جواب

١

تطالِبني سلمى بأَني أُحِبُّها
متى كان في الحُبِّ الفؤادُ مخيَّرا
فديتُكِ يا سلمى جمالُك ساحرٌ
ولكنَّ قلبي لن يعُودَ فيسحرا
صَبوتُ كثيرًا واسترَحتُ من الصَّبا
فما فزتُ إلَّا من شَقائي بأكثَرا
أبى لي ذلِّي في المحبة رجعةً
إليها وعَيشي مُستضامًا مسخَّرا
ومن أنا أهواه يزيدُ سروره
بأني عنه لا أُطيق تَصبُّرا
ويُعجبه فيه هُيامي ولَوعتي
وتضيعُ آمالي وبؤسي وما جرَى
وإن لا أرى إلَّاه في كل ما أرى
بعيدَ المنى كيما أنوحَ وأَسهرا
فأورَثني داءً بقَلبيَ كامنًا
عُضالًا رأيتُ الطِّبَّ فيه مُحيَّرا
كذلك كان الحبُّ عندي فإن أكُن
جديرًا بدَائي كنتُ بالبرءِ أجدَرا
هرمتُ وشَعري فاحمٌ وشَبيبتي
كما فاحَ في الرَّوض العبيرُ مُعطَّرا
وشاخَتْ قُوى نفسِي ونفسي فَتيَّة
وقلبيَ طفلٌ في الوَجيعة عَمَّرا
وأسلَمني هذا الزمانُ إلى التي
تُريني ضياءَ الصبح ليلًا مكدَّرا
تباعَدتُ حتى ليسَ في الأرض مَبعدٌ
لذلك لم أسمَع عن الحُب مُخبِرا
وعالجتُ هذا العمرَ حتى تركتُها
وإيَّاه لكنْ آسفًا متحسِّرا
بكيتُهما حتى كأَنَّ مَدامعي
مَسيلُ غديرٍ ماؤه قد تحدَّرا
وكفْكفتُ دمعي بعد ذلك صامِتًا
ذَهولًا وفي قلبي الضِّرامُ تسعَّرا
لقد صار قَلبي مثلما يعلمُ الأسى
تغيَّر حتى صارَ لن يتغيَّرا
٦ سبتمبر سنة ١٩١٦

٢

أينفعني الحبُّ الجديدُ وصاحبي
فؤادٌ كما شاء الزمانُ قديمُ
وكيف لقلبي بالصَّبابة والهَوى
وقلبي طفلٌ في الغَرام فَطِيم
ولم يبقَ من نفسي سوى نَفَسٍ له
زفيرٌ ونَزعٌ في الضُّلوع ألِيم
وبي غُصَّةٌ إن عاود الذِّكرُ عاودت
وعاودَ داءٌ في الفؤاد كَظِيم
وعاودَني شَوقي العَهيدُ ونازَعَتْ
قُواي خُطوبٌ جمَّةٌ وهُموم
أرى الجبلَ العالي فأشتاقُ أَنني
على رأسِه ثاوٍ هناك مُقيم
هنالكَ ما شاءَ الفؤاد سَكينةٌ
وأنسٌ ونورٌ طاهرٌ ونَسيم
هناك جماعاتُ الطيور أوانسٌ
إليَّ ووجهُ النيِّراتِ وَسيم
هنالكمُ قلبي صغيرٌ بنَفسِه
ولكنْ بما يُوحي الإلهُ عَظيم
وإنَّ جِوار الله أعظمُ راحةٍ
يَراها فؤادٌ في الشقاءِ سَقيم
وأكبرُ شرٍ أَن تُحوَّلَ مُقلةٌ
عن النُّور فالليل القريب بَهيم
وأفظعُ خطبٍ أنْ تموتَ عواطفٌ
وتُقفرَ منها أنفسٌ وجُسوم
أيا دهرُ هذا العمرُ أقلق راحَتي
وماتَ رجائي إنني لعَديم
وضيَّعتُ ما في النفس من مرَح الصِّبا
وأصبحتُ في قفرِ الحياة أَهيم
تذكَّرتُ أيَّامًا عوازبَ إنها
لقلبي في ليلِ الخطوبِ نُجوم١
بها أهتدِي إن هوَّم العمرُ وارتمَت
بي الغادياتُ السُّودُ فهي غُيوم
ووسَّدْنَني مهدَ الأسى متمَلملًا
كأني مما قد لدَغن سَليم٢
خذوا نزعاتِ العَزم مني واطفِئوا
سعيرًا بقلبي إنه لجَحيم
وحلُّوا عُرى أضلاعِ صدري وأوقِفوا
به خفَقان القلبِ فهو أَلِيم
وشدُّوا على نفسي بأَثقال دائِها
ففي النَّفس منه مُقعد ومُقيم
عسى خطرةٌ في العمر أغفلَها الأسى
وسانحةٌ دون الفَناء تحُوم
تبادلني ما استسْلَف القلبُ رحمةً
به وهْو رغمَ النائبات رَحيمُ
وفي كل يومٍ لي مُنًى مُتسجدَّة
وشَوقٌ إلى ذاك العَذاب قديمُ
٢٢ أكتوبر سنة ١٩١٦

هوامش

(١) عوازب؛ أي: بعيدة غَائبة.
(٢) السَّليم: الذي لدَغتْه الحيَّة، كأنهم يتفاءَلون له بالسَّلامة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤