الشبل الرابض

جَثَمَ اللَّيْلُ بِأَحْضَانِ التِّلَالِ
حَالِكَ الْبُرْدَةِ مَنْشُورَ الظِّلَالْ
كَخِضَمٍّ غَرِقَ الْهَمُّ بِهِ
فَاعْتَرَى أَمْوَاجَهُ صَمْتُ الْجَلَالْ
وَأَنَا فِي مِخْدَعِي لَا تَنْثَنِي
عَنْ جُفُونِي مُرِدَا الشَّهْدِ الطِّوَالْ
فِي فُؤَادِي مِنْ غَرَامِي صُورَةٌ
وَعَلَى عَيْنِي مِنْ حُبِّي خَيَالْ

•••

هُوَ ذَا الْبَدْرُ بِأَبْهَى رَوْنَقٍ
صَاعِدٌ خَلْفَ جِبَالِ الْمَشْرِقِ
غَرِقَتْ هَالَتُهُ فِي غَيْمَةٍ
كَدُمُوعٍ غَرِقَتْ فِي حَدَقِ
أَوْ كَأَحْلَامِ لَيَالِيَّ وَقَدْ
ذَوَّبَتْ بَيْنَ بُخَارٍ أَزْرَقِ
فَتَرَاءَى اللَّيْلُ سَكْرَانَ بِمَا
ذَابَ فِي مِرْشَفِهِ الْمُحْتَرِقِ

•••

يَا فَتَاةً بَيْنَ جَنْبَيَّ هَوَاهَا
لَكِ عِنْدِي حُرْمَةٌ رَبِّي رَعَاهَا
كَانَ فِي صَدْرِي آمَالٌ وَقَدْ
مَرَّ إِخْفَاقِي عَلَيْهَا فَمَحَاهَا
إِنَّ فِي عَيْنَيْكِ آثَارِي فَلَا
تُنْكِرِيهَا عَزَّزَ اللهُ بَقَاهَا
فَهُمَا مِرْآةُ قَلْبِي فِي الْهَوَى
كَمْ أَرَتْنِي مُهْجَتِي عِنْدَ رُؤَاهَا

•••

يَا فَتَاتِي تَحْتَ زَهْرِ الْيَاسِمِينْ
قَدْ تَعَاهَدْنَا عَلَى حُبٍّ أَمِينْ
لَا يَزَالُ الزَّهْرُ بَسَّامًا لَنَا
شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى تِلْكَ الْيَمِينْ
فَاذْكُرِي ذَلِكَ وَالدَّمْعَ الَّذِي
قَدْ ذَرَفْنَاهُ بِشَوْقٍ وَحَنِينْ
كَانَ ذَاكَ الدَّمْعُ مَاءً مُنْزَلًا
عَمَّدَ الْحُبُّ بِدِينِ الْعَاشِقِينْ

•••

يَا فَتَاتِي كَانَ لِي مَسْعًى وَقَدْ
صَفِرَتْ مِنْهُ عُيُونِي وَيَدِي
إِنْ يَكُنْ أَخْفَقَهُ الْحَظُّ فَلَا
بُدَّ مِنْ يَوْمِ نُهُوضٍ فِي الْغَدِ
أَنَا فِي الْعِشْرِينَ عَفْوًا إِنَّنِي
أَمْرَدٌ لَا تَعْبَثِي بِالْأَمْرَدِ
إِنَّ لِلْأَشْبَالِ سَاعَاتِ دَدٍ
وَكَذَا لِلصَّبِّ سَاعَاتُ دَدِ

•••

يَا فَتَاتِي إِنْ تَكُونِي تَفْخَرِينْ
عِنْدَمَا أُذْكَرُ بَيْنَ النَّابِهِينْ
فَلْيَكُنْ فَخْرُكِ قَلْبِي إِنَّهُ
ذَابَ مِنْ أَجْلِكِ فِي كَأْسِ الْأَنِينْ
وَإِذَا مَا افْتَخَرَ النَّاسُ غَدًا
فَافْتِخَارِي بِشِعَارِ الْبَائِسِينْ
رِيشَةٌ مِنْ قَصَبٍ عَلَّقْتُهَا
فَوْقَ تَارِيخِ الرِّجَالِ الْخَالِدِينْ

•••

رِيشَةٌ مِنْ قَصَبٍ نَاجَيْتُهَا
وَأَنَا أَلْثِمُ هَاتِيكِ الْخُدُودْ
إِنْ أَكُنْ نَاجَيْتُهَا مُنْذُ الصِّبَا
سَوْفَ مِنْ بَعْدِي يُنَاجِيهَا الْوُجُودْ
سَوْفَ مِنْ بَعْدِي تَبْقَى أَثَرًا
يَرْسِمُ الْمَجْدَ عَلَى لَوْحِ الْخُلُودْ
وَيُطِلُّ الدَّهْرَ مِنْ كُوَّتِهِ
لِيَرَاهَا كَيْفَ تُرْمَى بِالْوُرُودْ
في ٣ أيار سنة ١٩٢٤

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤