٌّ عنه لا يتزَحْزح
يا ليتَهم دفنوكِ في قبرٍ به
سكَن الظلامُ فشيَّعتْك النُّوَّح
وذهبتِ خطبُكِ فادحٌ لكنَّما
موتُ العفافِ اليومَ خطبٌ أفدَح
اليوم قَدُّكِ ذابلٌ واليَوم لحـْ
ـظُكِ ذاهلٌ واليوم ثغرُك أكلَح
واليوم جِيدك عاطلٌ واليَوم وجـْ
ـهك باطلٌ واليوم جسمُك مَسرَح
ماتَ الجمالُ بمُقلتَيك وأذبلَت
خدَّيكِ محرقةٌ تهبُّ وتلفَح
إنَّ المعاصِي كالسَّموم فحرُّها
أبدًا به زَهر الجمال مُصوَّح

•••

قالوا بأَنكِ تُبتِ قلتُ لكِ الهنا
أَلذنبُ تغسِله دموعٌ تسفَحُ
وإذا المدامعُ طهَّرت حُسنًا غدا
كالصُّبح أصبَى ما يكونُ وأصبَح
إني يشقُّ عليَّ طرفُك فاتنًا
يرمِي القلوبَ بنارِه ويطوِّح
وأراكِ ساهيةً فيُقلق مهجتِي
وَجدٌ يهزُّ صَبابتي ويُبَرِّح
وأنا الذي بَغَضَ الرِّياضَ لأنَّها
مَسرًى لكلِّ العالمين ومَسرح
لولا نضارتُها ولولا طُهرُها
لرأيتِ كلَّ الناس عنها ينزح
فإذا نهضتِ من العِثار «عَفيفةً»
أصبحتُ أَوَّلَ من يَغُضُّ ويصفَح
إن تُبتِ فالربُّ الكريمُ مسامحٌ
لكنَّما هذا الورى لا يسمَح
الناسُ بعضُ خلائقٍ ممزوجةٍ
هذا يُخطِّئُ ذا وذاكِ يُصحِّح
لا يُبصرون النورَ يهبِط من علٍ
مترقرقًا يَهدِي الصدورَ ويشرَح
كم مصلحٍ بَعَثَ الإلهُ وإنما
بقيتْ خلائقُهم ومات المُصلِحُ
١ نوفمبر سنة ١٩١٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤