فلما كانت الليلة ٧١٧

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن اليهودي لما ردَّ له السقاء الحمار أعطاه دراهمه، والتفت إلى علي المصري وقال: أتدخل باب المكر يا مشئوم حتى ردك إليَّ؟ ولكن حيثما رضيت أن تكون حمارًا أنا أخليك فرجة للكبار والصغار، وأخذ الحمار وركبه وسار خارج البلد وأخرج الرماد وعزم عليه ورشَّه في الهواء، وإذا بالقصر ظهر، فطلع القصر ونزَّلَ الخُرْج من على ظهر الحمار، وأخذ كيسَي المال، وأخرج القصبة، وعلق فيها الصينية بالبدلة، ونادى مثل ما ينادي كل يوم: أين الفتيان من جميع الأقطار؟ مَن يقدر أن يأخذ هذه البدلة؟ وعزم مثل الأول، فوضع له سماط فأكل، وعزم فحضر المدام بين يديه، فسكر وأخرج طاسة فيها ماء، وعزم عليها ورشَّ منها على الحمار، وقال له: انقلبْ من هذه الصورة إلى صورتك الأولى. فعاد إنسانًا كما كان أولًا، فقال له: يا علي، اقبل النصيحة واكتف شري، ولا حاجة لك بزواج زينب وأَخْذ بدلة ابنتي، فإنها ما هي سهلة عليك، وترك الطمع أولى لك، وإلا أسحرك دبًّا أو قردًا، أو أسلِّط عليك عونًا يرميك خلف جبل قاف. فقال له: يا عذرة، أنا التزمتُ بأخذ البدلة، ولا بدَّ من أخذها وتسلم وإلا أقتلك. فقال له: يا علي أنت مثل الجوز، لو لم تنكسر ما تُؤكَل. وأخذ طاسة فيها ماء وعزم عليها ورشَّ منها عليه وقال: كن في صورة دبٍّ. فانقلب دبًّا في الحال، وحط الطوق في رقبته وربط فمه ودقَّ له وتدًا من حديد، وصار يأكل ويرمي له بعض لقم، ويكب عليه فضل الكأس.

فلما أصبح الصباح قام اليهودي ورفع الصينية والبدلة، وعزم على الدب فتبعه إلى دكانه، ثم قعد في الدكان وفرغ الذهب والفضة في المنقد، وربط السلسلة التي في رقبة الدب في الدكان، فصار علي يسمع ويعقل ولا يقدر أن ينطق، وإذا برجل تاجر أقبل على اليهودي وقال: يا معلم، أتبيعني هذا الدب؟ فإن لي زوجة وهي بنت عمي، قد وصفوا لها أن تأكل لحم دبٍّ وتندهن بشحمه. ففرح اليهودي وقال في نفسه: أبيعه لأجل أن يذبحه ونرتاح منه. فقال علي في نفسه: والله إن هذا يريد أن يذبحني والخلاص عند الله. فقال اليهودي: هو من عندي إليك هدية. فأخذه التاجر ومرَّ به على جزار، فقال له: هات العدة وتعالَ معي. فأخذ السكاكين وتبعه، ثم تقدَّمَ الجزار وربطه وصار يسنُّ السكين، وأراد أن يذبحه، فلما رآه علي المصري قاصده، فرَّ من بين يديه وطار بين السماء والأرض، ولم يزل طائرًا حتى نزل في القصر عند اليهودي.

وكان السبب في ذلك أن اليهودي ذهب إلى القصر بعد أن أعطى التاجر الدب، فسألته بنته، فحكى لها جميع ما وقع، فقالت: أحضر عونًا واسأله عن علي المصري، هل هو هذا أو رجل غيره يعمل منصفًا؟ فعزم وأحضر عونًا وسأله: هل هذا علي المصري أم هو رجل آخَر يعمل منصفًا؟ فاختطفه العون وجاء به وقال: هذا هو علي المصري بعينه، فإن الجزار كتَّفَه وسنَّ السكين، وشرع في ذبحه، فخطفته من بين يديه وجئت به. فأخذ اليهودي طاسة فيها ماء وعزم عليها ورشَّه منها، وقال له: ارجع إلى صورتك البشرية. فعاد كما كان أولًا، فرأته قمر بنت اليهودي شابًّا مليحًا، فوقعت محبتُه في قلبها، ووقعتْ محبتُها في قلبه، فقالت له: يا مشئوم، لأي شيء تطلب بدلتي حتى يفعل بك أبي هذه الفعال؟ فقال: أنا التزمت بأخذها لزينب النصابة لأجل أن أتزوَّج بها. فقالت له: غيرك لعب مع أبي مناصف لأجل أخذ بدلتي، فلم يتمكَّن منها. ثم قالت له: اترك الطمع. فقال: لا بد لي من أخذها ويسلم أبوك وإلا أقتله. فقال لها أبوها: انظري يا بنتي هذا المشئوم كيف يطلب هلاك نفسه؟ ثم قال له: أنا أسحرك كلبًا، وأخذ طاسة مكتوبة وفيها ماء وعزم عليها ورشَّه منها وقال له: كُنْ في صورة كلب. فصار كلبًا، وصار اليهودي يسكر هو وبنته إلى الصبح، ثم قام رفع البدلة والصينية وركب البغلة، وعزم على الكلب فتبعه، وصارت الكلاب تنبح عليه، فمرَّ على دكان سقطي، فقام السقطي منع عنه الكلاب فنام قدامه، والتفت اليهودي فلم يجده، فقام السقطي عزل دكانه، وراح بيته والكلب تابعه، فدخل السقطي داره فنظرت بنت السقطي فرأت الكلب، فغطَّتْ وجهها وقالت: يا أبي، أتجيء بالرجل الأجنبي فتُدخِله علينا؟ فقال: يا بنتي، هذا كلب. فقالت له: هذا علي المصري، سَحَره اليهودي. فالتفت إليه وقال له: أنت علي المصري؟ فأشار له برأسه نعم. فقال لها أبوها: لأي شيء سَحَره اليهودي؟ قالت له: بسبب بدلة بنته قمر، وأنا أقدر أن أخلِّصه. فقال: إن كان خيرًا، فهذا وقته. فقالت: إن كان يتزوَّج بي خلَّصته. فأشار لها برأسه نعم، فأخذت طاسة مكتوبة، وعزمت عليها، وإذا بصرخة عظيمة والطاسة وقعت من يدها، فالتفتَتْ فرأت جارية أبيها هي التي صرخت وقالت لها: يا سيدتي، أهذا هو العهد الذي بيني وبينك؟ وما أحد علمك هذا الفن إلا أنا، واتفقتِ معي أنك لا تفعلين شيئًا إلا بمشورتي، والذي يتزوَّج بك يتزوَّجني، وتكون لي ليلة ولك ليلة؟ قالت: نعم. فلما سمع السقطي هذا الكلام من الجارية، قال لبنته: ومَن علَّمَ هذه الجارية؟ قالت له: يا أبتِ، هي التي علَّمَتْني واسألها عن الذي علَّمها. فسأل الجارية، فقالت له: اعلم يا سيدي، أني لما كنتُ عند عذرة اليهودي، كنت أتسلَّل عليه وهو يتلو العزيمة، ولما يذهب إلى الدكان أفتح الكتب وأقرأ فيها، إلى أن عرفت عِلْم الروحاني؛ فسكر اليهودي يومًا من الأيام وطلبني للفراش، فأبيت وقلت: لا أمكِّنُك من ذلك حتى تُسلِم. فأَبَى، فقلت له: سوق السلطان. فباعني لك، وأتيت إلى منزلك، فعلَّمْتُ سيدتي، واشترطتُ عليها ألَّا تفعل منه شيئًا إلا بمشورتي، والذي يتزوَّج بها يتزوَّجني، ولي ليلة ولها ليلة. وأخذت الجارية طاسة فيها ماء وعزمت عليها ورشَّتْ منها الكلب وقالت له: ارجع إلى صورتك البشرية. فعاد إنسانًا كما كان أولًا، فسلَّمَ عليه السقطي وسأله عن سبب سحره، فحكى له جميع ما وقع له. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤