الغرباء

إلهي تداركْنا بلُطفِك واشفِنا
من البؤسِ وارحَم إننا بؤساءُ
تُرى قبل هذا الكون كنَّا بآخرٍ
وكنتَ لنا ربًّا وكان بقاءُ
وهل فيه أَغضَبناك حتى نفيتَنا
إلى الأرض نشقَى فوقها ونُساءُ
وتنبُذنا عن ظهرِها في قرارةٍ
تحالَفَ موتٌ تحتَها وفناءُ
ألم يكفِنا فوق التُّراب شقاؤُنا
فيلحَقَنا تحت الترابِ شقاءُ
أَكفارةً عمَّا اجترَمناه قبلَها
على الجهل فاغفرْ إننا جُهلاءُ
وروحٍ لنا أودَعتها الجسمَ لم يكُن
لها موطنٌ إلَّا هُناك سماءُ
يعذِّبها الجسمُ الذي أصلُه الثَّرى
بها في النَّوى داءٌ وذلك داءُ
طريدةُ ليلٍ قد حوتْها غَيابةٌ
من الجِسم تُصليها به البُرحاءُ١
وكيف لها سَلوى بفقد ضيائِها
وما البدرُ إلَّا أَن يكونَ ضِياءُ
وما الزَّهرُ إن تفقِدْ شذَاها وما المُنى
إذا عمَّتِ البَلوى وماتَ رَجاءُ
وزاد عذابَ النفسِ أَنَّك واجدٌ
عليها بجُرمٍ جَرَّه السُّفَهاء
أتوهُ قديمًا لا الذي جاءَ عارفًا
بما جاءَ أَو من في زمانِكَ جاءوا
تمخَّض فينا الدهرُ وهو ضَعيفةٌ
قواه وإنَّا وُلدُه الضُّعفاءُ
تمادَتْ بنا الأوجاعُ في دار غربةٍ
فرُحماك ربي إنَّنا غُرباءُ
١٠ مارس سنة ١٩١٦

هوامش

(١) الغَيابة من كل شيء: ما ستَرك منه، والبرحاء: شدة الأذى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤