رُقاد القلم

جَثَا اللَّيْلُ مُلْتَفًّا بِبُرْدِ السَّرَائِرِ
وَفِي صَدْرِهِ الْمَفْئُودِ رَعْشَةُ جَائِرِ
كَأَنِّي بِهِ وَالصَّمْتُ فِي جَنَبَاتِهِ
مَوَاكِبُ كُفَّارٍ أَمَامَ الضَّمَائِرِ
وَفِي الْقُبَّةِ السَّوْدَاءِ لُحْفٌ كَثِيفَةٌ
عَلَى مَهْدِهَا نَامَتْ عُيُونُ الزَّوَاهِرِ
كَأَنِّي بِهَذِي اللُّحْفِ جُبَّةُ سَارِقٍ
وَقَدْ أُخْفِيَتْ فِيهَا عُقُودُ الْجَوَاهِرِ
هَفَا شَبَحُ الْأَحْلَامِ مِنْ غَوْرِ كَهْفِهِ
وَقَدْ عَلِقَتْ أَذْيَالُهُ بِالْمَحَاجِرِ
كَأَنَّ غَطِيطَ النَّائِمِينَ نَوَاسِمٌ
يُحَرِّكُهَا الصَّفْصَافُ فَوْقَ الْمَقَابِرِ
لَدُنْ فَتَحَتْ أُمِّي نَوَافِذَ مِخْدَعِي
تَمَشَّى إِلَى قَلْبِي أَرِيجُ الْأَزَاهِرِ
كَأَنَّ مَصَارِيعَ الْكُوَى وَهِيَ شُرَّعٌ
جُفُونُ يَتِيمٍ مُوجَعِ الْقَلْبِ حَائِرِ
أَنَا فِي سَرِيرٍ مِنْ قُمَاشٍ مُطَرَّزٍ
تَدَلَّتْ عَلَى جَنْبَيْهِ بِيضُ السَّتَائِرِ
كَأَنِّيَ مَيْتٌ فِي رُخَامِ ضَرِيحِهِ
تُكَفِّنُهُ شَفَّافَةٌ مِنْ حَرَائِرِ
أَرَى قَلَمِي الْمَظْلُومَ فِي هَدْأَةِ الدُّجَى
يَنَامُ مَعَ الْأَوْرَاقِ قُرْبَ الْمَحَابِرِ
بِمَاذَا تُرَاهُ يَحْلُمُ الْآنَ؟ إِنَّنِي
لَأَسْمَعُ مِنْهُ مِثْلَ زَفْرَةِ شَاعِرِ

•••

أَيَا قَلَمِي مَا ضَرَّ لَوْ كُنْتَ سِكَّةً
تَطُوفُ شَرِيفًا فِي الْحُقُولِ النَّوَاضِرِ
تُحَيِّيكَ أَسْرَابُ الطُّيُورِ وَتَنْحَنِي
أَمَامَكَ أَعْنَاقُ الزُّهُورِ السَّوَاحِرِ

•••

أَيَا قَلَمِي مَا ضَرَّ لَوْ كُنْتَ سِكَّةً
تُخَلِّدُ لِي بَيْنَ الْجِبَالِ مَآثِرِي
فَأَرْفَعُ نَفْسِي عَالِيًا بَعْدَ خَفْضَةٍ
وَتَظْهَرُ أَسْمَى فِي السُّهُولِ مَفَاخِرِي
وَيَا صُحُفًا يَجْرِي مِدَادُ عَوَاطِفِي
عَلَيْهَا وَيُلْقِيهَا الرِّيَا فِي الْمَسَاخِرِ
فَقَدْتُكِ هَلَّا كُنْتِ أَرْضًا خَصِيبَةً
يَسِيلُ عَلَيْهَا مِنْ جِبَاهِ الْجَبَابِرِ
يُذِيبُ عَلَيْهَا الْفَجْرُ كَوْثَرَ طُهْرِهِ
أَرَقَّ وَأَصْفَى مَنْهَلًا مِنْ كَوَاثِرِي
فَكَوْثَرُهُ يُحْيِي الْفَقِيرَ وَكَوْثَرِي
يُثِيرُ حَيَاةً فِي جَمَادِ الدَّفَاتِرِ

•••

أَيَا قَلَمِي نَمْ فِي الْخُمُولِ وَلَا تُفِقْ
وَيَا صُحُفِي نَامِي فَقَدْ نَامَ خَاطِرِي
وَيَا فَجْرُ لَا تَطْلُعْ عَلَيَّ فَفِي الدُّجَى
مَدَافِنُ فِيهَا تَسْتَكِنُّ شَوَاعِرِي
في ٧ تشرين الثاني سنة ١٩٢٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤