الملك «بيعنخي»

٧٥١ق.م–٧١٦ق.م
بيعنخي مري آمون وسر ماعت رع

تدل الظواهر على أن «بيعنخي» قد تولى عرش ملك «مصر» «وكوش» بعد والده الملك «كشتا» مباشرة؛ أي حوالي عام ٧٥١ق.م، ولكنا لا نعلم شيئًا مطلقًا عن أعماله في «مصر» «وكوش» قبل قيامه بفتح الوجه البحري ومصر الوسطى في السنة الواحدة والعشرين من حكمه، وهذا التاريخ يعد حتى الآن أعلى تاريخ عرف لهذا العاهل.

وتنحصر معلوماتنا عن هذا الفرعون في وثيقتين؛ إحداهما: أثرية، وهي قبره الذي كشف في جبانة «الكورو»، والأخرى: لوحته الفاخرة التي دون عليها انتصاراته على ملوك السفلى والوسطى، وهي التي عُثر عليها في جبل «برقل»، ومن ثم أصبحت كل معلوماتنا عن تاريخ هذا الفاتح العظيم من وجهة واحدة وهي الوجهة الكوشية، أما الوجهة المصرية فلم تصل إلينا عنها كلمة واحدة، وعلى ذلك سنظل نحكم على تاريخ «بيعنخي» وفتوحه في مصر من وجهته هو التي رواها لنا.

والواقع أنه لم يختلف كثيرًا عن فراعنة مصر في سرد أعمالهم التي يغمرها الزهو والفخار والانتصارات التي لا تتخللها هزيمة قط كما سنرى بعد، ولكنه من جهة أخرى قد أظهر في نقوشه ما يدل على تدينه ورحمته، هذا؛ وقد أكدت كل من «بنسون» «وكورلاي»١ أن «بيعنخي» قد حكم مصر بعد هذا التاريخ؛ أي بعد عام ٧٥١ق.م، أكثر من عشرين عامًا بعد فتحها وتهدئة الأحوال فيها؛ وذلك لأنه ذكر في نقش مؤرخ بالسنة السادسة والعشرين من حكمه، والواقع أنه لم يعثر المؤرخون حتى الآن على هذا النقش، لكن من المحتمل أنه بعد عودته من مصر إلى «نباتا» عاصمة ملكه في «كوش» قد عاش عدة سنين، غير أنه ليس لدينا أية وثيقة تحدثنا عن عدد سني٢ حكمه.
وقبل أن نتناول بالشرح والتعليق لوحة «بيعنخي» الفاخرة يجدر بنا أن نقرر هنا ثانية بوجه عام أنه لا يوجد ملك آخر يدعى «بيعنخي» كما ادعى بذلك كل من «جوتييه»٣ «وبتري»٤ وقد تحدثنا عن الأسباب التي تدعو لوجود «بيعنخي» واحد فيما سبق.

لوحة جبل «برقل»

ذكرنا فيما سبق أننا لا نعلم شيئًا عن كيفية غزو الملك «كشتا» لبلاد مصر العليا إذا كان هو الذي فتحها، كما لا نعلم أية حروب قام بها، ولكن من جهة أخرى قد ترك لنا خلفه «بيعنخي» ابنه العظيم لوحة عثر عليها في معبد جبل «برقل»، وقد حفر متن هذه اللوحة التي تصف لنا غزوه لمصر السفلى والوسطى بالخط الهيروغليفي، وقد غطيت اللوحة بالنقوش من جوانبها الأربعة، وهي من الجرانيت الرمادي، وجزؤها الأعلى مستدير، ويبلغ ارتفاعها ثمانين ومائة سنتيمتر، وعرضها أربعة وثمانين ومائة سنتيمتر، وسمكها ثلاثة وأربعين سنتيمتر، وتزن اللوحة طنين وربع الطن، وقد كشف عن هذه اللوحة من أربع لوحات أخرى بطريق الصدفة المحضة عام ١٨٦٢م على يد ضابط مصري كان يعمل في الجيش المصري بالسودان المصري في عهد «سعيد باشا» الذي يعد المؤسس لمتحف «بولاق» الخاص بالآثار المصرية، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن اسم الضابط الذي كشف عن هذا الكنز التاريخي لم نعرفه بعد، وتاريخ العثور على هذه اللوحات على حسب ما جاء في مذكرات الأثري «مريت» نقلًا عن «مسبرو» طريف في بابه، ويتلخص في أن هذا الضابط المصري كان على ما يظن منحدرًا في النيل بسفينته، وفي خلال ذلك وجد نفسه مضطرًّا إلى تمضية بضعة أيام في إحدى القرى الواقعة بالقرب من جبل «برقل» وهو جبل شامخ الذرى جميل المنظر يبلغ ارتفاعه حوالي ٣٠١ من الأقدام، ويقع على الشاطئ الشرقي للنيل على مسافة بضعة أميال من «كاسنجار» الواقعة بدورها في سفح صخور الشلال الرابع، ويقابل هذا الجبل على الشاطئ الغربي للنيل بلدة «نبت» النوبية الشهيرة وهي «نباتا» التي جاء ذكرها في المتون المصرية القديمة.

وعندما كانت قوة الحدود المصرية الإنجليزية تقيم مساكن لها بالقرب من «صنم أبو دوم» سنة ١٨٩٧ عُثر في أثناء حفر الأسس على خرائب معابد ومبانٍ أخرى على عمق ست أقدام تحت الرمال، ويقع عند سفح الجبل من النهاية الشرقية سهل شاسع أقام عليه ملوك، يُحتمل أن أولهم هو «بيعنخي»، معابد بالحجر كما أقاموا على ربوة بالقرب من ذلك عدة أهرام برهنت أعمال الحفر على أنها لملوك، وهذه المعابد قد خربت منذ أزمان بعيدة تخريبًا تامًّا، كما دلت على ذلك أعمال الحفر التي قام بها «ريزنر» في هذه الجهة، ويظهر أن المعابد التي كانت قد أقيمت قريبًا من سفح الجبل قد خربت جزئيًّا أو كليًّا على حسب الأحوال بقطع الصخر الضخمة التي انفصلت من الجبل وسقطت على سقف المعابد، أما التي بنيت في السهل نفسه فكانت مبنية بناء واهنًا حتى إن بعضها أصبح خرابًا بعد إقامته بزمن يسير.

ويقول الأثري «بدج» أنه عندما كان يحفر في هذه الجهة في شتاء عام ١٨٩٧-١٨٩٨م، كان الموقع يشبه حظيرة أحجار نصفها مدفون في الرمل ونصفها الآخر بارز للعيان،٥ وقد كان ظاهرًا منها أجزاء من أعمدة وأحجار من رقعة المعبد وكرانيش، وكان بعضها منقوشًا، وهذه الأحجار كانت مبعثرة بعضها فوق بعض يستعملها الأهالي بطبيعة الحال في مبانيهم، فنجد أنه في أعلى النهر وفي أسفله من هذه البقعة لمسافة كانت صواديد السواقي مقامة من هذه الأحجار، هذا إلى عدد كبير من أحجار الطواحين التي قطعت كذلك من أحجار هذه المعابد، يضاف إلى ذلك أحجار المقابر الإسلامية في هذه الجهة فإنها كانت تسلب من خرائب هذه الآثار، على أن هذا التخريب الشامل للآثار لم يقف عند هذا الحد حتى في عهد الاحتلال الإنجليزي للسودان المصري عام ١٨٩٨م، كما كان المنتظر من الحكام المفروض فيهم أن يحافظوا على حرمة الآثار ويقدروها، فقد ذكر الأثري «بدج» أن الآثار التي شاهدها في بلدة «دلقو» وغيرها في هذه السنة كانت قد اختفت كلية عام ١٩٠٥، وفي عامي ١٩٠٣ و١٩٠٤ نعلم أن عددًا من البيوت قد أقيمت بأحجار انتزعت من جدران معبد «صلب» الذي أقامه «أمنحتب الثالث» وأن العمد التي كانت لا تزال قائمة في بلدة «العمارة» التي رآها «بدج» عام ١٩٠٥ قد اختفت بعد ذلك.
نعود بعد هذه اللمحة عن الآثار وتخريبها في تلك الفترة إلى الضابط المصري الذي كان قد اضطر إلى المكث بضعة أيام لسبب ما عند جبل «برقل»، فيحدثنا «مسبرو» أن هذا الضابط كان قد ذهب لزيارة بعض الآثار، وأنه في بعض جزء من المعبد «ولا بد أنه يقصد معبد الملك تهرقا» لم يحدده بدقة رأي عدة لوحات ذات نهاية مستديرة وعليها طغراءات، وليس في مقدورنا الإدلاء بالسبب الذي من أجله أخطأ الزائرون الذين سبقوا هذا الضابط رؤية هذه اللوحات؛ إذ لم نجد لها ذكرًا فيما كتبه «كاييو» Caillaud وهسكنز Hoskins كما لم يذكرها «لبسيوس» الذي لا شك في أنه فحص عن هذا الموقع بدقة، فقد كتب عن جبل «برقل» في مايو عام ١٨٤٤م آخر سائح يعدد لنا بعض الأشياء التي حملها معه من هناك؛ وهي الكبش الثمين الذي يزن حوالي ١٥٠ رطلًا ومائدة قربان ارتفاعها أربع أقدام وتمثال «إزيس» الذي نقش باللغة المروية، وقاعدة تمثال صغير … إلخ،٦ وإذا كان قد رأى اللوحات فإنه كان لا يتأخر عن أخذها، ولكن من الجائز أنه بين عامي ١٨٤٤ و١٨٦٢م كان الأهالي قد حملوا بعض الأحجار اللازمة لمبانيهم، وهذه كانت تخفي تحتها اللوحات المذكورة، ولذلك لم يرها كل من «كاييو» «وهسكنز» «ولبسيوس»، ومن ثم نفهم أنه عندما زار الضابط هذا المعبد وجد اللوحات مكشوفة أمامة، ولكن يُحتمل من جهة أخرى أن هذا الضابط كان شغوفًا جدًّا بتاريخ بلاده القديم كما يحدثنا بذلك «مسبرو»، ولذلك كان لديه معرفة كافية لفهم أهمية هذه الوثائق، على الرغم من أنه لم يكن في استطاعته قراءتها، ولا يبعد إذن أنه انتهز فرصة وجوده في هذا المعبد وقام بعمل حفائر على نطاق ضيق على حسابه في المعبد، وكانت نتيجتها العثور على اللوحات الخمس التي نحن بصددها الآن، والظاهر أن «مريت باشا» أخذ تصريحًا من «سعيد باشا» والي مصر وقتئذٍ بعمل حفائر في عام ١٨٦١م في السودان، غير أن بُعد المواقع الأثرية في هذه الجهة وقلة طرق المواصلات المؤدية إليها عاقاه عن القيام بحفائر هناك.

ولا يخفى أن الأخبار الخاصة بالشروع في عمل الحفائر كانت لا تزال وقتئذٍ تثير أعظم اهتمام عند الأهالي؛ وذلك لأن السواد الأعظم من الناس إن لم يكن كلهم كانوا مقتنعين أن الحفار لا بد قد حصل على كتاب أو وثيقة تدله على كنز دفين سيقوم بالكشف عنه والحصول على ثروة طائلة منه.

وقد ظن الضابط عند كشفه عن هذه اللوحات أن الطغراءات التي عليها تدل على أنها نقوش ملكية «وقد كان عند ظنه» وعلى ذلك كانت من الأهمية بمكان، ومن ثم شرع في نقل نقوش أطول هذه اللوحات، وبعد الفراغ من ذلك أرسل نسخته إلى «مريت» في القاهرة، ولسنا في حاجة إلى القول بأن هذه النسخة كانت تحتوي على أخطاء عدة؛ وذلك لأن حفر كثير من الحروف الهيروغليفية على اللوحة نفسها لم يكن من الطراز الأول من الحفر، ولكن مع ذلك كان معظم ما جاء في نسخة الضابط مفهومًا لدى «مريت» فتأكد في الحال أن الكشف الذي قام به هذا الضابط من الدرجة الأولى في الأهمية من الوجهة التاريخية، وقد كان هذا ظاهرًا من الخطوات التي اتخدها «مريت» للحصول على هذه اللوحات للحكومة المصرية، وقد اتخذ الإجراءات لإصدار الأوامر إلى «دنقلة» للاستيلاء عليها باسم الحكومة المصرية وإرسالها إلى القاهرة في أقرب فرصة ممكنة، وكذلك صدرت الأوامر للضابط بتعيين حراس لمنع أي فرد غير مرخص له بالاقتراب من خرائب جبل «برقل» كما كلف بأن يراقب مراقبة خاصة تجار الآثار الذين سمعوا بطريقة ما ما أصدرته الحكومة المصرية من أوامر بخصوص هذا الكشف، وقد أخذوا يتوافدون إلى هذه البقعة ليتصلوا بالأهالي ويحرضوهم على سرقة ما يمكن سرقته من الآثار بشتى الطرق، وقد أخذ حاكم «دنقلة» طوعًا لأوامر الضابط في جر اللوحات من المعبد حتى شاطئ النهر حيث حُملت في الوقت المناسب على سفن شحن خاصة يمكن أن تخترق الشلالات، وفي صيف عام ١٨٦٢ أقلعت السفينة من مدينة «مروي» الصغيرة إلى «القاهرة» في سفرة طويلة.

وفي تلك الأثناء كان «مريت» يشتغل بحل رموز النسخة التي أرسلها إليه الضابط المصري، وفي عام ١٨٦٣م كان في مقدوره أن يعلن نتيجة بحثه عن هذا الكشف إلى الأكاديمية الفرنسية للفنون والآداب.٧
وبعد ذلك أرسل نسخة من النقش إلى «دي روجيه» مع خطاب٨ لخص فيه النتيجة التاريخية التي اعتقد أنه يمكن استخلاصها من فحص خاطف قام به عن هذا المتن، وطلب إليه أن يقوم بترجمة كاملة لهذا المتن، وقد حدثنا «دي روجيه» عن أن هذا العمل كان غاية في الصعوبة؛ وذلك لأن النسخة التي أرسلت إليه، وهي التي نقلها الحارس العربي «يقصد الضابط المصري» المشرف على أعمال الحفر، كانت مشوهة كما يقول، ولكن في الواقع كانت النسخة التي يتحدث عنها «دي روجيه» هي النسخة التي نقلها الضابط المصري، ومهما كانت حالة النسخة المذكورة فإنها كانت كافية لتجعل «دي روجيه» يترجم المتن، وفعلًا نشر هذه الترجمة،٩ وبعد مضي بضعة أشهر على ذلك أعلن «مريت» هذا الكشف للأكاديمية الفرنسية، وفى هذا العام ١٨٦٣م قضى «دي روجيه» بعض الوقت في مصر، وذهب إلى متحف «بولاق» أملًا منه أن يجد لوحة «بيعنخي»؛ لأنه أراد أن يراجع نسخة الضابط على الأصل ويزيل العقبات التي اعترضته في الترجمة.

وكانت السفينة التي تحمل اللوحات لم تصل بعد من جبل «برقل»، وليس في ذلك أية غرابة، حقًّا إن الذين كلفوا بنقلها لم يجدوا صعوبة في الإقلاع حتى بلدة «كرمة»، ولكن عندما وصلوا حتى هذا المكان كان النيل قد أخذ في النقصان ولم يكن فيه ماء يكفي للمرور بعيدًا عن صخور الشلال الثالث، إذ في الواقع قابلتهم عوائق متنوعة.

وبالاختصار قد ضاع على المسافرين مع اللوحات شتاء سنة ١٨٦٢، وكان لزامًا عليهم الانتظار حتى حلول الفيضان التالي عام ١٨٦٣م، وعندما حل الفيضان التالي سارت السفينة في طريقها مسافة طويلة، ولكن هبط بعدها النيل وكان لا بد من انتظار فيضان آخر، وكانت اللوحات وقتئذٍ في مكان ما عند الشلال الثاني، ثم استؤنفت الرحلة كرة أخرى بحلول فيضان عام ١٨٦٤م، وحوالي ختام السنة وصلت اللوحات إلى القاهرة، ولا نزاع في أن النتيجة الناجحة لنقل هذه اللوحات تجعلنا نُشيد كثيرًا بفضل أولئك الذين قاموا بهذا العمل الشاق بطريقة ساذجة كالتي استعملوها، وهذا العمل يشعر بضخامته أولئك الذين قاموا مرة بنقل لوحة ضخمة في النيل بسفن الأهالى وحبالهم، والواقع أن شلالات مثل شلالات «تنجور» «ودال» «وسمنة» «وجزيرة الملك» … إلخ كان من الصعب جدًّا المرور فيها، وعلى ذلك فإن نقل لوحات جبل «برقل» بالمرور فيها يُعد من الأعمال العظيمة التى تشهد بمهارة بحارة بلاد النوبة؛ ولا غرابة فهم أبناء النيل الذين تربوا في كنفه أجيالًا لا تحصى.

وعلى أثر وصول اللوحات إلى القاهرة كلف «مريت» الأثري «دي فيريا» بعمل نسخ منها، ومن هذه عمل تحاليل لمحتويات النقوش، ونشر في مقال عنوانه: «أربع صفحات من السجلات الرسمية الكوشية».١٠
وبعد ذلك بعامين نشر «مريت» نسخة «دي فيريا» في كتابه عن أعمال الحفر في السودان،١١ وهذا الكتاب ظهر في السوق وتُدوول بالطريق العادية، غير أنه بعد نشره ببضعة أيام سُحب من السوق وأُعدمت كل نسخه بسبب لا يزال مجهولًا.
وفي عام ١٨٦٨م بدأ الأستاذ «دي روجيه» يلقي سلسلة محاضرات في كلية فرنسا College de France عن لوحة «بيعنخي».
وفي عام ١٨٦٩م نشر الأثري «لوث» ترجمة ألمانية لهذه اللوحة،١٢ ثم ظهرت ترجمة بالإنجليزية في عام ١٨٧٣م بقلم «كانون ف. س. كوك»،١٣ وفي عام ١٨٧٦م نشر ابن الأستاذ «دي روجيه» ترجمة والده بالفرنسية ومعها شرح، وهذه الترجمة تعد في الواقع الأساس الذي بُنيت عليه التراجم الأخرى التي عُملت بعده، وفِي عام ١٨٧٦-١٨٧٧م ظهرت ترجمة الأثري الكبير «بركش» لهذه اللوحة،١٤ وكذلك قام بترجمتها مرة أخرى الأثري «لوث»،١٥ وترجمها «بركش» بالإنجليزية في كتابه عن «مصر في عهد الفراعنة» الجزء الثاني، ص٢٣٠ … إلخ.
وأحدث ترجمتين لهذه اللوحة هما اللتان وضعهما «جرفث»١٦ ثم ترجمة «برستد».١٧
أما أحسن طبعة للمتن نقلت عن الأصل بعناية فائقة، فقد وضعها الأستاذ «شيفر»،١٨ وقد ظهرت بعض إصلاحات في الترجمة لبعض فقرات هذا المتن في المجلات العلمية سنشير إليها في الترجمة التي سنوردها هنا.
هذا؛ وقد عَثر على قطعتين من القطع الناقصة من اللوحة الأثري «لوكيانوف» ونشرهما في مجلة مصر القديمة.١٩

وصف لوحة «بيعنخي» وترجمتها (انظر صورة رقم ٢)

نشاهد في الجزء الأعلى المستدير من اللوحة قرص الشمس يكنفه صِلَّان ولكنه بدون أجنحة، وفي أسفل نشاهد الإله «آمون» رب «نباتا» قاعدًا ونقش أمامه: «كلام «آمون رع» رب تيجان الأرضين المشرف على «الكرنك» والقاطن في جبله المقدس «برقل»: إني أعطيك أرض … مثل والد اﻟ …» وخلف «آمون» تقف الإلهة «موت» وكتب أمامها: «موت» ربة «أشرو». وأمام «آمون» «وموت» يقف الفرعون «بيعنخي»، ويلاحظ أن صورته قد كشطت غير أنه يمكن التعرف عليها، ويحمل في منطقته خنجرًا ويرتدي قميصًا يصل إلى ركبتيه، ونقش أمامه متن يظهر أنه كشط ثم أعيد ثانية وهو: ملك الوجه القبلي والبحري «ابن رع» «بيعنخي». ويشاهد أمام الفرعون امرأة رافعة يدها اليمنى «والظاهر أنه كانت توجد صورة أخرى» وكتب أمامها: الزوجة الملكية «وهي زوجة «نمروت» كما سنرى بعد في المتن سطر ٦٢-٦٣»، ثم يشاهد الملك «نمروت» يحمل على جبينه الصِّلَّ ويقود بيده اليسرى جوادًا وفي يده اليمنى يحمل صناجة ونقش فوقه الملك «نمروت».

ويُشاهد بعده ثلاثة ملوك يحمل كل منهم على جبينه الصِّلَّ مقبِّلين الأرض أمام الفرعون وهم:
  • (١)

    الملك «أوسركون».

  • (٢)

    الملك «أوبوت».

  • (٣)

    الملك «بف-نف-ددي-باست».

ويُرى بعد هؤلاء على الجهة اليسرى أمير لا يحمل الصِّلَّ، ولكن له ضفيرة شعر جانبية ويقبل الأرض، وكُتب فوقه اسم مهشم بقي منه «… تتي»، وكذلك نشاهد أربعة أمراء بدون أصلال ولكن يحمل كل منهم ريشة على قمة رأسه، وجميعهم يقبلون الأرض أمام الفرعون، وأسماؤهم هم:
  • (١)

    الأمير «بثنفي».

  • (٢)

    الأمير «باما».

  • (٣)

    الرئيس العظيم لقوم مي «مركنشا».

  • (٤)

    الرئيس العظيم لقوم مي «زد آمون أوف عنخ».

والخطاب الذي وجهه هؤلاء الأمراء للفرعون وُجد مهشمًا ولكن تبقى منه بعض كلمات جاء فيها: «كن مسرورًا يا «حور» رب القصر … لأصغر ملك …»

المتن: وأسفل هذا المنظر يأتي النص التاريخي العظيم، وهاك الترجمة:
التأريخ: السنة الواحدة والعشرون الشهر الأول من فصل الفيضان «الفصل الأول» في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بيعنخي محبوب آمون» عاش أبديًّا.
مقدمة: الأمر الذي ينطق به جلالتي: اسمعوا لما أنجزته أكثر من الأجداد، إني ملك صورة الإله وتمثال «آتوم الحي»، الذي خرج من بطن «أمه» مزينًا بمثابة حاكم، يخافه العظماء الذين أكبر منه، والذي عرفه (٢) والده، ومن فطنت أمه أنه سيكون ملكًا وهو لا يزال في البيضة، الإله الطيب المحبوب من الإله ابن «رع» ومن ينجز بيديه ما يريد «بيعنخي» محبوب «آمون.»
وصول رسول يحمل أخبارًا تنذر بزحف «تفنخت»: لقد أتى إنسان ليخبر جلالته أن الأمير صاحب الأرض الغربية وهو الأمير الوراثي، والحاكم العظيم لبلدة «نتر» المسمى «تفنخت» قد صار في مقاطعة «يأتي بعد ذلك علامة ترمز للفظة مقاطعة غير أن اسم المقاطعة لم يُكتب عليها» وكذلك في مقاطعة «أكسيوس»٢٠ وفي «حعبي» وفي … «اسم مشهم» (٣) وفي «عن» أو «عيان» وفي «برنب» وفي «منف»، «أنب حز» = الجدار الأبيض. وقد استولى على الأرض الغربية قاطبة من أول المستنقعات حتى «إثتاوي» «= اللشت» وهو يصعد في النيل بجيش جرار، في حين أن البلاد أصبحت موحدة خلفه، والأمراء الوراثيون، حكام المعاقل كانوا كالكلاب «طائعين في عقبيه» ولم (٤) يُغلق حصن … في مقاطعات الوجه القبلي، فبلدة «مر-توم» (ميدوم) وبلدة «برسخم خبر رع» ومعبد «سبك» (الفيوم) «وبرمزد» (البهنسا) وبلدة «تكناش» (دقناش بالقرب من غربي ببا)، وكل بلدة في الغرب قد فتحت له أبوابها خوفًا منه؛ «أي سلمت دون قيد ولا شرط».

وقد عاد إلى مقاطعات الشرق ففتحت أبوابها له أيضًا: «حت بنو» «وتايوزاي» «وحس نسوت» «وأطفيح» تأمل (٥) … لقد حاصر «أهناسيا المدينة»، وأحاط بها تمامًا «جعل من نفسه كذيل في فم» فلم يجعل الخارجين يخرجون، ولم يجعل الداخلين يدخلون لاستمرار الحرب يوميًّا، وذرع الأرض حولها كلها «أي كان يلف حولها ماشيًا» وكل أمير عرف حصنه، وجعل كل رجل من الأمراء والحكام في قسمه «لمحاصرته».

الملك كان متشبعًا بحب الحرب غير أن الوقت لم يكن قد حان بعد: وقد أصغى «جلالته إلى الرسول» (٦) بقلب كبير، وكان ضاحكًا وقلبه منشرحًا.
الأخبار كانت تأخذ دائمًا صورة جدية منذرة بالخطر: وأرسل هؤلاء الكبراء والأمراء والقائد الذين كانوا في مدنهم يوميًّا قائلين: هل صمت متجاهلًا أرض الجنوب التابعة لمقر الملك؟ في حين أن «تفنخت» يستولي عليها ولا يجد أحدًا يصدُّ ساعده.
انضمام «نمروت» ملك «الأشمونين» إلى «تفنخت»: نمروت … (٧) حاكم «حت ورت» وصدع جدران «نفروسي» وهدم له مدينته خوفًا من الاستيلاء عليها لنفسه، لأجل أن يحاصر مدينة أخرى.

تأمل لقد ذهب ليكون واحدًا من أتباعه وبذلك ترك ولاءه لجلالته؛ (أي خان «بيعنخي») وقد وقف معه بمثابة واحد «من أتباعه» في (٨) مقاطعة «البهنسا» وقد أعطاه (يقصد «تفنخت») هدايا كما يرغب فيها قلبه من كل شيء وجده.

الملك يأمر جنوده الذين في مصر بالانقضاض على مقاطعة «الأشمونين»: وبعد ذلك أرسل جلالته إلى الأمراء وقواد الجيش الذين كانوا في مصر، القائد «باوارمع» والقائد «لمرسكني» وكل قائد لجلالته كان في مصر قائلًا: سارعوا إلى صفوف القتال، وحاربوا في المعركة، وحاصروا … (٩) اقبضوا على أهلها وماشيتها وسفنها التي على النهر، ولا تجعلوا الفلاحين يخرجون إلى الحقول، ولا تدعوا الحراثين يحرثون الأرض، وحاصروا حدود مقاطعة الأرنب وحاربوها يوميًّا، وقد فعلوا ذلك.
«بيعنخي» يرسل جيشه وتعليماته للقتال: وبعد ذلك أرسل جلالته جيشًا إلى مصر مكلفًا قواده بشدة قائلًا: «لا تهاجموا العدو في أثناء الليل (١٠) على طريقة لاعبي الشطرنج «حيث يبحث كل لاعب عن التغلب على قرنه» ولكن حاربوهم عندما يمكن رؤيتهم، واطلب خوض المعركة من بعيد، وإذا طلبك فانتظر مشاة وفرسان مدينة أخرى، وابقَ ساكنًا لا تتحرك حتى تأتي جنوده، وحاربه فقط عندما يطلب إليك الحرب، وفضلًا عن ذلك إذا كان له خلفاء في مدينة أخرى فاعمل على انتظارهم.» (١١) أما أمثال الأمراء الذين يمكن أن يتخذهم لمساعدته أو أي جنود لوبيين ممن يوثق بهم فأمر بمنازلتهم مقدمًا قائلًا: «وأنت «لأننا لا نعرف من نخاطب عند تنظيم الجيش» شد على أحسن جواد في الإصطبل وصُفَّ (١٢) الجنود في خط المعركة، ولا بد أن تعلم أن «آمون» هو الإله الذي أرسلنا.»
التعليمات للزحف على «طيبة»: وعندما تصلون إلى «طيبة» قبالة «الكرنك» انزلوا الماء وطهروا أنفسكم في النهر، وطهروا أنفسكم في ملابس كتان نظيفة، وشدوا القوس وارموا السهم، ولا تفخروا بأنكم (١٣) أرباب القوة؛ لأنه بدونه لا يكون لشجاع قوة؛ إذ يجعل القوي ضعيفًا، وبذلك تفرُّ الكثرة أمام القلة، وأن رجلًا واحدًا يستولي على ألف رجل، اغسلوا أنفسكم بماء قربانه وقبلوا الأرض أمام محياه وقولوا (١٤) له: امنحنا سواء السبيل حتى يمكننا أن نحارب تحت ظل سيفك القوي، أما الشبان الذين أرسلتهم فسيكون النصر لهم وسيروع الكثيرون منهم.
الجيش يثني على نصائح الملك وقوته: وعندئذ استلقوا على بطونهم أمام جلالته قائلين: «إن اسمك هو الذي يمنحنا القوة، ونصيحتك هي مرسى جيشك، وخبزك في بطوننا في كل سبيل «سلكناه»، وَجِعَتُكَ تطفئ (١٥) ظمأنا، وبطولتك تعطينا القوة، والبطش في تذكر اسمك؛ لأنه لا يتغلب جيش يكون قائده مخنثًا، فمن مثيلك فيه؟ «أي في الجيش» فأنت ملك مظفر يعمل بساعديه، وأنت المشرف على شئون الحروب.»
الجيش يتقدم نحو «طيبة»: ثم (١٦) ساحوا منحدرين في النهر إلى أن وصلوا إلى «طيبة» وعملوا وفق كل ما قاله جلالته.
الجيش يسير إلى الأمام ويهزم أسطول الثائرين: ثم ساحوا منحدرين في النهر ورأوا سفنًا عدة مصعدة في النهر محملة بالجنود والبحارة وضباط عديدين، وكل رجل شجاع من الوجه البحري كان مجهزًا (١٧) بأسلحة الحرب ليحارب جيش جلالته، وقد وقعت مذبحة عظيمة بينهم وكان عددهم لا يحصى، وقد استولى على جنودهم وسفنهم، وأُحضروا أسرى أحياء إلى حيث مكان جلالته (أي إلى «نباتا»).
الزحف على «أهناسيا المدينة» والواقعة التي وقعت في هذه المدينة: ثم زحفوا نحو مشارف «أهناسية المدينة» طلبًا للحرب.
قائمة بأسماء الأمراء والملوك الشماليين:
  • (١)

    الملك «نمروت».

  • (٢)

    الملك «أوبوت» (١٨).

  • (٣)

    رئيس مي «شيشنق» صاحب «بوصير» رب «دد».

  • (٤)

    ورئيس مي العظيم «زد آمن أوف عنخ» صاحب «منديس» (تل الربع الحالي).

  • (٥)

    ومعه بِكر أولاده الذي كان قائد الجيش «بر-تحوتي-وب-رحوي».

  • (٦)

    وجيش الأمير الوراثي «باكنرف».

  • (٧)
    وبِكر أولاده رئيس مي المسمى «نس ناعاي» (١٩) في مقاطعة «حسب».٢١
  • (٨)

    وكل رئيس يحمل الريشة من الذين كانوا في أرض الشمال.

  • (٩)

    ومعهم الملك «أوسركون» الذي كان في «بوبسطة» وإقليم «رع نفرت».

وقد تجمع كل أمير وحكام المدن المسورة في الغرب وفي الشرق وفي الأقاليم التي في الوسط بقلب واحد متحدين بوصفهم أتباعًا لرئيس الغرب العظيم حاكم المدن المسورة للأرض الشمالية «الذي يلقب» كاهن الإلهة «نيت» صاحبة «سايس» (٢٠) والكاهن الأعظم «سم» للإله «بتاح» المسمى «تفنخت».

الواقعة التي نشبت قبالة «أهناسيا المدينة»: فخرجوا إليهم «لملاقاتهم» وأوقعوا مذبحة عظيمة بينهم أعظم من أية موقعة (شيء) واستولوا على سفنهم التي كانت في النهر.
العدو يفر إلى بلدة «بربج» ويتبعهم الكوشيون في المدينة: وعندئذ عبرت بقيتهم «فلولهم» النهر ورسوا على الشاطئ الأيمن بجوار «بربج»، وعندما (٢١) أضاءت الأرض في الصباح المبكر عبر جيش جلالته نحوهم والتحم الجيش بالجيش «الآخر» فقتلوا خلقًا كثيرين منهم وخيلًا لا يحصى عددها، ووقعت الهزيمة بين الفلول «بقية الجيش المهزوم».
العدو يفر نحو الدلتا: وفروا نحو الأرض الشمالية بسبب الضربة القوية المؤلمة أكثر من أي شيء «أي من أي ضربة أخرى».

قائمة بالمذبحة التي وقعت بينهم: «أناس» «ترك الكاتب هنا مكان العدد دون أن ينقش» … رجال.

نجاة «نمروت» وهزيمة جيشه في «الأشمونين»: وهرب «نمروت» مصعدًا في النيل نحو الجنوب عندما قيل له: إن «الأشمونين» في وسط الأعداء، وهو جيش جلالته الذي استولى على أهلها وماشيتها.

وبعد ذلك دخل «الأشمونين» في حين كان جيش جلالته على النهر في ميناء (٢٣) مقاطعة «الأرنب» «أي العاصمة».

وبعد ذلك سمعوا بذلك فحاصروا مقاطعة «الأرنب» من جوانبها الأربعة ولم يسمحوا للخارجين أن يخرجوا ولا للداخلين أن يدخلوا.

تقرير يُكتب للملك «بيعنخي»: وأرسلوا تقريرًا لجلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري (محبوب آمون «بيعنخي») معطي الحياة عن كل موقعة حاربوها وعن كل انتصار لجلالته.
«بيعنخي» يغضب ويسير نحو مصر بنفسه في أول عيد رأس السنة: وعندئذ غضب جلالته من أجل ذلك، وقال وكأنه الفهد: (٢٤) هل سمحوا لفلول من جيش الشمال أن تبقى وسمحوا لمن خرج منهم أن يخرج لأجل أن يتحدث عن غزوته؟ ولم يعملوا على موتهم حتى يفنوا عن آخرهم، وإني أقسم بحب «رع» لي وبحظوة «آمون» لي أني سأذهب بنفسي شمالًا حتى أقضي (٢٥) على الذي عمله وحتى أجعله يولي الأدبار من الحرب أبديًّا.

والآن فيما بعد عندما أحتفل بشعائر السنة الجديدة سأقدم القربان لوالدي «آمون» في «نباتا» في عيده الجميل عندما يظهر بطلعته الجميلة للسنة الجديدة؛ حتى يجعلني أخرج في سلام لأرى «آمون» صاحب «طيبة» في عيد «أبت» (الأقصر) الجميل وحتى يمكنني أن أحضره في صورته (٢٦) في موكب «الأقصر» في عيده الجميل المسمى «ليلة عيد أبت» في العيد المسمى «البقاء في طيبة»، وهو الذي عمله له «رع» في البداية، ولأجل أن أتمكن من أن أحضره في موكب إلى بيته قاعدًا على عرشه كما هي الحال في يوم إدخال الإله في الشهر الثالث من الفصل الأول، اليوم الثاني، ولأجل أن أتمكن من جعل الأرض الشمالية تذوق طعم أصابعي «في الحرب».

الاستيلاء على «البهنسا»: وبعد ذلك سمع الجيش الذي كان هناك في مصر (٢٧) بغضب جلالته منهم، وعلى ذلك حاربوا «برمزد» (البهنسا) التابعة لمقاطعة «البهنسا» فاستولوا عليها كأنهم طوفان من الماء، وأرسلوا لجلالته غير أن قلبه لم يكن راضيًا بذلك.
الاستيلاء على «طهنة»: وبعد ذلك حاربوا «طهنة» عظيمة الانتصار، وقد وجدوها مملوءة (٢٨) بالجنود من كل رجل شجاع من أرض الشمال، وبعد ذلك استعملوا المنجنيق في قذفها فهدمت جدرانها، ووقعت مذبحة عظيمة بينهم لا يُحصى عدد قتلاها، ومنهم: ابن رئيس مي «تفتخت» ثم أرسلوا لجلالته بشأنها غير أن قلبه لم يكن راضيًا بذلك.
الاستيلاء على «حت نبو»: ثم (٢٩) قاموا لمحاربة «حت نبو» فتثبتوا داخلها، ودخلها جيش جلالته ثم أرسلوا إلى جلالته، ولكن قلبه لم يكن راضيًا بذلك.
الملك يذهب من «طيبة» إلى «الأشمونين»: في الشهر الأول من الفصل الأول اليوم التاسع ذهب جلالته شمالًا إلى «طيبة» وأتم عيد «آمون» في عيد «أبت» (الأقصر) وساح جلالته شمالًا (٣٠) إلى بلدة مقاطعة «الأرنب» (الأشمونين) وخرج جلالته من حجرة السفينة وكانت الخيل مجهزة، وامتطى العربة، وساد الرعب من جلالته إلى نهاية بلاد الآسيويين، وكان كل قلب مثقلًا بالخوف منه.
«بيعنخي» يوبخ جيشه: ثم خرج جلالته (٣١) ليوبخ جنوده ثائرًا عليهم كالفهد قائلًا: هل ثباتكم في الحرب معناه التراخي فيما آمر به؟ هل بلغ العام نهايته عندما نفذ الخوف مني في الأرض الشمالية؟ إنهم سيضربون ضربة عظيمة مؤلمة.

وقد أقام لنفسه معسكرًا في الجنوب الغربي من الأشمونين وحاصرها (٣٢) يوميًّا، وقد أقيم جسر ليحيط بالجدار، وأقيم برج ليرفع الرماة عندما يرمون بسهامهم والضاربين بالمقلاع عندما يرمون بالحجارة، وكانوا يذبحون الناس من بينهم يوميًّا.

المدينة تطلب التسليم ولكن الفرعون بقي متعنتًا: وقد مرت الأيام ورائحة «الأشمونين» نتنة في الأنوف بعد عبيرها (٣٣) الحلو، وبعد ذلك انبطحت الأشمونين على بطنها طالبة العفو أمام ملك الوجه البحري، وقد خرج الرسل ونزلوا حاملين كل شيء جميل المنظر من ذهب وكل حجر فاخر ثمين وملابس في صندوق والتاج الذي كان على رأسه «نمروت» والصِّلَّ الذي كان يبعث الخوف منه، دون انقطاع لمدة عدة أيام طالبين العفو بتاجه «أي بأن ينزل عن تاجه على ما يظهر».
الملكة زوج «نمروت» تتوسط في الأمر: ثم قاموا وأرسلوا (٣٤) زوجه (أي زوج الملك «نمروت») وابنة الملك المسماة «نستنت» تطلبان العفو من أزواج الملك وحظيات الملك وبنات الملك وأخوات الملك، ولتنبطح على بطنها (يقصد زوج الملك «نمروت») في الحريم أمام زوجات الملك قائلة: إننا نأتي إليكن يا زوجات الملك وبنات الملك ويا أخوات الملك لتهدئن «حور» رب القصر صاحب القوة الكبيرة والنصر العظيم، ليته يمنحنا … تأمل (٣٥) أنه … تأمل … تكلمن إليه ليلين للذي يمجده … (الأسطر من ٣٦ حتى السطر التاسع والأربعين مُحيت تقريبًا) ووجدت خمس قطع من هذه اللوحة بعد الكشف عنها، عثر عليها الدكتور ريزنر في نفس المكان الذي كانت فيه اللوحة في جبل برقل، وقد حاول لوكيانوف٢٢ أن يحدد مكانها ويعطي مضمون ترجمتها، فالقطعة رقم ٤٧٠٨٧ لا يمكن وضعها إلا على الوجه الأيسر من اللوحة بين الأسطر من ٣٥ إلى ٥٠، ومن معنى سياق الكلام يمكن وضع هذه القطعة في الأسطر ٤١، ٤٢، ٤٣؛ إذ إن كل سطر من هذه القطعة مكمل للأسطر المقابلة في اللوحة.

ومتن هذه الأسطر هو تكملة لتضرع الملكة «نستنمحونت» إلى أزواج وأخوات الملك «بيعنخي» (انظر السطر ٣٤) لأجل أن يصفح عن الملك «نمروت»، ومن متن هذه القطعة ومتن اللوحة نشاهد أن زوجات الملك وأخواته قد انبطحن على الأرض أمام الملك «بيعنخي» (السطر ٤٢)، وأن الزوجات الملكيات تضرعن للملك طالبات إليه العفو عن «نمروت» ملك «حت ورت» (السطر ٤٣). ولا بد أنه كان في الجزء الناقص تسلم ما ورده «نمروت»، ثم أتى الأخير بنفسه للملك.

«بيعنخي» يخاطب «نمروت»: انظر! من قادك؟ من قادك؟ من قادك إذن؟ من قادك … (٥٢) لقد تركت سبيل الحياة، هل السماء تمطر سهامًا (؟) أنى … «مرتاح» عندما يخضع أهل الجنوب، وأهل الشمال، يقولون: ضعنا في ظلك، تأمل أنه مؤذ … (٥٤) حاملًا طعامه، وإن القلب دفة سفينته، تقلب صاحبها بما هو من قوة الله، وأنه يرى اللهيب كأنه برودة في القلب؛ «أي إن اللهيب يظهر له كأنه برودة في القلب؛ لأن القلب نفسه حار!» … (٥٥) لا يوجد مسن … والمقاطعات ملأى بالشباب.
جواب «نمروت» «لبيعنخي»: فانبطح على الأرض أمام جلالته، قائلًا: كن (٥٦) «هادئًا» يا حور يا رب القصر إن قوتك هي التي فعلتها، وإني واحد من عبيد الملك أدفع الجزية للخزانة … (٥٧) جزيتهم، ولقد أحضرت لك أكثر منهم.
«نمروت» يحضر هدايا للملك «بيعنخي»: وعلى ذلك أهدى كثيرًا من الفضة والذهب واللازورد والفيروز والبرنز وكل الأحجار الثمينة، فملأ (٥٨) الخزينة بهذه الجزية، وأحضر جوادًا في يده اليمنى وصناجة في يده اليسرى٢٣ من الذهب واللازورد.
دخول «بيعنخي» مظفرًا في «الأشمونين»: وبعد ذلك ظهر جلالته (٥٩) في قصره ومن ثم سار إلى بيت «تحوت» رب «الأشمونين» وذبح ثيرانًا وعجولًا وطيورًا لوالده رب «الأشمونين» ولثمانية الآلهة في بيت (٦٠) الثامون «أي ثمانية الآلهة». وقد ارتفع صياح جيش مقاطعة «الأرنب» وفرحوا قائلين: ما أجمل حور ثاو في (٦١) مدينته، ابن «رع»، «بيعنخي»، أقم لنا عيدًا ثلاثينيًّا؛ لأنك قد حميت مقاطعة «الأرنب».
«بيعنخي» يزور قصر «نمروت» والخزانة والمخازن والحريم: ثم سار جلالته إلى (٦٢) بيت «نمروت»، ودخل كل حجرة في بيت الملك وبيت ماله ومخازنه، وأمر بأن تُحضر (٦٣) له زوجات الملك وبنات الملك، وصافحهن جلالته على طريقة النساء، ولكن جلالته لم يُدِرْ وجهه لهن (٦٤) «أي كان متعففًا».
«بيعنخي» يزور حظيرة خيل «نمروت» وينتقد تجويعها وهزالها: ثم سار جلالته إلى حظيرة الخيل وحظائر المهارى وعندما رأى (٦٥) أنها قد تألمت من الجوع، قال: أقسم بحب «رع» لي وبقدر ما تنتعش أنفي بالحياة أنه لأكثر إيلامًا لقلبي (٦٦) أن تكون جيادي قد تألمت جوعًا أكثر من تألمي لأي عمل مسيء قد عملته في تنفيذ غرضك، لقد شهد عليك لي خوف رفاقك عليك، (٦٧) ألم تعلم أن ظل الله فوقي؟ وأن حظي لن يولي بسببه؟ فلو كان آخر عمل ذلك معي (٦٨) فإنه لم يكن يسعني إلا أن أدينه من أجل ذلك، وعندما كنت أُصَوَّر في الفرْج وأُكَوَّن في البيضة المقدسة (٦٩) فإن بذرة الإله كانت فيَّ، وأقسم بحضرته أني لا أعمل شيئًا بدونه، فإنه هو الذي يأمرني بفعله.
التصرف في متاع «نمروت»: وبعد ذلك أعطيت أملاكه الخزانة (٧٠) ومخازن غلاله القربان المقدس الخاص «بآمون» في الكرنك.
خضوع أمير «أهناسية المدينة» وولاؤه للملك «بيعنخي»: وأتى حاكم «هيراكليوبوليس» (أهناسيا المدينة) «بفنفد ديباست» يحمل جزية (٧١) للقصر من ذهب وفضة وكل حجر ثمين وجياد من خيرة ما في الإصطبل، فاستلقى على بطنه أمام جلالته، وقال: مرحبًا بك يا حور، أيها الملك القوي (٧٢) يا أيها الثور مخضع الثيران! إن العالم السفلي قد قبض عليَّ وقد غمرت في الظلام الذي سطع (٧٣) عليه النور٢٤ الآن، وإني لم أجد صديقًا في يوم البؤس كان ثابتًا في يوم الواقعة، ولكن أنت أيها الملك الجبار لقد بددت (٧٤) الظلام عني، وإني أكدح مع رعاياك وستدفع «أهناسيا المدينة» ضرائب (٧٥) لخزانتك، أنت يا صورة «حور أختي» والمهيمن على النجوم الثابتة، فكما كان فأنت كذلك ملك، وكما أنه لا يفنى فإنك (٧٦) لن تفنى يا ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بيعنخي» العائش أبديًّا.
الملك ينحدر في النهر نحو بلدة «برسخم خبر رع» ويأمرها بالتسليم: وانحدر جلالته في النهر نحو فتحة القناة «بحر يوسف الحالي» بجوار (٧٧) «اللاهون» فوجد أن جدران «برسخم خبر رع» متهدمة وحصنها مغلق، ومملوءة بكل رجل شجاع من الأرض الشمالية، وعندئذ أرسل جلالته لهم قائلًا: أنتم يا من تعيشون في الموت! أنتم يا من تعيشون في الموت! أنتم أيها النكرات (٧٨) والتعساء! أنتم يا من تعيشون في الموت! إذا مرت ساعة دون أن تفتحوا لي تأملوا أنكم ستكونون في عداد الساقطين، وهذا مؤلم للملك، فلا تغلقوا أبواب حياتكم لأجل أن تحضروا على مقصلة هذا اليوم، فلا ترغبوا في الموت ولا تكرهوا الحياة … (٧٩) … أمام كل الأرض.
استسلام مدينة «برسخم خبر رع»: وعندئذ أرسلوا إلى جلالته قائلين: «تأمل، إن ظل الإله فوقك، وابن «نوت» (الإله «ست») يعطيك ساعديه، وفكرة لبك تحدث في الحال كالتي تخرج من فم الإله، تأمل لقد صورت في صورة إله، ونحن نرى بمراسيم يديك، وتأمل إن بلدك هي حصنه (٨٠) فافعل بها ما «يرضيك»، فاجعل الداخلين يدخلون هناك والخارجين يخرجون، ودع جلالته يفعل ما يريد.»

وبعد ذلك خرجوا مع ابن رئيس مي «تفنخت» فدخل جيش جلالته فيها دون أن يُقتل واحد من كل الناس، ووجد (٨١) مع حاملي الأختام ليختموا أملاكه، وخزائنه سلمت لبيت المال، ومخازن غلاله للقربات الإلهية الخاصة بوالده «آمون رع» رب «طيبة».

استسلام «ميدوم»: وانحدر جلالته شمالًا، وقد وجد «ميدوم» دار «سكر» رب «سحز»٢٥ قد أغلقت وكانت ممتنعة، ونشب القتال في قلبها، أخذًا (٨٢) … فاستولى عليها الخوف، وختم الفزع فمهم، وعندئذ أرسل جلالته لهم قائلًا: تأملوا إن أمامكم طريقين فاختاروا أنتم كما ترغبون: افتحوا فتعيشوا، أغلقوا فتموتوا، إن جلالتي لن يمر في باب مغلق. وعندئذ فتحوا في الحال فدخل جلالته في داخل هذه المدينة (٨٣) وقدم قربانًا … إلى «منحيت» صاحب «سحز» وقد أهدى بيت ماله إلى بيت المال، ومخازن غلاله للقربان المقدسة «لآمون» صاحب «الكرنك».
استسلام «اللشت»: ثم انحدر جلالته شمالًا إلى «اللشت» فوجد السور مغلقًا والجدران ملأى بالجنود من أرض الشمال الشجعان، وبعد ذلك فتحوا الحصن وانبطحوا على بطونهم (٨٤) أمام جلالته، قائلين: إن والدك قد قرر لك إرثه، فالأرضان ملكك وما فيها ملكك، وكل ما على الأرض ملكك. ودخل جلالته ليجعل قربانًا عظيمًا يقدم للآلهة القاطنين في هذه المدينة من ثيران «أوا» وثيران «ونز» ودجاج وكل شيء طيب وطاهر.

وبعد ذلك أعطيت ماليتها الخزانة، ومحازن الغلال صارت قربانًا للضيعة المقدسة (٨٥) لوالده «آمون رع».

الملك يسير نحو «منف» لتسلم بدون حصار طويل: «انحدر بعد ذلك جلالته في النهر» إلى «منف»، وقد أرسل إليها (أي إلى أهلها) قائلًا: لا تغلقي «الأبواب» ولا تحاربي أنت يا مأوى الإله «شو» «يخاطب المدينة» في الأزلية، وإن الذي يريد أن يدخل دعوه يدخل، وإن الذي يريد أن يخرج دعوه يخرج، ولا تمنعوا من يريد أن يغادر «المدينة»، وسأقدم قربانًا للإله «بتاح» ولكل الآلهة الذين في «الجدار الأبيض» (منف)، وإني سأضحي للإله «سكر» في المكان السري، وسأشاهد الذي في جنوبي جداره (يقصد الإله «بتاح») إلى أن أنحدر شمالًا في النهر في أمان (٨٦) … وإن أهل «الجدار الأبيض» (منف) سيكونون سالمين معافين، ولن يبكى أحد حتى الأطفال، انظروا أنتم إلى مقاطعات الجنوب فإنه لم يذبح واحد منهم إلا الأعداء الذين لعنوا الإله، وهم الذين قطعت رءوسهم على المقصلة بوصفهم ثائرين، غير أنهم «الأهالي» أوصدوا معاقلهم وأرسلوا جيشًا على فئة من جنود جلالته، من الصناع والمشرفين على المباني، والنواتي (٨٧) … ميناء «منف».
«تفنخت» يدخل «منف» ليلًا ويحمس جنوده ويعود إلى الدلتا: تأمل فإن أمير «سايس» هذا (يقصد «تفنخت») قد وصل إلى الجدار الأبيض ليلًا محمسًا مشاته وبحارته وجميع خيرة جيشه وعددهم ثمانية آلاف رجل حاثًّا إياهم بحماس عظيم، تأملوا إن «منف» قد اكتظت بالجنود من خيرة ما في الأرض الشمالية، ومخازنها تفيض بالشعير والبر وبكل أنواع الأسلحة … (٨٨) «وإنها محصنة» بجدار، وقد أقيمت شرفة عظيمة صُنعت بمهارة والنهر يجري حول جانبها الشرقي، وليس هناك فرصة للهجوم (أي من الشرق) ويوجد فيها حظائر للماشية مملوءة بالثيران، والخزانة مجهزة بكل شيء من فضة وذهب ونحاس وملابس وبخور وشهد وزيت.
«تفنخت» يذهب لعمل الإمدادات: وسأذهب وأعطي شيئًا لرؤساء الشمال، وسأفتح مقاطعاتهم، وسأكون (٨٩) … «وسأقضي أيامًا قليلة» إلى أن أعود. وامتطى جوادًا ولم يطلب عربته، وسار شمالًا خوفًا من جلالته (أي من «بيعنخي»).
«بيعنخي» يذهب إلى «منف»: وعندما انفلق الإصباح في النهار المبكر كان جلالته قد وصل إلى الجدار الأبيض وأرسى سفينته في شماليها، وكان قد وجد أن الماء قد اقترب من الجدران وأصبحت السفن ترسو عند (٩٠) جدران «منف»، وعندئذ رأى جلالته أنها كانت قوية وأن السور قد رُفع بوساطة بناء جديد «عليه»، وشرفات يحميها رجال حرب أشداء، ولم تكن هناك طريقة لمهاجمتها.
الضباط يقترحون طرقًا للاستيلاء على المدينة: وقد أبدى كل واحد رأيه من رجال جيش جلالته على حسب قواعد الحرب، فقال كل رجل: دعنا نحاصرها (٩١) … تأمل إن جنودها عديدون «حتى لا يمكن مهاجمتها»، وقال آخرون: فلْنُقِمْ طريقًا «يوصل» إليها ولنرفع التربة حتى جدرانها، دعنا نُقِمْ برجًا «يوصل إليها» ونصنع من العمد الخشبية قنطرة إليها، وبهذا التصميم نقسمها من كل جانب من جوانبها على الأرض العالية (٩٢) … من شماليها لأجل أن ترفع الأرض عند جدرانها حتى نجد طريقًا لأقدامنا.
الملك لا يأخذ بهذه الآراء ويصمم على مهاجمة المدينة: وعندئذ استولى الغضب على جلالته كالفهد، وقال: إني أقسم بحب «رع» لي وبحظوة والدي «آمون» الذي برأني أن ذلك لا بد أن يحدث لها على حسب أمر «آمون»، وهذا ما سيقوله الناس: (٩٣) إن الأرض الشمالية ومقاطعات الجنوب قد فتحت له أبوابها من بعيد؛ لأنها لم تضع «آمون» في قلوبها، ولم تعرف ما الذي أمر به، فإنه (أي «آمون») قد جعل «بيعنخي» يُظهر شهرته كما جعل هيبته تُرى، وإني سأستولي عليه «أي المدينة» بوصفي فيضان الماء، وقد أمرت (٩٤) …
الاستعداد للهجوم: وبعد ذلك أمر بإرسال أسطوله وجيشه لمهاجمة ميناء «منف»، وقد أحضروا له كل معبر وكل سفينة شحن وكل سفينة نقل وكل سفينة بقدر ما كان يوجد، وأرسيت في ميناء «منف» وربطت حبال مقدمتها بين بيوتها «أي بيوت المدينة» (٩٥) … ولم يوجد واحد بكى بين كل جنود جلالته «المقصود هنا على ما يظن أنه لم يُصَبْ واحد منهم بسوء».
الأمر بالهجوم: وقد أتى جلالته ليرتب السفن بقدر ما كان هناك منها، وأمر جلالته جيشه قائلًا: إلى الأمام عليها «أي على المدينة»، تسلقوا الجدران، اقتحموا البيوت التي على النهر «أي التي على ضفة النهر»، وإذا وصل أحدكم إلى أعلى الجدار فلا يقف أمامه حتى (٩٦) لا يردكم الجنود «المعادون»، وإنه لأمر حقير «بالنسبة لنا» أن نوصد الجنوب، ثم ينبغي علينا أن نرسو في الشمال ونضع الحصار في ميزاني الأرضين.٢٦
الاستيلاء على «منف»: وبعد ذلك استولى على «منف» (من نفر) كأنها أخذت بفيضان ماء، وقد قتل فيها جم غفير من الناس، وأحضر أسرى أحياء إلى المكان الذي كان فيه جلالته أيضًا.
حماية «منف»: والآن عندما (٩٧) أضاء الصبح وطلع النهار الثاني أرسل جلالته أناسًا لها لحماية معابد الإله «آمون» ومحراب الآلهة، وقدم القربان لمجلس آلهة مدينة «حتكبتاح» (منف)، ونظفوا «منف» بالنطرون والبخور، وأقاموا الكهنة في أماكنهم، ثم سار جلالته إلى بيت «بتاح» (٩٨) وأديت شعيرة تطهيره في حجرة الصباح، وكل تقليد كان يُعمل للملك أُجري له، ودخل المعبد وقدم قربانًا عظيمًا لوالده «بتاح» القاطن جنوبي جداره، ويتألف من ثيران وعجول ودواجن وكل شيء طيب، ثم سار جلالته إلى بيته.
إقليم «منف» يسلم: وبعد ذلك لما سمع بهذا «أي الاستيلاء على منف» فإن كل المراكز التي كانت في إقليم «منف» وهي: «حري بدمي» «وبني-نا-أوع» (٩٩) وبرج «بيو» وواحة «بيت» وقد فتحوا المعاقل وهربوا بعيدًا ولم يعرف أحد أين ذهبوا.
خضوع صغار ملوك الدلتا للملك «بيعنخي»: وقد حضر الملك «أوبوت» ورئيس «مي» المسمى «أكانشو» والأمير الوراثي «بدي إزيس» وكل أمراء (١٠٠) الأرض الشمالية حاملين جزيتهم ليروا بهاء جلالته.
إعطاء ثروة «منف» للإله «آمون» رب «طيبة» ولآلهة «منف»: وبعد ذلك أعطيت خزائن «منف» ومخازنها قربانًا مقدسة «لآمون» «وبتاح» وتاسوع الآلهة القاطنين في «حتكبتاح» (منف).
الملك يزحف على «خرعحا» (مصر العتيقة الحالية): وعندما أضاء النهار في الصباح المبكر سار جلالته شرقًا وقرب قربانًا «لآتوم» صاحب «خرعحا» وللتاسوع المقدس (١٠١) وكهف الآلهة القاطنين فيه، وتحتوي على ثيران وعجول ودواجن ليمنحوا الحياة والفلاح والصحة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بيعنخي» العائش أبديًّا.
«بيعنخي» يذهب إلى «عين شمس»: ثم سار جلالته إلى «عين شمس» الواقعة على تل «خرعحا» على الطريق العام الخاصة بالإله «سب» إلى «خرعحا»، وسار جلالته نحو المعسكر الذي كان في غربي «آتي» (قناة «عين شمس») وطهر نفسه ونظف في بركة «كبح» (١٠٢) وغسل وجهه في نهر «نون» الذي غسل فيه «رع» وجهه.
الاحتفال في «عين شمس» (تل الرمال): ثم سار إلى «تل الرمال» في «عين شمس»، وهناك قربت قرابين عظيمة على «تل الرمال» في «عين شمس» في حضرة «رع» عند طلوعه، وتحتوي «أي القربان» على (١٠٣) ثيران بيضاء ولبن وعطور وبخور وكل خشب ذي رائحة جميلة.
الذهاب إلى المعبد: وحضر متجهًا إلى بيت «رع»، ودخل المعبد بدعاء عظيم، وقد تضرع الكاهن رئيس المرتلين للإله أن يصد الثوار عن الملك، ثم زار قاعة الصباح لأجل أن يرتدي لباس «سدب»،٢٧ وطُهِّر بالبخور والماء، وقُدمت له أكاليل لأجل بيت الهرم الصغير، وكذلك أُحضرت له الأزهار (١٠٤)، وصعد السلم إلى النافذة العظيمة٢٨ ليشاهد «رع» في بيت «بن بن» (الهرم الصغير) وقد وقف الملك نفسه منفردًا، وكسر المزلاج حين فتح المصراعين وشاهد الوالد «رع» في بيت «بن بن» الفاخر وسفينة الصباح الخاصة «برع» وسفينة المساء الخاصة «بآتوم»، ثم أوصد المصراعين ووضع عليهما الطين وختمهما (١٠٥) بخاتم الملك نفسه، وكلف الكهنة المطهرين، قائلًا: لقد فحصت الخاتم ولن يُسمح لأي فرد آخر أن يدخله من كل الملوك الذين سيأتون، فانبطحوا على بطونهم أمام جلالته قائلين: ليتك تبقى وتستمر دون أن تهلك يا حور محبوب «عين شمس».
الذهاب لمعبد «آتوم»: ثم أتى ودخل في بيت «آتوم» سائرًا خلف (١٠٦) صورة والده «آتوم-خبري» العظيم صاحب «عين شمس».
الملك «أوسركون» يقدم خضوعه «لبيعنخي»: وحضر الملك «أوسركون» ليشاهد بهاء جلالته.
الذهاب إلى «أتريب» (بنها الحالية) وضرب الخيام فيها: وعندما أضاءت الأرض في الصباح المبكر جدًّا سار جلالته إلى الميناء، وقد عبرت أحسن سفينة إلى الميناء على الشاطئ «الآخر» إلى ثغر مقاطعة «أتريب» (كاكم) وضرب جلالته خيمته في الجنوب من «كاهني» (قها الحالية) الواقعة في شرقي (١٠٧) مقاطعة «أتريب» (كاكم).

وبعد ذلك جاء أولئك الملوك والأمراء الشماليون وكل الرؤساء الذين كانوا يلبسون الريشة، وكذلك كل وزير وكل الرؤساء، وكل قريب للملك من الغرب ومن الشرق ومن الجزائر الواقعة في الوسط ليشاهدوا جمال جلالته.

قبول «بيعنخي» رجاء «بدي إزيس» لزيارة «أتريب»: وانبطح الأمير الوراثي «بدي إزيس» على بطنه أمام (١٠٨) جلالته، وقال: تعال إلى «أتريب» لترى الإله «خنتي خاتي» ولتعبد الإلهة «خويت»،٢٩ ولتقدم قربانًا «لحور» في معبده من ثيران وعجول ودواجن ولتدخل بيتي، وإن بيت مالي مفتوح لك، فابسط «يدك» على أملاك والدي «أي التي ورثتها من أبي»، وإني سأقدم لك ذهبًا بقدر ما يرغب فيه قلبك، أما (١٠٩) الفيروز فإنه سيكدس أمامك، وكذلك جياد عدة من أحسن ما في الإصطبل وخيرة ما في الحظيرة.
الفرعون يزور معبد «حور» في «أتريب» (بنها الحالية): ثم سار جلالته إلى بيت الإله «حور خنتى خاتي»، وهناك قرب ثيرانًا وعجولًا ودواجن لوالده «حور خنتي خاتي» سيد «كم ور» (بنها).
الفرعون يدخل قصر الأمير ويتسلم الهدايا: وبعد ذلك ذهب جلالته إلى بيت الأمير الوراثي «بدي إزيس» (١١٠) فقدم له فضة وذهبًا ولازوردًا وفيروزًا بمقدار عظيم من كل شيء، وملابس من الكتان الملكي من كل عدد من الخيوط «التي تدل على دقة الصنع» وسررًا محلاة بالكتان الجميل، والعطور والمسوح في أواني «خبخب» وجيادًا من كلا النوعين ذكورًا وإناثًا من أحسن ما في إصطبله.
الأمير يُقْسم أنه لم يُخْفِ على الملك شيئًا: وقد طهر «بدي إزيس» نفسه بأن أقسم يمينًا مقدسًا أمام هؤلاء الملوك والرؤساء العظام (١١١) الشماليين قائلًا: إذا كان أي واحد منهم يخفي جياده ويخبئ ما هو واجب عليه فإنه سيموت ميتة والده، وكذلك سيكون هذا نصيبي أن تشهدوا عليَّ «يخاطب أمراء الدلتا» بكل ما تعرفونه عني، وقولوا أنتم إذا كنت قد أخفيت أي شيء عن جلالته من كل (١١٢) متاع بيت والدي؛ من ذهب وفضة وأحجار ثمينة، من كل أنواع الأواني، ومن الأساور الذهبية والعقود والقلائد المرصعة بالأحجار الغالية، ومن التعاويذ الخاصة بكل عضو، وأكاليل الرأس وأقراط الآذان وكل زينات خاصة بملك، وكل الأواني الخاصة بطهور الملك من ذهب وأحجار ثمينة، فإن كل هذه قد قدمتها إلى الحضرة «الملكية» وملابس من الكتان الملكي بالآلاف من أحسن ما في بيتي مما عرفت أنك ستكون مسرورًا بها، واذهب إلى الحظيرة لتختار كما ترغب من الخيل التي تريدها. وقد فعل جلالته ذلك.
الأمراء يعودون إلى بلادهم ويقدمون الهدايا للملك: ثم قال هؤلاء الملوك والأمراء لجلالته، اصرفنا إلى مدننا حتى نفتح بيوت مالنا (١١٤) لننتخب منها بقدر ما يرغب فيه قلبك، ولنحضر لك أحسن ما في حظائرنا «أي أجود خيلنا». وعندئذ فعل جلالته ذلك.
قائمة بهؤلاء الأمراء: قائمة بأسماء الأمراء:
  • (١)

    الملك «أوسركون» في «بويسطة» إقليم «رع نفر».

  • (٢)

    الملك «أوبوت» في «تنترمو» «وتاعان».

  • (٣)

    الأمير الوراثي «زد أمنف عنخ» (١١٥) في مخزن غلال «رع» التابع لبلدة «بربانبدد» (منديس).

  • (٤)

    بِكر أولاد قائد الجيش في بلدة «تحوت بررحوي» المسمى «عنخ حور».

  • (٥)

    الأمير «أكانش» في «سمنود» (تب نتر) وفي «بهبيت» وفي «سمابحدت».

  • (٦)

    الأمير رئيس مي «باثنف» في «برسيد» (صفط الحنا) وفي مخزن غلال «منف».

  • (٧)

    (١١٦) الأمير رئيس مي المسمى «بمو» في بيت «أوزير» (بوصير) سيد «دد».

  • (٨)

    الأمير رئيس مي المسمى «نس-ناقدي» في مقاطعة «حسب».

  • (٩)

    الأمير رئيس مي «نخت-حر-نا-شنو» في برج «رو-رو».

  • (١٠)

    رئيس مي «بنتاور».

  • (١١)

    رئيس مي «نبتي بخنت».

  • (١٢)

    كاهن «حور» سيد «لتيوبوليس» (أوسيم) المسمى (١١٧) «با-دي-حرسماتوي».

  • (١٣)

    الأمير «حوراباس» في بيت «سخمت» سيدة «سايس» وبيت «سخمت» سيدة «رحساوي».

  • (١٤)

    الأمير «زدخيو» في «خنت نفر».

  • (١٥)

    الأمير «باباس» في «خرعحا» في «برحعب» (بيت النيل).

    ويحملون كلهم جزيتهم (١١٨) الطيبة من ذهب وفضة … وأَسِرَّة مزركشة بالكتان الجميل، وكذلك العطور في (١١٩) أواني «خبخب» … بمثابة ضريبة طيبة وجياد (١٢٠) …

عصيان بلدة «مسد»: وبعد عدة أيام على ذلك أتى إنسان ليقول (١٢١) لجلالته: اﻟ … جيش … جدار (١٢٢) «خوفًا» منك، وقد أشعل النار في بيت ماله وفي المراكب التي على النهر، (١٢٣) وحاصر «مسد» (مكان غير معروف) بالجنود و… ثم جعل جلالته جنوده يذهبون (١٢٤) ليروا ما قد حدث هناك بين قوة الأمير الوراثي «بدي إزيس»، وقد حضر إنسان ليخبر جلالته (١٢٥) قائلًا: لقد ذبحنا كل رجل وجدناه هناك، وقد منحها جلالته هدية (١٢٦) للأمير الوراثي «بدي إزيس».
رسالة «تفنخت» بالاستسلام: وقد سمع رئيس مي «تفنخت» بذلك وجعل (١٢٧) رسولًا يحضر إلى المكان الذي كان فيه جلالته وقال ممالقًا: كن مرتاحًا! إني لم أرَ وجهك (١٢٨) بسبب الخجل، على أنه لا يمكنني أن أقف أمام لهيبك، وإني أرتعد من هيبتك، تأمل وإنك «نبتي» (= الإله ست) المهيمن على الأرض الجنوبية «ومنتو» صاحب الساعد القوي، وإن أية مدينة تولي وجهك نحوها، فإنك لن تجدني حتى أصل إلى جزائر (١٣٠) البحر مرتجفًا أمام جبروتك قائلًا: إن لهيبه معادٍ لي، ألم (١٣١) يهدأ قلب جلالتك بهذا الذي فعلته ضدي؟ والواقع أني رجل تعس، وينبغي ألا تضربني على حسب مقدار الجريمة وازنًا (١٣٢) بالموازين ومقدرًا بالقدرات، لقد ضاعفتها لي ثلاثة أضعاف «أي الجرائم»، فاترك البذرة لأجل أن تدخرها للوقت المناسب، ولا تجتث الأشجار (١٣٣) من جذورها، وبحياة حضرتك إن خوفك في جسمي، والرعب منك في عظامي، وإني لم أجلس في (١٣٤) في حانة الجعة ولم يضرب على العود أمامي؛ بل لقد أكلت الخبز جوعًا، وشربت (١٣٥) الماء عطشًا منذ ذلك اليوم الذي سمعت فيه باسمي، وإن المرض في عظامي، ورأسي عارٍ، وملابسي قذرة (١٣٦) حتى ترضى الإلهة «نيت» (= إلهة مقرونة بشرب الدماء) عني، وإن الشوط الذي جلبته عليَّ طويل وإن وجهك ضدي! … (١٣٧) وإن السنة قد قضت على نفسي، فطهِّرْ خادمك من خطيئته، ودع ممتلكاتي تُسَلَّم للخزانة من (١٣٨) ذهب وكل حجر ثمين وأحسن الجياد والفدية عن كل شيء، أرسل (١٣٩) إليَّ رسولًا بسرعة ليذهب عن قلبي الخوف، ودعني أذهب أمامه إلى المعبد حتى أطهر نفسي بميثاق مقدس.
«تفنخت» يعقد يمين الطاعة: (١٤٠) وأرسل جلالته رئيس المرتلين «بدي-أمن-نستاوي» ورئيس الجيش «بورما» (١٤١) فأهدى إليه «أي تفنخت» فضة وذهبًا وملابس وكل أحجار ثمينة، ثم ذهب إلى المعبد وصلى للإله (١٤٢) وطهر نفسه بقسم مقدس قائلًا: إني لن أتعدى أمر الملك (١٤٣) ولن أتخطى ما يقوله الملك، ولن أفعل شيئًا معاديًا ضد أمير دون علمك، وإني سأفعل على حسب ما يقوله (١٤٤) الملك، وإني لن أتعدى ما أمر به. وعندئذ كان جلالته راضيًا.
خضوع آخر مدن لم تكن قد أُخضعت بعد: وأتى إنسان ليقول (١٤٥) لجلالته: إن معبد «سبك» قد فتح حصنه، وقد انبطحت «متنو» على بطنها، ولم تبقَ (١٤٦) مقاطعة مغلقة أمام جلالته من مقاطعات الجنوب والشمال والشرق والغرب والجزر التي في الوسط إلا انبطحت على بطنها خوفًا منه، و(١٤٧) جعلت ممتلكاتها تقدم في المكان الذي فيه جلالته بمثابة رعايا للقصر.

وعندما أضاءت الأرض في الصباح المبكر (١٤٨) حضر هذان الحاكمان للجنوب والشمال «أي «نمروت» وملك الفيوم» وعلى جبينيهما الصِّلَّان ليلثما الأرض أمام عظمة (١٤٩) جلالته، في حين أنه من جهة هؤلاء الملوك والأمراء أصحاب الأرض الشمالية الذين أتوا ليشاهدوا بهاء جلالته فإن أرجلهم (١٥٠) كانت كأرجل السيدات ولم يدخلوا بيت الملك (١٥١)؛ لأنهم كانوا نجسين «لم يختنوا» ومن أكلة السمك الذي يعد لعنة للقصر (١٥٢) تأمل، إن الملك «نمروت» قد دخل بيت الملك؛ لأنه كان مطهرًا لا يأكل السمك، وقد وقف هناك ثلاثة (١٥٣) على أرجلهم «ولكن» دخل واحد فقط بيت الملك.

عودة الملك «بيعنخي» إلى الجنوب: وبعد ذلك حملت السفن بالفضة والذهب والنحاس (١٥٤) والملابس وكل شيء من أرض الشمال وكل محصولات «سوريا» وكل الأخشاب الحلوة من أرض الإله، ثم أقلع (١٥٥) جلالته جنوبًا بقلب منشرح، وكان شاطئا النهر من الجانبين يهللان، وقد قبضوا غربًا وشرقًا، (١٥٦) مهللين في حضرة جلالته مغنين ومهللين عندما كانوا يقولون: يا أيها الحاكم الشجاع، (١٥٧) يا «بيعنخي»، يا أيها الحاكم الشجاع، إنك تأتي وقد كسبت ملك الأرض الشمالية، لقد حولت الثيران (١٥٨) نسوة، ما أسعد قلب الأم التي حملتك والأب الذي أنجبك، وإن أولئك الذين في الوادي يقدمون الثناء للبقرة (١٥٩) التي حملت ثورًا، وإنك ستبقى إلى الأبدية، وإن عظمتك تمكث يأيها الحاكم محبوب «طيبة».

تعليق وشرح للوحة «بيعنخي»

لا نزاع في أن من يقرأ متن لوحة الملك «بيعنخي» بإمعان ويقرنها بالمتون المصرية الأخرى، حتى التي من عهد ازدهار الدولة الحديثة، يجد اختلافًا بينًا من حيث سرد الوقائع وما فيها من هدوء في التعبير، وبساطة في الشرح، وخلو من المغالاة التي نجدها في الوثائق المصرية التي من هذا النوع، على أنه من الجائز أن السبب في ذلك قد يرجع إلى الدم الأجنبي الكوشي الذي كان يجري في عروق أولئك القوم النشطين المحبين للحرب مما جعلهم يخلدون على لوحات انتصاراتهم — على الرغم من تمسكهم الشديد بالتقاليد الفرعونية — مقدارًا عظيمًا من التفاصيل المبهمة، والمظاهر المتعلقة بطبائعهم وأمزجتهم الشخصية مما لا نجده في تواريخ العصور التي سبقت عصرهم، وهي التي كانت تحتوي على ألفاظ ملؤها الزهو والغرور والفخر الكاذب، حقًّا إن «تحتمس الثالث» «ورعمسيس الثاني» قد قصا علينا أعمالهما العظيمة بصورة أقل ركاكة بكثير عن معظم مواطنيهما من الملوك، ولكن مَنْ من أبناء عصرنا من المؤرخين والأثريين يفضل قصصهم على ما جاء في لوحة الفاتح الكوشي «بيعنخي». والواقع أن كل ما جاء في هذه اللوحة يجعلها مفضلة على كل ما كتبه هؤلاء الفراعنة بوجه عام، ولست مبالغًا إذا قررت هنا أن متن لوحة «بيعنخي» يقدم لنا صفحة من أمجد الصفحات في تاريخ مصر في العصر الذي تبحث فيه، فالمتن لا يحتوي على معلومات تاريخية قيمة وحسب؛ بل في الواقع يعد سجلًّا حافلًا بالمعلومات الجغرافية والاجتماعية والدينية والخلقية، كما يكشف لنا عن نواحٍ خاصة بالملك «بيعنخي» ومهارته، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن هذه اللوحة لا تكشف لنا إلا عن الناحية الكوشية وحسب، ولم نسمع من الجانب المصري كلمة واحدة لنتمكن من الموازنة بين الجانبين؛ إذ قد صمتت الآثار عن ذلك صمتًا تامًّا، فلم نعثر على متن واحد لمصري في هذا العهد، وكل ما نعرفه عن المصريين في الحرب التي قامت بينهم وبين «بيعنخي» هو ما ذكره لنا كاتب لوحة هذا الفاتح فقط، ومع ذلك أمكننا أن نلتقط من بين السطور أنه كان يوجد بينهم أبطال يحبون بلادهم ويدافعون عنها دفاع المستميت، حتى تشل حركتهم ويضطرون إلى التسليم قهرًا، ولا أدل على ذلك مما أتاه «تفنخت» من ضروب الشجاعة والصبر وبُعد الحيلة وحسن القيادة التي لولا ظهور «بيعنخي» لعُدَّ من بين الفاتحين العظام والساسة الممتازين.

وسنحاول هنا أن نتتبع سير الحوادث في الحرب التي نشبت بين «بيعنخي» وبين «تفنخت» ملك «سايس» إلى أن ضيق الخناق على الأخير واضطر إلى التسليم، ولكن بعد أن سُدَّت في وجهه كل السبل.

لما مات الملك «كشتا» حوالي عام ٧٥١ق.م خلفه على عرش الملك ابنه «بيعنخي»، وسنرى أنه كان صاحب نشاط كبير وعزم صادق، وتدل شواهد الأحوال على أنه حكم «طيبة» مدة عشرين سنة في سلام وهو في عاصمة ملكه في «نباتا»، وقد شجعه على فتح الدلتا ومصر الوسطى على ما يظهر موت «شيشنق الرابع»، وما نتج عنه من سوء الحال في الدلتا على القيام بالمطالبة بوحدة وادي النيل وتوحيد كلمة البلاد تحت سلطانه من جديد من «نباتا» عاصمة ملكه جنوبًا حتى البحر الأبيض المتوسط شمالًا، وقد اتخذ سببًا لذلك ازدياد قوة «تفنخت» الذي أصبح جنوده خطرًا يهدد مقاطعة «طيبة» نفسها، وقد كان معترفًا «بتفنخت» ملكًا على البلاد في الشمال خلفًا للملك «شيشنق الرابع»، وعلى ذلك فإن «تفنخت» وخلفه «بكنرنف» (بوكاريس) يُعدَّان في القائمة التي وصلت إلينا عن «مانيتون» الملكين٣٠ اللذين تتألف منهما الأسرة الرابعة والعشرون. وتدل شواهد الأحوال على أن «تفنخت» كان يقصد توحيد البلاد من جديد تحت سلطانه بتأسيس أسرة جديدة فتية.

وكان ينافس «تفنخت» هذا في تلك الفترة المضطربة من تاريخ مصر أمراء كثيرون اتخذ كل منهم لقب ملك، غير أن منافسه الأكبر كان «نمروت» ملك «الأشمونين»، أما الملك المسمى «أوسركون» فلم يكن إلا لعبة هينة وكان منزويًا في إقليم «تل بسطة» وما جاوره على ما يظهر، وكان معه رؤساء آخرون من رؤساء «مي» وغيرهم، نخص بالذكر منهم أمير «خرعحا» (مصر العتيقة) وملك «أتريب» وأمير «بوصير» وأمير «صفط الحنا» وأمير «منديس» وأمير «سمنود» وغيرهم مما سنذكرهم بعد.

ومعظم هؤلاء الأمراء كانوا من أصل لوبي ينتمون إلى ملوك الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين، وقد أخذ «تفنخت» في مد نفوذه نحو الجنوب إلى أن أصبح خطرًا يهدد «طيبة» عاصمة ملك «بيعنخي» في مصر، وهو الذي كان وقتئذٍ يقطن في عاصمة ملكه «نباتا» في بلاد السودان، وعندما شعر بهذا الخطر قائدا أجناده في مصر وهما «بورما» «ولمرسكني» طلبا إلى الملك السماح لهما بالزحف بجيوشهما لوقف زحف العدو عند حدٍّ بعد أن أوضحا له الموقف بالضبط، كما جاء في اللوحة التي أقامها فيما بعد هذا الفرعون في «نباتا» تذكارًا لهذه الحروب، وهي التي كان من نتائحها أن أصبح «بيعنخي» يسيطر على مصر كلها وبلاد السودان حتى الشلال الرابع، ويقص المتن الذي على اللوحة أنه قد جاء «لبيعنخي» رسول من عند قواده يخبره أن «تفنخت» المسيطر على الأراضي الواقعة غربي الدلتا وأمير بلدة «نتر» (بهبيت الحالية) قد استولى على مقاطعات في الدلتا نذكر منها «سخا» ثم انحدر جنوبًا في الدلتا واستولى على «برحعبي» «وهي أثر النبي الواقعة على مسافة كيلو متر جنوبي «مصر العتيقة»» وكذا أخذ «عن» أو «عيان» القريبة من «الجيزة»، ثم صعد جنوبًا واستولى على «بر-تب-نب-أح»، وهي «أطفيح» الحالية الواقعة على الشاطئ الأيمن للنيل قبالة «ميدوم»، وهي عاصمة المقاطعة الثانية والعشرين من مقاطعات الوجه القبلي، وكانت تقدس فيها البقرة «حتحور» ربة الجمال؛ ولذلك أُطلق عليها «أفريدوتو بوليس» عند اليونان، ثم استولى على «منف» القديمة «الجدار الأبيض».

والواقع أنه قد أصبح صاحب السلطان على كل الأراضي الواقعة غربي النيل من أول مستنقعات الدلتا حتى بلدة «اللشت» (مركز العياط)، وكان يساعده في تنفيذ فتوحه هذه جيش جرار يسير هو على رأسه، هذا إلى أن البلاد التي كان يفتحها «تفنخت» هذا كانت تنضم إلى لوائه وتدين له بالطاعة مما جعل كل البلاد من ورائه موحدة وحكامها طوع بنانه، ولذلك أخذ يزحف على مصر الوسطى، فاستولى على «ميدوم» وعلى بلدة «برسخم خبر رع» القريبة من مدخل «الفيوم» وبلدة «الفيوم» نفسها (برسبك) وبلدة «البهنسا» وبلدة «تكناش» وهي «دقناش» الحالية الواقعة بالقرب من غربي «ببا»، وكذلك نجد أن كل البلاد الواقعة في غربي النيل في هذه الجهة قد فتحت أبوابها خوفًا منه؛ «أي إن هذه البلاد كلها قد سلمت له بدون قيد ولا شرط».

وبعد ذلك عاد هذا الأمير إلى مقاطعات الشرق المقابلة لما فتحه غربًا، واستولى عليها دون حرب أو نزال؛ إذ فتحت له أبوابها فاستولى على أربعة بلاد وهي:
  • (١)

    «حت بنو» وتعد عاصمة المقاطعة الثانية عشرة من مقاطعات الوجه القبلي، وتقع على مقربة من «شارونة» على الشاطئ الأيمن للنيل.

  • (٢)

    «وتايوراي» وتقع مكان «الحيبة» الحالية (مركز الفشن) على مسافة ٢٣ كيلو مترًا شمالي «شارونة».

  • (٣)

    «وحت نسو» وهي بلدة «الكوم الأحمر سويرس» (مركز بني سويف) الواقعة على الشاطئ الأيمن للنيل على مسافة خمسة كيلو مترات جنوبي «شارونة».

  • (٤)

    «وأطفيح» وتقع على مسافة ٧٩ كيلو مترًا شمالي «الحيبة».

وإذا دققنا في ترتيب فتح هذه المدن الشرقية وما يقابلها من المدن الغربية التي فتحها «بيعنخي» وجدنا أن الترتيب في الفتح من الجنوب إلى الشمال لم يرتب جغرافيا بدقة؛ إذ قد وُضعت «حت نسو» (الكوم الأحمر) في غير مكانها التسلسلي الطبعي وقد حدث مثل ذلك على ما يُظن في لوحة «بيعنخي» عند ذكر الأسماء التي فتحها بالتسلسل على الشاطئ الغربي التي ذكرناها من الشمال إلى الجنوب؛ إذ قد وضع «البهنسا» بعد «دقناش».

ويذكر لنا بعد ذلك الرسول الذي حمل الرسالة إلى «بيعنخي» عن الأحداث في مصر أن «تفنخت» أخذ من ثم في حصار «أهناسية المدينة» وأحاط بها من كل جوانبها، فلم يجعل أحدًا يخرج منها أو يدخل فيها، وفي ذلك من المهارة الحربية ما فيه؛ إذ بهذا الإجراء ضمن سرية الحصار وعدم الاتصال بالعدو من الخارج.

وبعد ذلك أخذ «تفنخت» يذرع الأرض حوالي المدينة، ووضع كل أمير في مكانه الذي يدافع عنه، وجعل كل رجل وكل حاكم يلزم القسم الخاص به من المدينة للدفاع عنه، كل ذلك كان يجري وقد سمع به «بيعنخي» من الرسول بقلب كبير منشرح ووجه باسم، وهو في كل ذلك يرى أن الوقت لم يكن قد حان بعد لمنازلة عدوه، ولكن عظماء رجاله وكبار قواده الذين كانوا يرابطون في أماكنهم كانوا لا يفتئون يرسلون إليه عن خطر الموقف، ويسألونه هل صمت متجاهلًا أرض الجنوب التي كانت تابعة لملكه وقد أخذ «تفنخت» يمعن في الاستيلاء عليها دون أن يجد من يصده؟

غير أن الموقف قد ازداد سوءًا عندما انضم «نمروت» ملك «حت ورت» («هور» الحالية القريبة من مدينة «الأشمونين») إلى «تفنخت» وقد كان مواليًا من قبل للملك «بيعنخي»، وقد تغالى في ولائه «لتفنخت» لدرجة أنه هدم جدران مدينته رغبة في إرضاء الغازي، ولكن أمام هذه الأخبار المزعجة كتب «بيعنخي» لقواده الذين كانوا بالفعل في مصر يأمرهم أن يحاصروا «الأشمونين»، وفي الوقت نفسه كان يعد هو جيشًا آخر ليرسله لمصر من «نباتا» عاصمة بلاد «كوش» الواقعة عند الشلال الرابع، فاستمع إلى تلك الفقرة الهامة التي جاءت على لوحته وهي التي يوجه فيها جيوشه وقواده.٣١

وعندئذ أرسل جلالته جيشًا إلى مصر قائلًا لجنوده: لا تهاجموا العدو ليلًا على حسب طريقة لاعبي الشطرنج، ولكن حاربوا عندما يمكن أن تروا «العدو»، واطلبوا «العدو» للموقعة من بعيد، وإذ طلبكم «للحرب» فانتظروا المشاة والفرسان من مدينة أخرى، وانتظروا هادئين حتى تأتي جنوده وحاربوه فقط عندما يطلب منازلتكم، وفضلًا عن ذلك إذا كان حلفاؤه في مدينة أخرى فاعملوا على انتظارهم، وعليكم أن تطلبوا إلى ساحة القتال مقدمًا ما يمكن أن يساعد من الأمراء أو أي جنود يوثق بهم من اللوبيين قائلين لهم: «أنت»؛ لأننا لا نعرف من يخاطب عند اصطفاف الجيش، أسرِجْ أحسن جواد في حظيرتك واصطف للموقعة، وعليك أن تعرف أن «آمون» هو الإله الذي أرسلنا.

وبعبارة أخرى نفهم من هذه الفقرة أن «بيعنخي» يأمر جيشه أن يعطي العدو اختيار الزمان والمكان لأجل الحرب، لذلك كان لزامًا أن يسمح بمهلة تمكن مساعدي «تفنخت» من أن يصلوا إلى مكان القتال، هذا كما كان لزامًا أن ينبهوا مقدمًا بوقت كافٍ قبل أن ينقضوا عليهم بأي هجوم، والسطر الأخير من هذه الفقرة يكشف عن الأسباب التي دعت إلى إسداء هذه النصيحة الغريبة من الوجهة الحربية وهو: «عليك أن تعرف أنت أن «آمون» هو الإله الذي أرسلنا»، «فهو كفيل بالنصر».

وإذا كان مثل هذا الأمر الذي أصدره «بيعنخي» قد قصد منه معناه الحرفي جديًّا فإنه في الواقع يعد نطقًا لم يسبق له مثيل من رجل حرب مدرب؛ وذلك لأن أول مبدأ في فنون القيادة الحربية ألا يستهين القائد بقوة العدو أولًا، ولا شك في أنه يعد من التجديد الهام أن تعطي الفرصة عن قصد للعدو ليحدد شروطه هو للموقعة التي سيشنها، ولكن يجب أن نتجاوز بعض الشيء عما جاء في هذا الأمر؛ لأنه قد كُتب على لوحة انتصار أقيمت في تاريخ جاء بعد تسليم «تفنخت» بدون قيد أو شرط، وعلى أية حال لو اعتُبرت كلمات «بيعنخي» أنها تعبير بلاغي (أي كلامي) فإنها على أقل تقدير تحمل في طياتها شهادة بشجاعته العالية وتقواه العميق، وهذه الفقرة تتفق في هذا الصدد مع ما جاء في سائر اللوحة؛ إذ كما ذكرنا من قبل نعلم أنه عندما سمع في بادئ الأمر بثورة «تفنخت» فإنه تقبلها بقلب عالٍ وَسِنٍّ ضاحك ولُبٍّ منشرح. هذا؛ وتدل الفقرة التي تعقب الفقرة التي ترجمناها على اعتقاده العميق في ربه فاستمع إليه وهو يقول:

وعندما تصلون إلى «طيبة» قبالة «الكرنك» فانزلوا إلى الماء وطهروا أنفسكم في النهر، وأظهروا أنفسكم في ملابس كتان نظيفة، وشدوا القوس وارموا بالسهم، ولا تفخروا بأنكم أرباب القوة؛ لأنه بدونه لا تكون لشجاع قوة؛ إذ قد يجعل القوي ضعيفًا، وبذلك تفرُّ الكثرة أمام القلة كَمْ من فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وإن رجلًا واحدًا قد يستولي على ألف رجل، اغسلوا أنفسكم بماء قربانه، وقبلوا الأرض أمام محياه، وقولوا له: امنحنا سواء السبيل حتى نستطيع أن نحارب تحت ظل سيفك القوي، أما الشبان الذين أرسلتهم فإن النصر سيكتب لهم وسيروع الكثيرون منهم.

وبطبيعة الحال قابل رجال الجيش هذه النصائح بالثناء العاطر على الملك وعلى شجاعته وقالوا له: «إنه لا يتغلب جيش يكون قائده مخنث.»

وبعد ذلك سار الجيش من «طيبة» منحدرًا في النهر، ولكنهم رأوا جيش العدو في أسطول عظيم معد بالرجال والعتاد لملاقاة جيش «بيعنخي»، وقد نشبت بين الفريقين مذبحة عظيمة كانت الغلبة فيها للكوشيين؛ إذ استولوا على جنود أعدائهم وسفنهم وساقوا الأسرى إلى جلالته في «نباتا» مقر ملكه.

وبعد هذا النصر زحف الجيش الكوشي حتى وصل إلى مشارف «أهناسية المدينة» يريد منازلة العدو الذي كان قد حشد جموعه هناك، وكان «تفنخت» كاهن الإلهة «نيت» وحاكم مدينة «سايس» والكاهن الأعظم للإله «بتاح» على رأس حلف يتألف من أمراء الشمال، وهم الملك «نمروت» السالف الذكر الذي انضم إليه مؤخرًا، ثم الملك «أوبوت» ورئيس «مي» حاكم «بوصير»، ورئيس «مي» العظيم المسمى «زد آمون أوف عنخ» حاكم «منديس» («تل الربع» الحالية مركز السنبلاوين)، ومعه بِكر أولاده الذي كان قائدا الجيش «برتحوتي-وب-رحوي» (أي مسكن الإله تحوت الحكم بين الرجلين؛ أي بين «حور» «وست») وهذه المدينة هي العاصمة المقدسة للمقاطعة الخامسة عشرة من الوجه البحري، وقد وحدها «دارسي» «بتل البقلية» الواقع جنوبي «المنصورة»٣٢ وجيش الأمير الوراثي «باكنفي» ومعه بِكر أولاد رئيس «مي» المسمى «نس-ناعاي» في مقاطعة «حسب»؛ أي في المقاطعة الحادية عشرة من مقاطعات الوجه البحري وعاصمتها «الشباسية» الحالية القريبة من «هربيط».٣٣ هذا إلى كل رئيس يحمل الريشة من الذين كانوا يحكمون في أرض الشمال، والمقصود بذلك هم الأمراء اللوبيون الذين كانوا مسيطرين على البلاد في تلك الفترة على غرار المماليك قبل عهد محمد علي مباشرة، هذا إلى الملك «أوسركون» الذين كان يحكم الآن في «بوبسطة» وإقليم «نفر رع» القريب من «تل بسطة»، ويحتمل أنه هو «أوسركون الرابع».

يضاف إلى هؤلاء كل الأمراء والحكام الذين كانوا يسيطرون على مدن مسورة؛ أي كان لهم جيوش في شرقي الدلتا وغربيها ووسطها، وقد كانوا يدًا واحدة لملاقاة عدوهم «بيعنخي» الذين كان يريد أن يستولي على بلادهم ويحرمهم استقلالهم، وقد نشبت المعركة بين الفريقين قبالة «أهناسية المدينة» وحدثت مذبحة عظيمة مات فيها كثيرون كما يقول المتن الكوشي بعدد لم يُعرف له مثيل من قبل، واستولى الكوشيون على سفن الحلف التي كانت في النهر، وقد عبر فلول الجيش المصري النهر وأقاموا معسكرهم هناك على الشاطئ الأيمن بالقرب من بلدة تدعى «بربج»، وقد وُحدت هذه البلدة بقرية «البكي» أو «البكا» التي تقع في الشمال الغربي من «الفشن».

وفي اليوم التالي لذلك عبر جيش «بيعنخي» النهر والتحم بالعدو وقتل من رجاله كثيرين وخيلًا لا يحصى عددها، وقد فر فلول الجيش مرة أخرى نحو الشمال بسبب ما أصابهم من خسائر، والظاهر أن القتلى بينهم كانوا كثيرين، فقد عملت بهم قائمة، غير أن الحفار ترك مكان الأرقام خاليًا.

وقد هرب «نمروت» بعد هزيمة جيشه صاعدًا في النيل عندما قيل له: إن «الأشمونين» قد أصبحت في وسط جيش الأعداء، فدخلها في أثناء أن كان جيش «بيعنخي» راسيًا في ميناء مقاطعة «الأرنب» (المقاطعة الخامسة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي؛ أي «الأشمونين»)، وعندما سمع قواد «بيعنخي» بذلك حاصروا المدينة من جوانبها الأربعة فلم يسمحوا لأحد بالدخول فيها أو الخروج منها، ثم أرسل القواد إلى «بيعنخي» عن المواقع التي نشبت بينهم وبين العدو وعن الانتصارات التي أحرزوها، وعندما سمع «بيعنخي» بأنهم لم يقضوا على فلول جيش العدو وأنهم رجعوا ثانية لمحاصرة «الأشمونين» غضب غضبًا شديدًا، وهاج كأنه فهد الجنوب في ثورته، وبخاصة أن جيش الأعداء قد أفلت منهم وعاد إلى الدلتا، وقد كان ذلك في نهاية السنة الواحدة والعشرين، وهو الوقت الذي عقد فيه العزم «بيعنخي» على أن يسير بنفسه إلى «طيبة» بعد الاحتفال بعيد رأس السنة الجديدة في «نباتا»، وفي «طيبة» نفسها أقيم عيد «أبت» للإله «آمون» (عيد «الأقصر») في الشهر الثالث، ثم قاد الحملة بنفسه على «تفنخت» وحلفائه في الشمال. ويجب أن نشير هنا إلى أن الإله «آمون» كان هو أكبر معبود عند الكوشيين، ولا غرابة في ذلك؛ فإن ما لدينا من آثار يدل دلالة واضحة على أن هذا الإله كان يُعبد في «نباتا» منذ الأسرة الثامنة عشرة، وأن كهنته على ما يظهر قد توارثوا وظائفهم في معبد «نباتا» حتى العهد الكوشي، فالرابطة الدينية إذن بين البلدين كانت قوية وبخاصة بين «طيبة» «ونباتا»، وليس هناك ما يُدهش أن نرى الأحفال التي كانت تقام «لآمون» في «نباتا» هي نفس الأحفال التي كانت تقام له في «طيبة»، وربما كانت هذه الرابطة الدينية من الأمور التي سهلت «لبيعنخي» احتلال البلاد دون كبير عناء، وبخاصة أنه كان ملكًا متدينًا صالحًا رحيمًا.

وفي خلال تلك الفترة التي عزم فيها «بيعنخي» على قيادة الجيش بنفسه كان قواده يضاعفون هممهم لمد نفوذ مليكهم في أنحاء البلاد، وبخاصة بعدما علموا بغضبه عليهم، ومن أجل ذلك انقضوا على بلدة «البهنسا» بجيوشهم كالطوفان واستولوا عليها، وأرسلوا إلى «بيعنخي» ليخبروه بهذا النصر، ولكنه لم يرضَ بذلك، فضاعف الجيش همته كرة أخرى وزحف على بلدة «طهنا» (مركز المنيا)، وقد وجد قواد «بيعنخي» أنها محتشدة بالجنود الشجعان الأشداء من أجناد الشمال، وقد قاومتهم المدينة فرموها بالمنجنيق حتى هدمت جدرانها، ثم وقعت مذبحة قُتل فيها عدد عظيم من رجال «تفنخت» وحلفائه، وكان من بين القتلى ابن رئيس «مي» «تفنخت»، وفي النهاية استولوا عليها وأرسلوا إلى «بيعنخي» يبشرونه بهذا الانتصار، ولكن ذلك لم يشفِ غُلَّتَه أيضًا.

فاندفعوا إلى «حت بنو» (زاوية الميتين الحالية) عاصمة المقاطعة السادسة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي وتقع على مقربة من بلدة «شارونة»٣٤ فدخلها جيش «بيعنخي» وأخبروا الملك بذلك غير أن هذا النصر لم يشفِ له غُلَّة أيضًا.
وفي الشهر الأول من فصل الفيضان اليوم التاسع من الشهر دخل «بيعنخي» «طيبة» واحتفل بعيد «أبت» (عيد الأقصر)، ثم زحف بجيشه شمالًا إلى «الأشمونين»، وعندما وصل إلى هذه البلدة التي كانت محاصرة خرج من حجرة سفينته، وكانت عربته في انتظاره، وعندما ركبها دب الرعب في قلوب الأعداء في كل البلاد، حتى وصل هذا الخوف إلى بلاد آسيا نفسها «كما يقول المتن»، وكان كل قلب ينوء تحت عبء من الذعر، وعندما اجتمع بجيشه في ساحة الوغى أخذ ينهال عليهم بالتوبيخ ويكيل لهم اللوم والتأنيب وهو في ثورة غضبه فقال لهم: «هل معنى ثباتكم في الحرب هو التراخي فيما أمرت به؟ هل بلغ العام نهايته عندما كان الخوف مني نفذ إلى أرض الشمال؟ لا عليكم، سأضربهم ضربة مؤلمة جبارة.»٣٥ وعلى أثر ذلك ضرب لنفسه معسكرًا في الجنوب الغربي من «الأشمونين» وحاصرها يوميًّا، ثم أخذ في إقامة جسر ليحيط بجدران المدينة حتى لا يخرج منها أحد، وبنى برجًا ليضع فيه الرماة ليتسع لهم المجال عندما يُفَوِّقُون سهامهم على العدو في داخل المدينة، وكذلك ليتمكن الضاربون بالمقلاع من الإصابة عندما يرجمون الأهالي في الداخل بالحجارة.

وقد نتج عن ذلك أن مات كثيرون يوميًّا، ولم تمضِ مدة طويلة على هذا الحصار القوي حتى طلب أهل المدينة الأمان واستسلموا، غير أن «بيعنخي» بقي متعنتًا. والواقع أن الحصار الذي أقامه «بيعنخي» قد تسبب في موت أناس كثيرين دون أن يُدفنوا، فأنتنت «الأشمونين» وتصاعدت منها روائح كريهة، فلم يَسَعْ الأهلين أمام هذا العذاب والخراب إلا أن يسجدوا أمام «بيعنخي» طالبين منه العفو، وخرج الرسل إلى «بيعنخي» يستغفرونه حاملين إليه كل ما طاب وغلا ثمنه في المدينة من ذهب وأحجار فاخرة ثمينة وملابس وُضعت في صناديق، وحتى التاج الذي كان على رأس «نمروت» أمير المدينة قُدم هدية له، وقد استمروا على ذلك أيامًا طالبين العفو ومقدمين فدية لذلك تاج الملك نفسه، ولكن كل ذلك لم يُجْدِ نفعًا، ولما أعيتهم الحيل أرسلوا زوج الملك «نمروت» وابنته تطلبان التوسط عند زوج الملك في طلب العفو عن «نمروت»، ثم قدم له «نمروت» هدايا، وجاء هو بنفسه بعد ذلك فنهره الملك قائلًا له: «من أتى بك إلى هنا؟» وكرر هذه العبارة عدة مرات ثم أخذ يوبخه.

وبعد فراغ الملك من هذا اللوم، سجد «نمروت» أمامه على الأرض، وأخذ يتقرب إليه زلفى بعبارات تدل على الذلة والمسكنة، وقال له: إنه واحد من عبيده مستعد لتقديم الجزية، وإنه في الوقت نفسه أحضر له كثيرًا من الذهب والفضة واللازورد والفيروز وغير ذلك من الأشياء التي ملأ بها خزانته، ثم أحضر جوادًا في يده اليمنى وصناجة في يده اليسرى من الذهب «كما يشاهد ذلك في المنظر الذي رُسم في أعلى اللوحة التي نحن بصددها الآن»، وبعد أن تم الصلح بين الفريقين دخل «بيعنخي» «الأشمونين» فزار معبد الإله «تحوت» أعظم آلهة هذه المدينة، وقدم له القربان من كل نوع، كما قدم لآلهة «الأشمونين» الثمانية في معبدها، وقد رحب الأهلون بالملك أيما ترحيب، ثم زار «بيعنخي» بعد ذلك قصر «نمروت» ودخل كل حجرة فيه، كما زار بيت ماله ومخازن غلاله، ثم أمر أن تَمْثُل أمامه زوجات «نمروت» وبناته وصافحهن جلالته على طريقة النساء، ولكن جلالته لم ينظر لواحدة منهن٣٦ وجهًا لوجه تعففًا واستحياء وصلاحًا، وهذا ما لم نسمع به من قبل في النقوش المصرية القديمة.
وبعد أن فرغ من زيارة القصر وبيت المال ولى وجهه شطر حظائر الخيل والمهارى، غير أنه عندما رأى الجياد نحيلة الجسم هزيلة المنظر تألم أشد الألم؛ لأن هذا الهزال نتيجة ما أصابها من الجوع، وقال «لنمروت»: إن تألمي لهذه الجياد كان أشد من تألمي لأي شيء آخر عملته لتنفيذ غرضك،٣٧ ثم أخذ يوبخه على ذلك بقوله: ألم تعلم أن ظل الله فوقي وأن حظي لن يولي بسببه؟ ثم أخذ يفهمه أن الله هو الذي يوجهه في كل أعماله وفعاله. ولا غرابة أن ترى «بيعنخي» يتألم لجوع الخيل وهزالها، فإنا سنرى بعدُ أنه كان هو وملوك أسرته يُعنون بالخيل عناية كبيرة، ويقيمون لها المقابر الفخمة المجهزة بالأثاث الثمين وبجوار مقابرهم أنفسهم.

وبعد أن فرغ «بيعنخي» من كل هذه الزيارات وزع متاع «نمروت»، فأعطيت أملاكه للخزانة العامة، وحبست غلاله على القربات المقدسة «لآمون» «بالكرنك».

وعلى أثر هذه الانتصارات جاء ملك «أهناسيا المدينة» «بفنفد ديباست»٣٨ إلى «بيعنخي» يقدم له خضوعه واستسلامه دون قيد ولا شرط، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان من الخارجين على «تفنخت» والموالين «لبيعنخي» ولذلك حضر إليه بهدايا عظيمة من الذهب والفضة وكل أنواع الأحجار الكريمة وجياد من خير ما في حظيرته.

والظاهر أن تربية الخيل والاعتناء بها كانت شائعة في هذا الوقت كما تدل على ذلك الوثائق، ولا غرابة في أن تكون الفروسية شائعة في ذلك الوقت عند حكام الإقطاع؛ إذ كانوا يعتمدون على الحرب لحفظ كيانهم، وهذا نفس ما نلحظه عند المماليك في العهد الذي سبق عصر «محمد علي»؛ إذ كانت الخيل وتربيتها وشن الحرب بوساطتها من أهم مقومات حياة هؤلاء الفرسان فكانت الغلبة لمن له جيش أقوى من المدربين على ركوب الجياد في ساحة القتال.

وتدل الألفاظ التي نطق بها صاحب «أهناسيا المدينة» عندما سجد أمام «بيعنخي» على أنه قد كشف عنه غمة، وأنه وجد فيه صديقًا يحميه؛ لأنه قد أذهب عنه ظلام الاستعباد، وقد قبل أن يكدح ويعمل مع رعايا هذا الفاتح، وأن تدفع «أهناسيا المدينة» الضرائب إلى الخزانة العامة؛ وبذلك لم تُرَقْ نقطة دم واحدة في «أهناسيا المدينة».

وبعد ذلك ترك «بيعنخي» هذه المدينة وانحدر في النهر بجيشه نحو مدينة «برسخم-خبر رع» الواقعة بجوار «اللاهون» الحالية، فوجد جدرانها مهدمة وحصنها مغلقًا وحُشد فيه عدد عظيم من الجنود الشجعان من أهل الدلتا، فأرسل إلى حامية الحصن وخيرهم بين أمرين: إما التسليم وإما الموت المحتوم، وأنه ليؤلمه أن يموتوا حربًا، وطلب إليهم ألا يغلقوا أبواب حياتهم وبذلك يكون مضطرًّا إلى سوقهم إلى المقصلة، وقد كان لهذا الإنذار أثر فعال في نفوسهم؛ إذ أرسلوا إليه يعترفون بما له من قوة مستمدة من عند الإله، وأنه قد أخذ قوته عن ابن الإلهة «نوت»؛ أي الإله «ست» إله الحرب والقوة، ولذلك فإن بلدهم هي حصن هذا الإله وليفعل بها ما يريد، وطلبوا إليه أن يفك عنها الحصار، وقد فك «بيعنخي» عنها الحصار فعلًا، وعندئذ خرج أهلها مع ابن رئيس «مي» «تفنخت» ودخلها جيش الملك دون إراقة نقطة دم واحدة، وسُلِّم كل ما فيها لبيت المال، أما مخازن الغلال فحبست قربانًا على الإله «آمون رع» رب «طيبة» وإله «بيعنخي» الأعظم.

ولم يمضِ بعد ذلك مدة طويلة حتى انحدر «بيعنخي» في النهر ثانية شمالًا نحو «ميدوم» وهي بيت الإله «سكر» رب «سخر»٣٩ وكانت محصنة، ولما هاجمها «بيعنخي» دب الرعب في قلوب الأهلين، ولكن «بيعنخي» على عادته أرسل إليهم يخبرهم إما أن يفتحوا أبواب المدينة وبذلك تكتب لهم الحياة وإما أن يغلقوا أبوابها وبذلك يجلبون لأنفسهم الموت والدمار، وعلى أثر ذلك سلمت الحامية ودخل الملك المدينة، وجعل بيت مالها لخزانة الدولة ومخازن غلالها قربانًا «لآمون» صاحب «الكرنك».

وبعد ذلك اندفع «بيعنخي» نحو «اللشت»، تلك المدينة القديمة التي اتخذها ملوك الأسرة الثانية عشرة فيما مضى عاصمة لملكهم، فوجد سورها مغلقًا، وأنها تزخر بالجنود من أرض الدلتا الشجعان؛ ولكن فضل قائدهم التسليم، ففتح الحصن دون حرب، ودخلها الملك وقدم قربانًا للآلهة القاطنين في هذه المدينة من ثيران وعجول ودجاج، ثم أعطيت ثروتها للخزانة، كما قدمت مخازن غلالها قربانًا مقدسة «لآمون».

وأخيرًا انحدر إلى «منف» عاصمة البلاد القديمة، وقبل أن يصل إليها أرسل إلى القائمين على أمورها وخاطبهم في شخص المدينة قائلًا: لا تغلقي أبوابك ولا تحاربي يا مأوى الإله «شو» بن «رع»، ثم أخذ يخاطب أولي الشأن بقوله لهم أن يدعوا من يريد الدخول إلى المدينة يدخلها، ومن أراد أن يخرج منها فليغادرها؛ «أي إنه لن يحاصرها، بل على العكس سيقدم للإله «بتاح» القاطن في جنوبيها القربان، وكذلك للإله «سكر» في مكانه السري»، ثم حذرهم من المقاومة وقال لهم إنه ملك رحيم، ولا أدل على ذلك مما حدث في المقاطعات الجنوبية وأهلها؛ فإنه لم يسفك دم واحد من أهلها إلا الذين لعنوا الآلهة فقد جزت رءوسهم بوصفهم ثائرين.

وعلى الرغم من هذا التحذير فإن الأهالي أوصدوا أبواب «منف» وجمعوا جيشًا من العمال والبنائين والبحارة لمقاومة فئة صغيرة من جنود «بيعنخي»، وفي تلك الأثناء تسلل «تفنخت» ليلًا إلى المدينة وأخذ يحمس أهل المدينة على مقاومة «بيعنخي».

وتدل شواهد الأحوال على أنه كان ينتظر محاصرة العدو لهذه المدينة، فأعدها بكل ما يلزم من زاد وأسلحة ورجال، كما قوَّى سورها بجدار ضخم لا يمكن لجيش العدو أن ينفذ منه بسهولة، فاستمع إليه وهو يخاطب مشاته وبحارته وخيرة جيشه الذين كان يبلغ عددهم ثمانية آلاف مقاتل: «تأملوا، إن «منف» قد اكتظت بالجنود من خيرة من في الأرض الشمالية، ومخازنها كانت تفيض بالشعير والبر وبكل أنواع الحبوب وبكل أنواع الأسلحة، كما أنها محصنة بجدار، وقد أقيمت شرفة عظيمة بنيت بطريقة ماهرة، والنهر يجري حول جانبها الشرقي، وليس هناك فرصة للهجوم من الشرق، هذا؛ ويوجد فيها حظائر للماشية مملوءة بالثيران، والخزانة تزخر بكل شيء نفيس من الذهب والفضة والنحاس والملابس والبخور والشهد والزيت.» وهذا الوصف يدل على ما كانت عليه المدينة من استعداد وما كان عليه «تفنخت» من يقظة وحسن تدبير لمقاومة العدو. هذا؛ ولم يمكث «تفنخت» في المدينة لمحاربة العدو، بل عمل حسابًا للمستقبل وذهب ليعد العدة في المعاقل الأخرى على أن يعود ثانية لمواصلة مقاومة العدو في «منف» حصنه الحصين، وبعد يوم أو بعض يوم كان «بيعنخي» قد وصل بجيشه إلى «منف» في أسطوله وأرسى سفنه في شماليها، وكان ذلك في فصل الفيضان، فكان الماء عاليًا لدرجة أنه قد اقترب من الجدران، وبذلك أصبحت السفن ترسو عند جدران «منف» نفسها، وقد دُهش «بيعنخي» عندما رأى أن «منف» محصنة تحصينًا منيعًا، ولا غرابة؛ فإن كل المدن التي فتحها قبل ذلك بما في ذلك «الأشمونين» كان يتضاءل تحصينها أمام ما كانت عليه عاصمة الملك القديمة من تحصينات يرجع عهدها إلى أزمان قديمة، يضاف إلى ذلك أن «تفنخت» قد أضاف إلى سورها تعلية أخرى جديدة مما قواها وجعلها منيعة مستعصية على من يهاجمها، وقد بدت الحَيرة عليه وعلى ضباطه عندما رأوا مناعة المدينة، والظاهر أنهم عقدوا مجلسًا حربيًّا كالذي عقده «تحتمس الثالث» قبل موقعة «مجدو».٤٠

وفي هذا المجلس أخذ كل قائد من قواد «بيعنخي» يبدي رأيه؛ فاقترح واحد منهم حصارالمدينة إلى أن تسلم، وحجته في ذلك أن الجنود الذين كانوا يحمونها عديدون، واقترح آخر إقامة طريق توصل إليها وذلك بعد تعلية الأرض حتى تصل إلى جدرانها العالية، وقال آخر: «فلنقم صرحًا يوصل إليها ثم نضع قنطرة من الخشب تصل إلى المدينة، وبهذه الكيفية نقسمها من كل جانب من جوانبها بوساطة الأرض العالية التي تصل إلى نهاية جدرانها، ومن ثم نجد طريقًا للمرور إلى داخلها.»

غير أن الملك «بيعنخي» لم يأخذ برأي من هذه الآراء وصمم على أخطر رأي «كما فعل «تحتمس الثالث» من قبله» وهو الاستيلاء على المدينة بالهجوم.

وفي ذلك يقول المتن: «وعندئذ استولى غضب جلالته عليها كأنه الفهد، وقال: إني أقسم بحب «آمون رع» لي وبخطوة والدي «آمون» الذي أوجدني أن ذلك لا بد أن يصيبها على حسب ما أمر به «آمون»، وهذا ما سيقوله الناس بعد، إن الأرض الشمالية ومقاطعات الجنوب قد فتحت له أبوابها من بعيد؛ لأنهم لم يضعوا «آمون» في قلوبهم ولم يعرفوا ما الذي أمر به، فإن «آمون» قد جعله يظهر شهرته كما جعله يرى جبروته، وسأستولي عليها كالفيضان، وقد أمرت …»

وعلى أثر ذلك أخذ «بيعنخي» يستعد للاستيلاء على المدينة، ومما تجدر ملاحظته هنا أن جدران المدينة العالية الواقعة في الجهة الغربية كانت قد زِيد في ارتفاعها حديثًا على يد «تفنخت» استعدادًا للحصار الذي كان يتوقعه، وكان من البدهى أن الجانب الشرقي كان محميًّا على ما يظهر برفع المياه اصطناعيًّا (؟) ولذلك أهمل تحصينه، وقد أرسل «بيعنخي» أسطوله وجيشه لمهاجمة الميناء التي كانت على الجانب الشرقي، وقد أحضر إلى هذه الجهة كل ما لديه من سفن شحن وسفن نقل وغيرها وربطت حبال مقدمتها بين بيوت المدينة، والظاهر أن جنوده لم يصابوا بأي أذى.

وبعد ذلك أتى الملك بنفسه لينظم الهجوم ويضع كل سفينه في المكان اللائق بها، وبعد أن تم له ذلك أمر جنوده أن يقوموا بالهجوم، وأن يتسلقوا الجدران ويقتحموا البيوت التي على النهر، ونصحهم ألا يدعوا واحدًا منهم عندما يصل إلى قمة الجدار أن يقف أمامه حتى لا يُرمى بسهام العدو من داخل المدينة، ثم حمس جنوده بقوله: «إنه لمن العار أن نوصد الجنوب في وجه العدو، ثم نضطر بعد ذلك إلى أن نحاصر هذه المدينة التي تعد الفاصل بين الوجهين القبلي والبحري «الجنوب والشمال» ونقف أمامها دون الاستيلاء عليها.»

ولم يمضِ طويل زمن حتى استولى «بيعنخي» على «منف» بجيش كالفيضان بعد أن قتل منها خلقًا كثيرين واستولى على أسرى عديدين، وبعد أن تم له النصر أرسل بعثًا من قبله لحماية معابد المدينة وآلهتها وبخاصة الإله «بتاح» وتاسوع المدينة، ثم طهرت بالنطرون والبخور.

وبعد ذلك سار الملك إلى بيت «بتاح» وأدى فيه شعيرة التطهير في حجرة الصباح التي يظهر فيها الملك كل صباح على حسب التقاليد التي كانت تُعمل للملوك على غرار ما كان يعمل للإله «رع» عندما كان يحكم على الأرض، ثم دخل المعبد وقدم قربانًا لوالده «بتاح» القاطن جنوبي جداره «أي معبده» وعندما سمعت الأقاليم المجاورة «لمنف» بسقوطها سلمت بدورها، والظاهر أنها كانت أماكن محصنة ولكنها فتحت أبراجها وولى أهلها هاربين هائمين على وجوههم، وهذه المدن أو الأقاليم هي «حري بدمي» «ويحتمل أنها «حري» المدينة» ومدينة «يني-نا أوع» وبرج «بيو» وواحة «بيت»، وكل هذه الأماكن لم يحدد موقعها بعدُ؛ لأنها لم تذكر كلها إلا في هذا المتن، وعلى أية حال فإنها كانت على مقربة من «منف»، وعلى أثر ذلك النصر العظيم الذي أحرزه «بيعنخي» في «منف» وما جاورها حضر إليه صغار ملوك الدلتا ليقدموا له الولاء والخضوع، وفي الوقت نفسه كانوا يحملون له الجزية، ونخص بالذكر منهم الملك «أوبوت» ورئيس «مي» المسمى «أكانش» وهو اسم أجنبي والأمير الوراثي «بدي إزيس».٤١
وقبل أن يغادر «بيعنخي» «منف» منح ثروتها للإله «آمون» ولآلهة المدينة أيضًا؛ أي للإله «بتاح» وتاسوع «منف» القاطن في حتكبتاح.٤٢
وبعد أن فرغ من ذلك زحف «بيعنخي» إلى «خرعحا» (مصر عتيقة الحالية)، فقد توجه شرقًا في الصباح المبكر وقرب قربانًا «لآتوم» في «خرعحا» وكذلك للتاسوع المقدس وكهف الآلهة القاطنين فيه،٤٣ وذلك تقربًا منه إلى هذه الآلهة.

وبعد ذلك سار إلى «عين شمس» الواقعة على تل «خرعحا» وقد طهر الملك نفسه في البركة المقدسة وغسل وجهه في نهر «نون» الذي غسل فيه «رع» وجهه. وهذه العبارة تشير إلى الخرافة القائلة بأن الملك هو ابن الإله «رع» الذي اتخذ مكانه في بادئ الأمر في مدينة «عين شمس»، ومن ثم كانت تقام له الأحفال التي كانت تقام له فيما بعد في السماء، وعلى ذلك فإن ابن «رع» كان يتمثل بوالده في كل الأحفال.

وبعد ذلك سار إلى تل الرمال في «عين شمس» وقرب قربانًا للإله «رع» عند طلوعه، وتل الرمال هذا يرمز للتل الأزلي الذي ظهر في مياه المحيط الأزلي «نون»، والواقع أن أهم جزء في المعبد هو قدس الأقداس، وكانت فكرته المثالية هي أنه يعد بمثابة التل الأزلي؛ أي أول رقعة من أديم الأرض ظهرت في مياه العدم في يوم خلق العالم، ولما كانت الكائنات كلها قد ذُرِئَتْ من هذه البقعة على يد «بتاح» فإنها عُدَّتْ مصدر قوة لا حدَّ لها صالحة لظهور الإله فيها.٤٤

وقد دعا «بيعنخي» رئيس كهنة «رع» والمرتلين أن يصدوا الثوار عنه، وبعد ذلك زار قاعة الصباح في المعبد، وهي المكان الذي كان مفروضًا أن يغتسل فيه «رع» ويطهر نفسه ويلبس ملابسه الجديدة كل صباح وينشر فيها عبير البخور، وهناك قدمت للملك أكاليل لأجل بيت الهرم الصغير «بن بن» وهو المكان الذي يوضع فيه الهرم الصغير، وهو رمز التل الأزلي الذي كان يجثم عليه الإله «رع» في صورة الطائر «بنو» وهو في شكل الطائر «مالك الحزين» ويتقمص روح الإله «رع» في صورة صقر.

وبعد ذلك صعد الملك في السلم إلى النافذة العظيمة ليشاهد «رع» في بيت «بن بن» هذا، وهناك وقف الملك نفسه منفردًا٤٥ أمام باب «بن بن» ثم كسر خاتم المزلاج وفتح الباب على مصراعيه وشاهد الوالد «رع» في بيت «بن بن» الفاخر، وكذلك شاهد سفينة الصباح الخاصة بالإله «رع» التي يسبح فيها في أثناء النهار في السماء من الشرق إلى الغرب، كما شاهد سفينة المساء التي يسبح فيها الإله «آتوم» في السماء السفلى من الغرب إلى الشرق، وهكذا كل يوم. ومن ثم نفهم أن إله الشمس كان يسمى في خلال النهار الإله «رع» وفي خلال الليل الإله «آتوم».

وبعد ذلك أوصد المصراعين ووضع عليهما الطين وختمهما بخاتم الملك، ثم أمر الكهنة بألا يسمحوا لأحد من الملوك الذين سيأتون بعده بفتحه فسجدوا أمامه سمعًا وطاعة.

وبعد ذلك زار معبد «آتوم» في هذه الجهة أيضًا.

ولما سمع الملك «أوسركون»٤٦ الذي كان مقره في «بوبسطة» بإيغال «بيعنخي» في الدلتا أسرع بتقديم ولائه له.

وبعد ذلك توجه «بيعنخي» إلى زيارة «أتريب» (بنها الحالية)، فرست سفينته في الميناء على الشاطئ الغربي وضرب خيامه بالقرب من «قها» الحالية الواقعة في شرقي مقاطعة «أتريب»، وعندما سمع بذلك الملوك والأمراء الشماليون وكل الرؤساء اللوبيين «وهم الذين كانوا يميزون بلبس الريشة على رءوسهم» هذا إلى كل وزير ورئيس وسمير ملك من غربي الدلتا وشرقيها ومن الجزائر الواقعة في وسطها، هرعوا ليشاهدوا بهاء طلعته ويقدموا له الطاعة ويكفوا أنفسهم شر القتال، وقد سجد أمامه الأمير الوراثي «بدي إزيس» راجيًا إياه أن يزور بلده «أتريب» ليرى إلهها العظيم «خنتي خاتي» «الذي كان يمثل في صورة صقر» وليتعبد للإلهة «خويت» معبودة هذه البلدة، وليقدم قربانًا «لحور» «أي حور خنتي خاتي» في معبده، وكذلك ليزور بيت ماله، وقد وضع ما فيه تحت تصرفه وكذلك أملاكه التي ورثها من والده، هذا إلى أنه كان مستعدًا ليقدم له ذهبًا بقدر ما يحب، وكذلك الفيروز الذي كان مكدسًا عنده، وفوق كل هذا عرض عليه جيادًا عدة من أحسن ما في حظائره.

وقد قبل «بيعنخي» زيارة «أتريب»، وقد كان أول ما زار فيها معبد الإله «حور خنتي خاتي» وهناك قرب له قربانًا فتقبل منه، وبعد ذلك دخل قصر هذا الأمير وتسلم منه الهدايا من فضة وذهب ولازورد وفيروز بمقادير عظيمة من كل صنف، هذا إلى ملابس من الكتان الجميل والعطور والمسوح وأوانٍ أنيقة وجياد أصيلة ذكورًا وإناثًا من أحسن ما في حظيرته.

وبعد ذلك طهر «بدي إزيس» نفسه بأن أقسم يمينًا مقدسًا أمام كل هؤلاء الملوك والرؤساء حكام الشمال العظام، وقال لهم: «إن كل واحد منهم سيموت ميتة والده إذا أخفى جياده وخبأ التزاماته، وليقع عليَّ مثل هذا العقاب إذا كنت قد أخفيت أي شيء من جلالته من كل متاع والدي من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، ومن كل أنواع الأواني الثمينة ومن أسوار الذهب والقلائد والأطواق المرصعة بالأحجار الكريمة والتعاويذ التي توضع على كل عضو من أعضاء الجسم وأكاليل الرأس والخواتم والأقراط وكل زينة خاصة بالملك، وكل هذه الأشياء قد قدمتها أمام جلالته، وأعني ملابس من الكتان الملكي بالآلاف من أحسن ما في قصري ومما أعرف أنك ستسر بها»، وفي النهاية خاطبه قائلًا: «اذهب إلى حظيرة الجياد وخذ ما طاب لك»، وقد فعل الملك ذلك.

ويلحظ أن الهدية التي كانت تلفت النظر من بين الهدايا التي كان يقدمها كل الأمراء هي الخيل، والظاهر «كما قلنا» أن تربيتها في مصر واستعمالها كان له منزلة عالية ملحوظة.

وبعد أن رأى الأمراء الهدايا العظيمة التي قدمها «بدي إزيس» صاحب «أتريب» طلبوا إلى «بيعنخي» أن يصرفهم كلٌّ إلى مدينته حتى يفتحوا خزانات ماليتهم ليضعوا ما فيها تحت تصرف جلالته ليأخذ منها ما يشاء، وكذلك ليُحضروا له خيرة جياد حظائرهم، فسمح لهم بالانصراف، وكان عددهم خمسة عشر ما بين ملك وأمير ورئيس من قوم اللوبيين وكاهن، وهاك أسماؤهم وألقابهم:
  • (١)

    الملك «أوسركون» ملك «بوبسطة» وأقليم «نفر رع» المجاور «لبوبسطة».

  • (٢)
    الملك «أوبوت» حاكم «تنترمو» «وتاعان».٤٧
  • (٣)
    الأمير الوراثي «زد أمنف عنخ» في مخزن غلال «رع» حاكم «منديس».٤٨
  • (٤)

    وأكبر أولاده قائد الجيش في بلدة «تحوت بررحوي»، ويدعى «عنخ حور». وبلدة «تحوت بررحوي» هي التي قام على أنقاضها بلدة «تل البقلية» القريبة من «المنصورة».

  • (٥)
    الأمير «أكانش» في «سمنود» (رتب نتر = العجل المقدس) وفي «بهبيت» وفي «سما بحدت»، والاسم الأخير يطلق على المقاطعة الثامنة عشرة من مقاطعات الوجه البحري، وعاصمتها تسمى بهذا الاسم، وكذلك تسمى العاصمة «با أو آمون» (أي بحيرة «آمون») وقد بقي لنا الاسم في «تل البليمون» الحالي مركز شربين.٤٩
  • (٦)

    الأمير رئيس «مي» المسمى «باثنف» في «برسبد» (أي «صفط الحنا» الحالية) وفي «شنوت أنبوحز» (أي مخزن غلال الجدار الأبيض؛ أي «منف»)، وتقع على ما يُظن في المقاطعة العشرين من مقاطعات الوجه البحري، وعاصمتها «صفط الحنا» الواقعة في مديرية الشرقية مركز الزقازيق.

  • (٧)
    الأمير رئيس «مي» «بمبو» حاكم «بر أوزير» رب «دد»، وهذا هو الاسم الكامل لعاصمة المقاطعة التاسعة من مقاطعات الوجه البحري وهي «بوصير»، وغالبًا ما تسمى باختصار «بر أوزير» وهي الآن «أبو صير بنا» مديرية الغربية مركز «المحلة الكبرى».٥٠
  • (٨)
    الأمير رئيس «مي» المسمى «نس ناقدي» حاكم مقاطعة «حسب» وهي المقاطعة العاشرة والعاصمة الدينية لها، ويحتمل أنها تقع على أنقاض بلدة «الحبيش» التي تبعد مسافة أربعة كيلو مترات من «هربيط» مركز «كفر صقر».٥١
  • (٩)
    الأمير رئيس «مي» المسمى «نخت حرنا-شنو» حاكم «برجرر» (مسكن الضفدعة) إحدى عواصم المقاطعة الثامنة، ويقول عنها «دارسي» إنها تقع في «كوم الشقافة» في الجنوب من «التل الكبير»٥٢ ويقول «برستد»: إنها تقع في الإقليم الواقع في النهاية الشمالية لخليج «السويس».٥٣
  • (١٠)

    رئيس «مي» المسمى «بنتاور».

  • (١١)

    ورئيس «مي» المسمى «نبتي بخنت».

  • (١٢)

    كاهن «حور» رب «ليتوبوليس» المسمى «بادي حر سماتوي».

  • (١٣)
    الأمير الوراثي «حور أباس» حاكم «بر سخمت نب سا» (أي مسكن الإلهة «سخمت» ربة «سايس»)، وهذا اسم محراب للإلهة «سخمت» في بلدة «سايس»؛ أي «صا الحجر»٥٤ الحالية، وكذلك حاكم «بر سخمت نب رحساوي» وهو محراب للإلهة «سخمت» سيدة «رحساوي» وهي مدينة لم تُعرف بعدُ من المقاطعات الثانية من مقاطعات الوجه البحري، ويُحتمل أنها بالقرب من «أوسيم» الحالية.٥٥
  • (١٤)
    الأمير الوراثي «زدخيو» في «خنت نفر»، وقد وحد الأستاذ «حمزة» «خنت نفر» ببلدة «قنتير» الحالية،٥٦ ويقول «بروكش»: إنها مدينة بالقرب من «ليتوبوليس» (أوسيم).٥٧
  • (١٥)

    الأمير «باباس» حاكم «خرعحا» «وبرحعبي» «وقد شرحنا موقع هاتين المدينتين فيما سبق.»

وكل هؤلاء الملوك والأمراء قد عادوا حاملين للملك جزيتهم من ذهب وفضة ومتكآت منمقة بالكتان الجميل، وكذلك العطور في جرار، هذا إلى جياد مما كان مغرمًا بها «بيعنخي».

وعلى الرغم من خضوع كل هؤلاء الحكام وامتثالهم لأوامر «بيعنخي» فإنه لم تمضِ إلا عدة أيام على تقدمهم بهذه الهدايا حتى أتى رسول للملك يخبره أنه قد قامت ثورة في بلدة «مسد» التي تدل شواهد الأحوال على أنها كانت تقع على حدود مقاطعة «تفنخت» في الدلتا الغربية؛ فأرسل «بيعنخي» جيشًا من جنود «بدي إزيس» ليستطلع جلبة الأمر هناك وليخمدوا الثورة إذا كانت قد أشعلت نارها حقًّا، ولم تمضِ مدة طويلة حتى أتى إلى الملك رسول يخبره بإخماد الثورة وأن الثوار قتلوا عن آخرهم، وقد أهدى «بيعنخي» هذا البلد إلى الأمير «بدي إزيس»، وأخيرًا لما سمع «تفنخت» بإخماد هذه الثورة «والظاهر أنه كان هو المحرك لها» لم ير بدًّا من إرسال رسول للملك يستأذنه في الحضور للمثول بين يديه.

والواقع أنها كانت رسالة استعطاف واعتراف بقوة «بيعنخي» وطلب العفو عما بدر منه من سيئات، وفي الوقت نفسه يصف له فيها ما وصلت إليه حالته خلال تلك الحروب الطاحنة من جوع وعري وتشريد، حتى إنه كان أحيانًا يضطر إلى أكل أيبس خبز من أيدى عامة الناس خلال دفاعه عن وطنه في حملة من الحملات التي قام بها على «بيعنخي»٥٨ فاستمع إليه وهو يقول في رسالته لهذا الملك العظيم: «فليهنأ بالك!» إني لم أرَ وجهك خجلًا وخزيًا، وليس في مقدوري أن أقف أمام لهيبك الذي «ينفث من حولك» كما أني أرتعد فرَقًا أمام جبروتك، حقًّا إنك الإله «ست» (نوبتي) المسيطر على الأراضي الجنوبية، وفي آن واحد «منتو» ذلك الثور صاحب الساعد القوي «في حومة الوغى» وأنت الذي عندما كنت تولي وجهك نحو أية مدينة لم تجدني فيها؛ إذ أكون قد وليت الأدبار إلى أن بلغت في فراري جزر البحر خائفًا مرتعدًا أمام بطشك مرددًا: إن لهيبه يناصبني العداء، ألم يهدأ لب جلالتك بعد بهذه الأشياء التي عملتها لي؛ إذ الواقع أني قد أصبحت رجلًا يائسًا تعسًا، ولا ينبغي لك أن تعاقبني على ما اقترفت من جريمة فتزن خطاياي بالقسطاس المستقيم وبالحبة والدانق، لقد ضاعفت في الحق هذه الخطايا ثلاثة أضعاف، فليتك تترك البذرة لأجل أن تجدها في الوقت المناسب، ولا تجتث الشجرة من أصلها، وبحقك أن الفزع منك يسري في جسمي والخوف منك يدب في أعضائي، على أني لم أجلس في حانة جعة ولم أَلْهُ بالضرب على العود في حضرتي، بل على العكس لقد أكلت الخبز اليابس جوعًا وشربت الماء عطشًا منذ ذلك اليوم الذي سمعت فيه اسمي «أي منذ أن نشبت الحرب بيننا» ولقد ألمَّ المرض بعظامي وسرت حاسر الرأس وارتديت الخرق إلى أن رضيت عني الإلهة «نيت» ربة «سايس» ولقد كان الشوط الذي جلبته عليَّ في محاربتك طويلًا، وما العمل والغضب في وجهك بادٍ ضدي، والسنون قد حلت جسمي، فطهرني من خطيتي، ولتكفر عني ممتلكاتي بتسليمها إلى بيت المال بما فيها من ذهب وأحجار ثمينة من كل صنف، وما تحتويه حظائري من خيرة الجياد لتكون دية عن كل ما اقترفته، فأرسل لي رسولًا على وجه السرعة حتى ينقشع عن قلبي الخوف، ودعني أخرج أمامه إلى المعبد حتى أطهر نفسي بأخذ ميثاق مقدس على نفسي.»

وعلى أثر ما جاء في هذه الرسالة أرسل جلالة الملك «بيعنخي» إلى «تفنخت» الكاهن رئيس المرتلين المسمى «بدي أمن نستاوي» وبصحبته قائد الجيش «بورما» فأهدى إلى الملك فضة وذهبًا وملابس وأحجارًا ثمينة فاخرة من كل الأنواع، ثم سار «تفنخت» مع رسولي الملك إلى المعبد وصلى للإله، وطهر نفسه بميثاق مقدس قائلًا: «أقسم بأني لن أتعدى أمر الملك، ولن أتخطى ما يقوله الملك، ولن أناصب أميرًا العداء دون علمك، وإني سأفعل على حسب ما يقول الفرعون ولن أتعدى ما أمر به.»

وعندئذ رضي الملك بهذا القسم العظيم، وفي الحق إنه لقسم وثيق العرا؛ إذ نفهم من كلماته أنه لن يقوم بأي عمل عدائي على «بيعنخي»؛ فلا يحرض أميرًا على العصيان، ولن يقوم بأي عمل على غير رغبة الفرعون، وفي هذا كل الخضوع والطاعة لأمير كان الفوز منه والتغلب على كل مصر وتأسيس إمبراطورية ضخمة قاب قوسين أو أدنى.

والواقع أن ما قام به «تفنخت» من مقاومة وما أبداه من شجاعة وإقدام في مقاومة «بيعنخي» في بلاد كانت تسودها الفوضى والانقسام لمما يدل على ما كان عليه من ذكاء وحسن قيادة، ولو أتيحت لهذا البطل الفرص كما أتيحت لأحمس الأول لَكوَّن إمبراطورية لا تقل في عظمتها وقوتها عن إمبراطوريته، ثم بعد ذلك يتساءل الإنسان: هل قدم «تفنخت» حقًّا خضوعه على هذه الصورة المشينة؟ إنا نشك في ذلك كثيرًا، والواقع أنها مبالغات!

وبعد أن فرغ «بيعنخي» من إخضاع أكبر مناهض له في مصر وهو «تفنخت» لم يبقَ له في طول البلاد وعرضها مناهض، وقد كان آخر من سلم بالخضوع والإذعان بالطاعة له «الفيوم» التي كانت قد خضعت «لتفنخت» ثم «أطفيح»، هذا بالإضافة إلى البقية الباقية من ملوك الدلتا، وقد جاء ذلك نتيحة لهزيمة رئيسهم الأكبر «تفنخت»؛ فقد أتى إلى هذا الفاتح رسول يقول له: «إن معبد «سبك»؛ أي «الفيوم» قد فتحت حصنها وكذلك «متنو»؛ أي «أطفيح» عاصمة المقاطعة الثانية والعشرين من مقاطعات الوجه القبلي قد سجدت له، ولم تبقَ مقاطعة في جنوب البلاد أو شماليها أو شرقيها أو غربيها وحتى الجزر التي في وسط الدلتا إلا سجدت خوفًا منه، وقد جعل أصحابها كل ممتلكاتهم تقدم إلى الملك في المكان الذي يريده بوصفهم رعايا قصره.»

وقد حضر في الصباح المبكر كل من الملك «نمروت» وملك «أطفيح» على ما يُظن، وهما من حكام الجنوب والشمال ليقبلا الأرض بين يدي جلالته، هذا؛ وفي الوقت نفسه فإن ملوك الدلتا وأمراءها الذين لم يكونوا قد خضعوا بعد، وهم الذين قد أتوا ليشاهدوا بهاء جلالته، كانت أرجلهم كأرجل النسوة طراوة.

وهؤلاء الأمراء لم يسمح لهم بدخول بيت الفرعون؛ لأنهم كانوا أنجاسًا؛ «أي إنهم لم يختنوا»٥٩ وكذلك لأنهم من أكلة السمك الذي كان يعد في نظر رجال القصر لعنة،٦٠ ولكن نجد أن الملك «نمروت» قد دخل بيت الملك؛ لأنه كان طاهرًا؛ أي مختونًا، ولم يكن من آكلي السمك، وقد كان بباب الملك ثلاثة من هؤلاء الملوك ولكن لم يدخل قصر الملك إلا واحد وهو «نمروت».

بعد أن انتهى «بيعنخي» من فتحه العظيم وإخضاع كل البلاد المصرية وتوحيدها مع بلاد «كوش» شحن سفنًا بالفضة والذهب والنحاس والملابس وكل شيء يرغب فيه من بلاد الشمال، وما تصبو إليه نفسه من محاصيل سوريا وكل الأخشاب الحلوة المجلوية من أرض الإله؛ أي من بلاد «بنت»، وفي ذلك إشارة إلى اتصال التجارة في ذلك الوقت بين مصر والبلاد المجاورة لها وبخاصة بلاد سوريا وبلاد «بنت» الواقعة على ساحل البحر الأحمر.

وبعد ذلك أقلع «بيعنخي» إلى الجنوب بقلب منشرح، وكانت الناس على كلا شاطئي النهر ترحب به وتهلل لطلعته، وكان القوم القاطنون في غربي النهر وشرقيه يقيمون الأفراح في حضرة جلالته ويغنون ويصفقون وهم يقولون: «يا أيها الحاكم الجبار، يا «بيعنخي»، أيها الحاكم صاحب البطش، إنك تعود وقد أحرزت السلطان على الأرض الشمالية، فأنت الذي تجعل من الثيران نسوة، فما أسعد قلب المرأة التي حملتك والرجل الذي أنجبك، فسكان الوادي يقدمون الثناء إلى البقرة التي حملت ثورًا، وإنك ستبقى مخلدًا وقوتك سرمدية يأيها الحاكم محبوب طيبة.»

تلك هي قصة «بيعنخي» وما قام به من أعمال عظيمة كما رواها هو عن نفسه في لوحته التي أقامها في بلاده. حقًّا إنها تحدثنا عنه كما يرغب هو لا كما يرغب المؤرخ المحايد أن يسمع القصة من الجانبين المتخاصمين ثم يدلي بحكمه، ولا نزاع في أنها قصة فيها تحيز، ولن يمكن الحكم على صحة كل ما جاء فيها إلا إذا جادت علينا تربة مصر بقصة «تفنخت» الذي ناضل عن بلاده حتى آخر سهم في كنانته، ومع ذلك فإنا نجد في رواية «بيعنخي» نواحي كثيرة إنسانية، لم نجدها على وجه عام فيما تركه الفاتحون المصريون العظام، وأقل ما يقال عنه إنه كان لا يميل كثيرًا إلى سفك الدماء، وكان لا يأتي هذا العمل الفظيع إلا مضطرًّا، وناهيك بشفقته على الحيوان وتقاه وصلاحه واعتماده على إلهه حتى في ساحة الوغى وفي توجيهاته الحربية، وهذا على الرغم من مهارته في فنون الحرب والقيادة، والواقع أن أقرب فرعون يشبهه في أخلاقه وصفاته هو «تحتمس الثالث» الذي كان لا يميل إلى سفك الدماء كثيرًا إذا ما قرن بأسلافه وخلفائه من فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، كما أنه في تقاه وتمسكه بمساعدة «آمون» له يشبه الفاتح العظيم «رعمسيس الثاني» وبخاصة في موقعة «قادش» العظيمة عندما كان يناجي إلهه «آمون» للأخذ بناصره في ساحة الوغى، ولا يعتمد على أحد سواه.

ويطيب لنا أن نذكر هنا أن من الظواهر التي تسترعي النظر في لوحة «بيعنخي» بل وفي العهد الكوشي بعامة كما سنرى بعد التمسك الواضح بأهداب الدين وتحمس ملوكه لآلهتهم، وبخاصة إذا وازناهم بملوك مصر في تلك الفترة، فقد كانوا فعلًا في عصر انحلال ديني ظاهر، فملوك «كوش» يمكن أن نشبههم في تلك الفترة بملوك الوهابيين في خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، في حماسهم الديني والتمسك بأهداب العقائد القديمة. والواقع أن لوحة «بيعنخي» قد أوضحت لنا تمامًا كيف كان ملوك «كوش» يتبعون بكل دقة شعائر الدين المصري، فقد عمل كل ما في وسعه ليظهر تمسكه بالعقيدة الشمسية القديمة في هليوبوليس، كما وجدناه في مشهد آخر يرفض التسليم التام لأولئك الأمراء المصريين الأنجاس بسبب أكلهم للسمك.٦١

هذا؛ وقد كان تمسكهم بعبادة «آمون» وتقديسه من أبرز صفاتهم، وهذا يذكرنا بما كان عليه ملوك الدولة الحديثة وبخاصة الأسرة الثامنة عشرة من تمسك بعبادة «آمون» والعمل على نشرها في كل أنحاء الإمبراطورية وبخاصة في بلاد «كوش»، ولا يبعد إذن أن تأثير عبادة «آمون» كان لها مفعول كبير على ملوك «كوش» في عهد الأسرة الخامسة والعشرين، فقد وجدناهم فجأة في مصر معتنقين هذه العقيدة، ولذلك يميل الإنسان إلى الاعتقاد أن كهنة معبد جبل برقل الذين كانوا من عباد «آمون» لهم ضلع كبير في تأسيس الأسرة الخامسة والعشرين، إن لم يكونوا هم المؤسسين لها بعد أن مكثوا في «كوش» مدة طويلة نشروا فيها عقيدتهم في أرجاء تلك البلاد، إلى أن حانت فرصة تدهور البلاد المصرية في أواخر الأسرة الثانية والعشرين، فانقضُّوا عليها بدمهم الفتيِّ وأسسوا الأسرة الخامسة والعشرين.

مقبرة «بيعنخي»٦٢

كُشف عن مقبرة الملك «بيعنخي» في جبانة «الكورو» ضمن المقابر الملكية التي وُجدت هناك، وقد وجدت في حالة تهدم وتخريب تامَّين، ويحتمل «مما تبقى من وضعها» أن البناء الذي كان يعلو حجرة الدفن هرمي الشكل.

وقد عُثر على حجر واحد من مدماك الأساس، وسور هذه المقبرة أقيم من الحجر الرملي، أما مقصورة المقبرة أو بعبارة أخرى مزارها فقد خرب تمامًا، ولم يعثر على شيء من ودائع الأساس قط، ويحتوي السلم المؤدي إلى حجرة الدفن على تسع عشرة درجة مؤدية مباشرة إلى الباب الذي أقيم في الجهة الشرقية، أما حجرة الدفن نفسها فقد نهبت محتوياتها تمامًا، ومع ذلك وجد فيها بعض قطع مهشمة تدل على أنها كانت تحتوي على أثاث جنازي ثمين نخص بالذكر منه قطعًا من الخزف المطلي وتعاويذ،٦٣ وكذلك قطعًا من اللازورد وعينين سليمتين، وتعويذة من عقد «منات» «وهذا العقد كانت تلبسه الراقصات أو الراقصون أمام الإلهة حتحور» نقش عليها طغراء الملك «بيعنخي» على الظهر، وكذلك أربعة أغطية أواني أحشاء وإناءَا أحشاء وتماثيل مجيبة من الخزف عليها صورة «بيعنخي» واسمه.٦٤
هذا؛ إلى مائدة قربان عليها أقداح ماء من البرنز عثر عليها في السلم المؤدي إلى حجرة الدفن، وهي محفوظة الآن بمتحف «بوستون» بمدينة «نيويورك»،٦٥ ووجدت أوانٍ من الفخار لها قيمتها الأثرية.٦٦
ويوجد في المتحف البريطاني قطعة نسيج من الكتان كُتب عليها بالمداد طغراءات الملك «بيعنخي»،٦٧ ويقال إن «ولكنسن» قد أحضرها من «طيبة».٦٨ والمتن الذي كتب على هذا النسيج نشره «جرين»٦٩ على أن القول بأن هذا النسيج يمكن أن يكون قد أتى من حجرة دفن «بيعنخي» فإنه قول بعيد الاحتمال؛ وذلك لأن مقبرة هذا الملك كما قلنا قد نهبت نهبًا تامًّا في العصور القديمة أو على أقل تقدير في العصر المروي، هذا إلى أن بقاء مثل هذا النسيج معرضًا مدة تزيد على ألف وخمس مائة سنة يكاد يكون من ضروب المستحيل، ولكن المرجح في أمر هذا النسيج أنه قد كشف عنه في العصور الحديثة، وأنه كان هدية من الفرعون إلى أحد المعابد أو لمقبرة أحد أتباعه.٧٠

آثار «بيعنخي» في أنحاء مصر والسودان

وُجد لهذا الفرعون بعض آثار تدل على امتداد نفوذه، نخص بالذكر منها ما يأتي:
  • (١)
    جزء من مسلة مصنوعة من الجرانيت، عليها سطر من النقوش على كل وجه من أوجهها الأربعة، وهو محفوظ الآن بمتحف الخرطوم، رقم ٤٦٢.٧١
  • (٢)

    قطعة فضة نُقش عليها اسم الملك «نمروت»، وهي على ما يظهر من خرائب «هرموبوليس»؛ أي «الأشمونين»، والظاهر أن «بيعنخي» قد أحضرها معه عند عودته من مصر إلى بلاده، وهي محفوظة الآن في «أكسفورد» بمتحف «أشموليان».

    وقد عُثر على هذه القطعة في خزانة معبد صنم الواقعة على مسافة خمس مائة متر شرقي هذا المعبد.٧٢
  • (٣)
    ومن المحتمل أن المعبد B. 900 قد وضع أساسه في الأصل الملك «بيعنخي» ثم أعاد بناءه الملك «حرسيوتف» (؟) في العهد المروي.٧٣
  • (٤)
    وكذلك يحتمل أنه هو أو والده «كشتا» قد بنى المعبد رقم B. 800.٧٤
  • (٥)
    ووُجد في معبد «صنم» الجزء الأسفل من تمثال مصنوع من البازلت جالسًا ورسم على أحد جانبي العرش علامة توحيد الأرضين، وهذا التمثال على ما يظهر قد اغتصبه «بيعنخي»، هذا ووجد عرش تمثال من الحجر الرملي منقوش عليه اسمه.٧٥
  • (٦)
    ولوحة «بيعنخي» العظيمة التي أسهبنا القول في محتوياتها عُثر عليها في معبد جبل «برقل» الذي يحمل اسم B. 500، وهذا المعبد يعد أكبر وأجمل المعابد التي أقيمت في جبل «برقل»، غير أنه مما يؤسف له جد الأسف لم يبقَ منه إلا بقايا مهدمة، ويقع عند سفح جبل «برقل» في الجهة الشمالية الغربية، ويحتل مساحة كبيرة، ويبلغ طوله حوالي ٥٠٠ قدم، وهو في حجمه وعظمته يحتل المكانة الثانية بعد معبد «صلب».
    والظاهر أنه قد وُضع أساسه في عهد الأسرة الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة في حكم «رعمسيس الثاني» ثم أعاد بناءه «بيعنخي» وبُني مرة أخرى في عهد الملك «ناتا كاماني» (خبر كارع).٧٦

    ويبلغ طول معبد «بيعنخي» هذا حوالي ٥٠٠ قدم، وعرضه في أوسع ردهاته حوالي ١٣٥ قدمًا، وهذه الردهة كان يصل إليها الإنسان بوساطة بوابة لا يمكن تقدير حجمها على وجه التأكيد، وأبراج هذه البوابة لم تُهدم، بل أزيلت أحجارها واستُعملت في أغراض أخرى، وعلى كلا جانبي البوابة كان يوجد ستة تماثيل لكباش من الجرانيت كل منها يقبض أمامه على تمثال للملك «أمنحتب الثالث» أحضرها «بيعنخي» من معبد «صلب»، ولا يزال منها اثنان في مكانهما الأصلي.

    وحول الجهات الأربع للردهة الخارجية أقيم ممر كان مدعمًا من الجهة الشمالية بصفين من العمد، وهذه الردهة يبلغ طولها ١٥٠ قدمًا تقريبًا، وقطر كل عمود حوالي ست أقدام، وترتكز على قواعد قطرها حوالي من الأقدام، وأهم ما كان يشاهد على جدران هذه الردهة سُوَّاس خيل «بيعنخي» يقودون الخيل، وكذلك وُجدت لوحة من الحجر الرملي الأحمر للملك «بيعنخي» وقد هُشم الجزء الأسفل منها، وبها منظر يشاهد فيه الملك يتسلم التاج من «آمون رع» تتبعه الإلهة «موت» والإله «خنسو»، وقد عُثر عليها أمام قاعدتها الأصلية، وهي الآن بمتحف مروي Khartoum, N. 1851٧٧ هذا إلى لوحات الجرانيت التي نُقلت في عام ١٨٦٢ كما تحدثنا عن ذلك من قبل.

    والردهة الثانية طولها ١٢٥ قدمًا، وعرضها ١٠٢ من الأقدام، ويصل إليها الإنسان كذلك بوساطة بوابة عمقها حوالي ٢٨ قدمًا، وفي الجانب الشرقي كان يوجد أربعة صفوف من العمد كل منها يحتوي على ستة عمد ثلاثة على كل جانب من الباب، هذا إلى صفوف مزدوجة من العمد أقيمت على كل من جانبي الممر الذي كان يبلغ عرضه حوالي ٧ أقدام من بوابة إلى بوابة، وقد أقيم على مدخل بوابة هذه الردهة أربعة تماثيل لكباش كل منها يقبض أمامه على تمثال صغير للملك «أمنحتب الثالث» أحضرها «بيعنخي» من معبد «صلب»، ويوجد بقايا منظر يشاهد فيه الملك يذبح الأعداء على جدران البوابة، أما على الجدران داخل الردهة فقد مُثل عليها منظر للملك وأسرى خلف عربته.

    والردهة الثالثة أصغر بكثير من سابقتيها؛ إذ يبلغ طولها حوالي ٥١ قدمًا وعرضها ٥٦ قدمًا، وتحتوي على عشرة عمد، خمسة على كل من جانبي الطريق، وقد كان لها بوابة، وعلى جدران هذه الردهة في الجهة اليمنى كان يوجد بابان يؤدي كل منهما إلى مقصورة يمر الإنسان منها إلى الممر المؤدي إلى المحراب، وقد كان مقسمًا ثلاثة أجزاء بجدارين ممتدين على طول الممر، ففي الجدار الذي على اليمين باب يؤدي إلى حجرة طويلة ضيقة فيها أربعة أعمدة محاريب، وخلف ذلك مقصورة صغيرة تحتوي على عمودين ومقصورة، وإذا عدنا أدراجنا ومررنا بالجدران التي في الداخل والخارج دخلنا مقصورة أخرى تحتوي على أربعة أعمدة، وفي نهاية هذه الحجرة مائدة قربان جميلة من الجرانيت نقش عليها «تهرقا» اسمه، ورسم عليها آلهة النيل يعقدون علامة ضم القطرين على واجهة المائدة وخلفها، هذا إلى أربع صور «لتهرقا» ترفع السماء على الجانبين، وهي لا تزال في مكانها الأصلي، وهذا يدل على أن «تهرقا» قد أضاف مقصورة في معبد «بيعنخي»، وخلف هذه المقصورة حجرة طويلة لها باب على اليسار.

    وأخيرًا ينتهي المبنى بالمحراب ويمكن تتبع تصميمه بسهولة، فنجد صورة الإله «آمون» موضوعة على نهايته بالقرب من المائدة الضخمة المصنوعة من الحجر، ولا يزال عليها اسم صانعها «بيعنخي»، وعلى اليمين توجد مقصورة صغيرة يمكن الدخول إليها من نهاية المحراب، ومن المحتمل أنها كانت لحفظ ملابس الإله والكهنة وحليهم.٧٨
  • (٧)
    قاعدة مائدة قربان من الجرانيت الأسود باسم «بيعنخي» لا تزال موجودة في مكانها الأصلي،٧٩ وجاء على هذه القاعدة النقش التالي: «يتكلم» «آمون رع» ملك رب «برقل» وهذه الآلهة: إني معروف عند هذا الطفل، وإني أنا أعرفه قبل أن يولد وقبل أن يأتي إلى العالم، وإني أعطيته أشياء ملكي، وإني أقضي له على كل الأعداء، وإنه هو الذي يسر قلبي؛ لأنه أقام أماكني العظيمة، وهو ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بيعنخي».٨٠
  • (٨)
    ويوجد «لبيعنخي» منظر «بالكرنك» في معبد الإلهة «موت» ربة «أشرو»، ويشاهد على أحد أحجار هذا المنظر الذي نجده في حجرة هذا المعبد اسم «بيعنخي» ويمثل المنظر رحلة نهرية قام بها هذا الملك، إما عند عودته من الشمال بعد فتح الدلتا وإخضاع صغار ملوكها، وإما حملة سلمية قام بها في جنوب بلاد «كوش» لأجل أن يحضر لمصر المحاصيل النادرة التي تنتجها هذه البلاد النائية،٨١ هذا ما قاله بعض المؤرخين عن هذا المعبد، والواقع أنه لا يمت له بصلة، بل دل البحث على أن هذا المنظر تابع لرحلة «نيتوكريس» كما سنرى بعد.
لوحة الملك «بيعنخي» المصنوعة من الحجر الرملي: كشف الأثري «ريزنر» عن لوحة من الحجر الرملي يُظن أنها في الأغلب للملك «بيعنخي» وقد وجد عليها صورة ملك وأسماء مكشوطة، وقد وُضعت فيما بعد صورة «بيعنخي» واسمه، كما يلاحظ أن اسم «آمون» لم يكشط، وقد عُثر عليها في جبل «برقل» في قاعدة العمد B. 501 ملقاة على وجهها أمام عقب باب كانت مثبتة فيه.

ويقول «ريزنر»: إن «بيعنخي» أقام هذه القاعة بعد حملته على مصر.

ويبلغ عرض هذه اللوحة الآن ١٢٣ سنتيمترًا وطولها ١٣٠ سنتيمترًا، ولكن تدل الأحوال على أنها كانت أعلى من ذلك؛ لأن الجزء الأسفل منها قد كُسر ولم يُعثر عليه بعد، والمظنون أنها كانت في الأصل منصوبة أمام البوابة الثانية قبل أن تُبنى القاعة B. 501.

والمنظر الأعلى للوحة يعلوه قرص الشمس المجنح يتدلى منه صِلَّان، أما في وسط اللوحة فيشاهد الإله «آمون» برأس كبش قاعدًا على عرش وممسكًا تاج الوجه البحري في يده اليسرى يقدمه للملك، وفي يده اليمنى تقية، ويقف خلف هذا الإله الإلهة «موت» على رأسها التاج المزدوج وتربت «آمون» بيدها اليمنى، وفي يدها اليسرى علامة الحياة.

وخلف هذه الإلهة يقف الإله «خنسو»، ويشاهد أمام «آمون» الآن ملك «كوش» واقفًا وعلى رأسه التاج الكوشي المعتاد، وفي يديه قلادتان «واحدة منهما صدرية» يقدمها لآمون، وتدل صورة اللوحة على أنها في الأصل ترجع لعهد بعد زمن «إخناتون»؛ لأن اسم «آمون» لم يكشط.

وتحتوي هذه اللوحة على ثمانية وعشرين سطرًا، وهاك الترجمة:

(١) كلام «آمون» سيد عروش الأرضين، الذي ينصب والطاهر (٢) لابنه محبوبه «بيعنخي»، إني أقول لك عندما كنت في (٣) بطن أمك أنك ستكون حاكمًا على مصر (٤) وأني أعرفك في البذرة عندما كنت (٥) في البيضة أنك ستكون (٦) سيدًا، وقد جعلتك تتسلم التاج المزدوج «ورت المخصص بِصِلَّيْنِ، وهذه خاصية لملوك كوش» الذي أمر «رع» أن يطهر (٧) في الزمن الأولي الطيب، والوالد يجعل (٨) ابنه ممتازًا، وإني أنا الذي قد أمرت بالملكية لك، من الذي سيشاركك فيها؟ (٩) إني رب السماء، وإن ما أعطيته «رع» فإنه يعطيه (١٠) أولاده بين الآلهة أو (١١) الناس، وإني أنا الذي أمنحك المرسوم، فمن الذي (١٢) سيشاركك فيه؟ ليس هناك ملك آخر قد استولى عليه (١٣)، وإني أنا الذي يمنح الملكية (؟) لمن أريد. (١٤) كلام «موت» سيدة السماء: لقد تسلمت التيجان من «آمون» وإنه يقول لك … (١٥) كلام الإله «خنسو مديس»: خذ الصِّلَّين من والدك «آمون».

الأسطر من ١٦ إلى ٢٤ هي كلمات الملك، ويلحظ أن السطر ١٦ قد كُشط، ويُحتمل أنه جاء فيه: كلام ابن «رع» سيد التيجان … (١٧) يقول: «آمون» صاحب «نباتا» جعلني (١٨) حاكم كل أرضي، والذي أقول له: أنت ملك، فإنه سيكون ملكًا، والذي (١٩) أقول له: أنت لست ملكًا، فإنه لن يكون ملكًا، وقد جعلني «آمون» صاحب «طيبة» حاكمًا على مصر، وأن الذي (٢٠) أقول له: أقم حفلًا «بوصفك ملكًا» فإنه سيقيم حفلًا «بوصفه ملكًا»، والذي أقول له: لا تُقم حفلًا، فإنه لن يقيم حفلًا «للتتويج»، وكل واحد (٢١) أحبه لن تخرب مدينته إلا (٢٢) إذا كان بيدي، الآلهة تصنع ملكًا، والناس يصنعون ملكًا (٢٣) ولكن «آمون» صنعني، فمَن مِن هؤلاء الحكام لا يقدم هدايا لي وررت حكاو (٢٤).

وإذا نظرنا بعين فاحصة في هذه العبارات وجدنا أنها مطابقة للمتاعب التي صادفها «بيعنخي» في أثناء حكمه، وهي التي أدت للحملة التي سار على رأسها لفتح مصر أو تلك الصعاب والحروب التي نتجت عن غزو الآشوريين في عهد كل من «تهرقا» «وتانوت آمون» كما سنرى بعد.

(٢٥) يعيش حور الثور القوي الذي يظهر في نباتا، السيدتان، الممكن الملك مثل «رع» في السماء، حور الذهبي جميل التيجان، شديد القوة، وكل واحد يعيش برؤيته مثل أختي، ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد الأرضين «الطغراء مكشوط» ابن رع سيد التيجان (٢٦) … «الطغراء مكشوط».

الإله الطيب ملك الملوك وحاكم الحكام، والملك الذي يقبض على كل البلاد، عظيم القوة، وتاجه «آتف» على رأسه والذي يصد بقوته، جميل الصورة مثل رع في السماء، والظاهر (؟) مثل أختي عندما (؟) يعطي …

(٢٧) (نصف سطر غير مفهوم) وحده (؟) والذي يوسع كوش، والخوف منه قد جعله سيد الأراضي …

وما تبقى من الأسطر من ٢٨–٣٠ يظهر أنه عقود مدح للملك، ولكن المتن مهشم فلا يمكن استخلاص شيء مؤكد منه.

وعلى أية حال نجد مما كتبه الأستاذ «ريزنر» أنه استنبط بعد فحص طويل لهذه اللوحة أنها من عمل الملك «بيعنخي» في الجزء الأول من حكمه قبل سفرته إلى مصر، ويُحتمل أنه أقامها أمام البوابة الثالثة للمعبد B. 500 ويجوز أنه نصبها في القاعة B. 501 بنفسه. «أما الكشط» الذي حل بها فقد يجوز أنه من عمل «بسمتيك الثاني» وأن إصلاحها باسمه ثانية قد حدث بعد ارتداد المصريين عن تلك المنطقة.
وبعد ذلك بمضي الزمن عندما هجر هذا المعبد سقطت اللوحة على رقعة القاعة وبقيت كذلك حتى كشف عنها «ريزنر» عام (١٩٢٠) ميلادية.٨٢
جبانة الخيل في «الكورو»: عُثر في جبانة «الكورو» على مدافن أربعة وعشرين جوادًا Kurru 201 to 224 هذا إلى قبرين صغيرين مستديرين Kurru 225 and 226 واحد منهما وجد فيه هيكل عظمي لكلب، ومقابر الخيل تقع في أربعة صفوف من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي كما يأتي: ٢٢١–٢٢٤ «أربعة قبور» ومن ٢٠١ إلى ٢٠٨ «ثمانية قبور» ومن ٢٠٩–٢١٦ «ثمانية قبور» ومن ٢١٧–٢٢١ «أربعة قبور»، ونجد في معظم هذه الصفوف من المقابر أن المقابر تكاد تكون كلها من طراز واحد، ولكن كل صف يظهر فيه بعض اختلاف عن الصفوف الأخرى، فالمقابر التي في الصف الجنوبي الغربي قد صُنعت بعناية ولها ثقوب عميقة لتوضع فيها الأرجل الأمامية والخلفية للخيل، وكذلك فيها أماكن عالية لتستند عليها بطون الخيل ورقابها.

ومقابر الصف التالي نجدها عُملت بعناية أقل، فهي ليست عميقة وتنقصها «إلا في حالة واحدة» السنادة التي تتكئ عليها رقبة الجواد، وهذا الصف قد أُرِّخ بنقوش على آثار من عهد الملك «شبكا».

ومقابر الصف الثالث على الرغم من أنها عميقة ومنظمة فإن كل السنادات الداخلية لأجل البطن أو الرقبة لا وجود لها، وقد أرخت بأشياء منقوشة من عهد الملك «شبتاكا».

وأما المقابر التي في الصف الشمالي الشرقي فعلى الرغم من أنها تشبه مقابر صف خيل «شبتاكا» لكنها بيضية الشكل وأقل إتقانًا في نحتها.

وعلى الرغم من أن مقابر الصفين الجنوبي الغربي والشمالي الشرقي لم يوجد فيها أشياء منقوشة «وذلك لأنها قد نُهبت أكثر من الصفين المتوسطين» فإنه مما لا شك فيه «على حسب ما نجده من انحطاط متزايد في الشكل» أن ترتيب التاريخ هو من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وأنه لدينا هنا مقابر لخيل عربات «بيعنخي» «وشبكا» «وشبتاكا» «وتانوت آمون» وهم الملوك الرئيسيون الذين دفنوا في جبانة «الكورو».

ويلحظ أنه في كل حالة نجد فيها بقايا هياكل خيل وأشياء محفوظة معها بصورة مرتبة كان يتضح لنا من ذلك أن الخيل كانت مدفونة واقفة برأسها إلى الشمال الشرقي، وأن الأشياء كانت محصورة عند رأس الحصار ورقبته، ومما يدعو إلى الدهشة أنه لم يوجد في أية حالة من حالات الدفن جمجمة الحيوان، كما أنه لم توجد في أية حالة كذلك آثار للجم أو السرج أو أي عدَّة خيل من نوع عملي، فمن المؤكد إذن أن الخيل كانت تُقطع رءوسها قبل الدفن.

وقد أرسلت بعض الهياكل الأكثر حفظًا عن غيرها إلى متحف الحيوان المقارن Museum of Comparative Zoology at Harvard لفحصها، وقد دل الفحص على أن أجسام هذه الخيل تشبه الحيوانات التي تعيش الآن في أوروبا وأمريكا إلا أن هيئتها كانت أدق بقليل؛ إذ كانت أقل ببضع ملليمترات في طول عظمة الساق الطويلة، وهذا الكشف يُظهر أنها تتفق مع الرأي الذي نشره الأستاذ «ريزنر» في مجلة «السودان»٨٣ حيث يقول في ص٢٥٣: إن الحصان كان بكل وضوح من نوع قصير بالنسبة للحصان العربي.
جواد «بيعنخي»:٨٤ قبر هذا الجواد مستطيل الشكل، ورأسه متجه إلى الشمال الشرقي، وله حفرة عميقة لأجل الساقين الخلفيتين، أما الساقان الأماميتان فقد صُنع لكل واحدة منهما حجر خاص، وكذلك توجد سنادة للبطن وسنادة صغيرة جدًّا للرقبة، وقد وُجد هذا القبر منهوبًا تمامًا ولم يوجد فيه أي أثر.
جواد «بيعنخي»:٨٥ قبر هذا الجواد مستطيل الشكل، وفيه ثقوب عميقة لتوضع فيها أرجل الحصان الأمامية والخلفية، وسنادة للبطن وأخرى للرقبة، والرأس يتجه نحو الشمال الشرقي، وقد وُجد هيكل الجواد محفوظًا بعض الشيء غير أنه زُحزح من مكانه، أما الأشياء التي وُجدت معه فهي أجزاء من حبل من الليف المجدول، وأجزاء من حصير، وبعض نسيج، وآثار نسيج دقيق الصنع، وعدد كبير من الخرز المصنوع من الخزف المطلي على هيئة حلقات وخرزتان مفرغتان من الفضة المذهبة، كما وجد بقايا قطع من عين سليمة «وزات» من الفضة المذهبة.
هذا وقد جاء اسم «بيعنخي» على آثار عدة جمعها الأثري لكلان.٨٦
١  راجع: The Temple of Mut in Asher P. 259.
٢  راجع: L.R, IV, P. 2.
٣  راجع: L.R, IV, P2. note 1.
٤  راجع: Petrie, History of Egypt Vol. III, p. 267-8.
٥  راجع: Budge, Annals of Nubian Kings, P. XII.
٦  راجع: Lepsius, Letters from Egypt, Ethiopia and Sinai, p. 223.
٧  راجع: lettre de M. Auguste Mariette a M. le Vicomte de Rougé Sur une Stele trouvée à Gebel Barkal in comptes Rendus, Tom. VII, P. 119ff.
٨  راجع: Rev. Arch. (1863) Part I, p. 413.
٩  راجع: Inscription Historique du Roi Plankhi-Meriamoun, in Revue. Arch., 1863. Part II, P. 94. With a plate.
١٠  راجع: Revue Arch. (1865) Tom XII, P. 161ff.
١١  راجع: Fouilles exècutèes en Egypte, en Nubia et au Sudan, fol, Paris (1867) Vol. I, Text; Vol. II, Plates.
١٢  راجع: Sitzungsberichte der Kön. Bay. Akad, pp. 13–49 Philos-Philol Classe.
١٣  راجع: The Inscription of Pianchi. Meriamon London 1873, 8vo; see also Records of the Past, O. S. II, p. 79.
١٤  راجع: Geschichte Agypten P. 676ff; Die Gottingen Nachrichten, No. 19, P. 457.
١٥  راجع: Abhandlungen of the Bavarian Akad. Bd., XII.
١٦  راجع: Egyptian Literature in specimen Pages of the Library of the World’s Best Literature P. 5274.
١٧  راجع: Ancient Records of Egypt Vol. IV P. 406.
١٨  راجع: Urkunden der Ateren Athiopen Konige I, Leipzig (1905) P. 1ff.
١٩  راجع: Ancient Egypt (1926) P. 86ff.
٢٠  المقاطعة السادسة من مقاطعات الوجه البحري (سخا الحالية).
٢١  المقاطعة الحادية عشرة من مقاطعات الوجه البحري الغربية، وعاصمتها السياسية الحالية القريبة من «هربيط»، (راجع «أقسام مصر الجغرافية» للمؤلف، ص٩١).
٢٢  راجع: Ancient Egypt, 1926 Part III, P. 86ff.
٢٣  كما يشاهد ذلك في المنظر الذي أعلى اللوحة.
٢٤  هذا الوصف كناية عن الحرب التي قامت بين مدينته «وتفنخت» والنجدة التي أتى بها «بيعنخي» له لإنقاذه.
٢٥  بلدة مخصصة لعبادة الإله «سكر» رب «منف»، ويُحتمل أنها موحدة ببلدة «ميدوم» وتقع في المقاطعة الواحدة والعشرين من مقاطعات الوجه القبلي، ويُحتمل كذلك أنها تمثل مديرية الفيوم وما حولها، راجع D.G.V. p. 42-43.
٢٦  موازين الأرضين: هو اسم للمكان الذي ينفصل عنده الوجه القبلي عن الوجه البحري، وهو المكان الذي كان فيه «بيعنخي» الآن، ويسمى بالمصرية «مخاتاوي»، ويقصد «بيعنخي» من الجملة الأخيرة بما أنه قد أغلق الجنوب في وجه «تفنخت»؛ فإنه يكون من الأشياء المحطة بالكرامة بعد أن وصل إلى الشمال أن يعسكر هناك والقيام بحصار عند أبوابه «أي أبواب الشمال» راجع عن هذه التسمية Helek, Untersuchungen.
٢٧  لباس «سدب» هو لباس يتمنطق به الملك.
٢٨  تشبه مقدمة محراب الإله بالنافذة التي تشبه البلكون في القصر حيث يطل منها الملك على الشعب.
٢٩  «خويت» إلهة كانت تُعبد في «بنها» قديمًا.
٣٠  Thephachates and Bocahores.
٣١  راجع: J.E.A. Vol. XXI. P. 219 ترجمة الأستاذ «جاردنر»، وهي تخالف كل التراجم السابقة إذ تقلب المعنى.
٣٢  راجع: D. G, II P. 141.
٣٣  راجع «أقسام مصر الجغرافية»، ص٩١.
٣٤  راجع «أقسام مصر الجغرافية»، ص٦٣.
٣٥  هذا التوبيخ يذكِّر بما جاء على لسان «رعمسيس الثاني» في موقعة «قادش» عندما أخذ يُقَرِّع جنوده الذين خذلوه وفروا منه (راجع، مصر القديمة، الجزء السادس إلخ).
٣٦  ترجم مكأدم هذه العبارة بصورة أخرى فقال: وهن (أي نساء نمروت) سلمن على جلالته على طريقة النساء، ولم يقل جلالته لهن لا، وهذا يقلب المعنى الذي أوردناه في الترجمة الأصلية (راجع Macadam Kawa I, Text VI. P. 40).
٣٧  وقد فات «بيعنخي» أن سبب هزال الخيل كان راجعًا لطول الحصار، وعدم إمكان تقديم العلف لهم من خارج المدينة.
٣٨  راجع ما كُتب عن هذا الملك في الجزء التاسع من مصر القديمة.
٣٩  و«سخر» هذه يحتمل إنها تمثل إقليم «الفيوم» وما حوله مباشرة.
٤٠  راجع مصر القديمة، الجزء الرابع.
٤١  بدي «إزيس» = عطية «إزيس».
٤٢  ومعناها قصر روح الإله «بتاح»، وهو اسم معبد الإله «بتاح» في «منف» عاصمة المقاطعة الأولى من مقاطعات الوجه القبلي، ويستعمل غالبًا بوصفه اسمًا مقدسًا لمدينة «منف»، وهي التي كانت تعد مدينة الإله «بتاح» بوجه خاص، وهي بالبابلية كانت تسمى «حيكوبتاح»، ومن المحتمل جدًّا أن من هذا الاسم أُخذ الاسم الإغريقي «إجبتوس» Dic. Geogr. T. 4. P. 137-8.
٤٣  راجع مصر القديمة الجزء السابع.
٤٤  راجع مصر القديمة الجزء السادس.
٤٥  راجع مصر القديمة الجزء السابع.
٤٦  راجع مصر القديمة الجزء التاسع.
٤٧  راجع مصر القديمة الجزء التاسع.
٤٨  وهو الاسم المقدس لعاصمة المقاطعة السادسة عشرة من الوجه البحري، وقد وجد هذا المكان «بشونة يوسف» الواقعة على مسافة عشرة كيلو مترات من «تل تمي» على وجه التقريب، ولكن على أغلب الظن أنه يقابل «تل الربع» الحالية.
٤٩  راجع «أقسام مصر الجغرافية»، ص١٠٠.
٥٠  راجع «أقسام مصر الجغرافية»، ص٨٧، D. G. tom. II. P. 69-70.
٥١  راجع «أقسام مصر الجغرافية»، ص٩١.
٥٢  راجع: D. G. II P. 138-9.
٥٣  راجع: Br., A. R., IV § 878 note II.
٥٤  راجع: D. G. II, P. 130.
٥٥  راجع: D. G. II, P. 130.
٥٦  راجع مصر القديمة الجزء السادس.
٥٧  راجع: Brugsch, D. G., p. 660.
٥٨  راجع: Diodorus, I, 45.
٥٩  راجع مصر القديمة الجزء السابع.
٦٠  راجع مصر القديمة الجزء التاسع.
٦١  راجع: J.N.E.S., XII, No. 1, P. 63.
٦٢  راجع: El Kurru, 17 (2) Fig. 22 A, Pl. XXI, XXII a.
٦٣  راجع: Ibid, Pl. LXXII a.
٦٤  راجع: Ibid, Pl. XLIV.
٦٥  راجع: Ibid Pl. XL.
٦٦  راجع: Ibid, P. 65-6.
٦٧  راجع: British Museum No. 6640.
٦٨  راجع: Wilkinson, M. Ms. IX, 137.
٦٩  راجع: J. B. Green, Fouilles Executés à Thebes en 1885, Pl. VIII, 388 a; British Museum Guide to the Fourth, Fifth & Sixth Egyptian Rooms, P. 224 (13).
٧٠  راجع: El Kurru, P. 66.
٧١  راجع: Porter & Moss, VII, 192.
٧٢  راجع: Ibid, P. 202.
٧٣  راجع: Ibid, 213.
٧٤  راجع: Ibid, 212.
٧٥  راجع: Porter and Moss, Ibid, p. 201.
٧٦  راجع: Porter and Moss, Ibid, p. 211.
٧٧  راجع: A. Z. XVI Pl. V, VI, pp. 89–100; and Sudan Notes IV, pp. 72-3.
٧٨  راجع: Porter and Moss, VII P. 215; and Budge, Egyptian Sudan, I, P. 144ff.
٧٩  راجع: L.D.V, 14 h–k; of Texte V pp. 269; A. Z. LXVI, P. 81 “23”.
٨٠  راجع: Schafer, A. Z. pp. 65-6.
٨١  راجع: Benson Gourlay, The Temple of Mut in Asher, P. 257–259.
٨٢  راجع: A. Z. 66, p. 90–100.
٨٣  راجع: Sudan Notes and Records II, p. 104.
٨٤  راجع: Ku, 221 (2) Fig. 43, Horse of Piankhy.
٨٥  راجع: Ku, 222 (2) Fig. 44 a, Horse of Piankhy.
٨٦  راجع: Leclant, Revue D’Egyptologie Tom. 8, p. 215ff.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤