محمد بك أباظة١

من شاء أن يَعْرِف الصرح كيف يَتَهَدَّم، والطَّوْدَ كيف يتَحَطَّم، والجمال كيف يَحُول،٢ والزهر كيف يَلْحَقُه الذُّبول، والبدر كيف يُدْرِكه الأفول؛ فهذا مصرع محمد بك أباظة فيما دون رَدَّة الطرف، لقد كان مصْرَعُه آية من آيات الله على أن القوة لله جميعًا.
كان محمد شديدًا في عَقْلِه، شديدًا في ذكائه، شديدًا في خُلُقه، شديدًا في خَلْقه، شديدًا في صراحته، شديدًا في وفائه، يرى أن أسباب الحياة دون أن يَسْتَخْذِيَ لها، فكان لا يصيبها إلا قُوَّة وغِلابًا، لا وَرِعًا٣ في إقدامه ولا هَيَّابًا، حتى إذا جاء أمر الله تَلَقَّاه مطيعًا، ومضى إليه سريعًا، لم تُغْنِ عنه قُوَّتُه كلها فإن القوة لله جميعًا.

لقد ضَنَنَّا بك يا محمد على الموت، وضَنَّ القَدَرُ بك على الحياة، فلم يكن ما أَرَدْنَا ولكن كان ما أراد الله.

وا رحمتا لك: أهكذا تهوي البدور، أهكذا تغيض البحور، أهكذا تُزَلْزَل شُمُّ الجبال، أهكذا يُخْتَرَم غطاريف الرجال، أهكذا تَعْدو المنية على ذخيرة أُمَّة وعُدَّة آمال؟

وا حسرتا عليك: يَطْوِيك الرَّدَى أكْمَل ما تكون بدرًا، أَفَكَرِهْتَ فُسْحَة العيش خشيةَ أن يُدْرِكَكَ السِّرار، ولِمِصْرَ فيك أوطار كثار: أم هكذا جرى على مصر حُكْم الأقدار، فلا يَنْجُم فيها فتًى إلا عاجَلَتْهُ بالتلف والبوار؟

لقد أَتْعَبْتَ الوسائل في خَطْبِك، فَجَلَلْتَ على الرِّثاء، وتعاظمتني فيك أسباب العزاء، ولو كان منك عِوَض لاطمأَنَّ الصبر على فَقْدك إلى جزاء.

فاللهم رِفْقًا بالبلاد، واللهم لُطْفًا بالعباد، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لموتك يا محمد لمحزونون.

١  نُشِرَتْ بجريدة الأهرام في ٢٣ يوليو سنة ١٩٢٣.
٢  يحول: يتغير.
٣  الورع هنا: الجبان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤