مقدمة

في هذا الكتاب ستقرأ أسماء وهمية وأحداثًا وقعت بالفعل. وهي أحداث لم يكن لي أي فضل في تأليفها، ولكنني ذكرتها كما حدثت وصوَّرتُها كما وقعَت بلا رتوش. وهذا الكتاب ليس قصة الصحافة، ولكنه قصة اشتغالي بالصحافة! وإذا كنت قد خضت خلال رحلتي في الصحافة، خرائب ومتاهات وصناديق قمامة، فالذنب ليس ذنب الصحافة، ولكنها الظروف والمرحلة التاريخية التي عاصرتها ثم حظِّي التعيس في النهاية.

وللإنصاف والتاريخ أقول إنه رغم اللوحة المُظلِمة التي رسمتُها في هذا الكتاب فقد كانت هناك نقط بيضاء ومضيئة وباهرة، إلى جانب الأخ علوي السمين كخنزير برِّي، الغبي كفحل جاموس منوفي، كان صحفيون بالمئات يدخلون السجون دفاعًا عن رأي، والتزامًا بمبدأ، وإلى جانب مجلة السحاب الرخيصة، كانت صحف بالعشرات تُغلَق وتُصادَر، وكُتَّاب يطاردهم البوليس كما يُطارد السَّبْع الجائع غزالًا شاردًا في غابة. ورغم كل شيء فقد كان جيش الأمة المُسلَّح بأقلام وأوراق هو الذي ثار ضد النظام الملَكي قبل أن يتحرَّك جيش الأمة المُسلَّح بمدافع وبنادق ليهدم النظام من أساسه ويخلع الملك من فوق عرشه.

ورغم كلِّ شيءٍ ستظل الصحافة المصرية تفخر بعشراتٍ من نجومها اللامعين، هؤلاء الذين تحوَّلَت الأقلام في أيديهم إلى مدافع، وتحوَّلَت الجرائد على أيديهم إلى ساحات قتال. من عبد الله النديم إلى مصطفى كامل إلى الشيخ علي المؤيد إلى لطفي السيد إلى طه حسين وعباس العقاد إلى الدكتور محمد مندور، إلى كوكبة الصحفيين الشبَّان الذين يمثِّلون مكان الصدارة في صحافة جيلنا الحاضر.

وعلى أية حال، فهذا الكتاب ليس تاريخًا وليس تسجيلًا، ولكنه مجرَّد خواطر وانطباعات وذكريات حزينة ومريرة عن فترةٍ من أعنف فترات مصر وأكثرها قلقًا واضطرابًا وازدهارًا وطموحًا ورغبة في تجميل الحياة.

وإذا كانت سطور الكتاب مريرة، فلأنها الحقيقة، وليس أوجَع من الحقيقة، وليس أشد إيلامًا منها على النفس!

محمود السعدني

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤