الفصل الثاني عشر

سقوط القسطنطينية

  • معركة شيوجيا: ١٣٨٠م.

  • الباباوات المتنافسون: ١٤١٠م.

  • جون الثامن بالايولوجوس في إيطاليا: ١٤٣٨م.

  • انتهاء الحملة الصليبية الأخيرة: ١٤٤٤م.

  • محمد وقسطنطين: ١٤٥١م.

  • مدفع السلطان: ١٤٥٣م.

  • الحصار يبدأ: ١٤٥٣م.

  • المعركة النهائية: ١٤٥٣م.

  • فينيسيا وجنوة: ١٤٥٣م.

  • الفرسان تحت الحصار: ١٤٨٠م.

***

عندما تقوَّضت في النهاية إمبراطورية السلاجقة الراكدة بسقوط «قونية Konya» في يد «الأتراك الكارامان Karaman Turks» في ١٣٠٨م، نهض من وسط الرماد كثيرٌ من الدول التركمانية الصغيرة، التي كان حجم بعضها لا يزيد كثيرًا عن حجم القبائل التي تمثِّلها. كان من بينها دولة شاب مقاتل يُدعى عثمان، الذي أعلن استقلاله كحاكم على ذلك الطرَف القصي من جنوب الأناضول بعد قيامه بحملة مدمِّرة. حكم عثمان تلك المنطقة بكفاءة وحكمة إلى أن مات في ١٣٢٦م، وهو العام الذي استولى فيه ابنه وخليفته أورهان — الذي اتخذ لقب سلطان — على مدينة بورصة وجعلها عاصمةً له.١ بعد ثلاث سنوات استولى على نيقية (أزنك) المدينة البيزنطية العظيمة، ثم عبر سليمان بن أورهان الدردنيل في ١٣٥٤م ليستولي على حصن «جاليبولي Gallipoli» الذي حوَّله إلى قلعة دائمة.
هنا كانت أول قاعدة تركية على الأرض الأوروبية، كما كانت رأسَ جسر بالغ الأهمية؛ وفي الحال تقريبًا، بدأ العثمانيون تقدُّمهم الذي لم يفتُر. في ١٣٥٩م وصلت قوة حراسة متقدِّمة إلى أسوار القسطنطينية. لحسن الحظ لم تكن كبيرة بحيث تشكِّل أيَّ خطورة مباشرة على المدينة، ولكن بقية «تراقيا Thrace»، التي كانت أقل حمايةً وأكثر إنهاكًا بسبب الحرب الأهلية، كانت فريسة سهلة. في ١٣٦٢م استسلمت «أدريانوبل Adrianople» لتصبح عاصمة أورهان الأوروبية باسم «أدرنة Edrine». كان موقعها على الطريق الكبير المؤدي من بلجراد إلى القسطنطينية، يمثِّل قاعدةً يمكن الانطلاق منها عميقًا نحو البلقان، كما كان يعزل القسطنطينية عن ممتلكاتها الأوروبية. في كل المدن والقرى التي تم الاستيلاء عليها، كان يتم نقل قطاع كبير من السكان لبيعهم كرقيق في آسيا الصغرى، وإحلال أتراك مكانهم.
في ذلك العام نفسه (١٣٦٢م) مات أورهان، وخلَفه، كسلطان، ابنه الثاني مراد (كان سليمان قد مات قبل عامين على إثر وقوعه من على حصانه)، الذي سرعان ما بدا أكثرَ طاقة ومقدرة كقائد، سواء من أبيه أو أخيه الأكبر، فقام بحملات، ليس في تراقيا فحسب، بل وفي بلغاريا كذلك، واستولى على «فيليبوبولس Philippoplis» (بلوفديف Plovdiv) في ١٣٦٣م، ومارس ضغطًا شديدًا على «جون ألكساندر John Alexander» قيصر البلغار لكي يتعاون معه ضد بيزنطة. بعد معركةٍ فاصلة على نهر «ماريتسا Maritsa» في ١٣٧١م، أصبحت بلغاريا إقطاعيةً تركية وسرعان ما تم استيعابها تمامًا. كان الإنجاز الكبير الآخر لمراد هو تخفيض مرتبة أمراء غرب الأناضول ليجعلهم في وضع التبعية التامة، لتأمين مؤخرة قوات السلاطين العثمانيين عندما يتقدَّمون في أوروبا.

اغتيل مراد أثناء معركة كوسوفو التاريخية «ميدان الطيور السوداء»، في الخامس عشر من يونيو ١٣٨٩م. في ذلك اليوم، تحت القيادة الملهمة لابنه بايزيد، الذي أُعلن سلطانًا في الميدان، تم تدمير الجيش الصربي تمامًا، وحلَّ الدمار بالدولة الصربية بالفعل لمدة أربعة قرون. كان بايزيد المعروف لرعاياه بلقب «يلديرم» (الصاعقة)، صاحبَ طاقة خارقة تجعله أحيانًا شديدَ العنف عديم الرحمة بكلِّ مَن يقف في طريقه. في فترة حكمه الذي استمر ثلاثة عشر عامًا تسارع معدَّل الغزو. في ربيع ١٣٩٤م زحف جيش تركي جرار على القسطنطينية نفسها، ومع بداية الخريف بدأ الحصار الجِدِّي. أصدر السلطان أوامره بحصار كامل، وفي غضون وقت قصير نفدت المؤن الضرورية في المدينة. كان الحصار يستمر على نحوٍ أو آخرَ على مدى ثماني سنوات، ولكن من حسن حظ أهلها أن بايزيد — الذي كان من الصعب التنبؤ بالخطوة التالية التي يخطوها — كانت تشغَله عمليات أخرى تحقِّق له مكاسبَ فورية؛ ولذا تراخى الضغط على المدينة.

بالرغم من أن القسطنطينية نجت لفترة طويلة، فإن المدن الأخرى كانت أقلَّ حظًّا. سقطت تيسالونيكا في ١٣٩٤م؛ وفي ١٣٩٦م قام السلطان بتدمير جيشٍ عند نيقوبولس (نيقوبول Nikopol) على الدانوب، كان يقدَّر بمائة ألف مقاتل (الأكبر في تاريخ الحشد ضد الكفار) كان قد جمعه «سيجسموند Sigsmund» ملكُ هنغاريا؛ وهكذا بنهاية القرن الرابع عشر كان أن حقَّق الغزو العثماني لأوروبا الشرقية وآسيا الصغرى زخْمًا لم يكن بالإمكان إيقافه. لم يَعُد هناك وجودٌ لصربيا أو بلغاريا بين أعداء السلطان المسيحيين. بقيت بيزنطة، ولكنها كانت قد أصبحت بيزنطة مختزلة وفقيرة وذليلة ومكسورة ولا يمكن أن تقول إنها سبق أن كانت ذات يوم إمبراطوريةَ الروم المجيدة. بالرغم من ذلك لم تكن لتتخلى عن النضال. على نحوٍ لا يمكن تصديقه، كان عليها أن تنتظر ستين عامًا لكي تقوم مرةً أخرى لتحارب.

•••

بالنسبة لفينيسيا، الجمهورية الأكثر صفاء ودعة، كان الربع الأخير من القرن الرابع عشر مؤلمًا بالفعل. الخصومة القديمة مع جنوة وصلت أوجها. بدءًا بصراعٍ على جزيرة «تينيدوس Tenedos»، الواقعةِ عند باب الدردنيل وتتحكم في مدخل المضيق، اقترب القتال من الوطن بحصار شيجويا ثم الاستيلاء عليها في أغسطس ١٣٧٩م، وهي مدينة حصينة داخل البحيرة الفينيسية تتحكم في قناة مائية تؤدي إلى فينيسيا نفسها مباشرة. على مدار تاريخها لم تكن الجمهورية قد واجهت خطرًا بهذا الحجم، والحقيقة أنه لو كان القائد الجنوي «بيترو دوريا Pietro Doria» قد أتبع انتصارَه هجومًا فوريًّا على المدينة، لما كان يمكن أن يفشل. من حسن حظ أهالي المدينة أنه قرَّر أن يحاصرها ويجوِّعهم حتى يستسلموا، فكان أن وجد القائد الفينيسي «فيتور بيزاني Vettor Pisani» في ذلك فرصتَه. كانت شيجويا المحاطة باليابسة تقريبًا من كل الاتجاهات، تعتمد على ثلاث قنوات ضحلة؛ وفي ليلة من ليالي منتصف الشتاء (٢١ ديسمبر)، تمَّ قطرُ ثلاثة هياكل سفن كبيرة قديمة محمَّلة بالأحجار وإغراق إحداها في كلٍّ من القنوات الثلاث، وهكذا تم حصار مَن كانوا يقومون بالحصار. في الرابع والعشرين من يونيو ١٣٨٠م، أعلن نحو أربعة آلاف من أهالي جنوة، كانوا على وشْك الموت جوعًا، استسلامهم غيرَ المشروط.
لم تكن تلك نهايةَ الحرب، في العام التالي قبِل الطرفان المنهكان عرضًا من «أماديوس Amadeus»، كُنت سافوي، بالتوسط بينهما، فكانت اتفاقية تورين التي تضمَّنت استمرارَ التجارة في البحر الأبيض والشرق اللاتيني بواسطة كلٍّ من فينيسيا وجنوة جنبًا إلى جنب، ولكن بمرور الوقت اتضح أن انتصار فينيسيا كان أكبرَ مما كانت تعرف. ثم كانت لتدهش الأصدقاء والأعداء، ولم يكن ذلك لأول مرة، بسرعة تعافيها الاقتصادي والمادي. أما جنوة فبدأت في التدهور. بدأ نظامها الجمهوري ينهار وتمزَّقت الجمهورية بفعل الصراعات الطائفية، فكان أن خلعت عشر دوجات في خمس سنوات، ثم سرعان ما وقعت تحت سيادة فرنسية سوف تستمر قرنًا ونصف القرن. في ١٥٢٨م، فحسب، وتحت «أندريا دوريا Andrea Doria»، سوف تستعيد استقلالها، ولكن العالَم كان قد تغيَّر. لن تمثِّل خطرًا على فينيسيا بعد ذلك.
على العكس، كانت «سيرينيسيما Serenissima» قد خرجت من حربٍ دامت ست سنوات، هي الأشد ضراوةً في تاريخها، خرجت ببنيتها السياسية مستقرة. لم يكن هناك دولةٌ في إيطاليا يمكن أن تتباهى بمثل ذلك الاستقرار أو بما يقترب منه. وراء حدودها، كانت إيطاليا قد خضعت كلُّها لعصر الاستبداد، ووحدَها بقيت سيرينيسيما جمهوريةً منظَّمة قوية، لها دستور نجا من كل العواصف السياسية الخارجية والمحلية التي تعرَّضت لها. كانت أغلبية الشعب قد تم تجريدها — في الحقيقة — من قوَّتها المؤثِّرة على مدى المائة عام السابقة،٢ ولكن الخدمة العامة كانت مفتوحةً أمام الجميع، كما كانت التجارة والصناعات الحرفية مزدهرةً، وكان معظم الناس يعترفون بكفاءة الإدارة وحسن نوايا المسئولين.

الآن، وبعد أن أصبحت الحرب مع جنوة وراءها بزمن طويل، شرعت فينيسيا في بناء وتوسيع إمبراطوريتها التجارية؛ وبحلول السنوات الأولى من القرن الخامس عشر، بفضل تضافر الانتهازية السياسية، والكياسة الدبلوماسية، والمهارة التجارية، وقدْر من الابتزاز، بفضل هذه «الخلطة السحرية» استحوذت فينيسيا على مناطقَ كثيرة من البر الإيطالي الرئيسي. بما في ذلك مدنُ بادوا وفيسنزا وفيرونا، وزحفت غربًا حتى شواطئ بحيرة جاردا، بالإضافة إلى سكوتاري ودورازو جنوبي دالماشيا؛ ونوبليا وآرجوس وقواعدها القديمة في مودون وكورون والدوديكانيز؛ وفي آخرِ الأمر أصبح يتم التعامل معها كندٍّ لدولٍ مثل إنجلترا وفرنسا والنمسا، وكواحدة من دول أوروبا الكبرى عن جدارة.

•••

لم يحدُث أن اعتبر أبناء فينيسيا أنفسهم إيطاليين قط، ولأنهم كانوا معزولين في بحيرتهم عن اليابسة، كانت نظراتهم منذ القِدَم موجهةً نحو الشرق … مصدر كل ثروتهم وتجارتهم تقريبًا. هكذا كان وضعهم مختلفًا عن وضعِ بقية مدن البر الإيطالي الرئيسي إلى حدٍّ كبير. كانت تلك المدن، هي الأخرى، جمهوريات مستقلة، ولكن كان ينقصها دستور فينيسيا الفريد، بما فيه من نظام محكَم للمراجعة والضبط، يجعل من المستحيل على أي فرد أو أسرة تشكيل قوة خانقة على الدولة.

لذلك، كان حتميًّا، عاجلًا أو آجلًا، أن تشعرَ كل جمهورية في لحظةٍ ما من لحظات الخطر الأجنبي أو الأزمة المحلية، بالحاجة إلى قائد؛ والأكثر ترجيحًا أنه عند زوال الخطر أو الأزمة أن يكون التخلُّص من مثل هذا القائد أكثرَ صعوبةً مما كان استدعاؤه. آنذاك، وقبل أن يعرف الناس ذلك، سيكون قد أسَّس سلالة.

هذا النموذج، الذي سنجده بتنويعاتٍ مختلفة، متكررًا في المدن — الجمهوريات الرئيسية في شمال ووسط إيطاليا — كانت له مزاياه. قد يصبح الحاكم الفرد طاغيةً، ولكنه قد يعتمد على أمورٍ أخرى للحفاظ على وضعه ومكانته، كأن يحيط نفسه مثلًا ببلاطٍ مبهر يجعله يبدو راعيًا للفنون والآداب، وبذلك يهيئ الظروفَ للنهضة. كان أحد الأوائل الذين فعلوا ذلك: «كان جراند ديللا سكالا Can Grande della Scala» حاكم فيرونا، الذي قدَّم دعمًا سخيًّا ﻟ «دانتي» و«جيوتو»؛ وهناك أسماء أخرى لحكامٍ من آل فيسكونتي وسفورزا في ميلانو، وجونزاجا في مانتوا، وإيستي في فيرارا، ومالاتيستا في ريميني، ومونتيفلترو في أربينو، وقبل كل هؤلاء آل ميديشي في فلورنسا.
ما أضاف إلى بلاطات النهضة هذه عظمةً وأبَّهة، هو أن الحكام على اختلافهم برغم حالة الحرب المستمرة، كانوا نادرًا ما يقودون المعارك بأنفسهم. كان ذلك عمل المرتزقة من المحاربين (The Condottieri)، الذين كانوا يبيعون سيوفهم لمن يدفع أكثر. كانوا مجرَّدين من أي شعور بالولاء لأي قضية، بل عادةً ما كانوا معوِّقين، ومنافقين أحيانًا، ولكنهم كانوا يوفِّرون على مستخدميهم القيامَ بالحملات ويوفِّرون لهم الوقتَ لمتابعة فنون السلام، وكانوا مؤثِّرين قدْر استطاعتهم.
إلى الجنوب من بلاطات النهضة تلك، كانت البابوية — مع عودة الباباوات من أفينون — على عتبة تحوُّل كبير. كان الكاردينال «ألبورنوز Albornoz»، ممثل البابا في إيطاليا، قد أعاد تنظيمَ ودعم الولايات البابوية؛ وإلى جانب فينيسيا وميلانو وفلورنسا ونابولي، كانت روما قد أصبحت مرةً أخرى إحدى الدول الخمس الرئيسية في إيطاليا. بالرغم من ذلك، كان من سوء الحظ أن الكنيسة في ذلك الوقت كان يمزقها شِقاق عنيف. كان «أوربان السادس Urban VI» قد استعدى كاردينالات الجناحين الفرنسي والإيطالي،٣ لدرجةِ أنهما أعلنا بُطلان انتخابه، وانتخبوا بابا منافسًا ليحلَّ محلَّه وهو البابا «كليمنت السابع Clement VII». أوربان، الذي كان متمترسًا في روما رفض الرضوخ، واستمر الخلافُ وزادت حدَّته مع انتخاب باباوات جدد في كلا الجانبين عند الضرورة. وأخيرًا اجتمع مجلس عموم الكنيسة في بيزا في مارس ١٤٠٩م ورفض الاعتراف بكل الباباوات المتنافسين واختار خليفةً واحدًا. وقع اختيار المجلس الأعلى على كاردينال كان رئيسًا لأساقفة ميلان، وكان قد بدأ حياته طفلًا يتيمًا شحاذًا في كريت، وانتهى به المطاف ليصبح البابا إلكساندر الخامس. ولكن المجلس ارتكب غلطةً كارثية. عندما طلب أن يَمْثُل الباباوان المتنافسان أمامه — وأعلن أنهما كانا عصاةً عندما رفضا ذلك — كان بموقفه ذلك يلمِّح إلى وضعٍ يجعله فوق النظام البابوي، وهو المبدأ الذي لم يكن يتوقعه أيٌّ من الأساقفة المتنافسين. قبل أن يمرَّ وقتٌ طويل، كان من الواضح أن الأثر الوحيد لذلك هو إرهاق عالم المسيحية بثلاثة باباوات بدلًا من اثنين، ولكنها لم تكن غلطة لا تُغتفر؛ إذ بعد موت البابا إلكساندر فجأةً في مايو ١٤١٠م، لم يضيِّع المجلس وقتًا في اختيار خليفةٍ له.
كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أن «بالداسار كوسا Baldassare Cossa»، الذي انضم إلى الزمرة البابوية باسم «جون الثالث والعشرين John XXII»،٤ كان قد دسَّ السمَّ لسلفه. الأمر ليس مؤكدًا على أية حال، أما المؤكَّد فهو أنه كان قد بدأ حياته قرصانًا … وبقي قرصانًا. انحدر بالبابوية إلى مستوًى من الفسق لم يكن معروفًا منذ «فُحش ودعارة» القرن العاشر. يسجِّل مؤرخٌ معاصر، في دهشةٍ أقربَ إلى الصدمة، تلك الشائعة التي انتشرت في بولونيا (حيث كان كوسا حاكمًا من قِبل البابا) بأنه أثناء العام الأول في منصبه، قام باغتصابِ ما لا يقل عن مائتي عقيلة٥ وأرملة وعذراء، ناهيك عن عددٍ لا حصرَ له من الراهبات، ومن أسفٍ أن عدد اللائي اغتصبهن في السنوات الثلاث التالية لم يُسجَّل، ولكن يبدو أنه حافظَ على معدَّل كبير؛ حيث إنه استُدعي في التاسع والعشرين من مايو ١٤١٥م للمثول أمام مجلسٍ عامٍّ آخرَ، وكانت تلك المرة في كونستانس — وكما يذكر جيبون Gibbon مبتهجًا: «تم التكتُّم على الاتهامات الأكثر فضائحيةً؛ كان ممثل المسيح متهمًا بالقرصنة والقتل والاغتصاب واللواط وسِفاح القربى … فقط …»
بعد ذلك، في أوائل يوليو، تم إقناع البابا جريجوري الثاني عشر بالتخلي عن منصبه بشرف، مع وعدٍ بأن يحلَّ في المرتبة الثانية في الترتيب بعد البابا الحالي، وهو امتياز ساعدَ عليه أنه كان على مشارف التسعين ويبدو أكبرَ من ذلك، وكان الظن أنه لن ينعم بذلك طويلًا، وحدث أن مات فعلًا بعد عامين. في ذلك الحين كان البابا الزائف «بينيدكت الثالث عشر Benedict XIII» قد خُلِعَ من منصبه بدوره، وباختيار «أوتو كولونا Otto Colonna» ليكون البابا «مارتين الخامس Martin V»، انتهى الشِّقاق البابوي.

كان مارتين، قبل سواه، هو المسئول عن بابوية عصر النهضة. دخل روما في ١٤٢٠م ليكمل من حيث كان ألبورنوز قد انتهى، تسلَّم مقاليدَ الأموال البابوية التي كانت في حالة فوضى، في مدينةٍ خرِبة كان عدد سكانها قد انخفض إلى نحو خمسة وعشرين ألف نسمة، وبدأ برنامجًا لتجديد وإعادة بناء الكنائس والمنشآت العامة، كما قوَّى السلطة البابوية بحل مجلس كونستانس، ونجح — إلى حدٍّ ما على الأقل — في أن يعيد الكنيسة في فرنسا لتكون تحت سيطرته، وكانت في سنوات باباوات أفنيون قد أصبحت مستبدة بدرجةٍ لا تُحتمل. كان هو نفسه من أسرةٍ رومانية عريقة ومتميزة، فاتخذ الخطوات المهمة الأولى في تحويل مجمع الكاردينالات والإدارة البابوية من الوضع الذي كانت عليه حتى ذلك الحين كهيئاتٍ تابعة للولايات، لتصبح مؤسسات إيطالية بشكلٍ عام. صحيح أن ذلك أثار عاصفةً من النقد في حينه إلا أنه مكَّنه من إنشاء أول مجلسٍ كفء، وفي النهاية أعاد النظام إلى الولايات البابوية.

هذه الولايات البابوية ما كان يجب أن توجد أصلًا. كانت قد قامت على أساسِ ما يسمَّى ﺑ «هِبَة قسطنطين Donation of Constantine»،٦ وهي قصةٌ كان قد اختلقها المجلس في أوائل القرن الثامن. كان قسطنطين الأكبر عندما نقل عاصمته إلى القسطنطينية في ٣٣٠م، قد أنعم على البابا «سيلفستر الأول Slyvester I» بحقِّ السيادة على روما «وكل الأقاليم والأماكن والمجتمعات في إيطاليا والمناطق الغربية». لم يكن أحدٌ قد فكَّر في صحة ذلك حتى ١٤٤٠م، عندما أثبت «لورنزو فالا Lorenzo Valla»، المفكِّر الإنساني للنهضة، أن الوثيقة التي تأسَّست عليها هِبَة قسطنطين كانت مزيفة، ولكن الولايات الست كانت قد أصبحت أمرًا واقعًا منذ فترة طويلة. كانت السيادة البابوية عليها متنوِّعة؛ فيرارا وبولونيا مثلًا كان مسموحًا لهما بحكمٍ ذاتي، بينما كانت «بيسارو Pisaro» و«فورلي Forli» مقيَّدتين، وكان الباباوات يفرضون عليهما وكلاء عنهم. كانت الولايات الست مجبَرة، على نحوٍ أو آخر، على دفع إتاوة مالية سنوية لخزينة البابا، وكان ذلك يمثِّل المصدر الرئيسي لدخل البابوية.
كان موت البابا مارتين في ١٤٣١م سببًا في عدم اكتمال عمله. المسئوليتان الكبيرتان لديه؛ إعادة ترسُّخ السيطرة البابوية على المجالس (وكانت نتيجةً حتمية للشِّقاق الأخير)، والدفاع عن الأراضي البابوية ضد جيرانه والكثير من المرتزقة النهَّابين، هذه المسئولية المزدوجة لم تترك له وقتًا كثيرًا للقيام بأعمالٍ أخرى. خليفته «إيوجينيوس الرابع Eugenius IV» طُرِدَ من روما بعد ذلك بثلاث سنوات بواسطة ثورة جمهورية ليقضيَ السنوات التسع التالية في المنفى في فلورنسا. إلا أنه سجَّل هناك ما بدا في ذلك الوقت انتصارًا دبلوماسيًّا مهمًّا. في أوائل ١٤٣٨م، جاء الإمبراطور البيزنطي «جون الثامن بالايولوجوس John VII Palaeologus» إلى إيطاليا بصحبةِ أنصارٍ كُثُر — كان منهم، بين آخرين، البطريرك الأرثوذوكسي للقسطنطينية وثمانية عشر مطرانًا واثنا عشر أسقفًا منهم الشاب اللامع «بيساريون Bessarion» مطران نيقية و«إيزيدور Isidor» أسقف كييف وعموم روسيا — وذلك بهدف التوصُّل إلى نوعٍ من التوافق مع كنيسة روما. لم يكن لدى جون ولا أي من رعاياه أدنى رغبةٍ في تسوية خلافاتهم على أرضية لاهوتية، ولكن إمبراطوريته كانت تبدو موشكة على الهلاك، كما كان يعرف أنها بينما كانت في نظرِ الرومان هرطقية، لم يكن هناك أيُّ أمل في إقناع الغرب بإرسال حملة عسكرية ضد الأتراك الذين كان خطرهم في ازدياد. بدأ المؤتمر مداولاته في فيرارا ثم انتقل بعد ذلك إلى فلورنسا؛ حيث تم في الخامس من يوليو ١٤٣٩م توقيع مرسوم اتحادٍ رسمي بواسطة الجميع فيما عدا واحدًا من كبار رجال الكنيسة اليونانية. كان النص اللاتيني للمرسوم يبدأ بعبارة: «فلتفرح السماء Laetentur Coeli»، إلا أنه — كما اتضح سريعًا — لم يكن هناك سببٌ لكي تفرح السماء.
عاد الإمبراطور جون خائبَ الأمل، وفي القسطنطينية وجد مجلس فلورنسا مدانًا بالإجماع. كان بطاركة أورشليم وأنطاكية والإسكندرية قد أنكروا بالفعل المندوبين الذين وقَّعوا المرسوم نيابةً عنهم وتبرءوا منهم. أُدين الموقِّعون باعتبارهم خونةً للعقيدة، وكان يتم انتقادهم بشدة في أرجاء العاصمة، كما وقعت اعتداءاتٌ كثيرة عليهم، لدرجةِ أن عددًا كبيرًا منهم أصدر بيانًا عامًّا في ١٤٤١م، يبدون فيه ندمَهم لأنهم وضعوا أسماءهم على المرسوم، ويعلنون سحْبَ موافقتهم عليه. فجأةً، أصبح وضْع الإمبراطور نفسه على العرش غيرَ مؤكد. صحيح أنه كان هناك مؤيدون للاتحاد وكان بإمكانهم أن يدعموه، ولكن بيساريون مطران نيقية الذي كان قد تحوَّل إلى الكاثوليكية في ١٤٣٩م وأصبح كاردينالًا على الفور، كان قد غادر القسطنطينية مستاءً بعد أشهرٍ قليلة من مجيئه، وأخذ أول سفينة إلى إيطاليا ولم تطأ قدمُه الأراضي البيزنطية بعد ذلك. صديقه إيزيدور أسقف كييف وعموم روسيا، الذي دخل الكاردينالية كذلك، كان أقلَّ حظًّا؛ حيث تم خلْعه فور عودته إلى موسكو وأُلقي القبض عليه، وإن كان قد تمكَّن من الهرب إلى إيطاليا فيما بعد.٧
أما بالنسبة للبابا إيوجينيوس فلم يكن هناك أيُّ شك. كان اتحاد الكنيسة قائمًا على الورق على الأقل، وكان من واجبه الآن أن يجمع حملةً صليبية ضد أعداء بيزنطة. لو لم يفعل ذلك سيكون قد تراجع عن وعده للإمبراطور، وسيكون ذلك إعلانًا للجميع عن فشلِ مجلس فلورنسا، وأن مرسوم «فلتفرح السماء» كان بلا قيمة. وجد البابا في أوروبا الشرقية، إن لم يكن في الغربية، مَن كانوا على استعدادٍ لتجنيدهم، وفي ١٤٤٣م انطلق جيشٌ قوامه خمسة وعشرون ألفًا من الجنود الصرب والهنغاريين تحت قيادةِ «لاديسلاس Ladislas» ملكِ هنغاريا، و«جورج برانكوفتش George Brancovich» ملكِ الصرب، و«جون هنيادي Hunyadi» حاكمِ ترانسلفانيا. كانت البداية مبشِّرة؛ إذ بحلول عيد الميلاد كانت مدينتا «نيش Nish» و«صوفيا Sofia» قد سقطتا، وفي الوقت نفسه فإن السلطان العثماني مراد الثاني، الذي كان مهدَّدًا من انتفاضات قوية للأتراك الكارامان Karaman Turks في الأناضول بقيادة «جورج كاستريوتس George Castriotes» — سكاندربيرج الشهير — في ألبانيا، ومن قسطنطين بالايولوجوس شقيقِ الإمبراطور وحاكمِ موريا،٨ وجد أنه كان لا بد من التوصُّل إلى اتفاقٍ ودعا القادة الثلاثة إلى بلاطه في أدريانوبل. كانت النتيجة هدنةً لمدة ثلاث سنوات منحها لهم السلطان مقابلَ بعض التنازلات غير المهمة في شبه جزيرة البلقان.
عندما وصلت الأخبار إلى روما فزِع إيوجينيوس ومجلسُه. كانت الحملة تستهدف طردَ الأتراك من أوروبا، وبحسب شروط الهدنة، كانوا يَبدون أكثرَ تحصينًا وثباتًا. غادر الكاردينال «جوليانو سيزاريني Giuliano Cesarini»، اليد اليمنى للبابا فورًا، متجهًا إلى بلاطِ لاديسلاس في «زجيدن Szegedin»؛ حيث أحلَّ الملك رسميًّا من عهده للسلطان، وأمر الحملةَ بالانطلاق في طريقها. كان لا بد من أن يرفض لاديسلاس. إحلالَ أو لا إحلال، كان بذلك يتملَّص من عهده للسلطان، إلى جانب ذلك، فإن قوَّاته آنذاك كانت قد تقلَّصت إلى حدٍّ كبير. كان كثير من أفراد الحملة السابقين قد غادروا عائدين إلى بلادهم، وكان برانكوفيتش، الذي أُعيدت إليه أراضيه الصربية سعيدًا بالهدنة وقرَّر الحفاظ عليها. ولكن الملك الشاب قرَّر أن يفعل ذلك كما كان مطلوبًا منه.

في سبتمبر، عاد بما كان قد تبقَّى من جيشه إلى البحر الأسود بالقرب من فارنا؛ حيث كان يتوقَّع أن يجد أسطوله في انتظاره. كانت السفن الحليفة، ومعظمها فينيسية، مشتبكةً. عندما سمِع مراد بخيانة لاديسلاس عاد مسرعًا من الأناضول بجيشٍ قوامه نحو ثمانين ألف مقاتل، وفي تلك اللحظة كانت السفن تحاول منْعه من عبور البوسفور. فشِلت. شقَّ السلطان الغاضب طريقه عبْر المضيق وأسرع للوصول إلى ساحل البحر الأسود؛ وفي العاشر من نوفمبر ١٤٤٤م، أمام فارنا، والاتفاقية المعطَّلة مشبوكة برايته، هجم بعنفٍ على جيش الحملة. حارب المسيحيون ببسالة فائقة، إلا أنه لم تكن لديهم فرصةٌ أمام تفوُّق عددي بنسبةٍ أكثرَ من اثنين إلى واحد. سقط لاديسلاس، وبعد فترة قصيرة لقي سيزاريني نفسَ المصير. أُبيد الجيش. من بين كل قادته، كان جون هنيادي هو الوحيد الذي تمكَّن من الهرب مع مجموعة صغيرة من رجاله. هكذا انتهت آخرُ حملة ضد الأتراك في أوروبا نهايةً كارثية.

إلا أن المقاومة لم تتوقَّف. في الصيف التالي عكف الإمبراطور قسطنطين على حملةِ غزوٍ تزحف على وسط اليونان وتصل إلى جبال «بندوس Pendus». في ألبانيا كانوا يستقبلونه بتَرحاب أينما حلَّ، في الوقت نفسه كان حاكمُ «آخايا Achaia» التابعً له، مع مجموعة صغيرة من جنود الخيَّالة والمشاة قد عبروا إلى الشاطئ الشمالي من خليج كورنتة، وطردوا الأتراك من «فوقيا Phocis» الغربية (المنطقة المحيطة ﺑ «دلفي Delphi»). كانت تلك الإهانة الأخيرة أكثرَ مما يحتمل مراد. قبل أشهرٍ قليلة كان قد تنازل عن العرش لابنه، إلا أنه استعاد سلطاته ليثأرَ من أولئك اليونانيين الذين ظهروا فجأة. في نوفمبر ١٤٤٦م، انطلق إلى موريا على رأسِ جيشٍ من خمسين ألف مقاتل. مرة أخرى سقطت فوقيا، وهُرع قسطنطين عائدًا إلى «الهكسامليون The Hexamilion»، وهو حصنٌ دفاعي كبير يمتد لمسافةِ ستة أميال عبْر برزخ كورنتة، على طول ممر القناة الحالية تقريبًا، مصرًّا على الاحتفاظ به بأي ثمن. إلا أن مراد كان قد جاء معه بشيء لم يكن قد سبق لليونانيين رؤيته؛ مدفعية ثقيلة. على مدى خمسة أيام كان مدفع السلطان الضخم يدقُّ الأسوار بقوة، وفي العاشر من ديسمبر أعطى الأمر بالهجوم النهائي. وقع معظمُ المدافعين في الأسر أو سقطوا قتلى، واستطاع قسطنطين نفسه أن يعود بصعوبةٍ بالغة إلى عاصمته «ميسترا Mistra».

من ناحية، كان قسطنطين محظوظًا؛ إذ نجت عاصمته. أنقذها شيء واحد. كان شتاء شديد قد جاء مبكرًا على غير المعتاد. لو أن السلطان كان قد شنَّ حملته في مايو أو يونيو وليس في نوفمبر مثلًا، فما كان لجيشه أن يجد صعوبةً في الوصول إلى ما هو أبعد من البيلوبونيز، ولربما كانت ميسترا قد دُمرت تمامًا، وقُتل الحاكم وحُرمت بيزنطة من آخرِ أباطرتها.

•••

في الحادي والثلاثين من أكتوبر ١٤٤٨م، مات جون الثالث في القسطنطينية. من بين كل أباطرة بيزنطة، جون هو الأكثرُ شهرة، وذلك بسبب صورته في لوحة «بينوزو جوزوللي Benozzo Gozzoli» الجصية الشهيرة التي تزيِّن قصر «المديشي ريكاردي Medici Riccardi» في فلورنسا. لم يكن يستحق شهرتَه بعد موته، ولكنه كان قد بذل كلَّ جهده وعمِل في سبيلِ ما كان يعتقد أنه الصواب. إلى جانب أن الوضع كان قد تجاوز كلَّ أمل، فإن أي شيء كان يحاول القيام به، كان لا بد من أن يكون مصيره الفشل، وربما كان ذلك عدلًا. كانت بيزنطة متآكلة من الداخل، مهدَّدة من الخارج، ولم تكن الآن قادرةً على القيام بأي فعلٍ مستقل. بيزنطة التي كانت قد أصبحت مختزلةً في نقطةٍ تكاد تكون غيرَ مرئية على خريطة أوروبا، كانت الآن في حاجة — ربما أكثر من أي دولة كان لها شأن يومًا ما — إلى رصاصة الرحمة. كان قد طال انتظارها … وكانت في الطريق.

في الثالث عشر من فبراير ١٤٥١م، بعد أربعة أشهر من وفاة جون، مات مراد في أدريانوبل على إثرِ سكتة دماغية. خلَفه ابنه الثالث محمد — كان الابنان الأكبران قد ماتا قبل سنوات. أحدهما على الأقل في ظروفٍ مريبة — كان في الثامنة عشرة. كان محمد شابًّا جادًّا مثقفًا، ويقال إنه عندما بدأت خلافته لأبيه كان يجيد العربية واليونانية واللاتينية والفارسية والعبرية، إلى جانب التركية — لغته الأم — بالطبع. عندما جاءته الأخبار، هُرع إلى العاصمة حيث ثبَّت وزراء أبيه في مناصبهم أو في مناصب جديدة. وسط هذه المراسم، جاءت أرملةُ مراد الرئيسية لتهنئته بالخلافة، استقبلها محمد بحرارة وانشغل بالحديث معها لفترة، وبعد أن عادت إلى الحرملك اكتشفت مقتلَ ابنها في الحمَّام الخاص به. يبدو أن السلطان الجديد لم يكن ممن ينتظرون المصادفات.

في غضون أشهرٍ قليلة من ولايته، أبرم محمد معاهداتٍ مع هينادي وبرانكوفيتش ودوج فينيسيا وفرانشيسكو فوسكاري، كما بعث برسائل المودة وحُسن النية إلى أمير «فالاشيا Wallachia»، وفرسان سان جون في رودس، وإلى القادة الجنويين في ليسبوس وخيوس. كما يقال إن السلطان ردَّ على مبعوثي قسطنطين الحادي عشر ردودًا متملِّقة، كان يقسم بالله ورسوله بأن يعيش في سلام مع الإمبراطور وشعبه، وأن يحافظ معه على روابط الصداقة نفسها التي كانت بين أبيه وجون الثامن؛ وربما يكون هذا الوعد الأخير هو الذي جعل الإمبراطور متيقظًا وحذرًا. كان يبدو أنه واحد من أوائل الحكام الأوروبيين الذين شعروا بأن السلطان الشاب لم يكن كما يبدو. على العكس، كان بالفعل في منتهى الخطورة.
ربما كانت لدى محمد نفس المشاعر تجاه قسطنطين، الذي كان في تلك الأيام بمثابةِ شوكة دائمة في خاصرة أبيه مراد، باعتباره إمبراطور الموريا. كان «قسطنطين دراجاسس Constantine Dragases» — رغم أنه كان بالايولوجوسًا قلبًا وقالبًا كان يفضِّل أن يستخدم هذه الصيغة اليونانية من اسم أمه الصربي — كان في منتصف العَقد الرابع، وترمَّل مرتين — وحيث إنه لم ينجب في المرتين — وكان يبحث عن زوجة ثالثة. عندما علم بوفاة مراد في ١٤٥١م جاءت الفكرة «الألمعية» … أن يتزوج إحدى أرامل مراد؛ ماريا الابنة المسيحية لجورج برانكوفيتش العجوز.

بعد خمسة عشر عامًا في الحرملك لم تنجِب، وكان الاعتقاد الشائع هو أن الزواج لم يكتمل، أي إن السلطان لم يبنِ بها. كانت على أية حال زوجةَ أبي السلطان الشاب، فهل كان أفضل من ذلك فرصة لكي يكون الصبي تحت السيطرة؟

لا يهم كثيرًا كيف كان يمكن أن يتغيَّر التاريخ لو أن قسطنطين دراجاسس تزوَّج ماريا برانكوفتش. ربما لا تكون هناك أهميةٌ كبيرة. ربما يكون من المتصوَّر أنها كان يمكن أن تنجح في إقناع ابن زوجها بأن يتخلى عن مشروعاته بالنسبة للقسطنطينية، لو حدث ذلك فلربما كان يمكن للإمبراطورية البيزنطية أن تظل تقاوم على مدى جيل أو جيلين آخرين. ولكنها ما كانت لتستعيد قوَّتها. ولأنها كانت بحيرة مسيحية واحدة، ضعيفة ومفلسة في محيط إسلامي واسع، كان يمكن أن تكون أيامها معدودة ودمارها النهائي مؤكدًا. الحقيقة أنه بالرغم من أن والديها كانا قد وافقا بكل الرضا على المشروع، كان الأمر يتوقَّف على ماريا نفسها. كانت قد نذرت بقيةَ حياتها للتبتُّل والعفَّة وفِعل الخير لو نجت من أيدي «الكفار»؛ وجاءت الأحداث اللاحقة كلها لكي تبرِّر قرارها.

في الوقت نفسه لم يضيِّع محمد الوقت. قرَّر أن يبنيَ قلعة أخرى عند تلك النقطة حيث أكثرُ مناطق البوسفور ضيقًا، وفي الجهة المقابلة تمامًا للقلعة التي كان جَدُّه الكبير بايزيد قد بناها على الشاطئ الآسيوي. القلعتان سوف تحققان له السيطرةَ التامة على القناة المائية (صحيح أن الأرض التي ستُبنى عليها هذه القلعة الجديدة كانت بيزنطية، ولكن محمد، كما أشار، لم يكن ليستطيع أن يمنع نفسه من ذلك).

في مطلع ربيع ١٤٥٢م، تم هدم كل الكنائس والأديرة لتوفير موادَّ للبناء، وفي الخامس عشر من أبريل بدأ العمل في بناء القلعة. بعد تسعة عشر أسبوعًا ونصف الأسبوع، في الحادي والثلاثين من أغسطس كانت قلعة «روميلي هيزار Rumeli Hisar» قد اكتملت لتبدوَ كما هي اليوم. ثم قام السلطان بتركيب ثلاثة مدافع ضخمة على البرج الأقربِ للشاطئ وأصدر إعلانًا بأن تتوقَّف كل السفن المارة أيًّا كان مصدرها أو جنسيتها للتفتيش. في أواخر نوفمبر، تجاهلت سفينة فينيسية محمَّلة بالمواد الغذائية والتموينية كانت متجهة إلى القسطنطينية، تلك التعليمات. تم تفجيرها في الماء، كما تم إعدام طاقمها، أما قائدها «أنطونيو ريزو Antonio Rizzo» فأُعدم على الخازوق، وعُرض ليكون عبرةً لأي قائد قد يفكِّر في تكرار ذلك.
في مطلع العام التالي بدأ الأسطول التركي يتجمَّع بالقرب من شبه جزيرة «جاليبولي Gallipoli». يبدو أن الأسطول كان يحتوي على ما لا يقل عن عشر سفن «بيريم Bireme» وست «تريريم Trireme»،٩ وخمس عشرة «جالية Galley» ذات مجاذيف، ونحو خمسة وسبعين قاربًا طويلًا وعشرين بارجة ثقيلة للنقل وعدد من «السلوب Sloops» و«القُطُر Cutters» الخفيفة.١٠ ويقال — إن حتى — مستشاري السلطان أنفسهم كانوا مدهوشين لحجم هذا الأسطول الضخم، إلا أن ردَّ فِعلهم لم يكن ليُقارن بردِّ فِعل البيزنطيين الذين شاهدوه بعد أسبوع أو أسبوعين يشق طريقه ببطء نحو بحر مرمرة ليرسوَ تحت أسوار مدينتهم.
في الوقت نفسه، كان الجيش العثماني يتجمَّع في «تراقيا Thrace». تقدير اليونان كان أنه يتراوح بين ثلاثمائة وأربعمائة ألف جندي تقديرٌ مضحك؛ إذ تقدِّره المصادر التركية — التي يمكن الاعتماد عليها إلى حدٍّ ما — بنحو ثمانين ألفًا من القوات النظامية وعشرين ألفًا من غير النظاميين أو «الباش بوزوق Bashi-bazouks».١١ كانت القوات النظامية تضم نحو اثني عشر ألفًا من الإنكشارية، صفوة قوات السلطان الذين كان يتم تجنيدهم من الأسر المسيحية في أرجاء الإمبراطورية وهم أطفال، وإخضاعهم لتدريب عسكري وتعليم ديني شاقٍّ، كما كان يتم تدريب بعضهم على حفر الخنادق ورصِّ الألغام وغير ذلك من الأعمال الهندسية. من الناحية القانونية، كانوا عبيدًا لا يتمتعون بأي حقوق شخصية خارج حياتهم العسكرية، ولكنهم كانوا يتقاضون رواتبَ منتظمة ولم يكونوا أكثرَ من رقيق، وفي ١٤٥١م تمرَّدوا مطالبين بأجورٍ أعلى، كما بقيت تمرُّداتهم ملمحًا منتظمًا في التاريخ العثماني حتى القرن التاسع عشر تقريبًا.
كان محمد فخورًا بجيشه، وأكثرَ فخرًا بقوَّته البحرية، ولكنه كان شديد الزهو بتسليحه. كان المدفع، بصورته البدائية، مستخدَمًا بالفعل في القتال منذ مائة عام تقريبًا، وكان إدوارد الثالث قد استخدم نوعًا من المدافع في حصار «كاليه Calais» في ١٣٤٧م، كما كانت المدافع معروفةً في الشمال الإيطالي قبل ذلك بنحوِ ربع القرن، ولكنها في تلك الأيام كانت ضعيفة أمام المباني المصمتة القوية. بحلول العام ١٤٤٦م، كما رأينا، كانت المدافع قد تطوَّرت بما يكفي لهدم الهكسامليون في كورنتة، ومع ذلك حدث أن تقدَّم مهندس ألماني يُدعى، «أوربان Urban»، للسلطان وعرض عليه أن يصنع له مدفعًا يمكن أن يدمِّر أسوارَ بابل نفسها. كان المدفع الأول من أجل السفينة الفينيسية التي كانت تقف بالقرب من روملي هيزار، ثم أمر محمد بصنع مدفعٍ آخر بضعف قوة المدفع الأول. تم الانتهاء من المدفع الجديد في يناير ١٤٥٣م. يقال إن طوله كان نحو سبعة وعشرين قدمًا، وقطر ماسورته نحو قدمين ونصف القدم. كانت سماكة البرونز نحو ثماني بوصات. عند تجربته، انطلقت منه كرةٌ يبلغ وزنها نحو ١٣٤٠ رطلًا عبْر الفضاء، لمسافةٍ تربو على الميل قبل أن تسقط على الأرض بعمق ستة أقدام. أُرسل مائتا مهندس للتجهيز لرحلة هذا الكيان المرعب إلى القسطنطينية، راحوا يمهِّدون الطريق ويقومون بتقوية الجسور، وفي الأول من مارس تحرَّك، يجره ثلاثون زوجًا من الثيران، مع مائة رجل آخرين للحفاظ عليه ثابتًا مستقرًّا أثناء الطريق.

السلطان نفسه غادر أدريانوبل في الثالث والعشرين من مارس. كانت جيوش العصور الوسطى تتحرَّك بطيئة، وخاصة إذا كانت تحمل معدَّات تُستخدم للحصار، ولكن في الخامس من أبريل، كان أن نصَب السلطان خيمتَه أمام أسوار القسطنطينية؛ حيث كان الجزء الأكبر من جيشه الضخم قد وصل قبل ثلاثة أيام. مصرًّا على ألا يضيِّع الوقت، أرسل من فوره، تحت علم الهدنة، رسالةً إلى الإمبراطور كما كانت توجب الشريعة الإسلامية، يتعهَّد فيها بأن كل رعايا الإمبراطورية سيكونون في أمان مع أسرهم وممتلكاتهم في حال استسلامهم طوعًا. أما إذا رفضوا فلن تكون رحمة أو شفقة.

وكما كان متوقعًا، لم يأتِ ردٌّ على الرسالة. باكرًا، في صباح السادس من أبريل، فتحت مدفعيته نيرانها.

•••

كان أهالي القسطنطينية يعملون أيضًا؛ يقومون بإصلاحاتٍ وبتقوية الدفاعات، يطهِّرون الخنادق المائية حول المدينة، ويخزِّنون الأغذية والسهام والأدوات والأحجار الثقيلة وكلَّ ما قد يحتاجونه. في الوقت نفسه كان إمبراطورهم قد أرسل المزيد من الاستغاثات للغرب، ولكن الاستجابة — كالعادة — كانت فاترة. في فبراير وافق مجلس النواب في فينيسيا على إرسال سفينتين على متن كلتيهما أربعمائة جندي، بالإضافة إلى خمس عشرة جالية، بمجرد الانتهاء من تجهيزها، ولكن هذا الأسطول لم يغادر البحيرة حتى العشرين من أبريل. تعهَّدت المستوطنة الفينيسية في سيرينيسيما بأن سفنها لن تعود إلى بلادها؛ إجمالًا، كان الفينيسيون يستطيعون تقديمَ تسع سفن تجارية، من بينها ثلاث من مستوطناتهم في كريت.١٢
كان من بين المدافعين كذلك قوةٌ صغيرة من جنوة. كان كثير منهم قد جاءوا — كما كان متوقعًا — من المستوطنة الجنوبية في «جالاتا Galata»، أكبرِ الأحياء الأجنبية في القسطنطينية الواقعِ شمال شرقي القرن الذهبي؛ إلى جانب ذلك كانت هناك مجموعةٌ رمزية من جنوة نفسها، نحو سبعمائة شخص كان قد روَّعهم جبن حكوماتهم — إذ كانت قد وعدت قسطنطين بسفينة واحدة — وقرَّرت أن تحارب من أجل المسيحية. كان قائدهم «جيوفاني جوستنياني لونجو Giovanni Giustiniani Longo» ابنًا لواحدة من أكبر عائلات الجمهورية وخبيرًا بفنون الحصار العسكري. كان حلفاء من هذا القبيل محلَّ ترحيب كبير، ولكن بالرغم من أنهم قد يكونون منحوا الإمبراطور قدْرًا من الشجاعة، فإنهم لم يقدِّموا له أيَّ أمل حقيقي. كان عدد سفنه في القرن الذهبي ستًّا وعشرين سفينة، وهو رقم لا يُذكر مقارنةً بالأسطول العثماني. بالقرب من آخرِ مارس، كان قد أمر سكرتيره «جورج سفرانتز George Sphrantzes» — الذي ترك لنا وصفًا كاملًا للحصار — أن يقوم بحصرِ كل أقوياء البنية من أبناء المدينة؛ بمن فيهم القساوسة والرهبان، الذين يمكن استدعاؤهم لحماية الأسوار. كان عدد سكان المدينة قد تناقص بشدة بسبب الطاعون (الموت الأسود) الذي كان قد هاجم المدينةَ عشر مرات في القرن الماضي، إلا أن الرقم النهائي كان أسوأ مما يُتصوَّر: ٤٩٨٣ يونانيًّا، وأقل من ٢٠٠٠ أجنبي. لكي يدافع عن أسوارٍ ممتدة على مسافةِ ما يقرب من أربعة عشر ميلًا، ضد جيش محمد الذي يصل إلى مائة ألف مقاتل تقريبًا، لم يستطِع حشْدَ أكثر من سبعة آلاف شخص.
كانت الأسوار البرية، محلَّ ثقة بيزنطة في ذلك الربيع المشئوم من عام ١٤٥٣م، تمتد من شواطئ بحر مرمرة إلى مرتفعات القرن الذهبي، وتشكِّل الحدود الغربية للمدينة. كان عمرها أكثرَ من ألف عام. كانت تُعرف بأسوار ثيودوسيوس نسبةً للإمبراطور «ثيودوسيوس الثاني Theodosius II» التي بُنيت في عهده، واكتملت في سنة ٤١٣م عندما كان طفلًا. كانت الأسوار منيعة، وذلك من منظور أعمال الحصار العسكري في العصور الوسطى. أيُّ جيش مهاجم، كان لا بد بدايةً من اجتياز خندق عميق عرْضه ستون قدمًا، يملأ الماء جزءًا كبيرًا منه بعمقٍ يصل إلى ثلاثين قدمًا في حالة الطوارئ. خلْف ذلك كان هناك متراسٌ منخفض مزوَّد بفرجات وخلْفه شقة من الأرض شبه المستوية عرْضها نحو ثلاثين قدمًا، بعد ذلك يأتي السور الخارجي وسمكه سبعة أقدام وارتفاعه ثلاثون قدمًا تقريبًا، مع ستة وتسعين برجًا على امتداده تفصل بينها مسافات متساوية.

بداخل هذا السور، كانت تمتد شقةٌ أخرى من الأرض، ثم عنصر الدفاع الرئيسي، السور الداخلي الكبير بسمك ستة عشر قدمًا عند قاعدته، وارتفاع نحو أربعين قدمًا فوق مستوى المدينة. كان يوجد به كذلك ستة وتسعون برجًا، تتعاقب مواقعها مع مواقع أبراج الحصن الخارجية. كانت محصِّلة ذلك كلِّه أقوى حصنٍ عرفته العصور الوسطى.

إلا أن العصور الوسطى كانت قد انقضت. على مدى الأسابيع الثمانية التالية، أخضع السلطان هذه الأسوار القوية لقصفٍ غير مسبوق في تاريخ الحصار العسكري؛ وخلْف حظائر خشبية بديلة كان المدافعون يعملون دون توقُّف لإصلاح الأضرار، ولكن كان من الواضح أنهم لن يستطيعوا الاستمرارَ في ذلك إلى ما لا نهاية. واحد فقط من دفاعاتهم كان يبدو منيعًا ومحصنًا ضد أي هجوم قد يقوم به العدو؛ تلك السلسلة العظيمة الممتدة عبْر مدخل القرن الذهبي من برجٍ أسفل «الأكروبولوس Acropolis» على ما هي الآن «سيراجليو بوينت Seraglio Point»، إلى آخرَ على الأسوار البحرية ﻟ «جالاتا». بعد أيام قليلة من بدء الحصار، قام القائد البحري التركي بقيادة عدد من أثقلِ سفنه لكي يدكَّه، إلا أنه كان راسخًا.

كان من صفات السلطان المميزة، تركيزُ الاهتمام فجأةً على هدفٍ معيَّن إلى أن يحقِّقه، وفي منتصف أبريل كان قد أصبح كله إصرار على الاستيلاء على القرن الذهبي. ربما لا تبدو الطريقة التي اقترح أن يتم بها ذلك قابلة للتصديق اليوم؛ جعل مهندسيه يعملون على شقِّ طريق يمرُّ خلْف جالاتا من نقطة على شاطئ البوسفور على التل القريب فيما يسمَّى اليوم ﺑ «ميدان تقسيم»، إلى القرن الذهبي حتى «قاسم باشا». تم صبُّ العجلات الحديدية والعوارض المعدنية، في الوقت الذي كان فيه النجارون منهمكين في عمل هياكل خشبية تتَّسع لقواعد السفن ذات الحجم المتوسط. صباح الأحد الثاني والعشرين من أبريل كانت المستوطَنة الجنوبية في جالاتا تراقب، مشدوهةً، نحو سبعين سفينة تركية محمَّلة على عرباتٍ تجرُّها ببطء مجموعاتٌ كثيرة من الثيران، على تلٍّ يبلغ ارتفاعه نحو مائتي قدم، ويتم إنزالها برفقٍ في القرن مرة أخرى.

بحلول أول مايو، كان الإمبراطور قد أدرك أنه لن يستطيع الصمود أكثرَ من ذلك. كان هناك أملٌ واحد قد تبقَّى؛ أن تأتيَ حملةُ إنقاذ من فينيسيا. هل كان هناك بالفعل أسطول في الطريق؟ وإن كان … فكيف سيكون حجمه وماذا يحمل معه؟ الأهم من ذلك كلِّه كان: متى يصل؟ كان مصير القسطنطينية يتوقَّف على الإجابة عن هذه الأسئلة. ثم كان قبل أن تنتصف ليلة الثالث من مايو مباشرة، أن انسلت بريجنتية،١٣ رافعةً علمًا تركيًّا، وتحمل طاقمًا مكوَّنًا من اثني عشر متطوعًا متنكرين كأتراك، وانزلقت تحت السلسلة العائمة. ليلة الثالث والعشرين، عادت تطاردها مجموعةٌ من السفن العثمانية. من حسن الحظ أن السفينة البخارية الفينيسية كانت ما زالت أفضلَ من التركية، وسرعان ما نجحت في دخول القرن بعد هبوط الليل. على الفور، طلب قائدها لقاء الإمبراطور. قال إنه كان قد أبحر في أرجاء بحر إيجه ولم يجد أثرًا لحملةٍ موعودة أو لأي سفينة فينيسية. عندما أدرك أن لا فائدة من مواصلة البحث، طلب عَقد اجتماع مع البحارة وسألهم ماذا هم فاعلون. كان أحدهم مع العودة إلى فينيسيا، مجادلًا بأن القسطنطينية ربما كانت بالفعل في أيدي الأتراك، ولكنهم أسكتوه. بالنسبة للباقين، كانت المهمة واضحة … لا بد من العودة والمثول أمام الإمبراطور كما وعدوا أن يفعلوا؛ ولذا عادوا وهم يعلمون تمامًا أنهم قد لا يغادرون المدينة أحياء. شكر قسطنطين كلًّا منهم شخصيًّا … كان صوته مختنقًا بالبكاء.

في السادس والعشرين من مايو عَقد السلطان مجلسَ حرب. قال لمن حوله إن الحصار كان قد طال بما يكفي، وإن الوقت حان للقيام بالهجوم النهائي. سيكون اليوم التالي للتحضير، الذي بعده سيكون للراحة والصلاة. الهجوم سيبدأ في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الموافق للتاسع والعشرين من مايو. لم تجرِ أيُّ محاولات لإخفاء الخطة عن المدافعين عن المدينة، لدرجةِ أن بعض المسيحيين في المعسكر التركي قاموا بإطلاق السهام عبْر الأسوار حاملةً رسائل تبلغهم بنوايا محمد، إلا أن مثل تلك الإجراءات لم يكن لازمًا تقريبًا؛ فقد كان للنشاط المحموم، ليل نهار، في المعسكر الآخر شأنٌ آخر.

في آخر يوم إثنين في تاريخ الإمبراطورية، ترك شعب القسطنطينية — بمن فيهم الإمبراطور — منازلهم وتجمَّعوا من أجل شفاعة جماعية أخيرة؛ وبينما كانت أجراس الكنائس تدقُّ، كانت أقدسُ الأيقونات وأنفسُ التذكارات قد حُملت للحاق بالموكب التلقائي الذي كان يضم اليونانيين والإيطاليين، الكاثوليك والأرثوذوكس على السواء، وهو يشقُّ طريقه عبْر الشوارع وعلى امتداد الأسوار. عندما انتهى كان الغسق قد حلَّ من كل فجٍّ في المدينة، وكما لو كان بالغريزة، كان الناس يشقُّون طريقهم نحو كنيسة الحكمة المقدَّسة. على مدى الأشهر الخمسة السابقة كان اليونانيون قد تجنَّبوا ذلك المبنى معتقدين أن الممارسات اللاتينية، التي لا يقبلها أيُّ بيزنطي ورِع — كانت قد دنَّسته. الآن، لأول وآخر مرة، كانت الفوارق الدينية قد تم نسيانها. كانت كنيسة «سان صوفيا St Sophia»، كما لم تكن أيُّ كنيسة أخرى، هي المركز الروحاني للبيزنطيين. في تلك اللحظة، لحظة الأزمة القصوى، لم يكن هناك مكانٌ آخرُ يمكن الذهاب إليه.

كانت الصلاة الجامعة مستمرةً عندما وصل الإمبراطور للتناول مع رعاياه. بعد وقتٍ متأخر، وبعد أن أُطفئت كلُّ الشموع ما عدا تلك القليلة الدائمة، وبعد أن غمر الظلام الكنيسة، انسل الإمبراطور ليصليَ بمفرده. ثم رجع إلى الأسوار. لن يتذوق طَعم النوم في تلك الليلة؛ لأن محمدًا لم ينتظر حتى الفجر ليبدأ هجومه. في الواحدة والنصف صباحًا أعطى الإشارة. فجأةً تمزَّق صمت الليل، دوي الأبواق وهدير الطبول وصيحات الحرب التركية المروعة كانت كفيلةً بأن توقظ الموتى! في الوقت نفسه انطلقت أجراس كل كنائس القسطنطينية تدق لتعلن لكل المدينة أن المعركة النهائية قد بدأت.

كانت موجات الهجوم تتوالى: أولًا، الباشي بوزوق غير النظاميين، ورغم أنهم لم يكونوا مدرَّبين وقدرتهم على الاحتمال ضعيفة، كانوا مستعدين للتضحية وملائمين لهدم الروح المعنوية للمدافعين ليصبحوا فرائسَ سهلة بالنسبة للمحاربين الأكثرِ كفاءة الذين سيأتون بعدهم؛ بعد ذلك تأتي كتائبُ أتراك الأناضول جيدةُ التدريب شديدةُ الانضباط، التي تضم مسلمين شديدي التديُّن بلا استثناء، وكلهم مصرُّون على الحصول على ثواب في الجنة بأن يكونوا أولَ مَن يدخل أكبر مدن العالم المسيحي؛ وأخيرًا، الإنكشارية، الذين يتقدَّمون عبر السهول في صفوفٍ متراصة، برغم ما يطلقه عليهم المدافعون من قذائف. بعد الفجر بوقت قصير، أُصيب جيوفاني جيوستنياني لونجو بسهم اخترق صدرَه. عمَّت الفوضى صفوفَ الجنوييين ليفرَّ كثير منهم، ولكن حتى ذلك الحين، لم يكن لذلك أهميةٌ كبيرة. في غضون ساعة واحدة، كان الأتراك قد أحدثوا ثغرةً في السور وراحوا يتدفقون على المدينة؛ وعندما وجد الإمبراطور أن كل شيء قد ضاع، ألقى بنفسه في المعركة حيث كان القتال على أشده … ولم يرَه أحدٌ بعد ذلك.

كان الصباح قد جاء والقمر شاحب في السماء وساعات الرعب تتوالى، وبحلول الظهيرة كانت شوارع القسطنطينية قد تحوَّلت إلى بحار من الدماء. المنازل نُهبت، والنساء والأطفال اغتُصبوا وقُتلوا على الخوازيق، والكنائس نُهبت ودُمرت، الأيقونات تم انتزاعها من أُطُرها الذهبية، والكتب مُزقت من أغلفتها الفضية. في كنيسة الحكمة المقدَّسة كانت صلاة الفجر ما زالت مستمرةً عندما سُمعت أصوات قدوم الغزاة تقترب. الأكثر فقرًا والأقل جاذبيةً من بين المصلين تم ذبحهم فورًا، الباقون تم اقتيادهم إلى معسكرات مَن قاموا بأسْرهم لاستخدامهم كما يحلو لهم. القساوسة الذين كانوا يرأسون القداس واصلوا الصلاة لأطول وقت ممكن قبل أن يُذبحوا في أماكنهم على المذبح العالي؛ هناك بين بعض الأرثوذوكس المؤمنين، مَن لا يزال يعتقد أن واحدًا أو اثنين منهم قاموا بجمع الآنية المقدسة واحتفظوا بها على نحوٍ غامض في الحائط الجنوبي للحرم المقدس، وأنها ستبقى هناك إلى يومِ أن تعود القسطنطينية مدينةً مسيحية، وحينذاك سوف يستأنفون الطقس من النقطة التي توقَّفوا عندها.

كان السلطان قد وعد رجاله بمنحهم ثلاثة أيام يجمعون فيها الغنائم كما هو متَّبع عندهم في التراث الإسلامي، ولكن أعمال العنف كانت فظيعةً لدرجة أن أحدًا لم يحتجَّ عندما أوقف السلطان ذلك في نفس اليوم الذي بدأ فيه جمْع الغنائم. هو نفسه انتظر توقُّف التجاوزات قبل أن يدخل المدينة. وفي وقتٍ متأخر من المساء كان يتهادى راكبًا حصانَه في الطريق المؤدية إلى كنيسة سان صوفيا. ترجَّل عن حصانه أمام البوابة الرئيسية، وانحنى ليتناول حَفنة تراب لينثرها على عِمامته في تواضع، وبعد ذلك — فحسب — دخل المبنى. بأمر منه، صعد كبير الأئمة المنبرَ، وبعد أن حمد الله الرحمن الرحيم، أعلن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. كانت تلك هي اللحظة. تخلَّى الصليب عن مكانه للهلال، وأصبحت كنيسة سان صوفيا مسجدًا، وحلَّت الإمبراطورية العثمانية محلَّ الإمبراطورية البيزنطية بعد أن استأصلتها. القسطنطينية أصبحت إسطنبول، وحقَّق محمد البالغ من العمر واحدًا وعشرين عامًا أعلى طموحاته.

•••

استُقبلت أخبارُ سقوط القسطنطينية ومعها الإمبراطورية البيزنطية مصحوبةً بالرعب في أرجاء العالم المسيحي. مع انتشار اللاجئين في اتجاه الغرب كانوا يحملون معهم تفاصيلَ القصة التي لم يَضِع منها شيء. ولكن أوروبا الغربية، برغم ما أصابها من فزعٍ حقيقي وعميق، لم تتغير تغيرًا كبيرًا. الدولتان اللتان تأثَّرتا فورًا، فينيسيا وجنوة، لم تضيِّعا وقتًا للتوصل إلى أفضل الشروط للتعامل مع السلطان.

أسطول النجدة الفينيسي، الذي كان قد جهَّزه البابا نيكولاس الخامس بشكل أساسي، كان قد رسا بالقرب من «خيوس Chios» في انتظار ريحٍ مواتية لكي يكمل رحلته إلى القسطنطينية؛ عندما اقتربت بعض السفن الجنوية التي تمكَّنت من الهرب من «جالاتا» حاملةً معها الأخبار، انسحب قائده «جياكومو لوريدان Gicomo loredan» على الفور إلى إيوبيا في انتظار أوامر. في الوقت نفسه، تم إيفاد رسول خاص، هو «بارتولوميو مارشيللو Bartolomeo Marcello»، لتهنئة محمد بانتصاره، وتأكيد نية الجمهورية الصادقة في الحفاظ على معاهدة السلام، التي كانت قد عُقدت مع والده وأكَّدها هو شخصيًّا، ويطلب إعادةَ كل السفن الفينيسية التي كانت قد بقيت في القسطنطينية، موضحًا أنها لم تكن سفنًا حربية وإنما تجارية. وإذا وافق السلطان على تجديد المعاهدة يمكن أن يطلب مارشيللو السماحَ لفينيسيا بالاحتفاظ بمستوطناتها التجارية في المدينة، بنفس الحقوق والمزايا التي كانت تتمتع بها تحت الحكم البيزنطي. أثبت محمد أنه كان مساومًا صعب المراس؛ إذ بعد تفاوضٍ استمر على مدى العام، أطلق سراح السفن والسجناء، وسمح بعودة المستوطنة الفينيسية، إلا أنها لن تتمتع مرةً أخرى بالامتيازات الإقليمية والتجارية التي كانت أساسَ قوَّتها وازدهارها في السابق. كان الوجود اللاتيني في الشرق يتدهور.
كان لدى الجنويين ما يعتمدون عليه أكثرَ مما كان لدى الفينيسيين، لكي يواصلوا دورَهم المزدوج. في جالاتا، كان الحاكم (البودستا Podesta) قد فتح البوابات لحظةَ دخول الأتراك، كما كان قد فعل كلَّ ما في وُسعه لمنع الهجرة الجماعية غير الملائمة لمواطنيه. بعد فترة، تلقَّى تأكيداتٍ بأن جنويي جالاتا سوف يحتفظون بممتلكاتهم، وأنهم يمكنهم ممارسة طقوسهم الدينية ما داموا لم يدقوا أجراسًا أو يبنوا كنائسَ جديدة، إلا أنهم كان لا بد من أن يسلِّموا أسلحتهم ويقوموا بتدمير تحصيناتهم وقلعتهم. نظريًّا، كانت المستوطنات التجارية الجنوية على طول الشاطئ الشمالي للبحر الأسود، بما في ذلك ميناء «كافا Caffa» المزدهر في القرم، كان سوف يسمح لها بالبقاء، ولكن منذ موت أنطونيو ريزو، كان قليل من البحَّارة هم الذين يغامرون بالمرور عبْر المضايق، وكان قليل من التجار هم المستعدين لدفع الرسوم الباهظة المطلوبة. باستثناء جزيرة خيوس، التي كانت لتبقى جنوية حتى ١٥٦٦م، كانت إمبراطورية جنوة قد انتهت بنهاية القرن.
في روما، لم يُبدِ البابا نيكولاس أيَّ اهتمام بالمصالح الشخصية للجمهوريات التجارية. كان يبذل قصارى جهده لكي يستحث الغرب من أجل حملة صليبية جديدة، وهي القضية التي كان يؤيدها بحماسة شديدة الكاردينالان اليونانيان بيساريون وإيزيدور، وكذلك ممثِّل البابا في ألمانيا «إينياس سيلفيوس بيكولوميني Aeneas Sylvins Piccolomini» الذي سيصبح البابا «بيوس Pius» في المستقبل، ولكن مسعاه كان بلا جدوى. قبل مائتي أو ثلاثمائة عام، كانت الحماسة المسيحية قويةً للقيام بحملات عسكرية لإنقاذ أماكن الحجِّ المقدسة. مع قدوم أفكار النهضة الإنسانية انطفأت جذوة الحماسة الدينية. كان الارتباك قد أصاب أوروبا وبيزنطة قد ماتت. مع وصول الجيش العثماني إلى ذروة قوَّته، لم يكن هناك أملٌ في أن تقوم للإمبراطورية قائمة.
شهد العَقد التالي لسقوط القسطنطينية عددًا من عمليات التطهير وبخاصة في اليونان؛ حيث انتهت الدوقية اللاتينية في أثينا في ١٤٥٦م باستيلاء الأتراك على المدينة. الدوق الأخير «فرانكو أكياجولوي Franco Acciajuloi» قُتل بعد أربع سنوات عندما آلت إمارة موريا التي كان قد لجأ إليها إلى نفس المصير. مستوطنة نيجروبونتي، المعروفة لنا باسم جزيرة إيوبيا، سقطت في ١٤٧٠م. المراكز المسيحية المتقدمة كانت تتضمَّن كريت وقبرص وقلعة أو اثنتين من موريا وعددًا قليلًا من الجزر الأيونية، أهمُّها كورفو وشيفالونيا وزانتة، مع شريط ضيِّق على ساحل دالماشيا. كل تلك المواقع بقيت فينيسية. ولكن في المناطق الخلفية من البلقان كان جزء من البوسنة قد سقط باكرًا في ١٤٣٨م، والباقي بالإضافة إلى الهرسك في الجنوب كان قد تفتَّت بين ١٤٦٣م و١٤٨٠م.
كان هناك على أية حال موقعٌ حصينٌ آخر؛ جزيرة رودس، حيث منذ ١٣٠٦م، كان فرسان سان جون يديرون مستشفاهم ويشنُّون في الوقت نفسه حربَهم الخاصة ضد «الكفار». بالنسبة للغرب، كانوا هم الآن خطَّ الدفاع الأول ضد الإسلام. لم يعودوا مفارقةً تاريخية من مفارقات العصور الوسطى، بل كانوا يعتبرون مخلصي العالم المسيحي. من جهة أخرى، بالنسبة للسلطان محمد، كانوا مصدر إزعاج وقلق مستمر؛ وفي ربيع ١٤٨٠م تحرَّك ضدهم. كان جيشه قوامه نحو سبعين ألف مقاتل، نقله إلى الجزيرة على أسطول مكوَّن من نحو خمسين سفينة. على متن هذه السفن كان هناك عدد من تلك المدافع المرعبة التي أفادته كثيرًا في القسطنطينية. في مقابل هذا الجيش الضخم تصدى الفرسان بنحو ستمائة مقاتل من تنظيمهم، مع ما يقرُب من ألف وخمسمائة مقاتل من الأجانب والميليشيات المحلية. كانوا يعتمدون أيضًا على تعاون الروديسيين أنفسهم وكانوا كلهم مسيحيين. كان الجميع تحت قيادة قائدهم الأعلى «بيير دو بوسو Pierre d’Aubsson» وكان في السابعة والخمسين من العمر. قبل عدة سنوات، وكان يعرف أن الهجوم حتميٌّ، قام باستدعاء أكبر المهندسين العسكريين لتحصين مدينة رودس وجعلها مدينةً منيعة، والآن حيث كان الأتراك في الطريق، كان مستعدًّا لهم.

بدأ الحصار في الثالث والعشرين من مايو، وبحلول منتصف يونيو كانت أجزاء من سور المدينة الذي انهمر عليه ألف قذيفة تقريبًا من كرات المدافع، كانت قد بدأت تتساقط، إلا أن الفرسان ظلوا صامدين. في السابع والعشرين من يوليو كان الهجوم النهائي. كالعادة، كان الباشي بوزوق غير المدرَّبين، الممكنُ التضحيةُ بهم في المقدمة، يتبعهم الإنكشارية. اندفعوا عبْر الأجزاء المتبقية من السور عن طريقِ ما يسمَّى بالبرج الإيطالي وتمكَّنوا من أن يرفعوا رايةَ النبي داخل المدينة، ولكن الفرسان قاموا بهجومٍ مضاد. أُصيب القائد الأعلى بجراحٍ شديدة بعد قليل، وفجأةً انتشر الذعر بين الباشي بوزوق. فاستداروا ولاذوا بالفرار. أما السبب فسيظل لغزًا. قيل إنهم أصيبوا بالرعب عندما رأوا الرايات المسيحية المزيَّنة بصور السيدة العذراء والقديسين ترفرف في الهواء، كانوا من المسلمين ولم يكن قد سبق لمعظمهم أن رأى تمثيلاتٍ ثنائيةَ البعُد للوجه أو الجسد البشري. أيًّا كان السبب فإنه شيء نادر بالفعل في تاريخ الحروب أن يفرَّ جيش قائم بالحصار، بعد أن يكون قد نجح في اختراق أسوار مدينة. بالنسبة للجيش التركي كان الانتصار يتحوَّل بين لحظة وأخرى إلى كارثة. قُتِل ما يقرب من أربعة آلاف من بينهم ثلاثمائة من الإنكشارية الذين كانوا قد احتلوا الحيَّ اليهودي وتم احتجازهم هناك.

كان الفرسان قد انتصروا في معركة، ولكنهم لم يكسبوا الحرب. كان السلطان محمد غاضبًا أشدَّ الغضب لهزيمته، فبدأ من فوره في إعداد جيش جديد، وقرَّر أن يقوده بنفسه ضدهم في العام التالي، ولو أنه فعل ذلك لما كانت أمامهم فرصة؛ حيث كان من المستحيل أن يتم إصلاح الدفاعات في الوقت المناسب. ولكن في ربيع ١٤٨١م، أصيب السلطان بحمَّى شديدة مصحوبة بإسهال. بعد يوم أو يومين قضى نحْبَه، وكان فرسان سان جون يحتفظون بجزيرتهم الجميلة لمدة أربعين سنة أخرى، ولكنها كانت قد أصبحت جزيرةً بأكثر مما يحمل المعنى الجغرافي للكلمة.

كان الحوض الشرقي للمتوسط قد أصبح بحرًا إسلاميًّا تمامًا.

هوامش

(١) لم يُعمَّر عثمان ليراها، ولكن أورهان نقل جثمان والده ليتم دفنه في القلعة، وأصبحت المدينة أشبه بمزار، ومكانًا لدفن أوائل سلاطين آل عثمان.
(٢) منذ ١٢٩٨م عندما أصبح المجلس الأعلى مقصورًا على العائلات المدرجة أسماؤها في كتاب الجمهورية الذهبي.
(٣) انظر الفصل الحادي عشر: نهاية العصور الوسطى.
(٤) لم تَحفظ له ظروفُ اختياره وخلْعه بعد ذلك مكانًا على قائمة الباباوات المعتمدين؛ كما أنه من المثير للدهشة كذلك أن الكاردينال «أنجيلو رونسالي Angelo Roncalli» اتخذ اللقبَ نفسه عند اختياره للبابوية في ١٩٥٨م.
(٥) العقيلة، كهلة متزوجة وذات مقام رفيع. (المترجِم)
(٦) انظر الفصل السادس: إيطاليا العصور الوسطى.
(٧) في روما، أسَّس بيساريون أكاديميةً لترجمة ونشر الأعمال اليونانية الكلاسيكية، وعند موته في ١٤٧٢م كان قد ترك مكتبةً مهمة من المخطوطات اليونانية، تركها كلَّها لفينيسيا لتصبح نواة مكتبة مارسيانا Biblioteca Marciana الشهيرة.
(٨) كانت موريا Morea، المعروفةُ لنا باسم البيلوبونيز، قد شهدت محتليها الفرنجةَ يتدهورون تدريجيًّا، وكانت ولايةً تتمتَّع بالحكم الذاتي في إطار الإمبراطورية البيزنطية منذ منتصف القرن السابق. كان يُعهد بها دائمًا لأحد أقرباء أسرة الإمبراطور.
(٩) على خلاف السفن القديمة التي تحمل نفس الأسماء، كانت يوجد بالبيريم والتريريم التركية جانب واحد من المجاذيف. كان على التريريم ثلاثة أفراد لكل مجذاف، أما على البيريم فكان كل اثنين يجلسان معًا.
(١٠)
  • البيريم Bireme: مركَب بصفَّي مجاذيف في كل جانب.
  • التريريم Trireme: سفينة قديمة في كلٍّ من جانبيها ثلاثة صفوف من المجاذيف.
  • الجالي Galley: سفينة شراعية ذات مجاذيف ويُطلق عليها قادس.
  • السلوب Sloop: مركَب شراعي وحيد الصاري.
  • القطر Cutter: مركَب شراعي صغير وحيد الصاري ويكون تابعًا للسفينة الحربية يُستخدم لنقل الأشخاص والمؤن من السفينة وإليها. (المترجِم)
(١١) قوات الفرسان العثمانية المشهورة بالوحشية. (المترجِم)
(١٢) لا بد من أن نسجِّل هنا — بأسفٍ — أنه، في تحدٍّ لوعدهم، تسلَّلت سبع سفن فينيسية تحمل سبعمائة إيطالي من القرن الذهبي عائدةً إلى بلادها.
(١٣) بريجنتية Brigantine: سفينة فينيسية صغيرة ذات صارَين. (المترجِم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤