الغيبوبة الكبرى

وكم أهدرتُ من حبي هلامَ دمي
على أفيونِ أشعاري!
سعيدًا كنتُ في قفصي،
وكنتُ أخالُهُ الفِردَوْسَ
في غيبوبتي الكبرى،
وكنت بقسوةِ الحرمانِ يكفي قلبي الظمآن أن يلقاكَ.
حتى إنْ تمادت بيننا القضبانُ
في زهوٍ لتمنعني!

•••

وكنتُ برحمة الحبِّ
أحسُّ بأنَّ إعتامَ الحديدِ يشِفُّ،
والجدرانَ لا تخفيكَ عن عيني،
يدُ السَّجَّانِ كانت تحملُ السجنَ
تدحرجه، وتقلبه، وترمِيه،
وتنسى الدميةَ الروحَ التي تحيا بواديه!
ولا تدري يدُ المحبوب؛ إذ تغتال في بطْءٍ ضميرَ الحبِّ!
فحبك للعُصَيْفيرِ الذي في سجنك المحبوبِ، هل ولَّى؟
شغوفًا كنت مجنونًا بأشعاري،
ظننتَ الشعر لا ينسابُ
إلا إن عبثت بدمية صمَّاء
نسيت — لهول ما تنساهُ —
أنَّ الحرف أعصابُ،
وأن اللحن روحٌ كلُّه ودماء.

•••

تركت الباب مفتوحًا، ولم أهرب،
ولكن جذوةَ الأشواقِ تسألني عن المهرب،
أغني وحشتي لليل مؤتنسًا بآهاتي!
عذابي أنك المحبوب والسجان،
وأنت القمقمُ المدفونُ في تسبيحةِ الفنان،
وأني لا أرى في الحبِّ إلا أن يكونَ النَّهْرُ
مشتاقًا الي الظمآن.
وقد أصبحت كالطفلِ الذي ينمو؛
فينسى شهوةَ اللعبة
وكالشيخِ الذي باعَ الصلاةَ وأنكرَ الكعبة،
فمعذرةً إذا جفت بحورُ النارِ في قلبي،
فكم أهدرت من حبي هلامَ دمي
على «أفيونِ» أشعاري!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤