بشائر الميلاد

اخرُجْ وطلَّ — برأسكَ المبْتلِّ —
من ثقبٍ يُطِلُّ على الحياة،
واشهقْ من الأنسامِ أوَّلَ شهقةٍ،
حرِّكْ بها الصدرَ الأصم،
وانظُرْ إلى وجهي،
ووجِّهْ ناظرَيْك لناظِرَيَّ،
أهناك تحنان إليَّ؟

•••

فأنا الذي أسندتُ رأسك
حينما لاحت لتهوي في الحياة.
وأنا الذي قبَّلتُ فاك،
عانقت فجرَك واستمعتُ إلى نداك،
وبراحتيَّ حملتُ نبْتًا عاريًا
هَدْهدتُهُ، أدفأتهُ حتى علا من حلقه بِشْرُ الصراخِ؛
فكان يحفر فرحةً في خاطري،
وكسوتُه ورقًا، ودفئًا،
وابتسامًا من ثغور أزهري،
وأنا قطعت بمبضعي لك حبلك السُّرِّيَّ
— شريانَ الحياةِ —
لكي أزفَّ لك الحياة.
فدع حياتك داخلَ «البُرْنُس»،
وودِّعْ مهدك المقلوبَ في الأرحامِ،
وابدأ رحلةَ الأيام.

•••

اخرجْ إلى سفحِ الحياة،
واكتبْ وجودَك في سجلَّاتِ الزمن،
واسكب بسمعكَ أولَ الألحانِ فرحًا أو شجن،
واسبح بأمواجِ الهواءِ بدون شطٍّ أو شراع،
فشراعُك الأقدار والشطُّ الغيوب،
والزيتُ من دمك البريءِ،
وقلبُك المصباحُ في هذا الزمان.

•••

واصرخْ وهُزَّ الصمت،
ودِّع بالصدى كبت الرَّحِم،
وانسَ الألم
— إن كنت تدري أيَّ مَعْنًى للألم —
واقطف بكفَّيْك الأماني التي تهفو إليك.

•••

يا ليتَ شعري هل تحسُّ،
وهل تعي معنى الحياة؟
وهل تراني أو ترى «ماما» بآلامِ المخاض؟!
أرأيتها إذ أنت تقطع كبدَها قطعًا وئيدًا؟!
إذ أنت تعصرُ قلبَها عصرًا مُميتًا،
تسْتلُّ منها روحها،
وتعود تُرجعها وتسلِبُها؛ فيمتدُّ العذاب؟!
أرأيتها إذ أنت خيَّالٌ عنيدٌ وامتطيتَ فؤادها،
وجعلت تلهبَ نبضَها
بسياط مولدك الرهيب؛
فكاد أن يذوي جوادُك،
قبل أن يُلقيك في شطِّ الضياء؟!

•••

حتى وُلدتَ مخضَّبًا بدماء فرحتها،
وقد نثرتْ دماها — مثل باقاتِ الزهورِ —
تحفُّ مهد وليدها،
ولعلَّها لو خُيِّرتْ بين البقاء
وبين رؤُيا ما نما واخضرَّ فيها؛
فضَّلتْك على ربيعِ حياتها.

•••

يا أيها الطفلُ الذي يسعى
إلى حضنِ الحياةِ وسحرِها،
اذكر عناءَك وقتَ كانَ مخدَّرًا فيكَ الأسى،
ومجمَّدًا فيك العناء،
في البرزخِ الممدودِ من إظلامةِ الأرحام،
حملَتْكَ في أحشائها «وهنًا على وهنٍ»،
ولم تبخَل بروحٍ أو دماء؛
فاحمِلْ بقلبك والدَيْك — كِلَيْهما —
واخفضْ جناحَ الذُّلِّ قل:
يا رب فلترْحَمْهما،
وانقشهما
في قلب طفلٍ لم يزل كالصفحةِ البيضاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤