الشارع المسدود

عندما وصل الأصدقاء إلى الشارع المسدود كانت السيارة السوداء ما زالت واقفةً عند قمته يحرسها أحد رجال الشرطة … فقالت «نوسة»: هل نفتش السيارة الآن؟

تختخ: نحاول!

وتقدم الأصدقاء من رجل الشرطة وعرفوه بأنفسهم، ولكنه رفض تمامًا أن يسمح لهم بدخول السيارة وتفتيشها قائلًا إن الشاويش «علي» حذَّره منهم.

وابتسم «تختخ» وقال: هل عندك مانعٌ أن ندور فقط حول السيارة؟

الشرطي: لا مانع طبعًا، دون أن تقتربوا منها؛ فهذا ممنوعٌ حتى تأتي النيابة وتقوم بالمعاينة.

كان «تختخ» ينظر إلى أرض الشارع مدققًا ثم رفع رأسه قائلًا: كما توقَّعتُ تمامًا!

عاطف: وماذا توقعت؟

تختخ: انظروا إلى أسفلت الشارع … هل هناك أثرٌ لفرامل قوية في مكان السيارة … أي قبل وقوفها مباشرة؟

نظر الأصدقاء جميعًا وقال «محب»: لا أثر لفرامل قوية … هناك أثر لفرامل عادية أو أكثر من العادية قليلًا.

تختخ: وهل هذا يعني شيئًا بالنسبة لكم؟

عاطف: طبعًا، إنه يعني أن السيارة عندما توقَّفَت في هذا المكان لم تكن تجري بسرعةٍ كبيرة … أو بمعنًى آخر كانَت قد هدأت من سرعتها.

تختخ: بالضبط … وماذا يعني هذا أيضًا؟

عاطف: يعني أن ركاب السيارة كانوا يقصدون الوقوف هنا … أي إنهم لم يقفوا هنا فجأة!

تختخ: بالضبط … إنكم تسيرون مع أفكاري خطوة خطوة … والآن سأجري التجربة التي جئت من أجلها … لقد وقفت السيارة على قمة الشارع، ودخل الرجال الثلاثة الشارع المسدود … فهل يسيرون على مهل أو يجرون؟

محب: المعقول أن يجروا لأن سيارة الشرطة خلفهم!

تختخ: تمامًا … وأحدهم يحمل حقيبةً بها خمسون ألفًا من الجنيهات وهو ليس حملًا ثقيلًا … ولكنه حملٌ على كل حال.

ثم التفت «تختخ» إلى «محب» قائلًا: أريدك يا «محب» أن تعرف طول هذا الشارع بالتقريب.

محب: إن من الممكن حسابه بالضبط … فالرصيف مكونٌ من مستطيلات من الأسمنت يمكن قياس طول كل مستطيل بالشبر … وبذلك نعرف طول الشارع كله تقريبًا … إن طول كفي … أقصد «شبري» عشرون سنتيمترًا … وطول هذا المستطيل شبران ونصف … أي خمسون سنتيمترًا، أي نصف متر … وسأعد المستطيلات.

وبينما كان «محب» يعد المستطيلات ليعرف طول الشارع قال «تختخ» للأصدقاء: سندخل في سباق في الجري … من أول الشارع المسدود … ونرى كم مستطيلًا ستقطعون … وقفوا في أماكنكم عندما أصيح.

وقف الأصدقاء جميعًا بعضهم بجوار بعض وقد أدهشهم طلب «تختخ» الذي صاح: واحد … اثنان … ثلاثة.

وانطلق الجميع يجرون … في حين وقف «تختخ» ينظر في ساعته … وعندما مرت نصف دقيقة بالضبط صاح: قف!

ووقف الأصدقاء في أماكنهم … وأخذ «تختخ» يعد المستطيلات حتى وصل إلى حيث وقفوا وقال: مائتا مستطيل تقريبًا … أي نحو مائة متر!

وكان «محب» قد عاد في هذه اللحظة فقال: إن عدد المستطيلات هو ٣٦٠ مستطيلًا، فطول هذا الشارع بالضبط مائة وثمانون مترًا … ولكن ماذا تقصد بهذا كله يا «تختخ»؟

كان «تختخ» غارقًا في أفكاره وهو ينظر إلى المنازل حوله ثم سأل: هل رقم البيت الذي يسكن فيه صاحب السيارة المسروقة رقم ۱۸؟

لوزة: تمامًا … هكذا قال المفتش «سامي».

تختخ: ونحن نقف الآن أمام هذا المنزل؟

نظر الأصدقاء إلى أرقام المنازل حولهم ثم قالت «نوسة»: نعم نحن أمام رقم ۱۸ بالأرقام الزوجية و۱۷ بالأرقام الفردية.

تختخ: سأشرح لكم فكرتي … ثم نقوم بزيارة صاحب السيارة المسروقة الأستاذ «كرم» فقد نحصل منه على معلومات تهمنا!

وقف الأصدقاء حول «تختخ» يستمعون إليه وهو يشرح فكرته قائلًا: إن عصابةً تقوم بسرقةٍ كبيرة كهذه لا بد أن تكون عصابة منظمة … ومثل هذه العصابة تضع خطتها وفي حسابها إما أنها ستقوم بالسرقة دون أن يحس رجال الشرطة، وإما أنها ستتعرض للمطاردة … وبالنسبة للحالة التي نحاول حلها الآن فإن العصابة وضعت خطةً لتضليل رجال الشرطة في حالة مطاردتها … وهي خطة بسيطة ولكن غاية في الذكاء … فهم لن يستطيعوا الجري بالسيارة إلى ما لا نهاية … أي إنهم لا بد أن يقفوا في مكانٍ ما … وقد اختارَت العصابة هذا المكان لتقف فيه منذ بداية وَضْع الخطة … ذلك لأن رجال الشرطة سيدخلون الشارع المسدود … ولأول وهلةٍ سيظنون أن الشارع مسدود وأن العصابة فيه … ولكن عندما يتقدمون في البحث سيجدون أن الشارع ليس مسدودًا وأن العصابة خدعتهم ونفذت إلى الجانب الآخر من الشارع … فيواصلون المطاردة …

لوزة: معنى هذا أن العصابة نفذت إلى الجانب الآخر من الشارع … والشارع المسدود ليس له قيمةٌ في البحث!

تختخ: بالعكس.

وانتبه الأصدقاء جميعًا بعد هذه الكلمة ونظروا إلى «تختخ» في دهشة شديدة، وقال «عاطف»: إنني لا أفهم ماذا تقصد بكلمة العكس.

تختخ: أقصد أن العصابة كانت متأكدةً أن الشرطة ستعرف أن الشارع ليس مسدودًا وتنفذ منه إلى الشارع الآخر وتواصل البحث …

نوسة: على حين أن العصابة في الشارع المسدود.

تختخ: بالضبط … وهذا يشبه أن تضع نقودك مثلًا في مظروف وتضعه على المكتب. فإذا ما دخل لص الشقة سيبحث في الدواليب والأدراج وغيرها؛ لأنه لن يتصور أن يضع الإنسان نقوده في هذا المكان البارز، بل لا بد أن يخفيَه في مكانٍ بعيد … هل تفهمونني؟

محب: واضح جدًّا … وهذا يعني أن العصابة في الشارع المسدود.

تختخ: لا أقصد هذا بالضبط … ولكنها كانت فيه عندما انتهت المطاردة فجر اليوم بالسيارة … أما الآن فلعلها قد غادرت الشارع إلى حيث لا يعلم أحد …

لوزة: ولكن ما سبب سباق الجري الذي قمنا به … وقياس طول الشارع؟

تختخ: لقد أردت أن أتأكد من فكرتي … لقد كان بين سيارة العصابة وسيارة الشرطة نحو كيلومتر … والسيارتان تجريان بأقصى سرعة، أي بسرعةٍ من ١٢٠ إلى ١٦٠ كيلومترًا في الساعة … ومن الصعب أن تسير سيارةٌ في شوارع متعرجة بسرعةٍ تزيد على٩٠كم، وإلَّا تعرضت للاصطدام … فالسيارتان إذن كانتا تسيران بسرعة ٩٠ كيلومترًا في الساعة تقريبًا … أي كيلومتر ونصف في الدقيقة الواحدة … وثلاثة أرباع كيلومتر في نصف دقيقة … فسيارة العصابة كانت تسبق سيارة الشرطة بثلاثة أرباع دقيقة تقريبًا … هل هذا واضح؟

الأصدقاء: واضح جدًّا!

تختخ: ووقفت سيارة العصابة على قمة الشارع المسدود، وجرى رجال العصابة ومعهم الحقيبة داخل الشارع وكان أمامهم حوالي دقيقة ليختفوا عن الأنظار … لأن رجال الشرطة وصلوا بعدهم بحوالي دقيقة ودخلوا الشارع أيضًا … وما كنت أريد أن أعرفه … هل يمكن لرجال العصابة أن يقطعوا الشارع كله وينفذوا إلى الشارع الآخر في نصف دقيقة؟ ووجدت أن هذا ليس ممكنًا … وأنهم في نصف دقيقة سيجرون نحو مائة متر … أي يصلون إلى حيث نقف الآن.

لوزة: ولكن سرعتنا أقل من سرعتهم.

تختخ: بفارق بسيط جدًّا، فأحدهم يحمل حقيبة ثقيلة … فالسرعتان متعادلتان تقريبًا.

محب: معنى هذا أنهم كانوا في هذا المكان في الرابعة صباحًا.

تختخ: نعم … ولا أدري ماذا حدث منذ هذه الساعة حتى الآن.

لوزة: وما فائدة مقابلة الأستاذ «كرم» صاحب السيارة المسروقة؟

تختخ: قد لا تكون هناك فائدة … ولكن من يدري … ما دمنا قد جئنا إلى هنا، وفي إمكاننا أن نقابله فلماذا لا نقابله؟ … لقد سُرقت سيارته … وكانت العصابة أمام باب منزله … فماذا يمنع من أن تكون هناك رابطة بين الواقعتَيْن؟

محب: على كل حال … لن نخسر شيئًا … هيا بنا!

واتجه الأصدقاء إلى منزل الأستاذ «كرم» وهو منزل صغير مكون من ثلاثة طوابق … وقابل الأصدقاءَ ولدٌ صغيرٌ يقفز السلالم فناداه «محب» وسأله عن الأستاذ «كرم»، فقال إنه يسكن في الطابق الثالث … سرعان ما كان الأصدقاء أمام المسكن … فقال «محب»: هل من المعقول أن نزوره نحن الخمسة معًا؟ … ألا يكفي أن يدخل اثنان أو ثلاثة منَّا فقط؟

وافق الأصدقاء على أن يدخل «تختخ» و«محب» فقط، ويذهب الثلاثة الباقون للانتظار في حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد.

ضغط «تختخ» على زر الجرس ومضت لحظات دون أن يفتح أحد! فقال «محب»: لعله ليس هنا!

تختخ: لقد علمنا من المفتش أنه رجل مريض ولا يغادر منزله إلا نادرًا … فلننتظر قليلًا!

وفعلًا سمعوا صوت أقدام ثم فتح صبيٌّ أسمر اللون الباب، ونظر إليهما قائلًا: ماذا تريدان؟

محب: نريد مقابلة الأستاذ «كرم»!

الولد: ومن أنتما؟

محب: قل له «توفيق» و«محب».

غاب الولد قليلًا ثم عاد يقول: آسف جدًّا، إنه لا يستطيع استقبالكما لأنه مريض ولا يقابل أحدًا بأمر الطبيب.

نظر «محب» إلى «تختخ» الذي أسرع يقول للولد: قل له إننا جئنا من طرف المفتش «سامي» بخصوص سرقة سيارته.

انصرف الولد مرة أخرى ثم عاد وأشار لهما أن يتبعاه إلى غرفة الصالون حيث جلسا في انتظار الرجل الذي ظهر بعد لحظات وهو يسير متكئًا على عصًا … كان رجلًا ضخم الجسم … وعندما شاهدهما بدا عليه أنه تضايق؛ لأنه وجدهما ولدَيْن صغيرَيْن، ومع ذلك رحَّب بهما في كلماتٍ قليلةٍ ثم سألهما في تهكم: ماذا تريدان؟ وما هي المعلومات التي عندكما عن السيارة؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤