نهر الجنون

(بهو في قصر ملكٍ من ملوك العصور الغابرة.)

(الملك ووزيره مُنفردان.)

الملك : ما تقصُّ عليَّ مُروِّع!
الوزير : قضاء وقَع يا مولاي!
الملك (في دهشٍ وذهول) : الملكة أيضًا؟
الوزير (مُطرقًا) : وا حزناه!
الملك : هي أيضًا شربَت مِن ماء النهر؟!
الوزير : كما شربَ أهل المملكة أجمعون!
الملك : أين رأيت الملكة؟
الوزير : في حديقة القصر!
الملك : ما كان يَنقص الخطب إلا هذا!
الوزير : لقد حذَّرها مولاي أن تَقرب ماء النهر، وأوصاها أن تَشرب مِن نبيذ الكروم … لكنه القدَر!
الملك : قُل لي كيف علمتَ أنَّها شربت من ماء النهر؟!
الوزير : سيماؤها … حركاتها!
الملك : أحادثَتْك؟!
الوزير : لم أكَدْ أُقبل عليها حتى ازورَّتْ عنِّي في شبه رَوع؛ كذلك فعلَتْ وصائفها وجواريها، وطَفقْنَ يَتهامَسْنَ ويَنظرنَ إليَّ نظرات المُزورِّين!
الملك (كالمُخاطب نفسه) : كل هذا بدا لعيني في تلك الرؤيا! … رحمةً بنا أيتها السماء!
الوزير : نعم … كل هذا رأتْهُ عيناي من قبل!

(صمت.)

الوزير : متى يَذهب غضب السماء عن هذا النهر؟
الملك : مَن يدري؟
الوزير : ألم يرَ مولاي في تلك الرؤيا الهائلة ما يُنبئ بالخلاص؟!
الملك (يُحاول أن يتذكَّر) : لستُ أذكر!
الوزير : تذكَّر يا مولاي!
الملك (يُحاول التذكُّر) : لستُ أذكر أكثر مما قصصتُ عليك … رأيتُ النهر أول الأمر في لون الفجر، ثم أبصرتُ أفاعي سوداء قد هبطَت فجأةً مِن السماء، وفي أنيابها سمٌّ تَسكبه في النهر، فإذا هو في لون الليل! … وهتَفَ بي مَن يقول: «حذارِ أن تَشرب بعد الآن من نهر الجنون!»
الوزير : ويلاه!
الملك : وقد رأيتُ الناس كلهم يشربون!
الوزير : إلا اثنين!
الملك : أنا وأنت!
الوزير : وا فرحتاه!
الملك : علام الفرحُ أيها الرجل؟!
الوزير (يَستدرك) : عفوًا مولاي! … إنَّ حزني لعظيمٌ! … ليتَني … ليتَني كنتُ فداء الملكة!
الملك : شدَّ ما أبغض هذا الكلام! … ليتَكَ تَستطيع على الأقل أن تجد لها دواءً … يُحزنني أن يذهب مثل عقلها الراجح، ويَخبو هذا الذهن اللامع في سماء هذه المملكة!
الوزير : حقًّا … إنها كانت كالشمس في سماء هذه المملكة!
الملك : نعم … أنت دائمًا تُردِّد ما أقول ولا تفعل شيئًا … عليَّ برأس الأطباء!
الوزير : رأس الأطباء؟!
الملك : نعم رأس الأطباء … لعلَّه يَستطيع لها شفاءً!
الوزير : مولاي نسيَ أنَّ رأس الأطباء كذلك قد ذهب!
الملك : ذهب؟! … أين؟
الوزير : هو أيضًا من الشاربين!
الملك : يا لَلمصيبة!
الوزير : لقد رأيتُه كذلك بين يدَي الملكة، وقد تغيَّرت نظراته وحركاته، وكلَّما لمحني هزَّ رأسه هزًّا لا أدرك له معنًى!
الملك : رأس الأطباء قد جُنَّ!
الوزير : نعم!
الملك : لقد كان نابغةَ زمانه … أية خسارة أن يُصاب مثل هذا الرجل بالجنون؟!
الوزير : وفي وقتٍ نحن أحوَجُ ما نكون إلى عِلمه وطبِّه!
الملك : ليس في هذه المملكة الآن غير واحد يَستطيع إنقاذنا مما نحن فيه!
الوزير : مَن يا مولاي؟!
الملك : كبير الكُهان!
الوزير : وا حسرتاه!
الملك : ماذا؟
الوزير : منهم يا مولاي!
الملك : ما تقول؟ … مِن الشاربين؟
الوزير : أجل، منهم!
الملك : هذا — ولا ريبَ — ما يُسمَّى بالخطب الجلل! حتى كبير الكهان أصيب بالجنون، وهو أحسنُ الناس رأيًا، وأبعَدُهم نظرًا، وأثبتهم إيمانًا، وأطهرهم قلبًا، وأدناهم إلى السماء؟!
الوزير : هو القضاء يا مولاي … ألم أَقُل إنه قضاء وقع؟!
الملك : أجل … إنها لَكارثة شاملة! … ليس لها مِن نظير، لا في التواريخ ولا في الأساطير … مملكة بأسرها قد أصابها الجنون دفعة واحدة، ولم يَبقَ بها ناعمٌ بعقله غير الملك والوزير!
الوزير (يَرفع رأسه إلى أعلى) : رحمة السماء!
الملك : أصغِ أيها الوزير! … إنَّ السماء التي حبَتْنا بالاستثناء، وحفظَتْ علينا نعمة العقل، لا ريب ترانا خليقَين أن تستجيب منَّا الدعاء! هلمَّ بنا إلى معبد القصر، نُصلي وندعو أن تردَّ إلى الملكة والناس عقولهم! … هذا آخر ملجأ نستطيع أن نَلتجئ إليه.
الوزير : أجل يا مولاي … آخر ملجأ لنا وخير ملجأ: السماء!

(يَخرجان من أحد الأبواب.)

(يدخل من باب آخر: الملكة، ورأس الأطباء، وكبير الكهَّان.)

الملكة : إنه لخَطب فادح!
رأس الأطباء وكبير الكهان (معًا) : أجل! … إنها لطامة كبرى!
الملكة (لرأس الأطباء) : أما من حيلة للطبِّ في ردِّ نور العقل إلى هذَين البائسَين؟!
رأس الأطباء : يشقُّ عليَّ هذا العجز منِّي أيتها الملكة!
الملكة : تفكَّر يا رأس الأطباء!
رأس الأطباء : لقد تفكَّرت مليًّا يا مولاتي … إنَّ ما أصابهما لا يسعه عِلمي!
الملكة : أأقنَطُ إذن من شفاء زوجي؟!
رأس الأطباء : لا تَقنطي يا مولاتي … هنالك مُعجزات تَهبط أحيانًا من السماء! … هي فوق الأطباء!
الملكة : ومتى تَهبط تلك المُعجزات؟
رأس الأطباء : مَن يَدري يا مولاتي؟!
الملكة : يا كبير الكهان! … استَنزِل لي واحدةً منها الآن! … الآن! … الآن!
رأس الأطباء : أَستنزل واحدة من ماذا؟!
الملكة : واحدةً مِن تلك المعجزات التي في السماء!
رأس الأطباء : مَن قال يا مولاتي إني أستطيع أن أستنزل شيئًا مِن السماء؟!
الملكة : أليس هذا مِن عَملِك؟
رأس الأطباء : إنَّ السماء يا مولاتي ليست كالنخيل، يستطيع الإنسان أن يَستنزِل منها ما شاء من ثمار!
الملكة : ألا تستطيع إذن أن تصنع شيئًا؟! … إني زوجٌ تحبُّ زوجها! … إني امرأة تُريد إنقاذ رجلها … أنقذوا زوجي! … أنقذوا زوجي!
رأس الأطباء : بعض الصبر يا مولاتي!
كبير الكهان : دع الملكة تقول! … إنها لعلى حق … هي تَبكي زوجًا كريمًا! … الناس كذلك لو عرفوا الحقيقة لبكوا ملكًا كان حازم الرأي راجح العقل!
الملكة : احذَرُوا أن يَعرف الناس الخبر!
كبير الكهان : نحن أصمت من قبرٍ يا مولاتي! … غير أني أخشى عاقبة الأمر … إنا مهما أخفَينا الخبر لا بد أن يظهر يومًا من الأيام! … وأي مصيبة أفدح من عِلم الناس بأنَّ الملك والوزير …
الملكة : صهٍ! … إنَّ هذا مُروِّع!
كبير الكهان : حقًّا … إنَّ هذا مُروِّع وعظيم الخطر!
الملكة : ما المَخرج؟! … لا تَقِفا من الأمر موقف اليأس … افعَلا شيئًا … إني أفقد عقلي أنا أيضًا، ولا ريب، إن طال أمدُ هذا الحال!
كبير الكهان : لو أنَّ في مقدوري فهم ما يدور برأسه!
الملكة : إنه يَذكر النهر في فزع، ويَزعُم أنَّ ماءه مسموم!
كبير الكهان : وماذا يَشرب إذن؟
الملكة : نبيذ الكروم! … ولا شيء غير نبيذ الكروم!
رأس الأطباء : نعم … نبيذ الكروم! … يَغلب على ظنِّي أنَّ الإدمان قد أثَّر في عقله!
الملكة : إن كان الداء فيما تقول فما أيسَر الدواء! … تُمنع عنه الخمر!
رأس الأطباء : وماذا يَشرب؟!
الملكة : ماء النهر!
رأس الأطباء : أتحسبينَه يَرضى يا مولاتي؟!
الملكة : أنا أحملُه على ذلك!
رأس الأطباء (يَلتفت إلى صوت قريب) : ها هو ذا الملك قادم!
الملكة (تُشير إلى رأس الأطباء وكبير الكهان) : اتركانا وحدَنا!

(يَخرجان، ويتركان الملكة، تتأهَّب لمُلاقاة الملك.)

الملك (يَراها فيَقِف بغتةً في مكانه) : أنت هنا؟
الملكة (تَنظر إليه مليًّا) : نعم!
الملك : لماذا تَنظرين إليَّ هذه النظرات؟!
الملكة (تنظر إليه وتَهمِس متوسلةً) : أيتها المعجزات!
الملك (يتأمَّلها في حزن) : ويلي! … إنَّ قلبي يتمزق! … لو تعلمين مقدار ألَمي أيتها العزيزة؟!
الملكة (تُحدِّق في وجهه) : لماذا؟
الملك : لماذا؟ … نعم أنتِ لا تَعرفين! … هذا الرأس الجميل، لا يُمكن الآن أن يَعرف!
الملكة : ما الذي يُؤلمُك أنت؟
الملك (يَنظر إليها مليًّا) : يؤلمني … هل أستطيع أن أقول؟ … هذا فوق ما أَحتمِل!
الملكة (كالدَّهِشة) : إنكَ تَشعُر بالنازلة؟
الملك : أتسألينَني؟! … وأي شعور؟!
الملكة (في استغراب) : هذا غريب!
الملك : وا حزناه!
الملكة (تتأمَّله لحظةً في إشفاق، ثم تجذبه) : تعالَ أيها العزيز اجلس إلى جانبي على هذا الفراش، ولا تحزن كل هذا الحزن! … لقد آنَ لهذا الشر أن يزول عنا!
الملك : ماذا تقولين؟!
الملكة : نعم … ثِقْ أنه سيزُول!
الملك (يتأمَّلُها دهِشًا) : إنك تُحسِّين ما حدَث؟!
الملكة : كيف لا أُحسُّ أيها العزيز، وهو ما يملأ نفسي أسًى؟
الملك (يَنظر إليها مليًّا) : هذا عجيب!
الملكة : لماذا تَنظر إليَّ هذه النظرات؟!
الملك (مُتوسمًا في إشفاق) : أيتها السماء!
الملكة : تدعو السماء؟ … وقد استجابَت السماء!
الملك : ماذا أسمع؟
الملكة (في فرح) : لقد وجدنا الدواء!
الملك : وجدتُم الدواء؟ … متى؟!
الملكة (في فرح) : اليوم!
الملك (في حرارة) : وا فرحتاه!
الملكة : نعم … وا فرحتاه! … إنما يَنبغي لك أن تُصغي إلى ما أقول، وأن تعمل بما أنصح لك به! … يجب عليك أن تُقلِع مِن فورك عن شُرب النبيذ وأن تَشرب من ماء النهر!
الملك (ينظر إليها، وقد عاد إلى يأسِه وحزنه) : ماء النهر؟!
الملكة (بقوة) : نعم!
الملك (كالمُخاطِب نفسه) : ويْحِي … أنا الذي حسبَ السماء قد استجابت!
الملكة (في قوة) : أصغِ إليَّ واعمل بما أقول!
الملك (يَنظر إليها مليًّا في يأس) : إني لأرى الأمر يَزداد في كل يوم شرًّا … وهل كان يخطر لي على بال أنها تتكلَّم مثل هذا الكلام؟ … وأنَّ ما بها يَبلغ هذا؟ … ويلاه! … لا بد من إنقاذها! … لا بدَّ من إنقاذها! … كاد يَذهب من رأسي العقل. (يخرج سريعًا) … أيها الوزير! … عليَّ بالوزير!
الملكة (كالمُخاطِبة لنفسها في حزن وإطراق) : صدق رأس الأطباء، إنَّ الأمر لأعسر مما … (تتنهَّد وتخرج).
الوزير (يدخل من باب آخر مُتغيِّر الوجه) : مولاي! … مولاي!
الملك (يعود أدراجه) : أيها الوزير!
الوزير : جئتُكَ بخبرٍ هائل!
الملك (في رجفة) : ماذا أيضًا؟
الوزير : أتدري ما يقول الناس عنَّا؟
الملك : أي ناس؟
الوزير : المجانين!
الملك : ماذا يقولون؟
الوزير : يَزعُمون أنهم هم العقلاء، وأن الملك والوزير هما المصابان!
الملك : صهٍ! … مَن قال هذا الهراء؟!
الوزير : تلك عقيدتُهم الآن!
الملك (في تهكُّم حزين) : نحن المصابون وهم العقلاء؟! … أيتها السماء رُحماكِ! … إنهم لا يَشعُرون أنهم جُنوا!
الوزير : صدقت!
الملك : يُخيَّل إليَّ أن المجنون لا يشعر أنه مجنون!
الوزير : هذا ما أرى!
الملك : إنَّ الملكة، وا حسرتاه، كانت تحادثني الآن وكأنها تَعقل ما تقول، بل لقد كانت تُبدي لي الحزن وتسدي إليَّ النصح!
الوزير : نعم! … نعم! … كذلك صنَع بي كلُّ مَن قابلتُ من رجال القصر وأهل المدينة.
الملك : أيتها السماء رفقًا بهم!
الوزير (في تردُّد) : وبنا!
الملك (مُتسائلًا في دهش) : وبنا؟!
الوزير : مولاي! إني … أُريد أن أقول شيئًا!
الملك (في خوف) : تقول ماذا؟
الوزير : إني كدتُ أرى …
الملك (في خوف) : ترى ماذا؟
الوزير : إنهم … كل شيء …
الملك : من هم …؟!
الوزير : الناس … المجانين … إنهم يَرموننا بالجنون، ويتهامسون علينا، ويتآمَرون بنا … ومهما يكن من أمرهم، وأمر عقلهم، فإنَّ الغلَبة لهم، بل إنهم هم وحدهم الذين يملكون الفصل بين العقل والجنون؛ لأنَّهم هم البحر وما نحن معًا إلا حبتان من رمل … أتسمَع منِّي نصحًا يا مولاي؟!
الملك : أعرف ماذا تُريد أن تقول!
الوزير : نعم … هلم نصنع مثلهم، ونشرَب من ماء النهر!
الملك (يَنظر إلى وجه الوزير مليًّا) : أيها المسكين! … إنك قد شَربت … أرى شُعاعًا من الجنون يَلمع في عينَيك!
الوزير : كلا … لم أفعل بعد!
الملك : اصدُقني القول!
الوزير (في قوة) : أَصدقُكَ القول … إني سأشرب! … وقد أزمعتُ أن أصير مجنونًا مثل بقية الناس … إني أضيق ذرعًا بهذا العقل بينهم!
الملك : تُطفئ من رأسك نور العقل بيدَيك؟!
الوزير : نور العقل؟ … ما قيمة نور العقل في وسط مملكة من المجانين؟! … ثق أنَّا لو أصرَرنا على ما نحن فيه؛ لا نأمن أن يَثِب علينا هؤلاء القوم! … إني لأرى في عيونهم فتنة تَضطرم، وأرى أنهم لن يَلبثوا حتى يصيحوا في الطرقات: «الملك ووزيره قد جُنَّا، فلنَخلع المجنونَيْن!»
الملك : ولكنَّا لسنا بمجنونَيْن!
الوزير : كيف نعلم؟!
الملك : ويحك! … أتقول جِدًّا؟!
الوزير : إنك قد قلتَها الساعة يا مولاي: إنَّ المجنون لا يشعر أنه مجنون!
الملك (صائحًا) : ولكني عاقل، وهؤلاء الناس مجانين!
الوزير : هم أيضًا يَزعمون هذا الزعم!
الملك : وأنت؟ … ألا تَعتقِد في صحة عقلي؟
الوزير : عقيدتي فيكَ وحدها، ما نفعها؟ … إنَّ شهادة مجنون لمجنون لا تُغني شيئًا!
الملك : ولكنَّك تعرف أني لم أشرب قط من ماء النهر!
الوزير : أعرف!
الملك : وأنَّ الناس كلهم قد شربوا منه!
الوزير : أعرف!
الملك : وأني قد سَلِمت من الجنون؛ لأني لم أشرب، وأُصيب الناسُ؛ لأنهم شربوا!
الوزير : هم يقولون بأنهم إنما سَلِموا هم من الجنون لأنهم شربوا، وأنَّ الملك إنما جن لأنه لم يشرب!
الملك : عجبًا! … إنها لصفاقة وجه!
الوزير : هذا قولهم وهم المُصدَّقون، وأما أنت فلن تَجد واحدًا يُصدِّقك!
الملك : أهكذا يَستطيعون أيضًا أن يجترئوا على الحق؟!
الوزير : الحق؟! (يُخفي ضحكه.)
الملك : أتضحَك؟!
الوزير : إنَّ هذه الكلمة منا في هذا الموقف غريبة!
الملك (في رجفة) : لماذا؟
الوزير : الحق والعقل والفضيلة، كلها أصبحت ملكًا لهؤلاء الناس أيضًا … هم وحدهم أصحابها الآن!
الملك : وأنا؟
الوزير : أنت بمُفردك لا تملك منها شيئًا!

(الملك يُطرِق في تفكير وصمت!)

الملك (يَرفع رأسه أخيرًا) : صدقت … إني أرى حياتي لا يُمكن أن تدوم على هذا النحو!
الوزير : أجل يا مولاي … وإنه لمن الخير لك أن تعيش مع الملكة والناس في تفاهُم وصفاء، ولو منحتَ عقلك من أجل هذا ثمنًا!
الملك (في تفكير) : نعم! … إن في هذا كل الخير لي … إنَّ الجنون يُعطيني رغد العيش مع الملكة والناس كما تقول، وأما العقل فماذا يعطيني؟!
الوزير : لا شيء … إنه يَجعلك منبوذًا من الجميع … مجنونًا في نظر الجميع.
الملك : إذن فمن الجنون ألَّا أختار الجنون؟
الوزير : هذا عين ما أقول!
الملك : بل إنه لمن العقل أن أُوثر الجنون!
الوزير : هذا لا ريب عندي فيه!
الملك : ما الفرق إذن بين العقل والجنون؟!
الوزير (وقد بُوغت) : انتظر! … (يُفكر لحظة) لستُ أتبيَّن فرقًا!
الملك (في عجَلة) : عليَّ بكأسٍ من ماء النهر!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤