نظرة وخطرة

على شاطِئ البحر
يا حُبُّ قد أفنَيتني فِكرا
وتركتَني بين الورَى خَبَرا
وسلبتَ قلبي كلَّ راحتِه
ووهبتَ قلبي الهمَّ والضَّجَرا
أشقيتَ عُمرًا كنتُ راضيَهُ
ما كانَ لا صفوًا ولا كدَرا
حسبي شَفيعًا أَنني رجُلٌ
أكفِي الأنام النفعَ والضرَرا
في كل يومٍ سِيرةٌ عجَبٌ
عندي تَفوق بفَضلك السِّيَرا
بالأمس إذْ خطرَت مُهفْهَفة
هندٌ أَباحَت روحيَ الخَطَرا
في محفل للأُنس قد جُمعت
منه الشواطئُ بالورَى زُمَرا
والأفْق ضاحِكةٌ ملاحِظُه
والبحرُ هادٍ والنسيمُ سرَى
نَفَرَ الجميعُ إليه رائدهم
طيبُ الهوَى وصحبتُ من نفِرا
فمشَوا فُرادى في مسارِحه
ومشَوا ثُنَى ومشوا به نفَرا
شِيبٌ وشبان يخالطُهم
سِربُ الملاج يجرِّر الحِبَرا
يتسايَرون به على مهلٍ
وبه استطابوا الأُنس والسَّمَرا
فكأنَّ هندَ الشمسُ إذ طلعَت
تمحُو النجومَ وتفضَح القمَرا
يا نظرةً للقلب إذ عرَضت
ماذا فعلتِ بقَلب مَن نظَرا
يا فتنةً للنَّفس ساحِرةً
يوحِي إليَّ بيانها سُوَرا
يا سرَّ هذا العُمر أحسبه
لما رأيتُك منهلًا خَصِرا
هلا وقفتِ تَراك مقلةُ مَن
أَلِف الضَّنى والحُزن والسَّهرا
هلا تبطَّنتِ الخفيَّ لدى
تلك المشاهد وهو قد ظَهرا
الحبُّ ذاك ملكتُه وأنا
ما دار حولَك سَرَّ أو جهَرا
صدري وهذا البحر غورُهما
أبدًا يضلِّل كلَّ من سَبَرا
ودِّي وهذا الصَّخر قد رسَخا
أنا شاعرٌ والصُّخر ما شَعَرا
ويضمُّ قلبي كلَّ مُزبِدةٍ
جاشَتْ بموجِ عواطفٍ زَخِرا
كانتْ سماءُ النفسِ صافيةً
في أُفْقها نجمُ المنى سَفَرا
لكنَّها بهواكِ قد أفلَتْ
وثوِيتُ في ليلٍ قد اعتَكَرا
إني نبَذتُ العيشَ ليسَ له
معنًى ولستُ سوى سَناك أرَى
خفيتْ مَجالي الكَون عن بصَري
فكأنَّه بجمالِك استَتَرا
لم أعتب الأيامَ إن غدَرت
إذ كان من أهواه قد غدَرا
لم تبتَكرْ لي في الحياة سِوى
حُبٍّ أراني اليأسَ مبتكَرا
فصحِبتُ أقوامي مجامَلةً
سِيَّان من قد غاب أو حضَرا
ونسيتُ أنَّ سواكِ بارئُه
ربي وأنَّ سوى هواك بَرَا
وذكرتُ أن سِواي ليسَ له
همٌّ سِوى غرضٍ به اشتهرا
وفهمتُ أن العيشَ مضْحَكةٌ
نُخفِي بها الأدرانَ والوضَرا
وحفظتُ إلَّا كيف ينفَعني
عِلمي وإلَّا العقلَ والفِكَرا
وعلمتُ أن الحبَّ جاءَ به
قَدَرٌ وكيف أُعانِد القدَرا
فكنَزتُ حبَّك في الفؤادِ فلم
أُطلِعْ عليه السمعَ والبصَرا
وذهبتُ في الدنيا على قدَمِ
يسعَى بها جَدِّي الذي عَثَرا
لو تعلمينَ خوافِقًا عَلِقَت
قلبي فضجَّ ولجَّ مُبتَدِرا
ومنازعًا للنَّفس ضاربةً
أوتارَها ما أغفلَتْ وتَرا
وأوابدًا للعَقل شاردةً
ترِد الجنونَ وتأنَفُ الصدَرا
لرثيتِ للعاني المريضِ هوًى
وجبرتِ قلبًا بالأسى انكسَرا
اللهُ يعلم أنني رجُل
لم يقضِ يومًا في الهَوى وطَرا
٣١ يوليو سنة ١٩١٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤