لوزة التي لا تهدأ
كان «زنجر» يدافع بشجاعة عن قطعة اللحم الملقاة على الأرض … وقررت «لوزة» أن تحسم الصراع … فأخرجت منديلها وأمسكت بقطعة اللحم وأسرعت تجري … لقد ظنَّت أن هذا سيَحسم الموقف … ولكن الكلب الجائع الشرس أسرع يَجري خلفها … وكاد يصل إليها، فارتكنت إلى حائط منزل قديم ووقفت لا تدري ماذا تفعل.
ولكن «زنجر» تدخَّل … وتدخَّل بطريقة لا تخطر على البال … لقد انقضَّ على رقبة الكلب المتشرِّد وعضَّه عضةً أطلقت نباح الألم من فمه … وأسرع يبتعد جاريًا وهو يعوي.
ووقف «زنجر» يلهث ويلعق فمه … ثم سارا … «زنجر» في المقدمة وخلفه «لوزة»، وسرعان ما وصلا إلى فيلا منعزلة … دخل «زنجر» من بابها وأطلق نباحًا خفيفًا … وجاء نباح آخر ردًّا عليه … ودخلت «لوزة» إلى حديقة مُهمَلَة … قد ارتفعت فيها الأعشاب دون ترتيب … ورأت الكلب الأصفر جالسًا … ولكنه لم يكد يراها حتى قفز واقفًا وأسرع يرحِّب بها … فلم ينسَ «الكوكر» الأصفر ما فعلته الفتاة الرقيقة من أجله.
وألقت إليه «لوزة» بقطعة اللحم فانقضَّ عليها وأعمل فيها أسنانه … بينما جلس «زنجر» بجواره راضيًا …
نظرت «لوزة» حولها … كان واضحًا أن الفيلا مهجورة منذ فترة ليست قصيرة … فالنوافذ عليها تراب … والحديقة مُهمَلَة … والسلالم عليها أوراق بالية ألقت بها الريح. إذن ماذا يفعل «الكوكر» هنا؟
ودارت حول الفيلا … ولم تتردَّد أن تُنصِت حول النوافذ والأبواب … ولكن لم يكن في الداخل أي صوت … كان كل شيء صامتًا …
ومرة أخرى خطر لها السؤال نفسه: ماذا يفعل «الكوكر» الأصفر هنا؟
الإجابة بسيطة وواضحة … إن أصحابه قد هجروا الفيلا وتركوه.
ولكن يأتي سؤال آخر … لماذا تركوه؟
إن الناس لا تترك كلابها … فهي أصدق صديق للإنسان … خاصة إذا كان كلبًا من نوع «الكوكر» النادر.
وفجأة خطر ﻟ «لوزة» خاطر جعل شعرها يقف … ورعدة قوية تسري في بدنها … هل مات صاحب أو صاحبة الكلب فجأة؟ وكان الكلب خارج الفيلا؟ إن هذا ممكن؟
وأخذت تنظر تحت قدميها إلى الحشائش النامية … لعلها تعثر على شيء ما ينير لها السبيل … ولكن لم تكن إلا آثار الإهمال … وأوراق الجرائد التي حملتها الريح، والأتربة … وحنفية غير مُحكمَة الإغلاق تنزل منها قطرات المياه … ولعلها كانت وسيلة «الكوكر» للشرب وإلا لمات عطشًا … فلم يكن في إمكان «زنجر» أن يحمل له المياه.
ظلت «لوزة» واقفة تنظر حولها بعيدًا … كان أقرب سكن إلى الفيلا يبعد أكثر من مائتي متر … والشمس حارقة، وقد آن لها أن تعود لتروي كل ما حدث لبقية المغامرين، وقالت ﻟ «زنجر»: هل تعود معي؟
وهز «زنجر» ذيلَه مرات … ثم دار حول «الكوكر» الأصفر ونبح نباحًا خفيفًا كأنه يستأذنه في العودة … ومرَّت «لوزة» بيدها على شعر «الكوكر» الناعم ثم اتخذت طريقها عائدة بسرعة إلى منزلها.
ولحقت بطعام الغداء في الدقيقة الأخيرة … وجلست تأكل وهي شاردة بينما كان بقية أفراد الأسرة يتناولون البطيخ المثلج … ولاحظت والدة «لوزة» … شرودها … فقالت تسألها: خيرًا يا «لوزة» … تبدين شاردة الذهن!
نظرت إليها «لوزة» ثم قالت: هناك لغز يشغل بالي.
قال والدها في حنان: ألم تَكُفِّي عن شغل ذهنِك بهذه الألغاز؟
قالت «لوزة»: لقد أنهيت امتحاناتي بتفوق … أليس كذلك؟
قالت «الأم» باسمة: إن ما يعجبني فيك هو اهتمامك بدروسك … ونجاحك المتواصل، وليس عندي ما أعترض عليه سوى خوفي عليكِ.
الوالد: وما هو اللغز الجديد؟
لوزة: كلب جميل من نوع «الكوكر» لا يجد صاحبه.
الأم: شيء مُؤلم حقًّا … وماذا ستفعلين؟
لوزة: سأعرض الموضوع على المغامرين … وسوف نرى ما نفعله … ولكن المشكلة أن «تختخ» ما زال أمامه يوم آخر للامتحان.
الأم: انتظري يومًا.
لوزة: إنني لا أستطيع الانتظار دقيقة واحدة.
تدخل «عاطف» في الحديث لأول مرة قائلًا: هل من جديد يا «لوزة»؟
لوزة: نعم … وعندما نجتمع في المساء سأَروِي لكم ما حدث.
وفعلًا … عندما هبط المساء في المعادي، وغابت الشمس، كان المغامرون الأربعة يجلسون معًا في الحديقة … وبدأت «لوزة» تروي لهم مغامرتها مع «زنجر» والكلب المتوحش الذي هاجم «زنجر»، ثم ذهابها إلى الفيلا المهجورة … وقالت «لوزة»: وقد وجدتُ «الكوكر» هناك … ومن الواضح أن صاحبه أو أصحابه كانوا يسكنون في هذه الفيلا وأنهم إما غادروها … أو …
نوسة: أو ماذا؟
لوزة: أو أنهم في داخلها … ولكن موتى …
ساد الصمت بعد هذه الجملة … فكلمة الموت ليست كلمة ظريفة … وقال «محب» مبددًا الصمت: الحل الوحيد أن نَفتح الفيلا.
«لوزة» متحمِّسة: نعم … لا بُدَّ أن نفتح الفيلا … دعونا نذهب الآن.
عاطف: يا لكِ من متسرعة يا «لوزة» … إن فتح مكان مغلق ليس فيه أحد، هو شيء من اختصاص رجال الشرطة … ولا بُدَّ له من إجراءات … ثم افترضي أننا وَجدنا هناك بعض الموتى …
أشارت «نوسة» بيدها ﻟ «عاطف» ليتوقف وقالت: دعونا من حكاية الموتى هذه … وتعالوا نسأل: ألا يمكن أن يكون هذا «الكوكر» قد اتخذ هذا المكان لإقامته … وأنه ليس له علاقة بالفيلا؟
محب: هذا مُمكن طبعًا.
لوزة: إن ما يحسم المسألة هو أن ندخل الفيلا … إنني متأكِّدة أن وجود الكلب هناك يتعلق بسرٍّ ما … ولا بُدَّ من كشف هذا السر!
محب: في هذه الحالة لا بُدَّ من اللجوء إلى الشاويش «فرقع»، إنه مُمثِّل القانون، وهو صاحب الحق الوحيد في فتح الفيلا … و …
ولم يُكمل «محب» جملته … فقد ظهر «تختخ» في هذه اللحظة … وسرعان ما اجتمع حوله الأصدقاء وقال «محب»: ماذا أتى بك؟
تختخ: إنني في راحة لمدة ساعة … وقد سألت عن «لوزة» تليفونيًّا فقالوا لي إنكم مجتمعون في الحديقة، فقلت أحضر لأقضي معكم بعض الوقت ثم أعود إلى البيت.
عاطف: هل الامتحانات على ما يرام؟
تختخ: الحمد لله … وغدًا آخر يوم.
لوزة: إن هناك أخبارًا هامة جدًّا تتعلَّق بالكلب «الكوكر»!
ابتسم «تختخ» قائلًا: طبعًا … لا بُدَّ أنك فحصت حكايته جيدًا وخرجت منها ببعض الاستنتاجات.
لوزة: ليست استنتاجات فقط يا «توفيق»، ولكنها معلومات أيضًا.
تختخ: معلومات … من أين؟
لوزة: إن كلبك العزيز «زنجر» هو السبب … لقد تبعتُه … فإذا هو يحمل جزءًا من طعامه إلى الكلب «الكوكر» … في حديقة فيلا مهجورة … وهناك رأيت الكلب … واستنتجت أنه كان يعيش في الفيلا مع أصحابه وأنهم، إما هجروا الفيلا وتركوه … وإما أنهم …
وترددت «لوزة» قليلًا فأكمل «محب»: وإما أنهم داخل الفيلا وحدث لهم شيء سيِّئ … ماتوا مثلًا.
بدا الاهتمام على وجه «تختخ» وقال: إنَّ ذلك شيء مثير حقًّا!
لوزة: أليس كذلك؟
تختخ: طبعًا … وإنني أتوقَّع أن يكون هناك سرٌّ ما خلف هذا الكلب … فليس من المعتاد أن يهجر الناس كلابهم بهذه الطريقة … خاصة وهو كلب من نوع نادر في بلادنا … وفي الوقت نفسه كان مصابًا عندما عثرنا عليه في كشك «زنجر».
صاحت «لوزة» مبتهجة: هذا ما قلته بالضبط … لقد كنت متأكدة أنك ستوافقني على أن هناك سرًّا يستحقُّ أن نكشفه.
تختخ: سأنتهي من امتحاني غدًا الساعة الثانية عشرة ظهرًا … وسنَذهَب لفحص الفيلا.
لوزة: لقد فحصتها من الخارج جيدًا … وليس هناك شيء يمكن أن يكون دليلًا أو شيئًا من هذا القبيل، ولا بُدَّ من دخول الفيلا.
محب: وقد اقترحتُ أن نذهب لمقابلة الشاويش «علي» ونُحاول أن نُقنعه بفتح الفيلا.
تختخ: كلام معقول جدًّا.
لوزة: كيف نلتقي غدًا؟
تختخ: أمام المدرسة في الساعة الثانية عشرة … ويَكفي أن تأتي أنتِ يا «لوزة» … وفي المساء نجتمع جميعًا.
وقضى «تختخ» بقية ساعة الراحة مع المغامرين في نقاش حول الكلب «الكوكر» الأصفر … ثم انصرفوا جميعًا … على موعد في الغد … وعندما نامت «لوزة» تلك الليلة … كانت تحلم بلغز مثير …