رثاء سليمان البستاني

لَا تَنُوحِي عَلَى ذَهَابِ الْعَمِيدِ
فَسُلَيْمَانُ فِي ضَمِيرِ الْخُلُودِ
إِنْ قَضَى قَائِدُ الْيَرَاعِ شَهِيدًا
فَلَقَدْ دَبَّ رُوحُهُ فِي الْجُنُودِ
يَا ابْنَةَ الضَّادِ لَا تَنُوحِي عَلَيْهِ
فَهُوَ أَبْقَى مِنْ رُكْنِكِ الْمَهْدُودِ
لَا تَخَافِي أَلَا تُوفِّيهِ حَقًّا
سَتُوَفِّي الدُّهُورَ حَقَّ الْفَقِيدِ
نَحْنُ لَمْ نَخْشَ أَنْ يَبِيدَ وَلَكِنْ
نَحْنُ نَخْشَى مِنْ بَعْدِهِ أَنْ تَبِيدِي
فَسُلَيْمَانُ غَابَ عَنَّا لِيُحْيِي
فِي مَوَاتِ الْأَجْدَاثِ رُوحَ الْجُدُودِ
يَا أَمِيرَ الْكَلَامِ أَيَّ ضَرِيحٍ
أَنْتَ تَخْتَارُ فِي التُّرَابِ الْبَعِيدِ
عُدْ لِلُبْنَانَ فَهْوَ أَرْحَبُ صَدْرًا
فِي ذِرَاعَيْهِ حُرْمَةٌ لِلشَّهِيدِ
عُدْ إِلَيْهِ مَيْتًا فَيُمْسِي ثَرَاهُ
بِبَقَايَاكَ ذَا فُؤَادٍ وَدُودِ
رُبَّ خَلْقٍ فِي جَانِبَيْكَ كَرِيمٍ
يَتَمَشَّى جَلَالُهُ فِي الدُّودِ
لَمْ تُضَاهِ الْأَعْمَى الْإِلَهِيَّ١ إِلَّا
وَرَمَاكَ الْأَعْمَى بِعَيْنِ الْحَسُودِ
فَفَقَدْتَ الْعَيْنَ الْبَصِيرَةَ حِفْظًا
لِمُرَاعَاةِ حُرْمَةٍ فِي اللُّحُودِ

•••

يَا رَسُولَ الْفِكْرِ الْجَدِيدِ سَلَامٌ
كَمْ هَدَيْتَ الْعُلَى بِفِكْرٍ جَدِيدِ
إِنَّمَا الْفِكْرُ عَالَمٌ مَا لَهُ حَدٌّ
عَلَا فَوْقَ عَالَمٍ مَحْدُودِ

•••

وَعِمَادٌ هِيَ الْعُقُولُ مُقِيمٌ
فَوْقَ أَطْوَادِهَا جَلَالُ الْوُجُودِ
إِنْ تَنُؤْ بِالْحِمْلِ الثَّقِيلِ فَتَهْوِي
يَسْقُطِ الْكَوْنُ بِالضَّجِيجِ الشَّدِيدِ
وَالنُّفُوسُ الْكِبَارُ تَشْقَى طَوِيلًا
بَيْنَ جُدْرَانِ صَدْرِهَا الْمَفْئُودِ
هِيَ مِثْلُ الطُّيُورِ تَخْفِقُ حِينًا
ثُمَّ تَقْضِي فِي سِجْنِهَا الْمَوْصُودِ

•••

يَا سُلَيْمَانُ أَيُّ نَعْشٍ مَجِيدٍ
حَلَّ فِيهِ جَلَالُ صَدْرٍ مَجِيدِ
ذَلِكَ النَّعْشُ يَا أُولِي الْعِلْمِ قُدْسٌ
فَخُذُوهُ ذَخَائِرًا لِلْجِيدِ

•••

لَامَسَ الْمَوْتُ قَلْبَهُ فَهَنِيئًا
لِأَصَابِيعِ قَبْضَتَيْهِ السُّودِ
وَهَنِيئًا لِلتُّرْبِ يَلْثُمُ جَفْنَيْـ
ـهِ وَيَهْوِي عَلَى جَمَالِ الْخُدُودِ
كَتَبَ اللهُ فِي مَصَاحِفِ خَدَّيْـ
ـهِ سُطُورًا شَرِيفَةً مِنْ نَشِيدِ
فَاقْرَءُوهَا وَاجْثُوا لَدَيْهَا خُشُوعًا
كَجُثُوِّ الْعَبِيدِ لِلْمَعْبُودِ
حُجَّةُ الْعِلْمِ وَالسِّيَاسَةِ فِي الْمَا
ضِي وَرُكْنٌ مِنَ الْكِرَامِ الصِّيدِ
شَبَّ طِفْلًا عَلَى مَحَبَّةِ لُبْنَا
نَ فَكَانَ الْإِخْلَاصُ فَرْضَ الْعَمِيدِ
أَوْفَدَتْهُ الْبِلَادُ لِلذَّوْدِ عَنْهَا
فِي فُرُوقٍ فَكَانَ فَخْرَ الْوُفُودِ
وَاصْطَفَاهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَلَكِنْ
لَمْ يَكُنْ مِنْ رِجَالِ عَبْدِ الْحَمِيدِ
يَا أَمِيرَ الْحِجَى أَفَاقَ الْعَذَارَى
مِنْ سُبَاتٍ بِجَفْنِهَا مَعْقُودِ
وَأَعَدَّتْ وَلَائِمَ الْعُرْسِ فِي الْخُلْـ
ـدِ وَزَفَّتْ إِلَيْكَ بِنْتَ الْخُلُودِ
في ١٥ حزيران سنة ١٩٢٥

خاطرة

سُعَادُ كِلَانَا فِي الْمَحَبَّةِ شَاعِرٌ
إِذَا مَا هَوَيْنَا فَالشَّوَاعِرُ ثَابِتَةْ
وَلَكِنَّ فَرْقًا بَيْنَنَا وَهْوَ أَنَّنِي
أُعَبِّرُ عَنْهَا بَيْنَمَا أَنْتِ سَاكِتَةْ
فَدَمْعِيَ شِعْرٌ يَقْرَءُونَ سُطُورَهُ
وَدَمْعُكَ أَبْيَاتٌ مِنَ الشِّعْرِ صَامِتَةْ
في ٦ حزيران سنة ١٩٢٣
١  هوميروس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤